الحمد
لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ - صلى الله عليه
وسلم - وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وعلى صحابته ومَن تبعهم إلى يوم
الدِّين.
وبعدُ:
فإنَّ رسالة الإسلام التي جاء بها
الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي نعمة عظيمة أنْعَمَها الله على عباده
أجمعين؛ من أجْل الفلاح والنجاح في الدَّارين الدنيا والآخرة،
فمَن
أطاعَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتَّبع دينَه وسارَ على نَهْجه،
نَجَا في الدنيا والآخرة، وقد أوْجَب الله - سبحانه وتعالى - على عباده
أجمعين طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أمرَ به،
وحذَّر من مخالفة أمره وعصيانه، ومُخالفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -،
وجعَل
طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من طاعته - سبحانه وتعالى - والإيمان
الجازم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقتضي التسليم لِمَا جاء به، وطاعته
فيما أتَى به وبلغَّهُ عن ربِّه - عز وجل - وهذا من مستلزمات الشقِّ الثاني
من كلمة التوحيد: "وأنَّ محمدًا رسول الله"، ومن مستلزمات مَحبَّته - صلى
الله عليه وسلم -.
وهناك الكثير من النصوص القرآنيَّة ومن السُّنة نفسها التي تبيِّن وجوبَ طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتحذِّر من مخالفة أمره،
ومن
ذلك قوله - تعالى -: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 31 -
32]،
وقوله - تعالى -: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران: 132]،
وقوله
- تعالى -: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النساء: 14]،
وقوله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً)[النساء: 59]،
وقوله - تعالى -: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ
فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ
حَفِيظًا)[النساء: 80]،
وقوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ
يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح: 17]،
وقوله: (وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ
فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)[المائدة:
92]،
وقوله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ
تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]،
وقوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)[الجن: 23].
والآيات
في الأمر بطاعته والتحذير من مخالفة أمره كثيرة في كتاب الله، أمَّا في
الأحاديث الدالة على وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم -
فعن أبي هريرة
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن أطاعني فقد أطاعَ الله، ومَن
يَعصني فقد عصَى الله، ومن يُطع الأمير فقد أطاعَني، ومن يَعص الأمير فقد
عصاني))؛ مسلم (1835).
فهذه الآيات والأحاديث توجِب طاعته - صلى
الله عليه وسلم - وذلك بالاقتداء بما أخبر به - عليه الصلاة والسلام -
وتجنُّب ما نَهَى عنه، والواجب على كلِّ مسلم طاعة الرسول - صلى الله عليه
وسلم - كما قال الله - سبحانه وتعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ
إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[النساء: 64]،
وفي
قوله - تعالى -: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21].
فطاعة الله مُقيَّدة
باتِّباع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبما شرَعه الله لأمة
الإسلام، وهذا من مستلزمات شهادة أنَّ محمدًا رسول الله؛ كما قال الله -
تعالى -: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ
الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف: 158]،
وفي قوله: (قُلْ إِنْ
كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا
اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 31 - 32].
ومن أصول الإيمان ولوازمه، التصديق
الجازم بكلِّ ما جاء عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال - تعالى -:
(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم: 3
- 4]،
وقد قال الله في هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (وَالَّذِي
جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[الزمر:
33].
فكلُّ شيءٍ أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنَّه سيكون بعده ووقَع، فهو من معجزاته وأعلام نبوَّته - صلى الله عليه وسلم -
والإيمان
بما صحَّ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنَّه أخبرَ بوقوعه، فالإيمان
به واجبٌ على كلِّ مسلم، وذلك من تحقيق الشهادة بأنَّه رسول من الله،
والمبلِّغ عنه لهذه البشرية.
تلك الآيات تدلُّ على وجوب طاعة الرسول
محمد - صلى الله عليه وسلم - وما طاعته إلاَّ طاعة لله، وما طاعته إلا
الإذعان له في حياته، والعمل بسُنته والاقتداء بِهَدْيه - صلى الله عليه
وسلم - بعد وفاته، وفي طاعته استجابة لله - عز وجل - وللرسول القُدوة محمد -
صلى الله عليه وسلم