ثعبان إفيرغليد
أكثر الثعابين جمالا في الولايات المتحدة، بل وربما كانت من أجمل الثعابين في العالم أجمع، وهي من فصيلة أفعى الجرذ، تدعى ثعبان إفيرغليد، لم يتوقع أجد ذلك ولكنها فعلا إفيرغليد، ربما سمع الجميع عن هذا الاسم ولكن قلة تعرف عما يتحدث، حتى إذا سألت أحدا ماذا تعني هذه الكلمة قد يجيب أحدا بأنه مستنقع أو ما شابه، ولكن الحقيقة هي أنها أكبر من مستنقع، فهي تخطي منطقة تزيد عن أربعة آلاف ميل مربع، أي أنها منطقة كبيرة جدا. تقع هذه المنطقة عند النهاية الشرقية من بحيرة كبيرة في فلوريدا يسمونها ليكو كاشوبي، وهي تمتد من جنوب ليكوكاشوبي حتى آخر ولاية فلوريدا أي عند بداية المستنقعات.
هناك اختلاف في بيئة إيفيرغيلد بين مكان وآخر فيها، فقد تجد في الجهة الشمالية منها، الكثير من المستنقعات، وهناك منطقة شاسعة تسمى مروج سوغراس. قد يفكر البعض بأن لقب مروج العشب المنشاري يوحي أنه في كنساس أو غي أيوا، لا شك أنها ولايات تتميز بكثرة المروج، ولكن ليس مروج العشب المنشاري، لأن العشب في هذه المروج ينبت من تحت الماء، أي أنها ليست مروج جافة بل مائية، والأعشاب هناك طويلة جدا فقد تصل إلى اثني عشر قدم، كما أن حرف العشب فيها حاد كشفرة المنشار، فإذا مر شخص بجانبها قد تجرحه عميقا، ولا أحد يريد مثل هذا المصير.
أما إذا اتجهت إلى الجنوب من إفيرغليد، سوف تصل إلى مستنقعات المنغروف، حتى ينتهي بك الأمر في مستنقعات المياه المالحة، أي أن هناك تمايز كبير بين منطقة وأخرى ضمن إفير غليد نفسها.
يمكن أن نجد هناك أيضا مجموعة من الجزر التي تطفو وسط المياه لينبت فوقها بعض الأعشاب والأشجار التي تحمل ثمارا برية محلية متنوعة، وهي تسمى بالحاميات. وهناك مجموعة من الأشجار المنتشرة على اليابسة في أفيرغليد، وهي تسمى الأشجار القبرصية. تعرف أن هناك الكثير من الأشجار على ضفاف الأنهر وعلى شواطئ البحيرات، ولكنها لا تعيش في الماء أليس كذلك؟ ومع ذلك فالأشجار القبرصية تنمو هناك تماما، أي أنها تنتشر في الماء، ذلك أنها تشرب كميات كبيرة جدا من الماء باستمرار. كما نعثر هناك على قنوات من صنع البشر والطبيعة أيضا، في إفيرغليد، وهي بمثابة ممرات أو مجار تتبعها للعبور وسط العشب المنشاري وإلا فلن يتمكن أحد من المرور من بينها. وهناك أيضا بعض الطرقات التي زرع من حولها الناس أشجار الصنوبر الأسترالي التي تتماسك جذورها في الأرض كي لا تغطي الماء هذه الطرقات. هذا ما نعتبره شرح عما عما تبدو عليه منطقة إفيرغليد.
عودة إلى ثعبان إيفيرغليد نعرف أنه يسكن في المنطقة التي يحمل اسمها. وهذه من صغار الأفاعي ولكنها تبلغ حجما كبيرا عند نضوجها قد يصل إلى خمسة أو ستة أقدام وربما تجد واحدة تقارب السبعة أقدام، أي أنها من الحجم الكبير فعلا. وهي من العاصرات كجميع بنات فصيلتها، أي أنها تصطاد الحيوانات بالالتفاف على جسمها وتعصرها حتى تموت فتبتلعها.
لدى ثعبان إفيرغليد نفس المزايا الجسدية التي لدى أفاعي الجرذ الأخرى، فبطنها مسطح جدا، وجانبيها مسطحان من أعلى إلى أسفل، كما أن ظهرها مقوس نسبيا.
نعلم بأن بطنها المسطح، المغطى بالحراشف، يساعدها في إتقان تسلق الأشجار، علما أن غالبية أفاعي الجرذ بارعات في التسلق، أما هذه الأفعى فهي أكثرهن براعة، ومن الطبيعي أن تجدها في أعالي شجر الصنوبر الأسترالي، أو غيرها م الأشجار الأخرى، التي في الحاميات، ما يؤكد أن بارعة في التسلق.
اضف إلى ذلك أن لهذه الثعابين القدرة على السباحة، لأن مساحة المياه حيث تسكن أكبر من مساحة اليابسة، ولو أنها لم تكن ماهرة في السباحة لواجهت مشاكل كبيرة.
نعرف أن غالبية ثعابين الجرذ قادرة على السباحة، علما ان بعضها لم يجد الفرصة أو الحاجة للسباحة، على اعتبار أن الأماكن التي تسكن فيها لا تغطيها المياه بكثرة.
أي أن أفاعي إفيرغليد تسكن في إفيرغليد، ولكن ما هو نوع الحيوانات التي تتغذى عليها؟ إنها تتغذى على الجرذ والفئران لأنها طبعا من فصيلة أفاعي الجرذ. كما أنها تأكل أشياء أخرى أيضا مثل السحالي والضفادع والعصافير وبيض العصافير، أي أنها تأكل أنواع مختلفة من الحيوانات. ولكن هل تعتقد أن هناك الكثير من هذه الأطعمة أعني هل تتوفر بكثرة هناك؟ الواقع هو أن هناك الكثير من هذه الحيوانات في إفير غلاد، أي أنه المكان المناسب له، خاصة أن فيه ثلاثة أنواع من الظروف البيئية، وهو يستطيع العيش في كل منها. فهذا الثعبان يستطيع تسلق الأشجار وأكل الطيور وبيضها والسحالي، كما يمكنه التسلل إلى جزر الحاميات، ليعثر على الجرذ والفئران، كما يعثر على السحالي تحت الأرض، كما أنه أثناء السباحة، يمكنه العثور على أشياء كالضفادع. أي أنه يستطيع العثور على جميع الحيوانات التي يتغذى عليها، ويستطيع الاصطياد من جميع أنواع الظروف البيئية المختلفة التي هي هناك في إفيرغليد، أي أنه معتاد جدا على ظروف الصيد هناك.
والآن كيف لهذا الثعبان أن يتخلص من أعدائه؟ حسنا يمكنه اللجوء إلى ما بين النباتات الكثيرة، أو في الحاميات أيضا، لا شك أن هذه طريقة مناسبة للتخلص من أعدائه، ولكن الطريقة الأهم التي يتبعها هي الغوص في الماء والفرار. طبعا فلا يمكن لعدو بهذه الطريقة أن يمسك به. لا بأس بذلك طبعا إلا إذا كان يفر من التمساح، فبهذه الحالة فقط سيقع في مشكلة، ما يجب أن يفعله إذا طارده التمساح هو تسلق الأشجار، فلا يمكن للتمساح أن يتبعه، لهذا سيكون هناك بأمان. لا بأس إذا ولكن ماذا إن كان يطارده النسر؟ أو قطة برية، أو أحد فهود فلوريدا، وهي تسكن في المنطقة أيضا، فهل تسلق الأشجار يساعده على الخلاص منها؟ لا أظن ذلك، لأن أي منها يستطيع مطاردته فوق أغصان الشجر ليأكله. لهذا بالنسبة لهذه الحيوانات عليه أن يلجأ إلى الماء كي يسبح عميقا، أي أن لديه عدة خيارات للهرب من أعدائه، ولكن عليه أن يختار الطريق المناسب للفرار، وإلا فسيواجه مشاكل عقيمة.
رغم ذلك أحيانا ما يمسك به أحد الحيوانات، فماذا يفعل؟
طبعا يتصرف كأي من ثعابين الجرذ، أي أنه يقاتل، فينفذ ويهاجم ويحرك ذيله بذبذبات، ثم يفتح فمه ويلسع مرة بعد أخرى بعد أخرى، وكأنه في استعراض للعضلات. لا شك أن هذه العملية تنجح في إخافة العديد من الحيوانات الصغيرة، ولكنها لا تخيف التماسيح إطلاقا، فإذا فعل ذلك أمام التمساح سينقض عليه ساخرا منه على أي حال، أي أنه لا ينجو دائما من أعدائه، ولكنه يتمكن عبر هذه الخيارات المتعددة الخلاص منهم ما يجعله بحالة آمنة نسبية في إفيرغليد، أي أنه معتاد جدا على حياة التسلق، والسباحة، والزحف أيضا، في إفير غليد إلى الجنوب من فلوريدا.
ذات البقع الرمادية
أرى أن نبدأ بإلقاء نظرة على ثعبان جميل جدا، وهي تسكن في جنوب غرب تكساس وأرياف المكسيك، وهي جزء من فصيلة الأفعى الملكة، وهي تسمى بذات البقع الرمادية، يمكن أن نرى أن الاسم على مسمى فهناك الكثير من البقع الرمادية الجميلة على جسمها، وهي بقع تتميز بالعديد من المستويات في الألوان، فبعضها رمادي داكن وبعضها الآخر فاتح جدا، وبعضها واسع وبعضها الآخر ضيق، وعلى بعضها نقاط حمراء أو ما شابه ذلك، أي أن هناك تنوع كبير في ألوان الأفعى ذات البقع الرمادية.
نعلم أن هذه الأفعى كغيرها من فصيلة الأفعى الملكة تتمتع بحراشف ناعمة وبراقة جدا، أي أنها جميلة، وأعتقد أن جميع أفاعي هذه الفصيلة جميلة جدا لا أعرف أي منها لا يتصف بالجمال.
تعتبر ذات البقع الرمادية من العاصرات أيضا فهي أفعى قوية جدا تلسع حيوان ما وتلف جسمها حوله وتعصره حتى تفتك به، هذه هي الطريقة التي تصطاد فيها الحيوانات التي تتغذى عليها.
تشتهر ذات البقع الرمادية كغيرها من فصيلة أفعى الملكة، بأنها تحب أكل الأفاعي الأخرى، كما تحب أن تأكل أشياء أخرى طبعا، ولكن المسألة المميزة هنا، هي أنها تأكل الثعابين السامة، بما في ذلك الأفعى المجلجلة. كثيرا ما يخطئ بعض الناس بشأن الأفعى الملكة، قد يعتقد البعض بأن الأفعى الملكة مشغولة بمهمة محددة وتقوم بواجب ثابت، يكمن في أن تخلص العالم من الأفعى السامة المجلجلة، ويعتقدون بأنها تسعى لجعل هذا العالم أكثر أمنا لنا كي نعيش فيه. ولكن هذا غير صحيح، لا شك أن هذه الثعابين، تأكل الأفعى المجلجلة، ولكنها تأكل أشياء كثيرة أخرى، فإذا عثرت على المجلجلة، تفتك بها وتأكلها، وإذا عثرت على غيرها من الثعابين لن توفرها أيضا، وإذا عثرت على الجرذ لا توفره وهذا هو حال الفئران أيضا وهو حال الطيور والسحالي وحتى بيض السلاحف.
أي أنها تأكل أي نوع من الأشياء التي تجدها بالحجم المناسب، لصيدها والفتك بها وابتلاعها. أي أنها تتغذى على أنواع مختلفة من الأطعمة.
إذا كنا يوما أمام ذات البقع الرمادية وهي تعارك المجلجلة في محاولة للفتك بها، وتمكنت الأخيرة من لسعها. ما هو مصير هذه الأفعى، هل تعتقد أنها ستموت ميتة رهيبة؟ كلا، لن تموت على الإطلاق، هل تعتقد أنها ستمرض وتبقى في السرير أسبوعا كاملا؟ كلا لن تمرض أبدا، لأن جميع أفاعي هذه الفصيلة تتمتع بالمناعة ضد سموم الثعابين السامة التي تسكن في مناطقها. أي أنها إذا لسعت من البوا، لن تهتم، وهذا هو حال المجلجلة، أي أنها لا تأثر بسموم الثعابين التي تسكن قريبا منها.
رغم أن ذات البقع الرمادية تحب أن تأكل الثعابين كغيرها من أفاعي الملكة، ولكنها تفضل أكل السحالي على أي شيء آخر، أما السبب في ذلك فهو انتشار السحالي في منطقتها أكثر من أي شيء آخر. فلو كثرت الفئران، ستأكل الفئران أما إذا كثرت الثعابين فستأكل الثعابين، ولكن السحالي تكثر هناك، لهذا فهي أكثر ما تتغذى عليه.
وهكذا فإن السحالي هي أكثر ما تأكل هذه الثعابين، كما أنها كباقي أفاعي الملكة تضع البيض. نذكر هنا أن بيض هذه الثعابين من الحجم الكبير، وحين تخرج الصغار من البيض تكون كبيرة نسبيا، حتى أن طول بعضها قد يصل إلى قدم كامل، أي أنها طويلة نسبيا خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن حجم الراشد منها لا يتعدى الثلاثة أقدام. ولا شك أن صغارها تولد بحجم كبير إذا كان قورن بالحجم الأقصى الذي تبلغه عن اكتمال النضوج.
نعلم بأن ذات البقع تنتشر في أنحاء جنوب غرب تكساس وتكثر في المكسيك أيضا، ولكن ما هي الظروف البيئية التي يعيش في وسطها؟ قد يعتبر البعض أن انتشارها في تكساس والمكسيك يعني أنها معتادة على العيش في الصحراء. وهم على حق، فهي تنتشر في الصحارى والسهول الجرداء، التي تمتد صعودا حتى الجبال، هذه هي المناطق التي تنتشر فيها، لا شك أن الحرارة مرتفعة في هذه المناطق، وهي كثيرا ما تتصف بكونها تزداد نشاطا في الليل أكثر من أي وقت آخر، وهكذا لا يمكن أن تجدها في ساعات الظهيرة الساخنة جدا لأنها من المحتمل جدا أن تتعرض للموت إذا خرجت إلى رمال الصحراء الملتهبة ساعة الظهيرة. أي أنها تمضي غالبية الوقت في الحفر تحت الأرض، وهي تنزل إلى تلك الجحور لسببين، أولهما الهرب من درجة الحرارة العالية، أما السبب الثاني فهو أنها تعثر على الكثير من الحيوانات لأكلها، فحين تتعمق في الجحور تعثر على الفئران والجرذ والسحالي، وأنواع كثيرة من الحيوانات الأخرى التي هي غذاء لها، لهذا فهي تحب أن تمضي ساعة الظهيرة تحت الأرض في تلك الجحور.
والآن ما رأيك بالسبل التي تتبعها للتخلص من أعدائها في الصحراء؟ لا شك أنها تمضي الكثير من الوقت بين الحفر، ما يعني أن قلة من الحيوانات المعادية تتمكن من العثور عليها. ولكن إذا حصل أن واجهت عدوا ما أول ما يمكن أن تفعله هو السعي للفرار، وعند فشل المحاولة تواجه العدو بالنفث والصفير والمهاجمة وهز الذيل، إلى ما هنالك، أما إذا أصر الحيوان وأمسك بها، حينها تبدأ بالاهتزاز إلى الأمام وإلى الخلف، وكأن أحدا قسم ظهرها أو عنقها وكأنها تحتضر، عند ذلك تقذف نوعا من السائل الكثيف من فمها، على شكل قطرات لزجة كثيفة، تطلق رائحة كريهة للغاية. عادة ما يؤدي ذلك بمن يمسك الثعبان أن يقرر التخلص منه على الفور، وما أن يفعل ذلك حتى تتوجه الأفعى مباشرة نحو الثقوب، وذلك بأسرع ما يمكن.
عادة ما تقوم الأفعى بذلك لتحقيق هدفين، أولهما محاولة التخلص ممن يمسك بها، ثانيا فهي تعلن لجميع الحيوانات التي في المنطقة بأن تبقى بعيدا لأن هناك حيوان مفترس قريب منها ومن الأفضل أن تبتعد عن المكان، وجميع الحيوانات تعرف ما تعنيه هذه الرائحة الكريهة. كما أنها تجعل هذا الحيوان عاجز عن اصطياد أي حيوان آخر لبضعة أيام، لأن تلك الرائحة لا تجلو عنه بسهولة، وعندما يمر في أي مكان ستختبئ الحيوانات جميعا وهي تسترق النظر إليه ساخرة، وهي تقول في نفسها من الأفضل أن نبتعد، فهناك حيوان مفترس في طريقه إلينا.
أي أن هذا الأداء لا ينفع ذات البقع الرمادية وحدها بل العديد من الثعابين الأخرى، وليس هذه وحدها بل والحيوانات من أي نوع كانت.
وهكذا يمكن أن نرى بأن ذات البقع الرمادية جميلة جدا، وهي معتادة على العيش ضمن الظروف الطبيعية لصحارى جنوب غرب تكساس وأرياف المكسيك.
المتسابق الأسود
واحدة من أسرع الثعابين في العالم أجمع، وهو يسمى المتسابق الأسود. هل هذا هو الاسم المناسب له؟ دون شك. فبما أنه من أسرع الثعابين أظن أن المتسابق هو الكنية المناسبة لهذا اللقب، وإذا تأملنا بظهره سنرى أنه أسود. أي أن المتسابق الأسود لقب يناسبه جدا.
نعلم أن هناك عدة أنواع من المتسابق الأسود في الولايات المتحدة، ما جعل البعض يعتبر أن المتسابق الأسود أصبح أشبه باسم لفصيلة، فلدينا المتسابق الأسود الشمالي، والمتسابق الأسود الجنوبي، لدينا متسابق إيفيرغليد والمتسابق الأزرق، إلى جانب عدة أنواع أخرى. أما هذا الثعبان فهو المتسابق الجنوبي الأسود. لا شك أن هذا الثعبان ينتشر في الولايات الجنوبية، ولا بد أن السواد الأعظم منها موجود في فلوريدا. علما أن درجة الحرارة ترتفع جدا في هذه الولاية خلال فصل الصيف. لدرة ا، الحرارة بعد ظهر أيام الصيف الساخنة قد تصل إلى خمس وتسعين أو ما ئة وحتى مائة وأربعة درجات.
وكيف تتحمل الثعابين ذلك؟ تتحمله لأن أحدا لا يرى الثعابين فوق سطح الأرض خلال النهار الساخن، باستثناء المتسابق الأسود، فعادة ما تختفي باقي الثعابين في الجحور بحثا عن الرطوبة، أو في الماء المنخفضة الحرارة، أو تحت النباتات والأعشاب بحثا عن الظل. أما المتسابق الأسود، فهو نشط جدا، وهكذا يتنقل من ظل إلى آخر إلى ثالث. أي أنه لا يتعرض دائما لأشعة الشمس لفترة طويلة على الإطلاق، من الطبيعي أن ترى هذا الثعبان يتنقل بشكل عادي بين الأعشاب ليختبئ ببعضها، ولكن ما يفعله أحيانا هو أنه يرفع رأسه على هذا النحو ، وينظر من حوله، وكأنه يبحث عن الطعام أو يتأكد من وجود خطر محدق، أو لمجرد الفضول فقط، حتى أنك أحيانا ما قد تراها تزحف على الأرض ورأسها مرتفع هكذا في الهواء. حتى أنه قد يبدو شبيه بالصور الخيالية للوحوش، التي تخرج رأسها من الماء وهي تسبح، هذا ما يبدو عليه الثعبان مع فارق بسيط هو أنه يرفع رأسه من فوق الأعشاب.
لا شك أن المتسابق الأسود يحب العيش في حقول الأعشاب والمروج والمراعي، ولكنه يحب الأشجار أيضا والنباتات العالية وما شابه ذلك، وعادة ما يفضل أطراف حقول الأعشاب. أما سبب اختيار تلك الأماكن فهو أنها تساعد على الفرار في حالات الخطر. يمكن لهذا الثعبان أن يتسلق أعالي النباتات والأشجار، ليتخلص بذلك من أعدائه.
سبق أن ذكرنا بأنه أحد أسرع الثعابين في العالم. نعلم أن أسرع حيوان على الأرض هو الفهد، الذي يستطيع العدو بسرعة ستين وسبعين وحتى خمس وسبعين ميلا في الساعة. ولا شك أن المتسابق الأسود لا يمكنه بلوغ هذه السرعة أبدا. هل تعتقد أنه يستطيع تحقيق نصف هذه السرعة؟ أو من الأجدر القول، ثلاثين ميلا في الساعة؟ كلا. وماذا عن عشرين ميلا في الساعة؟ كلا، عشرة؟ كلا. تسعة؟ لا يمكن. فرغم أن هذا الثعبان هو من الأسرع في العالم، لا يمكنه الزحف بسرعة تزيد عن ثلاثة أميال ونصف في الساعة. أتعني ما يعنيه ذلك؟ أن كل منا قادر على العدو بسرعة تفوق سرعته. لهذا لا يمكن لأحد أن يقص حكايات عن ثعبان طارده وتمكن من اللحاق به وانقض عليه ولسعه. لا يمكن لهذا أن يحدث. فإذا ما طاردك ثعبان، لا يمكنه اللحاق بك، إلا إذا توقفت لانتظاره، ولا أظن أحدا سيفعل ذلك عل الإطلاق. لا يمكن.
السبب الذي يجعلنا نرى هذه الثعابين تتحرك في البرية بسرعة كبيرة، لا يعود إلى أنها تزحف بسرعة أميال في الساعة، بل لأنها تنحرف ببراعة، يمكن لهذه الثعابين أن تناور صعودا ونزولا وتلتفت حولها من جميع الجهات، وهي تستطيع الانحراف بسرعة هائلة، أي أنها رشيقة جدا تجانس بين حركاتها، وهذا ما يجعلها تبدو فائقة السرعة، أي أنها ليست سريعة في الزحف، ولكنها تستطيع المناورة بسرعة هائلة وبرشاقة، وليس لأنها تستطيع الزحف إلى الأمام، بسرعة كبيرة جدا.
والآن ما هي الحيوانات التي تعيش عليها هذه الثعابين وما الذي تحب أن تأكله؟
تعيش هذه الثعابين على أشياء كثيرة من بينها الفئران والجرذ والسحالي، كما تأكل الضفادع إذا توفرت، إلى جانب الطيور وبيضها. ولكن كيف تقتل الحيوانات التي تأكلها؟
حسنا نعلم أنها لا تتسلح بالأنياب والسم، كما نعرف أنها ليست من العاصرات. هل تعرف ماذا تفعل؟ إنها تأكل الحيوان حيا. فهي تنقض إلى الحيوان بفمها، وتمسك به، وفي حين يسعى للفرار منها، تلقي بثقل جسمها فوق جسمه، وتبقى هكذا دون أن تعصره أو ما شابه ذلك، بل تلقي بجسمها فوقه، وعندما تفعل ذلك تجبر الحيوان على المقاومة بشدة أكبر، ما يوهنه بسرعة أكبر، وهكذا، يعجز عن الحركة، ما يمكن الثعبان من ابتلاعه حيا. أي أنه لا يقتل الحيوان قبل أن يأكله بل يبتلعه وهو حي بعد. نستنتج معلومات ضمنية عن سلوك هذا الثعبان، وهي أنه لا يستطيع أكل الحيوانات الكبيرة، فلو حاول الإمساك بحيوان كبير وأصر على السيطرة عليه بضع الجسم فوقه من المحتمل أن يجر في كل مكان، لا جدوى من ذلك أبدا. لهذا فهو يأكل حيوانات صغيرة كالفئران الصغيرة والسحالي الصغيرة، أي الحيوانات الصغيرة وحدها، دون الكبيرة وخصوصا تلك التي بحجمها، فلا يمكن لهذا أن يحدث أبدا.
كيف لمتسابق أسود أن يتخلص من أعدائه؟ يمكنه التسلل إلى كومة من النباتات أو شجرة قريبة، وهذه طريقة مناسبة للهرب من أعدائه، لا بأس بها. ولكن ماذا إن حشر وسط حقل ما، وهو يحاول الفرار بسرعة، علما أن من الصعب الإمساك به لأنه يناور ويتحرك برشاقة كبيرة، كما سبق أن أوضحت من قبل، بسهولة ورشاقة أكبر من الكثير من الحيوانات. لهذا من الصعب الإمساك به حتى في السهول المفتوحة.
ولكن إن لم يتمكن من الهرب سيلجأ إلى القتال. وهو ثعبان يعرف بالعنفوان حين يقاتل، أول ما يفعله هو الاستدارة نحو العدو بسرعة فائقة، ثم ينفث ويصفر في وجهه، لتفتح فمها بعد ذلك وتهاجمه مرة بعد أخرى، في محاولة لإرهابه. أما إن لم تفلح في ذلك، تلجأ إلى اللسعات، خصوصا إذا كان العدو يمسك بها، عند ذلك تكافح بقوة هائلة، فتدور بجسمها في محاولة للخلاص منه، وهذا ما تحاول القيام به الآن بعد أن تأكدت بأن أحكم القبض على منتصف جسمها وأسفله، وقد تلاحظ أنها أحيانا ما تحرك ذيلها بذبذبات عالية، وذلك ضمن محاولة للفرار. وما أن يشتد الإمساك بها، حتى تلجأ إلى اللسعات. قد ترى أن إصبعي ينزف من شدة عضتها الآن، وذلك لأنها عندما أردت الإمساك به، لسع اصبعي مباشرة. وهذه طريقة سهلة بالنسبة لهذه الثعابين للخلاص من أعدائها، وذلك من خلال مكافحتها العنيفة ولسعاتها الشديدة، خصوصا وأنها بائسة وعدوانية لدرة أن غالبية الحيوانات تقرر ألا تسعى لمواجهة ثعابين مثله، وهكذا يفلته كي يسقط على الأرض ويفر بسرعة هائلة.
ولكن رغم عدوانية هذه الثعابين، ورشاقتها في الحركة، رغم هذه الحقائق إلا أنها ليست بسرعتك أنت، ما يعني ألا داعي للخوف من أن يطاردك هذا الثعبان أو غيره حتى ينال منك ويلسعك. لا يمكن لهذا أن يحدث.
ثعبان السحليه الزجاجية
أريد أن أطرح سؤالا، أي نوع من الزواحف يبدو هذا بالنسبة لكم؟ أعرف أن بعضكم سيبادر إلى التفكير مباشرة أنها نحيلة بدون قوائم، أي أنها أفعى. والحقيقة أنها شبيهة جدا بالثعابين، كما أنها تتصرف تماما مثلها، مع أنها ليست حية، إنها سحلية، ولكن بدون قوائم، أما اسمها فهو السحلية الزجاجية. عندما تمعن النظر بهذه السحلية يتبين لك تماما أنها سحلية، مع أنها تبدو شبيهة جدا بالثعابين.
لنمعن النظر أولا في الوجه، إذا تأملت في عينيه يمكن أن ترى بأنها ترمش، أي أن لعيناها جفون ترمش بها، وهذه ميزة لدى السحالي، لا يمكن أن تكون لدى الثعابين، التي تبقي عيناها مفتوحتان دائما، هل تعلم أنها مفتوحة منذ الولادة؟ وطوال حياته؟ وحتى بعد مماته.
إذا قررت الخروج في يوم مشرق دافئ، تجبر فيه على أن تغمض عيناك لحمايتها من بريق الشمس ولمعانه، لا يمكن للثعبان أن يفعل ذلك، عليه أن يبقي عيناه مفتوحتان بالكامل.
أو إذا قررت الخروج في يوم ممطر عاصف تضرب فيه الرياح بوجهك، فتغمض عيناك لحمايتها من رذاذ المطر، لا يمكن للثعبان أن يفعل ذلك، عليه أن يبقي عيناه مفتوحتان بالكامل.
حتى أن الثعابين لا تغمض عيونها عندما تذهب للنوم في الليل، أبدا، أي أنها دائما مفتوحة. لهذا إن رأيت حيوان شبيه بالأفعى ويتصرف كالأفعى، ولكن عيناه ترمشان، تأكد أنه ليس أفعى، بل من السحالي.
لنمعن النظر عن قرب على هذا المخلوق، كي نحاول رؤية شيء ليس من السهل اكتشافه فيه، هنا إلى جانب رأسه وقريبا من إصبعي، يمكن أن ترى ثقب صغير جدا، هذا الثقب الذي رأيته، هو الأذن، لجميع السحالي آذان، على خلاف الأفاعي تماما، وهي صماء لا تسمع الأصوات الهوائية. تشعر الأفاعي بالذبذبات عبر الأرض، وهي تعطي الثعبان معلومات كثيرة، إذا كان هناك حيوان يتحرك يمكنها أن تحدد ما إذا كان صغيرا أو كبيرا وما إذا كان يقترب أو يبتعد عنها، كما يمكن أن تحدد إذا كان حيوان واحد أو أكثر، أي أن الذبذبات الأرضية تمنح الثعبان كثيرا من المعلومات، ولكنه لا يحص على أي من هذه المعلومات عبر الهواء. أي أن الأمر على هذا النحو، يمكن للثعبان أن يسمعك تمشي، ولكنه لن يسمع حديثك.
دعنا نعاود النظر عن قرب إلى هذا الحيوان، سنرى أن له أنف، علما أن للثعابين والسحالي أنوف وهي تتنفس الهواء، وماذا عن اللسان؟ لكلاهما ألسن أيضا. إنها الحقيقة خصوصا وأن بعض السحالي تستعمل ألسنتها على طريقة الثعابين، فهي تطلقها في الهواء وتأخذ جزيئات منه تستعملها كحاسة للشم.
والآن من الواضح أن ليس لها قوائم، ونحن نعرف بأن ليس للثعابين قوائم على الإطلاق، ومع أننا نعرف بأن للسحالي قوائم، هناك بعضها مثل السحلية الزجاجية هذه، ليس لها قوائم، أي أن القوائم ليست ضرورية جدا لتكون سحلية.
ولكن ماذا عن الذيل. جميعنا يعرف بأن للثعابين ذيولا وللسحالي أيضا ذيول، ولكن هناك فارق كبير بينذيل الأفعى وذيل السحلية. فعادة ما يكون للأفاعي ذيول قصير وأجسام طويلة، أما السحالي فلها أجسام قصيرة وذيول طويلة. فإذا كان لدينا أفعى طولها ثلاثة أقدام، وسحلية طولها ثلاثة أقدام، سنلاحظ فارقا كبيرا بين أطوال ذيلهما وجسميهما، سترى أن طول ذيل السحلية سيبلغ أكثر من قدمين، دون أن يتعدى جسمها قدما واحدا. أما لدى الأفعى، لن يتعدى طول الذيل ثلاثة إنشات، أما الباقي فهو موزع على جسمها ورأسها. أي أن هناك فارق كبير بين أذناب السحالي والثعابين. الفارق الآخر المتعلق بالذيل، هو أن الذنب الثعبان لا يمكن أن ينمو مرة أخرى، إذا ما تعرض للقطع. كما أن ذيل السحلية لا ينمو لدى جميع أنواعها، إلا أن بعضها يستطيع ذلك، أما هذه العملية فتسمى بإعادة النمو. أي أن بعض السحالي تنمي ذيولها مرة أخرى، وليست جميعها، أما الثعابين فلا يمكن أن تفعل ذلك أبدا.
ولكن ماذا عن الزحف؟ جميعنا يعرف أن ليس للثعابين قوائم وأن عليها أن تزحف على الأرض، وهي بارعة جدا في ذلك وتتمتع بالسرعة والكفاءة العالية. لنرى هل السحلية الزجاجية مثلها؟ كلا على الإطلاق، حتى أن جسمها يبدو عاجزا، وهي ليست سريعة وبارعة بالحركة كالثعابين، والحقيقة أن لهذه السحلية نتوء عند الخط الفاصل بين لوني جسمها، وهي هنا لتمنحه القدرة على الحركة والمناورة والإنحاء والانعطاف والتمدد، أي أنها تساعدها على الحركة، إلا أن سحلية كهذه على الأرض، لا تتمتع بالكفاءة نفسها التي لدى الأفاعي.
أما الجانب الذي تتفوق فيه السحلية الزجاجية على الأفعى، فهو الغوص تحت الأرض، أما السبب في ذلك فهو هنا. لدى هذه السحالي جلد ناعم جدا، لا يسمح لشيء أن يعلق به، حتى أنها عندما تغوص في الوحل والتراب وغيره، ينتفض كل شيء عن جسمها، أي انها تتحرك بسرعة وهي تحفر تحت الأرض، أما على السطح فترتبك جدا، لا يمكن أن تتمتع بكفاءة قريبة من براعة الأفاعي.
عادة ما تعيش هذه السحلية وسط المراعي والحقول التي تنبت فيها الأعشاب. وهي تغذى على أشكال متنوعة من الحيوانات، فهي تتغذى عادة على بعض الديدان والسحالي والثعابين الصغيرة والعنكبوت، وكل ما ملكت من حيوانات الصغيرة الأخرى التي تستطيع صيدها وأكلها، أي أنها لا تميز بين الحيوانات الصغيرة التي تتغذى عليها
لدى هذه السحالي طريقة مميزة للتخلص من الأعداء، وهي طريقة لا تتبعها الثعابين على الإطلاق. لنرى ماذا تفعل.
لنفترض أن السحلية الزجاجية خرجت مرة تتنزه فوق سطح الأرض لتتنبه فجأة، يظهر أمامها كلب كبير وهو يقول في نفسه: حسنا لقد عثرت على طعام الغداء، مع أن السحلية لا تحب سماع ذلك، ولكن الكلب ينطلق نحوها ويضعها في فمه، لا شك هنا أنه سيضع في فمه جزء واحد من هذه السحلية، فإما أن يمسك بذيلها أو بجسمها، لنفترض أولا أنه أمس بالذيل، ماذا سيكون موقف السحلية؟ لن يجد خيارا آخر سوى الفرار مسرعا، وعندما يفعل ذلك، ينقطع ذيله عن جسمه، وعندما ينقطع الذيل يسقط جسم السحلية على الأرض، وهكذا يختفي بين الأعشاب، بينما يستمر الذيل بالتحرك والاهتزاز، بحركة لا تتوقف في فمه، دون أن يتنبه الكلب إلى أن السحلية قد رحلت، ولكن ماذا إن عض الكلب جسم السحلية؟ ماذا سيحدث حينها؟ ستهتز السحلية وتتحرك بقوة حتى يسقط الذيل عنها، وينطلق على الأرض، وهو يستمر بالاهتزاز والحركة العنيفة دون توقف حتى يلفت نظر الكلب، الذي يلتفت إليه ويفكر في نفسه أنه فقد السحلية، فيفتح فمه ليمسك بالذيل، كي يقع جسم السحلية منه، وتنطلق مبتعدة بين الأعشاب، بينما يستمر الكلب بمطاردة الذيل المتحرك.
أي أن لهذه السحلية طريقة مميزة في التخلص من عدوها، ولكنه بعد أن يفقد الذيل ينمو له ذيل آخر، من خلال عملية النمو المتجدد، ليتمكن من الفرار من الكلاب وغيره من الأعداء مرة بعد أخرى بالطريقة نفسها.
يمكن أن تلاحظ بأن هذه السحلية شبيهة جدا بالثعابين، وهي تتصرف تماما كالثعابين، ولكنها دون شك، ليس من الثعابين إطلاقا.
حية الغوفر
لا شك أنك شاهدت هذا الثعبان من قبل، إنه ثعبان الغوفر، سنتعرف عبر هذه الحية اليوم عن لسعات الثعابين الغير سامة. نعرف أولا أن حية الغوفر لا تطلق السم وليس لها أنياب. لهذا يعتقد البعض أن الثعابين التي لا تتمتع باسم وليس لها أنياب لا يمكن أن تلسع، إلا أن هذا تفكير خاطئ تماما. الصحيح هو أنه بإمكان أي ثعبان أن يلسع إذا وجد سببا لذلك.
عادة ما تلسع الحية عدوه وتتركه على الفور، إلا أنك أحيانا ما ترى ثعابين تعض على خصمها ولا تتركه بعدها. وغالبا ما تكون هذه المسألة مجرد حادثة لا أكثر، فهي ربما عالقة، إنها الحقيقة.
تتمتع الثعابين بأسنان حادة ومنحنية ، أي أنها تميل إلى داخل فم الحية، لهذا أحيانا ما تسعى الحية للسع شخص ما، ولكن فمها يعلق في المكان الذي تعضه، ولا تستطيع الإفلات منه، مع أن الثعبان يحاول جاهدا تخليص أسنانه ولكنه لا يستطيع ذلك. ما يعني أن على المرء أن يدفع فم الثعبان لاحتواء ساعده مثلا، لتخليص أسنانه، وهكذا يمكن أن يرفعه من هناك بهدوء. ليتخلص بذلك منه ويتخلص المرء من أسنانه، وهكذا يشعر الطرفان بالارتياح.
والآن ماذا ستفعل إذا لسعك ثعبان غير سام مثل حية الغوفر؟ مبدئيا عليك أن تعامل اللسعة كأي جرح خارجي عادي، وذلك بأن تغسله جيدا بالماء والصابون، ثم تغطيه بمضاد للالتهابات. قد يتساءل البعض، لماذا أحتاج للمضاد مع أنه ليس ساما؟ والإجابة على ذلك هي أن مضاد الالتهابات لا يفعل شيئا ضد السم، ولكن السبب في استعماله هو أن لبعض الثعابين أفواه قذرة، وأنا لا أعني هنا أنها تتفوه بكلمات بذيئة، بل أعني أن في فمها الكثير من الجراثيم والأوساخ، وعندما تلسعك، وتجرحك، يمكن للجراثيم والأوساخ أن تدخل في الجرح، لهذا سوف يلتهب، ولكن إذا وضعت المضاد الحيوي، ستتخلص من هذا الاحتمال دون أن تقلق بشأنه.
وإذا نزف الجرح قليلا ضع شاشة معقمة عليه، وانس الأمر كليا. هذا كل ما يجب أن تفعله بالنسبة للثعابين العادية الغير سامة. أما إذا تعرضت للسعة ثعبان كبير مثل البوا أو الحية العاصرة، من المحتمل أن يكون الجرح بليغا، وإذا لم تتمكن من وقف النزيف ولم الجرح، من الأفضل أن تذهب إلى الطبيب، الذي سيقرر ما إذا كنت تحتاج إلى بعض القطب أو حتى إلى إبرة وقائية على اعتبار أن الجرح عميق ولا داعي للمخاطرة. لهذا إن كان لا بد من زيارة الطبيب أخذا بالاعتبار أن الجرح أكبر من أن تحتمله، من الأفضل أن تفعل ذلك. ولكن بالنسبة لغالبية لسعات الثعابين الغير سامة، ما عليك إلا أن تغسل الجرح بالماء والصابون ووضع المضاد الحيوي، ثم تغطيه بالشاش، لتكون على ما يرام.
قد يتساءل البعض، كيف لي أن أعرف ما إذا كان الثعبان الذي يلسعني سام أم لا؟ هل هناك علامة مميزة أستطيع أن أميز الحية السامة فيها عن الحية الغير سامة؟ هل يمكن أن أتعرف على بعض الفوارق؟
لسوء الحظ هناك علامتين فارقتين تجدهما لدى الثعابين السامة دون أن تجدهما لدى الثعابين الغير سامة. وهي، السم والأنياب. وهذا ما يجعلها ثعابين سامة.
ولكن كيف تتبين ذلك؟ لا يمكن أن تقترب من الثعبان، وتفتح فمه لترى إن كان فيه أنياب. لأنك حينها ستتورط في مشكلة كبيرة. لا يمكن اتباع هذه الطريقة للتأكد مما إذا كان الثعبان سام أم لا. ولا يمكن أن تعرف ما إذا كان الثعبان سام من شكل رأسه، ولا يمكن أن تعرف ذلك من شكل عيناه، حتى أنك لا يمكن أن تتأكد مما إذا كانت الحية مجلجلة، من الجرس الذي في ذيلها، على اعتبار أن ذيل المجلجلة ينقطع في كثير من الأحيان. أي أن عدم وجود الجرس على ذيلها لا يعني أنها ليست مجلجلة، بل هي مجلجلة قطع ذيلها منذ بعض الوقت.
يجب أن تتعرف إذا على نوع الثعابين السامة التي تسكن في المنطقة التي أنت فيها، فمثلا إن أردت الخروج في إجازة إلى مكان ما أو إذا أردت التعرف على أنواع الثعابين التي تعشش في الجوار.
ما عليك سوى الحصول على كتاب كهذا تماما، اسمه دليل الحقول، وهو يحتوي على صور لجميع الثعابين، ويحتوي على معلومات عن كل منها. وهكذا يمكن أن تتعرف من خلاله على نوع الثعابين التي تسكن في تلك المنطقة، المجاورة لمنزلك. الكتاب مرفق بالصور ليمكنك على التعرف عليها حين تراها، وقراءة المعلومات عنها يساعدك على جحورها ومتى تنشط. فإذا علمت أن هناك ثعبان يسكن في المستنقعات المجاورة، ولكنه لا يخرج إلا في الليل، لا تذهب إلى المستنقع في الليل، كي تتفادى الثعبان بالكامل. لهذا عليك الحصول على دليل الحقول، كي تتعرف على ملامح الثعابين، ومواصفاتها وأين تسكن وكيفية الابتعاد عنها.
لدينا في الولايات المتحدة ثلاثة مجموعات من الثعابين السامة. لدينا أولا البيت فايبر، وهي تشمل المجلجلة، ونحاسية الرأس ومائية الموكاسين.
أما المجموعة الثانية من الثعابين السامة، فهي الإيلابيد، وهي فصيلة تحتوي على ثعبان واحد يعرف بالمرجاني.
عندما تخرج من القارة الأمريكية لتصل إلى الهند أو أفريقيا وأستراليا، تجد أنواع أخرى من هذه الفصيلة مثل الكوبرا والتيتان والمامبا وثعبان النمر، والعديد العديد منها، أما في أمريكا فليس لدينا من هذه الفصيلة إلا الثعبان المرجاني.
أما المجموعة الثالثة من الثعابين السامة في أمريكا، فهي ثعابين الأنياب الخلفية، ولدينا نماذج عنها في حية الفاين وحية لاير. وهي ثعابين أنيابها في مؤخرة الفم، عادة ما تتغذى على السحالي، وقلما تسبب المشاكل للبشر. قلما تلسع شخصا ما وقلما سمعنا عنها تلسع إنسانا في مكان هنا. لهذا لن نسهب في الحديث عن ثعابين الأنياب الخلفية، لأنها في أمريكا ليست خطيرة أما في بلدان أخرى فهي تختلف تماما، مع أنها لا تسبب المشاكل هنا. لهذا سوف نركز الحديث اليوم عن لسعات الثعابين السامة من فصيلتي البيت فايبر، ومن الإلابيد.
بعد أن علمنا بأن لسعة الثعابين الغير سامة، لا تسبب مشكلة على الإطلاق، أما لسعات الثعابين السامة، فهي مسألة تختلف تماما.
=-=-=-=-=-=-=
سوف نستعمل الحية المجلجلة، للتحدث عن فصيلة البيت فايبر. نعرف أولا أن هذه الفصيلة تشتمل على ثلاثة أنواع، هي المجلجلة، ومائة موكاسين، ونحاسية الرأس. نعلم أن بين هذه الأنواع الثلاثة أمر واحد مشترك، أولا أن لجميعها ثقوب. يعني أن لكل منها ثقبين على الجانبين الأيمن والأيسر من الوجه، وهما بين العينين والأنف.
هذه الثقوب ليست أنفا مضافا أو آذان أو ما شابه ذلك، بل هو عضو لقياس الحرارة. تعتمد البيت فايبر على هذه الثقوب لعثور على الحيوانات وسط الظلام الحالك، بمجرد التقاط حرارة جسمها. وهذه مسألة دقيقة ولكنها لا تصلح إلا إذا كان الحيوان قريبا. أي أنه لن يعثر على حيوان في الجانب الآخر من ملعب كرة القدم باستخدام الثقوب، بل عليه أن يكون قريبا منه لقياسه.
الميزة الأخرى لهذه الثعابين، هي أنها تتمتع جميعا بأنياب طويلة جدا، لدرجة أنها تنطوي في سقف فمها، وبما أن أفواه الثعابين هذه كبيرة لا بد أن تكون الأنياب طويلة جدا.
أنياب جميع ثعابين فصيلة بيت فايبر مجوفة، وهي ترتبط بغدد السم عبر أنابيب. وعندما يقرر أحد هذه الثعابين أن يلسعك، يفتح فمه قدر المستطاع، حتى تبرز الأنياب المطوية في سقف فمه إلى الأمام, وتتخذ موقعا لها، ليقوم بعدها بغرزها في خصمه، أي أن الثعبان هنا لا يعض، بل يلسع بأنيابه، التي يحقن من خلالها السم. لو أن الأنياب لم تكن مطوية في أعلى الفم، لعض نفسه كلما حاول فتح فمه، لهذا لا بد من بقائها مطوية هناك، لأنها طويلة جدا ولولا ذلك لما تمكنت من إقفال فمها أيضا.
الميزة التالية، هي أن لديها رأس على شكل قوسي، كما أن حدقات عيناها عمودية شبيهة بعينا القط.
جميعنا يعرف أن بعض ثعابين هذه الفصيلة كالنحاسية والمائية، لا تتمتع بأجراس في ذيلها على غرار المجلجلة، إلا أنها جميعا تحرك ذيلها بسرعة كبيرة عندما تصاب بالتوتر أو الخوف، وهذه ردة فعل مشتركة لديها جميعا تجاه الخطر. أي أنها جميعا تنفض ذيلها، إلا أن المجلجلة وحدها التي تثير الجلبة.
لنمعن النظر قليلا في هذا المخلوق حي نتعرف على عناصر أخرى تميز البيت فايبر. أو لدى هذه الثعابين جميعا أنياب وسموم، كما أن سمها قوي بما يكفي لقتل إنسان. أي أنها ثعابين خطيرة. حتى أصغر ثعابين البيت فايبر على الإطلاق، تولد بالسم في أنيابها، كما أنها تلسع بعد ثانية من ولادتها، أي أنها خطيرة منذ الولادة.
إذا كنت تمشي في مكان ما وتتوقع أن يحميك الحذاء من لسعة ثعبان كالمجلجلة والنحاسية أو المائية، فأنت على خطأ، لأن الحذاء لن ينفعك، فأنياب هذه الثعابين تخترق حتى الحذاء العسكري، فلا تتوقع من حذاؤك أي حماية. فهو لا يكفي.
قد يتساءل البعض بالقول: يا إلهي،ماذا سأفعل إذا لسعتني المجلجلة؟ وهل ستلسعني مرة واحدة وترحل أم أنها ستكرر ذلك مرة بعد أخرى بعد أخرى؟ ولكن هل تعلم أنها من المحتمل أن تلسعك أكثر من مرة، أما إذا غادرت المكان بعد أن تلسعك، ليس من عادتها المطاردة، أو أن تمنعك من الفرار، تذكر أنها لم تفعل ذلك رغبة في التقرب منك على الإطلاق، بل يريدك أن ترحل، فإذا ما لسعتك، أول ما يجب أن تفعله هو الرحيل كي لا تلسعك من جديد.
عندما تلسع هذه الحية، تحكم سيطرتها على كمية السم الذي تدسه، إذ يمكنها أن تخفف الجرعة قليلا، كما تستطيع أن تضاعف الجرعة عدة مرات، كما يمكن أن تلسع دون تدس السم على الإطلاق، وهذا ما يسمونه باللسعة الجافة.
ولكن عدم دس السم لا يعني بالضرورة أنك لن تتألم، تذكر أن أنياب هذا الثعبان الطويلة والحادة ستغرز في الجسم. كما أن السم لن ينفذ لديه مهما كرر لسعاته، لا تعتقد أنه إن فعل ذلك مرة لن يبقى لديه المزيد من السم، بل يمكنه أن يلسع مرة بعد أخرى، ويحتفظ بمزيد من السم لديه، فهو لا ينفذ أبدا، فلديه مخزون كبير من السم.
لا أريد بذلك أن أخيف أحدا من المجلجلة، لأنها في الحقيقة تخاف من الإنسان أكثر مما يخاف هو منها، صدق أو لا تصدق.
لنفترض أن بيت فايبر صادفتك يوما مثل المجلجلة، كهذه تماما، من المحتمل أن تصرخ على الفور قائلا: يا إلهي إنها المجلجلة! تأكد أنها في المقابل سيصرخ على طريقتها أيضا: يا إلهي، هذا شاب بشع! وحينها ينطلق كل منكما في اتجاهين معاكسين، ولا شك أن ذلك في صالحكما معا.
أي أن ما يحدث هنا هو أنك إذا ابتعدت عن الثعبان سيبتعد عنك هو بدوره، وسيكون كل منكما على ما يرام.
أما إذا تعرضت للسعة البيت فايبر فأنت في وضع خطير جدا، لأنه يدس سما يلقبونه علميا إيموتوكسيك، وهون يهاجم الكريات الحمر، وإذا دمرت الكريات الحر، يموت المرء على الفور. إنه سم خطير.
لسعة الثعبان هذه ليست خطيرة فحسب بل هي مؤلمة، قد يشعر المرء وكأن لهبا يشتعل في أرجاء جسمه دون توقف. كما أن مكانه يتورم حالا، فإذا لسع المرء في إصبعه ينتفخ حتى يصبح بحجم رسغه، كما يغلب اللون الشاحب على الجلد، وكأنه تعرض لحرق عميق. أي أن لسعة أي من ثعابين فصيلة البيت فايبر هي خطيرة ومؤلمة جدا.