شباب ستار
تفسير سورة الزخرف 749093772
شباب ستار
تفسير سورة الزخرف 749093772
شباب ستار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شباب ستار

شباب ستار| اغاني | العاب | مسلسلات | مهرجنات| لوبات| برامج دجي | فلاتر| بروجكتات|افلام عربي-افلام اجنبي-افلام هندي-اغاني عربي-اغاني-اجنبي-برامج كاملة-العاب-نغمات-سيمزات-خلفيات-شات-رسائل-مطبخ حواء-gemes-movies-photo-flash-اكوادcss-اكوادthml-تقنيات
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
أهلا بك من جديد يا زائر آخر زيارة لك كانت في
آخر عضو مسجل Mo فمرحبا به


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا


 

 تفسير سورة الزخرف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:40 pm

سورة الزخرف
سورة الزخرف مكية
وآياتها تسع وثمانون

بسم الله الرحمَن الرحيـم

الآية : 1-2
القول في تأويل قوله تعالى: {حـمَ * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ }.
قد بيّنا فيما مضى قوله: حم بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: وَالكِتابِ المُبِينِ قسَم من الله تعالى أقسم بهذا الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: وَالكِتابِ المُبِينِلمن تدبّره وفكّر في عبره, وعظاته, هداه, ورشده, وأدلته على حقيته, وأنه تنزيل من حكيم حميد, لا اختلاق من محمد صلى الله عليه وسلم ولا افتراء من أحد إنّا جَعَلْناهُ قُرْآنا عَرَبِيّا يقول: إنا أنزلناه قرآنا عربيا بلسان العرب, إذ كنتم أيها المنذرُون به من رهط محمد صلى الله عليه وسلم عربا لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ يقول: لتعقلوا معانيه وما فيه من مواعظ, ولم ينزله بلسان العجم, فيجعله أعجميا, فتقولوا: نحن عرب, وهذا كلام أعجميّ لا نفقه معانيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23763ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ حم. والكِتاب المُبِينِ هو هذا الكتاب المبين.
23764ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة حم. والكتاب المبين مبين والله بركته, وهداه ورشده.
الآية : 3-4
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنّهُ فِيَ أُمّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره: وإن هذا الكتاب أصل الكتاب الذي منه نسخ هذا الكتاب عندنا لعليّ: يقول: لذو علوّ ورفعة, حكيم: قد أحكمت آياته, ثم فصلت فهو ذو حكمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23765ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن هشام الدستوائي, عن القاسم بن أبي بزة, قال: حدثنا عروة بن عامر, أنه سمع ابن عباس يقول: أوّل ما خلق الله القلم, فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق, قال: والكتاب عنده, قال: وإنه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم.
23766ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبي, عن عطية بن سعد في قول الله تبارك وتعالى: وإنّهُ في أمّ الكِتابِ لَدَيْنا لِعَلِيّ حَكِيمٌ يعني القرآن في أمّ الكتاب الذي عند الله منه نسخ.
23767ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت مالكا يروي عن عمران, عن عكرمة وإنّهُ فِي أُمّ الكِتاب لَدَيْنا قال: أمّ الكتاب القرآن.
23768ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَإنّهُ في أمّ الكِتاب لَدَيْنا قال: أمّ الكتاب: أصل الكتاب وجملته.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّهُ فِي أُمّ الكِتابِ: أي جملة الكتاب أي أصل الكتاب.
23769ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَإنّهُ فِي أُمّ الكِتابِ يقول: في الكتاب الذي عند الله في الأصل.
وقوله: لَدَيْنا لَعَلِيّ حَكِيمٌ وقد ذكرنا معناه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23770ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَدَيْنا لَعَلِيّ حَكِيمٌ يخبر عن منزلته وفضله وشرفه.
الآية : 5
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مّسْرِفِينَ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: أفنضرب عنكم ونترككم أيها المشركون فيما تحسبون, فلا نذكركم بعقابنا من أجل أنكم قوم مشركون. ذكر من قال ذلك:
23771ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله عزّ وجلّ: أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا قال: تكذّبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه.
23772ـ حدثني محمد بن عمارة, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا سفيان, عن إسماعيل, عن أبي صالح, قوله: أفَنَضْربُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا قال: بالعذاب.
23773ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صفحا قال: أفنضرب عنكم العذاب.
23774ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أفَنَضْربُ عَنْكُمُ الذّكْرَ صَفْحا أنْ كُنْتُمْ قَوْما مُسْرِفِينَ يقول: أحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أُمرتم به.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أفنترك تذكيركم بهذا القرآن, ولا نذكركم به, لأن كنتم قوما مسرفين. ذكر من قال ذلك:
23775ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا أنْ كُنْتُمْ قَوْما مُسْرِفِينَ: أي مشركين, والله لو كان هذا القرآن رفع حين ردّه أوائل هذه الأمة لهلكوا, فدعاهم إليه عشرين سنة, أو ما شاء الله من ذلك.
23776ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا قال: لو أن هذه الأمة لم يؤمنوا لضرب عنهم الذكر صفحا, قال: الذكر ما أنزل عليهم مما أمرهم الله به ونهاهم صفحا, لا يذكر لكم منه شيئا.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوّله: أفنضرب عنكم العذاب فنترككم ونعرض عنكم, لأن كنتم قوما مسرفين لا تؤمنون بربكم.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالاَية, لأن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك خبره عن الأمم السالفة قبل الأمم التي توعدها بهذه الاَية في تكذيبها رسلها, وما أحلّ بها من نقمته, ففي ذلك دليل على أن قوله: أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذّكْرَ صَفْحا وعيد منه للمخاطبين به من أهل الشرك, إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة «إنْ كُنْتُم» بكسر الألف من «إن» بمعنى: أفنضرب عنكم الذكر صفحا إذ كنتم قوما مسرفين. وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والكوفة وعامة قرّاء البصرة «أن» بفتح الألف من «أن», بمعنى: لأن كنتم.
واختلف أهل العربية في وجه فتح الألف من أن في هذا الموضع, فقال بعض نحويي البصرة: فتحت لأن معنى الكلام: لأن كنتم. وقال بعض نحويي الكوفة: من فتحها فكأنه أراد شيئا ماضيا, فقال: وأنت تقول في الكلام: أتيت أن حرمتني, تريد: إذ حرمتني, ويكسر إذا أردت: أتيت إن تحرمني. ومثله: لا يَجْرمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ صَدّوكُمْ وإنْ صَدّوكُمْ بكسر وبفتح.
فَلَعَلّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ على آثارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أسَفا قال: والعرب تنشد قول الفرزدق:
أَتجْزَعُ أنْ أُذْنا قُتَيْبَةَ حُزّتاجِهارا ولَمْ تَجْزَعْ لقَتْلِ ابنِ حازِمِ
قال: وينشد:
أتَجْزَعُ أنْ بانَ الخَلِيطُ المُوَدّعُوَحَبْلُ الصّفا مِنْ عَزّةَ المُتَقَطّعُ
قال: وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الكسر والفتح في الألف في هذا الموضع قراءتان مشهورتان في قَرَأة الأمصار صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, وذلك أن العرب إذا تقدم «أن» وهي بمعنى الجزاء فعل مستقبل كسروا ألفها أحيانا, فمحضوا لها الجزاء, فقالوا: أقوم إن قمت, وفتحوها أحيانا, وهم ينوون ذلك المعنى, فقالوا: أقوم أن قمت بتأول, لأن قمت, فإذا كان الذي تقدمها من الفعل ماضيا لم يتكلّموا إلا بفتح الألف من «أن» فقالوا: قمتُ أن قمتَ, وبذلك جاء التنزيل, وتتابع شعر الشعراء.
الآية : 6-7
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نّبِيّ فِي الأوّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نّبِيّ إِلاّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَكَمْ أرْسَلْنَا مِنَ نَبِيّ يا محمد في القرون الأوّلين الذين مضوا قبل قرنك الذي بعثت فيه كما أرسلناك في قومك من قريش وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيَ إلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ يقول وما كان يأتي قرنا من أولئك القرون وأمة من أولئك الأمم الأوّلين لنا من نبيّ يدعوهم إلى الهدى وطريق الحق, إلاّ كان الذين يأتيهم ذلك من تلك الأمم نبيهم الذي أرسله إليهم يستهزئون سخرية منهم بهم كاستهزاء قومك بك يا محمد. يقول: فلا يعظمنّ عليك ما يفعل بك قومك, ولا يشقنّ عليك, فإنهم إنما سلكوا في استهزائهم بك مسلك أسلافهم, ومنهاج أئمتهم الماضين من أهل الكفر بالله.
الآية : 8
القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَهْلَكْنَآ أَشَدّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىَ مَثَلُ الأوّلِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فأهلكنا أشدّ من هؤلاء المستهزئين بأنبيائهم بطشا إذا بطشوا فلم يعجزونا بقواهم وشدّة بطشهم, ولم يقدروا على الامتناع من بأسنا إذ أتاهم, فالذين هم أضعف منهم قوّة أحرى أن لا يقدروا على الامتناع من نقمنا إذا حلّت بهم وَمَضَى مَثَلُ الأوّلِينَ يقول جلّ ثناؤه: ومضى لهؤلاء المشركين المستهزئين بك ولمن قبلهم من ضربائهم مثَلُنا لهم في أمثالهم من مكذّبي رسلنا الذين أهلكناهم, يقول: فليتوقع هؤلاء الذين يستهزئون بك يا محمد من عقوبتنا مثل الذي أحللناه بأولئك الذين أقاموا على تكذيبك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23777ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَضَى مَثَلُ الأولِينَ قال: عقوبة الأوّلين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:41 pm

23778ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: مَثَلُ الأوّلِينَ قال: سُنتهم.
الآية : 9-10
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ خَلَقَهُنّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك: من خلق السموات السبع والأرضين, فأحدثهنّ وأنشأهنّ؟ ليقولنّ: خلقهنّ العزيز في سلطانه وانتقامه من أعدائه, العليم بهنّ وما فيهنّ من الأشياء, لا يخفى عليه شيء الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدا يقول: الذي مهّد لكم الأرض, فجعلها لكم وطاء توطئونها بأقدامكم, وتمشون عليها بأرجلكم وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً يقول: وسهّل لكم فيها طرقا تتطرّقونها من بلدة إلى بلدة, لمعايشكم ومتاجركم. كما:
23779ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلَ لَكُمُ فِيها سُبُلاً أي طرقا.
23780ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدا قال: بساطا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً قال: الطرق لَعَلّكُمْ تَهْتَدُون يقول: لكي تهتدوا بتلك السبل إلى حيث أردتم من البُلدان والقُرى والأمصار, لولا ذلك لم تطيقوا براح أفنيتكم ودوركم, ولكنها نعمة أنعم بها عليكم.
الآية : 11-12
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالّذِي نَزّلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَالّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَالّذِي نَزّلَ مِنَ السّماءِ ماءً بقَدَرٍ يعني: ما نزّل جلّ ثناؤه من الأمطار من السماء بقدر: يقول: بمقدار حاجتكم إليه, فلم يجعله كالطوفان, فيكون عذابا كالذي أنزل على قوم نوح, ولا جعله قليلاً, لا ينبت به النبات والزرع من قلّته, ولكنه جعله غيثا مغيثا, وَحَيا للأرض الميتة محييا فَأنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتا يقول جلّ ثناؤه: فأحيينا به بلدة من بلادكم ميتا, يعني مجدبة لا نبات بها ولا زرع, قد درست من الجدوب, وتعفنت من القحوط كَذلكَ تُخْرَجُونَ يقول تعالى ذكره: كما أخرجنا بهذا الماء الذي نزّلناه من السماء من هذه البلدة الميتة بعد جدوبها وقحوطها النبات والزرع, كذلك أيها الناس تُخرجون من بعد فنائكم ومصيركم في الأرض رفاتا بالماء الذي أنزله إليها لإحيائكم من بعد مماتكم منها أحياء كهيئتكم التي بها قبل مماتكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23781ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالّذِي نَزّلَ مِنَ السّماءِ ماءً بقَدَرٍ... الاَية, كما أحيا الله هذه الأرض الميتة بهذا الماء كذلك تبعثون يوم القيامة وقيل: أنشرنا به, لأن معناه: أحيينا به, ولو وصفت الأرض بأنها أحييت, قيل: نشرت الأرض, كما قال الأعشى:
حتى يَقُولَ النّاسُ مِمّا رأَوْايا عَجَبا للْمَيّتِ النّاشِرِ
وقوله: وَالّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كلّها يقول تعالى ذكره: والذي خلق كلّ شيء فزوّجه, أي خلق الذكور من الإناث أزواجا, والإناث من الذكور أزواجا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وهي السفن والأنْعامِ وهي البهائم ما تَرْكَبُونَ يقول: جعل لكم من السفن ما تركبونه في البحار إلى حيث قصدتم واعتمدتم في سيركم فيها لمعايشكم ومطالبكم, ومن الأنعام ما تركبونه في البرّ إلى حيث أردتم من البلدان, كالإبل والخيل والبغال والحمير.
الآية : 13-14
القول في تأويل قوله تعالى: {لِتَسْتَوُواْ عَلَىَ ظُهُورِهِ ثُمّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَـَذَا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنّآ إِلَىَ رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ }.
يقول تعالى ذكره: كي تستووا على ظهور ما تركبون.
واختلف أهل العربية في وجه توحيد الهاء في قوله: على ظُهُورِهِ وتذكيرها, فقال بعض نحويّي البصرة: تذكيره يعود على ما تركبون, وما هو مذكر, كما يقال: عندي من النساء من يوافقك ويسرّك, وقد تذكّر الأنعام وتؤنث. وقد قال في موضع آخر: مِمّا في بُطُونِهِ وقال في موضع آخر: بُطُونِها. وقال بعض نحويّي الكوفة: أضيفت الظهور إلى الواحد, لأن ذلك الواحد في معنى جمع بمنزلة الجند والجيش. قال: فإن قيل: فهلا قلت: لتستووا على ظهره, فجعلت الظهر واحدا إذا أضفته إلى واحد. قلت: إن الواحد فيه معنى الجمع, فردّت الظهور إلى المعنى, ولم يقل ظهره, فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد. وكذلك تقول: قد كثر نساء الجند, وقلت: ورفع الجند أعينه ولم يقل عينه. قال: وكذلك كلّ ما أضفت إليه من الأسماء الموصوفة, فأخرجها على الجمع, وإذا أضفت إليه اسما في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده, مثل قولك: رفع العسكر صوتَه, وأصواته أجود وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلاّ الصورة في الواحد.
وقال آخر منهم: قيل: لتستووا على ظهره, لأنه وصف للفلك, ولكنه وحد الهاء, لأن الفلك بتأويل جمع, فجمع الظهور ووحد الهاء, لأن أفعال كل واحد تأويله الجمع توحد وتجمع مثل: الجند منهزم ومنهزمون, فإذا جاءت الأسماء خرج على الأسماء لا غير, فقلت: الجند رجال, فلذلك جمعت الظهور ووحدت الهاء, ولو كان مثل الصوت وأشباهه جاز الجند رافع صوته وأصواته.
قوله: ثُمّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبّكُمْ يقول تعالى ذكره: ثم تذكروا نعمة ربكم التي أنعمها عليكم بتسخيره ذلك لكم مراكب في البرّ والبحر إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ فتعظموه وتمجدوه, وتقولوا تنزيها لله الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه من هذه الفلك والأنعام, مما يصفه به المشركون, وتشرك معه في العبادة من الأوثان والأصنام وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23782ـ حدثنا أبو كُرَيب وعبيد بن إسماعيل الهباري, قالا: حدثنا المحاربيّ, عن عاصم الأحول, عن أبي هاشم عن أبي مجلّز, قال: ركبت دابة, فقلت: سُبْحانَ الّذي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ, فسمعني رجل من أهل البيت قال أبو كُرَيب والهباريّ: قال المحاربيّ: فسمعت سفيان يقول: هو الحسن بن عليّ رضوان الله تعالى عليهما, فقال: أهكذا أمرت؟ قال: قلت: كيف أقول؟ قال: تقول الحمد لله الذي هدانا الإسلام, الحمد لله الذي منّ علينا بمحمد عليه الصلاة والسلام, الحمد لله الذي جعلنا في خير أمة أُخرجت للناس, فإذا أنت قد ذكرت نعما عظاما, ثم تقول بعد ذلك سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ, وَإنّا إلى رَبّنا لَمُنْقَلِبُونَ.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي هاشم, عن أبي مجلّز, أن الحسن بن عليّ رضي الله عنه, رأى رجلاً ركب دابة, فقال: الحمد لله الذي سخر لنا هذا, ثم ذكر نحوه.
23783ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لِتَسْتَوُوا على ظُهُورِهِ ثُمّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك تقولون: بِسْمِ الله مَجْراها وَمُرْساها, إنّ رَبّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ, وإذا ركبتم الإبل قلتم: سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ, وإنّا إلى رَبنَا لمُنْقَلِبُونَ ويعلمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعا تقولون: اللهمّ أنزلنا منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين.
23784ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه أنه كان إذا ركب قال: اللهمّ هذا من منّك وفضلك, ثم يقول: سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ, وَإنّا إلى رَبّنَا لمُنْقَلِبُونَ.
وقوله: وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وما كنا له مُطِيقين ولا ضابطين, من قولهم: قد أقرنت لهذا: إذا صرت له قرنا وأطقته, وفلان مقرن لفلان: أي ضابط له مُطِيق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23785ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ يقول: مُطِيقين.
23786ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله عَزّ وَجَلّ: مُقْرِنِينَ قال: الإبل والخيل والبغال والحمير.
23787ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ: أي مطيقين, لا والله لا في الأيدي ولا في القوّة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال: في القوّة.
23788ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال: مطيقين.
23789ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قول الله جلّ ثناؤه: سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال: لسنا له مطيقين, قال: لا نطيقها إلاّ بك, لولا أنت ما قوينا عليها ولا أطقناها.
وقوله: وَإنّا إلى رَبّنا لَمُنْقَلِبُون يقول جلّ ثناؤه: وليقولوا أيضا: وإنا إلى ربنا من بعد مماتنا لصائرون إليه راجعون.
الآية : 15-17
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنّ الإنسَانَ لَكَفُورٌ مّبِينٌ * أَمِ اتّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرّحْمَـَنِ مَثَلاً ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيبا, وذلك قولهم للملائكة: هم بنات الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23790ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءا قال: ولدا وبنات من الملائكة.
23791ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءا قال: البنات.
وقال آخرون: عنى بالجزء هاهنا: العدل. ذكر من قال ذلك:
23792ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءا: أي عِدلاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:42 pm

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءا: أي عِدلاً.
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك, لأن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله: أمِ اتّخَذَ مِما يخْلُقُ بَناتٍ وأصْفاكُمْ بالبَنِينَ توبيخا لهم على قولهم ذلك, فكان معلوما أن توبيخه إياهم بذلك إنما هو عما أخبر عنهم من قيلهم ما قالوا في إضافة البنات إلى الله جلّ ثناؤه.
وقوله: إنّ الإنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ يقول تعالى ذكره: إن الإنسان لذو جحد لنِعم ربه التي أنعمها عليه مبين: يقول: يبين كفرانه نعمه عليه, لمن تأمله بفكر قلبه, وتدبر حاله.
وقوله: أمِ اتّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ يقول جلّ ثناؤه موبخا هؤلاء المشركين الذين وصفوه بأن الملائكة بناته: اتخذ ربكم أيها الجاهلون مما يخلق بنات, وأنتم لا ترضون لأنفسكم, وأصفاكم بالبنين: يقول: وأخلصكم بالبنين, فجعلهم لكم وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ للرّحْمَن مَثَلاً يقول تعالى ذكره: وإذا بشر أحد هؤلاء المشركين الجاعلين لله من عباده جزءا بما ضرب للرحمن مثلاً: يقول: بما مثل لله, فشبهه شبها, وذلك ما وصفه به من أن له بنات. كما:
23793ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: بِمَا ضَرَبَ للرّحْمَن مَثَلاً قال: ولدا.
23794ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بِما ضَرَبَ للرّحْمَن مَثَلاً بما جعل لله.
وقوله: ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا يقول تعالى ذكره: ظلّ وجه هذا الذي بشّر بما ضرب للرحمن مثلاً من البنات مسودّا من سوء ما بشر به وَهُوَ كَظِيمٌ يقول: وهو حزين. كما:
23795ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَهُوَ كَظِيمٌ: أي حزين.
الآية : 18
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَمَن يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ }.
يقول تعالى ذكره: أو من ينبت في الحلية ويزين بها وَهُوَ فِي الخِصَامِ يقول: وهو في مخاصمة من خاصمه عند الخصام غير مبين, من خصمه ببرهان وحجة, لعجزه وضعفه, جعلتموه جزء الله من خلقه وزعمتم أنه نصيبه منهم, وفي الكلام متروك استغنى بدلالة ما ذكر منه وهو ما ذكرت.
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: أوْ مَنْ يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ, فقال بعضهم: عُنِي بذلك الجواري والنساء. ذكر من قال ذلك:
23796ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أوَ مَنْ يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ قال: يعني المرأة.
23797ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن علقمة, عن مرثد, عن مجاهد, قال: رخص للنساء في الحرير والذهب, وقرأ أوْ مَنْ يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَام غَيرَ مُبِينٍ قال: يعني المرأة.
23798ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله أوْ مَنْ يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَام غَيرُ مُبِينٍ قال: الجواري جعلتموهنّ للرحمن ولدا, كيف تحكمون.
23799ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أوَ مَنْ يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ قال: الجواري يسفههنّ بذلك, غير مبين بضعفهنّ.
23800ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة أوْ مَنْ يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ يقول: جعلوا له البنات وهم إذا بشّر أحدهم بهنّ ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم. قال: وأما قوله: وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ يقول: قلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلاّ تكلمت بالحجة عليها.
23801ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ أوْ مَنْ يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ قال: النساء.
وقال آخرون: عُنِي بذلك أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. ذكر من قال ذلك:
23802ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أوْ مَنْ يُنَشّأ فِي الْحِلْيةِ... الاَية, قال: هذه تماثيلهم التي يضربونها من فضة وذهب يعبدونها هم الذين أنشأُوها, ضربوها من تلك الحلية, ثم عبدوها وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيرُ مُبِينٍ قال: لا يتكلم, وقرأ فإذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبينٌ.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الجواري والنساء, لأن ذلك عقيب خبر الله عن إضافة المشركين إليه ما يكرهونه لأنفسهم من البنات, وقلة معرفتهم بحقه, وتحليتهم إياه من الصفات والبخل, وهو خالقهم ومالكهم ورازقهم, والمنعم عليهم النعم التي عددها في أوّل هذه السورة ما لا يرضونه لأنفسهم, فاتباع ذلك من الكلام ما كان نظيرا له أشبه وأولى من اتباعه ما لم يجر له ذكر.
واختلف القرّاء في قراءة قوله: أوَ مَنْ يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين «أوْ مَنْ يَنْشَأُ» بفتح الياء والتخفيف من نشأ ينشأ. وقرأته عامة قرّاء الكوفة يُنَشّأُ بضم الياء وتشديد الشين من نُشّأته فهو ينَشّأ.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار, متقاربتا المعنى, لأن المنشّأ من الإنشاء ناشىء, والناشىء منشأ, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله «أوْ مَنْ لا يُنَشّأُ إلاّ فِي الْحِلْيَةِ», وفي «من» وجوه من الإعراب الرفع على الاستئناف والنصب على إضمار يجعلون كأنه قيل: أو من ينشأ في الحلية يجعلون بنات الله. وقد يجوز النصب فيه أيضا على الردّ على قوله: أم اتخذ مما يخلق بنات أو من ينشأ في الحلية, فيردّ «من» على البنات, والخفض على الردّ على «ما» التي في قوله: وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ للرّحْمَن مَثَلاً.
الآية : 19
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرّحْمَـَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة «الّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرّحْمَنِ» بالنون, فكأنهم تأوّلوا في ذلك قول الله جلّ ثناؤه: إنّ الّذِينَ عِنْدَ رَبّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ فتأويل الكلام على هذه القراءة: وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدّسونه إناثا, فقالوا: هم بنات الله جهلاً منهم بحقّ الله, وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وَجَعَلوا المَلائِكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبادُ الرّحْمَنِ إناثا بمعنى: جمع عبد. فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء: وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله, فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده.
واختلفوا أيضا في قراءة قوله: أشَهِدُوا خَلْقَهُمْ فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة «أُشْهِدُوا خَلْقَهُمْ» بضم الألف, على وجه ما لم يسمّ فاعله, بمعنى: أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثا, خلق ملائكته الذين هم عنده, فعلموا ما هم, وأنهم إناث, فوصفوهم بذلك, لعلمهم بهم, وبرؤيتهم إياهم, ثم رُدّ ذلك إلى ما لم يسمّ فاعله. وقُرىء بفتح الألف, بمعنى: أَشهدوا هم ذلك فعلموه؟
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ يقول تعالى ذكره: ستكتب شهادة هؤلاء القائلين: الملائكة بنات الله في الدنيا, بما شهدوا به عليهم, ويُسألون عن شهادتهم تلك في الاَخرة أن يأتوا ببرهان على حقيقتها, ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً.
الآية : 20-21
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرّحْمَـَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون من قريش: لو شاء الرحمن ما عبدنا أوثاننا التي نعبدها من دونه, وإنما لم يحلّ بنا عقوبة على عبادتنا إياها لرضاه منا بعبادتناها. كما:
23803ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لَوْ شاءَ الرّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ للأوثان يقول الله عزّ وجلّ ما لَهُمْ بِذَلكَ مِنْ عِلْم يقول: ما لهم بحقيقة ما يقولون من ذلك من علم, وإنما يقولونه تخرّصا وتكذّبا, لأنهم لا خبر عندهم مني بذلك ولا بُرْهان. وإنما يقولونه ظنا وحسبانا إنْ هُمْ إلاّ يَخْرُصُونَ يقول: ما هم إلاّ متخرّصون هذا القول الذي قالوه, وذلك قولهم لوْ شاءَ الرّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ. وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك, ما:
23804ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنا الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: إنْ هُمْ إلاّ يَخْرُصُونَ ما يعلمون قُدرة الله على ذلك.
وقوله: أمْ آتَيْناهُمْ كِتابا مِنْ قَبْلِهِ يقول تعالى ذكره ما آتينا هؤلاء المتخرّصين القائلين لو شاء الرحمن ما عبدنا الاَلهة كتابا بحقيقة ما يقولون من ذلك, من قبل هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد فهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ يقول: فهم بذلك الكتاب الذي جاءهم من عندي من قبل هذا القرآن, مستمسكون يعملون به, ويدينون بما فيه, ويحتجون به عليك.
الآية : 22
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ قَالُوَاْ إِنّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىَ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَىَ آثَارِهِم مّهْتَدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ما آتينا هؤلاء القائلين: لو شاء الرحمن ما عبدنا هؤلاء الأوثان بالأمر بعبادتها, كتابا من عندنا, ولكنهم قالوا: وجدنا آباءنا الذين كانوا قبلنا يعبدونها, فنحن نعبدها كما كانوا يعبدونها وعنى جلّ ثناؤه بقوله: بَلْ وَجَدْنا آباءَنا على أُمّةٍ بل وجدنا آباءنا على دين وملة, وذلك هو عبادتهم الأوثان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 23805ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: على أُمّةٍ: مِلّة.
23806ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: إنّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمّةٍ يقول: وجدنا آباءنا على دين.
23807ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمّةٍ قال: قد قال ذلك مشركو قريش: إنا وجدنا آباءنا على دين.
23808ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط عن السديّ قالُوا إنّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمّةٍ قال: على دين.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: على أُمّةٍ فقرأته عامة قرّاء الأمصار على أُمّةٍ بضم الألف بالمعنى الذي وصفت من الدين والملة والسنة. وذُكر عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز أنهما قرآه «على إمّةٍ» بكسر الألف. وقد اختُلف في معناها إذا كُسرت ألفها, فكان بعضهم يوجه تأويلها إذا كُسرت على أنها الطريقة وأنها مصدر من قول القائل: أممت القوم فأنا أؤمهم إمّة. وذُكر عن العرب سماعا: ما أحسن عمته وإمته وجلسته إذا كان مصدرا. ووجهه بعضهم إذا كُسرت ألفها إلى أنها الإمة التي بمعنى النعيم والمُلك, كما قال عديّ ابن زيد:
ثُمّ بَعْدَ الفَلاحِ وَالمُلْكِ والإمّة وَارَتّهُمْ هُناكَ القُبورُ
وقال: أراد إمامة الملك ونعيمه. وقال بعضهم: (الأُمّة بالضم, والإمّة بالكسر بمعنى واحد).
والصواب من القراءة في ذلك الذي لا أستجيز غيره: الضمّ في الألف لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه. وأما الذين كسروها فإني لا أراهم قصدوا بكسرها إلاّ معنى الطريقة والمنهاج, على ما ذكرناه قبلُ, لا النعمة والملك, لأنه لا وجه لأن يقال: إنا وجدنا آباءنا على نعمة ونحن لهم متبعون في ذلك, لأن الاتباع إنما يكون في الملل والأديان وما أشبه ذلك لا في الملك والنعمة, لأن الاتباع في الملك ليس بالأمر الذي يصل إليه كلّ من أراده.
وقوله: وَإنّا على آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ يقول: وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه من دينهم مهتدون, يعني: لهم متبعون على منهاجهم. كما:
23809ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس وَإنّا على آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ يقول: وإنا على دينهم.
23810ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّا على آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ يقول: وإنا متبعوهم على ذلك.
الآية : 23
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مّن نّذِيرٍ إِلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىَ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَىَ آثَارِهِم مّقْتَدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وهكذا كما فعل هؤلاء المشركون من قريش فعل من قبلهم من أهل الكفر بالله, وقالوا مثل قولهم, لم نرسل مِن قبلك يا محمد في قرية, يعني إلى أهلها رسلاً تنذرهم عقابنا على كفرهم بنا فأنذروهم وحذّروهم سخطنا, وحلول عقوبتنا بهم إلاّ قال مُتْرَفوها, وهم رؤساؤهم وكبراؤهم. كما:
23811ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: إلاّ قالَ مُتْرَفُوها قال: رؤساؤهم وأشرافهم.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وكَذلكَ ما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلاّ قالَ مُتْرَفُوها قادتهم ورؤوسهم في الشرك.
وقوله: إنّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمّةٍ يقول: قالوا: إنا وجدنا آباءنا على ملة ودين وَإنّا على آثارِهِمْ يعني: وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون بفعلهم نفعل كالذي فعلوا, ونعبد ما كانوا يعبدون يقول جلّ ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم: فإنما سلك مشركو قومك منهاج من قبلهم من إخوانهم من أهل الشرك بالله في إجابتهم إياك بما أجابوك به, وردّهم ما ردّوا عليك من النصيحة, واحتجاجهم بما احتجوا به لمُقامهم على دينهم الباطل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23812ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَإنّا على آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ قال بفعلهم.
23813ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّا على آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ فاتبعوهم على ذلك.
الآية : 24
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىَ مِمّا وَجَدتّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوَاْ إِنّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك, القائلين إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون أوَ لَوْ جِئْتُكُمْ أيها القوم من عند ربكم بأَهْدَى إلى طريق الحقّ, وأدلّ لكم على سبيل الرشاد مِمّا وَجَدْتُمْ أنتم عليه آباءكم من الدين والمِلّة, قالُوا إنّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ يقول: فقال ذلك لهم, فأجابوه بأن قالوا له كما قال الذين من قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها لأنبيائها: إنا بما أرسلتم به يا أيها القوم كافرون, يعني: جاحدون منكرون. وقرأ ذلك قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر قُلْ أوَ لَوْ جِئْتُكُمْ بالتاء. وذُكر عن أبي جعفر القارىء أنه قرأه «قُلْ أوَ لَوْ جِئْناكُمْ» بالنون والألف. والقراءة عندنا ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة عليه.
الآية : 25
القول في تأويل قوله تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فانتقمنا من هؤلاء المكذّبة رسلها من الأمم الكافرة بربها, بإحلالنا العقوبة بهم, فانظر يا محمد كيف كان عقبى أمرهم, إذ كذّبوا بآيات الله. ويعني بقوله: عاقِبَةُ المُكَذّبِينَ آخر أمر الذين كذّبوا رسل الله إلام صار, يقول: ألم نهلكهم فنجعلهم عبرة لغيرهم؟ كما:
23814ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذّبِينَ قال: شرّ والله, أخذهم بخسف وغرق, ثم أهلكهم فأدخلهم النار.
الآية : 26-28
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنّنِي بَرَآءٌ مّمّا تَعْبُدُونَ * إِلاّ الّذِي فَطَرَنِي فَإِنّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَإذْ قالَ إبْراهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ الذين كانوا يعبدون ما يعبده مشركو قومك يا محمد إنّنِي بَرَاءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ من دون الله, فكذّبوه, فانتقمنا منهم كما انتقمنا ممن قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها. وقيل: إنّنِي بَرَاءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ فوضع البراء وهو مصدر موضع النعت, والعرب لا تثني البراء ولا تجمع ولا تؤنث, فتقول: نحن البَرَاء والخلاء: لِما ذكرت أنه مصدر, وإذا قالوا: هو برىء منك ثنوا وجمعوا وأنّثوا, فقالوا: هما بريئان منك, وهم بريئون منك. وذُكر أنها في قراءة عبد الله: «إنّنِي بَرِىءٌ» بالياء, وقد يجمع برىء: بَرَاء وأبْراء إلاّ الّذِي فَطَرَنِي يقول: إني برىء مما تعبدون من شيء إلاّ من الذي فطرني, يعني الذي خلقني فإنّهُ سَيَهْدِينِ يقول: فإنه سيقوّمني للدين الحقّ, ويوفقني لاتباع سبيل الرشد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23815ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذْ قالَ إبْرَاهِيمُ لأبيه وقومِهِ... الاَية, قال: كايدهم, كانوا يقولون: إن الله ربّنا وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ, وَالأرْضَ لَيقُولُنّ اللّهُ, فلم يبرأ من ربه.
23816ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: إنّنِي بَرَاءٌ مِمّا تَعْبُدونَ يقول: إنني برىء مما تعبدون «إلاّ الّذِي خَلَقْنِي».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:43 pm

23817ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ إلاّ الّذِي فَطَرَنِي قال: خلقني.
وقوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ يقول تعالى ذكره: وجعل قوله: إنّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إلاّ الّذِي فَطَرَنِي وهو قول: لا إله إلا الله, كلمة باقية في عقبه, وهم ذرّيته, فلم يزل في ذرّيته من يقول ذلك من بعده. واختلف أهل التأويل في معنى الكلمة التي جعلها خليل الرحمن باقية في عقبه, فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك:
23818ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: لا إله إلا الله.
23819ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً قال: شهادة أن لا إله إلا الله, والتوحيد لم يزل في ذرّيته من يقولها من بعده.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: التوحيد والإخلاص, ولا يزال في ذرّيته من يوحد الله ويعبده.
23820ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَجَعَلها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: لا إله إلا الله. وقال آخرون: الكلمة التي جعلها الله في عقبه اسم الإسلام. ذكر من قال ذلك:
23821ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ فقرأ إذْ قالَ لَهُ رَبّهُ أسْلِمْ, قالَ أسْلَمْتُ لِرَبّ العَالَمِينَ قال: جعل هذه باقية في عقبه, قال: الإسلام, وقرأ هُوَ سَمّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ فقرأ وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لك. وبنحو ما قلنا في معنى العقب قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23822ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فِي عَقِبِهِ قال: ولده.
23823ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ قال: يعني من خلَفه.
23824ـ حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فِي عَقِبِهِ قال: في عقب إبراهيم آل محمد صلى الله عليه وسلم.
23825ـ حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: حدثنا ابن أبي فديك, قال: حدثنا ابن أبي ذئب, عن ابن شهاب أنه كان يقول: العقب: الولد, وولد الولد.
23826ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فِي عَقِبِهِ قال: عقبه: ذرّيته.
وقوله: لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم, ويثوبوا إلى عبادته, ويتوبوا من كفرهم وذنوبهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23827ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ: أي يتوبون, أو يذّكرون.
الآية : 29-30
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ مَتّعْتُ هَـَؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتّىَ جَآءَهُمُ الْحَقّ وَرَسُولٌ مّبِينٌ * وَلَمّا جَآءَهُمُ الْحَقّ قَالُواْ هَـَذَا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كَافِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: بَلْ مَتّعْتُ يا محمد هَؤُلاءِ المشركين من قومك وآباءَهُمْ من قبلهم بالحياة, فلم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم حتى جاءَهُمُ الحَقّ يعني جلّ ثناؤه بالحقّ: هذا القرآن: يقول: لم أهلكهم بالعذاب حتى أنزلت عليهم الكتاب, وبعثت فيهم رسولاً مبينا. يعني بقوله: وَرَسُولٌ مُبِينٌ: محمدا صلى الله عليه وسلم, والمبين: أنه يبين لهم بالحجج التي يحتجّ بها عليهم أنه لله رسول محقّ فيما يقول وَلَمّا جاءَهُمُ الحَقّ يقول جلّ ثناؤه: ولما جاء هؤلاء المشركين القرآنُ من عند الله, ورسول من الله أرسله إليهم بالدعاء إليه قالُوا هَذَا سِحْرٌ يقول: هذا الذي جاءنا به هذا الرسول سحر يسحرنا به, ليس بوحي من الله وَإنّا بِهِ كافِرُونَ يقول: قالوا: وإنا به جاحدون, ننكر أن يكون هذا من الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23828ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَلَمّا جاءَهُمُ الحَقّ قالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإنّا بِهِ كافِرُونَ قال: هؤلاء قريش قالوا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم: هذا سحر.
الآية : 31-32
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَـَذَا الْقُرْآنُ عَلَىَ رَجُلٍ مّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيَتّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون بالله من قريش لما جاءهم القرآن من عند الله: هذا سحر, فإن كان حقا فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف.
واختُلف في الرجل الذي وصفوه بأنه عظيم, فقالوا: هلاّ نزل عليه هذا القرآن, فقال بعضهم: هلاّ نزل على الوليد بن المُغيرة المخزومي من أهل مكة, أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف؟. ذكر من قال ذلك:
23829ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنَ عَظِيمٍ قال: يعني بالعظيم: الوليد بن المغيرة القرشيّ, أو حبيب بن عمرو بن عُمير الثقفي, وبالقريتين: مكة والطائف.
وقال آخرون: بل عُنِي به عُتْبةُ بن ربيعة من أهل مكة, وابن عبد يالِيل, من أهل الطائف. ذكر من قال ذلك:
23830ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال عتبة بن ربيعة من أهل مكة, وابن عبد ياليل الثقفي من الطائف.
وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المُغيرة, ومن أهل الطائف: ابن مسعود. ذكر من قال ذلك:
23831ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال: الرجل: الوليد بن المغيرة, قال: لو كان ما يقول محمد حقا أنزل علىّ هذا, أو على ابن مسعود الثقفي, والقريتان: الطائف ومكة, وابن مسعود الثقفي من الطائف اسمه عروة بن مسعود.
23832ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنُ على رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ والقريتان: مكة والطائف قال: قد قال ذلك مشركو قريش, قال: بلغنا أنه ليس فخذ من قريش إلا قد ادّعته, وقالوا: هو منا, فكنا نحدّث أن الرجلين: الوليد بن المغيرة, وعروة الثقفي أبو مسعود, يقولون: هلا كان أُنزل على أحد هذين الرجلين.
23833ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب: قال ابن زيد, في قوله: لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال: كان أحد العظيمين عروة بن مسعود الثقفي, كان عظيم أهل الطائف.
وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المغيرة, ومن أهل الطائف: كنانة بن عَبدِ بن عمرو. ذكر من قال ذلك:
23834ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَقالُوا لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْن عَظِيمٍ قال: الوليد بن المغيرة القرشي, وكنانة بن عبد بن عمرو بن عمير, عظيم أهل الطائف.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جلّ ثناؤه, مخبرا عن هؤلاء المشركين وَقالُوا لَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنَ على رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء, ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عُنُوا منهم في كتابه, ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم, والاختلاف فيه موجود على ما بيّنت.
وقوله: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ يقول تعالى ذكره: أهؤلاء القائلون: لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يا محمد, يقسمون رحمة ربك بين خلقه, فيجعلون كرامته لمن شاؤوا, وفضله لمن أرادوا, أم الله الذي يقسم ذلك, فيعطه من أحبّ, ويحرمه مَنْ شاء؟. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23835ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي رَوْق, عن الضحاك عن ابن عباس, قال: لما بعث الله محمدا رسولاً, أنكرت العرب ذلك, ومن أنكر منهم, فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد, قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: أكانَ للنّاسِ عَجَبا أنْ أوْحَيْنا إلى رَجُل مِنْهُمْ أنْ أَنْذِر النّاسَ وقال وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَيْهِمْ, فاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ يعني: أهل الكتب الماضية, أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم, وإن كانوا بشرا فلا تنكرون أن يكون محمد رسولاً: قال: ثم قال: وَما أرْسَلَنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَيْهِمْ مِنْ أهْلِ القُرَى: أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم قال: فلما كرّر الله عليهم الحجج قالوا, وإذ كان بشرا فغير محمد كان أحقّ بالرسالة فلَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنَ على رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يقولون: أشرف من محمد صلى الله عليه وسلم, يعنون الوليد بن المغيرة المخزومي, وكان يسمى ريحانة قريش, هذا من مكة, ومسعود بن عمرو بن عبيد الله الثقفي من أهل الطائف, قال: يقول الله عزّ وجلّ ردّا عليهم أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ أنا أفعل ما شئت.
وقوله: نَحْن قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا يقول تعالى ذكره: بل نحن نقسم رحمتنا وكرامتنا بين من شئنا من خلقنا, فنجعل من شئنا رسولاً, ومن أردنا صدّيقا, ونتخذ من أردنا خليلاً, كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون بها في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات, فجعلنا بعضهم فيها أرفع من بعض درجة, بل جعلنا هذا غنيا, وهذا فقيرا, وهذا ملكا, وهذا مملوكا لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23836ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الله تبارك وتعالى أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا فتلقاه ضعيف الحيلة, عيي اللسان, وهو مبسوط له في الرزق, وتلقاه شديد الحيلة, سليط اللسان, وهو مقتور عليه, قال الله جلّ ثناؤه: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى.
وقوله: لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا يقول: ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه, وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل, يقول: جعل تعالى ذكره بعضا لبعض سببا في المعاش في الدنيا.
وقد اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله: لِيتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا فقال بعضهم: معناه ما قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
23837ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا قال: يستخدم بعضهم بعضا في السخرة.
23838ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا قال: هم بنو آدم جميعا, قال: وهذا عبد هذا, ورفع هذا على هذا درجة, فهو يسخره بالعمل, يستعمله به, كما يقال: سخر فلان فلانا.
وقال بعضهم: بل عنى بذلك: ليملك بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:
23839ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك, في قوله: لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا يعني بذلك: العبيد والخدم سخر لهم.
23840ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا مِلْكة.
وقوله: وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يقول تعالى ذكره: ورحمة ربك يا محمد بإدخالهم الجنة خير لهم مما يجمعون من الأموال في الدنيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يعني الجنة.
23841ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَرَحْمَةُ رَبّكَ يقول: الجنة خير مما يجمعون في الدنيا.
الآية : 33
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً لّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرّحْمَـَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَلَوْلا أن يَكُونَ النّاسُ أُمّةً: جماعة واحدة.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي لم يؤمن اجتماعهم عليه, لو فعل ما قال جلّ ثناؤه, وما به لم يفعله من أجله, فقال بعضهم: ذلك اجتماعهم على الكفر. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر, فيصيرَ جميعهم كفارا لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بالرّحمَنِ لبُيُوتِهِمْ سُقُفا مِنْ فِضّةٍ ذكر من قال ذلك.
23842ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً يقول الله سبحانه: لولا أن أجعل الناس كلهم كفارا, لجعلت للكفار لبيوتهم سقفا من فضة.
23843ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هوذة بن خليفة, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قوله: وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً قال: لولا أن يكون الناس كفارا أجمعون, يميلون إلى الدنيا, لجعل الله تبارك وتعالى الذي قال, ثم قال: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها, وما فعل ذلك, فكيف لو فعله.
23844ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً: أي كفارا كلهم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً قال: لولا أن يكون الناس كفارا.
23845ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً يقول: كفارا على دين واحد.
وقال آخرون: اجتماعهم على طلب الدنيا وترك طلب الاَخرة. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على طلب الدنيا ورفض الاَخرة. ذكر من قال ذلك:
23846ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً قال: لولا أن يختار الناس دنياهم على دينهم, لجعلنا هذا لأهل الكفر.
وقوله: لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بالرّحْمَن لِبُيُوتِهِمْ سُقْفا مِنْ فِضّةٍ يقول تعالى ذكره: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن في الدنيا سقفا, يعني أعالي بيوتهم, وهي السطوح فضة. كما:
23847ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لِبُيُوتهِمْ سُقُفا مِنْ فِضّةٍ السُقُف: أعلى البيوت.
واختلف أهل العربية في تكرير اللام التي في قوله: لِمَنْ يَكْفُرُ, وفي قوله: لِبُيُوتهِمْ, فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنها أدخلت في البيوت على البدل. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلتها في لِبُيُوتهِمْ مكرّرة, كما في يَسْئَلُونَكَ عَن الشّهْرِ الحَرَام قِتالٍ فِيهِ, وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين, كأن الثانية في معنى على, كأنه قال: جعلنا لهم على بيوتهم سقفا. قال: وتقول العرب للرجل في وجهه: جعلت لك لقومك الأعطية: أي جعلته من أجلك لهم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: «سَقْفا» فقرأته عامة قرّاء أهل مكة وبعض المدنيين وعامة البصريين سَقْفا بفتح السين وسكون القاف اعتبارا منهم ذلك بقوله: فَخَرّ عَلَيْهِمُ السّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وتوجيها منهم ذلك إلى أنه بلفظ واحد معناه الجمع. وقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة سُقُفا بضم السين والقاف, ووجّهوها إلى أنها جمع سقيفة أو سقوف. وإذا وجهت إلى أنها جمع سقوف كانت جمع الجمع, لأن السقوف: جمع سَقْف, ثم تجمع السقوف سُقُفا, فيكون ذلك نظير قراءة من قرأه فرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ بضم الراء والهاء, وهي الجمع, واحدها رهان ورهون, وواحد الرهون والرهان: رَهْن. وكذلك قراءة من قرأ كُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ بضم الثاء والميم, ونظير قول الراجز:
(حتى إذَا ابْتَلّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ )
وقد زعم بعضهم أن السّقُف بضم السين والقاف جمع سَقْف, والرّهُن بضم الراء والهاء جمع رَهْن, فأغفل وجه الصواب في ذلك, وذلك أنه غير موجود في كلام العرب اسم على تقدير فعل بفتح الفاء وسكون العين مجموعا على فُعُل, فيجعل السّقُف والرّهُن مثله.
والصواب من القول في ذلك عندي, أنهما قراءتان متقاربتا المعنى, معروفتان في قرأة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ يقول: ومراقي ودَرَجا عليها يصعدون, فيظهرون على السقف والمعارج: هي الدرج نفسها, كما قال المثنى بن جندل:
(يا رَبّ البَيْتِ ذي المَعارِج )
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23848ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وَمَعارِجَ قال: معارج من فضة, وهي درج.
23849ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ: أي دَرجا عليها يصعدون.
23850ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال: المعارج: المراقي.
حدثنا محمد, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَمَعَارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال: دُرُج عليها يُرفعون.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن ابن عباس قوله: وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال: درج عليها يصعدون إلى الغرف.
23851ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال: المعارج: درج من فضة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:44 pm

الآية : 34-35
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِن كُلّ ذَلِكَ لَمّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَالاَخِرَةُ عِندَ رَبّكَ لِلْمُتّقِينَ }.
يقول تعالى ذكره: وجعلنا لبيوتهم أبوابا من فضة, وسُرُرا من فضة. كما:
23852ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, وسُررا قال: سرر فضة.
23853ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلِبُيُوتِهِمْ أبْوَابا وسرُرا عَلَيْها يَتّكِئُونَ قال: الأبواب من فضة, والسرر من فضة عليها يتكئون, يقول: على السرر يتكئون.
وقوله: وَزُخْرُفا يقول: ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفا, وهو الذهب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23854ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس وَزُخْرُفا وهو الذهب.
23855ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَزُخْرُفا قال: الذهب. وقال الحسن: بيت من زُخرف, قال: ذهب.
23856ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَزُخْرُفا الزخرف: الذهب, قال: قد والله كانت تكره ثياب الشهرة. وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إيّاكُمْ والحُمْرَةَ فإنّها مِنْ أحَبّ الزّينَةِ إلى الشّيْطانِ».
23857ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَزُخْرُفا قال: الذهب.
حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَزُخْرُفا قال: الذهب.
23858ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَزُخْرُفا لجعلنا هذا لأهل الكفر, يعني لبيوتهم سقفا من فضة وما ذكر معها. والزخرف سمى هذا الذي سمى السقف, والمعارج والأبواب والسرر من الأثاث والفرش والمتاع.
23859ـ حُدثت عن الحسن, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَزُخْرُفا يقول: ذهبا. والزخرف على قول ابن زيد: هذا هو ما تتخذه الناس في منازلهم من الفرش والأمتعة والاَلات.
وفي نصب الزخرف وجهان: أحدهما: أن يكون معناه: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف, فلما لم يكرّر عليه من نصب على إعمال الفعل فيه ذلك, والمعنى فيه: فكأنه قيل: وزخرفا يجعل ذلك لهم منه. والوجه الثاني: أن يكون معطوفا على السرر, فيكون معناه: لجعلنا لهم هذه الأشياء من فضة, وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا يكون لهم غنى يستغنون بها, ولو كان التنزيل جاء بخفض الزخرف لكان: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف, فكان الزخرف يكون معطوفا على الفضة. وأما المعارج فإنها جُمعت على مفاعل, وواحدها معراج, على جمع مِعرج, كما يجمع المفتاح مفاتح على جمع مفتح, لأنهما لغتان: معرج, ومفتح, ولو جمع معاريج كان صوابا, كما يجمع المفتاح مفاتيح, إذ كان واحده معراج.
وقوله: وَإنْ كُلّ ذلكَ لَمّا مَتاعُ الحَياةِ الدّنيْا يقول تعالى ذكره: وما كلّ هذه الأشياء التي ذكرت من السقف من الفضة والمعارج والأبواب والسرر من الفضة والزخرف, إلا متاع يستمتع به أهل الدنيا في الدنيا وَالاَخِرَةُ عِنْدَ رَبّكَ لَلْمُتّقِينَ يقول تعالى ذكره: وزين الدار الاَخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين, الذين اتقوا الله فخافوا عقابه, فجدّوا في طاعته, وحذروا معاصيه خاصة دون غيرهم من خلق الله. كما:
23860ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَالاَخِرَةُ عِنْدَ رَبّكَ لِلْمْتّقِينَ خصوصا.
الآية : 36-37
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرّحْمَـَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنّهُمْ لَيَصُدّونَهُمْ عَنِ السّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُم مّهْتَدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ومن يُعْرِض عن ذكر الله فلم يخف سطوته, ولم يَخْشَ عقابه نُقَيّضْ لَهُ شَيْطانا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ يقول: نجعل له شيطانا يغويه فهو له قرين: يقول: فهو للشيطان قرين, أي يصير كذلك, وأصل العشو: النظر بغير ثبت لعلة في العين, يقال منه: عشا فلان يعشو عشوا وعشوّا: إذا ضعف بصره, وأظلمت عينه, كأن عليه غشاوة, كما قال الشاعر:
مَتى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِتَجِدْ حَطَبا جَزْلاً وَنارا تَأَجّجا
يعني: متى تفتقر فتأته يعنك. وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر, فإنه يقال فيه: عَشِيَ فلان يَعْشَى عَشًى منقوص, ومنه قول الأعشي:
رأتْ رَجُلاً عائِبَ الوَافِدَيْنِمُخْتَلِفَ الخَلْقِ أعْشَى ضَرِيرَا
يقال منه: رجل أعشى وامرأة عشواء. وإنما معنى الكلام: ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظرا ضعيفا, كنظر من قد عَشِي بصره نُقَيّضْ لَهُ شَيْطانا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23861ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرّحْمَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطانا يقول: إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ.
23862ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السدّي, في قوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرّحْمَنِ قال: يعرض.
وقد تأوّله بعضهم بمعنى: ومن يعمَ, ومن تأوّل ذلك كذلك, فيجب أن تكون قراءته وَمَنْ يَعْشَ بفتح الشين على ما بيّنت قبل. ذكر من تأوّله كذلك:
23863ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرّحْمَنِ قال: من يعمَ عن ذكر الرحمن.
وقوله: وإنّهُمْ لَيَصُدّوَنهُمْ عَنِ السّبِيل يقول تعالى ذكره: وإن الشياطين ليصدّون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله, عن سبيل الحقّ, فيزينون لهم الضلالة, ويكرّهون إليهم الإيمان بالله, والعمل بطاعته وَيحْسَبُونَ أنّهُمْ مُهْتَدُونَ يقول: ويظنّ المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة, أنهم على الحقّ والصواب, يخبر تعالى ذكره عنهم أنهم من الذي هم عليه من الشرك على شكّ وعلى غير بصيرة. وقال جلّ ثناؤه: وإنّهُمْ لَيَصُدّونَهُمْ عَنِ السّبِيلِ فأخرج ذكرهم مخرج ذكر الجميع, وإنما ذُكر قبل واحدا, فقال: نُقَيّضْ لَهُ شَيْطانا لأن الشيطان وإن كان لفظه واحدا, ففي معنى جمع.
الآية : 38-39
القول في تأويل قوله تعالى: {حَتّىَ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظّلَمْتُمْ أَنّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: حتى إذَا جاءَنا فقرأته عامة قرّاء الحجاز سوى ابن محيصن, وبعض الكوفيين وبعض الشاميين «حتى إذَا جاءانا» على التثنية بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا الذي عَشِيَ عن ذكر الرحمن, وقرينه الذي قيض له من الشياطين. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وابن محيصن: حتى إذَا جاءَنا على التوحيد, بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أنّ في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا, الكفاية للسامع عن خبر الاَخر, إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الاَخر, وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23864ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: حتى إذَا جاءَانا هو وقرينه جميعا.
وقوله: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المُشْرقَيْنِ يقول تعالى ذكره: قال أحد هذين القرينين لصاحبه الاَخر: وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين: أي بُعد ما بين المشرق والمغرب, فغلب اسم أحدهما على الاَخر, كما قيل: شبه القمرين, وكما قال الشاعر:
أخَذْنا بآفاقِ السّماءِ عَلَيْكُمُلنَا قَمَرَاهَا والنّجُومُ الطّوَالِعُ
وكما قال الاَخر:
فَبَصْرَةُ الأزْدِ مِنّا والعِرَاقُ لنَاوالمَوْصِلانِ وَمِنّا مِصْرُ والحَرَمُ
يعني: الموصل والجزيرة, فقال: الموصلان, فغلب الموصل.
وقد قيل: عنى بقوله بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ: مشرق الشتاء, ومشرق الصيف, وذلك أن الشمس تطلع في الشتاء من مشرق, وفي الصيف من مشرق غيره وكذلك المغرب تغرب في مغربين مختلفين, كما قال جلّ ثناؤه: رَبّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ.
وذُكر أن هذا قول أحدهما لصاحبه عند لزوم كل واحد منهما صاحبه حتى يورده جهنم. ذكر من قال ذلك:
23865ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن سعيد الجريري, قال: بلغني أن الكافر إذا بُعث يوم القيامة من قبره, سفعَ بيده الشيطان, فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار, فذلكم حين يقول: يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين, فبئس القرين. وأما المؤمن فيوكّل به مَلك فهو معه حتى قال: إما يفصل بين الناس, أو نصير إلى ما شاء الله.
وقوله: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ أيها العاشون عن ذكر الله في الدنيا إذْ ظَلَمْتُمْ أنّكُمْ فِي العَذَابِ مُشْترِكُونَ يقول: لن يخفف عنكم اليوم من عذاب الله اشتراككم فيه, لأن لكل واحد منكم نصيبه منه, و«أنّ» من قوله أنّكُمْ في موضع رفع لما ذكرت أن معناه: لن ينفعكم اشتراككم.
الآية : 40-42
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصّمّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ * فَإِمّا نَذْهَبَنّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُم مّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنّكَ الّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنّا عَلَيْهِمْ مّقْتَدِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أفأنْتَ تُسْمِعُ الصّمّ: من قد سلبه الله استماع حججه التي احتجّ بها في هذا الكتاب فأصمه عنه, أو تهدي إلى طريق الهدى من أعمى الله قلبه عن إبصاره, واستحوذ عليه الشيطان, فزيّن له الرّدَى وَمَنْ كانَ في ضَلال مُبِينٍ يقول: أو تهدي من كان في جور عن قصد السبيل, سالك غير سبيل الحقّ, قد أبان ضلاله أنه عن الحقّ زائل, وعن قصد السبيل جائر: يقول جلّ ثناؤه: ليس ذلك إليك, إنما ذلك إلى الله الذي بيده صرف قلوب خلقه كيف شاء, وإنما أنت منذر, فبلغهم النذارة.
وقوله: فإمّا نَذْهَبّنَ بِكَ فإنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ اختلف أهل التأويل في المعنيين بهذا الوعيد, فقال بعضهم: عُنِي به أهل الإسلام من أمة نبينا عليه الصلاة والسلام. ذكر من قال ذلك:
23866ـ حدثنا سوار بن عبد الله العنبري, قال: ثني أبي, عن أبي الأشهب, عن الحسن, في قوله: فإمّا نَذْهَبنّ بِكَ فإنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ قال: لقد كانت بعد نبيّ الله نقمة شديدة, فأكرم الله جلّ ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يريه في أمته ما كان من النقمة بعده.
23867ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فإمّا نَذْهَبنّ بِكَ فإنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ فذهب الله بنبيه صلى الله عليه وسلم, ولم ير في أمته إلا الذي تقرّ به عينه, وأبقى الله النقمة بعده, وليس من نبيّ إلا وقد رأى في أمته العقوبة, أو قال ما لا يشتهي. ذُكر لنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُري الذي لقيت أمته بعده, فما زال منقبضا ما انبسط ضاحكا حتى لقي الله تبارك وتعالى.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: تلا قتادة فإمّا نَذْهَبنّ بِكَ فإنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ فقال: ذهب النبيّ صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة, ولم يُرِ الله نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئا يكرهه حتى مضى, ولم يكن نبيّ قطّ إلا رأى العقوبة في أمته, إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم. قال: وذُكر لنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُري ما يصيب أمته بعده, فما رُئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله.
وقال آخرون: بل عنى به أهل الشرك من قريش, وقالوا: قد رأى الله نبيه عليه الصلاة والسلام فيهم. ذكر من قال ذلك:
23868ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: فإمّا نَذْهَبنّ بِكَ فإنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ كما انتقمنا من الأمم الماضية أوْ نُرِيَنّكَ الّذِي وَعْدْناهُمْ فقد أراه الله ذلك وأظهره عليه وهذا القول الثاني أولى التأويلين في ذلك بالصواب وذلك أن ذلك في سياق خبر الله عن المشركين فلأن يكون ذلك تهديدا لهم أولى من أن يكون وعيدا لمن لم يجر له ذكر. فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك: فإن نذهب بك يا محمد من بين أظهر هؤلاء المشركين, فنخرجَك من بينهم فَإنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ, كما فعلنا ذلك بغيرهم من الأمم المكذّبة رسلها, أَوْ نُرِيَنّكَ الّذِي وَعَدْناهُمْ يا محمد من الظفر بهم, وإعلائك عليهم فَإنّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ أن نظهرك عليهم, ونخزيهم بيدك وأيدي المؤمنين بك.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:45 pm

الآية : 43-44
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالّذِيَ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنّكَ عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ * وَإِنّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فتمسك يا محمد بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك, إنّكَ عَلَى صِرِاطٍ مُسْتَقِيمٍ ومنهاج سديد, وذلك هو دين الله الذي أمر به, وهو الإسلام. كما:
23869ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فاسْتَمْسِكْ بالّذِي أُوحِيَ إلَيْكَ إنّكَ على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ: أي الإسلام.
23870ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فاسْتَمْسِكْ بالّذِي أُوحِيَ إلَيْكَ إنّكَ على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وقوله: وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ يقول: وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه, وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه, وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه؟. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23871ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: حدثنا معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: قوله: وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ يقول: إن القرآن شرف لك.
23872ـ حدثني عمرو بن مالك, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَإنّهُ لَذَكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال: يقول للرجل: من أنت؟ فيقول: من العرب, فيقال: من أيّ العرب؟ فيقول: من قريش.
23873ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وهو هذا القرآن.
23874ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال: شرف لك ولقومك, يعني القرآن.
23875ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال: أو لم تكن النبوّة والقرآن الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم ذكرا له ولقومه.
الآية : 45
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرّحْمَـَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }.
اختلف أهل التأويل في معنى قوله: واسأَلْ مَنْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ومن الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسألتهم ذلك, فقال بعضهم الذين أُمر بمسألتهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, مؤمنو أهل الكتابين: التوراة, والإنجيل. ذكر من قال ذلك:
23876ـ حدثني عبد الأعلى بن واصل, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن ابن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: في قراءة عبد الله بن مسعود «وَاسأَلِ الّذِينَ أرْسَلْنا إلَيْهِمْ قَبْلَكَ رُسُلَنا».
23877ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَاسْألِ مَنْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا إنها قراءة عبد الله: «سل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا».
23878ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة واسأَلْ مَنْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا يقول: سل أهل التوراة والإنجيل: هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد أن يوحدوا الله وحده؟ قال: وفي بعض القراءة: «واسأل الذين أرسلنا إليهم رسلنا قبلك». أجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرّحْمَنِ آلِهَة يُعْبَدُونَ.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة في بعض الحروف «واسألِ الّذِينَ أرْسَلْنا إلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا» سل أهل الكتاب: أما كانت الرسل تأتيهم بالتوحيد؟ أما كانت تأتي بالإخلاص؟.
23879ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: واسأَلْ مَنْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا في قراءة ابن مسعود «سَلِ الّذينَ يَقْرَءُونَ الكِتاب مِنْ قَبْلِكَ» يعني: مؤمني أهل الكتاب.
وقال آخرون: بل الذي أمر بمسألتهم ذلك الأنبياء الذين جُمعوا له ليلة أُسري به ببيت المقدس. ذكر من قال ذلك:
23880ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: واسْئَلِ مَنْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ... الاَية, قال: جمعوا له ليلة أُسري به ببيت المقدس, وصلى بهم, فقال الله له: سلهم, قال: فكان أشدّ إيمانا ويقينا بالله وبما جاءه من الله أن يسألهم, وقرأ فإنْ كُنْتَ فِي شَكّ مِمّا أنْزَلْنا إلَيْكَ فاسأَل الّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ قال: فلم يكن في شكّ, ولم يسأل الأنبياء, ولا الذين يقرأون الكتاب. قال: ونادى جبرائيل صلى الله عليه وسلم, فقلت في نفسي: «الاَن يؤمنا أبونا إبراهيم» قال: «فدفع جبرائيل في ظهري», قال: تقدم يا محمد فصلّ, وقرأ سُبْحانَ الّذِي أَسْرَى بعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ... حتى بلغ لِنُرِيهُ مِنْ آياتِنا.
وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك, قول من قال: عنى به: سل مؤمني أهل الكتابين.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يقال: سل الرسل, فيكون معناه: سل المؤمنين بهم وبكتابهم؟ قيل: جاز ذلك من أجل أن المؤمنين بهم وبكتبهم أهل بلاغ عنهم ما أتوهم به عن ربهم, فالخبر عنهم وعما جاؤوا به من ربهم إذا صحّ بمعنى خبرهم, والمسألة عما جاؤوا به بمعنى مسألتهم إذا كان المسؤول من أهل العلم بهم والصدق عليهم, وذلك نظير أمر الله جلّ ثناؤه إيانا بردّ ما تنازعنا فيه إلى الله وإلى الرسول, يقول: فإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إلى اللّهِ وَالرّسُولِ, ومعلوم أن معنى ذلك: فردّوه إلى كتاب الله وسنة رسوله, لأن الردّ إلى ذلك ردّ إلى الله والرسول. وكذلك قوله: وَاسْئَلْ مَنْ أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا إنما معناه: فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل, فإنك تعلم صحة ذلك من قِبَلِنا, فاستغني بذكر الرسل من ذكر الكتب, إذ كان معلوما ما معناه.
وقوله: أجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ يقول: أمرناهم بعبادة الاَلهة من دون الله فيما جاؤوهم به, أو أتوهم بالأمر بذلك من عندنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23881ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ أجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ؟ أتتهم الرسل يأمرونهم بعبادة الاَلهة من دون الله؟ وقيل: آلِهَةً يُعْبَدُونَ, فأخرج الخبر عن الاَلهة مخرج الخبر عن ذكور بني آدم, ولم يقل: تعبد, ولا يعبدن, فتؤنث وهي حجارة, أو بعض الجماد كما يفعل في الخبر عن بعض الجماد. وإنما فعل ذلك كذلك, إذ كانت تعبد وتعظم تعظيم الناس ملوكهم وسَرَاتهم, فأُجْرِي الخبر عنها مُجْرى الخبر عن الملوك والأشراف من بني آدم.
الآية : 46-47
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىَ بِآيَاتِنَآ إِلَىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنّي رَسُولُ رَبّ الْعَالَمِينَ * فَلَمّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مّنْهَا يَضْحَكُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا يا محمد موسى بحججنا إلى فرعون وأشراف قومه, كما أرسلناك إلى هؤلاء المشركين من قومك, فقال لهم موسى: إني رسول ربّ العالمين, كما قلتَ أنت لقومك من قريش. إني رسول الله إليكم, فَلَمّا جاءَهُمْ بآياتِنا إذَا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ يقول: فلما جاء موسى فرعونَ وملأه بحججنا وأدلتنا على صدق قوله, فيما يدعوهم إليه من توحيد الله والبراءة من عبادة الاَلهة, إذا فرعون وقومه مما جاءهم به موسى من الاَيات والعِبَر يضحكون كما أن قومك مما جئتهم به من الاَيات والعِبر يسخرون, وهذا تسلية من الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وسلم عما كان يلقى من مشركي قومه, وإعلام منه له, أن قومه من أهل الشرك لن يَعْدُو أن يكونوا كسائر الأمم الذين كانوا على منهاجهم في الكفر بالله وتكذيب رسله, وندب منه نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الاستنان في الصبر عليهم بسنن أولي العزم من الرسل, وإخبار منه له أن عقبى مردتهم إلى البوار والهلاك كسنته في المتمرّدين عليه قبلهم, وإظفاره بهم, وإعلائه أمره, كالذي فعل بموسى عليه السلام, وقومه الذين آمنوا به من إظهارهم على فرعون وملئه.
الآية : 48
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا نُرِيِهِم مّنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وما نري فرعون وملأه آية, يعني: حجته لنا عليه بحقيقة ما يدعوه إليه رسولنا موسى إلاّ هِيَ أكْبَرُ مِنْ أُخْتِها يقول: إلا التي نريه من ذلك أعظم في الحجة عليهم وأوكد من التي مضت قبلها من الاَيات, وأدلّ على صحة ما يأمره به موسى من توحيد الله.
وقوله: وأخَذْناهُمْ بالعَذابِ يقول: وأنزلنا بهم العذاب, وذلك كأخذه تعالى ذكره إياهم بالسنين, ونقص من الثمرات, وبالجراد, والقُمّل, والضفادع, والدم.
وقوله: لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول: ليرجعوا عن كفرهم بالله إلى توحيده وطاعته, والتوبة مما هم عليه مقيمون من معاصيهم. كما: 23882ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأخَذْناهُمْ بالعَذَاب لَعَلّهُم يَرْجِعُونَ أي يتوبون, أو يذكرون.
الآية : 49-50
!!! ============= لا يوجد فى الأصل !!!===========
الآية : 51
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَادَىَ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيَ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ }.
يقول تعالى ذكره: وَنادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ من القبط, فقالَ يا قَوْم ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي, أفَلا تُبْصِرُونَ يعني بقوله: مِنْ تَحْتِي: من بين يديّ في الجنان. كما:
23886ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَهَذِهِ الأنهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي قال: كانت لهم جنات وأنهار ماء.
وقوله: أفَلا تُبْصِرُونَ يقول: أفلا تبصرون أيها القوم ما أنا فيه من النعيم والخير, وما فيه موسى من الفقر وعيّ اللسان, افتخر بملكه مصر عدوّ الله, وما قد مكّن له من الدنيا استدراجا من الله له, وحسب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده وحوله, وأن موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه, فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة محتجا على جهلة قومه بأن موسى عليه السلام لو كان محقا فيما يأتي به من الاَيات والعبر, ولم يكن ذلك سحرا, لأكسب نفسه من المُلك والنعمة, مثل الذي هو فيه من ذلك جهلاً بالله واغترارا منه بإملائه إياه.
الآية : 52-53
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مّنْ هَـَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه, وبيان لسانه وتمام خلقه, وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أنا خير أيها القوم, وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم, أمْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ لا شيء له من المُلك والأموال مع العلة التي في جسده, والاَفة التي بلسانه, فلا يكاد من أجلها يبين كلامه؟
وقد اختُلف في معنى قوله: أمْ في هذا الموضع, فقال بعضهم: معناها: بل أنا خير, وقالوا: ذلك خبر, لا استفهام. ذكر من قال ذلك:
23887ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: أمْ أنا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ قال: بل أنا خير من هذا. وبنحو ذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة.
وقال بعض نحويي الكوفة, هو من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله. قال: وإن شئت رددته على قوله: ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ؟ وإذا وجه الكلام إلى أنه استفهام, وجب أن يكون في الكلام محذوف استغني بذكر ما ذكر مما ترك ذكره, ويكون معنى الكلام حينئذٍ: أنا خير أيها القوم من هذا الذي هو مهين, أم هو؟.
وذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ ذلك «أما أنا خَيْرٌ».
23888ـ حُدثت بذلك عن الفرّاء قال: أخبرني بعض المشيخة أنه بلغه أن بعض القرّاء قرأ كذلك, ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة في قَرَأة الأمصار لكانت صحيحة, وكان معناها حسنا, غير أنها خلاف ما عليه قرّاء الأمصار, فلا أستجيز القراءة بها, وعلى هذه القراءة لو صحّت لا كلفة له في معناها ولا مؤونة.
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار. وأولى التأويلات بالكلام إذ كان ذلك كذلك, تأويل من جعل: أمْ أنا خَيْرٌ؟ من الاستفهام الذي جعل بأم, لاتصاله بما قبله من الكلام, ووجهه إلى أنه بمعنى: أأنا خير من هذا الذي هو مهين؟ أم هو؟ ثم ترك ذكر أم هو, لما في الكلام من الدليل عليه. وعنى بقوله: مِنْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ: من هذا الذي هو ضعيف لقلّة ماله, وأنه ليس له من الملك والسلطان ماله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23889ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أمْ أنا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِين قال: ضعيف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:46 pm

ا
23890ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ مِنْ هَذَا الّذِي هُوَ مَهِينٌ قال: المهين: الضعيف.
وقوله: وَلا يَكادُ يُبِينُ يقول: ولا يكاد يُبين الكلام من عِيّ لسانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23891ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلا يَكادُ يُبِينُ: أي عَيّ اللسان.
23892ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَلا يَكادُ يُبِينُ الكلام.
وقوله: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ يقول: فهلا أُلقي على موسى إن كان صادقا أنه رسول ربّ العالمين أسورة من ذهب, وهو جمع سوار, وهو القُلْب الذي يجعل في اليد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23893ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَب يقول: أقلبة من ذهب.
23894ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ: أي أقلبة من ذهب.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة «فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَساوِرَةٌ مِنْ ذَهَب». وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأه أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي ما عليه قَرَأة الأمصار, وإن كانت الأخرى صحيحة المعنى.
واختلف أهل العربية في واحد الأساورة, والأسورة, فقال بعض نحويّي البصرة: الأسورة جمع إسوار قال: والأساورة جمع الأسورة وقال: ومن قرأ ذلك أساورة, فإنه أراد أساوير والله أعلم, فجعل الهاء عوضا من الياء, مثل الزنادقة صارت الهاء فيها عوضا من الياء التي في زناديق. وقال بعض نحويّي الكوفة: من قرأ أساورة جعل واحدها إسوار ومن قرأ أسورة جعل واحدها سوار وقال: قد تكون الأساورة جمع أسورة كما يقال في جمع الأسقية الأساقي, وفي جمع الأكرع الأكارع. وقال آخر منهم قد قيل في سوار اليد: يجوز فيه أُسْوار وإسْوار قال: فيجوز على هذه اللغة أن يكون أساورة جمعه. وحُكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: واحد الأساورة إسوار قال: وتصديقه في قراءة أبيّ بن كعب «فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أساوِرَةٌ مِنْ ذَهَب» فإن كان ما حُكي من الرواية من أنه يجوز أن يقال في سوار اليد إسوار, فلا مؤونة في جمعه أساورة, ولست أعلم ذلك صحيحا عن العرب برواية عنها, وذلك أن المعروف في كلامهم من معنى الإسوار: الرجل الرامي, الحاذق بالرمي من رجال العجم. وأما الذي يُلبس في اليد, فإن المعروف من أسمائه عندهم سوارا. فإذَا كان ذلك كذلك, فالذي هو أولى بالأساورة أن يكون جمع أسورة على ما قاله الذي ذكرنا قوله في ذلك.
وقوله: أوْ جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ يقول: أو هلا إن كان صادقا جاء معه الملائكة مقترنين قد اقترن بعضهم ببعض, فتتابَعُوا يشهدون له بأنه لله رسول إليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة على تأويله, فقال بعضهم: يمشون معا. ذكر من قال ذلك:
23895ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ قال: يمشون معا.
وقال آخرون: متتابعين. ذكر من قال ذلك:
23896ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة أوْ جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ: أي متتابعين.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
وقال آخرون: يقارن بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:
23897ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ أوْ جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ قال: يقارن بعضهم بعضا.
الآية : 54-55
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاسْتَخَفّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمّآ آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }.
يقول تعالى ذكره: فاستخفّ فرعون خلقا من قومه من القبط, بقوله الذي أخبر الله تبارك وتعالى عنه أنه قال لهم, فقبلوا ذلك منه فأطاعوه, وكذّبوا موسى, وقال الله: وإنما أطاعوا فاستجابوا لما دعاهم إليه عدوّ الله من تصديقه, وتكذيب موسى, لأنهم كانوا قوما عن طاعة الله خارجين بخذلانه إياهم, وطبعه على قلوبهم, يقول الله تبارك وتعالى: فَلَمّا آسَفُونا يعني بقوله: آسفونا: أغضبونا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23898ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: فَلَمّا آسَفُونا يقول: أسخطونا.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, فَلَمّا آسَفُونا يقول: لما أغضبونا.
23899ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد فَلَمّا آسَفُونا: أغضبونا.
23900ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَمّا آسَفُونا قال: أغضبوا ربهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة فَلَمّا آسَفُونا قال: أغضبونا.
23901ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فَلَمّا آسَفُونا قال: أغضبونا, وهو على قول يعقوب: يا أسَفِي عَلى يُوسُفَ قال: يا حزَني على يوسف.
23902ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ قال: أغضبونا, وقوله: انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ يقول: انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجّلناه لهم, فأغرقناهم جميعا في البحر.
الآية : 56-57
القول في تأويل قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لّلاَخِرِينَ * وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ }.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة غير عاصم «فَجَعَلْناهُمْ سُلُفا» بضم السين واللام, توجيها ذلك منهم إلى جمع سليف من الناس, وهو المتقدّم أمام القوم. وحَكى الفراء أنه سمع القاسم بن معن يذكر أنه سمع العرب تقول: مضى سليف من الناس. وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وعاصم: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا بفتح السين واللام. وإذا قُرىء كذلك احتمل أن يكون مرادا به الجماعة والواحد والذكر والأنثى, لأنه يُقال للقوم: أنتم لنا سلف, وقد يُجمع فيقال: هم أسلاف ومنه الخبر الذي رُوي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَذْهَب الصّالِحُونَ أَسْلافا». وكان حُميد الأعرج يقرأ ذلك: «فَجَعَلْناهُمْ سُلَفا» بضم السين وفتح اللام, توجيها منه ذلك إلى جمع سلفة من الناس, مثل أمة منهم وقطعة.
وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بفتح السين واللام, لأنها اللغة الجوداء, والكلام المعروف عند العرب, وأحقّ اللغات أن يُقرأ بها كتاب الله من لغات العرب أفصحها وأشهرها فيهم. فتأويل الكلام إذن: فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم من قوم فرعون في البحر مقدّمة يتقدمون إلى النار, كفار قومك يا محمد من قريش, وكفار قومك لهم بالأثر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23903ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا وَمَثَلاً للاَخرِين قال: قوم فرعون كفارهم سلفا لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
23904ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا في النار.
23905ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر: فَجَعلْناهُمْ سَلَفا قال: سلفا إلى النار.
وقوله: وَمَثَلاً للاَخِرِينَ يقول: وعبرة وعظة يتعظ بهم مَنْ بعدهم من الأمم, فينتهوا عن الكفر بالله. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23906ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَمَثَلاً للاَخِرِينَ قال: عبرة لمن بعدهم.
23907ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَمَثَلاً للاَخِرِينَ: أي عظة للاَخرين.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَمَثَلاً للاَخِرِينَ: أي عظة لمن بعدهم.
23908ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفا وَمَثَلاً قال: عبرة.
وقوله: وَلما ضُربَ ابْنُ مَرْيَم مَثَلاً يقول تعالى ذكره: ولما شبه الله عيسى في إحداثه وإنشائه إياه من غير فحل بآدم, فمثّله به بأنه خلقه من تراب من غير فحل, إذا قومك يا محمد من ذلك يضجون ويقولون: ما يريد محمد منا إلاّ أن نتخذه إلها نعبده, كما عبدت النصارى المسيح. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم بنحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
23909ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله عزّ وجلّ: إذَا قَوْمُكَ منْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون قال: قالت قريش: إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى.
23910ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: لما ذُكر عيسى بن مريم جزعت قريش من ذلك, وقالوا: يا محمد ما ذكرت عيسى بن مريم, وقالوا: ما يريد محمد إلاّ أن نصنع به كما صنعت النصارى بعيسى بن مريم, فقال الله عزّ وجلّ: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: لما ذُكر عيسى في القرآن قال مشركو قريش: يا محمد ما أردت إلى ذكر عيسى؟ قال: وقالوا: إنما يريد أن نحبه كما أحبّت النصارى عيسى.
وقال آخرون: بل عنى بذلك قول الله عزّ وجلّ إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُون قِيلُ المشركين عند نزولها: قد رضينا بأن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزَير والملائكة, لأن كل هؤلاء مما يُعبد من دون الله, قال الله عزّ وجلّ: ولَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ وقالوا: أآلهتنا خير أم هو؟ ذكر من قال ذلك:
23911ـ حدثني محمد بن سعد قال, ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ولَمّا ضُربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يعني قريشا لما قيل لهم إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُون فقالت له قريش: فما ابن مريم؟ قال: ذاك عبد الله ورسوله, فقالوا: والله ما يريد هذا إلاّ أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم ربا, فقال الله عزّ وجلّ: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً, بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يَصِدّونَ, فقرأته عامة قرّاء المدينة, وجماعة من قرّاء الكوفة: «يَصُدّونَ» بضم الصاد. وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة والبصرة يَصِدّونَ بكسر الصاد.
واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين ذلك إذا قُرىء بضم الصاد, وإذا قُرىء بكسرها, فقال بعض نحويّي البصرة, ووافقه عليه بعض الكوفيين: هما لغتان بمعنى واحد, مثل يشُدّ ويشِدّ, ويَنُمّ ويَنِمّ من النميمة. وقال آخر: منهم من كسر الصاد فمجازها يضجون, ومن ضمها فمجازها يعدلون. وقال بعض من كسرها: فإنه أراد يضجون, ومن ضمها فإنه أراد الصدود عن الحقّ.
23912ـ حُدثت عن الفرّاء قال: ثني أبو بكر بن عياش, أن عاصما ترك يصدّون من قراءة أبي عبد الرحمن, وقرأ يصدّون, قال: قال أبو بكر. حدثني عاصم, عن أبي رزين, عن أبي يحيى, أن ابن عباس لقي ابن أخي عبيد بن عمير, فقال: إن عمك لعربيّ, فما له يُلحِن في قوله: «إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصُدّونَ», وإنما هي يَصِدّونَ.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان, ولغتان مشهورتان بمعنى واحد, ولم نجد أهل التأويل فرّقوا بين معنى ذلك إذا قرىء بالضمّ والكسر, ولو كان مختلفا معناه, لقد كان الاختلاف في تأويله بين أهله موجودا وجود اختلاف القراءة فيه باختلاف اللغتين, ولكن لما لم يكن مختلف المعنى لم يختلفوا في أن تأويله: يضجون ويجزعون, فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب. ذكر ما قلنا في تأويل ذلك:
23913ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ يقول: يضجون.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو حمزة, عن المُغيرة الضبيّ, عن الصعب بن عثمان قال: كان ابن عباس يقرأ إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ, وكان يفسرها يقول: يضجون.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة عن عاصم عن أبي رزين, عن ابن عباس بمثله.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح عن مجاهد, في قول الله عزّ وجلّ: إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
23914ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ: أي يجزعون ويضجون.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن عاصم بن أبي النّجود, عن أبي صالح, عن ابن عباس أنه قرأها يَصِدّون: أي يضجون, وقرأ عليّ رضي الله عنه يَصِدّونَ.
23915ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
23916ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ إذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدّونَ قال: يضجون.
الآية : 58-60
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوَاْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لّبَنِيَ إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مّلاَئِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ }.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:47 pm

يقول تعالى ذكره: وقال مشركو قومك يا محمد: آلهتنا التي نعبدها خير؟ أم محمد فنعبد محمدا؟ ونترك آلهتنا؟. وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ بن كعب: أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هَذَا. ذكر الرواية بذلك:
23917ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور عن معمر, عن قتادة أن في حرف أبي بن كعب وَقَالُوا أآلهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هَذا يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: بل عني بذلك: آلهتنا خير أم عيسى؟. ذكر من قال ذلك:
23918ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: وَقالُوا أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هُوَ؟ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً, بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ قال: خاصموه, فقالوا: يزعم أن كلّ من عبد من دون الله في النار, فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزير والملائكة هؤلاء قد عُبدوا من دون الله, قال: فأنزل الله براءة عيسى.
23919ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أآلِهَتُنا خَيْرٌ قال: عَبَدَ هؤلاء عيسى, ونحن نعبد الملائكة.
وقوله: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ... إلى فِي الأرْض يخْلُفُونَ. وقوله تعالى ذكره: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلاً يقول تعالى ذكره: ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد هؤلاء المشركين في محاجتهم إياك بما يحاجونك به طلب الحق بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ يلتمسون الخصومة بالباطل.
وذُكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما ضَلّ قَوْمٌ عَنِ الحَقّ إلاّ أُوتُوا الجَدَلَ». ذكر الرواية ذلك:
23920ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا يعلى, قال: حدثنا الحجاج بن دينار, عن أبي غالب عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضَلّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كانُوا عَلَيْهِ إلاّ أُوتُوا الجَدَلَ, وقرأ: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً... الاَية».
حدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي وأبو كُرَيب قالا: حدثنا محمد بن بشر, قال: حدثنا حجاج بن دينار, عن أبي غالب, عن أبي أُمامة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن, عن عباد بن عباد عن جعفر بن القاسم, عن أبي أُمامة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن, فغضب غضبا شديدا, حتى كأنما صبّ على وجهه الخلّ, ثم قال صلى الله عليه وسلم: «لا تَضْربُوا كِتابَ اللّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ, فإنّهُ ما ضَلّ قَوْمٌ قَطّ إلاّ أُوتُو الجَدَلَ», ثم تلا: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلاً بَل هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ.
وقوله: إنْ هُوَ إلاّ عَبْدٌ أنْعَمْنا عَلَيْهِ يقول تعالى ذكره: فما عيسى إلا عبد من عبادنا, أنعمنا عليه بالتوفيق والإيمان, وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل, يقول: وجعلناه آية لبني إسرائيل, وحجة لنا عليهم بإرسالناه إليهم بالدعاء إلينا, وليس هو كما تقول النصارى من أنه ابن الله تعالى, تعالى الله عن ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23921ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: إنْ هُوَ إلاّ عَبْدٌ أنْعَمْنَا عَلَيْهِ يعني بذلك عيسى ابن مريم, ما عدا ذلك عيسى ابن مريم, إن كان إلا عبدا أنعم الله عليه.
وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله: وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إسْرَائِيلَ قالوا. ذكر من قال ذلك:
23922ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن قتادة مَثَلاً لِبَنِي إسْرَائِيلَ أحسبه قال: آية لبني إسرائيل.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إسْرَائِيل أي آية.
قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ يقول تعالى ذكره: ولو نشاء معشر بني آدم أهلكناكم, فأفنينا جميعكم, وجعلنا بدلاً منكم في الأرض ملائكة يخلفونكم فيها يعبدونني وذلك نحو قوله تعالى ذكره: إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ أيّها النّاسُ وَيأْتِ بآخَرِينَ وكانَ اللّهُ على ذلكَ قَدِيرا وكما قال: إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدكُمْ ما يَشاءُ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, غير أن منهم من قال: معناه: يخلف بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:
23923ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ يقول: يخلف بعضهم بعضا.
23924ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ قال: يعمرون الأرض بدلاً منكم.
23925ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: مَلائِكَةً فِي الأرْض يَخْلفُونَ قال: يخلف بعضهم بعضا, مكان بني آدم.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ لو شاء الله لجعل في الأرض ملائكة يخلف بعضهم بعضا.
23926ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ قال: خلفا منكم.
الآية : 61-62
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنّهُ لَعِلْمٌ لّلسّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنّ بِهَا وَاتّبِعُونِ هَـَذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ * وَلاَ يَصُدّنّكُمُ الشّيْطَانُ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مّبِينٌ }.
اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: وإنّهُ وما المعنيّ بها, ومن ذكر ما هي, فقال بعضهم: هي من ذكر عيسى, وهي عائدة عليه. وقالوا: معنى الكلام: وإن عيسى ظهوره علم يعلم به مجيء الساعة, لأن ظهوره من أشراطها ونزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا, وإقبال الاَخرة. ذكر من قال ذلك:
23927ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عاصم, عن أبي رزين, عن يحيى, عن ابن عباس, «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للِسّاعَةِ» قال: خروج عيسى بن مريم.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن شعبة, عن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس بمثله, إلا أنه قال: نزول عيسى بن مريم.
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ, قال: حدثنا غالب بن قائد, قال: حدثنا قيس, عن عاصم, عن أبي رزين, عن ابن عباس, أنه كان يقرأ «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ» قال: نزول عيسى بن مريم.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا ابن عطية, عن فضيل بن مرزوق, عن جابر, قال: كان ابن عباس يقول: ما أدري علم الناس بتفسير هذه الاَية, أم لم يفطنوا لها؟ «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ» قال: نزول عيسى ابن مريم.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ» قال: نزول عيسى ابن مريم.
23928ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن أبي مالك وعوف عن الحسن أنهما قالا في قوله: وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ قالا: نزول عيسى ابن مريم وقرأها أحدهما «وإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ».
23929ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ قال: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة.
23930ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ قال: نزول عيسى ابن مريم علم للساعة: القيامة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَة» قال: نزول عيسى ابن مريم علم للساعة.
23931ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ قال: خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة.
23932ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ يعني خروج عيسى ابن مريم ونزوله من السماء قبل يوم القيامة.
23933ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَة قال: نزول عيسى ابن مريم علم للساعة حين ينزل.
وقال آخرون: الهاء التي في قوله: وَإنّهُ من ذكر القرآن, وقالوا: معنى الكلام: وإن هذا القرآن لعلم للساعة يعلمكم بقيامها, ويخبركم عنها وعن أهوالها. ذكر من قال ذلك:
23934ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان الحسن يقول: «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ» هذا القرآن.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة قال: كان ناس يقولون: القرآن علم للساعة. واجتمعت قرّاء الأمصار في قراءة قوله: وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ على كسر العين من العلم. ورُوي عن ابن عباس ما ذكرت عنه في فتحها, وعن قتادة والضحاك.
والصواب من القراءة في ذلك: الكسر في العين, لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ, وإنه لذكر الساعة, فذلك مصحح قراءة الذين قرأوا بكسر العين من قوله: لَعِلْمٌ.
وقوله: فَلا تَمْتَرُنّ بِها يقول: فلا تشكنّ فيها وفي مجيئها أيها الناس. كما:
23935ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ فَلا تَمْتَرُنّ بِها قال: تشكون فيها.
وقوله: وَاتّبِعُونِ يقول تعالى ذكره: وأطيعون فاعملوا بما أمرتكم به, وانتهوا عما نهيتكم عنه, وَهَذا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ يقول: اتباعكم إياي أيها الناس في أمري ونهيي صراط مستقيم, يقول: طريق لا اعوجاج فيه, بل هو قويم.
وقوله: وَلايَصُدّنّكُمُ الشّيْطانُ يقول جل ثناؤه: ولا يعدلنكم الشيطان عن طاعتي فيما آمركم وأنهاكم, فتخالفوه إلى غيره, وتجوروا عن الصراط المستقيم فتضلوا إنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ يقول: إن الشيطان لكم عدوّ يدعوكم إلى ما فيه هلاككم, ويصدّكم عن قصد السبيل, ليوردكم المهالك, مبين قد أبان لكم عداوته, بامتناعه من السجود لأبيكم آدم, وإدلائه بالغرور حتى أخرجه من الجنة حسدا وبغيا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:47 pm

الآية : 63-64
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمّا جَآءَ عِيسَىَ بِالْبَيّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلاُبَيّنَ لَكُم بَعْضَ الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنّ اللّهَ هُوَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـَذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره: ولما جاء عيسى بني إسرائيل بالبيّنات, يعني بالواضحات من الأدلة. وقيل: عُني بالبيّنات: الإنجيل. ذكر من قال ذلك:
23936ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلَمّا جاءَ عِيسَى بالبَيّناتِ أي بالإنجيل. وقوله: قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بالْحِكْمَةِ قيل: عُني بالحكمة في هذا الموضع: النبوّة. ذكر من قال ذلك:
23937ـ حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بالْحِكْمَةِ قال: النبوّة.
وقد بيّنت معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده, وذكرت اختلاف المختلفين في تأويله, فأغنى ذلك عن إعادته.
وقوله: وَلاِبَيّنَ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ يقول: ولأبين لكم معشر بني إسرائيل بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة. كما:
23938ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَلأَبَيّنَ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ قال: من تبديل التوراة.
وقد قيل: معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكلّ, وجعلوا ذلك نظير قول لبيد:
تَرّاكُ أمْكِنَةٍ إذَا لَمْ أَرْضهاأوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النّفُوسِ حِمامُها
قالوا: الموت لا يعتلق بعض النفوس, وإنما المعنى: أو يعتلق النفوس حمامها, وليس لما قال هذا القائل كبير معنى, لأن عيسى إنما قال لهم: وَلاِبَيّنَ لَكُمْ بَعْض الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ, لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم, فقال لهم: أبين لكم بعض ذلك, وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم, فلذلك خصّ ما أخبرهم أنه يبينه لهم. وأما قول لبيد: «أو يعتلق بعض النفوس», فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك, لأنه أراد: أو يعتلق نفسه حمامها, فنفسه من بين النفوس لا شكّ أنها بعض لا كلّ.
وقوله: فاتّقُوا اللّهَ وأطِيعُونِ يقول: فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته, وخافوه باجتناب معاصيه, وأطيعون فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره, وقبول نصيحتي لكم.
وقوله: إنّ اللّهَ هُوَ رَبّي وَرَبّكُم فاعْبُدُوهُ يقول: إن الله الذي يستوجب علينا إفراده بالألوهية وإخلاص الطاعة له, ربي وربكم جميعا, فاعبدوه وحده, لا تشركوا معه في عبادته شيئا, فإنه لا يصلح, ولا ينبغي أن يُعبد شيء سواه.
وقوله: هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ يقول: هذا الذي أمرتكم به من اتقاء الله وطاعتي, وإفراد الله بالألوهة, هو الطريق المستقيم, وهو دين الله الذي لا يقبل من أحد من عباده غيره.
الآية : 65-66
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لّلّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاّ السّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.
اختلف أهل التأويل في المعنيين بالأحزاب, الذين ذكرهم الله في هذا الموضع, فقال بعضهم: عنى بذلك: الجماعة التي تناظرت في أمر عيسى, واختلفت فيه. ذكر من قال ذلك:
23939ـ حدثنا ابن عبد الأعلى قال, حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: فاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهمْ قال: هم الأربعة الذين أخرجهم بنو إسرائيل يقولون في عيسى. وقال آخرون: بل هم اليهود والنصارى. ذكر من قال ذلك:
23940ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: فاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ قال: اليهود والنصارى.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: فاختلف الفِرَق المختلفون في عيسى بن مريم من بين من دعاهم عيسى إلى ما دعاهم إليه من اتقاء الله والعمل بطاعته, وهم اليهود والنصارى, ومن اختلف فيه من النصارى, لأن جميعهم كانوا أحزابا مبتسلين, مختلفي الأهواء مع بيانه لهم أمر نفسه, وقوله لهم: إنّ الله هُوَ رَبّي وَرَبّكُمْ فاعْبَدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ.
وقوله: فَوَيْلٌ لِلّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَاب يَوْم ألِيمٍ يقول تعالى ذكره فالوادي السائل من القيح والصديد في جهنم للذين كفروا بالله, الذين قالوا في عيسى بن مريم بخلاف ما وصف عيسى به نفسه في هذه الاَية مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ ألِيمٍ يقول: من عذاب يوم مؤلم, ووصف اليوم بالإيلام, إذ كان العذاب الذي يؤلمهم فيه, وذلك يوم القيامة. كما:
23941ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ ألِيمٍ قال: من عذاب يوم القيامة.
وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ السّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً يقول: هل ينظر هؤلاء الأحزاب المختلفون في عيسى بن مريم, القائلون فيه الباطل من القول, إلاّ الساعة التي فيها تقوم القيامة فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول: وهم لا يعلمون بمجيئها.
الآية : 67-68
القول في تأويل قوله تعالى: {الأخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلاّ الْمُتّقِينَ * يَعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }.
يقول تعالى ذكره: المتخالّون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا, بعضهم لبعض عدوّ, يتبرأ بعضهم من بعض, إلاّ الذين كانوا تخالّوا فيها على تقوى الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23942ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: الأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إلاّ المُتّقِينَ فكلّ خلة على معصية الله في الدنيا متعادون.
23943ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: الأخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إلاّ المُتّقِينَ فكل خُلّة هي عداوة إلاّ خُلّة المتقين.
23944ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن أبي إسحاق, أن عليا رضي الله عنه قال: خليلان مؤمنان, وخليلان كافران, فمات أحد المؤمنَين فقال: يا ربّ إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالخير, وينهاني عن الشرّ ويخبرني أني ملاقيك يا ربّ فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني, فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول: ليثن أحدكما على صاحبه فيقول: يا ربّ إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالخير, وينهاني عن الشرّ, ويخبرني أني ملاقيك, فيقول: نعم الخليل, ونعم الأخ, ونعم الصاحب قال: ويموت أحد الكافرين فيقول: يا ربّ إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالشرّ, وينهاني عن الخير, ويخبرني أني غير ملاقيك, فيقول: بئس الأخ, وبئس الخليل, وبئس الصاحب.
وقوله: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه. ومعنى الكلام: الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتقين, فإنهم يقال لهم: يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي, فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم, ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها.
وذُكر أن الناس ينادون هذا النداء يوم القيامة, فيطمع فيها من ليس من أهلها حتى يسمع قوله: الّذِينَ آمَنُوا بآياتِنا وكانُوا مُسْلِمِينَ فييأس منها عند ذلك.
23945ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: حدثنا المعتمر, عن أبيه, قال سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلاّ فزع, فينادي منادٍ: يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون, فيرجوها الناس كلهم, قال: فيتبعها الّذِينَ آمَنُوا بآياتِنا وكانُوا مُسْلِمِينَ قال: فييأس الناس منها غير المسلمين.
الآية : 69-70
القول في تأويل قوله تعالى: {الّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ * ادْخُلُواْ الْجَنّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ }.
وقوله: الّذِينَ آمَنُوا بآياتِنا يقول تعالى ذكره: يا عبادي الذين آمنوا وهم الذين صدّقوا بكتاب الله ورسله, وعملوا بما جاءتهم به رسلهم, وكانوا مسلمين, يقول: وكانوا أهل خضوع لله بقلوبهم, وقبول منهم لما جاءتهم به رسلهم عن ربهم على دين إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم, حنفاء لا يهود ولا نصارى, ولا أهل أوثان.
وقوله: ادْخُلُوا الجَنّةَ أنْتُمْ وأزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يقول جلّ ثناؤه: ادخلوا الجنة أنتم أيها المؤمنون وأزواجكم مغبوطين بكرامة الله, مسرورين بما أعطاكم اليوم ربكم.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: تُحْبَرُونَ وقد ذكرنا ما قد قيل في ذلك فيما مضى, وبيّنا الصحيح من القول فيه عندنا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع, غير أنا نذكر بعض ما لم يُذكر هنالك من أقوال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23946ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة ادْخُلُوا الجَنّةَ أنْتُمْ وأزْوَاجُكُم تُحْبَرُونَ: أي تَنْعَمون.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: تُحْبَرُونَ قال: تنعمون.
23947ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: تُحْبَرُونَ قال: تكرمون.
23948ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أنْتُمْ وأزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ قال: تنعمون.
الآية : 71
القول في تأويل قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذّ الأعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: يُطاف على هؤلاء الذين آمنوا بآياته في الدنيا إذا دخلوا الجنة في الاَخرة بصحاف من ذهب, وهي جمع للكثير من الصّحْفة, والصّحْفة: القصعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23949ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ قال: القِصاع.
23950ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث بن إسحاق, عن جعفر, عن شعبة, قال: «إنّ أدنى أهل الجنة منزلة, من له قصر فيه سبعون ألف خادم, في يد كل خادم صحفة سوى ما في يد صاحبها, لو فتح بابه فضافه أهل الدنيا لأوسعهم».
23951ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القميّ, عن جعفر, عن سعيد, قال: «إن أخسّ أهل الجنة منزلاً من له سبعون ألف خادم, مع كل خادم صحفة من ذهب, لو نزل به جميع أهل الأرض لأوسعهم, لا يستعين عليهم بشيء من غيره, وذلك في قول الله تبارك وتعالى: لَهُمْ ما يَشاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنا مَزيدٌ ولهم فِيها ما تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ, وَتَلَذّ الاْءَعْينُ».
23952ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي أيوب الأزديّ, عن عبد الله بن عمرو, قال: «ما أحد من أهل الجنة إلاّ يسعى عليه ألف غلام, كلّ غلام على عمل ما عليه صاحبه».
وقوله: وأكْوَابٍ وهي جمع كوب, والكوب: الإبريق المستدير الرأس, الذي لا أذن له ولا خرطوم, وإياه عنى الأعشى بقوله:
صَرِيفَيّةٌ طَيّبٌ طَعْمُهالَهَا زَبَدٌ بينَ كُوب وَدَنّ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23953ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وأكْوَابٍ قال: الأكواب التي ليست لها آذان. ومعنى الكلام: يطاف عليهم فيها بالطعام في صِحاف من ذهب, وبالشراب في أكواب من ذهب, فاستغنى بذكر الصّحاف والأكواب من ذكر الطعام والشراب, الذي يكون فيها لمعرفة السامعين بمعناه «وَفِيها ما تَشْتَهي الأَنْفُسُ وَتَلَذّ الأَعْيُنُ» يقول تعالى ذكره: لكم في الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون, وتلذّ أعينكم وأنْتُمْ فِيها خالِدُونَ يقول: وأنتم فيها ماكثون, لا تخرجون منها أبدا. كما:
23954ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن علقمة بن مرثد, عن ابن سابط أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أُحبّ الخيل, فهل في الجنة خيل؟ فقال: «إنْ يُدْخِلْكَ الجَنّةَ إنْ شاءَ, فَلا تَشاءُ أنْ تَرْكَبَ فَرَسا مِنْ ياقُوتَةٍ حَمْرَاءَ تَطِيرُ بِكَ فِي أيّ الجَنّةِ شِئْتَ إلاّ فَعَلَتْ», فقال أعرابيّ: يا رسول الله إني أحبّ الإبل, فهل في الجنة إبل؟ فقال: «يا أعرابيّ إنْ يُدْخِلْكَ اللّهُ الجَنّةَ إن شاءَ اللّهُ, فَفِيها ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ, وَلَذّت عَيْناكَ».
23955ـ حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار, عن محمد بن سعد الأنصاري, عن أبي ظبية السلفي, قال: إن السرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة, قال: فتقول: ما أُمْطِرُكُمْ؟ قال: فما يدعو داعٍ من القوم بشيء إلاّ أمطرتهم, حتى إن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:48 pm

23956ـ حدثنا ابن عرفة, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن عليّ بن أبي الوليد, قال: قيل لمجاهد في الجنة سماع؟ قال: إن فيها لشجرا يقال له العيص, له سماع لم يسمع السامعون إلى مثله.
23957ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن, قال: حدثنا زيد بن حباب, قال: أخبرنا معاوية بن صالح, قال: ثني سليمان بن عامر, قال: سمعت أبا أُمامة, يقول: «إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير, فيقع متفلقا نضيجا في كفه, فيأكل منه حتى تنتهي نفسه, ثم يطير, ويشتهي الشراب, فيقع الإبريق في يده, ويشرب منه ما يريد, ثم يرجع إلى مكانه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ فقرأته عامة قرّاء المدينة والشام: ما تَشْتَهِيهِ بزيادة هاء, وكذلك ذلك في مصاحفهم. وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق «تَشْتَهِي» بغير هاء, وكذلك هو في مصاحفهم.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان بمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
الآية : 72-73
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنّةُ الّتِيَ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مّنْهَا تَأْكُلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: يقال لهم: وهذه الجنة التي أورثكموها الله عن أهل النار الذين أدخلهم جهنم بما كنتم في الدنيا تعملون من الخيرات لَكُمْ فِيها يقول: لكم في الجنة فاكهة كثيرة من كلّ نوع مِنْها تَأْكُلُونَ يقول: من الفاكهة تأكلون ما اشتهيتم.
الآية : 74-76
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنّمَ خَالِدُونَ * لاَ يُفَتّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـَكِن كَانُواْ هُمُ الظّالِمِينَ }.
يقول تعالى ذكره إنّ المُجْرِمِينَ وهم الذين اجترموا في الدنيا الكفر بالله, فاجترموا به في الاَخرة فِي عَذَابِ جَهَنّمَ خالِدُونَ يقول: هم فيه ماكثون, لا يُفتّر عنهم, يقول: لا يخفف عنهم العذاب وأصل الفتور: الضعف وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ يقول: وهم في عذاب جهنم مبلسون, والهاء في فيه من ذكر العذاب. ويُذكر أن ذلك في قراءة عبدالله: «وَهُمْ فِيها مُبْلِسُونَ» والمعنى: وهم في جهنم مبلسون, والمبلس في هذا الموضع: هو الاَيس من النجاة الذي قد قنط فاستسلم للعذاب والبلاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23958ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ: أي مستسلمون.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ قال: آيسون. وقال آخرون بما:
23959ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ وَهُمْ فِيهِ مُبْلسونَ متغير حالهم.
وقد بيّنا فيما مضى معنى الإبلاس بشواهده, وذكر المختلفين فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلَكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ يقول تعالى ذكره: وما ظلمنا هؤلاء المجرمين بفعلنا بهم ما أخبرناكم أيها الناس أنا فعلنا بهم من التعذيب بعذاب جهنم وَلَكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِينَ بعبادتهم في الدنيا غير من كان عليهم عبادته, وكفرهم بالله, وجحودهم توحيده.
الآية : 77-78
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَادَوْاْ يَمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّكَ قَالَ إِنّكُمْ مّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقّ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَارِهُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ونادى هؤلاء المجرمون بعد ما أدخلهم الله جهنم, فنالهم فيها من البلاء ما نالهم, مالكا خازن جهنم يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال: ليمتنا ربك, فيفرغ من إماتتنا, فذكر أن مالكا لا يجيبهم في وقت قيلهم له ذلك, ويدعهم ألف عام بعد ذلك, ثم يجيبهم, فيقول لهم: إنّكُمْ ماكِثُونَ. ذكر من قال ذلك: 23960ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عطاء بن السائب, عن أبي الحسن, عن ابن عباس وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ, فأجابهم بعد ألف سنة إنّكُمْ ماكِثونَ.
23961ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن رجل من جيرانه يقال له الحسن, عن نوف في قوله: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال: يتركهم مئة سنة مما تعدّون, ثم يناديهم فيقول: يا أهل النار إنكم ماكثون.
23962ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن عبد الله بن عمرو, قال: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْض عَلَيْنَا رَبّكَ قال: فخلى عنهم أربعين عاما لا يجيبهم, ثم أجابهم: إنّكمْ ماكِثُونَ: قالُوا رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنّا ظالِمُونَ فخلى عنهم مثلي الدنيا, ثم أجابهم: اخْسَئُوا فِيها وَلا تُكَلّمُونِ قال: فوالله ما نبس القوم بعد الكلمة, إن كان إلا الزفيرُ والشهيق.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي أيوب الأزدي, عن عبد الله بن عمرو, قال: إن أهل جهنم يدعون مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم, ثم يقول: إنّكُمْ ماكِثُونَ, ثم ينادون ربهم رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنّا ظالِمُونَ فيدعهم أو يخلي عنهم مثل الدنيا, ثم يردّ عليهم اخْسَئُوا فِيها وَلا تُكَلّمُون قال: فما نبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفيرُ والشهيق في نار جهنم.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن عطاء, عن الحسن, عن نوف وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال: يتركهم مئة سنة مما تعدّون, ثم ناداهم فاستجابوا له, فقال: إنكم ماكثون.
23963ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط عن السديّ, في قوله: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال: مالك خازن النار, قال: فمكثوا ألف سنة مما تعدّون, قال: فأجابهم بعد ألف عام: إنكم ماكثون.
23964ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله تعالى ذكره: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبّكَ قال: يميتنا, القضاء ههنا الموت, فأجابهم إِنّكُمْ مَاكِثُونَ.
وقوله: لَقَدْ جِئْناكُمْ بالحَقّ يقول: لقد أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا محمدا بالحق. كما:
23965ـ حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, حدثنا أسباط, عن السديّ, لَقَدْ جِئْناكُمْ بالْحَقّ, قال: الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وَلَكِنّ أكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كارِهُونَ يقول تعالى ذكره: ولكن أكثرهم لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الحقّ كارهون.
الآية : 79-80
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوَاْ أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لاَ نَسْمَعُ سِرّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىَ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }.
يقول تعالى ذكره: أم أبرم هؤلاء المشركون من قريش أمرا فأحكموه, يكيدون به الحقّ الذي جئناهم به, فإنا محكمون لهم ما يخزيهم, ويذلهم من النكال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23966ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: أمْ أبْرَمُوا أمْرا فإنّا مُبْرِمُونَ قال: مجمعون: إن كادوا شرّا كدنا مثله.
23967ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: أمْ أَبْرَمُوا أمْرا فإنّا مُبْرِمُونَ قال: أم أجمعوا أمرا فإنا مجمعون.
23968ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: أمْ أَبْرَمُوا أمْرا فإنّا مُبْرِمُونَ قال: أم أحكموا أمرا فإنا محكمون لأمرنا.
وقوله: أمْ يَحْسَبُونَ أنّا لا نَسْمَعُ سِرّهُمْ وَنجْوَاهُمْ يقول: أم يظنّ هؤلاء المشركون بالله أنا لا نسمع ما أخفوا عن الناس من منطقهم, وتشاوروا بينهم وتناجوا به دون غيرهم, فلا نعاقبهم عليه لخفائه علينا.
وقوله: بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ يقول تعالى ذكره: بل نحن نعلم ما تناجوا به بينهم, وأخفوه عن الناس من سرّ كلامهم, وحفظتنا لديهم, يعني عندهم يكتبون ما نطقوا به من منطق, وتكلموا به من كلامهم.
وذُكر أن هذه الاَية نزلت في نفر ثلاثة تدارأُوا في سماع الله تبارك وتعالى كلام عباده. ذكر من قال ذلك:
23969ـ حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشيّ, قال: حدثنا أبو قتيبة, قال: حدثنا عاصم بن محمد العمريّ, عن محمد بن كعب القرظي, قال: بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها, قرشيان وثقفيّ, أو ثقفيان وقرشيّ, فقال واحد من الثلاثة: أترون الله يسمع كلامنا؟ فقال الأوّل: إذا جهرتم سمع, وإذا أسررتم لم يسمع, قال الثاني: إن كان يسمع إذا أعلنتم, فإنه يسمع إذا أسررتم, قال: فنزلت أمْ يَحْسَبُونَ أنّا لا نَسْمَعُ سِرّهُمْ وَنجْوَاهُمْ, بَلى وَرسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23970ـ حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قال: الحفظَة.
23971ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد. عن قتادة بلى وَرُسُلنا لَدَيهِمْ يَكْتُبُونَ: أي عندهم.
الآية : 81-82
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرّحْمَـَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوّلُ الْعَابِدِينَ * سُبْحَانَ رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّ الْعَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: قُلْ إنْ كانّ للرّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوّلُ العابِدِينَ فقال بعضهم: في معنى ذلك: قل يا محمد إن كان للرحمن ولد في قولكم وزعمكم أيها المشركون, فأنا أوّل المؤمنين بالله في تكذيبكم, والجاحدين ما قلتم من أن له ولدا. ذكر من قال ذلك:
23972ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قُلْ إنْ كانَ للرّحمَنِ وَلَدٌ كما تقولون فَأنا أوّلُ العابِدِينَ المؤمنين بالله, فقولوا ما شئتم.
23973ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: فأنا أوّلُ العابِدِينَ قال: قل إن كان لله ولد في قولكم, فأنا أوّل من عبد الله ووحده وكذّبكم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل ما كان للرحمن ولد, فأنا أوّل العابدين له بذلك. ذكر من قال ذلك:
23974ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: قُلْ إنْ كانَ للرّحْمَن وَلَدٌ فَأنا أوّلُ العابِدِينَ يقول: لم يكن للرحمن ولد فأنا أوّل الشاهدين.
وقال آخرون: بل معنى ذلك نفي, ومعنى إن الجحد, وتأويل ذلك ما كان ذلك, ولا ينبغي أن يكون. ذكر من قال ذلك:
23975ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قُلْ إنْ كانَ للرّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوّلُ العابِدِينَ قال قتادة: وهذه كلمة من كلام العرب إنْ كان للرّحْمن وَلَدٌ: أي إن ذلك لم يكن, ولا ينبغي.
23976ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: قُلْ إنْ كانَ للرّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوّلُ العابِدِينَ قال: هذا الإنكاف ما كان للرحمن ولد, نكف الله أن يكون له ولد, وإن مثل «ما» إنما هي: ما كان للرحمن ولد, ليس للرحمن ولد, مثل قوله: وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبالُ إنما هي: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال, فالذي أنزل الله من كتابه وقضاه من قضائه أثبت من الجبال, و«إن» هي «ما» إن كان ما كان تقول العرب: إن كان, وما كان الذي تقول. وفي قوله: فَأنا أوّلُ العابِدِينَ أوّل من يعبد الله بالإيمان والتصديق أنه ليس للرحمن ولد على هذا أعبد الله.
23977ـ حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: سألت ابن محمد, عن قول الله: إنْ كانَ للرّحْمَنِ وَلَدٌ قال: ما كان.
23978ـ حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, قال: حدثنا عمرو, قال: سألت زيد بن أسلم, عن قول الله: قُلْ إنْ كانَ للرّحْمَنِ وَلَدٌ قال: هذا قول العرب معروف, إن كان: ما كان, إن كان هذا الأمر قط, ثم قال: وقوله: وإن كان: ما كان.
وقال آخرون: معنى «إن» في هذا الموضع معنى المجازاة, قالوا: وتأويل الكلام: لو كان للرحمن ولد, كنت أوّل من عبده بذلك. ذكر من قال ذلك:
23979ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ قُلْ إنْ كانَ للرّحْمَنِ وَلَدٌ فَأنا أوّلُ العابِدِينَ قال: لو كان له ولد كنت أوّل من عبده بأن له ولدا, ولكن لا ولد له.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الزخرف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الزخرف   تفسير سورة الزخرف Empty1/5/2011, 6:49 pm

وقال آخرون: معنى ذلك: قل إن كان للرحمن ولد, فأنا أوّل الاَنفين ذلك, ووجهوا معنى العابدين إلى المنكرين الاَبين, من قول العرب: قد عبِد فلان من هذا الأمر إذا أنِف منه وغضب وأباه, فهو يعبَد عَبدا, كما قال الشاعر:
ألا هَوِيَتْ أُمّ الوَلِيدِ وأصْبَحَتْلِمَا أبْصَرَتْ فِي الرأس مِنّي تَعَبّدُ
وكما قال الاَخر:
مَتى ما يَشأْ ذُو الوُدّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُوَيَعْبَدْ عَلَيْهِ لا مَحَالةَ ظالِمَا
23980ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال ثني: ابن أبي ذئب, عن أبي قسيط, عن بعجة بن زيد الجهني, أن امرأة منهم دخلت على زوجها, وهو رجل منهم أيضا, فولدت له في ستة أشهر, فذكر ذلك لعثمان بن عفان رضي الله عنه, فأمر بها أن تُرجم, فدخل عليه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه, فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا. وقال: وَفِصَالُهُ فِي عامَيْنِ قال: فوالله ما عبدِ عثمان أن بعث إليها تردّ. قال يونس, قال ابن وهب: عبد: استنكف.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى: إنْ الشرط الذي يقتضي الجزاء على ما ذكرناه عن السديّ, وذلك أن «إن» لا تعدو في هذا الموضع أحد معنيين: إما أن يكون الحرف الذي هو بمعنى الشرط الذي يطلب الجزاء, أو تكون بمعنى الجحد, وهب إذا وجهت إلى الجحد لم يكن للكلام كبير معنى, لأنه يصير بمعنى: قل ما كان للرحمن ولد, وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك بالله أنه إنما نفي بذلك عن الله عزّ وجلّ أن يكون له ولد قبل بعض الأوقات, ثم أحدث له الولد بعد أن لم يكن, مع أنه لو كان ذلك معناه لقدر الذين أمر الله نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: ما كان للرحمن ولد, فأنا أوّل العابدين أن يقولوا له صدقت, وهو كما قلت, ونحن لم نزعم أنه لم يزل له ولد. وإنما قلنا: لم يكن له ولد, ثم خلق الجنّ فصاهرهم, فحدث له منهم ولد, كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه, ولم يكن الله تعالى ذكره ليحتجّ لنبيه صلى الله عليه وسلم وعلى مكذّبيه من الحجة بما يقدرون على الطعن فيه, وإذ كان في توجيهنا «إن» إلى معنى الجحد ما ذكرنا, فالذي هو أشبه المعنيين بها الشرط. وإذ كان ذلك كذلك, فبينة صحة ما نقول من أن معنى الكلام: قل يا محمد لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله: إن كان للرحمن ولد فأنا أوّل عابديه بذلك منكم, ولكنه لا ولد له, فأنا أعبده بأنه لا ولد له, ولا ينبغي أن يكون له.
وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه الشكّ, ولكن على وجه الإلطاف في الكلام وحُسن الخطاب, كما قال جلّ ثناؤه قُلِ اللّهُ, وأنا أوْ إيّاكُمْ لَعَلى هُدًى أوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
وقد علم أن الحقّ معه, وأن مخالفيه في الضلال المبين.
وقوله: سُبْحانَ رَبّ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ يقول تعالى ذكره تبرئة وتنزيها لمالك السموات والأرض ومالك العرش المحيط بذلك كله, وما في ذلك من خلق مما يصفه به هؤلاء المشركون من الكذب, ويضيفون إليه من الولد وغير ذلك من الأشياء التي لا ينبغي أن تضاف إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23981ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: رَبّ العَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ: أي يكذّبون.
الآية : 83-84
القول في تأويل قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتّىَ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ * وَهُوَ الّذِي فِي السّمآءِ إِلَـَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَـَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ }.
يقول تعالى ذكره: فذر يا محمد هؤلاء المفترين على الله, الواصفيه بأن له ولدا يخوضوا في باطلهم, ويلعبوا في دنياهم حتى يُلاقوا يَوْمَهُمْ الّذِي يُوعَدُونَ وذلك يوم يصليهم الله بفريتهم عليه جهنم, وهو يوم القيامة. كما:
23982ـ حدثنا محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ حتى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الّذِي يُوعَدونَ قال: يوم القيامة.
وقوله: وَهُوَ الّذِي فِي السّماءِ إلَهٌ, وفي الأرْضِ إلَه يقول تعالى ذكره: والله الذي له الألوهة في السماء معبود, وفي الأرض معبود كما هو في السماء معبود, لا شيء سواه تصلح عبادته يقول تعالى ذكره: فأفردوا لمن هذه صفته العبادة, ولا تشركوا به شيئا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
23983ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: وَهُوَ الّذِي فِي السّماءِ إلَهٌ وفي الأرْضِ إلَهٌ قال: يُعبد في السماء, ويُعبد في الأرض.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: وَهُوَ الّذِي فِي السّماءِ إلَهٌ وفي الأرْضِ إلَهٌ: أي يعبد في السماء وفي الأرض.
وقوله: وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ يقول: وهو الحكيم في تدبير خلقه, وتسخيرهم لما يشاء, العليم بمصالحهم.
الآية : 85
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَبَارَكَ الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.
يقول تعالى ذكره, وتبارك الذي له سلطان السموات السبع والأرض, وما بينهما من الأشياء كلها, جارٍ على جميع ذلك حكمه, ماضٍ فيهم قضاؤه. يقول: فكيف يكون له شريكا من كان في سلطانه وحكمه فيه نافد وَعِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ يقول: وعنده علم الساعة التي تقوم فيها القيامة, ويُحشر فيها الخلق من قبورهم لموقف الحساب.
قوله: وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ يقول: وإليه أيها الناس تردّون من بعد مماتكم, فتصيرون إليه, فيجازي المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته.
الآية : 86
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ يَمْلِكُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشّفَاعَةَ إِلاّ مَن شَهِدَ بِالْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا يملك عيسى وعزير والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركون بالساعة, الشفاعة عند الله لأحد, إلا من شهد بالحقّ, فوحد الله وأطاعه, بتوحيد علم منه وصحة بما جاءت به رسله. ذكر من قال ذلك:
23984ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَلا يَمْلِكُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونه الشّفاعَةَ قال: عيسى, وعُزير, والملائكة.
قوله: إلاّ مَنْ شَهِدَ بالحَقّ قال: كلمة الإخلاص, وهم يعلمون أن الله حقّ, وعيسى وعُزير والملائكة يقول: لا يشفع عيسى وعُزير والملائكة إلاّ من شهد بالحقّ, وهو يعلم الحق.
وقال آخرون: عني بذلك: ولا تملك الاَلهة التي يدعوها المشركون ويعبدونها من دون الله الشفاعة إلاّ عيسى وعُزير وذووهما, والملائكة الذين شهدوا بالحقّ, فأقرّوا به وهم يعلمون حقيقة ما شهدوا به. ذكر من قال ذلك:
23985ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وَلا يَمْلِكُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دونِهِ الشّفاعَةَ إلاّ مَنْ شَهِدَ بالحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ: الملائكة وعيسى وعُزير, قد عُبِدوا من دون الله ولهم شفاعة عند الله ومنزلة.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة إلاّ مَنْ شَهِدَ بالحَقّ قال: الملائكة وعيسى ابن مريم وعُزير, فإن لهم عند الله شهادة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من دون الله الشفاعة عنده لأحد, إلاّ من شهد بالحقّ, وشهادته بالحقّ: هو إقراره بتوحيد الله, يعني بذلك: إلاّ من آمن بالله, وهم يعلمون حقيقة توحيده, ولم يخصص بأن الذي لا يملك ملك الشفاعة منهم بعض من كان يعبد من دون الله, فذلك على جميع من كان تعبد قريش من دون الله يوم نزلت هذه الاَية وغيرهم, وقد كان فيهم من يعبد من دون الله الاَلهة, وكان فيهم من يعبد من دونه الملائكة وغيرهم, فجميع أولئك داخلون في قوله: ولا يملك الذين يدعو قريش وسائر العرب من دون الله الشفاعة عند الله. ثم استثنى جلّ ثناؤه بقوله: إلاّ مَنْ شَهِدَ بالحَقّ وَهُم يَعْلَمُونَ وهم الذين يشهدون شهادة الحقّ فيوحدون الله, ويخلصون له الوحدانية, على علم منهم ويقين بذلك, أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها, كما قال جلّ ثناؤه: وَلا يَشْفَعُونَ إلا لِمَن ارْتَضَى فأثبت جلّ ثناؤه للملائكة وعيسى وعُزير ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الاَلهة والأوثان باستثنائه الذي استثناه.
الآية : 87-88
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنّ اللّهُ فَأَنّىَ يُؤْفَكُونَ * وَقِيلِهِ يَرَبّ إِنّ هَـَؤُلاَءِ قَوْمٌ لاّ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم؟ ليقولنّ: اللّهُ خلقنا فَأنّى يُؤْفَكُونَ فأيّ وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم, ويحرمون إصابة الحقّ في عبادته.
وقوله: وَقِيِله: يا رَبّ إن هَؤُلاءِ قَوْمٌ لاّ يُؤمِنُونَ اختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَقِيلِهِ فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة «وَقِيلَهُ» بالنصب. وإذا قرىء ذلك كذلك, كان له وجهان في التأويل: أحدهما العطف على قوله: أمْ يَحْسَبُونَ أنّا لا نَسْمَعُ سِرّهُمْ ونَجْوَاهُمْ, ونسمع قيله يا ربّ. والثاني: أن يضمر له ناصب, فيكون معناه حينئذٍ: وقال قوله: يا رَبّ إنّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يَؤْمِنُونَ وشكا محمد شكواه إلى ربه. وقرأته عامة قرّاء الكوفة وَقِيلِهِ بالخفض على معنى: وعنده علم الساعة, وعلم قيله.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. فتأويل الكلام إذن: وقال محمد قيله شاكيا إلى ربه تبارك وتعالى قومه الذين كذّبوه, وما يلقى منهم: يا ربّ إن هؤلاء الذين أمرتني بإنذارهم وأرسلتني إليهم لدعائهم إليك, قوم لا يؤمنون. كما:
23986ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَقِيلِهِ يا رَبّ إنّ هَؤُلاء قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ قال: فأبرّ الله عزّ وجلّ قول محمد صلى الله عليه وسلم.
23987ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَقِيلِهِ يا رَبّ إنّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ قال: هذا قول نبيكم عليه الصلاة والسلام يشكو قومه إلى ربه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَقِيلِهِ يا رَبّ قال: هو قول النبيّ صلى الله عليه وسلم إنّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ.
الآية : 89
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, جوابا له عن دعائه إياه إذ قال: «يا ربّ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون» فاصْفَحْ عَنْهُمْ يا محمد, وأعرض عن أذاهم وَقُلْ لهم سَلامٌ عليكم ورفع سلام بضمير عليكم أو لكم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة «فَسَوْفَ تَعْلَمونَ» بالتاء على وجه الخطاب, بمعنى: أمر الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك للمشركين, مع قوله: سَلامٌ, وقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض قرّاء مكة فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ بالياء على وجه الخبر, وأنه وعيد من الله للمشركين, فتأويله على هذه القراءة: فاصْفَحْ عَنْهُمْ يا محمد وقُلْ سَلامٌ. ثم ابتدأ تعالى ذكره الوعيدَ لهم, فقال فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ما يلقون من البلاء والنكال والعذاب على كفرهم, ثم نسخ الله جلّ ثناؤه هذه الاَية, وأمر نبيّه صلى الله عليه وسلم بقتالهم. كما:
23988ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة فاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ قال: اصفح عنهم, ثم أمره بقتالهم.
23989ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال الله تبارك وتعالى يعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم فاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
نهاية تفسير الإمام الطبري لسورة الزخرف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
 
تفسير سورة الزخرف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة نوح
» تفسير سورة ص
» تفسير سورة هود
» تفسير سورة يس
» تفسير سورة طه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شباب ستار :: عالــــــــ الدين الاسلامي ـــــــم :: القرأن الكريم-
انتقل الى: