وترجـم البخاري (باب كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله , ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك) , و
قوله تعالى : "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا" فقوله: (إذا شغل عن طاعة الله) مأخوذ من قوله تعالى: "ليضل عن سبيل الله". وعن الحسن أيضا : هو الكفر والشرك. وتأوله قوم على الأحاديث التي يتلهى بها أهل الباطل واللعب. وقيل: نزلت في النضر بن الحارث; لأنه اشترى كتب الأعاجم: رستم, واسفنديار; فكان يجلس بمكة, فإذا قالت قريش إن محمدا قال كذا ضحك منه, وحدثهم بأحاديث ملوك الفرس ويقول: حديثي هذا أحسن من حديث محمد; حكاه الفراء والكلبي وغيرهما. وقيل: كان يشتري المغنيات فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه; ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه. وهذا القول والأول ظاهر في الشراء. وقالت طائفة: الشراء في هذه الآية مستعار, وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الباطل. قال ابن عطية: فكان ترك ما يجب فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لها; على حد قوله تعالى:
" أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" [البقرة: 16] ; اشتروا الكفر بالإيمان , أي استبدلوه منه واختاروه عليه. وقال مطرف: شراء لهو الحديث استحبابه. قتادة: ولعله لا ينفق فيه مالا , ولكن سماعه شراؤه.
قلت: القول الأول أولى ما قيل به في هذا الباب; للحديث المرفوع فيه, وقول الصحابة والتابعين فيه.
وقد زاد الثعلبي والواحـدي في حديث أبي أمامة: (وما من رجـل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحـدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت). وروى الترمذي وغيره من حـديث أنس وغيره عن النبي أنه قال: (صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما: صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح ورنة عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب)..... وخرج ابن بشران عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي قال: (بعثت بهدم المزامير والطبل). وروى الترمذي من حديث علّي رضي الله عنه قال قال رسول الله (إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء – فذكر منها: "إذا اتخذت القينات ( المغنيات) والمعازف. " وفي حديث أبي هريرة: (وظهرت القيان والمعازف). وروى ابن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال قال رسول الله : (من جلس إلى قينة " مغنية" يسمع منها صب في أذنه الآنك يوم القيامة). وروى أسد بن موسى عن عبدالعزيز بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر قال: بلغنا أن الله تعالى يقول يوم القيامة: ( أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان أحلوهم رياض المسك وأخبروهم أني قد أحللت عليهم رضواني ). وروى ابن وهب عن مالك عن محمد بن المنكدر مثله, وزاد بعد قوله ( المسك: ثم يقول للملائكة أسمعوهم حمدي وشكري وثنائي, وأخبروهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون). وقد روي مرفوعا هذا المعنى من حديث أبي موسى الأشعري أنه قال قال رسول الله : (من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين). فقيل : ومن الروحانيون يا رسول الله؟ قال: (قراء أهل الجنة) خرجـه الترمذي الحكيم أبو عبدالله في نوادر الأصول, وقد ذكرنا في كتاب التذكرة
مع نظائره: (فمن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة, ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه
في الآخرة). إلى غير ذلك. وكل ذلك صحيح المعنى على ما بيناه هناك.
*ومن رواية مكحـول عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه).
ولهذه الآثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء. وهي المسألة :
وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به, الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل , والمجون
الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ; فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات لا يختلف في تحريمه لأنه لهو والغناء المذموم بالاتفاق. فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح ; كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة, كما كان في حفر الخندق وحدو أنجشة وسلمة بن الأكوع. فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام. قال ابن العربّي: فأما طبل الحرب فلا حرج فيه; لأنه يقيم النفوس ويرهب العدو. وفي اليراعة تردد. والدف مباح. الجوهريّ: وربما سّموا قصبة الراعي التي يزمر بها هيرعة ويراعة. قال القشيريّ: ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة, فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح ) فكن يضربن ويقلن: نحن بنات النجار, حبذا محمد من جار. وقد قيل: إن الطبل في النكاح كالدف, وكذلـك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث
الاشتغال بالغناء على الدوام سفه ترد به الشهادة, فإن لم يدم لم ترد. وذكر إسحاق بن عيسى الطباع قال: سألت مالك بن أنس عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال: إنما يفعله عندنا الفساق.
وذكر أبو الطيب طاهر بن عبدالله الطبريّ قال: أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه , وقال: إذا اشترى جارية ووجدها مغنية كان له ردها بالعيب ; وهو مذهب سائر أهل المدينة.
**وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يكره الغناء , ويجعل سماع الغناء من الذنوب. وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة: إبراهيم والشعبي وحماد والثوري وغيرهم , لا اختلاف بينهم في ذلك .
**وأما مذهب الشافعّي فقال: الغناء مكروه يشبه الباطل , ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته .
قلت: وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز. وقد ادعى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك.
**قال القاضي أبو بكر بن العربي: وأما سماع القينات فيجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته;
إذ ليس شيء منها عليه حراما لا من ظاهرها ولا من باطنها, فكيف يمنع من التلذذ بصوتها. أما
أنه لا يجوز انكشاف النساء للرجال ولا هتك الأستار ولا سماع الرفث, فإذا خرج ذلك إلى ما لا يحل
ولا يجوز منع من أوله واجتث من أصله. وقال أبو الطيب الطبري: أما سماع الغناء من المرأة
التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي قالوا لا يجوز, سواء كانت حرة أو مملوكة. قال:
وقال الشافعي: وصاحب الجارية إذا جمع الناس سماعها فهو سفيه ترد شهادته; ثم غلظ القول فيه
فقال: فهي دياثة. وإنما جعل صاحبها سفيها لأنه دعا الناس إلى الباطل, ومن دعا الناس إلى الباطل
كان سفيها. قراءة العامة بضم الياء; أي ليضل غيره عن طريق الهدى, وإذا أضل غيره فقد ضل.
وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وأبو عمرو ورويس وابن أبي إسحاق (بفتح الياء)
على اللازم; أي ليضل هو نفسه. (( تفسير القرطبي ))
*******************************
قال تعالى: (( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُون (َ59) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60) وَأَنتُمْ سَامِدُونَ (61) ))
( النجم ) ** قال تعالى منكرا على المشركين في استماعهم القرآن وإعراضهم عنه وتلهيهم "تعجبون" من أن يكون صحيحا."وتضحكون" منه استهزاء وسخرية "ولا تبكون" أي كما يفعل الموقنون به كما أخبر عنهم "ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا".
** قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال: الغناء هي يمانية أسمد لنا غن لناوكذا قال
عكرمة وفي رواية عن ابن عباس "سامدون" معرضون وكذا قال مجاهد وعكرمة وقال الحسن
غافلون وهو رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفي رواية عن ابن عباس تستكبرون
وبه يقول السدي ثم قال تعالى آمرا لعباده بالسجود له والعبادة المتابعة لرسوله والتوحيد والإخلاص.
**وقوله تعالى "واستفزز من استطعت منهم بصوتك" قيل هو الغــنـــــــاء
قال مجاهد باللهو والغناء أي استخفهم بذلك وقال ابن عباس في قوله *واستفزز من استطعت منهم بصوتك* قال كل داع دعا إلى معصية الله عز وجل وقال قتادة وقوله تعالى * وأجلب عليهم بخيلك ورجلك* يقول واحمل عليهم بجنودك خيالتهم ورجلتهم فإن الرجل جمع راجل كما أن الركب جمع راكب وصحب جمع صاحب ومعناه تسلط عليهم بكل ما تقدر عليه وهذا أمر قدري كقوله تعالى * ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا* أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا وتسوقهم إليها سوقا.
وقال ابن عباس ومجاهد في قوله * وأجلب عليهم بخيلك ورجلك* قال كل راكب وماش في معصية الله وقال قتادة: إن له خيلا ورجالا من الجن والإنس وهم الذين يطيعونه تقول العرب أجلب فلان على فلان إذا صاح عليه ومنه نهى في المسابقة عن الجلب والجنب ومنه اشتقاق الجلبة وهي ارتفاع الأصوات.
وقوله تعالى * وشاركهم في الأموال والأولاد* قال ابن عباس ومجاهد: هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي الله تعالى وقال عطاء: هو الربا وقال الحسن: هو جمعها من خبيث وإنفاقها في
حرام يعني أولاد الزنا.
* ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله
عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم
* وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا** وقوله تعالى **وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضى بالحق **إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم** الآية. **********************************
الخــاتـــمة
** و لا يسعني في ختام هذه الرسالة الإيمانية إلا أن أشكر الله عز وجل على إعانته و توجيهه لي لتذكيركم وإياي بأهمية الرجوع إليه عز وجل، و الابتعاد عن كل قول أو فعل يغضب الله في السر و العلانية. وتبقى بعض التساؤلات والتي يمكن أن تؤدي إما إلى امتناعك عن تلك الرذيلة ( الأغانى) أو المضي قدما دون الإكتراث بغضب الله عليك ؛ ثم يباغتك ملك الموت وتندم بعد فوات الأوان!!!! 1- هل ستجرؤ على شراء شرائط للمطربين والمطربات الأحياء منهم والأموات ؟
2- هل ستستمر في انبهارك وإعجابك الشديد بأهل الفن وتتبع آخر أعمالهم ؟
3- لـو كنت قاضيا هل ستثق بشهادة المغنيين و المغنيات ؟
4- هل ستثاب أم ستعاقب من قبل الله عز وجل على شرائك للشرائط بعشرات الجنيهات ، وفي نفس الوقت يشعر مئات المسلمين بالجوع ؟؟!
5- بالله عليكم ما حصيلة النفع مما استمعنا إليه عبر السنين من أغاني راقية أو شبابية؟!
** و الــله المسـتـعـــان عـمــا تصـفـون **