شباب ستار
تفسير سورة التوبة - صفحة 2 749093772
شباب ستار
تفسير سورة التوبة - صفحة 2 749093772
شباب ستار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شباب ستار

شباب ستار| اغاني | العاب | مسلسلات | مهرجنات| لوبات| برامج دجي | فلاتر| بروجكتات|افلام عربي-افلام اجنبي-افلام هندي-اغاني عربي-اغاني-اجنبي-برامج كاملة-العاب-نغمات-سيمزات-خلفيات-شات-رسائل-مطبخ حواء-gemes-movies-photo-flash-اكوادcss-اكوادthml-تقنيات
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
أهلا بك من جديد يا زائر آخر زيارة لك كانت في 1/1/1970
آخر عضو مسجل Mo فمرحبا به


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا


 

 تفسير سورة التوبة

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة التوبة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة التوبة   تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty13/12/2011, 8:20 pm

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :



سورة
التوبة



مدنية


وآياتها تسع وعشرون
ومائة



القول في تفسير السورة التي يذكر فيها التوبة.


الآية :
1،2


{بَرَآءَةٌ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ
إِلَى الّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَاعْلَمُوَاْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنّ اللّهَ مُخْزِي
الْكَافِرِينَ }.




يعني بقوله جل ثناؤه: بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ هذه براءة من الله
ورسوله. ف «براءة» مرفوعة بمحذوف, وهو «هذه», كما في قوله: سُورَةٌ أنْزَلْناها
مرفوعة بمحذوف هو «هذه», ولو قال قائل: براءة مرفوعة بالعائد من ذكرها في قوله:
إلى الّذِينَ عاهَدْتُمْ وجعلها كالمعرفة ترفع ما بعدها, إذ كانت قد صارت بصلتها
وهي قوله: مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ كالمعرفة, وصار معنى الكلام: براءة من الله
ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين كان مذهبا غير مدفوعة صحته, وإن كان القول
الأول أعجب إليّ, لأن من شأن العرب أن يضمروا لكل معاين نكرة كان أو معرفة ذلك
المعاين, هذا وهذه, فيقولون عند معاينتهم الشيء الحسن: حسن والله, والقبيح: قبيح
والله, يريدون: هذا حسن والله, وهذا قبيح والله فلذلك اخترت القول الأوّل. وقال:
بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ إلى الّذِينَ عاهَدْتُمْ والمعنى: إلى الذين
عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين لأن العهود بين المسلمين والمشركين
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يتولى عقدها إلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم أو من يعقدها بأمره, ولكنه خاطب المؤمنين بذلك لعلمهم بمعناه, وأن عقود
النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمته كانت عقودهم, لأنهم كانوا لكل أفعاله فيهم
راضين, ولعقوده عليهم مسلمين, فصار عقده عليهم كعقودهم على أنفسهم, فلذلك قال: إلى
الّذِينَ عاهَدْتُم مِنَ المُشْرِكِينَ لما كان من عقد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعهده.




وقد اختلف أهل التأويل فيمن برىء الله ورسوله إليه من العهد الذي كان بينه
وبين رسول الله من المشركين فأذن له في السياحة في الأرض أربعة أشهر, فقال بعضهم:
صنفان من المشركين: أحدهما: كانت مدة العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم أقلّ من أربعة أشهر, وأمهل بالسياحة أربعة أشهر, والاَخر منهما كانت مدة عهده
بغير أجل محدود فقصر به على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه, ثم هو حرب بعد ذلك لله
ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيثما أدرك ويؤسر إلا أن يتوب. ذكر من قال ذلك:




12783ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, قال: بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه أميرا على الحاجّ من سنة تسع
ليقيم للناس حجهم, والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم. فخرج أبو بكر ومن معه
من المسلمين, ونزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم: أن لا يصدّ عن البيت أحد
جاءه, وأن لا يخاف أحد في الشهر الحرام. وكان ذلك عهدا عامّا بينه وبين الناس من
أهل الشرك, وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب
خصائص إلى أجل مسمى, فنزلت فيه وفيمن تخلف عنه من المنافقين في تبوك وفي قول من
قال منهم, فكشف الله فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون, منهم من سمي
لنا, ومنهم من لم يسمّ لنا, فقال: بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ إلى الّذِينَ
عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ أي لأهل العهد العام من أهل الشرك من العرب,
فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ... إلى قوله: أنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ
المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ أي بعد هذه الحجة.




وقال آخرون: بل كان إمهال الله عزّ وجلّ بسياحة أربعة أشهر من كان من
المشركين بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد, فأما من لم يكن له من رسول
الله عهد فإنما كان أجله خمسين ليلة, وذلك عشرون من ذي الحجة والمحرّم كله. قالوا:
وإنما كان ذلك كذلك, لأن أجل الذين لا عهد لهم كان إلى انسلاخ الأشهر الحرم, كما
قال الله: فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ... الآية, قالوا: والنداء ببراءة كان يوم الحجّ الأكبر, وذلك يوم
النحر في قول قوم وفي قول آخرين: يوم عرفة, وذلك خمسون يوما. قالوا: وأما تأجيل
الأشهر الأربعة, فإنما كان لأهل العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من
يوم نزلت براءة. قالوا: ونزلت في أوّل شوّال, فكان انقضاء مدة أجلهم انسلاخ الأشهر
الحرم. وقد كان بعض من يقول هذه المقالة يقول: ابتداء التأجيل كان للفريقين واحدا,
أعني الذي له العهد والذي لا عهد له غير أن أجل الذي كان له عهد كان أربعة أشهر,
والذي لا عهد له: انسلاخ الأشهر الحرم, وذلك انقضاء المحرّم. ذكر من قال ذلك:




12784ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن
عليّ, عن ابن عباس, في قوله: بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ إلى الّذِينَ
عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ قال: حدّ
الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون فيها حيثما شاءوا, وحدّ أجل من ليس له
عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم, فذلك خمسون ليلة فإذا
انسلخ الأشهر الحرم أمره بأن يضع السيف فيمن عاهد.




12785ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن
أبيه, عن ابن عباس, قال: لما نزلت بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ... إلى: وأنّ اللّهَ
مُخْزِي الْكافِرِينَ يقول: براءة من المشركين الذين كان لهم عهد, يوم نزلت براءة.
فجعل مدة من كان له عهد قبل أن تنزل براءة أربعة أشهر, وأمرهم أن يسيحوا في الأرض
أربعة أشهر, وجعل مدة المشركين الذين لم يكن لهم عهد قبل أن ينزل براءة انسلاخ
الأشهر الحرم, وانسلاخ الأشهر الحرم من يوم أُذن ببراءة إلى انسلاخ المحرّم وهي
خمسون ليلة: عشرون من ذي الحجة, وثلاثون من المحرّم. فإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ
الحُرُمُ إلى قوله: وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصدٍ يقول: لم يبق لأحد من
المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة, وانسلخ الأشهر الحرم, ومدة من كان له عهد من
المشركين قبل أن تنزل براءة أربعة أشهر من يوم أذن ببراءة إلى عشر من أول ربيع
الاَخر, فذلك أربعة أشهر.




12786ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن
سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ إلى
الّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ قبل أن تنزل براءة عاهد ناسا من المشركين
من أهل مكة وغيرهم, فنزلت براءة من الله إلى كل أحد ممن كان عاهدك من المشركين
فإني أنقض العهد الذي بينك وبينهم, فأؤجلهم أربعة أشهر يسيحون حيث شاءوا من الأرض
آمنين, وأجل من لم يكن بينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم عهد انسلاخ الأشهر
الحرم من يوم أذن ببراءة وأذن بها يوم النحر, فكان عشرين من ذي الحجة والمحرّم
ثلاثين, فذلك خمسون ليلة. فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرّم أن يضع السيف فيمن لم
يكن بينه وبين نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عهد يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام,
وأمر بمن كان له عهد إذا انسلخ أربعة من يوم النحر أن يضع فيهم السيف أيضا يقتلهم
حتى يدخلوا في الإسلام. فكانت مدة من لا عهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم خمسين ليلة من يوم النحر, ومدة من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم عهد أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر يخلون من شهر ربيع الاَخر.




12787ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله:
بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ... إلى قوله: وَبَشّرِ الّذِينَ كَفَرُوا
بِعَذَابٍ ألِيمٍ قال: ذكر لنا أن عليّا نادى بالأذان, وأمر على الحاج أبو بكر رضي
الله عنهما, وكان العام الذي حجّ فيه المسلمون والمشركون, ولم يحجّ المشركون بعد
ذلك العام. قوله: الّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ... إلى قوله: إلى
مُدّتِهِمْ قال: هم مشركو قريش الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن
الحديبية, وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر وأمر الله نبيه أن يوفي
بعهدهم إلى مدتهم ومن لا عهد له انسلاخ المحرم, ونبذ إلى كل ذي عهد عهده, وأمر
بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, ولا يقبل منهم إلا
ذلك.




وقال آخرون: كان ابتداء تأخير المشركين أربعة أشهر, وانقضاء ذلك لجميعهم
وقتا واحدا. قالوا: وكان ابتداؤه يوم الحجّ الأكبر, وانقضاؤه انقضاء عشر من ربيع
الاَخر. ذكر من قال ذلك:




12788ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا
أسباط, عن السديّ: بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ إلى الّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ
المُشْرِكِينَ قال: لما نزلت هذه الآية, بريء من عهد كلّ مشرك, ولم يعاهد بعدها
إلا من كان عاهد, وأجرى لكل مدتهم. فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ لمن
دخل عهده فيها من عشر ذي الحجة والمحرّم, وصفر وشهر ربيع الأوّل, وعشر من ربيع
الاَخر.




12789ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو معشر, قال:
حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره, قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر
أميرا على الموسم سنة تسع, وبعث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بثلاثين أو أربعين
آية من براءة, فقرأها على الناس يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض, فقرأ
عليهم براءة يوم عرفة أجل المشركين عشرين من ذي الحجة, والمحرّم, وصفر, وشهر ربيع
الأوّل, وعشرا من ربيع الاَخر, وقرأها عليهم في منازلهم, وقال: لا يحجن بعد عامنا
هذا مشرك ولا يطوفنّ بالبيت عريان.




12790ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن
قتادة: فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ عشرون من ذي الحجة, والمحرم,
وصفر, وربيع الأول, وعشر من ربيع الاَخر كان ذلك عهدهم الذي بينهم.




12791ـ حدثنا محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد: بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ إلى أهل العهد: خزاعة,
ومدلج, ومن كان له عهد من غيرهم. أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين
فرغ, فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجّ, ثم قال: «إنه يحضر المشركون
فيطوفون عراة, فلا أحبّ أن أحجّ حتى لا يكون ذلك». فأرسل أبا بكر وعليا رضي الله
عنهما, فطافا بالناس بذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالمواسم
كلها, فآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر, فهي الأشهر المتواليات عشرون من
آخر ذي الحجة إلى عشر يخلون من شهر ربيع الاَخر, ثم لا عهد لهم. وآذن الناس كلها
بالقتال إلا أن يؤمنوا.




حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد,
قوله: بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسولِهِ إلى الّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ
المُشْرِكِينَ قال: أهل العهد مدلج, والعرب الذين عاهدهم, ومن كان له عهد. قال:
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ منها وأراد الحجّ, ثم قال:
«إنّهُ يَحْضُرُ البَيْتَ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ عُرَاةً فَلا أُحِبّ أنْ أحجّ
حتى لا يكُون ذلكَ» فأرسل أبا بكر وعليا رضي الله عنهما, فطافا بالناس بذي المجاز,
وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالموسم كله, وآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا
أربعة أشهر, في الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات: عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر
يخلون من شهر ربيع الاَخر, ثم لا عهد لهم. وآذان الناس كلهم بالقتال إلا أن
يؤمنوا, فآمن الناس أجمعون حينئذ ولم يسح أحد. وقال: حين رجع من الطائف مضى من
فوره ذلك, فغزا تبوك بعد إذ جاء إلى المدينة.




وقال آخرون ممن قال: «ابتداء الأجل لجميع المشركين وانقضاؤه كان واحدا».
كان ابتداؤه يوم نزلت براءة, وانقضاؤه انقضاء الأشهر الحرم, وذلك انقضاء المحرم.
ذكر من قال ذلك:




12792ـ حدثنا محمد بن الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن
الأزهري: فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ قال: نزلت في شوّال, فهذه
الأربعة الأشهر: شوّال, وذو القعدة, وذو الحجة والمحرّم.




وقال آخرون: إنما كان تأجيل الله الأشهر الأربعة المشركين في السياحة لمن
كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد مدته أقلّ من أربعة أشهر, أما من
كان له عهد مدته أكثر من أربعة أشهر فإنه أمر صلى الله عليه وسلم أن يتمّ له عهده
إلى مدته. ذكر من قال ذلك:




12793ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, قال:
قال الكلبي: إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم عهد دون الأربعة الأشهر, فأتمّ له الأربعة. ومن كان له عهدا أكثر من أربعة
أشهر فهو الذي أمر أن يتمّ له عهده, وقال: أتِمّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى
مُدّتِهِمْ.




قال أبو جعفر رحمه الله: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: الأجل
الذي جعله الله لأهل العهد من المشركين وأذن لهم بالسياحة فيه بقوله: فَسِيحُوا
فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ إنما هو لأهل العهد الذين ظاهروا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ونقضوا عهدهم قبل انقضاء مدته فأما الذين لم ينقضوا عهدهم ولم
يظاهروا عليه, فإن الله جلّ ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بإتمام العهد بينه
وبينهم إلى مدته بقوله: إلا الذين عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكينَ ثُمّ لَمْ
يُنْقُصُوكُمْ شِيْئا ولَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أحَدا فَأتمّوا إلَيْهِمْ
عَهْدَهُمْ إلى مُدّتِهِمْ إنّ الله يُحِبّ المُتّقِينَ.



فإن ظنّ ظانّ أن قول الله تعالى ذكره: فإذا
انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ
يدلّ على خلاف ما قلنا في ذلك, إذ كان ذلك ينبىء عن أن الفرض على المؤمنين كان بعد
انقضاء الأشهر الحرم قتل كل مشرك, فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن, وذلك أن الآية
التي تتلو ذلك تنبىء عن صحة ما قلنا وفساد ما ظنه من ظنّ أن انسلاخ الأشهر الحرم
كان يبيح قتل كل مشرك كان له عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يكن له
منه عهد, وذلك قوله: كَيْفَ يَكُونُ للْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللّهِ وَعِنْدَ
رَسُولِهِ إلاّ الّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com

كاتب الموضوعرسالة
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة التوبة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة التوبة   تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty13/12/2011, 9:22 pm

يُحِبّ المُطّهّرِينَ قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ما هَذَا الّذِي ذَكَرَكُمُ اللّهُ بِهِ في أمْرِ الطّهُورِ,
فأثْنَى بِهِ عَلَيْكُمْ؟» قالوا: نغسل أثر الغائط والبول.




حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن مالك بن مغول,
قال: سمعت سيارا أبا الحكم يحدّث عن شهر بن حوشب, عن محمد بن عبد الله بن سلام,
قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, أو قال: قدم علينا رسول الله
فقال: «إنّ اللّهَ قَدْ أثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطّهُورِ خَيْرا أفَلا
تُخْبِرُونِي؟» قالوا: يا رسول الله, إنا نجد علينا مكتوبا في التوراة: الاستنجاء
بالماء. قال مالك: يعني قوله: فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا.




13471ـ حدثني أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا فضيل بن
مرزوق, عن عطية, قال: لما نزلت هذه الآية: فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ
يَتَطَهّرُوا سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما طُهُورُكُمْ هَذَا الّذِي
ذَكَرَ اللّهُ؟» قالوا: يا رسول الله كنا نستنجي بالماء في الجاهلية, فلما جاء
الإسلام لم ندعه قال: فَلا تَدَعُوهُ».




13472ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: كان في مسجد
قباء رجال من الأنصار يوضئون سفَلتهم بالماء يدخلون النخل والماء يجري, فيتوضئون.
فأثنى الله بذلك عليهم, فقال: فِيهِ رِجالٌ يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا... الآية.




13473ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا طلحة بن عمرو, عن
عطاء, قال: أحدث قوم الوضوء بالماء من أهل قباء, فنزلت فيهم: فِيهِ رِجالٌ
يُحِبّونَ أنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ.




وقيل: وَاللّهُ يُحِبّ المُطّهّرِينَ وإنما هو المتطهرين, ولكن أدغمت التاء
في الطاء, فجعلت طاء مشددة لقرب مخرج إحداهما من الأخرى.



الآية : 109


القول في تأويل قوله تعالى:



{أَفَمَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ تَقْوَىَ مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ
خَيْرٌ أَم مّنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ
فِي نَارِ جَهَنّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ }.




اختلفت القرّاء في قراءة قوله: أفَمَنْ أسّسَ بُنْيَانَهُ فقرأ ذلك بعض
قرّاء أهل المدينة: «أفَمَنْ أسّسَ بُنْيَانَهُ على تَقْوَى مِنَ اللّهِ
وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أمّنْ أُسّسَ بُنْيَانُهُ» على وجه ما لم يسمّ فاعله في
الحرفين كليهما. وقرأت ذلك عامة قرّاء الحجاز والعراق: أفَمَنْ أسّسَ بُنْيَانَهُ
على تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أمّنْ أسّسَ بُنْيانَهُ على وصف من
بناء الفاعل الذي أسس بنيانه. وهما قراءتان متفقتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارىء
فمصيب غير أن قراءته بتوجيه الفعل إلى «من» إذا كان هو المؤسس أعجب إليّ.




فتأويل الكلام إذا: أي هؤلاء الذين بنوا المساجد خير أيها الناس عندكم
الذين ابتدءوا بناء مسجدهم على اتقاء الله بطاعتهم في بنائه وأداء فرائضه ورضا من
الله لبنائهم ما بنوه من ذلك وفعلهم ما فعلوه خير, أم الذين ابتدءوا بناء مسجدهم
على شفا جرف هار, يعني بقوله: على شَفا جُرُفٍ على حرف جر, والجُرُف من الركيّ ما
لم يبن له جُول. هَارٍ يعني متهوّر, وإنما هو هائر ولكنه قلب, فأخرت ياؤها, فقيل
هارٍ كما قيل: هو شاك السلاح وشائك, وأصله من هار يهور فهو هائر وقيل: هو من هَارَ
يَهَارُ: إذا انهدم, ومن جعله من هذه اللغة قال: هَرْتَ يا جُرُفُ ومن جعله من هار
يهور قال: هُرْتُ يا جُرُف وإنما هذا مثل. يقول تعالى ذكره: أيّ هذين الفريقين
خير, وأيّ هذين البناءين أثبت, أمن ابتدأ أساس بنائه على طاعة الله وعلم منه بأن
بناءه لله طاعة والله به راض, أم من ابتدأه بنفاق وضلال وعلى غير بصيرة منه بصواب
فعله من خطئه, فهو لا يدري متى يتبين له خطأ فعله وعظيم ذنبه فيهدمه, كما يأتي
البناء على جرف ركية لا حابس لماء السيول عنها ولغيره من المياه ترى به التراب
متناثرا لا تلبثه السيول أن تهدمه وتنثره؟ يقول الله جلّ ثناؤه: فانْهَارَ بِهِ
فِي جَهَنّمَ يعني فانتثر الجرف الهاري ببنائه في نار جهنم. كما:




13474ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن
ابن عباس: فانهار به قواعده في نار جهنم.




13475ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد,
قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فانْهَارَ بِهِ يقول: فخرّ به.




13476ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله:
أفَمَنْ أسّسَ بُنْيَانَهُ على تَقْوَى مِنَ اللّهِ,.. إلى قوله: فانْهَارَ بِهِ
فِي نَارِ جَهَنّمَ قال: والله ما تناهى أن وقع في النار. ذُكر لنا أنه حفرت بقعة
منه فرؤي منها الدخان.




13477ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال: قال ابن
جريج: أن بنو عمرو بن عوف استأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم في بنيانه, فأذن لهم
ففرغوا منه يوم الجمعة فصلوا فيه الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد. قال: وانهار يوم
الاثنين. قال: وكان قد استنظرهم ثلاثا: السبت والأحد والاثنين, فانهار به في نار
جهنم, مسجد المنافقين انهار فلم يتناه دون أن وقع في النار. قال ابن جريج: ذكر لنا
أن رجالاً حفروا فيه, فأبصروا الدخان يخرج منه.




13478ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا عبد العزيز بن
المختار, عن عبد الله الداناج, عن طلق ابن حبيب, عن جابر, قوله: وَالّذِينَ
اتّخَذُوا مَسْجِدا ضِرَارا قال: رأيت المسجد الذي بني ضرارا يخرج منه الدخان على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم.




حدثنا محمد بن مرزوق البصري, قال: حدثنا أبو سلمة, قال: حدثنا عبد العزيز
بن المختار, عن عبد الله الداناج, قال: ثني طلق العنزي, عن جابر بن عبد الله, قال:
رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار.




13479ـ حدثني سلام بن سالم الخزاعي, قال: حدثنا خلف بن ياسين الكوفي, قال:
حججت مع أبي في ذلك الزمان يعني زمان بني أمية فمررنا بالمدينة, فرأيت مسجد
القبلتين يعني مسجد الرسول وفيه قبلة بيت المقدس. فلما كان زمان أبي جعفر, قالوا:
يدخل الجاهل فلا يعرف القبلة, فهذا البناء الذي يرون جرى على يد عبد الصمد بن عليّ.
ورأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله في القرآن, وفيه حجر يخرج منه الدخان, وهو
اليوم مزبلة.




قوله: وَاللّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ يقول: والله لا يوفق
للرشاد في أفعاله من كان بانيا بناءه في غير حقه وموضعه, ومن كان منافقا مخالفا
بفعله أمر الله وأمر رسوله.



الآية : 110


القول في تأويل قوله تعالى: {لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الّذِي
بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاّ أَن تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.




يقول تعالى ذكره: لا يزال بنيان هؤلاء الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا رِيَبةً
يقول: لا يزال مسجدهم الذي بنوه ريبة في قلوبهم, يعني شكّا ونفاقا في قلوبهم,
يحسبون أنهم كانوا في بنائه محسنين. إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ يعني إلا أن
تتصدّع قلوبهم فيموتوا, والله عليم بما عليه هؤلاء المنافقون الذين بنوا مسجد
الضرار من شكهم في دينهم وما قصدوا في بنائهموه وأرادوه وما إليه صائر أمرهم في
الاَخرة وفي الحياة ما عاشوا, وبغير ذلك من أمرهم وأمر غيرهم, حكيم في تدبيره
إياهم وتدبير جميع خلقه.




وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:




13480ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن
ابن عباس, قوله: لا يَزَالُ بُنْيانُهُمُ الّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ
يعني شكّا إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ يعني الموت.




13481ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن
قتادة: رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ قال: شكّا في قلوبهم, إلاّ أنْ تَقَطّعَ
قُلُوبُهُمْ إلى أن يموتوا.




13482ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لاَ
يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الّذِي بَنَوْا رِيبَةً في قُلُوبِهِمْ إلاّ أنْ تَقَطّعَ
قُلُوبُهُمْ يقول: حتى يموتوا.




13483ـ حدثني مطر بن محمد الضبي, قال: حدثنا أبو قتيبة, قال: حدثنا شعبة,
عن الحكم, عن مجاهد, في قوله: إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ قال: إلا أن يموتوا.




حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي
نجيح, عن مجاهد: إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ قال: يموتوا.




حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد: إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ قال: يموتوا.




حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.




13484ـ قال: حدثنا سويد, قال: حدثنا ابن المبارك, عن معمر, عن قتادة
والحسن: لا يَزَالُ بُنْيانُهُمْ الّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ قالا
شكّا في قلوبهم.




13485ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق الرازي, قال: حدثنا أبو سنان, عن
حبيب: لا يَزَالُ بُنْيانُهُمُ الّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ قال: غيظا
في قلوبهم.




قال: حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: إلاّ أنْ
تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ قال: يموتوا.




13486ـ قال: حدثنا إسحاق الرازي, عن أبي سنان, عن حبيب: إلاّ أنْ تَقَطّعَ
قُلُوبُهُمْ: إلا أن يموتوا.




13487ـ قال: حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن السديّ: رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ
قال: كفر. قلت: أكفر مجمّع ابن جارية؟ قال: لا, ولكنها حزازة.




حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن السدي: لا
يَزَالُ بُنْيانُهُمُ الّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ قال: حزازة في
قلوبهم.




13488ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لا
يَزَالُ بُنْيانُهُمُ الّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ لا يزال ريبةً في
قلوبهم راضين بما صنعوا, كما حبب العجل في قلوب أصحاب موسى. وقرأ: وأُشْرِبُوا فِي
قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قال: حبه. إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ قال:
لا يزال ذلك في قلوبهم حتى يموتوا يعني المنافقين.




13489ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا قيس, عن السديّ, عن
إبراهيم: رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ قال: شكّا. قال: قلت يا أبا عمران تقول هذا وقد
قرأت القرآن؟ قال: إنما هي حزازة.




واختلفت القرّاء في قراءة قوله: إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ فقرأ ذلك
بعض قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة: «إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ» بضمّ
التاء من «تقطع», على أنه لم يسمّ فاعله, وبمعنى: إلا أن يقطع الله قلوبهم. وقرأ
ذلك بعض قرّاء المدينة والكوفة: إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ بفتح التاء من
تقطّع على أن الفعل للقلوب. بمعنى: إلا أن تنقطع قلوبهم, ثم حذفت إحدى التاءين.
وذكر أن الحسن كان يقرأ: «إلاّ أنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ» بمعنى: حتى تتقطع
قلوبهم. وذكر أنها في قراءة عبد الله: «وَلَوْ قُطّعَتْ قُلُوبهُمْ» وعلى الاعتبار
بذلك قرأ من ذلك: «إلاّ أنْ تُقَطّعَ» بضم التاء.




والقول عندي في ذلك أن الفتح في التاء والضم متقاربا المعنى, لأن القلوب لا
تتقطع إذا تقطعت إلا بتقطيع الله إياها, ولا يقطعها الله إلا وهي متقطعة. وهما
قراءتان معروفتان قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء
فمصيب الصواب في قراءته. وأما قراءة من قرأ ذلك: «إلى أن تُقْطّعَ», فقراءة لمصاحف
المسلمين مخالفة, ولا أرى القراءة بخلاف ما في مصاحفهم جائزة.



الآية : 111


القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ اللّهَ اشْتَرَىَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنّ لَهُمُ الّجَنّةَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التّوْرَاةِ
وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىَ بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ
فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ }.




يقول تعالى ذكره: إن الله ابتاع من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة وعدا
عليه حقّا, يقول: وعدهم الجنة جلّ ثناؤه, وعدا عليه حقّا أن يوفي لهم به في كتبه
المنزّلة التوراة والإنجيل والقرآن, إذا هم وفوا بما عاهدوا الله فقاتلوا في سبيله
ونصرة دينه أعداءه فَقَتلوا وقُتلوا وَمَنْ أوْفَى بِعَهدِهِ مِنَ اللّهِ يقول جلّ
ثناؤه: ومن أحسن وفاء بما ضمن وشرط من الله. فاسْتَبْشِرُوا يقول ذلك للمؤمنين:
فاستبشروا أيها المؤمنون الذين صدقوا الله فيما عاهدوا بِبَيْعِكُمْ أنفسكم
وأموالكم بالذي بعتموها من ربكم, فإن ذلك هو الفوز العظيم. كما:




13490ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن حفص بن حميد, عن شمر بن عطية,
قال: ما من مسلم إلا ولله في عنقه بيعة وفى بها أو مات عليها في قول الله: إنّ
اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ... إلى قوله: وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ
العَظِيمُ ثم حَلاّهم فقال: التّائِبُونَ العابِدُونَ... إلى: وَبَشّرِ
المُوءْمِنِينَ.




13491ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن
عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ
وأمْوَالَهُمْ يعني بالجنة.




13492ـ قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن محمد بن يسار, عن
قتادة أنه تلا هذه الآية: إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ
وأمْوَالَهُمْ بأنّ لَهُمُ الجَنّةَ قال: ثَامَنَهُم الله فأغلى لهم الثمن.




13493ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني منصور بن هارون, عن أبي
إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن أنه تلا هذه الآية: إنّ اللّهَ اشْتَرَى
مِنَ المُوءْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وأمْوَالَهُمْ قال: بايعهم فأغلى لهم الثمن.




13494ـ حدثنا الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو معشر, عن محمد
بن كعب القرظي وغيره, قالوا: قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم: اشترط لربك ونفسك ما شئت قال: «أشْتَرِطُ لرَبي أنْ تَعْبُدُوهُ وَلا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا, وأشْتَرِطُ لِنَفْسِي أنْ تَمْنَعُونِي ممّا تَمْنَعونَ
مِنْهُ أنْفُسَكُمْ وأمْوَالَكُمْ» قالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا؟ قال:
«الجَنّة» قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت: إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ
المُوءْمِنِينَ... الآية.




13495ـ قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا عبيد بن طفيل العبسي, قال: سمعت
الضحاك بن مزاحم, وسأله رجل عن قوله: إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ
أنْفُسَهُمْ... الآية, قال الرجل: ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل؟ قال:
ويلك أين الشرط: التّائِبُونَ العابِدُونَ؟.



الآية : 112


القول في تأويل قوله تعالى: {التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ
السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدونَ الاَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ }.




يقول تعالى ذكره: إن الله اشترى من المؤمنين التائبين العابدين أنفسهم
وأموالهم ولكنه رفع, إذ كان مبتدأ به بعد تمام أخرى مثلها, والعرب تفعل ذلك, وقد
تقدم بياننا ذلك في قوله: صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. ومعنى
التائبون: الراجعون مما كرهه الله وسخطه إلى ما يحبه ويرضاه. كما:




13496ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلم, عن ثعلبة بن سهيل, قال:
قال الحسن في قول الله: التّائِبُونَ قال: تابوا إلى الله من الذنوب كلها,




13497ـ حدثنا سوار بن عبد الله العنبري, قال: ثني أبي, عن أبي الأشهب, عن
الحسن, أنه قرأ: التّائِبُونَ العَابِدُونَ قال: تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو سلمة, عن أبي الأشهب, قال: قرأ الحسن:
التّائِبُونَ العَابِدُونَ قال: تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق.




13498ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا منصور, بن هارون, عن
أبي إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء عن الحسن, قال: التائبون من الشرك.




حدثنا الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا جرير بن حازم, قال: سمعت
الحسن قرأ هذه الآية: التّائِبُونَ العَابِدُونَ قال الحسن: تابوا والله من الشرك,
وبرئوا من النفاق.




13499ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة,
قوله: التّائِبُونَ قال: تابوا من الشرك ثم لم ينافقوا في الإسلام.




13500ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج: التّائِبُونَ
قال: الذين تابوا من الذنوب ثم لم يعودوا فيها.




وأما قوله: العَابِدُونَ فهم الذين ذلوا خشية لله وتواضعا له, فجدّوا في
خدمته. كما:




13501ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة:
العَابِدُونَ: قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم.




13502ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن ثعلبة بن سهيل, قال: قال الحسن
في قول الله العَابِدُونَ قال: عبدوا الله على أحايينهم كلها في السرّاء والضرّاء.




13503ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني منصور بن هارون, عن أبي
إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: العَابِدُونَ قال: العابدون لربهم.




وأما قوله: الحَامِدُونَ فإنهم الذين يحمدون الله على كلّ ما امتحنهم به من
خير وشرّ. كما:




13504ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة:
الحَامِدُونَ قوم حمدوا الله على كل حال.




13505ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن ثعلبة, قال: قال الحسن:
الحَامِدُونَ: الذين حمدوا الله على أحايينهم كلها في السرّاء والضرّاء.




13506ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني منصور بن هارون, عن أبي
إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: الحامِدُونَ قال: الحامدون على الإسلام.




وأما قوله: السّائِحُونَ فإنهم الصائمون. كما:




13507ـ حدثني محمد بن عيسى الدامغاني وابن وكيع, قالا: حدثنا سفيان, عن
عمرو, عن عبيد بن عمير وحدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمرو بن
الحرث, عن عمرو, عن عبيد بن عمير, قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين,
فقال: «هُمُ الصّائمُونَ».




13508ـ حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع, قال: حدثنا حكيم بن حزام, قال:
حدثنا سليمان, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «السّائِحُونَ هُمُ الصّائمُونَ».




13509ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إسرائيل, عن
الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: السّائِحُونَ: الصائمون.




13510ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عاصم,
عن زر, عن عبد الله, قال: السّائِحُونَ الصائمون.




قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا سفيان, قال: ثني عاصم, عن زرّ, عن عبد الله,
بمثله.




13511ـ حدثني محمد بن عمارة الأسدي, قال: حدثنا عبيد الله, قال: أخبرنا
شيبان, عن أبي إسحاق, عن أبي عبد الرحمن, قال: السياحة: الصيام.




13512ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عطية, قال: حدثنا إسرائيل, عن أشعث,
عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: السّائِحُونَ: الصائمون.




حدثني ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, وإسرائيل عن أشعث, عن سعيد بن
جبير, عن ابن عباس قال: السّائِحُونَ: الصائمون.




13513ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا إسرائيل, عن أشعث, عن
سعيد بن جبير, قال: السّائِحُونَ: الصائمون.




حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيل, عن أشعث بن
أبي الشعثاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, مثله.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن زرّ, عن عبد الله, مثله.




13514ـ قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن إسحاق, عن عبد الرحمن, قال:
السّائِحُونَ: هم الصائمون.




حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن
ابن عباس: السّائِحُونَ قال: يعني بالسائحين الصائمين.




13515ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله, عن إسرائيل, عن ابن أبي نجيح,
عن مجاهد, قال: السّائِحُونَ هم الصائمون.




حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد: السّائِحُونَ الصائمون.




13516ـ قال: حدثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قال:
كلّ ما ذكر الله في القرآن السياحة: هم الصائمون.




13517ـ قال: حدثنا أبي عن المسعودي, عن أبي سنان, عن ابن أبي الهذيل, عن
أبي عمرو العبدي, قال: السّائِحُونَ: الذي يديمون الصيام من المؤمنين.




13518ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن ثعلبة بن سهيل, قال: قال الحسن:
السّائِحُونَ الصائمون.




حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثنى منصور بن هارون, عن أبي إسحاق
الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن, قال: السّائِحُونَ: الصائمون, شهر رمضان.




13519ـ حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك, قال:
السّائِحُونَ الصائمون.




13520ـ قال: حدثنا أبو أسامة, عن جويبر, عن الضحاك, قال: كلّ شيء في القرآن
السّائِحُونَ فإنه الصائمون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة التوبة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة التوبة   تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty13/12/2011, 9:23 pm

حدثني المثنى, قال:
حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك: السّائِحُونَ
الصائمون.




حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال سمعت
الضحاك يقول في قوله: السّائِحُونَ يعني: الصائمين.




13521ـ حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير ويعلى وأبو أسامة, عن عبد
الملك, عن عطاء, قال: السّائِحُونَ الصائمون.




حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيم, عن عبد الملك, عن
عطاء, مثله.




13522ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة,
قال: حدثنا عمرو أنه سمع وهب بن منبه يقول: كانت السياحة في بني إسرائيل, وكان
الرجل إذا ساح أربعين سنة رأى ما كان يرى السائحون قبله, فساح ولد بغيّ أربعين سنة
فلم ير شيئا, فقال: أي ربّ أرأيت إن أساء أبواي وأحسنت أنا؟ قال: فأُري ما أُري
السائحون قبله. قال ابن عيينة: إذا ترك الطعام والشراب والنساء فهو السائح.




13523ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: السائحون
قوم أخذوا من أبدانهم صوما لله.




13524ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إبراهيم بن
زيد, عن الوليد بن عبد الله, عن عائشة, قالت: سياحة هذه الأمة: الصيام.




وقوله: الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ يعني: المصلين الراكعين في صلاتهم
الساجدين فيها. كما:




13525ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني منصور بن هارون, عن أبي
إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ قال: الصلاة
المفروضة.




وأما قوله: الاَمِرُونَ بالمَعْرُوفِ والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ فإنه
يعني أنهم يأمرون الناس بالحق في أديانهم, واتباع الرشد والهدى والعمل, وينهونهم
عن المنكر وذلك نهيهم الناس عن كلّ فعل وقول نهى الله عباده عنه.




وقد روي عن الحسن في ذلك ما:




13526ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني منصور بن هارون, عن أبي
إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: الاَمِرُونَ بالمَعْرُوفِ لا إله إلا الله.
والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ عن الشرك.




13527ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن ثعلبة بن سهيل, قال الحسن, في
قوله: الاَمِرُونَ بالمَعْرُوفِ قال: أما إنهم لم يأمروا الناس حتى كانوا من
أهلها. والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ قال: أما إنهم لم ينهوا عن المنكر حتى انتهوا
عنه.




13528ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه,
عن الربيع, عن أبي العالية, قال: كلّ ما ذكر في القرآن الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر, فالأمر بالمعروف: دعاء من الشرك إلى الإسلام والنهي عن المنكر: نهي عن
عبادة الأوثان والشياطين.




وقد دللنا فيما مضى قبل على صحة ما قلنا من أن الأمر بالمعروف هو كلّ ما
أمر الله به عباده أو رسوله صلى الله عليه وسلم, والنهي عن المنكر هو كلّ ما نهى
الله عنه عباده أو رسوله. وإذ كان ذلك كذلك ولم يكن في الآية دلالة على أنها عنى
بها خصوص دون عموم ولا خبر عن الرسول ولا في فطرة عقل, فالعموم بها أولى لما قد
بينا في غير موضع من كتبنا.




وأما قوله: والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ فإنه يعني: المؤدّونَ فَرَائِضَ
الله, المنتهون إلى أمره ونهيه, الذين لا يضيعون شيئا ألزمهم العمل به ولا يركبون
شيئا نهاهم عن ارتكابه. كالذي:




13529ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن
عليّ, عن ابن عباس: والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ يعني: القائمين على طاعة الله,
وهو شرط اشترطه على أهل الجهاد إذا وفوا الله بشرطه وفى لهم شرطهم.




13530ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن
أبيه, عن ابن عباس: والحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ قال: القائمون على طاعة الله.




13531ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن ثعلبة, بن سهيل, قال: الحسن,
في قوله: والحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ قال: القائمون على أمر الله.




13532ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني منصور بن هارون, عن أبي
إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ قال: لفرائض
الله.




وأما قوله: وَبَشّرِ المُوءْمِنِينَ فإنه يعني: وبشر المصدقين بما وعدهم
الله إذا هم وفوا الله بعهده أنه موف لهم بما وعدهم من إدخالهم الجنة. كما:




13533ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هوذة بن خليفة, قال: حدثنا عوف, عن
الحسن: إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُوءْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ... حتى ختم الآية,
قال: الذين وفوا ببيعتهم التّائِبُونَ العَابِدُونَ الحامدُونَ, حتى ختم الآية,
فقال: هذا عملهم وسيرهم في الرخاء, ثم ألقوا العدّو فصدّقوا ما عاهدوا الله عليه.




وقال بعضهم: معنى ذلك: وبشر من فعل هذه الأفعال, يعني قوله: التّائِبُونَ
العَابِدُونَ... إلى آخر الآية, وإن لم يغزوا. ذكر من قال ذلك:




13534ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني منصور بن هارون, عن أبي
إسحاق الفزاري, عن أبي رجاء, عن الحسن: وَبَشّرِ المُؤمِنِينَ قال: الذين لم
يغزوا.



الآية : 113،114


القول في تأويل قوله تعالى:



{مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوَاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ
لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوَاْ أُوْلِي قُرْبَىَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ
لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ *
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاّ عَن مّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ
إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَدُوّ للّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ
إِبْرَاهِيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ }.




يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين إمنوا
به أن يستغفروا, يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كان المشركون الذين
يستغفرون لهم أولي قربى, ذوي قرابة لهم. مِنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ لَهُمْ أنّهُمْ
أصحَابُ الجَحِيمِ يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان تبين لهم
أنهم من أهل النار لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك, فلا ينبغي لهم أن يسألوا
ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله.




فإن قالوا: فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك, فلم يكن استغفار إبراهيم
لأبيه إلا لموعدة وعدها إياه فَلمّا تَبَيّنَ لَهُ وعلم أنه لله عدوّ خلاه وتركه
وترك الاستغفار له, وآثر الله وأمره عليه, فتبرأ منه حين تبين له أمره.




واختلف أهل التأويل في السبب الذي نزلت هذه الآية فيه, فقال بعضهم: نزلت في
شأن أبي طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن
يستغفر له بعد موته, فنهاه الله عن ذلك. ذكر من قال ذلك:




13535ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, قال:
لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد
الله بن أبي أمية, فقال: «يا عَمّ قُلْ لا إلَهِ إلاّ اللّهُ كَلِمَةً أُحاجّ لَكَ
بِها عِنْدَ اللّهِ» فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن
ملة عبد المطلب؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لأَسْتَغْفِرَنّ لَكَ مَا لَمْ
أُنْهَ عَنْكَ» فنزلت ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا
للْمُشْرِكِينَ, ونزلت: إنّكَ لا تَهْدي مَنْ أحْبَبْتَ.




13536ـ حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب, قال: حدثنا عمي عبد الله بن وهب,
قال: ثني يونس, عن الزهري, قال: أخبرني سعيد بن المسيب, عن أبيه, قال: لما حضرت
أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجد عنده أبا جهل بن هشام
وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عَمّ
قُلْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ كَلِمَةً أشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللّهِ» قال أبو
جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر
ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب, وأبى أن يقول: لا إله إلا الله, فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «وَاللّهِ لأَسْتَغْفِرَنّ لَكَ ما لَمْ أُنْهِ عَنْكَ»
فأنْزَلَ اللّهُ: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا
للْمُشْرِكِينَ وأنزل الله في أبي طالب, فقال لرسول الله: إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ
أحْبَبْتَ... الآية.




13537ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا
للْمُشْرِكِينَ قال: يقول المؤمنون ألا نستغفر لاَبائنا وقد استغفر إبراهيم لأبيه
كافرا, فأنزل الله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ لأَبِيهِ إلاّ عَنْ
مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ... الآية.




13538ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن عمرو بن
دينار: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «اسْتَغْفَرَ إبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ
وَهُوَ مُشْرِكٌ, فَلا أزَالُ أسْتَغْفِرُ لأبي طالِبٍ حتى يَنْهانِي عَنْهُ
رَبّي» فقال أصحابه: لنستغفرن لاَبائنا كما استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعمه
فأنزل الله: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا
للْمُشْرِكِينَ... إلى قوله: تَبَرّأَ مِنْهُ.




13539ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن سفيان بن عيينة, عن
الزهري, عن سعيد بن المسيب قال: لما حضر أبا طالب الوفاة أتاه رسول الله صلى الله
عليه وسلم, وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل بن هشام, فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «أيّ عَمّ إنّكَ أعْظَمُ النّاسِ عَليّ حَقّا وأحْسَنُهُمْ
عِنْدِي يَدا, ولأَنْتَ أعْظَمُ عَليّ حَقّا مِنْ وَالِدِي, فَقُلْ كَلِمَةً
تَجِيبُ لي بها الشّفاعَةُ يَوْمَ القِيامَةِ, قُلْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ» ثم ذكر
نحو حديث ابن عبد الأعلى, عن محمد بن ثور.




وقال آخرون: بل نزلت في سبب أمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك أنه
أراد أن يستغفر لها فمنع من ذلك. ذكر من قال ذلك:




13540ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا فضيل, عن
عطية قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت
عليه الشمس, رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها, حتى نزلت: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ
آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولي قُرْبَى... إلى
قوله: تَبَرّأَ مِنْهُ.




13541ـ قال: ثناأبو أحمد, قال: حدثنا قيس, عن علقمة بن مرثد, عن سليمان بن
بريدة, عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى رسما قال: وأكثر ظني أنه قال
قبرا فجلس إليه, فجعل يخاطب, ثم قام مستعبرا, فقلت: يا رسول الله, إنا رأينا ما
صنعت قال: «إنّي اسْتَأْذَنْتُ ربّي فِي زِيارَةِ قَبْرِ أُمّي فَأَذِنَ لي,
وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الاسْتِغْفارِ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لي» فما رُؤي باكيا
أكثر من يومئذ.




13542ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن
أبيه, عن ابن عباس, قوله: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا... إلى: أنهُمْ
أصْحَابُ الجَحِيمِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه, فنهاه
عن ذلك, فقال: «وإنّ إبْرَاهِيمُ خَلِيلَ اللّهِ قَدِ اسْتَغْفَرَ لأَبِيهِ» فأنزل
الله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ... إلى: لأَوّاهٌ حَلِيمٌ.




وقال آخرون: بل نزلت من أجل أن قوما من أهل الإيمان كانوا يستغفرون لموتاهم
من المشركين, فنهوا عن ذلك. ذكر من قال ذلك:




13543ـ حدثني المثنى, قال: ثني عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن
عليّ, عن ابن عباس, قوله: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ
يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكِينَ... الآية, فكانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية,
فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم, ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى
يموتوا. ثم أنزل الله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ لأَبِيهِ إلاّ عَنْ
مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ... الآية.




13544ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ما
كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكِينَ... الآية,
ذكر لنا أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا نبيّ الله, إن من
آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفكّ العاني ويوفي بالذمم, أفلا نستغفر
لهم؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَلى وَاللّهِ لأسْتَغْفِرنّ كمَا
اسْتَغْفَرَ إبْراهِيمُ لأبِيهِ» قال: فأنزل الله: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ
آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكِينَ... حتى بلغ: الجَحِيمِ ثم عذر الله
إبراهيم فقال: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ لأَبِيهِ إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ
وَعَدَها إيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ للّهِ تَبَرّأ مِنْهُ. قال:
وذُكر لنا أن نبيّ الله قال: «أُوحي إليّ كَلِمَاتٍ, فَدَخَلْنَ في أُذُني
وَوَقَرْنَ في قَلْبي, أُمِرْتُ أنْ لا أسْتَغْفِرَ لمن مَاتَ مُشْرِكا, ومَنْ
أَعْطَى فَضْلُ ماله فهو خَيّرٌ له, ومن أمْسَكَ فهو شَرّ له, ولا يَلُومُ الله
على كَفَافٍ».




واختلف أهل العربية في معنى قوله: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا
أنْ يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكِينَ فقال بعض نحويـي البصرة: معنى ذلك: ما كان لهم
الاستغفار, وكذلك معنى قوله: وَمَا كان لِنَفْس أن تُوءْمِن وما كان لنفس الإيمان
إلاّ بإذْنِ اللّهِ. وقال بعض نحويي الكوفة: معناه: ما كان ينبغي لهم أن يستغفروا
لهم. قال: وكذلك إذا جاءت «أن» مع «كان», فكلها بتأويل «ينبغي» ما كان لنبيّ أنْ
يَغُلّ ما كان ينبغي له ليس هذا من أخلاقه, قال: فلذلك إذا دخلت «أن» تدل على
الاستقبال, لأن «ينبغي» تطلب الاستقبال.




وأما قوله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ لأَبِيهِ إلاّ عَنْ
مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ فإن أهل العلم اختلفوا في السبب الذي أنزل فيه, فقال
بعضهم: أنزل من أجل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يستغفرون لموتاهم
المشركين ظَنّا منهم أن إبراهيم خليل الرحمن, قد فعل ذلك حين أنزل الله قوله خبرا
عن إبراهيم, قال: سَلامٌ عَلَيْكَ سأسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّي أنه كان بي حَفِيّا وقد
ذكرنا الرواية عن بعض من حضرنا ذكره, وسنذكره عمن لم نذكره.




13545ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي
إسحاق, عن أبي الخليل, عن عليّ قال: سمعت رجلاً يستغفر لوالديه وهما مشركان, فقلت:
أيستغفر الرجل لوالديه وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ قال: فأتيت
النبي صلى الله عليه وسلم, فذكرت ذلك له, فأنزل الله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ
إبْرَاهيمَ... إلى تَبَرّأَ مِنْهُ.




13546ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي
الخليل, عن عليّ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر لأبويه وهما مشركان, حتى
نزلت: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ لأَبِيهِ إلى قوله: تَبَرّأَ مِنْهُ.




وقيل: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ لأَبِيهِ إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ,
ومعناه: إلا من بعد موعدة, كما يقال: ما كان هذا الأمر إلا عن سبب كذا, بمعنى: من
بعد ذلك السبب أو من أجله, فكذلك قوله: إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ: من أجل موعدة
وبعدها.




وقد تأول قوم قول الله: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ
يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى... الآية, أن النهي
من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم, لقوله: مِنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ لَهُمْ
أنّهُمْ أصحَابُ الجَحِيمِ وقالوا: ذلك لا يتبينه أحد إلا بأن يموت على كفره, وأما
هو حيّ فلا سبيل إلى علم ذلك, فللمؤمنين أن يستغفروا لهم. ذكر من قال ذلك:




13547ـ حدثنا سليمان بن عمر الرقي, حدثنا عبد الله بن المبارك, عن سفيان
الثوري, عن الشيباني, عن سعيد بن جبير قال: مات رجل يهودي وله ابن مسلم, فلم يخرج
معه, فذكر ذلك لابن عباس, فقال: كان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح
ما دام حيّا, فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قال: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ
لأَبِيهِ إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ
عَدُوّ لِلّهِ تَبَرأَ مِنْهُ لم يدع.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا فضيل, عن ضرار بن مرّة, عن سعيد بن جبير, قال:
مات رجل نصراني, فوكله ابنه إلى أهل دينه, فأتيت ابن عباس, فذكرت ذلك له فقال: ما
كان عليه لو مشى معه وأجَنّه واستغفر له ثم تلا: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ
لأَبِيهِ إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ... الآية.




وتأوّل آخرون الاستغفار في هذا الموضع بمعنى الصلاة. ذكر من قال ذلك:




13548ـ حدثني المثنى, قال: ثني إسحاق, قال: حدثنا كثير بن هشام, عن جعفر بن
برقان, قال: حدثنا حبيب بن أبي مرزوق, عن عطاء بن أبي رباح, قال: ما كنت أدع
الصلاة على أحد من أهل هذه القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنا, لأني لم أسمع
الله يحجب الصلاة إلا عن المشركين, يقول الله: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ
آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكِينَ.




وتأوّله آخرون بمعنى الاستغفار الذي هو دعاء. ذكر من قال ذلك:




13549ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن عصمة بن راشد, عن أبيه قال:
سمعت أبا هريرة يقول: رحم الله رجلاً استغفر لأبي هريرة ولأمه قلت: ولأبيه؟ قال:
لا إن أبي مات وهو مشرك.




قال أبو جعفر: وقد دللنا على أن معنى الاستغفار: مسألة العبد ربه غفر
الذنوب وإذ كان ذلك كذلك, وكانت مسألة العبد ربه ذلك قد تكون في الصلاة وفي غير
الصلاة, لم يكن أحد القولين اللذين ذكرنا فاسدا, لأن الله عمّ بالنهي عن الاستغفار
للمشرك بعدما تبين له أنه من أصحاب الجحيم, ولم يخصص من ذلك حالاً أباح فيها
الاستغفار له.




وأما قوله: مِنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ لَهُمْ أنّهُمْ أصحَابُ الجَحِيمِ فإن
معناه: ما قد بينت من أنه من بعد ما يعلمون بموته كافرا أنه من أهل النار. وقيل:
أصْحَابُ الجَحِيمِ لأنهم سكانها وأهلها الكائنون فيها, كما يقال لسكان الدار:
هؤلاء أصحاب هذه الدار, بمعنى سكانها.




وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:




13550ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق (, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال:
أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: مِنْ بَعْدِ ما تَبَيّنَ أنّهُمْ أصحابُ
الجَحِيمِ قال: تبين للنبي صلى الله عليه وسلم أن أبا طالب حين مات أن التوبة قد
انقطعت عنه.




حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة,
قال: تبين له حين مات, وعلم أن التوبة قد انقطعت عنه, يعني في قوله: مِنْ بَعْدِ
ما تَبَيّنَ لَهُمْ أنّهُمْ أصحَاب الجَحِيمِ.




13551ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعتُ أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن
سليمان, قال: سمعت الضحاك في قوله: ما كَانَ للنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ
يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكِينَ... الآية, يقول: إذا ماتوا مشركين, يقول الله:
وَمَنْ يُشْرِكُ باللّهِ فَقَدْ حَرّمَ الله عَلَيْهِ الجَنّةَ... الآية.




واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فَلَمّا تَبَيّنَ لَه أنّهُ عَدُوّ
لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ قال بعضم: معناه: فلما تبين له بموته مشركا بالله تبرأ منه
وترك الاستغفار له. ذكر من قال ذلك:




13552ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن
حبيب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات,
فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرأ منه.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن حبيب, عن سعيد بن جبير, عن
ابن عباس, قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات, فلما مات تبين له أنه عدوّ
لله.




حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفيان, عن حبيب بن أبي
ثابت, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات,
فلما مات لم يستغفر له.




حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن
عباس: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ لأَبِيهِ إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها
إيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَه أنّهُ عَدُوّ لله تَبَرّأ مِنْهُ يعني استغفر له ما
كان حيّا, فلما مات أمسك عن الاستغفار له.




13553ـ حدثني مطر بن محمد الضبي, قال: حدثنا أبو عاصم وأبو قتيبة مسلم بن
قتيبة, قالا: حدثنا شعبة, عن الحكم, عن مجاهد, في قوله: فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ
أنّهُ عَدُوّ لله تَبَرأَ مِنْهُ قال: لما مات.




حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن
الحكم, عن مجاهد, مثله.




13554ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد: فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ لِلّهِ قال: موته وهو
كافر.




حدثنا ابن وكيع, قال: ثني أبي, عن شعبة, عن الحكم, عن مجاهد, مثله.




13555ـ قال: حدثنا البراء بن عتبة, عن أبيه, عن الحكم: فَلَمّا تَبَيّنَ
لَهُ أنّهُ عَدُوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ قال: حين مات ولم يؤمن.




13556ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن عمرو بن
دينار: فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ: موته وهو
كافر.




13557ـ قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيم عن جويبر, عن الضحاك في
قوله: فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ قال: لما مات.




13558ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَلَمّا
تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ لما مات على شركه تبرأ منه.




13559ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن
سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إبْرَاهيمَ لأبِيهِ
كانَ إبراهيم صلوات الله عليه يرجو أن يؤمن أبوه ما دام حيّا فلما مات على شركه
تبرأ منه.




حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد,
فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ قال: موته وهو كافر.




حدثنا محمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن حبيب بن
أبي ثابت, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى
مات, فلما مات تبين له أنه عدوّ لله فلم يستغفر له.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة التوبة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة التوبة   تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty13/12/2011, 9:27 pm

13560ـ قال: حدثنا أبو
أحمد, قال: حدثنا أبو إسرائيل, عن عليّ بن بذيمة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس:
فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوّ لِلّهِ قال: فلما مات.




وقال آخرون: معناه تبين له في الاَخرة وذلك أن أباه يتعلق به إذا أراد أن
يجوز الصراط فيمرّ به عليه, حتى إذا كان يجاوزه حانت من إبراهيم التفاتة فإذا هو
بأبيه في صورة قرد أو ضبع, فخَلّى عنه وتبرأ منه حينئذ. ذكر من قال ذلك:




13561ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا حفص بن غياث, قال: حدثنا عبد الله
بن سليمان, قال: سمعت سعيد ابن جبير يقول: إن إبراهيم يقول يوم القيامة: ربّ والدي
ربّ والدي فإذا كان الثالثة أخذ بيده, فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرأ منه.




13562ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن عبيدة بن عمير, قال:
إنكم مجموعون يوم القيامة في صعيد واحد يسمعكم الداعي وينفذكم البصر, قال: فتزفر
جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلا وقع لركبتيه ترعد فرائصه. قال:
فحسبته يقول: نفسي نفسي قال: ويضرب الصراط على جسر جهنم كحدّ السيف, وحضر من له
وفي جانبيه ملائكة معهم خطاطيف كشوك السعدان. قال: فيمضون كالبرق وكالريح وكالطير,
وكأجاويد الركاب, وكأجاويد الرجال, والملائكة يقولون: ربّ سلّم سلّم فناج سالم,
ومخدوش ناج, ومكدوس في النار. يقول إبراهيم لأبيه: إني آمرك في الدنيا فتعصيني
ولست تاركك اليوم, فخذ بحقويّ فيأخذ بضبعيه, فيمسخ ضبعا, فإذا رآه قد مسخ تبرأ
منه.




وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول الله, وهو خبره عن إبراهيم أنه لما تبين
له أن أباه لله عدوُ تبرأ منه, وذلك حال علمه ويقينه أنه لله عدوّ وهو به مشرك,
وهو حال موته على شركه.




القول في تأويل قوله تعالى: إنّ إبْرَاهِيمَ لأَوّاهٌ حَلِيمٌ.




اختلف أهل التأويل في «الأوّاه», فقال بعضهم: هو الدّعّاء. ذكر من قال ذلك:




13563ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن عاصم,
عن زرّ, عن عبد الله, قال: الأوّاه: الدعّاء.




حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا: حدثنا أبو بكر, عن عاصم, عن زرّ, عن عبد
الله, قال: الأوّاه: الدّعّاء.




حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني جرير بن حازم, عن عاصم بن
بهدلة, عن زرّ بن حبيش, قال: سألت عبد الله عن الأوّاه, فقال: هو الدعّاء.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن بشر, عن ابن أبي عروبة, عن عاصم, عن
زرّ, عن عبد الله مثله.




قال: حدثنا قبيصة, عن سفيان, عن عبد الكريم, عن أبي عبيدة, عن عبد الله,
قال: الأوّاه: الدعّاء.




قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن عاصم, عن زرّ, عن عبد الله, مثله.




حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان وإسرائيل, عن عاصم, عن
زرّ, عن عبد الله مثله.




13564ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن عليه, قال:
حدثنا داود بن أبي هند, قال: نبئت عن عبيد بن عمير, قال: الأوّاه: الدعّاء.




حدثني إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا داود, عن عبد الله بن عبيد بن عمير
الليثي, عن أبيه, قال: الأوّاه: الدعاء.




وقال آخرون: بل هو الرحيم. ذكر من قال ذلك:




13565ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن سلمة,
عن مسلم البطين, عن أبي العبيدين, قال: سئل عبد الله عن الأوّاه, فقال: الرحيم.




حدثنا محمد بن المثنى, قال: ثني محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الحكم,
قال: سمعت يحيى بن الجزّار يحدّث عن أبي العبيدين رجل ضرير البصر, أنه سأل عبد
الله عن الأوّاه فقال: الرحيم.




حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا المحاربي وحدثنا خلاد بن أسلم قال: أخبرنا
النضر بن شميل جميعا, عن المسعودي, عن سلمة بن كهيل, عن أبي العبيدين أنه سأل ابن
مسعود, فقال: ما الأوّاه؟ قال: الرحيم.




حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: حدثنا ابن إدريس, عن الأعمش, عن
الحكم, عن يحيى بن الجزار, عن أبي العبيدين, أنه جاء إلى عبد الله, وكان ضرير
البصر, فقال: يا أبا عبد الرحمن, من نسأل إذا لم نسألك؟ فكأن ابن مسعود رق له,
قال: أخبرني عن الأوّاه, قال: الرحيم.




حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
سفيان, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم, عن البطين, عن أبي العبيدين, قال: سألت عبد الله
عن الأوّاه, فقال: هو الرحيم.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن الحكم, عن يحيى بن الجزار,
قال: جاء أبو العبيدين إلى عبد الله, فقال له ما حاجتك؟ قال: ما الأوّاه؟ قال:
الرحيم.




قال: حدثنا ابن إدريس, عن الأعمش, عن الحكم, عن يحيى بن الجزار, أبي
العبيدين رجل من بني سوأة, قال: جاء رجل إلى عبد الله فسأله عن الأوّاه, فقال: له
عبد الله: الرحيم.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي وهانىء بن سعيد, عن حجاج, عن الحكم,
عن يحيى بن الجزار, عن أبي العبيدين, عن عبد الله, قال: الأوّاه: الرحيم.




حدثني يعقوب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علية, عن شعبة, عن الحكم, عن يحيى
بن الجزارأن أبا العبيدين رجل من بين نمير قال: يعقوب كان ضرير البصر وقال ابن
وكيع: كان مكفوف البصر سأل ابن مسعود فقال: ما الأوّاه؟ قال: الرحيم.




13566ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن زكريا, عن أبي إسحاق, عن
أبي ميسرة, قال: الأوّاه: الرحيم.




قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي ميسرة, مثله.




حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي ميسرة,
مثله.




13567ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن بشر, عن سعيد, عن قتادة, عن
الحسن, قال: هو الرحيم.




13568ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كنا
نحدّث أن الأواه: الرحيم.




حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: إن
إبْرَاهِيمَ لأوّاهٌ قال: رحيم.




حدثنا عبد الكريم الجزري, عن أبي عبيدة, عن ابن مسعود مثل ذلك.




حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن عبد الكريم, عن أبي
عبيدة, عن عبد الله, قال: الأوّاه: الرحيم.




حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان, عن سلمة, عن مسلم
البطين, عن أبي العبيدين, أنه سأل عبد الله عن الأوّاه, فقال الرحيم.




13569ـ قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن عمرو بن شرحبيل, قال: الأوّاه:
الرحيم.




حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا مبارك, عن الحسن, قال:
الأوّاه: الرحيم بعباد الله.




قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا أبو خيثمة زهير, قال: حدثنا أبو إسحاق
الهمداني, عن أبي ميسرة, عن عمرو بن شرحبيل, قال: الأوّاه: الرحيم بلحن الحبشة.




وقال آخرون: بل هو الموقن. ذكر من قال ذلك:




13570ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي,
عن سفيان, عن قابوس, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: الأوّاه: الموقن.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن ابن مبارك, عن خالد, عن عكرمة,
عن ابن عباس قال: الأوّاه: الموقن بلسان الحبشة.




قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن حسن, عن مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس,
قال: الأوّاه: الموقن بلسان الحبشة.




13571ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: سمعت سفيان, يقول:
الأوّاه: الموقن وقال بعضهم: الفقيه الموقن.




13572ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفيان, عن جابر, عن
عطاء, قال: الأوّاه: الموقن بلسان الحبشة.




13573ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن رجل, عن عكرمة,
قال: هو الموقن بلسان الحبشة.




13574ـ قال: حدثنا ابن نمير, عن الثوري, عن مجالد, عن أبي هاشم, عن مجاهد,
قال: الأوّاه: الموقن.




حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن
مسلم, عن مجاهد, قال: الأوّاه: الموقن.




قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قابوس, عن أبي ظبيان, عن ابن
عباس, قال: الأوّاه: الموقن.




حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد: «أوّاه»: موقن.




13575ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد: أوّاه, قال: مُوءْتمن موقن.




حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, يقول: أخبرنا عبيد بن
سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إنّ إبْرَاهِيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ قال:
الأوّاه: الموقن.




وقال آخرون: هي كلمة بالحبشية معناها: المؤمن. ذكر من قال ذلك:




13576ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن
أبيه, عن ابن عباس: لأَوّاهٌ حَلِيمٌ قال: الأوّاه: هو المؤمن بالحبشية.




حدثنا عليّ بن داود, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن
عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّ إبْرَاهِيمَ لأَوّاهٌ يعني: المؤمن التوّاب.




حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا حسن بن صالح, عن مسلم, عن
مجاهد, عن عباس, قال: الأوّاه: المؤمن.




13577ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج:
الأوّاه: المؤمن بالحبشية.




وقال آخرون: هو المسبّح الكثير الذكر لله. ذكر من قال ذلك:




13578ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن سالم, عن
سعيد, قال: الأوّاه: المسبّح.




13579ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي, عن حجاج, عن الحكم, عن الحسن
بن مسلم بن يناق, أن رجلاً كان يكثر ذكر الله ويسبح, فذكر ذلك للنبيّ صلى الله
عليه وسلم, فقال: «إنّهُ أوّاهٌ».




13580ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يزيد بن حيان, عن ابن لهيعة, عن الحرث
بن يزيد, عن عليّ بن رباح عن عقبة بن عامر, قال: الأوّاه: الكثير الذكر لله.




وقال آخرون: هو الذي يكثر تلاوة القرآن. ذكر من قال ذلك:




13581ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, قال: حدثنا المنهال بن خليفة,
عن حجاج بن أرطأة, عن عطاء عن ابن عباس: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دفن ميتا,
فقال: «يَرْحَمُكَ اللّهُ إنْ كُنْتَ لأَوّاها» يعني: تلاّءً للقرآن.




وقال آخرون: هو من التأوّه. ذكر من قال ذلك:




13582ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن
أبي يونس القشيري, عن قاصّ كان بمكة: أن رجلاً كان في الطواف, فجعل يقول: أوّه
قال: فشكاه أبو ذرّ للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «دَعْهُ إنّهُ أوّاهٌ».




13583ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي,
عن شعبة, عن أبي يونس الباهلي, قال: سمعت رجلاً بمكة كان أصله روميّا يحدّث عن أبي
ذرّ, قال: كان رجل يطوف بالبيت ويقول في دعائه: أوّه أوّه فذكر للنبي صلى الله
عليه وسلم فقال: «إنّهُ أوّاهٌ». زاد أبو كريب في حديثه, قال فخرجت ذات ليلة فإذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلاً ومعه المصباح.




13584ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن الحباب, عن جعفر بن سليمان, قال:
حدثنا عمران, عن عبيد الله بن رباح, عن كعب, قال: الأوّاه: إذا ذكر النار قال:
أوّه




حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا عبد العزيز, عن عبد الصمد القمى, عن أبي عمران
الجوني, عن عبد الله بن رباح, عن كعب, قال: كان إذا ذكر النار قال: أوّاه.




حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن جعفر بن سليمان, قال: أخبرنا أبو
عمران, قال سمعت عبد الله بن رباح الأنصاري يقول: سمعت كعبا يقول: إن إبْراهِيمَ
لأوّاهُ قال: إذا ذكر النار قال: أوّه من النار.




وقال آخرون: معناه أنه فقيه. ذكر من قال ذلك:




13585ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن
مجاهد: إنّ إبْرَاهِيمَ لأَوّاهٌ قال: فقيه:




وقال آخرون: هو المتضرّع الخاشع. ذكر من قال ذلك:




13586ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحجاج بن المنهال, قال: حدثنا عبد الحميد
بن بهرام, قال: حدثنا شهر بن حوشب, عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد, قال: بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس, قال رجل: يا رسول الله ما الأوّاه؟ قال:
«المتضرّع». قالَ: «إنّ إبْرَاهِيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ».




حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء, عن عبد
الحميد, عن شهر, عن عبد الله بن شداد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«الأوّاه: الخاشِعُ المُتَضَرّعُ».




وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القول الذي قاله عبد الله بن مسعود الذي
رواه عنه زرّ أنه الدّعّاء.




وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لأن الله ذكر ذلك ووصف به إبراهيم خليله
صلوات الله عليه بعد وصفه إياه بالدعاء والاستغفار لأبيه, فقال: وَما كانَ
اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إيّاهُ فَلَمّا
تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدْوّ للّهِ تَبَرأَ مِنْهُ وترك الدعاء والاستغفار له, ثم
قال: أن إبراهيم لدّعاء لربه شاكٍ له حليم عمن سبه وناله بالمكروه وذلك أنه صلوات
الله عليه وعد أباه بالاستغفار له, ودعاء الله له بالمغفرة عند وعيد أبيه إياه,
وتهدده له بالشتم بعد ما ردّ عليه نصيحته في الله, وقوله: أرَاغِبٌ أنْتَ عَنْ
آلِهَتِي يا إبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمّنَكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّا
فقال له صلوات الله عليه: سَلامٌ عَلَيْكَ سأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبي إنّهُ كانَ بِي
حَفِيّا وأعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وأدْعُو رَبّي عَسَى أنْ
لا أكُونَ بِدُعاءِ رَبّي شَقِيّا فوفى لأبيه بالاستغفار له حتى تبين له أنه عدوّ
لله, فوصفه الله بأنه دعاء لربه حليم عمن سفه عليه. وأصله من التأوّه وهو التضرّع
والمسألة بالحزن والإشفاق, كما روى عبد الله بن شدّاد عن النبي صلى الله عليه
وسلم, وكما روى عقبة بن عامر الخبر الذي:




13587ـ حدثنيه يحيى بن عثمان بن صالح السهمي, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا
ابن لهيعة, قال: ثني الحرث بن يزيد, عن عليّ بن رباح, عن عقبة بن عامر: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين: إنه أوّاه وذلك أنه رجل
كان يكثر ذكر الله بالقرآن والدعاء ويرفع صوته.




ولذلك قيل للمتوجع من ألم أو مرض: لم تتأوّه؟ كما قال المثقب العبدي:



إذَا ما قُمْتُ أرْحَلُها بِلَيْلٍتَأَوّهُ
آهَةَ الرّجُلِ الحَزِينِ




ومنه قول الجعدي:



ضَرُوحٌ مَرُوحٌ تَتْبَعُ الوُرْقَ
بَعْدَمايَعَرّسْنَ تَشْكُو آهَةً وَتَذَمّرَا




ولا تكاد العرب تنطق منه بفعل يفعل, وإنما تقول فيه: تفعل يتفعل, مثل تأوّه
يتأوّه, وأوّه يؤوّه, كما قال الراجز:



()(فأوّاهَ الرّاعِي وضَوْضَى أكْلُبُهْ
)




وقالوا أيضا: أوّه منك ذكر الفراء أن أبا الجراح أنشده:



فِأَوّهْ مِنَ الذّكْرَى إذَا ما ذَكَرْتُهاوَمِنْ
بُعْدِ أرْضٍ بَيْنَنا وسمَاءِ




قال: وربما أنشدنا: «فأوّ من الذكرى» بغير هاء. ولو جاء فعل منه على الأصل
لكان آه يؤه أوْها. ولأن معنى ذلك: توجع وتحزن وتضرّع, اختلف أهل التأويل فيه
الاختلاف الذي ذكرت, فقال ما قال: معناه الرحمة, إن ذلك كان من إبراهيم على وجه
الرقة على أبيه والرحمة له ولغيره من الناس.




وقال آخرون: إنما كان ذلك منه لصحة يقينه وحسن معرفته بعظمة الله وتواضعه
له.




وقال آخرون: كان لصحة إيمانه بربه.




وقال آخرون: كان ذلك منه عند تلاوته تنزيل الله الذي أنزل عليه.




وقال آخرون: كان ذلك منه عند ذكر به.




وكلّ ذلك عائد إلى ما قلت, وتقارب معنى بعض ذلك من بعض لأن الحزين المتضرّع
إلى ربه الخاشع له بقلبه, ينوبه ذلك عند مسألته ربه ودعائه إياه في حاجاته,
وتعتوره هذه الخلال التي وجه المفسرون إليها تأويل قول الله: أنّ إبْرَاهِيمَ
لأوّاهٌ حَلِيمٌ.



الآية : 115


القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلّ قَوْماً
بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّىَ يُبَيّنَ لَهُم مّا يَتّقُونَ إِنّ اللّهَ بِكُلّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ }.




يقول تعالى ذكره: وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين
بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله, حتى يتقدم إليكم بالنهي
عنه فتتركوا الانتهاء عنه فأما قبل أن يبين لكم كراهية ذلك بالنهي عنه ثم تتعدوا
نهيه إلى ما نهاكم عنه, فإنه لا يحكم عليكم بالضلال, لأن الطاعة والمعصية إنما
يكونان من المأمور والمنهى, فأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعا أو عاصيا
فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه. إنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ يقول تعالى ذكره:
إن الله ذو علم بما خالط أنفسكم عند نهي الله إياكم عن الاستغفار لموتاكم المشركين
من الجزع على ما سلف منكم من الاستغفار لهم قبل تقدمه إليكم بالنهي عنه وبغير ذلك
من سرائر أموركم وأمور عباده وظواهرها, فبين لكم حلمه في ذلك عليكم ليضع عنكم ثقل
الوجد بذلك.




وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:




13588ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد: لِيُضِلّ قَوْما بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حتى يُبَيّنَ لَهُمْ ما
يَتّقُونَ قال: بيان الله للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة, وفي بيانه طاعته
ومعصيته, فافعلوا أو ذروا.




حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد: وَما كانَ اللّهُ لِيُضِلّ قَوْما بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حتى يُبَيّنَ
لَهُمْ ما يَتّقُونَ قال: بيان الله للمؤمنين أن لا يستغفروا للمشركين خاصة, وفي
بيانه طاعته ومعصيته عامة, فافعلوا أو ذروا.




قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد, نحوه.




حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد,
قوله: وَما كانَ اللّهُ لِيُضِلّ قَوْما بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حتى يُبَيّنَ لَهُمْ
ما يَتّقُونَ قال: يبين الله للمؤمنين في أن لا يستغفروا للمشركين في بيانه في طاعته
وفي معصيته, فافعلوا أو ذروا.



الآية : 116


القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ
وَالأرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ
نَصِيرٍ }.




يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الناس له سلطان السماوات والأرض وملكهما,
وكلّ من دونه من الملوك فعبيده ومماليكه, بيده حياتهم وموتهم, يحيي من يشاء منهم
ويميت من يشاء منهم, فلا تجزعوا أيها المؤمنون من قتال من كفر بي من الملوك, ملوك
الروم كانوا أو ملوك فارس والحبشة أو غيرهم, واغزوهم وجاهدوهم في طاعتي, فأني
المعزّ من أشاء منهم ومنكم والمذلّ من أشاء. وهذا حضّ من الله جلّ ثناؤه المؤمنين
على قتال كل من كفر به من المماليك, وإغراء منه لهم بحربهم.




وقوله: وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِيّ وَلا نَصِير يقول: وما
لكم من أحد هو لكم حليف من دون الله يظاهركم عليه إن أنتم خالفتم أمر الله فعاقبكم
على خلافكم أمره يستنقذكم من عقابه, ولا نصير ينصركم منه إن أراد بكم سوءا. يقول:
فبالله فثقوا, وإياه فارهبوا, وجاهدوا في سبيله من كفر به, فإنه قد اشترى منكم
أنفسكم وأموالكم بأن لكم الجنة, تقاتلون في سبيله فتَقْتُلُونَ وَتُقْتَلُونَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة التوبة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة التوبة   تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty13/12/2011, 9:28 pm

الآية : 117


القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ الله عَلَىَ النّبِيّ
وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن
بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنّهُ
بِهِمْ رَءُوفٌ رّحِيمٌ }.




يقول تعالى ذكره: لقد رزق الله الإنابة إلى أمره وطاعته نبيه محمدا صلى
الله عليه وسلم, والمهاجرين ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام, وأنصار رسوله في
الله, الذين اتبعوا رسول الله في ساعة العسرة منهم من النفقة والظهر والزاد والماء
مِنْ بعدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِنْهُمُ يقول: من بعد ما كاد يميل قلوب
بعضهم عن الحقّ ويشكّ في دينه ويرتاب بالذي ناله من المشقة والشدّة في سفره وغزوه.
ثُمّ تابَ عَلَيْهِمْ يقول: ثم رزقهم جلّ ثناؤه الإنابة والرجوع إلى الثبات على
دينه وإبصار الحقّ الذي كان قد كاد يلتبس عليهم. إنّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
يقول: إن ربكم بالذين خالط قلوبهم ذلك لما نالهم في سفرهم من الشدّة والمشقة,
رَءُوفٌ بهم, رَحِيمٌ أن يهلكهم, فينزع منهم الإيمان بعد ما قد أبلوا في الله ما
أبلو مع رسوله وصبروا عليه من البأساء والضرّاء.




وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:




13589ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي
نجيح, عن مجاهد: فِي ساعَةِ العُسْرَةِ في غزوة تبوك.




13590ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن عبد
الله بن محمد بن عقيل: فِي ساعَةِ العُسْرَةِ قال: خرجوا في غزوة تبوك الرجلان
والثلاثة على بعير, وخرجوا في حرّ شديد, وأصابهم يومئذ عطش شديد, فجعلوا ينحرون
إبلهم فيعصرون أكراشها ويشربون ماءها, كان ذلك عسرة من الماء وعسرة من الظهر وعسرة
من النفقة.




13591ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن
مجاهد: ساعَةِ العُسْرَةِ قال: غزوة تبوك, قال: «العسرة»: أصابهم جهد شديد حتى أن
الرجلين ليشقان التمرة بينهما وإنهم ليمصون التمرة الواحدة ويشربون عليها الماء.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد: الّذِينَ اتّبَعُوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ قال: غزوة تبوك.




13592ـ قال: حدثنا زكريا بن عليّ, عن ابن مبارك, عن معمر, عن عبد الله بن
محمد بن عقيل, عن جابر: الّذِينَ اتّبَعُوهِ فِي ساعَةِ العُسْرَةِ قال: عسرة
الظهر, وعسرة الزاد, وعسرة الماء.




13593ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله:
لَقَدْ تابَ اللّهُ على النّبِيّ والمُهاجِرَينِ والأنْصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهِ
فِي ساعَةِ العُسْرَةِ... الآية, الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزو تبوك قِبَلَ الشأم في لهبان الحرّ على ما يعلم الله من الجهد أصابهم فيها جهد
شديد, حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما, وكان النفر يتناولون
التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها, فتاب الله
عليهم وأقفلهم من غزوهم.




13594ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني عمرو بن الحرث, عن
سعيد بن أبي هلال, عن عتبة بن أبي عتبة, عن نافع بن جبير بن مطعم, عن عبد الله بن
عباس: أنه قيل لعمر بن الخطاب رحمة الله عليه في شأن العسرة, فقال عمر: خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد, فنزلنا منزلاً أصابنا فيه
عطش, حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع, حتى أن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع جتى
يظنّ أن رقبته ستنقطع, حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي
على كبده فقال أبو بكر: يا رسول الله إن الله قد عوّدك في الدعاء خيرا, فادع لنا
قال: «تُحِبّ ذلكَ؟» قال: نعم. فرفع يديه فلم يرجعهما حتى مالت السماء, فأظلت ثم
سكبت, فملئوا ما معهم, ثم رجعنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.




حدثني إسحاق بن زيادة العطار, قال: حدثنا يعقوب بن محمد, قال: حدثنا عبد
الله بن وهب, قال: حدثنا عمرو بن الحرث, عن سعيد بن أبي هلال, عن نافع بن جبير, عن
ابن عباس, قال: قيل لعمر بن الخطاب رحمة الله عليه: حدثنا عن شأن جيش العسرة, فقال
عمر: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر نحوه.



الآية : 118


القول في تأويل قوله تعالى: {وَعَلَى الثّلاَثَةِ الّذِينَ خُلّفُواْ
حَتّىَ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ
أَنفُسُهُمْ وَظَنّوَاْ أَن لاّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ ثُمّ تَابَ
عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ }.




يقول تعالى ذكره: لقد تاب الله على النبيّ والمهاجرين والأنصار وعلى
الثلاثة الذين خلفوا. وهؤلاء الثلاثة الذين وصفهم الله في هذه الآية بما وصفهم به
فيما قبل, هم الاَخرون الذين قال جلّ ثناؤه: وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللّهِ
إمّا يُعَذّبَهُمْ وإمّا يَتُوبُ عَلَيْهمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فتاب عليهم
عزّ ذكره وتفضل عليهم. وقد مضى ذكر من قال ذلك من أهل التأويل بما أغنى عن إعادته
في هذا الموضع. فتأويل الكلام إذًا: ولقد تاب الله على الثلاثة الذين خلّفهم الله
عن التوبة, فأرجأهم عمن تاب عليه ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما:




13595ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر,
عمن سمع عكرمة, في قوله: وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا قال: خلفوا عن
التوبة.




13596ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, أما قوله:
خُلّفُوا فخلّفوا عن التوبة.




حتى إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ يقول: بسعتها غمّا
وندما على تخلفهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَضَاقَتْ
عَلَيْهِمْ أنْفُسُهُمْ بما نالهم من الوجد والكرب بذلك. وَظَنّوا أنْ لا مَلْجَأَ
يقول: وأيقنوا بقلوبهم أن لا شيء لهم يلجئون إليه مما نزل بهم من أمر الله من
البلاء بتخلفهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينجيهم من كربه, ولا مما يحذرون
من عذاب الله إلا الله. ثم رزقهم الإنابة إلى طاعته, والرجوع إلى ما يرضيه عنهم,
لينيبوا إليه ويرجعوا إلى طاعته والانتهاء إلى أمره ونهيه. أنّ اللّهَ هُوَ
التّوّابُ الرّحيمُ يقول: إن الله هو الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته الموفق من
أحبّ توفيقه منهم لما يرضيه عنه, الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد التوبة, أو يخذل من
أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوب عليه.




وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:




13597ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي سفيان,
عن جابر, في قوله: وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا: قال: كعب بن مالك, وهلال
بن أمية, ومرارة بن ربيعة, وكلهم من الأنصار.




حدثني عبيد بن الورّاق, قال: حدثنا أبو أسامة, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن
جابر بنحوه, إلا أنه قال: ومرارة بن الربيع, أو ابن ربيعة, شكّ أبو أسامة.




13598ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن عكرمة
وعامر: وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا قال: أُرجئوا في أوسط براءة.




13599ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن
مجاهد: الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا قال: الذين أرجئوا في أوسط براءة, قوله:
وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْر اللّهِ هلال بن أمية, ومرارة بن ربيعة, وكعب بن مالك.




حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد: وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا الذين أرجئوا في وسط براءة.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن أبيه, عن ليث, عن مجاهد: وَعَلى
الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا قال: كلهم من الأنصار: هلال بن أمية, ومرارة بن
ربيعة, وكعب بن مالك.




قال: حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَعَلى
الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا قال: الذين أرجئوا.




13600ـ قال: حدثنا جرير, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: الثّلاثَةِ
الّذِينَ خُلّفُوا: كعب بن مالك وكان شاعرا, ومرارة بن الربيع, وهلال بن أمية,
وكلهم أنصار.




13601ـ قال: حدثنا أبو خالد الأحمر والمحاربي, عن جويبر, عن الضحاك, قال:
كلهم من الأنصار: هلال بن أمية, ومرارة بن الربيع, وكعب بن مالك.




13602ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هاشم, عن جويبر,
عن الضحاك, قوله: وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا قال: هلال بن أمية, وكعب بن
مالك, ومرارة بن الربيع كلهم من الأنصار.




13603ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله:
وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا... إلى قوله: ثُمّ تابَ عَلَيْهِمْ
لِيَتُوبُوا, إنّ اللّهَ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ كعب بن مالك, وهلال بن أمية,
ومرارة بن ربيعة تخلفوا في غزوة تبوك. ذكر لنا أن كعب بن مالك أوثق نفسه إلى
سارية, فقال: لا أطلقها أو لا أطلق نفسي حتى يطلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله: «واللّهِ لا أُطْلِقُهُ حتى يُطْلِقَهُ رَبّهُ إنْ شاءَ». وأما
الاَخر فكان تخلف على حائط له كان أدرك, فجعله صدقة في سبيل الله, وقال: والله لا
أطعمه وأما الاَخر فركب المفاوز يتبع رسول الله ترفعه أرض وتضعه أخرى, وقدماه
تشلشلان دما.




13604ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن السديّ, عن
أبي مالك, قال: الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا: هلال بن أمية, وكعب بن مالك, ومرارة
بن ربيعة.




13605ـ قال: حدثنا أبو داود الحفري, عن سلام أبي الأحوص, عن سعيد بن مسروق,
عن عكرمة: وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا قال: هلال بن أمية, ومرارة, وكعب
بن مالك.




13606ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا ابن عون, عن عمر بن
كثير بن أفلح, قال: قال كعب بن مالك: ما كنت في غزاة أيسر للظهر والنفقة مني في
تلك الغزاة. قال كعب بن مالك: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أتجهز
غدا ثم ألحقه فأخذت في جهازي, فأمسيت ولم أفرغ فلما كان اليوم الثالث أخذت في
جهازي, فأمسيت ولم أفرغ, فقلت: هيهات, سار الناس ثلاثا فأقمت. فلما قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم جعل الناس يعتذرون إليه, فجئت حتى قمت بين يديه فقلت: ما كنت
في غزاة أيسر للظهر والنفقة مني في هذه الغزاة. فأعرض عني رسول الله صلى الله عليه
وسلم, فأمر الناس أن لايكلمونا, وأمرت نساؤنا أن يتحوّلن عنا. قال: فتسوّرت حائطا
ذات يوم فإذا أنا بجابر بن عبد الله, فقلت: أي جابر, نشدتك بالله هل علمتني غششت
الله ورسوله يوما قطّ؟ فسكت عني, فجعل لا يكلمني. فبينا أنا ذات يوم, إذ سمعت
رجلاً على الثنيّةِ يقول: كعب كعب حتى دنا مني, فقال: بشّروا كعبا.




13607ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني يونس, عن ابن شهاب
قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وهو يريد الروم ونصارى العرب
بالشام, حتى إذا بلغ تبوك أقام بها بضع عشرة ليلة ولقيه بها وفد أذرح ووفد أيلة,
صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية. ثم قفل رسول الله صلى الله عليه
وسلم من تبوك ولم يجاوزها, وأنزل الله: لَقَدْ تابَ اللّهُ على النّبِيّ
والمُهاجِرِينَ والأنْصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي ساعَةِ العُسْرَةِ... الآية,
والثلاثة الذين خلفوا: رهط منهم: كعب بن مالك وهو أحد بني سلمة, ومرارة بن ربيعة
وهو أحد بني عمرو بن عوف, وهلال بن أمية وهو من بني واقف. وكانوا تخلفوا عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة في بضعة وثمانين رجلاً فلما رجع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, صدَقه أولئك حديثهم واعترفوا بذنوبهم, وكذب
سائرهم, فحلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حبسهم إلا العذر, فقبل منهم رسول
الله وبايعهم, ووكلهم في سرائرهم إلى الله. ونُهي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
عن كلام الذين خلفوا, وقال لهم حين حدّثوه حديثهم واعترفوا بذنوبهم: «قَدْ
صَدَقْتُمْ فَقُومُوا حتى يَقْضِيَ اللّهُ فِيكُمْ» فلما أنزل الله القرآن تاب على
الثلاثة, وقال للاَخرين: سَيَحْلِفُونَ باللّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ
إلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ... حتى بلغ: لا يَرْضَى عَنِ القَوْمِ
الفاسِقِينَ. قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد
الله بن كعب بن مالك, وكان قائد كعب من بنيه حين عمي, قال: سمعت كعب بن مالك يحدّث
حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, قال كعب: لم أتخلف
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قطّ إلا في غزوة تبوك, غير أني قد
تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم والمسلمون يريدون عير قريش, حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد.
ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام,
وما أحبّ أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. فكان من خبري حين
تخلفت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر
مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة, والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتى جمعتهما في
تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد, واستقبل سفرا بعيدا
ومفاوز, واستقبل عدوّا كثيرا, فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم, فأخبرهم
بوجهه الذي يريد, والمسلمون مع النبيّ صلى الله عليه وسلم كثير, ولا يجمعهم كتاب
حافظ يريد بذلك الديوان قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا يظنّ أن ذلك سيخفى ما
لم ينزل فيه وحي من الله. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت
الثمار والظلال, وأنا إليهما أصعر. فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون
معه, وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم, فلم أقض من جهازي شيئا, ثم غدوت فرجعت ولم أقض
شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى حتى أسرعوا وتفارط الغزو, وهممت أن أرتحل فأدركهم, فيا
ليتني فعلت, فلم يقدرّ ذلك لي, فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج النبيّ صلى الله
عليه وسلم يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلاً مغموصا عليه في النفاق أو رجلاً
ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك,
فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مالكٍ؟» فقال رجل من بني
سلمة: يا رسول الله حبسه بُرْداه والنظر في عطفيه. فسكت رسول الله صلى الله عليه
وسلم. فبينا هو على ذلك رأى رجلاً مبيضا يزول به السراب, فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «كُنْ أبا خَيْثَمَةَ» فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري, وهو الذي تصدّق
بصاع التمر, فلمزه المنافقون. قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرني همي, فطفقت أتذكر الكذب وأقول بم أخرج من سخطه
غدا؟ وأستعين على ذلك بكلّ ذي رأي من أهلي. فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد أظلّ قادما زاح عني الباطل, حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدا, فأجمعت
صدقه. وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما, وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد
فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون, فطفقوا يعتذرون إليه
ويحلفون له, وكانوا بضعة وثمانين رجلاً, فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم, ووكل سرائرهم إلى الله حتى جئت, فلما سلمت تبسمّ
تبسمّ المغضب, ثم قال: «تَعَالَ» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه, فقال لي: «ما
خَلّفَكَ, ألَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟» قال: قلت يا رسول الله إني
والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر لقد أُعطيت
جدلاً, ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكنّ الله
أن يسخطك عليّ, ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه إني لأرجو فيه عفو الله والله
ما كان لي عذر, والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «أمّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ, قُمْ حتى يَقْضِيَ اللّهُ فِيكَ»
فقمت, وثار رجال من بني سلمة, فاتبعوني وقالوا: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل
هذا, لقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به
المتخلفون, فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. قال:
فوالله ما زالوا يؤنبونني, حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأكذّب نفسي. قال: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم لقيه معك رجلان
قالا مثل ما قلت وقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت من هما؟ قالوا: مرارة بن
الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا
لي فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه, قال: فاجتنبنا الناس وتغيروا
لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف, فلبثنا على ذلك خمسين
ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان, وأما أنا فكنت أشبّ القوم
وأجْلَدَهُم, فكنت أخرج وأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد, وآتي رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة, فأقول في نفسي هل
حرّك شفتيه بردّ السلام أم لا؟ ثم أصلي معه وأسارقه النظر, فإذا أقبلت على صلاتي
نظر إليّ وإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين, مشيت
حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحبّ الناس إليّ, فسلمت عليه, فوالله
ما ر دّ عليّ السلام, فقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلم أني أحبّ الله
ورسوله؟ فسكت, قال: فعدت فناشدته فسكت, فعدت فنا شدته فقال: الله ورسوله أعلم
ففاضت عيناي, وتوليت حتى تسورت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة, إذا بنبطي
من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة, يقول: من يدلّ على كعب بن مالك؟
قال: فطفق الناس يشيرون له حتى جاءني, فدفع إليّ كتابا من ملك غسان, وكنت كاتبا,
فقرأته فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك, ولم يجعلك الله بدار
هوان ولا مضيعة, فالحق بنا نواسك قال: فقلت حين قرأته: وهذا أيضا من البلاء.
فتأممت به التنّور فسجرته به. حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي إذا
رسول رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك, قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها
فلا تقربها قال: وأرسل إلى صاحبيّ بذلك, قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك تكوني
عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر قال: فجاءت امرأة هلال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم, فهل تكره أن
أخدمه؟ فقال: «لا, وَلَكِنْ لا يَقْرُبَنّكِ» قالت: فقلت: إنه والله ما به حركة
إلى شيء, ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يوم هذا قال: فقال لي بعض
أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال أن
تخدمه قال: فقلت لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما يدريني ماذا
يقول لي إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب. فلبثت بعد ذلك عشر ليال, فكمل لنا خمسون
ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا. قال: ثم صليت صلاة الفجر
صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا, فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله
عنا قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت, سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع
يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر قال: فخررت ساجدا, وعرفت أن قد جاء فرج.
قال: وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر,
فذهب الناس يبشروننا, فذهب قِبَل صاحبي مبشرون, وركض رجل إليّ فرسا, وسعى ساع من
أسلم قبلي وأوفى الجبل, وكان الصوت أسرع من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته
يبشرني نزعت له ثوبيّ, فكسوتهما إياه ببشارته, والله ما أملك غيرهما يومئذ, واستعرت
ثوبين فلبستهما. وانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتلقاني الناس فوجا
فوجا يهنئوني بالتوبة, ويقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد, فإذا رسول
الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس, فقام إليّ طلحة بن عبيد الله
يهرول حتى صافحني وهنأني, والله ما قام رجل من المهاجرين غيره قال: فكان كعب لا
ينساها لطلحة قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق
وجهه من السرور: «أبْشرْ بِخَيْرِ يَوْمّ مَرّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدتْكَ أُمّكَ»
فقلت: أمن عندك يا رسول الله, أم من عند الله؟ قال: «لا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللّهِ».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرّ استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر,
وكنا نعرف ذلك منه. قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن
أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أمْسِكْ بَعْضَ مالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي
بخيبر. وقلت: يا رسول الله إن الله إنما أنجاني بالصدق, وإن من توبتي أن لا أحدّث
إلا صدقا ما بقيت قال: فوالله ما علمت أحدا من المسلمين ابتلاه الله في صدق الحديث
منذ ذكرت ذلك لرسول الله عليه الصلاة والسلام أحسن مما ابتلاني, والله ما تعمدت
كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا, وإني أرجو أن
يحفظني الله فيما بقى. قال: فأنزل الله: لَقَدْ تابَ اللّهُ على النّبِيّ... حتى
بلغ: وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا.... إلى: اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مَعَ
الصّادِقِينَ قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ بعد أن هداني للإسلام
أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما
هلك الذين كذبوه, فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد:
سَيَحْلِفُونَ باللّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ
فَأعْرِضُوا عَنْهُمْ أنّهُمْ رِجْسٌ وَمأْوَاهُمْ جَهَنّمُ جَزَاءً بِمَا كانُوا
يَكْسِبُونَ... إلى قوله: لا يَرْضَى عَنِ القَوْمِ الفاسِقِينَ قال كعب: خلفنا
أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قَبِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم توبتهم حين
حلفوا له, فبايعهم واستغفر لهم, وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى
الله فيه, فبذلك قال الله: وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا وليس الذي ذكر
الله مما خلفنا عن الغزو إنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر
إليه, فقبل منهم.




حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني الليث, عن عقيل, عن ابن شهاب,
قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك, أن عبد الله بن كعب بن مالك,
وكان قائد كعب من بنيه حين عمي, قال: سمعت كعب بن مالك يحدّث حديثه حين تخلف, عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, فذكر نحوه.




حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري, عن
عبد الرحمن بن كعب, عن أبيه, قال: لم أتخلف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزاة
غزاها إلا بدرا, ولم يعاتب النبيّ صلى الله عليه وسلم أحدا تخلف عن بدر, ثم ذكر
نحوه.




حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن ابن شهاب الزهري, عن
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري, ثم السلمي, عن أبيه. أن أباه عبد
الله بن كعب, وكان قائد أبيه كعب حين أصيب بصره, قال: سمعت أبي كعب بن مالك يحدّث
حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك, وحديث صاحبيه قال:
ما تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها, غير أني كنت تخلفت عنه
في غزوة بدر, ثم ذكر نحوه.



الآية : 119


القول في تأويل قوله تعالى: {يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ
اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصّادِقِينَ }.




يقول تعالى ذكره للمؤمنين معرّفهم سبيل النجاة من عقابه والخلاص من أليم
عذابه: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله, اتقوا الله وراقبوه بأداء فرائضه وتجنب
حدوده, وكونوا في الدنيا من أهل ولاية الله وطاعته, تكونوا في الاَخرة مع الصادقين
في الجنة. يعني مع من صدق الله الإيمان به فحقق قوله بفعله ولم يكن من أهل النفاق
فيه الذين يكذّب قيلهم فعلهم.




وإنما معنى الكلام: وكونوا مع الصادقين في الاَخرة باتقاء الله في الدنيا,
كما قال جلّ ثناؤه: وَمَنْ يُطِعِ اللّهِ وَالرّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الّذِينَ
أنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النّبِيّينَ والصّدّيقِينَ والشهَدَاءِ
وَالصّالِحِينَ.




وإنما قلنا ذلك معنى الكلام, لأن كون المنافق مع المؤمنين غير نافعه بأيّ
وجوه الكون كان معهم إن لم يكن عاملاً عملهم, وإذا عمل عملهم فهو منهم, وإذا كان
منهم كان لا وجه في الكلام أن يقال: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. ولتوجيه
الكلام إلى ما وجهنا من تأويله فسر ذلك من فسره من أهل التأويل بأن قال: معناه:
وكونوا مع أبي بكر وعمر, أو مع النبيّ صلى الله عليه وسلم والمهاجرين رحمة الله
عليهم. ذكر من قال ذلك أو غيره في تأويله:




13608ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن زيد بن أسلم, عن نافع, في قول
الله: اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ قال: مع النبيّ صلى الله عليه
وسلم وأصحابه.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حبويه أبو يزيد, عن يعقوب القمي, عن زيد بن
أسلم, عن نافع, قال: قيل للثلاثة الذين خلفوا: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا
اللّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ محمد وأصحابه.




13609ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل, عن عبد الرحمن المحاربي,
عن جويبر, عن الضحاك, في قوله: وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ قال: مع أبي بكر وعمر
وأصحابهما رحمة الله عليهم.




13610ـ قال: حدثنا محمد بن يحيى, قال: حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي, قال:
حدثنا خلف بن خليفة, عن أبي هاشم الرماني, عن سعيد بن جبير, في قول الله: اتّقُوا
اللّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ قال: مع أبي بكر وعمر رحمة الله عليهما.




13611ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج,
قوله: اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ قال: مع المهاجرين الصادقين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة التوبة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة التوبة   تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty13/12/2011, 9:29 pm

وكان ابن مسعود فيما ذكر
عنه يقرؤه: «وكُونُوا مِنَ الصّادِقِينَ» ويتأوّله أن ذلك نهي من الله عن الكذب.
ذكر الرواية عنه بذلك:




13612ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا آدم العسقلاني, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو
بن مرّة, قال: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود يقول: قال ابن مسعود: إن الكذب
لا يحلّ منه جدّ ولا هزل, اقرءوا إن شئتم: «يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا
اللّهَ وكُونُوا مِنَ الصّادِقِينَ» قال: وكذلك هي قراءة ابن مسعود: «من
الصادقين», فهل ترون في الكذب رخصة؟




قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن شعبة, عن عمرو بن
مرّة, قال: سمعت أبا عبيدة, عن عبد الله, نحوه.




قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرّة, قال: سمعت أبا
عبيدة يحدّث, عن عبد الله قال: الكذب لا يصلح منه جدّ ولا هزل, اقرءوا إن شئتم:
«يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مِنَ الصّادِقِينَ» وهي كذلك
في قراءة عبد الله, فهل ترون من رخصة في الكذب؟




13613ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن عبد
الله, قال: لا يصلح الكذب في هزل ولا جدّ, ثم تلا عبد الله: اتّقُوا اللّهَ
وكُونُوا ما أدري أقال «مِنَ الصّادِقِينَ» أو مَعَ الصّادِقِينَ وهو في كتابي:
مَعَ الصّادِقِينَ.




قال: حدثنا أبي, عن الأعمش, عن مجاهد, عن أبي معمر, عن عبد الله, مثله.




قال: حدثنا أبي, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن أبي عبيدة, عن عبد الله,
مثله.




والصحيح من التأويل في ذلك هو التأويل الذي ذكرناه عن نافع والضحاك, وذلك
أن رسوم المصاحف كلها مجمعة على: وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ, وهي القراءة التي لا
أستجيز لأحد القراءة بخلافها, وتأويل عبد الله رحمة الله عليه في ذلك على قراءته
تأويل صحيح غير, أن القراءة بخلافها.



الآية : 120


القول في تأويل قوله تعالى: {مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ
حَوْلَهُمْ مّنَ الأعْرَابِ أَن يَتَخَلّفُواْ عَن رّسُولِ اللّهِ وَلاَ
يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ
ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً
يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نّيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ
بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.




يقول تعالى ذكره: لم يكن لأهل المدينة, مدينة رسول الله صلى الله عليه
وسلم, ومن حولهم من الأعراب سكان البوادي, الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في غزوة تبوك, وهم من أهل الإيمان به أن يتخلفوا في أهاليهم ولا دارهم,
ولا أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه في صحبته في سفره والجهاد معه ومعاونته على ما
يعانيه في غزوه ذلك. يقول: إنه لم يكن لهم هذا بأنهم من أجل أنهم وبسبب أنهم لا
يصيبهم في سفرهم إذا كانوا معه ظمأ وهو العطش ولا نصب, يقول: ولا تعب, وَلا
مَخْمَصَة فِي سَبِيلِ اللّهِ يعني: ولا مجاعة في إقامة دين الله ونصرته, وهدم
منار الكفر. وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئا يعني أرضا, يقول: ولا يطئون أرضا يغيظ الكفار
وطؤهم إياها. وَلا يَنالُونَ منْ عَدُوّ نَيْلاً يقول ولا يصيبون من عدوّ الله
وعدوّهم شيئا في أموالهم وأنفسهم وأولادهم إلا كتب الله لهم بذلك كله ثواب عمل
صالح قد ارتضاه. إنّ اللّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ يقول: إن الله لا يدع
محسنا من خلقه أحسن في عمله فأطاعه فيما أمره وانتهى عما نهاه عنه, أن يجازيه على
إحسانه ويثيبه على صالح عمله فلذلك كتب لمن فعل ذلك من أهل المدينة ومن حولهم من
الأعراب ما ذكر في هذه الآية الثواب على كل ما فعل فلم يضيع له أجر فعله ذلك.




وقد اختلف أهل التأويل في حكم هذه الآية, فقال بعضهم: هي محكمة, وإنما كان
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة, لم يكن لأحد أن يتخلف إذا غزا خلافه
فيقعد عنه إلا من كان ذا عذر, فأما غيره من الأئمة والولاة فإن لمن شاء من
المؤمنين أن يتخلف خلافه إذا لم يكن بالمسلمين إليه ضرورة. ذكر من قال ذلك:




13614ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ما
كانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَن حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أنْ يَتَخَلّفُوا عَنْ
رَسُولِ اللّهِ ولا يَرْغَبُوا بأنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِه هذا إذا غزا نبيّ الله
بنفسه, فليس لأحد أن يتخلف. ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْلا
أنْ أشُقّ على أُمّتِي ما تَخَلّفْتُ خَلْفَ سَرِيّة تَغْزُو في سَبِيلِ اللّهِ,
لكِنّي لا أجِدُ سَعَةً فانْطَلِقْ بِهِمْ مَعِي, وَيَشُقّ عَليّ أو أكْرَهُ أنْ
أدَعَهُمْ بَعْدِي».




13615ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا الوليد بن مسلم, قال: سمعت الأوزاعي,
وعبد الله بن المبارك, والفزاري, والسبيعي, وابن جابر, وسعيد بن عبد العزيز يقولون
في هذه الآية: ما كانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَن حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أنْ
يَتَخَلّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ... إلى آخر الآية. إنها لأوّل هذه الأمة وآخرها
من المجاهدين في سبيل الله.




وقال آخرون: هذه الآية نزلت وفي أهل الإسلام قلة, فلما كثروا نسخها الله
وأباح التخلف لمن شاء, فقال: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً. ذكر من
قال ذلك:




13616ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ما
كانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَن حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أنْ يَتَخَلّفُوا عَنْ
رَسُولِ اللّهِ فقرأ حتى بلغ: ليَجْزِيَهُمُ اللّهُ أحْسَنَ ما كانُوا يعْمَلُونَ
قال: هذا حين كان الإسلام قليلاً, فلما كثر الإسلام بعد قال: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ
لِيَنْفِرُوا كافّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَة مِنْهُمْ طائِفَةٌ... إلى
آخر الآية.




والصواب من القول في ذلك عندي, أَن الله عني بها الذين وصفهم بقوله: وجاءَ
المُعَذّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ... الآية, ثم قال جلّ ثناؤه: ما
كان لأهل المدينة الذين تخلفوا عن رسول الله ولا لمن حولهم من الأعراب الذين قعدوا
عن الجهاد معه أن يتخلفوا خلافه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه. وذلك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان ندب في غزوته تلك كلّ من أطاق النهوض معه إلى الشخوص إلا
من أذن له أو أمره بالمقام بعده, فلم يكن لمن قدر على الشخوص التخلف, فعدّد جلّ
ثناؤه من تخلف منهم, فأظهر نفاق من كان تخلفه منهم نفاقا وعذر من كان تخلفه لعذر,
وتاب على من كان تخلفه تفريطا من غير شكّ ولا ارتياب في أمر الله إذ تاب من خطأ ما
كان منه من الفعل. فأما التخلف عنه في حال استغنائه فلم يكن محظورا إذا لم يكن عن
كراهته منه صلى الله عليه وسلم ذلك, وكذلك حكم المسلمين اليوم إزاء إمامهم, فليس
بفرض على جميعهم النهوض معه إلا في حال حاجته إليهم لما لا بدّ للإسلام وأهله من
حضورهم واجتماعهم واستنهاضه إياهم فيلزمهم حينئذ طاعته. وإذا كان ذلك معنى الآية
لم تكن إحدى الاَيتين اللتين ذكرنا ناسخة للأخرى, إذ لم تكن إحداهما نافية حكم
الأخرى من كلّ وجوهه, ولا جاء خبر يوجه الحجة بأن إحداهما ناسخة للأخرى.




وقد بيّنا معنى المخمصة وأنها المجاعة بشواهده, وذكرنا الرواية عمن قال ذلك
في موضع غير هذا, فأغني ذلك عن إعادته ههنا.




وأما النيل: فهو مصدر من قول القائل: نالني ينالني, ونلت الشيء: فهو منيل,
وذلك إذا كنت تناله بيدك, وليس من التناول, وذلك أن التناول من النوال, يقال منه:
نلت له أنول له من العطية. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: النيل مصدر من
قول القائل: نالني بخير ينولني نوالاً, وأنالني خيرا إنالة وقال: كأنّ النيل من
الواو أبدلت ياء لخفتها وثقل الواو. وليس ذلك بمعروف في كلام العرب, بل من شأن
العرب أن تصحح الواو من ذوات الواو إذا سكنت وانفتح ما قبلها, كقولهم: القَوْل,
والَعْول, والحَوْل, ولو جاز ما قال لجاز القَيْل.



الآية : 121


القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ
كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ
أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.




يقول تعالى ذكره: ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ, وسائر ما ذكر, ولا ينالون من
عدوّ نيلاً, ولا ينفقون نفقة صغيرة في سبيل الله, ولا يقطعون مع رسول الله في غزوه
واديا إلا كتب لهم أجر عملهم ذلك, جزاءً لهم عليه كأحسن ما يجزيهم على أحسن
أعمالهم التي كانوا يعملونها وهم مقيمون في منازلهم. كما:




13617ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلا
يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً... الآية, قال: ما ازداد قوم من
أهليهم في سبيل الله بعدا إلا ازدادوا من الله قربا.



الآية : 122


القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ
كَآفّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ
فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ
يَحْذَرُونَ }.




يقول تعالى ذكره: ولم يكن المؤمنون لينفروا جميعا. وقد بيّنا معنى الكافّة
بشواهده وأقوال أهل التأويل فيه, فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.




ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله بهذه الآية وما النفر الذي
كرهه لجميع المؤمنين, فقال بعضهم: هو نفر كان من قوم كانوا بالبادية بعثهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعلمون الناس الإسلام, فلما نزل قوله: ما كانَ لأَهْلِ
المَدِينَةِ وَمَن حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أنْ يَتَخَلّفُوا عَنْ رَسُولِ
اللّهِ انْصَرفوا عن البادية إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم خشية أن يكونوا ممن
تخلف عنه وممن عني بالآية. فأنزل الله في ذلك عذرهم بقوله: وَما كانَ
المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً وكره انصراف جميعهم من البادية إلى المدينة.
ذكر من قال ذلك:




13618ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً فَلَوْلا نَفَرَ
مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائفَةٌ قال: ناس مِن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
خرجوا في البوادي, فأصابوا من الناس معروفا ومن الخصب ما ينتفعون به, ودعوا من
وجدوا من الناس إلى الهدى, فقال الناس لهم: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم
وجئتمونا فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجا, وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على
النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال الله: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طائِفَةٌ يبتغون الخير, لِيَتَفَقّهُوا وليسمعوا ما في الناس, وما أنزل
الله بعدهم, وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ الناس كلهم, إذا رَجَعُوا إلَيْهِمْ
لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ.




حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد, مثله, إلا أنه قال في حديثه: فقال الله: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ خرج بعض وقعد بعض, يبتغون الخير.




قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد نحو حديثه, عن أبي حذيفة.




حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد
نحو حديث المثنى عن أبي حذيفة, غير أنه قال في حديثه: ما نراكم إلا قد تركتم
صاحبكم, وقال: ليَتَفَقّهُوا ليسمعوا ما في الناس.




وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان المؤمنون لينفروا جميعا إلى عدوّهم ويتركوا
نبيهم صلى الله عليه وسلم وحده. كما:




13619ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَما
كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً قال: ليذهبوا كلهم, فلولا نفر من كلّ حيّ
وقبيلة طائفة وتخلف طائفة ليتفقهوا في الدين, ليتفقه المتخلفون مع النبيّ صلى الله
عليه وسلم في الدين, ولينذر المتخلفون النافرين إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون. ذكر
من قال ذلك:




13620ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن
ابن عباس, قوله: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً يقول: ما كان
المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وحده. فَلَوْلا نَفَرَ
مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ يعني عصبة, يعني السرايا, ولا يتسروا إلا بإذنه,
فإذا رجعت السرايا, وقد نزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبيّ صلى الله عليه
وسلم, قالوا: إن الله قد أنزل على نبيكم بعدكم قرآنا وقد تعلمناه فيمكث السرايا
يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم ويبعث سرايا أخر, فذلك قوله: لِيَتَفَقّهُوا
فِي الدّينِ يقول: يتعلمون ما أنزل الله على نبيه, ويعلمونه السرايا إذا رجعت
إليهم لعلهم يحذرون.




13621ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما
كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً.... إلى قوله: لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ
قال: هذا إذا بعث نبيّ الله الجيوش أمرهم أن لا يعرّوا نبيه وتقيم طائفة مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم تتفقه في الدين, وتنطلق طائفة تدعو قومها وتحذّرهم وقائع
الله فيمن خلا قبلهم.




13622ـ حدثنا الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان, قال:
سمعت الضحاك يقول في قوله: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً... الآية,
كان نبيّ الله إذا غزا بنفسه لم يحلّ لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه إلا أهل
العذر, وكان إذا أقام فأسرت السرايا لم يحلّ لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه. فكان الرجل
إذا أسرى فنزل بعده قرآن تلاه نبيّ الله على أصحابه القاعدين معه, فإذا رجعت
السرية قال لهم الذي أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل بعدكم
على نبيه قرآنا فيقرءونهم, ويفقهونهم في الدين. وهو قوله: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ
لِيَنْفِرُوا كافّةً يقول: إذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فَلَوْلا
نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ يعني بذلك أنه لا ينبغي للمسلمين أن
ينفروا جميعا ونبيّ الله قاعد, ولكن إذا قعد نبيّ الله تسرّت السرايا وقعد معه
معظم الناس.




وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما هؤلاء الذين نفروا بمؤمنين, ولو كانوا مؤمنين
لم ينفر جميعهم ولكنهم منافقون, ولو كانوا صادقين أنهم مؤمنون لنفر بعض ليتفقه في
الدين ولينذر قومه إذا رجع إليهم. ذكر من قال ذلك:




13623ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن
عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً فإنها ليست
في الجهاد, ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين, أجدبت
بلادهم, وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد, ويعتلوا
بالإسلام وهم كاذبون, فضيقوا على أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم. وأنزل
الله يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا مؤمنين, فردّهم رسول الله إلىَ
عشائرهم, وحذّر قومهم أن يفعلوا فعلهم فذلك قوله: وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا
رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعلّهُمْ يَحْذَرُونَ.




وقد رُوي عن ابن عباس في ذلك قول ثالث, وهو ما:




13624ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن
أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً... إلى
قوله: لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ قال: كان ينطلق من كلّ حيّ من العرب عصابة فيأتون
النبيّ صلى الله عليه وسلم فيسألونه عما يريدونه من دينهم ويتفقهون في دينهم,
ويقولون لنبيّ الله: ما تأمرنا أن نفعله وأخبرنا ما نقول لعشائرنا إذا انطلقنا
إليهم قال فيأمرهم نبيّ الله بطاعة الله وطاعة رسوله, ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة
والزكاة. وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: إن من أسلم فهو مّنا وينذرونهم, حتى إن الرجل
ليعرّف أباه وأمه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرون قومهم, فإذا
رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة.




وقال آخرون: إنما هذا تكذيب من الله لمنافقين أزروا بأعراب المسلمين
وعزّروهم في تخلفهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم ممن قد عذره الله
بالتخلف. ذكر من قال ذلك:




13625ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن
سليمان الأحول, عن عكرمة قال: لما نزلت هذه الآية: ما كانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ
وَمَن حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أنْ يَتَخَلّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ... إلى:
إنّ اللّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنينَ قال ناس من المنافقين: هلك من تخلف
فنزلت: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً... إلى: لَعَلّهُمْ
يَحْذَرُونَ, ونزلت: وَالّذِينَ يُحاجّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ
لَهُ حُجّتُهُمْ دَاحِضَةٌ... الآية.




حدثنا المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن
عيينة, قال: حدثنا سليمان الأحول عن عكرمة, قال: سمعته يقول: لما نزلت: إلاّ
تَنْفِرُوا يُعَذّبْكُمْ عَذَابا ألِيما وَما كانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَن
حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ... إلى قوله: لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أحْسَنَ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ قال المنافقون: هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه
وقد كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم
يفقهونهم, فأنزل الله: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً فَلَوْلا
نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ... إلى قوله: لَعَلّهُمْ
يَحْذَرُونَ, ونزلت: والّذِينَ يُحاجّونَ في اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ
لَهُ... الآية.




واختلف الذين قالوا عني بذلك النهي عن نفر الجميع في السرية وترك النبيّ
عليه الصلاة والسلام وحده في المعنيين بقوله: لِيَتَفَقّهُوا فِي الدّينَ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ فقال بعضهم: عني به الجماعة
المتخلفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالوا: معنى الكلام: فهلا نفر من كلّ
فرقة طائفة للجهاد ليتفقه المتخلفون في الدين ولينذروا قومهم الذين نفروا في
السرية إذا رجعوا إليهم من غزوهم وذلك قول قتادة, وقد ذكرنا رواية ذلك عنه من
رواية سعيد بن أبي عروبة. وقد:




13626ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن
قتادة: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقّهُوا فِي
الدّينِ... الآية, قال: ليتفقه الذين قعدوا مع نبي الله. وَليُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ
إذَا رَجَعُوا إلَيْهمْ يقول: لينذروا الذين خرجوا إذا رجعوا إليهم.




13627ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن
الحسن وقتادة: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً قالا: كافة, ويدعوا
النبيّ صلى الله عليه وسلم.




وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: لتتفقه الطائفة النافرة دون المتخلفة وتحذر
النافرةُ المتخلفةَ. ذكر من قال ذلك:




13628ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن
الحسن: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقّهُوا فِي
الدّينِ قال: ليتفقه الذين خرجوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين والنصرة,
وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.




وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: تأويله: وما كان المؤمنون
لينفروا جميعا ويتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده, وأن الله نهى بهذه الآية
المؤمنين به أن يخرجوا في غزو وجهاد وغير ذلك من أمورهم ويدعوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحيدا ولكن عليهم إذا سرى رسول الله سرية أن ينفر معها من كلّ قبيلة من
قبائل العرب وهي الفرقة. طائفة وذلك من الواحد إلى ما بلغ من العدد, كما قال الله
جلّ ثناؤه: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ يقول: فهلاّ نفر
من كلّ فرقة منهم طائفة وهذا إلى هاهنا على أحد الأقوال التي رُويت عن ابن عباس,
وهو قول الضحاك وقتادة.




وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب, لأن الله تعالى ذكره
حظر التخلف خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين به من أهل المدينة,
مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم, ومن الأعراب لغير عذر يعذرون به إذا خرج رسول
الله لغزو وجهاد عدوّ قبل هذه الآية بقوله: ما كانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَن
حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أنْ يَتَخَلّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ, ثم عقب ذلك جلّ
ثناؤه بقوله: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافّةً فكان معلوما بذلك إذ
كان قد عرّفهم في الآية التي قبلها اللازم لهم من فرض النفر والمباح لهم من تركه
في حال غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم وشخوصه عن مدينته لجهاد عدوّ, وأعلمهم
أنه لا يسعهم التخلف خلافه إلا لعذر بعد استنهاضه بعضهم وتخليفه بعضهم أن يكون
عقيب تعريفهم ذلك تعريفهم الواجب عليهم عند مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمدينته وإشخاص غيره عنها, كما كان الابتداء بتعريفهم الواجب عند شخوصه وتخليفه
بعضهم.




وأما قوله: لِيَتَفَقّهُوا فِي الدّينِ وَلِيُنْذِرُوا قوْمَهُمْ إذَا
رَجَعُوا إلَيْهِمْ. فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: ليتفقه الطائفة
النافرة بما تعاين من نصر الله أهل دينه وأصحاب رسوله على أهل عداوته والكفر به,
فيفقه بذلك من معاينته حقيقة علم أمر الإسلام وظهوره على الأديان من لم يكن فقهه,
ولينذروا قومهم فيحذروهم أن ينزل بهم من بأس الله مثل الذي نزل بمن شاهدوا وعاينوا
ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم. لَعَلّهُمْ
يَحْذَرُونَ يقول: لعلّ قومهم إذا هم حذّروهم ما عاينوا من ذلك يحذرون, فيؤمنون
بالله ورسوله, حذرا أن ينزل بهم ما نزل بالذين أخبروا خبرهم.




وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب, وهو قول الحسن البصري الذي رويناه
عنه لأن النفر قد بيّنا فيما مضى أنه إذا كان مطلقا بغير صلة بشيء أن الأغلب من
استعمال العرب إياه في الجهاد والغزو فإذا كان ذلك هو الأغلب من المعاني فيه, وكان
جلّ ثناؤه قال: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ
لِيَتَفَقّهُوا في الدّينِ علم أن قوله: «ليتفقهوا» إنما هو شرط للنفر لا لغيره,
إذ كان يليه دون غيره من الكلام.




فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معناه: ليتفقه المتخلفون في الدين؟ قيل:
ننكر ذلك لاستحالته وذلك أن نفر الطائفة النافرة لو كان سببا لتفقه المتخلفة, وجب
أن يكون مقامها معهم سببا لجهلهم وترك التفقه وقد علمنا أن مقامهم لو أقاموا ولم
ينفروا لم يكن سببا لمنعهم من التفقه. وبعد, فإنه قال جلّ ثناؤه: وَلِيُنْذِرُوا
قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُوا إلَيْهِمْ عطفا به على قوله: لِيَتَفَقّهُوا فِي الدّينِ
ولا شكّ أن الطائفة النافرة لم ينفروا إلا والإنذار قد تقدم من الله إليها,
وللإنذار وخوف الوعيد نفرت, فما وجه إنذرا الطائفة المتخلفة الطائفة النافرة وقد
تساوتا في المعرفة بإنذار الله إياهما؟ ولو كانت إحداهما جائز أن توصف بإنذار
الأخرى, لكان أحقهما بأن يوصف به الطائفة النافرة, لأنها قد عاينت من قدرة الله
ونصرة المؤمنين على أهل الكفر به ما لم تعاين المقيمة, ولكن ذلك إن شاء الله كما
قلنا من أنها تنذر من حيها وقبيلتها ومن لم يؤمن بالله إذا رجعت إليه أن ينزل به
ما أنزل بمن عاينته ممن أظفر الله به المؤمنين من نظرائه من أهل الشرك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة التوبة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة التوبة   تفسير سورة التوبة - صفحة 2 Empty13/12/2011, 9:31 pm

الآية : 123


القول في تأويل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ
الّذِينَ يَلُونَكُمْ مّنَ الْكُفّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً
وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ }.




يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله
قاتلوا من وليَكم من الكفار دون من بعُد منهم, يقول لهم: ابدءوا بقتال الأقرب
فالأقرب إليكم دارا دون الأبعد فالأبعد. وكان الذي يلون المخاطبين بهذه الآية
يومئذ الروم, لأنهم كانوا سكان الشأم يومئذ, والشأم كانت أقرب إلى المدينة من
العراق. فأما بعد أن فتح الله على المؤمنين البلاد, فإن الفرض على أهل كل ناحية
قتال من وليهم من الأعداء دون الأبعد منهم ما لم يضطرّ إليهم أهل ناحية أخرى من
نواحي بلاد الإسلام, فإن اضطرّوا إليهم لزم عونهم ونصرهم, لأن المسلمين يد على من
سواهم. ولصحة كون ذلك, تأوّل كل من تأوّل هذه الآية أن معناها إيجاب الفرض على أهل
كلّ ناحية قتال من وليهم من الأعداء. ذكر الرواية بذلك:




13629ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن شبيب بن غرقدة, عن
عروة البارقي, عن رجل من بني تميم, قال: سألت ابن عمر عن قتال الديلم, قال: عليك
بالروم.




13630ـ حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق وسفيان بن وكيع, قالوا: حدثنا أبو
أحمد, قال: حدثنا سفيان, عن يونس عن الحسن: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
الكُفّارِ قال: الديلم.




13631ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن الربيع, عن الحسن: أنه كان إذا
سئل عن قتال الروم والديلم تلا هذه الآية: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
الكُفّارِ.




13632ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, قال: حدثنا عمران أخي, قال: سألت
جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين, فقلت: ما ترى في قتال الديلم؟ فقال: قاتلوهم
ورابطوهم, فإنهم من الذين قال الله: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
الكُفّارِ.




حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال: حدثنا سفيان, عن الربيع, عن الحسن
أنه سئل عن الشام والديلم, فقال: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ:
الديلم.




13633ـ حدثني عليّ بن سهل, قال: حدثنا الوليد, قال: سمعت أبا عمرو وسعيد بن
عبد العزيز يقولان: يرابط كلّ قوم ما يليهم من مسالحهم وحصونهم. ويتأوّلان قول
الله: قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ.




13634ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله:
قاتِلُوا الّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفّارِ قال: كان الذين يلونهم من الكفار
العرب, فقاتلوهم حتى فرغ منهم. فلما فرغ قال الله: قاتِلُوا الّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَلا باليَوْمِ الاَخِرِ... حتى بلغ: وَهُمْ صَاغِرُونَ قال:
فلما فرغ من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب, قال: وجهادهم أفضل
الجهاد عند الله.




وأما قوله: وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً فإن معناه: وليجد هؤلاء الكفار
الذين تقاتلونهم فِيكُمْ أي منكم شدّة عليهم. وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ مَعَ
المُتقِينَ يقول: وأيقنوا عند قتالكم إياهم أن الله معكم وهو ناصركم عليهم, فإن
اتقيتم الله وخفتموه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, فإن الله ناصر من اتقاه ومعينه.



الآية : 124


القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ
مّن يَقُولُ أَيّكُمْ زَادَتْهُ هَـَذِهِ إِيمَاناً فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ
فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }.




يقول تعالى ذكره: وإذا أنزل الله سورة من سور القرآن على نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم, فمن هؤلاء المنافقين الذين ذكرهم الله في هذه السورة من يقول:
أيها الناس أيكم زادته هذه السورة إيمانا؟ يقول تصديقا بالله وبآياته. يقول الله:
فأما الذين آمنوا من الذين قيل لهم ذلك, فزادتهم السورة التي أنزلت إيمانا وهم
يفرحون بما أعطاهم الله من الإيمان واليقين.




فإن قال قائل: أو ليس الإيمان في كلام العرب التصديق والإقرار؟ قيل: بلى.
فإن قيل: فكيف زادتهم السورة تصديقا وإقرارا؟ قيل: زادتهم إيمانا حين نزلت, لأنهم
قبل أن تنزل السورة لم يكن لزمهم فرض الإقرار بها والعمل بها بعينها إلا في جملة
إيمانهم بأن كل ما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند الله فحقّ فلما أنزل
الله السورة لزمهم فرض الإقرار بأنها بعينها من عند الله, ووجب عليهم فرض الإيمان
بما فيها من أحكام الله وحدوده وفرائضه, فكان ذلك هو الزيادة التي زادهم نزول
السورة حين نزلت من الإيمان والتصديق بها.




وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:




13635ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن
أبيه, عن ابن عباس قوله: وَإذَا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ
أيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمانا قال: كان إذا نزلت سورة آمنوا بها, فزادهم الله
إيمانا وتصديقا, وكانوا يستبشرون.




13636ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه,
عن الربيع, في قوله: فَزَادَتْهُمْ إيمَانا قال: خشية.



الآية : 125


القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ
فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىَ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ }.




يقول تعالى ذكره: وأما الذين في قلوبهم مرض, نفاق وشكّ في دين الله, فإن
السورة التي أنزلت زادتهم رجسا إلى رجسهم وذلك أنهم شكوا في أنها من عند الله, فلم
يؤمنوا بها ولم يصدّقوا, فكان ذلك زيادة شكّ حادثة في تنزيل الله لزمهم الإيمان به
عليهم بل ارتابوا بذلك, فكان ذلك زيادة نتن من أفعالهم إلى ما سلف منهم نظيره من
النتن والنفاق, وذلك معنى قوله: فَزَادَتْهُمْ رِجْسا إلى رِجْسِهِمْ وَماتُوا
يعني هؤلاء المنافقين أنهم هلكوا, وَهُمْ كافِرُونَ يعني وهم كافرون بالله وآياته.



الآية : 126


القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي
كُلّ عَامٍ مّرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ ثُمّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذّكّرُونَ }.




اختلفت القرّاء في قراءة قوله: أوَ لا يَرَوْنَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار:
أوَ لا يَرَوْنَ بالياء, بمعنى أو لا يرى هؤلاء الذين في قلوبهم مرض النفاق. وقرأ
ذلك حمزة: «أوَ لا تَرَوْنَ» بالتاء, بمعنى أو لا ترون أنتم أيها المؤمنون أنهم
يفتنون؟




والصواب عندنا من القراءة في ذلك: الياء, على وجه التوبيخ من الله لهم,
لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه وصحة معناه: فتأويل الكلام إذا: أوَ لا يرى
هؤلاء المنافقون أن الله يختبرهم في كلّ عام مرّة أو مرّتين, بمعنى أنه يختبرهم في
بعض الأعوام مرّة, وفي بعضها مرّتين. ثم لا يَتُوبُونَ يقول: ثم هم مع البلاء الذي
يحلّ بهم من الله والاختبار الذي يعرض لهم لا ينيبون من نفاقهم, ولا يتوبون من
كفرهم, ولا هم يتذكرون بما يرون من حجج الله ويعاينون من آياته, فيعظوا بها ولكنهم
مصرّون على نفاقهم.




واختلف أهل التأويل في معنى الفتنة التي ذكر الله في هذا الموضع أن هؤلاء
المنافقين يفتنون بها, فقال بعضهم: ذلك اختبار الله إياهم بالقحط والشدّة. ذكر من
قال ذلك:




13637ـ حدثنا ابن وكيع, حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ
قال: بالسنة والجوع.




حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي
نجيح, عن مجاهد, في قوله: يُفْتَنون قال: يُبتلون, في كلّ عام مَرّةً أوْ
مَرّتَيْنِ قال: بالسنة والجوع.




13638ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أوَ لا
يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: يُبتلون
بالعذاب في كل عام مرّة أو مرّتين.




حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد,
قوله: يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: بالسنة والجوع.




وقال آخرون: بل معناه أنهم يختبرون بالغزو والجهاد. ذكر من قال ذلك:




13639ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أوَ
لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال:
يُبتلون بالغزو في سبيل الله في كلّ عام مرّة أو مرّتين.




13640ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن
الحسن, مثله.




وقال آخرون: بل معناه: أنهم يختبرون بما يشيع المشركون من الأكاذيب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فيفتتن بذلك الذين في قلوبهم مرض. ذكر من
قال ذلك:




13641ـ حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن
جابر, عن أبي الضحى, عن حذيفة: أوَ لا يَرَوْنَ أنّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلّ عامٍ
مَرّةً أوْ مَرَتَيْنِ قال: كنا نسمع في كلّ عام كذبة أو كذبتين, فيضلّ بها فئام
من الناس كثير.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن شريك, عن جابر, عن أبي الضحى, عن
حذيفة, قال: كان لهم في كلّ عام كذبة أو كذبتان.




وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله عجّب عباده المؤمنين من
هؤلاء المنافقين, ووبخ المنافقين في أنفسهم بقلة تذكرهم وسوء تنبههم لمواعظ الله
التي يعظهم بها. وجائز أن تكون تلك المواعظ الشدائد التي يُنزلها بهم من الجوع
والقحط, وجائز أن تكون ما يريهم من نصرة رسوله على أهل الكفر به ويرزقه من إظهار
كلمته على كلمتهم, وجائز أن تكون ما يظهر للمسلمين من نفاقهم وخبث سرائرهم بركونهم
إلى ما يسمعون من أراجيف المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ولا خبر
يوجب صحة بعض ذلك, دون بعض من الوجه الذي يجب التسليم له, ولا قول في ذلك أولى
بالصواب من التسليم لظاهر قول الله, وهو: أو لا يرون أنهم يختبرون في كلّ عام مرّة
أو مرّتين بما يكون زاجرا لهم ثم لا ينزجرون ولا يتعظون.



الآية : 127


القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نّظَرَ
بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مّنْ أَحَدٍ ثُمّ انصَرَفُواْ صَرَفَ
اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَفْقَهُون }.




يقول تعالى ذكره: وإذا ما أنزلت سورة من القرآن فيها عيب هؤلاء المنافقين
الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هذه السورة, وهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
نظر بعضهم إلى بعض, فتناظروا هل يراكم من أحد إن تكلمتم أو تناجيتم بمعايب القوم
يخبرهم به, ثم قام فانصرفوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستمعوا
قراءة السورة التي فيها معايبهم. ثم ابتدأ جلّ ثناؤه قوله: صَرَفَ اللّهُ
قُلُوبَهُمْ فقال: صرف الله عن الخير والتوفيق والإيمان بالله ورسوله قلوب هؤلاء
المنافقين ذلك بأنّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ يقول: فعل الله بهم هذا الخذلان,
وصرف قلوبهم عن الخيرات من أجل أنهم قوم لا يفقهون عن الله مواعظه, استكبارا
ونفاقا.




واختلف أهل العربية في الجالب حرف الاستفهام, فقال بعض نحويي البصرة, قال: نظر
بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد؟ كأنه قال: قال بعضهم لبعض لأن نظرهم في هذا المكان
كان إيماءً وتنبيها به, والله أعلم. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هو: وإذا ما
أنزلت سورة قال بعضهم لبعض: هل يراكم من أحد؟ وقال آخر منهم: هذا النظر ليس معناه
القول, ولكنه النظر الذي يجلب الاستفهام كقول العرب: تناظروا أيهم أعلم, واجتمعوا
أيهم أفقه أي اجتمعوا لينظروا, فهذا الذي يجلب الاستفهام.




13642ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن شعبة, عن أبي حمزة, عن ابن
عباس, قال: لا تقولوا: انصرفنا من الصلاة, فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم,
ولكن قولوا: قد قضينا الصلاة.




قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن عمير بن تميم الثعلبي, عن ابن
عباس, قال: لا تقولوا: انصرفنا من الصلاة, فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم.




قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن ابن عباس, قال: لا
تقولوا انصرفنا من الصلاة, فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم, ولكن قولوا: قد
قضينا الصلاة.




13643ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن
أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَإذَا ما أُنْزِلَتُ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى
بَعْض... الآية, قال: هم المنافقون.




وكان ابن زيد يقول في ذلك, ما:




13644ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله:
وَإذَا ما أُنْزِلَتْ سُوَرةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ
أحَدٍ ممن سمع خبركم رآكم أحد أخبره إذا نزل شيء يخبر عن كلامهم, قال: وهم
المنافقون. قال: وقرأ: وإذَا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ
إيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانا... حتى بلغ: نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْض هَلْ
يَرَاكُمْ مِنْ أحَدٍ أخبره بهذا, أكان معكم أحد سمع كلامكم, أحد يخبره بهذا؟




13645ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو
إسحاق الهمداني, عمن حدثه, عن ابن عباس, قال: لا تقل انصرفنا من الصلاة, فإن الله
عَيّر قوما فقال: انْصَرَفُوا صَرَفَ اللّهُ قُلُوَبهُمْ ولكن قل: قد صلينا.



الآية : 128


القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رّحِيمٌ }.




يقول تعالى ذكره للعرب: لَقَدْ جاءَكُمْ أيها القوم رَسُولٌ الله إليكم
مِنْ أنْفُسِكُمْ تعرفونه لا من غيركم, فتتهموه على أنفسكم في النصيحة لكم.
عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنتّمْ: أي عزيز عليه عنتكم, وهو دخول المشقة عليهم والمكروه
والأذى. حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ يقول: حريص على هدى ضلاّلكم وتوبتهم ورجوعهم إلى
الحقّ. بالمُؤْمِنِينَ رَءُؤفٌ: أي رفيق رَحِيمٌ.




وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:




13646ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن جعفر بن محمد, عن أبيه,
في قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ
قال: لم يصبه شيء من شرك في ولادته.




13647ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن
عيينة, عن جعفر بن محمد, في قوله: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ قال:
لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية. قال: وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّي
خَرَجْتُ مِنْ نِكاحٍ ولَمْ أخْرُجْ مِنْ سِفاحٍ».




حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن ابن عيينة, عن
جعفر بن محمد, عن أبيه, بنحوه.




13648ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله:
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ قال: جعله
الله من أنفسهم, ولا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوّة والكرامة.




وأما قوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ فإن أهل التأويل اختلفوا في
تأويله, فقال بعضهم: معناه: ما ضللتم. ذكر من قال ذلك:




13649ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا طلق بن غنام, قال: حدثنا الحكم بن ظهير
عن السديّ, عن ابن عباس, في قوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ قال: ما ضللتم.




وقال آخرون: بل معنى ذلك: عزيز عليه عنت مؤمنكم. ذكر من قال ذلك:




13650ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: عَزِيزٌ
عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ عزيز عليه عنت مؤمنهم.




وأولى القولين في ذلك بالصواب قول ابن عباس وذلك أن الله عمّ بالخبر عن
نبيّ الله أنه عزيز عليه ما عنت قومه, ولم يخصص أهل الإيمان به, فكان صلى الله
عليه وسلم كما وصفه الله به عزيزا عليه عنت جميعهم.




فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف صلى الله عليه وسلم بأنه كان عزيزا عليه
عنت جميعهم وهو يقتل كفارهم ويسبي ذراريهم ويسلبهم أموالهم؟ قيل: إن إسلامهم لو
كانوا أسلموا كان أحبّ إليه من إقامتهم على كفرهم وتكذيبهم إياه حتى يستحقوا ذلك
من الله, وإنما وصفه الله جلّ ثناؤه بأنه عزيز عليه عنتهم, لأنه كان عزيزا عليه أن
يأتوا ما يعنتهم وذلك أن يضلوا فيستوجبوا العنت من الله بالقتل والسبي.




وأما «ما» التي في قوله: ما عَنِتّمْ فإنه رفع بقوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ لأن
معنى الكلام: ما ذكرت عزيز عليه عنتكم.




وأما قوله: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ فإن معناه: ما قد بينت, وهو قول أهل التأويل
ذكر من قال ذلك:




13651ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ حريص على ضالهم أن يهديه الله.




13652ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن
قتادة, في قوله: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ قال: حريص على من لم يسلم أن يسلم.



الآية : 129


القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ
لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }.




يقول تعالى ذكره: فإن تولى يا محمد هؤلاء الذين جئتهم بالحقّ من عند ربك من
قومك, فأدبروا عنك ولم يقبلوا ما أتيتهم به من النصيحة في الله وما دعوتهم إليه من
النور والهدى, فقل حسبي الله, يكفيني ربي لا إلَهِ إلاّ هُوَ لا معبود سواه,
عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وبه وثقت, وعلى عونه اتكلت, وإليه وإلى نصره استندت, فإنه
ناصري ومعيني على من خالفني وتولى عني منكم ومن غيركم من الناس. وَهُوَ رَبّ
العَرْشِ العَظِيم الذي يملك كل ما دونه, والملوك كلهم مماليكه وعبيده. وإنما عني
بوصفه جلّ ثناؤه نفسه بأنه ربّ العرش العظيم, الخبر عن جميع ما دونه أنهم عبيده
وفي ملكه وسلطانه لأن العرش العظيم إنما يكون للملوك, فوصف نفسه بأنه ذو العرش دون
سائر خلقه وأنه الملك العظيم دون غيره وأن من دون في سلطانه وملكه جار عليه حكمه
وقضاؤه.




13653ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن
عليّ, عن ابن عباس, قوله: فإنْ تَوَلّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ يعني الكفار
تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذه في المؤمنين.




13654ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن عبيد بن عمير,
قال: كان عمر رحمة الله عليه لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان, فجاء رجل من
الأنصار بهاتين الاَيتين: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ
عَلَيْهِ فقال عمر: لا أسألك عليهما بينة أبدا, كذا كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم




13655ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن
يونس, عن زهير, عن الأعمش, عن أبي صالح الحنفي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «إنّ اللّهَ رَحِيمٌ يُحِبّ كُلّ رَحِيم, يَضَعُ رَحْمَتَهُ على كُلّ
رَحِيمٍ». قالوا: يا رسول الله إنا لنرحم أنفسنا وأموالنا قال: وأراه قال:
وأزواجنا. قال: «ليسَ كذلكَ, ولكِنْ كُونُوا كمَا قَالَ اللّهُ: لَقَدْ جاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فإنْ تَوَلّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إلَهَ
إلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ» أراه قرأ هذه الآية
كلها.




13656ـ حدثني محمد بن المثنى, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا شعبة, عن
عليّ بن زيد, عن يوسف, عن ابن عباس, عن أبيّ بن كعب, قال: آخر آية نزلت من القرآن:
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ... إلى
آخر الآية.




حدثني المثنى, قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, قال: حدثنا شعبة, عن عليّ بن
زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عباس, عن أبيّ, قال: آخر آية نزلت على النبيّ صلى
الله عليه وسلم: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ... الآية.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا شعبة, عن عليّ بن زيد, عن يوسف
بن مهران, عن أبيّ, قال: أحدث القرآن عهدا بالله هاتان الاَيتان: لَقَدْ جاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ... إلى آخر الاَيتين.




حدثني أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن محمد, قال: حدثنا أبان بن يزيد العطار,
عن قتادة, عن أبيّ بن كعب, قال: أحدث القرآن عهدا بالله الاَيتان: لَقَدْ جاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ... إلى آخر السورة.



نهاية تفسير الإمام الطبرى لسورة التوبة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
 
تفسير سورة التوبة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شباب ستار :: عالــــــــ الدين الاسلامي ـــــــم :: القرأن الكريم-
انتقل الى: