]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اسعد الله اوقاتكم احبتي
اللهم صل على محمد وال محمد وصحبة الاخيار المنتجبين وعجل فرج قائم ال محمد
إن
من المناسب قبل كل نشاط ثقافي، يرتبط بتأييد الدين ونشر معالم الشريعة، أن
نحاول ربط هذا العمل بذلك الوجود المبارك.. فإن قوام النجاح في كل حركة
إلهية، هو أن يكون مرتبطاً بالله –سبحانه وتعالى– وبأوليائه.. فالربط
القهري لا يكفي في هذا المجال.. ولكي يكون العمل نافعاً للدين وأهله، لابد
من استحضار هذا الربط.. إذ أن هناك فرقا بين أن يكون العمل في حد نفسه
دعماً للدين، وبين أن يكون الإنسان داعماً للدين.
إن الله –عز وجل– قد
يؤيد دينه بالرجل الفاجر في مقام العمل!.. فبالنسبة إلى الفتوحات التي تمت
في بلاد المسلمين، كثير من هذه الفتوحات تمت على أيدي خلفاء ، ولكن لعل ..
والذي قام بالفتح في مقام العمل: نفع المسلمين، ووسع من رقعة بلدة الإسلام:
كفتح الأندلس، وغير ذلك.. ولكن الكلام في النوايا: وقد ورد في الصحيحين:
قال رسول الله (ص): (وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.. فمن
كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله.. ومن كانت هجرته
لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
إن الناس هذه
الأيام -مع الأسف- يرون بأن اصطلاح السير والسلوك والسعي، حكراً ووقفاً على
الحوزات العلمية.. والحال أنه بإمكان أحدنا أن يجمع من خلال الكتاب والسنة
الكثير، مما يدل على وجود حركة في حياة العبد.. فالسفر من الغفلة إلى
الذكر قريب جداً، ولذلك قال السجاد (عليه السلام): (وأن الراحل إليك قريب
المسافة)، والإمام العسكري –عليه السلام– يقول عن هذه الحركة: (إن الوصول
إلى الله سفر، لا يدرك إلا بامتطاء الليل.. من لم يحسن أن يمنع، لم يحسن أن
يعطي).
إن الراحلين إلى الله –عز وجل– يقولون: المشكلة أننا نعمل بما
نعلم، سواء في عالم الأوراد والأذكار، أو في عالم العبادات البدنية،
والعبادات المالية.. حتى أن البعض يضيف إلى ذلك أنواع من المجاهدات
النفسية، كحرمان من بعض صور الحلال أيضاً؛ مبالغة في ترويض النفس.. ولكن
تمضي سنوات وسنوات، ولا نكاد نجد أثراً لهذا السعي.. فمثلا: امرأة مؤمنة
تدخل في الحوزة العلمية، فليلها ونهارها في جو متميز: رفقتها أخوات مؤمنات،
تتثقف معالم الدين، شغلها صباحاً وليلاً مع قال: الصادق، وقال الباقر،
والكتاب الكريم.. ولكن تنظر إلى باطنها، فلا تجد تميزاً بينها وبين نفسها..
والبعض قد يُغش بحسن إلقاء المحاضرة، وحسن التأليف.. ولكن عند الدقة
والتحليل، نرى أن هذه عملية هابطة جداً.. إذ ليس هنالك شيء مهم، فهذه
مجموعة من النقوش في عالم الذهن، وأفكار مرتبة وجميلة.. فرب العالمين
{خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}.. وهذه الأفكار المرتبة
الجميلة، تنساب على اللسان.. ورب العالمين بهذه الخاصية -حركة الفكين،
واللسان، والشفتين- الإنسان يُخرج هذه الكلمات، أو هذه الأفكار تسري على
الأنامل وعضلات اليد، فتكتب كتاباً أشبه شيء هذه الأيام بالطابعة.
إن
الإنسان بعد سنوات، غاية ما يجد في نفسه طلاقة في لسانه، أو قوة في كتابته
وما شابه ذلك!.. أين الأثر الواقعي لهذه الحركة الباطنية؟.. للإجابة على
هذا السؤال، يكفي تسليط الضوء على آية من كتاب الله –عز وجل–.. هذه الآية
رغم بساطتها وسهولة فهمها، تمثل إجابة على هذا التساؤل.. وهذه الآية متمثلة
في قوله -تعالى-: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.. هذه
الآية بحسب الظاهر هنالك مجرور مقدم، وفعل، وفاعل، وأداة تنبيه.. ولكن
هنالك معاني كبيرة في هذه الآية، لو أن أحدنا حاول أن يكتشف لطائف الآيات
والنكات الخفية، لوصل إلى بحارٍ من المعرفة.
أولاً: الآية مصدرة بأداة
تنبيه {أَلاَ}، وهذه الأداة من أدوات لفت النظر في القرآن الكريم، وهنالك
تقديم لما حقه الحصر بذكر الله.. موقعها الأعرابي هو بعد الفعل والفاعل،
ولكن قُدم لإفادة الحصر.
ثانيا: {تَطْمَئِنُّ} فعل مضارع؛ بمعنى أن هذا
الاطمئنان عملية مستمرة.. فالقرآن لم يقيد الاطمئنان بحالٍ ولا بزمانٍ ولا
بمكانٍ، لم يقيده ببيته الحرام، ولم يقيده بشهره الحرام.. فالآية مطلقة.
ثالثا: {الْقُلُوبُ} جمع محلى بأل، والجمع المحلى بأل يفيد العموم.
-
إن ما يُذكر في القرآن الكريم من سنن أنفسية وآفاقية.. هذه السنن بمثابة
قوانين عالم الطبيعة، لا تنخرم: إذا جئنا بالأكسجين ومعه الهيدروجين، فإن
النتيجة تكون الماء قهراً!.. وفي عالم الآيات الأنفسية والآفاقية الأمر
كذلك، مثال الآية الأنفسية الاجتماعية: الدفع بالتي هي أحسن {ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.. هذه قاعدة قرآنية: لو حكّمنا آية الدفع بالتي
هي أحسن في خلافاتنا العائلية والسياسية في الأسرة أو المجتمع، تنتفي
العداوة.. فرب العالمين جعل هذه الخاصية جعلاً، لا أن القضية مترتبة على
فعل الإنسان: قد تترتب، وقد لا تترتب.. بل قال تعالى: {فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.. وفي هذه الآية
أيضاً هنالك ترتب قهري فبذكر الله –عز وجل– يترتب عليه الاطمئنان قهراً،
سواء أراد العبد ذلك أو لم يردْ؟!..
- كيف تطمئن القلوب بذكر الله؟!..
-
ما هو المراد بذكر الله -عز وجل- رغم أن ذكر الله مفهوم ومعلوم؟.. وما هو
ارتباطه باطمئنان القلب؟.. إذا أردنا أن نعلم موقع الذكر في القلب، وتأثيره
في القلب.. فلننظر إلى ما أُبتلي به شبابنا وفتياتنا اليوم، بما يسمى
بالحب المجازي!.. العلماء في كتب الأخلاق عادةً يستشهدون بالحب المجازي،
وشعراء العرفان يعولون وينطلقون من تشبيهاتهم بالحب المجازي، أي حب
الفانيات، وحب الشمائل كما يُعبر عنه.
- إن مشكلة الشاب الذي توجه بكل
وجوده إلى عشق الفانيات، في الحب المجازي هنالك صورة ذهنية جميلة لا تفارق
الذهن، والقلب ينظر إلى هذه الصورة الجميلة فتعشق تلك الصورة.. وهذه الصورة
ثابتة في الذهن لا تزول!.. هذا هو الحب الذي أعمى وأصم!.. سُئل الإمام
الصادق (ع) عن العشق، فقال: (قلوب خلت من ذكر الله، فأذاقها الله حب
غيره).. عندما تُملأ صفحة الذهن بصورة جميلة، فإن القلب ينشغل بتلك الصورة،
لأن طبيعة القلب يُحب الجمال والكمال.. وكلما اشتدت الصورة جمالاً، كلما
اشتد امتلاء أفق الفكر بهذه الصورة، وبالنتيجة القلب انشغل بتلك الصورة،
وبعد كل ذلك سرى ذلك الأمر إلى عالم الجوارح.. يوسف -عليه الصلاة والسلام-
أعطي شطر الحسن.. ومن هنا عندما تجلى للنسوة، تجلت في أذهانهن هذه الصورة
الحسية، وامتلأت بها أفكارهن، ثم تعلقت بذلك قلوبهن، ثم سرى ذلك الحب إلى
الجوارح فقطعن أيديهن.. فالإنسان قد يجرح اليد من التفات، هذا أمر بسيط..
أما النسوة {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ}!.. وهذا الشيء ليس قضية إعجازية، فيوسف (ع) لم يقم
بإعجاز!.. هو هذا الانشغال الذي انشغلن به، أثر في ذلك.. فلننقل هذه
المعادلة إلى عالم الغيب!..
- إننا -مع الأسف- نزلنا الذكر من عالم
الفكر، إلى عالم القلب، ثم إلى عالم الجارحة!.. فالجارحة آخر محطة.. ونحن
نريد لآخر الدرجات، أن تكون أول الدرجات.. الحركة على اللسان {وَقَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ}، هذا أثرٌ لا مؤثر!.. فهل يعقل امرأة في المنزل، تقطع يدها
لترى يوسف، تبدأ بالعكس!.. إنما العملية تمت بظهور يوسف (ع)، فرؤية الجمال،
فالحب، فالتقطيع.. وبالتالي، فإن الإنسان لا يرجع للعكس، أي يقطع يده حتى
يرى جمال يوسف!.. أما بالنسبة إلى ذكر الله -عز وجل- فإن القلب والفكر في
عالم الرؤى، يعتقد بوجود صورة جميلة في هذا الوجود.. هذه الصورة الجميلة،
هي مبدأ كل جمال في عالم الطبيعة والأنفس.. بعض المؤمنين عندما يقع نظره
على صورة جمالٍ بشريٍّ أو طبيعي.. بلا تعمد يعيش عوالم قُربية، عندما يرى
بأن اليد التي نقشت هذه الصور الجميلة، هو نفسه الذي نقف بين يديه في
الصلاة ونناجيه.
- إن الإنسان إذا أراد أن يصل إلى اطمئنان القلب، أولاً
لابد من المعرفة النظرية التأملية، سواء هذه المعرفة كان رافدها عالم
الكتب والمؤلفات في هذا المجال، أو التأملات الفردية.. فالأمر يبدأ
علماً!.. ومن هنا العرفان النظري والعملي، ومن هنا الحكمة النظرية
والعملية.. ومن هنا كان أول الإيمان معرفة الجبار، وآخره تفويض الأمر إليه.
-
إن هذه المعرفة عندما تجلت في عالم الباطن النظري والفكري، ومن الطبيعي
القلب يبحث عن جمالٍ.. قوت القلب، حب الجمال.. والقلب يريد متعلقاً
ومستمسكاً.. ومن هنا إذا لم نقدم للقلب المحبوب الحقيقي، فإنه يتشبث بكل
فردٍ من الناس.. فالقلب لا يمكن أن يعيش من دون عشق، وطبيعة القلب وقوته
المحبوب.. ومن هنا الذي لا يسير في طريق الحب الإلهي، سوف يبتلى قهراً بحب
الفانيات، ولو أثاثاً في المنزل.. ما هذا التعلق الذي يصل إلى حد الإفراط
المضحك في بعض الحالات في حب النساء للحلي والحلل؟.. القرآن الكريم ليس في
مقام ذم النساء، ولكن يبين واقعا فيقول: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي
الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.
- إن الذكر هو أن
يعتقد الإنسان، ويرى تصوراً ذلك الجمال الأبدي السرمدي، ثم تنقدح في القلب
مشاعر الحب العميق الأصيل، إذا تمت المعادلتان في عالم الذهن والقلب،
فالحركات الجوارحية قهرية لا مناص منها.. إن الإمام الصادق -عليه السلام-
يقول: (إن رسول الله (ص) صلّى بالناس الصبح، فنظر إلى شاب في المسجد، وهو
يخفق ويهوي برأسه مصفرّا لونه، قد نحف جسمه، وغارت عيناه في رأسه.. فقال له
رسول الله (ص): كيف أصبحت يا فلان؟.. قال: أصبحت يا رسول الله موقنا..
فعجب رسول الله من قوله، وقال له: إنّ لكل يقين حقيقة، فما حقيقة يقينك؟..
فقال: فإن يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ هواجري..
فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتى كأني أنظر إلى عرش ربي، وقد نُصب
للحساب وحُشر الخلائق لذلك.. وأنا فيهم، وكأني أنظر لأهل الجنة يتنعمون في
الجنة، ويتعارفون، وعلى الأرائك متكئون.. وكأني أنظر إلى أهل النار، وهم
فيها معذبون مصطرخون.. وكأني الآن اسمع زفير النار يدور في مسامعي.. فقال
رسول الله -صلى الله عليه وآله-: هذا عبدٌ نوّر الله قلبه بالإيمان!.. ثم
قال له: الزم ما أنت عليه!.. فقال الشاب: أدع الله ليّ يا رسول الله أن
أرزق الشهادة معك.. فدعا له رسول الله، فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات
النبي، فاستشهد بعد تسع نفر وكان هو العاشر).. إن يقينه جيد، ولكنه يريد أن
يثبت ذلك اليقين في مقام العمل.. فهذا الشاب اغتنم الفرصة ليقترح على
النبي (ص) الشهادة بين يدي الله، ليعيش الفناء بمعناه الكامل.. إن هذا
الذكر إذا وصل إلى هذه المرحلة، فإن اطمئنان القلب أمرٌ قهري.
- ماذا نعمل لنحقق هذا الذكر؟.. هنالك أمران لابد منهما:
الأول:
الالتجاء إلى الله –عز وجل– في أن يكمل هذه المعادلات.. من الممكن أن يقوم
الإنسان بشيء من السعي في هذا المجال، ولكن المصيبة الكبرى في وجود
الموانع التي تحول دون فعلية وفاعلية هذه القوى في النفس، ومنها الملكات..
ولكن من الموانع التي غفلناها في ساحة الحياة، القضاء على الملكات الباطنية
السيئة، هذه الملكات التي لا يراها أحد.. المؤمن الذي يعيش في نفسه حالة
من الحسد الباطني، أو الكبر الباطني، أو البغضاء الباطني.. هذا القلب قلب
محجوب، لا يدخل نار جهنم صاحبها؛ لأنه لم يمارس الخطيئة، ولكن هذا القلب
كيف يكون محطة للتجليات الإلهية؟.. التجليات الإلهية محلها القلب، وهذا
القلب القذر لا يمكن أن يكون محطة لذلك.. أحدنا ينظر إلى باطنه، فيرى خربة
فيها شيء من النتن والعفن، عندما ينظر إلى هذا الواقع الخراب، المليء
بموجبات التقهقر، يكاد ينتابه اليأس أنه أولاً: إزالة هذا العفن تحتاج إلى
جهد، وبعد ذلك من الذي سيؤثث منزلي الداخلي؟!.. علينا أن نفرغ المنزل من
الأثاث، والتأثيث على رب العالمين.. رب العالمين أثاثه جاهز، ولكن يقول كيف
تجمع بين أثاثين متناقضين: الظلمة والنور لا يجتمعان!.. الديدان والرياحين
لا يجتمعان!.. أنت أخرج من قلبك هذه الأمور، والبقية علينا.. الذي يثبط
العزائم، هو التفكير في التجلية والتخلية هذا هو المكلف، وهذا شغل رب
العالمين.. على العبد أن يقوم بالتخلية المجردة حتى نخفف عليه التكليف،
ونرفع من مستوى أمله.. والبقية يتعهد بها الله -عز وجل-، ولعل في كتب
العرفان والفلسفة وغيره: (إن منع الفيض من جهة الفياضبالقابل: ظلم للقابل،
ونقص على الفاعل)، إذا كانت الأرضية تستحق الفيض، والفياض لا يعطيه من
الفيض؛ خلاف الحكمة، وخلاف العدالة الإلهية أن يمنع القابل!.. فإذاً، علينا
أن نعمل جميعاً على تصفية الملكات الباطنية، فإن هذا باب واسع من أبواب
التفضل الإلهي على العبد.
الثاني: كل من ينتسب إلى حوزة من حوزات
الأئمة: رجلاً، أو امرأةً: متفرغة، أو منتسبة غير متفرغة.. العلم الديني
يرتبط أولاً وأخيراً بصاحب العصر والزمان –صلوات الله وسلامه عليه– وتعبير
أن الإمام (عج) عميد الحوزات العلمية، تعبير دون مستوى الإمام الحجة –صلوات
الله وسلامه عليه– و(هو الذي بيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتتالأرض
والسماء).. ولكن على كلٍ نحن عملنا مع إمامنا –صلوات الله وسلامه عليه-.
-
إن هنالك آية في القرآن نقرأها من دون تدبر، وهي: {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}، أي يا رسول
الله، أنت بملكاتك بما أعطاك الله من الآيات والبينات والعلم، إذا لم تكن
مرشحاً، وإذا لم يكن هنالك إذن بالتبليغ من قبلنا، فأنت لست بسراجٍ منيرٍ..
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ}، الدعاء إلى الله –عز وجل– لا
بالانتساب إلى الحوزات فقط، وليس في الدخول في دورات خطابية وغير ذلك.. بل
لابد أن نتفق مع الله –عز وجل– ونستجذب عطفه.. أحد طلبة العلم يقول: أول ما
دخلت الحوزة العلمية بقيت فترة، كان في مشهد الرضا –عليه السلام– وأنا
ألتجأ بالرضا –عليه السلام– وأطلب منه علامة القبول، أنا أدخلت اسمي في
الحوزة من خلال استمارة، ومسئول الحوزة ختم على الاستمارة، وأعطيت بطاقة
تمت الصفقة؟!.. أين الإذن؟.. أين الموافقة الحقيقية؟.. يقول: بقيت فترة
وأنا أناجي إمام زماني: أنه يا مولاي!.. أفهمني أنه أنت قبلتني طالباً في
هذا المجال؟.. واتفاقاً بعد فترة جاءته علامة القبول في الاصطفاء حقيقةً.
-
إن وجود الإمام مبارك في أبعاد شتى، لذا لابد أن نلتمس منه التسديد،
والروح، والفرج في هذا الطريق، والإكثار من الدعاء له.. تذكر أنه –صلوات
الله وسلامه عليه– البعض يتمنى اللقاء يه، ولكن اللقاء به مكلف، إذا كان
الأمر على نحو اللقاء العابر، من دون معرفة به، الأمر سهل!.. ولكن من يريد
أن يقترب منه، ولو منزلة لا منزل أن يكون في منزله –عليه السلام– لابد أن
يكون على مستوى تحمل همومه –صلوات الله وسلامه عليه– وعلى الأقل لا يزيد
على همه هماً، وخاصة من الذين لا يُتوقع منهم ذلك.. نحن مشكلتنا بأننا
منتسبون إليه في نظر الناس، فالزلة منا تؤلمه كثيراً، لأنه يرى.. نحن في
جبهة الدفاع عنه في زي رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم– فيثقل عليه أن
يرى ولياً من أوليائهم يدعي بأنه دليل الخلق، ويدعي بأنه يحول بينهم بين
العباد، وبين قطاع الطرق.. وإذا به أخلاقه تنسجم مع قطاع الطرق أيضاً،
وخاصة مواسم عزائهم، ومواسم فرحهم.. من طرق الدخول إلى قلبه –صلوات الله
وسلامه عليه– أن نستشعر الحزن الذاتي، من دون إثارة الخارجية في مناسباتهم
المؤلمة (يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا)، نحن بإمكاننا اليوم، وهو يوم
مصيبة مولانا أمير المؤمنين –عليه السلام– أن نقترب من ذلك القلب الطاهر،
بتقديم العزاء الوجداني له.
- إن طبيعة المرأة طبيعة رقيقة عاطفية،
لنكثر من مجالس إقامة عزائهم في الخلوات؛ تذكراً وتصوراً.. فالمرأة طبيعتها
شاعرية، وخيالها واسع.. ما المانع أن يجلس أحدنا في هذه الليلة وتضع رأسها
في حجرها، وتتصور المصائب والآلام التي جرت على أجداده، وعلى آبائه!..
وعلى الخصوص ما يتعلق بحرم جده –صلوات الله وسلامه عليه–.. في مثل هذه
الليلة، فجعت الأمة لفقد علي –عليه السلام–، هذا الفقد الذي نرى آثاره إلى
يومنا هذا.. من المناسب أحدنا في خلوته هذا اليوم وهذه الليلة، أن يتذكر
حال حرائر النبوة، وبنات علي، وأولاد علي وهم ينظرون إلى فاتح خيبر مسجى
على فراشه، ذلك الذي كان في قدمه آثار الحراب، والسنان، والرماح، والسيوف
في سبيل الله –عز وجل–.. وإذا بهذا الدم الطاهر يُراق في أقدس بقعة في مسجد
الكوفة، وفي محراب العبادة، وفي شهر رمضان، وفي ساعة السحر، وفي حال
الصلاة بين يدي الله –عز وجل–.
- إن الطريق إلى الله –عز وجل–
طريق معاكس لطبيعة النفس: فالمتقرب إليه غير مرئي.. والتودد والتقرب إلى
جمالٍ غير محسوس، هذه قضية ليست على مزاج الإنسان.. لماذا أهل الحب المجازي
يعشقون؟!.. لأنهم يرون شيئاً، ويسمعون شيئاً، ويشمون شيئاً.
أولاً: المحبوب المطلق الأعظم، خارج دائرة الحواس.. والإنسان كيف يحب شيئاً لا يراه، ولا صله لله بالحس؟!..
ثانياً:
الطريق إلى الله –عز وجل– محفوف بالمناهي.. الهدف غير محسوس، والطريق خلاف
المزاج.. الإنسان يكاد ييأس من أول مصيبة.. يقولون: بأن الأمر يبدأ
تكلفاً، الإنسان عليه أن يتشبه بسيرة الصالحين والسالكين.. والبقية على
الله -عز وجل-!..
- إن في كتاب "كيمياء المحبة" هناك عبارة جميلة تقول:
(الأئمة –عليهم السلام– زبائنهم كثيرون.. والذي لازبائن له، هو رب
العالمين)، نعم، الله –عز وجل– ليس له زبائن، وزبائنه قليلون.. والزبائن
يدعون أنهم زبائن!.. يسيرون قليلاً ثم ما بين فترة وأخرى يرتدون.. ما أكثر
السالكين، وأقل الواصلين!.. فالقضية تبدأ تكلفاً، وبعد ذلك تنفتح الحجب..
فالذكر اللفظي بلا حضور قلب، لابد وأن يؤثر، ولو تدريجياً، كقطرات المياه
المتساقطة على الحجر.. كالكاتب الذي يأس من طلب العلم، لما نظر إلى حجرٍ
مثقوبٍ، ورأى فوقه قطرات مائية قال: إن قطرات الماء ثقبت هذا الحجر، هل أنا
قلبي لا يُفتح على المعرفة؟.. فإذاً، الإنسان يبدأ تكلفاً.. وهنالك عبارة
جميلة للشيخ محمد تقي بهجت –حفظه الله– في عالم العرفان والأخلاق، تشبه
صيغتها صيغة الفتاوى، يقول: (واعلم بأن ترك الذنوببشكل مطلق، لا يتم إلا
بالمراقبة المتصلة).. يقول: ترك الذنوب بشكل مطلق.. ونحن نترك الذنوب، ولكن
لا بشكل مطلق!.. في حياتنا اليومية طالما كسرنا القلوب: قلب الزوجة، أو
قلب الولد.. من قال الولد لا حرمة له؟.. بعض الأوقات بعض المؤمنات قد تتكلم
على ابنتها، فإذا قيل لها: الغيبة لا تجوز!.. تقول: إنها ابنتي!.. وإذا
كانت ابنتك، هل ارتفعت الأحكام الشرعية؟!.. تقول: ابنتي عمرها تسع سنوات!..
إذاً، بنت مكلفة لها حرمة شرعية.. المميز له حرمة، فكيف بالمكلف؟!..
-
إن هناك مشكلة كبيرة: وهي أنه عند التحدث عن إكرام المؤمن، كأن إكرام
المؤمن خاص بالرجال، وإذا عممنا على النساء الأجنبيات، يعني إكرام
المؤمنات.. والزوجة لا تدخل ضمن الإطار؟!.. من يقول ذلك؟.. إن هنالك بحثا
فقهيا دقيقا حول الغضب: هل الغضب حرام؟.. إذا أحدهم غضب، لا يكون قد ارتكب
فسقاً مثلاً.. ولكن عادةً يكون فيه كسر للخواطر، وفيه إيذاء.. وعلى كل حال،
الإنسان الذي يريد أن يحقق شيئاً من القرب في هذا المجال، بعد الذكر
اللفظي الكذائي، أن يتعود على مسألة المراقبة المتصلة إلى حد الملكة.. بعض
الأوقات الإنسان عنده وسواس في الطهارة، والنجاسة، وسواس من هذه الأمور..
فهؤلاء المرضى بالوسواس، لديهم دقة عالية يحسبون حسابات جداً دقيقة، فهاجس
الوسواس يجعله يحسب حساب الصغيرة والكبيرة.. أما بعض النساء فإن لديهن
قاعدة عامة، وهي أن الطفل نجس.. هذا الهاجس يجعلها تراقب كل شيء من زاوية
الطهارة والنجاسة.. والإنسان الذي لديه وساوس في هذا المجال، أيضاً يصبح
دائماً يخاف من غضب الله.. فنحن قلوبنا تابعة للسان.. أولاً يتكلم اللسان
ثم نبني مواقف على حسب ما تكلمناه، وبعد ذلك يصبح التراجع عما قلناه صعبا..
على كلٍّ فإن الذي عنده وسواس في هذا المجال، مراقبته قهرية إلى أبعد
الحدود.