شباب ستار
تفسير سورة البقرة 749093772
شباب ستار
تفسير سورة البقرة 749093772
شباب ستار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شباب ستار

شباب ستار| اغاني | العاب | مسلسلات | مهرجنات| لوبات| برامج دجي | فلاتر| بروجكتات|افلام عربي-افلام اجنبي-افلام هندي-اغاني عربي-اغاني-اجنبي-برامج كاملة-العاب-نغمات-سيمزات-خلفيات-شات-رسائل-مطبخ حواء-gemes-movies-photo-flash-اكوادcss-اكوادthml-تقنيات
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
أهلا بك من جديد يا زائر آخر زيارة لك كانت في
آخر عضو مسجل Mo فمرحبا به


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا


 

 تفسير سورة البقرة

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 12:39 am

سورة البقرة
مدنـية
وآياتها ست وثمانون ومائتان
القول فـي تأويـل السورة التـي يذكر فـيها البقرة
الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{الَمَ }
قال أبو جعفر: اختلفت تراجمة القران فـي تأويـل قول الله تعالـى ذكره: الـم فقال بعضهم: هو اسم من أسماء القران. ذكر من قال ذلك:
71ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: الـم قال: اسم من أسماء القران.
72ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم الاَملـي, قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قال: الـم اسم من أسماء القران.
73ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج قال: الـم اسم من أسماء القران.
وقال بعضهم: هو فواتـح يفتـح الله بها القران. ذكر من قال ذلك:
74ـ حدثنـي هارون بن إدريس الأصم الكوفـي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: الـم فواتـح يفتـح الله بها القران.
حدثنا أحمد بن حازم الغفـاري, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن مـجاهد, قال: الـم فواتـح.
حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن يحيى بن ادم, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد, قال: الـم وحم والـمص وص فواتـح افتتـح الله بها.
حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد مثل حديث هارون بن إدريس.
وقال بعضهم: هو اسم للسورة. ذكر من قال ذلك:
75ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أنبأنا عبد الله بن وهب, قال: سألت عبد الرحمن بن زيد بن أسلـم, عن قول الله: الـم ذلك الكتابُ والـم تَنْزِيـلُ والـمر تِلْك فقال: قال أبـي: إنـما هي أسماء السور.
وقال بعضهم: هو اسم الله الأعظم. ذكر من قال ذلك:
76ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا شعبة, قال: سألت السديّ عن حم وطسم والـم فقال: قال ابن عبـاس: هو اسم الله الأعظم.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنـي أبو النعمان, قال: حدثنا شعبة عن إسماعيـل السدي, عن مرة الهمدانـي, قال: قال عبد الله فذكر نـحوه.
77ـ حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبـيد الله بن موسى, عن إسماعيـل, عن الشعبـي قال: فواتـح السور من أسماء الله.
وقال بعضهم: هو قَسَمٌ أقسم الله به وهي من أسمائه. ذكر من قال ذلك:
78ـ حدثنـي يحيى بن عثمان بن صالـح السهمي, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال: هو قَسَم أقسم الله به وهو من أسماء الله.
79ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا خالد الـحذاء عن عكرمة قال: الـم قسم.
وقال بعضهم: هو حروف مقطعة من أسماء وأفعال, كل حرف من ذلك لـمعنى غير معنى الـحرف الاَخر. ذكر من قال ذلك:
80ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا ابن أبـي شريك, عن عطاء بن السائب, عن أبـي الضحى, عن ابن عبـاس: الـم فقال: أنا الله أعلـم.
81ـ وحدثت عن أبـي عبـيد قال: حدثنا أبو الـيقظان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, قال قوله: الـم قال: أنا الله أعلـم.
82ـ حدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي, قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر, عن إسماعيـل السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: الـم قال: أما: الـم فهو حرف اشتق من حروف هجاء أسماء الله جل ثناؤه.
83ـ حدثنا مـحمد بن معمر, قال: حدثنا عبـاس بن زياد البـاهلـي, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس فـي قوله: الـم وحم ون قال: اسم مقطع.
وقال بعضهم: هي حروف هجاء موضوع. ذكر من قال ذلك:
84ـ حدثت عن منصور بن أبـي نويرة, قال: حدثنا أبو سعيد الـمؤدب, عن خصيف, عن مـجاهد, قال: فواتـح السور كلها ق وص وحم وطسم والر وغير ذلك هجاء موضوع.
وقال بعضهم: هي حروف يشتـمل كل حرف منها علـى معان شتـى مختلفة. ذكر من قال ذلك:
85ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم الطبري, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبد الله بن أبـي جعفر الرازي قال: حدثنـي أبـي, عن الربـيع بن أنس فـي قول الله تعالـى ذكره: الـم قال: هذه الأحرف من التسعة والعشرين حرفـا, دارت فـيها الألسن كلها, لـيس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه, ولـيس منها حرف إلا وهو فـي آلائه وبلائه, ولـيس منها حرف إلا وهو مدة قوم وآجالهم. وقال عيسى ابن مريـم: «وعجيب ينطقون فـي أسمائه, ويعيشون فـي رزقه, فكيف يكفرون»؟ قال: الألف: مفتاح اسمه «الله», واللام: مفتاح اسمه «لطيف», والـميـم: مفتاح اسمه «مـجيد» والألف: آلاء الله, واللام: لطفه, والـميـم: مـجده الألف: سنة, واللام ثلاثون سنة, والـميـم: أربعون سنة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن أبـي جعفر, عن الربـيع بنـحوه.
وقال بعضهم: هي حروف من حساب الـجمل, كرهنا ذكر الذي حكي ذلك عنه, إذ كان الذي رواه مـمن لا يُعتـمد علـى روايته ونقله, وقد مضت الرواية بنظير ذلك من القول عن الربـيع بن أنس.
وقال بعضهم: لكل كتاب سرّ, وسرّ القرآن فواتـحه.
وأما أهل العربـية فإنهم اختلفوا فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: هي حروف من حروف الـمعجم استُغنـي بذكر ما ذكر منها فـي أوائل السور عن ذكر بواقـيها التـي هي تتـمة الثمانـية والعشرين حرفـا, كما استغنَى الـمخبرُ عمن أخبر عنه أنه فـي حروف الـمعجم الثمانـية والعشرين بذكر «أ ب ت ث» عن ذكر بواقـي حروفها التـي هي تتـمة الثمانـية والعشرين, قال: ولذلك رفع ذلك الكتابُ لأن معنى الكلام: الألف واللام والـميـم من الـحروف الـمقطعة ذلك الكتاب الذي أنزلته إلـيه مـجموعا لا ريب فـيه....
فإن قال قائل: فإن «أ ب ت ث» قد صارت كالاسم فـي حروف الهجاء كما صارت الـحمد اسما لفـاتـحة الكتاب قـيـل له: لـما كان جائزا أن يقول القائل: ابنـي فـي «ط ظ», وكان معلوما بقـيـله ذلك لو قاله إنه يريد الـخبر عن ابنه أنه فـي الـحروف الـمقطعة, علـم بذلك أن «أ ب ت ث» لـيس لها بـاسم, وإن كان ذلك آثَرَ فـي الذكر من سائرها. قال: وإنـما خولف بـين ذكر حروف الـمعجم فـي فواتـح السور, فذكرت فـي أوائلها مختلفة, وذِكْرُها إذا ذُكرت بأوائلها التـي هي «أ ب ت ث» مؤتلفة لـيفصل بـين الـخبر عنها, إذا أريد بذكر ما ذكر منها مختلفـا الدلالة علـى الكلام الـمتصل, وإذا أريد بذكر ما ذكر منها مؤتلفـا الدلالة علـى الـحروف الـمقطعة بأعيانها. واستشهدوا لإجازة قول القائل: ابنـي فـي «ط ظ», وما أشبه ذلك من الـخبر عنه أنه فـي حروف الـمعجم, وأن ذلك من قـيـله فـي البـيان يقوم مقام قوله: «ابنـي فـي أ ب ت ث» برجز بعض الرجاز من بنـي أسد:
لَـمّا رأيْتُ أمْرَها فـي حُطّيوفَنَكَتْ فـي كَذِبٍ ولَطّ
أخَذْتُ منْها بِقُرُونٍ شُمْطِفَلَـمْ يَزَلْ ضَرْبـي بها ومَعْطِي
حتـى عَلا الرأسَ دَمٌ يُغَطّي
فزعم أنه أراد بذلك الـخبر عن الـمرأة أنها فـي «أبـي جاد», فأقام قوله: «لـما رأيت أمرها فـي حُطي» مقام خبره عنها أنها فـي «أبـي جاد», إذ كان ذاك من قوله يدل سامعه علـى ما يدله علـيه قوله: لـما رأيت أمرها فـي أبـي جاد.
وقال آخرون: بل ابتدئت بذلك أوائل السور لـيفتـح لاستـماعه أسماع الـمشركين, إذ تواصوا بـالإعراض عن القرآن, حتـى إذا استـمعوا له تُلـي علـيهم الـمؤلف منه.
وقال بعضهم: الـحروف التـي هي فواتـح السور حروف يستفتـح الله بها كلامه.
فإن قـيـل: هل يكون من القرآن ما لـيس له معنى؟ فإن معنى هذا أنه افتتـح بها لـيعلـم أن السورة التـي قبلها قد انقضت, وأنه قد أخذ فـي أخرى, فجعل هذا علامة انقطاع ما بـينهما, وذلك فـي كلام العرب ينشد الرجل منهم الشعر فـيقول:
بل....وَبَلْدَةٍ ما الإنْسُ مِنْ آهالهَا
ويقول: لا بل...
ما هاجَ أحْزَانا وشَجَوْا قَدْ شَجا
و«بل» لـيست من البـيت ولا تعدّ فـي وزنه, ولكن يقطع بها كلاما ويستأنف الاَخر.
قال أبو جعفر: ولكل قول من الأقوال التـي قالها الذين وصفنا قولهم فـي ذلك وجه معروف. فأما الذين قالوا: الـم اسم من أسماء القرآن, فلقولهم ذلك وجهان: أحدهما أن يكونوا أرادوا أن: الـم اسم للقرآن كما الفرقان اسم له. وإذا كان معنى قائل ذلك كذلك, كان تأويـل قوله: الـم: ذلكَ الكِتابُ علـى معنى القسم كأنه قال: والقرآن هذا الكتاب لا ريب فـيه. والاَخر منهما أن يكونوا أرادوا أنه اسم من أسماء السورة التـي تعرف به كما تعرف سائر الأشياء بأسمائها التـي هي لها أمارات تعرف بها, فـيفهم السامع من القائل يقول: قرأت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 12:41 am

الـيوم الـمص ون أي السورة التـي قرأها من سور القرآن, كما يفهم عنه إذا قال: لقـيت الـيوم عمرا وزيدا, وهما بزيد وعمر وعارفـان مَنِ الذي لقـي من الناس. وإن أشكل معنى ذلك علـى امرىء فقال: وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك ونظائر الـم الـمر فـي القرآن جماعة من السور؟ وإنـما تكون الأسماء أماراتٍ, إذا كانت مـميزة بـين الأشخاص, فأما إذا كانت غير مـميزة فلـيست أمارات. قـيـل: إن الأسماء وإن كانت قد صارت لاشتراك كثـير من الناس فـي الواحد منها غير مـميزة إلا بـمعان أخر معها من ضم نسبة الـمسمى بها إلـيها أو نعته أو صفته بـما يفرق بـينه وبـين غيره من أشكالها, فإنها وضعت ابتداء للتـميـيز لا شك ثم احتـيج عند الاشتراك إلـى الـمعانـي الـمفرّقة بـين الـمسمّى بها. فكذلك ذلك فـي أسماء السور, جعل كل اسم فـي قول قائل هذه الـمقالة أمارةً للـمسمى به من السور. فلـما شارك الـمسمّى به فـيه غيره من سور القرآن احتاج الـمخبر عن سورة منها أن يضم إلـى اسمها الـمسمى به من ذلك ما يفرق به للسامع بـين الـخبر عنها وعن غيرها من نعت وصفة أو غير ذلك, فـيقول الـمخبر عن نفسه إنه تلا سورة البقرة إذا سماها بـاسمها الذي هو الـم: قرأت الـم البقرة, وفـي آل عمران: قرأت الـم آل عمران, والـم ذَلِكَ الكِتابُ والـم اللّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الـحَيّ القَـيّومُ. كما لو أراد الـخبر عن رجلـين اسم كل واحد منهما عمرو, غير أن أحدهما تـميـميّ والاَخر أزدي, للزمه أن يقول لـمن أراد إخبـاره عنهما: لقـيت عمرا التـميـمي وعمرا الأزدي, إذ كان لا فرق بـينهما وبـين غيرهما مـمن يشاركهما فـي أسمائهما إلا بنسبتهما كذلك, فكذلك ذلك فـي قول من تأول فـي الـحروف الـمقطعة أنها أسماء للسور.
وأما الذين قالوا: ذلك فواتـح يفتتـح الله عز وجل بها كلامه, فإنهم وجهوا ذلك إلـى نـحو الـمعنى الذي حكيناه عمن حكينا عنه من أهل العربـية أنه قال: ذلك أدلة علـى انقضاء سورة وابتداء فـي أخرى وعلامة لانقطاع ما بـينهما, كما جعلت «بل» فـي ابتداء قصيدة دلالة علـى ابتداء فـيها وانقضاء أخرى قبلها كما ذكرنا عن العرب إذا أرادوا الابتداء فـي إنشاد قصيدة, قال:
بل...ما هاجَ أحْزَانا وشَجْوا قَدْ شَجا
و«بل» لـيست من البـيت ولا داخـلة فـي وزنه, ولكن لـيدل به علـى قطع كلام وابتداء آخر.
وأما الذين قالوا: ذلك حروف مقطعة بعضها من أسماء الله عزّ وجل, وبعضها من صفـاته, ولكل حرف من ذلك معنى غير معنى الـحرف الاَخر. فإنهم نـحوا بتأويـلهم ذلك نـحو قول الشاعر:
قُلْنا لَهَا قِـفِـي لنا قالَتْ قافْلا تَـحْسبِـي أنّا نَسِينا الإيجَافْ
يعنـي بقوله: قالت قاف: قالت قد وقـفت. فدلّت بإظهار القاف من «وقـفت» علـى مرادها من تـمام الكلـمة التـي هي «وقـفت», فصرفوا قوله: الـم وما أشبه ذلك إلـى نـحو هذا الـمعنى, فقال بعضهم: الألف ألف «أنا», واللام لام «الله», والـميـم ميـم «أعلـم», وكل حرف منها دال علـى كلـمة تامة. قالوا: فجملة هذه الـحروف الـمقطعة إذا ظهر مع كل حرف منهن تـمام حروف الكلـمة «أنا الله أعلـم». قالوا: وكذلك سائر جميع ما فـي أوائل سور القرآن من ذلك, فعلـى هذا الـمعنى وبهذا التأويـل. قالوا: ومستفـيض ظاهر فـي كلام العرب أن ينقص الـمتكلـم منهم من الكلـمة الأحرف إذا كان فـيـما بقـي دلالة علـى ما حذف منها, ويزيد فـيها ما لـيس منها إذا لـم تكن الزيادة مُلَبّسة معناها علـى سامعها كحذفهم فـي النقص فـي الترخيـم من «حارث» «الثاء» فـيقولون: يا حار, ومن «مالك» «الكاف» فـيقولون: يا مال, وأما أشبه ذلك. وكقول راجزهم:
ما للظّلِـيـمِ عَالَ كَيْفَ لاَ يايَنْقَدّ عَنْهُ جِلْدُهُ إذَا يا
كأنه أراد أن يقول: إذا يفعل كذا وكذا, فـاكتفـى بـالـياء من «يفعل». وكما قال آخر منهم:
بـالـخَيْرِ خَيْرَاتٌ وَإِنْ شَرّا فَـا
يريد فشرّا.
ولا أُرِيدُ الشّرّ إِلاّ أنْ تَا
يريد إلا أن تشاء. فـاكتفـى بـالتاء والفـاء فـي الكلـمتـين جميعا من سائر حروفهما, وما أشبه ذلك من الشواهد التـي يطول الكتاب بـاستـيعابه. وكما
86ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أيوب وابن عون, عن مـحمد, قال: لـما مات يزيد بن معاوية, قال لـي عبدة: إنـي لا أراها إلا كائنة فتنة فـافزع من ضيعتك والـحق بأهلك قلت: فما تأمرنـي؟ قال: أحبّ إلـيّ لك أن تا قال أيوب وابن عون بـيده تـحت خده الأيـمن يصف الاضطجاع حتـى ترى أمرا تعرفه.
قال أبو جعفر: يعنـي ب «تا» تضطجع, فـاجتزأ بـالتاء من تضطجع. وكما قال الاَخر فـي الزيادة فـي الكلام علـى النـحو الذي وصفت:
أقولُ إذْ خَرّتْ علـى الكَلْكالِيا ناقَتِـي ما جُلْتِ مِن مَـجَالِ
يريد الكلكل. وكما قال الاَخر:
إِنّ شَكْلِـي وإِنّ شَكْلَكِ شَتّـىفـالزَمِي الـخُصّ واخْفِضي تَبْـيَضِضّي
فزاد ضادا ولـيست فـي الكلـمة.
قالوا: فكذلك ما نقص من تـمام حروف كل كلـمة من هذه الكلـمات التـي ذكرنا أنها تتـمة حروف الـم ونظائرها, نظير ما نقص من الكلام الذي حكيناه عن العرب فـي أشعارها وكلامها.
وأما الذين قالوا: كل حرف من الـم ونظائرها دالّ علـى معان شتـى نـحو الذي ذكرنا عن الربـيع بن أنس, فإنهم وجهوا ذلك إلـى مثل الذي وجهه إلـيه من قال هو بتأويـل: «أنا الله أعلـم» فـي أن كل حرف منه بعض حروف كلـمة تامة استُغنـي بدلالته علـى تـمامه عن ذكر تـمامه, وإن كانوا له مخالفـين فـي كل حرف من ذلك, أهو من الكلـمة التـي ادعى أنه منها قائلو القول الأول أم من غيرها؟ فقالوا: بل الألف من الـم من كلـمات شتـى هي دالة علـى معانـي جميع ذلك وعلـى تـمامه. قالوا: وإنـما أفرد كل حرف من ذلك وقصر به عن تـمام حروف الكلـمة أن جميع حروف الكلـمة لو أظهرت لـم تدل الكلـمة التـي تظهر بعض هذه الـحروف الـمقطعة بعضٌ لها, إلاّ علـى معنى واحد لا علـى معنـيـين وأكثر منهما. قالوا: وإذا كان لا دلالة فـي ذلك لو أظهر جميعها إلا علـى معناها الذي هو معنى واحد, وكان الله جل ثناؤه قد أراد الدلالة بكل حرف منها علـى معان كثـيرة لشيء واحد, لـم يجز إلا أن يفرد الـحرف الدال علـى تلك الـمعانـي, لـيعلـم الـمخاطبون به أن الله عز وجل لـم يقصد قصد معنى واحد ودلالة علـى شيء واحد بـما خاطبهم به, وأنه إنـما قصد الدلالة به علـى أشياء كثـيرة. قالوا: فـالألف من الـم مقتضية معانـي كثـيرة, منها: إتـمام اسم الرب الذي هو الله, وتـمام اسم نعماء الله التـي هي آلاء الله, والدلالة علـى أَجَلِ قوم أنه سنة, إذا كانت الألف فـي حساب الـجُمّل واحدا. واللام مقتضية تـمام اسم الله الذي هو لطيف, وتـمام اسم فضله الذي هو لطف, والدلالة علـى أجل قوم أنه ثلاثون سنة. والـميـم مقتضية تـمام اسم الله الذي هو مـجيد, وتـمام اسم عظمته التـي هي مـجد, والدلالة علـى أجل قوم أنه أربعون سنة. فكان معنى الكلام فـي تأويـل قائل القول الأول: أن الله جل ثناؤه افتتـح كلامه بوصف نفسه بأنه العالـم الذي لا يخفـى علـيه شيء, وجعل ذلك لعبـاده منهجا يسلكونه فـي مفتتـح خطبهم ورسائلهم ومهمّ أمورهم, وابتلاء منه لهم لـيستوجبوا به عظيـم الثواب فـي دار الـجزاء, كما افتتـح بـالـحمد لله رب العالـمين, والـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي خَـلَقَ السموَاتِ وَالأرْضَ وما أشبه ذلك من السور التـي جعل مفـاتـحها الـحمد لنفسه. وكما جعل مفـاتـح بعضها تعظيـم نفسه وإجلالها بـالتسبـيح كما قال جل ثناؤه: سُبْحانَ الّذِي أسْرَى بعَبْدِهِ لَـيْلاً وما أشبه ذلك من سائر سور القرآن التـي جعل مفـاتـح بعضها تـحميد نفسه, ومفـاتـح بعضها تـمـجيدها, ومفـاتـح بعضها تعظيـمها وتنزيهها. فكذلك جعل مفـاتـح السور الأخرى التـي أوائلها بعض حروف الـمعجم مدائح نفسه أحيانا بـالعلـم, وأحيانا بـالعدل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 12:42 am

والإنصاف, وأحيانا بـالإفضال والإحسان بإيجاز واختصار, ثم اقتصاص الأمور بعد ذلك. وعلـى هذا التأويـل يجب أن يكون الألف واللام والـميـم فـي أماكن الرفع مرفوعا بعضها ببعض دون قوله: ذلكَ الكِتابُ ويكون ذلك الكتاب خبر مبتدأ منقطعا عن معنى الـم, وكذلك «ذلك» فـي تأويـل قول قائل هذا القول الثانـي مرفوعٌ بعضه ببعض, وإن كان مخالفـا معناه معنى قول قائل القول الأول.
وأما الذين قالوا: هن حروف من حروف حساب الـجُمّل دون ما خالف ذلك من الـمعانـي, فإنهم قالوا: لا نعرف للـحروف الـمقطعة معنى يفهم سوى حساب الـجمل وسوى تَهَجّي قول القائل: الـم. وقالوا: غير جائز أن يخاطب الله جل ثناؤه عبـادَهُ إلا بـما يفهمونه ويعقلونه عنه. فلـما كان ذلك كذلك وكان قوله: الـم لا يعقل لها وجهه تُوجّه إلـيه إلا أحد الوجهين اللذين ذكرنا, فبطل أحد وجهيه, وهو أن يكون مرادا بها تهجي الـم صحّ وثبت أنه مراد به الوجه الثانـي وهو حساب الـجمل لأن قول القائل: الـم لا يجوز أن يـلـيه من الكلام ذلك الكتاب لاستـحالة معنى الكلام وخروجه عن الـمعقول إذا ولـي الـم ذلك الكتاب. واحتـجوا لقولهم ذلك أيضا بـما:
87ـ حدثنا به مـحمد بن حميد الرازي, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل. قال: حدثنـي مـحمد بن إسحاق, قال: حدثنـي الكلبـي, عن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, عن جابر بن عبد الله بن رئاب, قال: مرّ أبو ياسر بن أخطب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فـاتـحة سورة البقرة: الـم ذَلِكَ الكِتابُ لاَ رَيْبَ فِـيهِ فأتـى أخاه حيـيّ بن أخطب فـي رجال من يهود فقال: تعلـمون والله لقد سمعت مـحمدا يتلو فـيـما أنزل الله عز وجل علـيه: الـم ذَلِكَ الكِتابُ فقالوا: أنت سمعته؟ قال: نعم. فمشى حيـيّ بن أخطب فـي أولئك النفر من يهود إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا مـحمد ألـم يذكر لنا أنك تتلو فـيـما أنزل علـيك: الـم ذَلِكَ الكِتابُ؟ فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَلَـى» فقالوا: أجاءك بهذا جبريـل من عند الله؟ قال: «نَعَمْ» قالوا: لقد بعث الله جل ثناؤه قبلك أنبـياء ما نعلـمه بـين لنبـيّ منهم ما مدة ملكه وما أَجَل أمته غيرك فقال حيـيّ بن أخطب: وأقبل علـى من كان معه, فقال لهم: الألف واحدة, واللام ثلاثون, والـميـم أربعون, فهذه إحدى وسبعون سنة, قال: فقال لهم: أتدخـلون فـي دين نبـي إنـما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ قال: ثم أقبل علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا مـحمد هل مع هذه غيره؟ قال: «نَعَمْ» قال: ماذا؟ قال: «الـمص» قال: هذه أثقل وأطول: الألف واحدة, واللام ثلاثون, والـميـم أربعون, والصاد تسعون. فهذه مائة وإحدى وستون سنة هل مع هذا يا مـحمد غيره؟ قال: «نَعَمْ» قال: ماذا؟ قال: «الر» قال: هذه أثقل وأطول الألف واحدة, واللام ثلاثون, والراء مائتان, فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة فقال: هل مع هذا غيره يا مـحمد؟ قال: «نَعَمْ الـمر», قال: فهذه أثقل وأطول: الألف واحدة واللام ثلاثون, والـميـم أربعون, والراء مائتان, فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة. ثم قال: لقد لُبّس علـينا أمرك يا مـحمد, حتـى ما ندري أقلـيلاً أُعطيتَ أم كثـيرا ثم قاموا عنه, فقال أبو ياسر لأخيه حيـي بن أخطب ولـمن معه من الأحبـار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لـمـحمد: إحدى وسبعون, وإحدى وستون ومائة, ومائتان وإحدى وثلاثون, ومائتان وإحدى وسبعون, فذلك سبعمائة سنة وأربع وثلاثون, فقالوا: لقد تشابه علـينا أمره. ويزعمون أن هؤلاء الاَيات نزلت فـيهم: هُوَ الذِي أنْزَلَ عَلَـيْكَ الكِتابَ مِنْهُ آياتٍ مُـحْكماتٌ هُنّ أُمّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ.
فقالوا: قد صرّح هذا الـخبر بصحة ما قلنا فـي ذلك من التأويـل وفساد ما قاله مخالفونا فـيه.
والصواب من القول عندي فـي تأويـل مفـاتـح السور التـي هي حروف الـمعجم: أن الله جل ثناؤه جعلها حروفـا مقطعة ولـم يصل بعضها ببعض فـيجعلها كسائر الكلام الـمتصل الـحروف لأنه عز ذكره أراد بلفظه الدلالة بكل حرف منه علـى معان كثـيرة لا علـى معنى واحد, كما قال الربـيع بن أنس, وإن كان الربـيع قد اقتصر به علـى معان ثلاثة دون ما زاد علـيها. والصواب فـي تأويـل ذلك عندي أن كل حرف منه يحوي ما قاله الربـيع وما قاله سائر الـمفسرين غيره فـيه, سوى ما ذكرت من القول عمن ذكرت عنه من أهل العربـية أنه كان يوجّه تأويـل ذلك إلـى أنه حروف هجاء استُغنـي بذكر ما ذكر منه فـي مفـاتـح السور عن ذكر تتـمة الثمانـية والعشرين حرفـا من حروف الـمعجم بتأويـل: أن هذه الـحروف, ذلك الكتاب, مـجموعةٌ لا ريب فـيه, فإنه قول خطأ فـاسد لـخروجه عن أقوال جميع الصحابة والتابعين, ومن بعدهم من الـخالفـين من أهل التفسير والتأويـل, فكفـى دلالة علـى خطئه شهادة الـحجة علـيه بـالـخطأ مع إبطال قائل ذلك قوله الذي حكيناه عنه, إذ صار إلـى البـيان عن رفع ذلك الكتاب بقوله مرة إنه مرفوع كل واحد منهما بصاحبه ومرة أخرى أنه مرفوع بـالراجع من ذكره فـي قوله: لاَ رَيْبَ فِـيهِ ومرة بقوله: هُدًى لِلْـمُتّقِـينَ وذلك ترك منه لقوله إن الـم رافعة ذَلِكَ الكِتَابُ وخروج من القول الذي ادّعاه فـي تأويـل الـم ذَلِكَ الكِتَابُ وأن تأويـل ذلك: هذه الـحروف ذلك الكتاب.
فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن يكون حرف واحد شاملاً الدلالة علـى معان كثـيرة مختلفة؟ قـيـل: كما جاز أن تكون كلـمة واحدة تشتـمل علـى معان كثـيرة مختلفة كقولهم للـجماعة من الناس: أمة, وللـحين من الزمان: أمة, وللرجل الـمتعبد الـمطيع لله: أمة, وللدين والـملة: أمة. وكقولهم للـجزاء والقصاص: دين, وللسلطان والطاعة: دين, وللتذلل: دين, وللـحساب: دين فـي أشبـاه لذلك كثـيرة يطول الكتاب بإحصائها, مـما يكون من الكلام بلفظ واحد, وهو مشتـمل علـى معان كثـيرة. وكذلك قول الله جل ثناؤه: «الـم والـمر», و«الـمص» وما أشبه ذلك من حروف الـمعجم التـي هي فواتـح أوائل السور, كل حرف منها دالّ علـى معان شتـى, شامل جميعها من أسماء الله عز وجل وصفـاته ما قاله الـمفسرون من الأقوال التـي ذكرناها عنهم وهن مع ذلك فواتـح السور كما قاله من قال ذلك. ولـيس كونُ ذلك من حروف أسماء الله جل ثناؤه وصفـاته بـمانعها أن تكون للسور فواتـح لأن الله جل ثناؤه قد افتتـح كثـيرا من سور القرآن بـالـحمد لنفسه والثناء علـيها, وكثـيرا منها بتـمـجيدها وتعظيـمها, فغير مستـحيـل أن يبتدىء بعض ذلك بـالقسم بها. فـالتـي ابتُدىء أوائلها بحروف الـمعجم أحد معانـي أوائلها أنهنّ فواتـح ما افتتـح بهنّ من سور القرآن, وهنّ مـما أقسم بهن لأن أحد معانـيهن أنهن من حروف أسماء الله تعالـى ذكره وصفـاته علـى ما قدمنا البـيان عنها, ولا شك فـي صحة معنى القسم بـالله وأسمائه وصفـاته, وهن من حروف حساب الـجمل, وهنّ للسور التـي افتتـحت بهن شعار وأسماء. فذلك يحوي معانـي جميع ما وصفنا مـما بـينا من وجوهه, لأن الله جل ثناؤه لو أراد بذلك أو بشيء منه الدلالة علـى معنى واحد مـما يحتـمله ذلك دون سائر الـمعانـي غيره, لأبـان ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إبـانة غير مشكلة, إذ كان جل ثناؤه إنـما أنزل كتابه علـى رسوله صلى الله عليه وسلم لـيبـين لهم ما اختلفوا فـيه. وفـي تركه صلى الله عليه وسلم إبـانة ذلك أنه مراد به من وجوه تأويـله البعض دون البعض أوضح الدلـيـل علـى أنه مراد به جميع وجوهه التـي هو لها مـحتـمل, إذ لـم يكن مستـحيلاً فـي العقل وجهٌ منها أن يكون من تأويـله ومعناه كما كان غير مستـحيـل اجتـماع الـمعانـي الكثـيرة للكلـمة الواحدة بـاللفظ الواحد فـي كلام واحد.
ومن أبى ما قلناه فـي ذلك سئل الفرق بـين ذلك وبـين سائر الـحروف التـي تأتـي بلفظ واحد مع اشتـمالها علـى الـمعانـي الكثـيرة الـمختلفة كالأمة والدين وما أشبه ذلك من الأسماء والأفعال. فلن يقول فـي أحد ذلك قولاً إلا أُلزم فـي الاَخر مثله. وكذلك يُسأل كل من تأوّل شيئا من ذلك علـى وجه دون الأوجه الأخر التـي وصفنا عن البرهان علـى دعواه من الوجه الذي يجب التسلـيـم له ثم يعارض بقوله يخالفه فـي ذلك, ويسأل الفرق بـينه وبـينه: من أصْلٍ, أو مـما يدل علـيه أصلٌ, فلن يقول فـي أحدهما قولاً إلا ألزم فـي الاَخر مثله. وأما الذي زعم من النـحويـين أن ذلك نظير, «بل» فـي قول الـمنشد شعرا:
بل...ما هاجَ أحْزَانا وَشَجْوا قَدْ شَجا
وأنه لا معنى له, وإنـما هو زيادة فـي الكلام معناه الطرح فإنه أخطأ من وجوه شتـى:
أحدها: أنه وصف الله تعالـى ذكره بأنه خاطب العرب بغير ما هو من لغتها وغير ما هو فـي لغة أحد من الاَدميـين, إذ كانت العرب وإن كانت قد كانت تفتتـح أوائل إنشادها ما أنشدت من الشعر ب«بل», فإنه معلوم منها أنها لـم تكن تبتدىء شيئا من الكلام ب«الـم» و«الر» و«الـمص» بـمعنى ابتدائها ذلك ب«بل». وإذ كان ذلك لـيس من ابتدائها, وكان الله جل ثناؤه إنـما خاطبهم بـما خاطبهم من القرآن بـما يعرفون من لغاتهم ويستعملون بـينهم من منطقهم فـي جميع آيهِ, فلا شك أن سبـيـل ما وصفنا من حروف الـمعجم التـي افتتـحت بها أوائل السور التـي هن لها فواتـح سبـيـل سائر القرآن فـي أنه لـم يعدل بها عن لغاتهم التـي كانوا بها عارفـين ولها بـينهم فـي منطقهم مستعملـين لأن ذلك لو كان معدولاً به عن سبـيـل لغاتهم ومنطقهم كان خارجا عن معنى الإبـانة التـي وصف الله عز وجل بها القرآن, فقال تعالـى ذكره: نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأمِينُ علـى قَلْبِكَ لِتَكَونَ مِنَ الـمُنْذِرِينِ بِلسانٍ عَرَبـيّ مُبِـينٍ. وأنّى يكون مبـينا ما لا يعقله ولا يفقهه أحد من العالـمين فـي قول قائل هذه الـمقالة, ولا يعرف فـي منطق أحد من الـمخـلوقـين فـي قوله؟ وفـي إخبـار الله جل ثناؤه عنه أنه عربـيّ مبـين ما يكذّب هذه الـمقالة, وينبىء عنه أن العرب كانوا به عالـمين وهو لها مستبـين. فذلك أحد أوجه خطئه.
والوجه الثانـي من خطئه فـي ذلك: إضافته إلـى الله جل ثناؤه أنه خاطب عبـاده بـما لا فـائدة لهم فـيه ولا معنى له من الكلام الذي سواء الـخطاب به وترك الـخطاب به, وذلك إضافة العبث الذي هو منفـي فـي قول جميع الـموحدين عن الله, إلـى الله تعالـى ذكره.
والوجه الثالث من خطئة: أن «بل» فـي كلام العرب مفهوم تأويـلها ومعناها, وأنها تدخـلها فـي كلامها رجوعا عن كلام لها قد تقضى كقولهم: مَا جاءنـي أخوك بل أبوك وما رأيت عمرا بل عبد الله, وما أشبه ذلك من الكلام, كما قال أعشى بنـي ثعلبة:
وَءَلاشْرَبَنّ ثَمَانِـيا وثَمَانِـياوَثَلاثَ عَشْرَةَ وَاثْنَتَـيْنَ وَأرْبَعا
ومضى فـي كلـمته حتـى بلغ قوله:
بـالـجُلّسانِ وَطَيّبٌ أرْدَانُهُبـالوَنّ يَضْرِبُ لـي يَكُرّ أُلاصْبُعا
ثم قال:
بَلْ عُدّ هَذَا فـي قَرِيضِ غَيْرِهِوَاذْكُرْ فَتًـى سَمْـحَ الـخَـلِـيقَةِ أرْوَعا
فكأنه قال: دع هذا وخذ فـي قريض غيره. ف«بل» إنـما يأتـي فـي كلام العرب علـى هذا النـحو من الكلام. فأما افتتاحا لكلامها مبتدأ بـمعنى التطويـل والـحذف من غير أن يدل علـى معنى, فذلك مـما لا نعلـم أحدا ادعاه من أهل الـمعرفة بلسان العرب ومنطقها, سوى الذي ذكرت قوله, فـيكون ذلك أصلاً يشبّه به حروف الـمعجم التـي هي فواتـح سور القرآن التـي افتتـحت بها لو كان له مشبهة, فكيف وهي من الشبه به بعيدة؟
الآية : 2
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتّقِينَ }
قال عامة الـمفسرين: تأويـل قول الله تعالـى: ذَلِكَ الكِتَابُ: هذا الكتاب. ذكر من قال ذلك:
88ـ حدثنـي هارون بن إدريس الأصم الكوفـي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن ابن جريج, عن مـجاهد: ذلك الكتاب, قال: هو هذا الكتاب.
89ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا خالد الـحذاء, عن عكرمة, قال: ذلك الكتاب: هذا الكتاب.
90ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا الـحكم بن ظهير, عن السدّي فـي قوله: ذَلِكَ الكِتابُ قال: هذا الكتاب.
91ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج قوله: ذَلِكَ الكِتابُ: هذا الكتاب. قال: قال ابن عبـاس: ذِلِكَ الكِتابُ: هذا الكتاب.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون «ذلك» بـمعنى «هذا»؟ و«هذا» لا شك إشارة إلـى حاضر معاين, و«ذلك» إشارة إلـى غائب غير حاضر ولا معاين؟ قـيـل: جاز ذلك لأن كل ما تقضي وقَرُب تقضيه من الأخبـار فهو وإن صار بـمعنى غير الـحاضر, فكالـحاضر عند الـمخاطب وذلك كالرجل يحدّث الرجل الـحديث, فـيقول السامع: إن ذلك والله لكما قلت, وهذا والله كما قلت, وهو والله كما ذكرت. فـيخبر عنه مرة بـمعنى الغائب إذ كان قد تقضّى ومضى, ومرة بـمعنى الـحاضر لقرب جوابه من كلام مخبره كأنه غير منقضٍ, فكذلك ذلك فـي قوله: ذَلِكَ الكِتابُ لأنه جل ذكره لـما قدم قبل ذلك الكتاب الـم التـي ذكرنا تصرّفها فـي وجوهها من الـمعانـي علـى ما وصفنا, قال لنبـيه صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد هذا الذي ذكرته وبـينته لك الكتابُ. ولذلك حسن وضع «ذلك» فـي مكان «هذا», لأنه أشير به إلـى الـخبر عما تضمنه قوله: الـم من الـمعانـي بعد تقضي الـخبر عنه بألـم, فصار لقرب الـخبر عنه من تقضيه كالـحاضر الـمشار إلـيه, فأخبر عنه بذلك لانقضائه ومصير الـخبر عنه كالـخبر عن الغائب. وترجمه الـمفسرون أنه بـمعنى «هذا» لقرب الـخبر عنه من انقضائه, فكان كالـمشاهد الـمشار إلـيه بهذا نـحو الذي وصفنا من الكلام الـجاري بـين الناس فـي مـحاوراتهم, وكما قال جل ذكره: واذْكُرْ إسمَاعِيـلَ والـيَسَعَ وَذَا الكِفْلِ وَكُلّ مِنَ الأخْيار هَذَا ذِكْرٌ فهذا ما فـي «ذلك» إذا عنى بها «هذا». وقد يحتـمل قوله جل ذكره: ذَلِكَ الكِتَابُ أن يكون معنـيا به السور التـي نزلت قبل سورة البقرة بـمكة والـمدينة, فكأنه قال جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد اعلـم أن ما تضمنته سور الكتاب التـي قد أنزلتها إلـيك هو الكتاب الذي لا ريب فـيه. ثم ترجمه الـمفسرون بأن معنى «ذلك»: «هذا الكتاب», إذ كانت تلك السور التـي نزلت قبل سورة البقرة من جملة جميع كتابنا هذا الذي أنزله الله عز وجل علـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم. وكان التأويـل الأول أولـى بـما قاله الـمفسرون لأن ذلك أظهر معانـي قولهم الذي قالوه فـي ذلك. وقد وجه معنى ذلك بعضهم إلـى نظير معنى بـيت خُفـاف بن نُدبة السلـمي:
فإنْ تَكُ خَيْـلـي قَدْ أصِيبَ صَميـمُهافَعَمْدا علـى عَيْنٍ تَـيَـمّـمْتُ مالكا
أقُولُ لَهُ والرّمْـحُ يَأطِرُ مَتْنَهُتَأمّلْ خُفـافـا إنّنـي أنا ذَلكا
كأنه أراد: تأملنـي أنا ذلك. فرأى أن «ذلك الكتاب» بـمعنى «هذا» نظير ما أظهر خفـاف من اسمه علـى وجه الـخبر عن الغائب وهو مخبر عن نفسه, فكذلك أظهر «ذلك» بـمعنى الـخبر عن الغائب, والـمعنى فـيه الإشارة إلـى الـحاضر الـمشاهد. والقول الأول أولـى بتأويـل الكتاب لـما ذكرنا من العلل.
وقد قال بعضهم: ذَلِكَ الكِتابُ: يعنـي به التوراة والإنـجيـل, وإذا وجه تأويـل ذلك إلـى هذا الوجه فلا مؤنة فـيه علـى متأوله كذلك لأن «ذلك» يكون حينئذٍ إخبـارا عن غائب علـى صحة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لا رَيْبَ فِـيهَ.
قوتأويـل قوله: لا رَيْبَ فِـيهِ: «لا شك فـيه», كما:
92ـ حدثنـي هارون بن إدريس الأصم, قال: حدثنا عبد الرحمن الـمـحاربـي, عن ابن جريج, عن مـجاهد لا رَيْبَ فِـيهِ, قال: لا شك فـيه.
93ـ حدثنـي سلام بن سالـم الـخزاعي, قال: حدثنا خـلف بن ياسين الكوفـي, عن عبد العزيز بن أبـي روّاد عن عطاء: لا رَيْبَ فِـيهِ قال: لا شك فـيه.
94ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا الـحكم بن ظهير, عن السدّي, قال: لا رَيْبَ فِـيهِ: لا شك فـيه.
95ـ حدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: لا رَيْبَ فِـيهِ: لا شك فـيه.
96ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: لا رَيْبَ فِـيهِ قال: لا شك فـيه.
حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: لا رَيْبَ فِـيهِ يقول لا شك فـيه.
97ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن قتادة: لا رَيْبَ فِـيهِ يقول: لا شك فـيه.
98ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه عن الربـيع بن أنس قوله: لا رَيْبَ فِـيهِ يقول: لا شك فـيه.
وهو مصدر من قولك: رابنـي الشيء يريبنـي ريبـا. ومن ذلك قول ساعدة بن جُؤذيّة الهذلـي:
فَقَالُوا تَرَكْنا الـحَيّ قَدْ حَصِرُوا بهِفَلا رَيْبَ أنْ قَدْ كانَ ثمّ لَـحِيـمُ
ويروى: «حصروا», و«حَصِروا», والفتـح أكثر, والكسر جائز. يعنـي بقوله: «احصروا به»: أطافوا به, ويعنـي بقوله: لا رَيْبَ فِـيهِ لا شك فـيه, وبقوله: «إن قد كان ثم لـحيـم», يعنـي قتـيلاً, يقال: قد لُـحم إذا قتل. والهاء التـي فـي «فـيه» عائدة علـى الكتاب, كأنه قال: لا شك فـي ذلك الكتاب أنه من عند الله هدى للـمتقـين. القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
هُدًى.
99ـ حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن بـيان, عن الشعبـي: هُدًى قال: هدى من الضلالة.
100ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر, عن إسماعيـل السدي, فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: هُدًى للـمتّقِـينَ يقول: نور للـمتقـين.
والهدى فـي هذا الـموضع مصدر من قولك: هديت فلانا الطريق إذا أرشدته إلـيه, ودللته علـيه, وبـينته له أهديه هُدًى وهداية.
فإن قال لنا قائل: أو ما كتاب الله نورا إلا للـمتقـين ولا رشادا إلا للـمؤمنـين؟ قـيـل: ذلك كما وصفه ربنا عز وجل, ولو كان نورا لغير الـمتقـين, ورشادا لغير الـمؤمنـين لـم يخصص الله عز وجل الـمتقـين بأنه لهم هدى, بل كان يعم به جميع الـمنذرين ولكنه هدى للـمتقـين, وشفـاء لـما فـي صدور الـمؤمنـين, ووَقْرٌ فـي آذان الـمكذّبـين,
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 12:43 am

وعمي لأبصار الـجاحدين, وحجة لله بـالغة علـى الكافرين فـالـمؤمن به مهتد, والكافر به مـحجوج.
وقوله: هُدًى يحتـمل أوجها من الـمعانـي أحدها: أن يكون نصبـا لـمعنى القطع من الكتاب لأنه نكرة والكتاب معرفة, فـيكون التأويـل حينئذٍ: الـم ذلك الكتاب هاديا للـمتقـين. و«ذلك» مرفوع ب«الـم», و«الـم» به, و«الكتاب» نعت ل«ذلك». وقد يحتـمل أن يكون نصبـا علـى القطع من راجع ذكر الكتاب الذي فـي «فـيه», فـيكون معنى ذلك حينئذٍ: الـم الذي لا ريب فـيه هاديا. وقد يحتـمل أن يكون أيضا نصبـا علـى هذين الوجهين, أعنـي علـى وجه القطع من الهاء التـي فـي «فـيه», ومن الكتاب علـى أن «الـم» كلام تام, كما قال ابن عبـاس. إن معناه: أنا الله أعلـم. ثم يكون «ذلك الكتاب» خبرا مستأنفـا, ويرفع حينئذٍ الكتاب ب«ذلك» و«ذلك» بـالكتاب, ويكون «هدى» قطعا من الكتاب, وعلـى أن يرفع «ذلك» بـالهاء العائدة علـيه التـي فـي «فـيه», والكتاب نعت له, والهدى قطع من الهاء التـي فـي «فـيه». وإن جعل الهدى فـي موضع رفع لـم يجز أن يكون «ذلك الكتاب» إلا خبرا مستأنفـا و«الـم» كلاما تاما مكتفـيا بنفسه إلاّ من وجه واحد وهو أن يرفع حينئذٍ «هدى» بـمعنى الـمدح كما قال الله جل وعز: {الـم تِلْكَ آيَاتُ الكِتابِ الـحَكِيـمِ هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْـمُـحْسِنِـينَ} فـي قراءة من قرأ «رحمة» بـالرفع علـى الـمدح للاَيات.
والرفع فـي «هدى» حينئذٍ يجوز من ثلاثة أوجه, أحدها: ما ذكرنا من أنه مدح مستأنف. والاَخر: علـى أن يجعل الرافع «ذلك», والكتاب نعت ل«ذلك». والثالث: أن يجعل تابعا لـموضع «لا ريب فـيه», ويكون «ذلك الكتاب» مرفوعا بـالعائد فـي «فـيه», فـيكون كما قال تعالـى ذكره: وَهَذَا كتابٌ أنْزَلْنَاهُ مُبـارَكٌ.
وقد زعم بعض الـمتقدمين فـي العلـم بـالعربـية من الكوفـيـين أن «الـم» رافع «ذلك الكتاب» بـمعنى: هذه الـحروف من حروف الـمعجم, ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إلـيك. ثم نقض ذلك من قوله فأسرع نقضَه, وهدم ما بنى فأسرع هدمَه, فزعم أن الرفع فـي «هدى» من وجهين والنصب من وجهين, وأن أحد وجهي الرفع أن يكون «الكتاب» نعتا ل«ذلك», و«الهدى» فـي موضع رفع خبر ل«ذلك» كأنك قلت: ذلك لا شك فـيه. قال: وإن جعلت «لا ريب فـيه» خبره رفعت أيضا «هدى» بجعله تابعا لـموضع «لا ريب فـيه» كما قال الله جل ثناؤه: {وَهَذَا كِتابٌ أنْزَلْنَاهُ مُبـارَكٌ} كأنه قال: وهذا كتاب هدى من صفته كذا وكذا. قال: وأما أحد وجهي النصب, فأن تـجعل «الكتاب» خبرا ل«ذلك» وتنصب «هدى» علـى القطع لأن «هدى» نكرة اتصلت بـمعرفة وقد تـمّ خبرها فتنصبها, لأن النكرة لا تكون دلـيلاً علـى معرفة, وإن شئت نصبت «هدى» علـى القطع من الهاء التـي فـي «فـيه» كأنك قلت: لا شكّ فـيه هاديا.
قال أبو جعفر: فترك الأصل الذي أصّله فـي «الـم» وأنها مرفوعة ب«ذلك الكتاب» ونبذه وراء ظهره. واللازم له علـى الأصل الذي كان أصّله أن لا يجيز الرفع فـي «هدى» بحال إلا من وجه واحد, وذلك من قبل الاستئناف إذ كان مدحا. فأما علـى وجه الـخبر لذلك, أو علـى وجه الإتبـاع لـموضع «لا ريب فـيه», فكان اللازم له علـى قوله إن يكون خطأ, وذلك أن «الـم» إذا رفعت «ذلك الكتاب» فلا شك أن «هدى» غير جائز حينئذٍ أن يكون خبرا ل«ذلك» بـمعنى الرافع له, أو تابعا لـموضع لا ريب فـيه, لأن موضعه حينئذٍ نصب لتـمام الـخبر قبله وانقطاعه بـمخالفته إياه عنه. ه1القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
للْـمُتّقِـينَ.
101ـ حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن سفـيان, عن رجل, عن الـحسن قوله: للْـمُتّقِـينَ قال: اتقوا ما حرم علـيهم وأدّوا ما افترض علـيهم.
102ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: للْـمُتّقِـينَ أي الذين يحذرون من الله عز وجل عقوبته فـي ترك ما يعرفون من الهدى, ويرجون رحمته بـالتصديق بـما جاء به.
103ـ حدثنـي موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: هُدى للْـمُتّقِـينَ قال: هم الـمؤمنون.
104ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, قال: سألنـي الأعمش عن الـمتقـين, قال: فأجبته, فقال لـي: سل عنها الكلبـي فسألته فقال: الذين يجتنبون كبـائر الإثم. قال: فرجعت إلـى الأعمش, فقال: نرى أنه كذلك ولـم ينكره.
105ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم الطبري, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج عن عبد الرحمن بن عبد الله, قال: حدثنا عمر أبو حفص, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة: هُدًى للْـمُتّقِـينَ هم مَنْ نعتهم ووصفهم فأثبت صفتهم فقال: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْبِ وَيُقِـيـمُونَ الصّلاةَ ومِـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ.
106ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: للْـمُتّقِـينَ قال: الـمؤمنـين الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعتـي.
وأولـى التأويلات بقول الله جل ثناؤه: هُدًى للْـمُتّقـينَ تأويـل من وصف القوم بأنهم الذين اتقوا الله تبـارك وتعالـى فـي ركوب ما نهاهم عن ركوبه, فتـجنبوا معاصيه واتقوه فـيـما أمرهم به من فرائضه فأطاعوه بأدائها. وذلك أن الله عز وجل إنـما وصفهم بـالتقوى فلـم يحصر تقواهم إياه علـى بعضها من أهل منهم دون بعض. فلـيس لأحد من الناس أن يحصر معنى ذلك علـى وصفهم بشيء من تقوى الله عز وجل دون شيء إلا بحجة يجب التسلـيـم لها, لأن ذلك من صفة القوم لو كان مـحصورا علـى خاصّ من معانـي التقوى دون العام منها لـم يَدَع الله جل ثناؤه بـيان ذلك لعبـاده, إما فـي كتابه, وإما علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إذْ لـم يكن فـي العقل دلـيـل علـى استـحالة وصفهم بعموم التقوى. فقد تبـين إذا بذلك فساد قول من زعم أن تأويـل ذلك إنـما هو: الذين اتقوا الشرك وبرءوا من النفـاق لأنه قد يكون كذلك وهو فـاسق غير مستـحق أن يكون من الـمتقـين. إلا أن يكون عند قائل هذا القول معنى النفـاق ركوب الفواحش التـي حرمها الله جل ثناؤه وتضيـيع فرائضه التـي فرضها علـيه, فإن جماعة من أهل العلـم قد كانت تسمي من كان يفعل ذلك منافقا, فـيكون وإن كان مخالفـا فـي تسميته من كان كذلك بهذا الاسم مصيبـا تأويـل قول الله عز وجل للـمتقـين.
الآية : 3
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }
107ـ حدثنا مـحمد بن حميد الرازي, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: الّذينَ يُؤْمنُونَ قال: يصدقون.
حدثنـي يحيى بن عثمان بن صالـح السهمي, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: يُؤْمِنُونَ يصدّقون.
108ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: يُؤْمِنُونَ يخشون.
109ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى الصنعانـي, قال: حدثنا مـحمد بن ثور عن معمر, قال: قال الزهري: الإيـمان: العمل.
110ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر عن أبـيه عن العلاء بن الـمسيب بن رافع, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص عن عبد الله, قال: الإيـمان: التصديق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:08 am

ومعنى الإيـمان عند العرب: التصديق, فـيُدْعَى الـمصدّق بـالشيء قولاً مؤمنا به, ويُدْعَى الـمصدّق قوله بفعله مؤمنا. ومن ذلك قول الله جل ثناؤه: وَما أنْتَ بِـمُؤْمِنٍ لَنا ولَوْ كُنّا صَادِقِـينَ يعنـي: وما أنت بـمصدق لنا فـي قولنا. وقد تدخـل الـخشية لله فـي معنى الإيـمان الذي هو تصديق القول بـالعمل. والإيـمان كلـمة جامعة للإقرار بـالله وكتبه ورسله, وتصديق الإقرار بـالفعل. وإذا كان ذلك كذلك, فـالذي هو أولـى بتأويـل الآية وأشبه بصفة القوم: أن يكونوا موصوفـين بـالتصديق بـالغيب, قولاً, واعتقادا, وعملاً, إذ كان جل ثناؤه لـم يحصرهم من معنى الإيـمان علـى معنى دون معنى, بل أجمل وصفهم به من غير خصوص شيء من معانـية أخرجه من صفتهم بخبر ولا عقل. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: بـالغَيْبِ.
111ـ حدثنا مـحمد بن حميد الرازي, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: بـالغيب قال: بـما جاء به, يعنـي من الله جل ثناؤه.
112ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي: بـالغيب أما الغيب: فما غاب عن العبـاد من أمر الـجنة وأمر النار, وما ذكر الله تبـارك وتعالـى فـي القرآن. لـم يكن تصديقهم بذلك يعنـي الـمؤمنـين من العرب من قِبَلِ أصل كتاب أو علـم كان عندهم.
113ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا سفـيان عن عاصم, عن زر, قال: الغيب: القرآن.
114ـ حدثنا بشر بن معاذ العقدي, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد بن أبـي عروة, عن قتادة فـي قوله: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْب قال: آمنوا بـالـجنة والنار والبعث بعد الـموت وبـيوم القـيامة, وكل هذا غيب.
115ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْبِ: آمنوا بـالله وملائكته ورسله والـيوم الاَخر وجنته وناره ولقائه, وآمنوا بـالـحياة بعد الـموت, فهذا كله غيب. وأصل الغيب: كل ما غاب عنك من شيء, وهو من قولك: غاب فلان يغيب غيبـا.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي أعيان القوم الذين أنزل الله جل ثناؤه هاتـين الاَيتـين من أول هذه السورة فـيهم, وفـي نعتهم وصفتهم التـي وصفهم بها من إيـمانهم بـالغيب, وسائر الـمعانـي التـي حوتها الاَيتان من صفـاتهم غيره. فقال بعضهم: هم مؤمنوا العرب خاصة, دون غيرهم من مؤمنـي أهل الكتاب. واستدلوا علـى صحة قولهم ذلك وحقـيقة تأويـلهم بـالآية التـي تتلو هاتـين الاَيتـين, وهو قول الله عز وجل: {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}. قالوا: فلـم يكن للعرب كتاب قبل الكتاب الذي أنزله الله عز وجل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم تدين بتصديقه والإقرار والعمل به, وإنـما كان الكتاب لأهل الكتابـين غيرها. قالوا: فلـما قص الله عز وجل نبأ الذين يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد وما أنزل من قبله بعد اقتصاصه نبأ الـمؤمنـين بـالغيب, علـمنا أن كل صنف منهم غير الصنف الاَخر, وأن الـمؤْمنـين بـالغيب نوع غير النوع الـمصدّق بـالكتابـين اللذين أحدهما منزل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم, والاَخر منهما علـى من قبله من رسل الله تعالـى ذكره. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك صح ما قلنا من أن تأويـل قول الله تعالـى: {الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْبِ} إنـما هم الذين يؤمنون بـما غاب عنهم من الـجنة والنار والثواب والعقاب والبعث, والتصديق بـالله وملائكته وكتبه ورسله وجميع ما كانت العرب لا تدين به فـي جاهلـيتها, بـما أوجب الله جل ثناؤه علـى عبـاده الدينونة به دون غيرهم. ذكر من قال ذلك:
116ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم أما: الذين يؤمنون بـالغيب فهم الـمؤمنون من العرب, {وَيقِـيـمُونَ الصلاةَ وَمِـمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} أما الغيب: فما غاب عن العبـاد من أمر الـجنة والنار, وما ذكر الله فـي القرآن. لـم يكن تصديقهم بذلك من قِبَلِ أصلِ كتابٍ أو علـم كان عندهم. {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} هؤلاء الـمؤمنون من أهل الكتاب.
وقال بعضهم: بل نزلت هذه الاَيات الأربع فـي مؤمنـي أهل الكتاب خاصة, لإيـمانهم بـالقرآن عند إخبـار الله جل ثناؤه إياهم فـيه عن الغيوب التـي كانوا يخفونها بـينهم ويسرّونها, فعلـموا عند إظهار الله جل ثناؤه نبـيه صلى الله عليه وسلم علـى ذلك منهم فـي تنزيـله أنه من عند الله جل وعز, فآمنوا بـالنبـي صلى الله عليه وسلم وصدقوا بـالقرآن وما فـيه من الإخبـار عن الغيوب التـي لا علـم لهم بها لـما استقرّ عندهم بـالـحجة التـي احتـجّ الله تبـارك وتعالـى بها علـيهم فـي كتابه, من الإخبـار فـيه عما كانوا يكتـمونه من ضمائرهم أن جميع ذلك من عند الله.
وقال بعضهم: بل الاَيات الأربع من أول هذه السورة أنزلت علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم بوصف جميع الـمؤمنـين الذين ذلك صفتهم من العرب والعجم وأهل الكتابـين و سواهم, وإنـما هذه صفة صنف من الناس, والـمؤمن بـما أنزل الله علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله هو الـمؤمن بـالغيب. قالوا: وإنـما وصفهم الله بـالإيـمان بـما أنزل إلـى مـحمد وبـما أنزل إلـى من قبله بعد تَقَضّي وصفه إياهم بـالإيـمان بـالغيب لأن وصفه إياهم بـما وصفهم به من الإيـمان بـالغيب كان معنـيا به أنهم يؤمنون بـالـجنة والنار والبعث, وسائر الأمور التـي كلفهم الله جل ثناؤه بـالإيـمان بها مـما لـم يروه ولـم يأت بَعْدُ مـما هو آت, دون الإخبـار عنهم أنهم يؤمنون بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الرسل والكتب. قالوا: فلـما كان معنى قوله: {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} غير موجود فـي قوله: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـالغَيْبِ كانت الـحاجة من العبـاد إلـى معرفة صفتهم بذلك لـيعرفهم نظير حاجتهم إلـى معرفتهم بـالصفة التـي وصفوا بها من إيـمانهم بـالغيب لـيعلـموا ما يرضي الله من أفعال عبـاده, ويحبه من صفـاتهم, فـيكونوا به إن وفقهم له ربهم. مؤمنـين. ذكر من قال ذلك:
117ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو بن العبـاس البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخـلد, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون الـمكي, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: أربع آيات من سورة البقرة فـي نعت الـمؤمنـين وآيتان فـي نعت الكافرين وثلاث عشرة فـي الـمنافقـين.
حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد بـمثله.
وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال حدثنا موسى بن مسعود, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
118ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه عن الربـيع بن أنس, قال: أربع آيات من فـاتـحة هذه السورة يعنـي سورة البقرة فـي الذين آمنوا, وآيتان فـي قادة الأحزاب.
وأولـى القولـين عندي بـالصواب وأشبههما بتأويـل الكتاب, القول الأول, وهو: أن الذين وصفهم الله تعالـى ذكره بـالإيـمان بـالغيب, وما وصفهم به جل ثناؤه فـي الاَيتـين الأوّلَتـين غير الذين وصفهم بـالإيـمان بـالذي أنزل علـى مـحمد والذي أنزل إلـى من قبله من الرسل لـما ذكرت من العلل قبل لـمن قال ذلك, ومـما يدل أيضا مع ذلك علـى صحة هذا القول إنه جَنّسَ بعد وصف الـمؤمنـين بـالصفتـين اللتـين وصف, وبعد تصنـيفه لـي كل صنف منهما علـى ما صنف الكفـار جِنْسَين, فجعل أحدهما مطبوعا علـى قلبه مختوما علـيه مأيوسا من إيـمانه, والاَخر منافقا يرائي بإظهار الإيـمان فـي الظاهر, ويستسرّ النفـاق فـي البـاطن, فصير الكفـار جنسين كما صير الـمؤمنـين فـي أول السورة جنسين. ثم عرّف عبـاده نعت كل صنف منهم وصفتهم وما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:09 am

أعدّ لكل فريق منهم من ثواب أو عقاب, وذمّ أهل الذمّ منهم, وشكر سعي أهل الطاعة منهم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ويُقِـيـمُونَ}.
إقامتها: أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فـيها علـى ما فُرضت علـيه, كما يقال: أقام القوم سوقهم, إذا لـم يعطلوها من البـيع والشراء فـيها, وكما قال الشاعر:
أقَمْنا لأِهْلِ العِرَاقَـيْنِ سُوقَ الضْضِرابِ فخَافُوا ووَلّوْا جَمِيعَا
119ـ وكما حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَيُقِـيـمُونَ الصّلاةَ قال: الذين يقـيـمون الصلاة بفروضها.
120ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: وَيُقِـيـمُونَ الصّلاةَ قال: إقامة الصلاة: تـمام الركوع والسجود والتلاوة والـخشوع والإقبـال علـيها فـيها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الصّلاةَ}.
121ـ حدثنـي يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا جويبر عن الضحاك فـي قوله: الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ يعنـي الصلاة الـمفروضة.
وأما الصلاة فـي كلام العرب فإنها الدعاء كما قال الأعشى:
لَهَا حَارِسٌ لا يَبْرَحُ الدّهْرَ بَـيْتَهَاوَإنْ ذُبِحَتْ صَلّـى عَلَـيْهَا وَزَمْزَما
يعنـي بذلك: دعا لها, وكقول الاَخر أيضا:
وَقابَلَها الرّيحَ فـي دَنّهاوَصَلّـى علـى دَنّها وَارْتَسَمَ
وأرى أن الصلاة الـمفروضة سميت صلاة لأن الـمصلـي متعرّض لاستنـجاح طلبته من ثواب الله بعمله مع ما يسأل ربه فـيها من حاجاته تعرض الداعي بدعائه ربه استنـجاح حاجاته وسؤله. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ومِـمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}.
اختلف الـمفسرون فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم بـما:
122ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: ومِـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ قال: يؤتون الزكاة احتسابـا بها.
123ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, عن معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: ومـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقوُنَ قال: زكاة أموالهم.
124ـ حدثنـي يحيى بن أبـي طالب, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا جويبر عن الضحاك: وَمِـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ قال: كانت النفقات قربـات يتقرّبون بها إلـى الله علـى قدر ميسورهم وجهدهم, حتـى نزلت فرائض الصدقات سبع آيات فـي سورة براءة, مـما يذكر فـيهن الصدقات, هن الـمثبتات الناسخات.
وقال بعضهم بـما:
125ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: ومـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ هي نفقة الرجل علـى أهله, وهذا قبل أن تنزل الزكاة.
وأولـى التأويلات بـالآية وأحقها بصفة القوم أن يكونوا كانوا لـجميع اللازم لهم فـي أموالهم, مؤدين زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل وعيال وغيرهم, مـمن تـجب علـيهم نفقته بـالقرابة والـملك وغير ذلك لأن الله جل ثناؤه عمّ وصفهم, إذ وصفهم بـالإنفـاق مـما رزقهم, فمدحهم بذلك من صفتهم, فكان معلوما أنه إذ لـم يخصص مدحهم ووصفهم بنوع من النفقات الـمـحمود علـيها صاحبها دون نوع بخبر ولا غيره أنهم موصوفون بجميع معانـي النفقات الـمـحمود علـيها صاحبها من طيب ما رزقهم ربهم من أموالهم وأملاكهم, وذلك الـحلال منه الذي لـم يشبه حرام.
الآية : 4
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{والّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }
قد مضى البـيان عن الـمنعوتـين بهذا النعت, وأيّ أجناس الناس هم. غير أنا نذكر ما روي فـي ذلك عمن روي عنه فـي تأويـله قول:
126ـ فحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} أي يصدقونك بـما جئت به من الله جل وعز, وما جاء به من قبلك من الـمرسلـين, لا يفرقون بـينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من عند ربهم.
127ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ هؤلاء الـمؤمنون من أهل الكتاب. القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
وبـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.
قال أبو جعفر: أما الاَخرة, فإنها صفة للدار, كما قال جل ثناؤه: وَإِنّ الدّارَ الاَخِرَةِ لَهِيَ الـحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَـمُونَ وإنـما وصفت بذلك لـمصيرها آخرة لأولـى كانت قبلها كما تقول للرجل: أنعمت علـيك مرة بعد أخرى فلـم تشكر لـي الأولـى ولا الاَخرة. وإنـما صارت الاَخرة آخرة للأولـى, لتقدم الأولـى أمامها, فكذلك الدار الاَخرة سميت آخرة لتقدم الدار الأولـى أمامها, فصارت التالـية لها آخرة. وقد يجوز أن تكون سميت آخرة لتأخرها عن الـخـلق, كما سميت الدنـيا دنـيا لدنوّها من الـخـلق. وأما الذي وصف الله جل ثناؤه به الـمؤمنـين بـما أنزل إلـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم, وما أنزل إلـى من قبله من الـمرسلـين من إيقانهم به من أمر الاَخرة, فهو إيقانهم بـما كان الـمشركون به جاحدين, من البعث والنشر والثواب والعقاب والـحساب والـميزان, وغير ذلك مـما أعدّ الله لـخـلقه يوم القـيامة. كما:
128ـ حدثنا به مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن مـحمد بن إسحاق عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وبـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أي بـالبعث والقـيامة والـجنة والنار والـحساب والـميزان, أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بـما كان قبلك, ويكفرون بـما جاءك من ربك.
وهذا التأويـل من ابن عبـاس قد صرّح عن أن السورة من أولها وإن كانت الاَيات التـي فـي أولها من نعت الـمؤمنـين تعريض من الله عز وجل بذم الكفـار أهل الكتاب, الذين زعموا أنهم بـما جاءت به رسل الله عز وجل الذين كانوا قبل مـحمد صلوات الله علـيهم وعلـيه مصدقون وهم بـمـحمد علـيه الصلاة والسلام مكذبون, ولـما جاء به من التنزيـل جاحدون, ويدعون مع جحودهم ذلفك أنهم مهتدون وأنه لن يدخـل الـجنة إلا من كان هودا أو نصارى. فأكذب الله جل ثناؤه ذلك من قـيـلهم بقوله: {الـم ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِـيهِ هُدًى للْـمُتّقِـينَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْبِ وَيُقـيـمُونَ الصّلاةَ ومـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهَا أُنْزِلَ إِلَـيكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}. وأخبر جل ثناؤه عبـاده أن هذا الكتاب هدى لأهل الإيـمان بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما جاء به الـمصدقـين بـما أنزل إلـيه وإلـى من قبله من رسله من البـينات والهدى خاصة, دون من كذب بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به, وادعى أنه مصدق بـمن قبل مـحمد علـيه الصلاة والسلام من الرسل وبـما جاء به من الكتب. ثم أكد جل ثناؤه أمر الـمؤمنـين من العرب ومن أهل الكتاب الـمصدقـين بـمـحمد علـيه الصلاة والسلام وبـما أُنزل إلـيه وإلـى من قبله من الرسل بقوله: {أُولئِكَ علـى هدَىً مِنْ رَبّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ} فأخبر أنهم هم أهل الهدى والفلاح خاصة دون غيرهم, وأن غيرهم هم أهل الضلال والـخسار.
الآية : 5
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{أُوْلَـَئِكَ عَلَىَ هُدًى مّن رّبّهِمْ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
اختلف أهل التأويـل فـيـمن عنى الله جل ثناؤه بقوله: أُولَئِكَ عَلَـى هُدًى مِنْ رَبّهِمْ فقال بعضهم: عَنَى بذلك أهل الصفتـين الـمتقدمتـين, أعنـي الـمؤمنـين بـالغيب من العرب والـمؤمنـين وبـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم وإلـى من قبله من الرسل, وإياهم جميعا وصف بأنهم علـى هدى منهم وأنهم هم الـمفلـحون. ذكر من قال ذلك من أهل التأويـل:
129ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: أما الذين يؤمنون بـالغيب, فهم الـمؤمنون من العرب, والذين يؤمنون بـما أنزل إلـيك: الـمؤمنون من أهل الكتاب. ثم جمع الفريقـين فقال: أُولَئِكَ علـى هدَىً مِنْ رَبّهِمْ وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ.
وقال بعضهم: بل عَنَى بذلك الـمتقـين الذين يؤمنون بـالغيب وهم الذين يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد, وبـما أنزل إلـى من قبله من الرسل.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك الذي يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما أنزل إلـى من قبله من الرسل.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك الذين يؤمنون بـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما أنزل إلـى من قبله, وهم مؤمنوا أهل الكتاب الذين صدقوا بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به, وكانوا مؤمنـين من قبلُ بسائر الأنبـياء والكتب.
وعلـى هذا التأويـل الاَخر, يحتـمل أن يكون: الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ فـي مـحل خفض, ومـحل رفع فأما الرفع فـيه فإنه يأتـيها من وجهين: أحدهما من قبل العطف علـى ما فـي يُؤْمِنُونَ بِـالغَيْبِ من ذكر «الذين». والثانـي: أن يكون خبر مبتدأ, ويكون: أُولَئِكَ علـى هُدىً مِنْ رَبّهِمْ رافعها. وأما الـخفض فعلـى العطف علـى الْـمُتّقِـينَ. وإذا كانت معطوفة علـى «الذين» اتـجه لها وجهان من الـمعنى, أحدهما: أن تكون هي «والذين» الأولـى من صفة الـمتقـين, وذلك علـى تأويـل من رأى أن الاَيات الأربع بعد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:12 am

الـم نزلت فـي صنف واحد من أصناف الـمؤمنـين. والوجه الثانـي: أن تكون «الذين» الثانـية معطوفة فـي الإعراب علـى «الـمتقـين» بـمعنى الـخفض, وهم فـي الـمعنى صنف غير الصنف الأول. وذلك علـى مذهب من رأى أن الذين نزلت فـيهم الاَيتان الأوّلتان من الـمؤمنـين بعد قوله الـم غير الذين نزلت فـيهم الاَيتان الاَخرتان اللتان تلـيان الأوّلتـين. وقد يحتـمل أن تكون «الذين» الثانـية مرفوعة فـي هذا الوجه بـمعنى الاستئناف, إذ كانت مبتدأ بها بعد تـمام آية وانقضاء قصة. وقد يجوز الرفع فـيها أيضا بنـية الاستئناف إذ كانت فـي مبتدأ آية وإن كانت من صفة الـمتقـين. فـالرفع إذا يصح فـيها من أربعة أوجه, والـخفض من وجهين.
وأولـى التأويلات عندي بقوله: أُولَئِكَ عَلـى هُدىً مِنْ رَبّهِمْ ما ذكرت من قول ابن مسعود وابن عبـاس, وأن تكون «أولئك» إشارة إلـى الفريقـين, أعنـي الـمتقـين وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ, وتكون «أولئك» مرفوعة بـالعائد من ذكرهم فـي قوله: علـى هُدًى مِن رَبّهِمْ وأن تكون «الذين» الثانـية معطوفة علـى ما قبل من الكلام علـى ما قد بـيناه.
وإنـما رأينا أن ذلك أولـى التأويلات بـالآية, لأن الله جل ثناؤه نعت الفريقـين بنعتهم الـمـحمود ثم أثنى علـيهم فلـم يكن عزّ وجل لـيخص أحد الفريقـين بـالثناء مع تساويهما فـيـما استـحقا به الثناء من الصفـات, كما غير جائز فـي عدله أن يتساويا فـيـما يتسحقان به الـجزاء من الأعمال فـيخص أحدهما بـالـجزاء دون الاَخر ويحرم الاَخر جزاء عمله, فكذلك سبـيـل الثناء بـالأعمال لأن الثناء أحد أقسام الـجزاء. وأما معنى قوله: أُولَئِكَ علـى هُدًى مِنْ رَبّهِمْ فإن معنى ذلك أنهم علـى نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفـيقه لهم كما:
130ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: أُولَئِكَ علـى هُدىً مِنْ رَبّهِمْ أي علـى نور من ربهم, واستقامة علـى ما جاءهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ.
وتأويـل قوله: وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ أي أولئك هم الـمُنْـجِحُون الـمدركون ما طلبوا عند الله تعالـى ذكره بأعمالهم وإيـمانهم بـالله وكتبه ورسله, من الفوز بـالثواب, والـخـلود فـي الـجنان, والنـجاة مـما أعد الله تبـارك وتعالـى لأعدائه من العقاب. كما:
131ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة. قال: حدثنا ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ أي الذين أدركوا ما طلبوا, ونـجوا من شرّ ما منه هربوا. ومن الدلالة علـى أن أحد معانـي الفلاح إدراك الطلبة والظفر بـالـحاجة, قول لبـيد بن ربـيعة:
اعْقِلِـي إنْ كُنْتِ لَـمّا تَعْقِلِـيولَقَدْ أفْلَـحَ مَنْ كانَ عَقَلْ
يعنـي ظفر بحاجته وأصاب خيرا. ومنه قول الراجز:
عَدِمْتُ أُمّا وَلَدَتْ رَبـاحاجاءَتْ بِهِ مُفَرْكَحا فِرْكَاحَا
تَـحْسَبُ أنْ قَدْ وَلَدَتْ نَـجاحاأشْهَدُ لاَ يَزِيدُهَا فَلاحا
يعنـي خيرا وقربـا من حاجتها. والفلاح: مصدر من قولك: أفلـح فلان يُفلـح إفلاحا, وفلاحا, وفَلَـحا. والفلاح أيضا البقاء, ومنه قول لبـيد:
نـحُلّ بلادا كُلّها حُلّ قَبْلَنَاوَنَرْجُو الفَلاَحَ بَعْدَ عادٍ وحِمْيَرِ
يريد البقاء. ومنه أيضا قول عَبـيد:
أفْلِـحْ بـما شِئْتَ فَقَدْ يَبْلُعُ بـالضّعْفِ وَقَدْ يُخْدَعُ أَلارِيبُ
يريد: عش وابق بـما شئت. وكذلك قول نابغة بنـي ذبـيان:
وكُلّ فَتًـى سَتَشْعَبُهُ شَعُوبٌوَإنْ أثْرَى وَإنْ لاقـى فَلاحا
أي نـجاحا بحاجته وبقاءً.
الآية : 6
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
اختلف أهل التأويـل فـيـمن عنى بهذه الآية, وفـيـمن نزلت, فكان ابن عبـاس يقول, كما:
132ـ حدثنا به مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا أي بـما أنزل إلـيك من ربك, وإن قالوا إنا قد آمنا بـما قد جاءنا من قبلك. وكان ابن عبـاس يرى أن هذه الآية, نزلت فـي الـيهود الذين كانوا بنواحي الـمدينة علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم توبـيخا لهم فـي جحودهم نبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم, وتكذيبهم به, مع علـمهم به ومعرفتهم بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـيهم وإلـى الناس كافة.
وهذه الآية من أوضح الأدلة علـى فساد قول الـمنكرين تكلـيف ما لا يطاق إلا بـمعونة الله لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه ختـم علـى قلوب صنف من كفـار عبـاده وأسماعهم, ثم لـم يسقط التكلـيف عنهم ولـم يضع عن أحد منهم فرائضه ولـم يعذره فـي شيء مـما كان منه من خلاف طاعته بسبب ما فعل به من الـختـم والطبع علـى قلبه وسمعه, بل أخبر أن لـجميعهم منه عذابـا عظيـما علـى تركهم طاعته فـيـما أمرهم به ونهاهم عنه من حدوده وفرائضه مع حتـمه القضاء مع ذلك بأنهم لا يؤمنون.
الآية : 7
القول فـي تأويـل جل ثناؤه:{خَتَمَ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِهمْ وَعَلَىَ سَمْعِهِمْ وَعَلَىَ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }.
وقوله: وَعلـى أبْصَارِهمْ غشِاوَة خبر مبتدأ بعد تـمام الـخبر عما ختـم الله جل ثناؤه علـيه من جوارح الكفـار الذين مضت قصصهم, وذلك أن غِشاوَة مرفوعة بقوله: وَعلـى أبْصَارِهمْ فذلك دلـيـل علـى أنه خبر مبتدأ, وأن قوله: خَتـمَ اللّهُ علـى قُلُوبِهمْ قد تناهى عند قوله: وَعلـى سَمْعِهمْ. وذلك هو القراءة الصحيحة عندنا لـمعنـيـين, أحدهما: اتفـاق الـحجة من القراء والعلـماء علـى الشهادة بتصحيحها, وانفراد الـمخالف لهم فـي ذلك وشذوذه عما هم علـى تـخطئته مـجمعون وكفـى بإجماع الـحجة علـى تـخطئة قراءته شاهدا علـى خطئها. والثانـي: أن الـختـم غير موصوفة به العيون فـي شيء من كتاب الله, ولا فـي خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا موجود فـي لغة أحد من العرب. وقد قال تبـارك وتعالـى فـي سورة أخرى: وَختَـمَ علـى سَمْعهِ وَقَلْبِهِ ثم قال: وَجَعَلَ علـى بَصَرِه غِشاوَة فلـم يدخـل البصر فـي معنى الـختـم, وذلك هو الـمعروف فـي كلام العرب. فلـم يجز لنا ولا لأحد من الناس القراءة بنصب الغشاوة لـما وصفت من العلتـين اللتـين ذكرت, وإن كان لنصبها مخرج معروف فـي العربـية. وبـما قلنا فـي ذلك من القول والتأويـل, رُوى الـحَبر عن ابن عبـاس.
133ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي الـحسين بن الـحسن, عن أبـيه, عن جده, عن ابن عبـاس: ختـم الله علـى قلوبهم وعلـى سمعهم والغشاوة علـى أبصارهم.
فإن قال قائل: وما وجه مخرج النصب فـيها؟ قـيـل له: إن نصبها بإضمار «جعل» كأنه قال: وجعل علـى أبصارهم غشاوة ثم أسقط «جعل» إذ كان فـي أول الكلام ما يدل علـيه. وقد يحتـمل نصبها علـى إتبـاعها موضع السمع إذ كان موضعه نصبـا, وإن لـم يكن حسنا إعادة العامل فـيه علـى «غشاوة» ولكن علـى إتبـاع الكلام بعضه بعضا, كما قال تعالـى ذكره: يَطُوفُ عَلَـيْهمْ وُلْدَان مُخَـلّدُونَ بأكْوَابٍ وأبـارِيقَ ثم قال: وَفَـاكهَة مِـمّا يَتَـخَيّرُونَ وَلَـحْمِ طَيْرٍ مِـمّا يَشْتَهُونَ وحُورٍ عينٍ فخفض اللـحم والـحور علـى العطف به علـى الفـاكهة إتبـاعا لاَخر الكلام أوله. ومعلوم أن اللـحم لا يطاف به ولا بـالـحور, ولكن ذلك كما قال الشاعر يصف فرسه:
عَلَفْتُها تِبْنا وَماءً بـارِداحَتّـى شَتَتْ هَمّالَةً عَيْناها
ومعلوم أن الـماء يشرب ولا يعلف به, ولكنه نصب ذلك علـى ما وصفت قبل. وكما قال الاَخر:
وَرَأيْتُ زَوْجَكِ فـي الوَغَىمُتَقَلّدَا سَيْفـا وَرُمْـحَا
وكان ابن جريج يقول فـي انتهاء الـخبر عن الـختـم إلـى قوله: وَعلـى سَمْعِهِمْ وابتداء الـخبر بعده بـمثل الذي قلنا فـيه, ويتأول فـيه من كتاب الله: فإنْ يَشأ اللّهُ يَخْتِـم علـى قَلْبِكَ.
134ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: حدثنا ابن جريج, قال: الـختـم علـى القلب والسمع, والغشاوة علـى البصر, قال الله تعالـى ذكره: فإنْ يَشأ اللّهُ يَخْتِـمْ علـى قَلْبِكَ وقال: وخَتـمَ علـى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ علـى بَصَرِهِ غِشاوَةً والغشاوة فـي كلام العرب: الغطاء, ومنه قول الـحارث بن خالد بن العاص:
تَبِعْتُكَ إذْ عَيْنِـي عَلَـيْها غِشاوَةٌفَلـمّا انْـجَلَتْ قَطّعْتُ نَفْسِي ألُومُها
ومنه يقال: تغشاه الهم: إذا تـجلّله وركبه. ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:
هَلا سألْتِ بَنِـي ذُبْـيانَ ما حَسَبـيإذَا الدّخانُ تَغَشّى الأشمَطَ البَرِمَا
يعنـي بذلك: إذا تـجلله وخالطه.
وإنـما أخبر الله تعالـى ذكره نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم عن الذين كفروا به من أحبـار الـيهود, أنه قد ختـم علـى قلوبهم وطبع علـيها فلا يعقلون لله تبـارك وتعالـى موعظة وعظهم بها فـيـما آتاهم من علـم ما عندهم من كتبه, وفـيـما حدّد فـي كتابه الذي أوحاه وأنزله إلـى نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم, وعلـى سمعهم فلا يسمعون من مـحمد صلى الله عليه وسلم نبـيّ الله تـحذيرا ولا تذكيرا ولا حجة أقامها علـيهم بنبوّته, فـيتذكروا ويحذروا عقاب الله عز وجل فـي تكذيبهم إياه, مع علـمهم بصدقه وصحة أمره وأعلـمه مع ذلك أن علـى أبصارهم غشاوة عن أن يبصروا سبـيـل الهدى فـيعلـموا قبح ما هم علـيه من الضلالة والردي.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك رُوي الـخبر عن جماعة من أهل التأويـل.
135ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: خَتـمَ اللّهُ علـى قُلُوبِهِمْ وَعلـى سَمْعهِمْ وَعلـى أبْصَارِهِمْ غِشاوَة أي عن الهدى أن يصيبوه أبدا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:12 am

بغير ما كذبوك به من الـحقّ الذي جاءك من ربك, حتـى يؤمنوا به, وإن آمنوا بكل ما كان قبلك.
136ـ حدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَتَـم اللّهُ علـى قُلُوبِهِمْ وَعلـى سَمْعِهِمْ يقول فلا يعقلون, ولا يسمعون. ويقول: وجعل علـى أبصارهم غشاوة, يقول: علـى أعينهم فلا يبصرون.
وأما آخرون فإنهم كانوا يتأوّلون أن الذين أخبر الله عنهم من الكفـار أنه فعل ذلك بهم هم قادة الأحزاب الذين قتلوا يوم بدر.
137ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, قال: هاتان الاَيتان إلـي: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ هم: الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَار وهم الذين قتلوا يوم بدر فلـم يدخـل من القادة أحد فـي الإسلام إلا رجلان: أبو سفـيان بن حرب, والـحكم بن أبـي العاص.
138ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, عن الـحسن, قال: أما القادة فلـيس فـيهم مـجيب, ولا ناج, ولا مهتد, وقد دللنا فـيـما مضى علـى أولـى هذين التأويـلـين بـالصواب كرهنا إعادته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ.
وتأويـل ذلك عندي كما قاله ابن عبـاس وتأوّله.
139ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: ولهم بـما هم علـيه من خلافك عذاب عظيـم, قال: فهذا فـي الأحبـار من يهود فـيـما كذّبوك به من الـحق الذي جاءك من ربك بعد معرفتهم.
الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }
قال أبو جعفر: أما قوله: وَمِنَ النّاسِ فإن فـي الناس وجهين: أحدهما أن يكون جمعا لا واحد له من لفظه, وإنـما واحده إنسان وواحدته إنسانة. والوجه الاَخر: أن يكون أصله «أُناس» أسقطت الهمزة منها لكثرة الكلام بها, ثم دخـلتها الألف واللام الـمعرّفتان, فأدغمت اللام التـي دخـلت مع الألف فـيها للتعريف فـي النون, كما قـيـل فـي: لكنّ هُوَ اللّهُ رَبـي علـى ما قد بـينا فـي اسم الله الذي هو الله.
وقد زعم بعضهم أن الناس لغة غير أناس, وأنه سمع العرب تصغره نُوَيْس من الناس, وأن الأصل لو كان أناس لقـيـل فـي التصغير: أُنَـيْس, فردّ إلـى أصله.
وأجمع جميع أهل التأويـل علـى أن هذه الآية نزلت فـي قوم من أهل النفـاق, وأن هذه الصفة صفتهم. ذكر بعض من قال ذلك من أهل التأويـل بأسمائهم:
140ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وَبـالْـيَوْمِ الاَخرِ وَما هُمْ بِـمُؤْمِنـينَ يعنـي الـمنافقـين من الأوس والـخزرج, ومن كان علـى أمرهم. وقد سُمّي فـي حديث ابن عبـاس هذا أسماؤهم عن أبـيّ بن كعب, غير أنـي تركت تسميتهم كراهة إطالة الكتاب بذكرهم.
141ـ حدثنا الـحسين بن يحيى, قال: أنبأنا عبد الرزاق, قال: أنبأنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وَبـالْـيَوْمِ الاَخِرِ وَما هُم بِـمُؤْمِنِـينَ حتـى بلغ: فَمَا رَبِحَتْ تِـجارَتُهُمْ وَما كَانُوا مُهْتَدِينَ قال: هذه فـي الـمنافقـين.
142ـ حدثنا مـحمد بن عمرو البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: هذه الآية إلـى ثلاث عشرة فـي نعت الـمنافقـين.
حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد مثله.
143ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن إسماعيـل السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرّة, وعن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: وَمِنَ الناسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وَبـالـيَوْمِ الاَخِرِ وَمَا هُمْ بِـمؤْمِنِـينَ هم الـمنافقون.
144ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وَبـالْـيَوْمِ الاَخِرِ إلـى: فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرضا وَلَهُمُ عَذَابٌ ألِـيـمٌ قال: هؤلاء أهل النفـاق.
145ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وَبـالـيَوْمِ الاَخِرِ وَما هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ قال: هذا الـمنافق يخالف قولُه فعلَه وسرّه علانـيَته ومدخـلُه مخرجَه ومشهدُه مغيَبه.
وتأويـل ذلك أن الله جل ثناؤه لـمّا جمع لرسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم أمره فـي دار هجرته واستقر بها قرارُه وأظهر الله بها كلـمته, وفشا فـي دور أهلها الإسلام, وقهر بها الـمسلـمون من فـيها من أهل الشرك من عبدة الأوثان, وذلّ بها من فـيها من أهل الكتاب أظهر أحبـار يهودها لرسول الله صلى الله عليه وسلم الضغائن وأبدوا له العداوة والشنآن حسدا وبغيا إلا نفرا منهم, هداهم الله للإسلام فأسلـموا, كما قال الله جل ثناؤه: وَدّ كَثِـيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ لَوْ يَردّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيـمانِكُمْ كُفّـارا حَسَدا منْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَـيّنَ لَهُمْ الـحَقّ وطابقهم سرّا علـى معاداة النبـي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبغيهم الغوائل قومٌ من أراهط الأنصار الذي آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه وكانوا قد عتوا فـي شركهم وجاهلـيتهم قد سُمّوا لنا بأسمائهم, كرهنا تطويـل الكتاب بذكر أسمائهم وأنسابهم. وظاهروهم علـى ذلك فـي خفـاء غير جهار حذار القتل علـى أنفسهم والسبـاء من رسول اللهصلى الله عليه وسلم وأصحابه, وركونا إلـى الـيهود, لـما هم علـيه من الشرك وسوء البصيرة بـالإسلام. فكانوا إذا لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيـمان به من أصحابه, قالوا لهم حذارا علـى أنفسهم: إنا مؤمنون بـالله وبرسوله وبـالبعث, وأعطوهم بألسنتهم كلـمة الـحق لـيدرءوا عن أنفسهم حكم الله فـيـمن اعتقد ما هم علـيه مقـيـمون من الشرك لو أظهروا بألسنتهم ما هم معتقدوه من شركهم, وإذا لقوا إخوانهم من الـيهود وأهل الشرك والتكذيب بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به فخـلوا بهم, قالوا: إنّا مَعَكُمْ إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءونَ فإياهم عنى جل ذكره بقوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وَبـالـيَوْمِ الاَخِرِ وَما هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ يعنـي بقوله تعالـى خبرا عنهم «آمّنا بـالله»: صدقنا بـالله. وقد دللنا علـى أن معنى التصديق فـيـما مضى قبل من كتابنا هذا. وقوله: وَبـالـيَوْمِ الاَخرِ يعنـي بـالبعث يوم القـيامة. وإنـما سُمِي يوم القـيامة الـيوم الاَخر: لأنه آخر يوم, لا يوم بعده سواه.
وهذه الآية من أوضح الأدلة علـى فساد قول الـمنكرين تكلـيف ما لا يطاق إلا بـمعونة الله لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه ختـم علـى قلوب صنف من كفـار عبـاده وأسماعهم, ثم لـم يسقط التكلـيف عنهم ولـم يضع عن أحد منهم فرائضه ولـم يعذره فـي شيء مـما كان منه من خلاف طاعته بسبب ما فعل به من الـختـم والطبع علـى قلبه وسمعه, بل أخبر أن لـجميعهم منه عذابـا عظيـما علـى تركهم طاعته فـيـما أمرهم به ونهاهم عنه من حدوده وفرائضه مع حتـمه القضاء مع ذلك بأنهم لا يؤمنون.
فإن قال قائل: وكيف لا يكون بعده يوم, ولا انقطاع للاَخرة, ولا فناء, ولا زوال؟.
قـيـل: إن الـيوم عند العرب إنـما سمي يوما بلـيـلته التـي قبله, فإذا لـم يتقدم النهار لـيـل لـم يسمّ يوما, فـيوم القـيامة يوم لا لـيـل له بعده سوى اللـيـلة التـي قامت فـي صبـيحتها القـيامة, فذلك الـيوم هو آخر الأيام, ولذلك سماه الله جل ثناؤه: الـيَوْم الاَخر, ونعته بـالعقـيـم, ووصفه بأنه يوم عقـيـم لأنه لا لـيـل بعده.
وأما تأويـل قوله:: وَما هُمْ بِـمُؤْمنـينَ ونفـيه عنهم جل ذكره اسم الإيـمان, وقد أخبر عنهم أنهم قد قالوا بألسنتهم آمنّا بـالله وبـالـيوم الاَخر فإن ذلك من الله جل وعز تكذيب لهم فـيـما أخبروا عن اعتقادهم من الإيـمان والإقرار بـالبعث, وإعلام منه نبـيه صلى الله عليه وسلم أن الذي يبدونه له بأفواههم خلاف ما فـي ضمائر قلوبهم, وضد ما فـي عزائم نفوسهم. وفـي هذه الآية دلالة واضحة علـى بطول ما زعمته الـجهمية من أن الإيـمان هو التصديق بـالقول دون سائر الـمعانـي غيره. وقد أخبر الله جل ثناؤه عن الذين ذكرهم فـي كتابه من أهل النفـاق أنهم بألسنتهم: آمَنّا بـاللّهِ وَبـالْـيَوْمِ الاَخرِ ثم نفـى عنهم أن يكونوا مؤمنـين, إذ كان اعتقادهم غير مصدق قـيـلهم ذلك. وقوله: وَما هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ يعنـي بـمصدقـين فـيـما يزعمون أنهم به مصدقون.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى.
{يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }
قال أبو جعفر: وخداع الـمنافق ربه والـمؤمنـين إظهاره بلسانه من القول والتصديق خلاف الذي فـي قلبه من الشك والتكذيب لـيدرأ عن نفسه بـما أظهر بلسانه حُكْمَ الله عز وجل اللازمَ من كان بـمثل حاله من التكذيب لو لـم يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والإقرار من القتل والسبـاء, فذلك خداعه ربه وأهل الإيـمان بـالله.
فإن قال قائل: وكيف يكون الـمنافق لله وللـمؤمنـين مخادعا وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقـية؟ قـيـل: لا تـمتنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي هو فـي ضميره تقـية لـينـجو مـما هو له خائف, فنـجا بذلك مـما خافه مخادعا لـمن تـخـلص منه بـالذي أظهر له من التقـية, فكذلك الـمنافق سمي مخادعا لله وللـمؤمنـين بـاظهاره ما أظهر بلسانه تقـية مـما تـخـلص به من القتل والسبـاء والعذاب العاجل, وهو لغير ما أظهر مستبطن, وذلك من فعله وإن كان خداعا للـمؤمنـين فـي عاجل الدنـيا فهو لنفسه بذلك من فعله خادع لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها أنه يعطيها أمنـيتها ويسقـيها كأس سرورها, وهو موردها به حياض عطبها, ومـجرّعها به كأس عذابها, ومذيقها من غضب الله وألـيـم عقابه ما لا قبل لها به. فذلك خديعته نفسه ظنّا منه مع إساءته إلـيها فـي أمر معادها أنه إلـيها مـحسن, كما قال جل ثناؤه: وَما يَخْدَعُونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ وَما يَشْعَرُونَ إعلاما منه عبـاده الـمؤمنـين أن الـمنافقـين بإساءتهم إلـى أنفسهم فـي إسخاطهم ربهم بكفرهم وشكهم وتكذيبهم غير شاعرين ولا دارين, ولكنهم علـى عمياء من أمرهم مقـيـمون.
وبنـحو ما قلنا فـي تأويـل ذلك كان ابن زيد يقول.
146ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب قال: سألت عبد الرحمن بن زيد, عن قول الله جل ذكره: يُخادعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا إلـى آخر الآية, قال: هؤلاء الـمنافقون يخادعون الله ورسوله والذين آمنوا, أنهم مؤمنون بـما أظهروا.
وهذه الآية من أوضح الدلـيـل علـى تكذيب الله جل ثناؤه قول الزاعمين: إن الله لا يعذب من عبـاده إلا من كفر به عنادا, بعد علـمه بوحدانـيته, وبعد تقرّر صحة ما عاند ربه تبـارك وتعالـى علـيه من توحيده والإقرار بكتبه ورسله عنده لأن الله جل ثناؤه قد أخبر عن الذين وصفهم بـما وصفهم به من النفـاق وخداعهم إياه والـمؤمنـين أنهم لا يشعرون أنهم مبطلون فـيـما هم علـيه من البـاطل مقـيـمون, وأنهم بخداعهم الذي يحسبون أنهم به يخادعون ربهم وأهل الإيـمان به مخدوعون. ثم أخبر تعالـى ذكره أن لهم عذابـا ألـيـما بتكذيبهم بـما كانوا يكذبونه من نبوّة نبـيه واعتقاد الكفر به, وبـما كانوا يكذبون فـي زعمهم أنهم مؤمنون, وهم علـى الكفر مصرّون.
فإن قال لنا قائل: قد علـمت أن الـمفـاعلة لا تكون إلا من فـاعلـين, كقولك: ضاربت أخاك, وجالست أبـاك إذا كان كل واحد مـجالس صاحبه ومضاربه. فأما إذا كان الفعل من أحدهما فإنـما يقال: ضربت أخاك وجلست إلـى أبـيك, فمن خادع الـمنافق فجاز أن يقال فـيه: خادع الله والـمؤمنـين. قـيـل: قد قال بعض الـمنسوبـين إلـى العلـم بلغات العرب: إن ذلك حرف جاء بهذه الصورة, أعنـي «يُخادع» بصورة «يُفـاعل» وهو بـمعنى «يَفْعل» فـي حروف أمثالها شاذّة من منطق العرب, نظير قولهم: قاتلك الله, بـمعنى قتلك الله.
ولـيس القول فـي ذلك عندي كالذي قال, بل ذلك من التفـاعل الذي لا يكون إلا من اثنـين كسائر ما يعرف من معنى «يُفـاعل ومُفـاعل» فـي كل كلام العرب, وذلك أن الـمنافق يخادع الله جل ثناؤه بكذبه بلسانه علـى ما قد تقدم وصفه, والله تبـارك اسمه خادعه بخذلانه عن حسن البصيرة بـما فـيه نـجاة نفسه فـي آجل معاده, كالذي أخبر فـي قوله: {وَلا يَحْسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا أنّـمَا نُـمْلـي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنّـمَا نُـمْلِـي لَهُمْ لِـيَزْدادُوا إثْما} وبـالـمعنى الذي أخبر أنه فـاعل به فـي الاَخرة بقوله: {يَوْمَ يَقُولُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:14 am

الـمُنافِقُونَ وَالـمُنافِقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} الآية, فذلك نظير سائر ما يأتـي من معانـي الكلام بـيفـاعل ومفـاعل. وقد كان بعض أهل النـحو من أهل البصرة يقول: لا تكون الـمفـاعلة إلا من شيئين, ولكنه إنـما قـيـل: يخادعون الله عند أنفسهم بظنهم أن لا يعاقبوا, فقد علـموا خلاف ذلك فـي أنفسهم بحجة الله تبـارك اسمه الواقعة علـى خـلقه بـمعرفته وما يخْدَعُونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ. قال: وقد قال بعضهم: وما يخدعون يقول: يخدعون أنفسهم بـالتـخـلـية بها. وقد تكون الـمفـاعلة من واحد فـي أشياء كثـيرة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما يَخْدَعُونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ.
إن قال لنا قائل: أولـيس الـمنافقون قد خدعوا الـمؤمنـين بـما أظهروا بألسنتهم من قـيـل الـحقّ عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم حتـى سلـمت لهم دنـياهم وإن كانوا قد كانوا مخدوعين فـي أمر آخرتهم؟ قـيـل: خطأ أن يقال إنهم خدعوا الـمؤمنـين لأنا إذا قلنا ذلك أوجبنا لهم حقـيقة خدعة جازت لهم علـى الـمؤمنـين, كما أنا لو قلنا: قتل فلان فلانا, أوجبنا له حقـيقة قتل كان منه لفلان. ولكنا نقول: خادع الـمنافقون ربهم والـمؤمنـين, ولـم يخدعوهم بل خدعوا أنفسهم, كما قال جل ثناؤه, دون غيرها, نظير ما تقول فـي رجل قاتل آخر فقتل نفسه ولـم يقتل صاحبه: قاتل فلان فلانا ولـم يقتل إلا نفسه, فتوجب له مقاتلة صاحبه, وتنفـي عنه قتله صاحبه, وتوجب له قتل نفسه. فكذلك تقول: خادع الـمنافق ربه والـمؤمنـين, ولـم يخدع إلا نفسه, فتثبت منه مخادعة ربه والـمؤمنـين, وتنفـي عنه أن يكون خدع غير نفسه لأن الـخادع هو الذي قد صحت له الـخديعة ووقع منه فعلها. فـالـمنافقون لـم يخدعوا غير أنفسهم, لأن ما كان لهم من مال وأهل فلـم يكن الـمسلـمون ملكوه علـيهم فـي حال خداعهم إياه عنه بنفـاقهم ولا قبلها فـيستنقذوه بخداعهم منهم, وإنـما دافعوا عنه بكذبهم وإظهارهم بألسنتهم غير الذي فـي ضمائرهم, ويحكم الله لهم فـي أموالهم وأنفسهم وذراريهم فـي ظاهر أمورهم بحكم ما انتسبوا إلـيه من الـملة, والله بـما يخفون من أمورهم عالـم. وإنـما الـخادع من خَتَلَ غيره عن شيئه, والـمخدوع غير عالـم بـموضع خديعة خادعه. فأما والـمخادَع عارف بخداع صاحبه إياه, وغير لاحقه من خداعه إياه مكروه, بل إنـما يتـجافـى للظان به أنه له مخادع استدراجا لـيبلغ غاية يتكامل له علـيه الـحجة للعقوبة التـي هو بها موقع عند بلوغه إياها. والـمستدرج غير عالـم بحال نفسه عند مستدرجه, ولا عارف بـاطلاعه علـى ضميره, وأن إمهال مستدرجيه إياه تركه معاقبته علـى جرمه لـيبلغ الـمخاتل الـمخادع من استـحقاقه عقوبة مستدرجه بكثرة إساءته وطول عصيانه إياه وكثرة صفح الـمستدرج وطول عفوه عنه أقصى غاية, فإنـما هو خادع نفسه لا شك دون من حدثته نفسه أنه له مخادع. ولذلك نفـى الله جل ثناؤه عن الـمنافق أن يكون خدعه غير نفسه, إذ كانت الصفة التـي وصفنا صفته. وإذ كان الأمر علـى ما وصفنا من خداع الـمنافق ربه وأهل الإيـمان به, وأنه غير سائر بخداعه ذلك إلـى خديعة صحيحة إلا لنفسه دون غيرها لـما يورطها بفعله من الهلاك والعطب, فـالواجب إذا أن يكون الصحيح من القراءة: وَما يَخْدَعُونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ دون: «وما يخادعون», لأن لفظ الـمخادع غير موجب تثبـيت خديعة علـى صحة, ولفظ خادع موجب تثبـيت خديعة علـى صحة. ولا شك أن الـمنافق قد أوجب خديعة الله عز وجل لنفسه بـما ركب من خداعه ربه ورسوله والـمؤمنـين بنفـاقه, فلذلك وجبت الصحة لقراءة من قرأ: وَما يَخْدَعُونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ.
ومن الدلالة أيضا علـى أن قراءة من قرأ: وما يَخْدَعُونَ أولـى بـالصحة من قراءة من قرأ: «وما يخادعون» أن الله جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم يخادعون الله والـمؤمنـين فـي أول الآية, فمـحال أن ينفـي عنهم ما قد أثبت أنهم قد فعلوه, لأن ذلك تضادّ فـي الـمعنى, وذلك غير جائز من الله جل وعز. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما يَشْعُرُونَ.
يعنـي بقوله جل ثناؤه: وَما يَشْعُرُونَ: وَما يدرون, يقال: ما شعر فلان بهذا الأمر, وهو لا يشعر به إذا لـم يدر ولـم يعلـم شعرا وشعورا, كما قال الشاعر:
عَقّوا بِسَهْمٍ ولَـمْ يَشْعُرْ بِهِ أحَدٌثُمّ اسْتَفـاءُوا وَقالُوا حَبّذَا الوَضَحُ
يعنـي بقوله: «لـم يشعر به»: لـم يدر به أحد ولـم يعلـم. فأخبر الله تعالـى ذكره عن الـمنافقـين, أنهم لا يشعرون بأن الله خادعهم بإملائه لهم واستدراجه إياهم الذي هو من الله جل ثناؤه إبلاغ إلـيهم فـي الـحجة والـمعذرة, ومنهم لأنفسهم خديعة, ولها فـي الاَجل مضرّة. كالذي:
147ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سألت ابن زيد عن قوله: وَما يَخْدَعُونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ قال: ما يشعرون أنهم ضرّوا أنفسهم بـما أسرّوا من الكفر والنفـاق. وقرأ قول الله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعا قال: هم الـمنافقون, حتـى بلغ وَيحْسَبُونَ أنّهُمْ علـى شَيءٍ قد كان الإيـمان ينفعهم عندكم.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }
وأصل الـمرض: السقم, ثم يقال ذلك فـي الأجساد والأديان فأخبر الله جل ثناؤه أن فـي قلوب الـمنافقـين مرضا. وإنـما عنى تبـارك وتعالـى بخبره عن مرض قلوبهم الـخبر عن مرض ما فـي قلوبهم من الاعتقاد ولكن لـما كان معلوما بـالـخبر عن مرض القلب أنه معنىّ به مرض ما هم معتقدوه من الاعتقاد استغنى بـالـخبر عن القلب بذلك والكناية عن تصريح الـخبر عن ضمائرهم واعتقاداتهم كما قال عمر بن لـجأ:
وَسَبّحَتِ الـمَدِينَةُ لا تَلُـمْهارأتْ قَمَرا بِسُوقِهِمُ نَهارا
يريد وسبح أهل الـمدينة. فـاستغنى بـمعرفة السامعين خبره بـالـخبر عن الـمدينة عن الـخبر عن أهلها. ومثله قول عنترة العبسيّ:
هَلاّ سألْتِ الـخَيْـلَ يا ابنْةَ مالِكِإنْ كُنْتِ جاهِلَةً بِـمَا لَـمْ تَعْلَـمِي
يريد: هلا سألت أصحاب الـخيـل؟ ومنه قولهم: يا خيـل الله اركبـي, يراد: يا أصحاب خيـل الله اركبوا.
والشواهد علـى ذلك أكثر من أن يحصيها كتاب, وفـيـما ذكرنا كفـاية لـمن وفق لفهمه. فكذلك معنى قول الله جل ثناؤه: فـي قُلُوبِهمْ مَرَضٌ إنـما يعنـي فـي اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه فـي الدين والتصديق بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما جاء به من عند الله مرض وسقم. فـاجتزأ بدلالة الـخبر عن قلوبهم علـى معناه عن تصريح الـخبر عن اعتقادهم. والـمرض الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه فـي اعتقاد قلوبهم الذي وصفناه هو شكهم فـي أمر مـحمد, وما جاء به من عند الله وتـحيرهم فـيه, فلا هم به موقنون إيقان إيـمان, ولا هم له منكرون إنكار إشراك ولكنهم كما وصفهم الله عز وجل مذبذبون بـين ذلك لا إلـى هؤلاء ولا إلـى هؤلاء, كما يقال: فلان تـمرض فـي هذا الأمر, أي يضعف العزم ولا يصحح الروية فـيه. وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل ذلك تظاهر القول فـي تفسيره من الـمفسرين ذكر من قال ذلك:
148ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: فـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شكّ.
149ـ وحدثت عن الـمنـجاب, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: الـمرض: النفـاق.
150ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يقول: فـي قلوبهم شك.
151ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلَـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال عبد الرحمن بن زيد فـي قوله: فـي قُلُوبِهِمْ مَرَض قال: هذا مرض فـي الدين ولـيس مرضا فـي الأجساد. قال: هم الـمنافقون.
152ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك قراءة عن سعيد عن قتادة فـي قوله: فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: فـي قلوبهم ريبة وشك فـي أمر الله جل ثناؤه.
153ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: هؤلاء أهل النفـاق, والـمرض الذي فـي قلوبهم الشكّ فـي أمر الله تعالـى ذكره.
154ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال عبد الرحمن بن زيد: وَمِنَ النّاس مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِـاللّهِ وَبـالـيَوْمِ الاَخِرِ حتـى بلغ: فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال الـمرض: الشك الذي دخـلهم فـي الإسلام.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضا.
قد دللنا آنفـا علـى أن تأويـل الـمرض الذي وصف الله جل ثناؤه أنه فـي قلوب الـمنافقـين: هو الشكّ فـي اعتقادات قلوبهم وأديانهم وما هم علـيه فـي أمر مـحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر نبوّته وما جاء به مقـيـمون.
فـالـمرض الذي أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنه زادهم علـى مرضهم هو نظير ما كان فـي قلوبهم من الشك والـحيرة قبل الزيادة, فزادهم الله بـما أحدث من حدوده وفرائضه التـي لـم يكن فرضها قبل الزيادة التـي زادها الـمنافقـين من الشك والـحيرة إذْ شكوا وارتابوا فـي الذي أحدث لهم من ذلك إلـى الـمرض والشك الذي كان فـي قلوبهم فـي السالف من حدوده وفرائضه التـي كان فرضها قبل ذلك, كما زاد الـمؤمنـين به إلـى إيـمانهم الذي كانوا علـيه قبل ذلك بـالذي أحدث لهم من الفرائض والـحدود إذ آمنوا به, إلـى إيـمانهم بـالسالف من حدوده وفرائضه إيـمانا. كالذي قال جل ثناؤه فـي تنزيـله: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيـمَانا فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيـمَانا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمّا الّذِينَ فـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسا إلـى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كافِرُونَ} فـالزيادة التـي زيدها الـمنافقون من الرجاسة إلـى رجاستهم هو ما وصفنا, والزيادة التـي زيدها الـمؤمنون إلـى إيـمانهم هو ما بـينا, وذلك هو التأويـل الـمـجمع علـيه. ذكر بعض من قال ذلك من أهل التأويـل:
155ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت. عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضا قال: شكّا.
156ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: أخبرنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرّة الهمدانـي عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضا يقول: فزادهم الله ريبة وشكا.
157ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك قراءة عن سعيد عن قتادة: فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضا يقول: فزادهم الله ريبة وشكا فـي أمر الله.
158ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قول الله: فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضا قال: زادهم رجسا. وقرأ قول الله عزّ وجلّ: {فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيـمَانا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمّا الّذِينَ فـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسا إلـى رِجْسِهِمْ} قال: شرّا إلـى شرّهم, وضلالة إلـى ضلالتهم.
159ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضا قال زادهم الله شكا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ.
قال أبو جعفر: والألـيـم: هو الـموجع, ومعناه: ولهم عذاب مؤلـم, فصرف «مؤلـم» إلـى «ألـيـم», كما يقال: ضرب وجيع بـمعنى موجع, والله بديع السموات والأرض بـمعنى مبدع. ومنه قول عمرو بن معد يكرب الزبـيدي:
أمِنْ رَيْحَانَةَ الدّاعِي السّمِيعُيُؤَرّقُنِـي وأصْحابـي هُجُوعُ
بـمعنى الـمُسْمِع. ومنه قول ذي الرمة:
وَيَرْفَعُ مِنْ صُدُور شَمَرْدلاتٍيَصُدّ وُجُوهَها وَهَجٌ ألِـيـمُ
ويروى «يصك», وإنـما الألـيـم صفة للعذاب, كأنه قال: ولهم عذاب مؤلـم. وهو مأخوذ من الألـم, والألـم: الوجع. كما:
160ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر عن أبـيه عن الربـيع, قال: الألـيـم: الـموجع.
161ـ حدثنا يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك قال: الألـيـم, الـموجع.
162ـ وحدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك فـي قوله ألِـيـمٌ قال: هو العذاب الـموجع, وكل شيء فـي القرآن من الألـيـم فهو الـموجع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: بِـمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ.
اختلفت القراءة فـي قراءة ذلك, فقرأه بعضهم: بِـمَا كانُوا يَكْذِبُونَ مخففة الذال مفتوحة الـياء, وهي قراءة معظم أهل الكوفة. وقرأه آخرون: يُكَذّبُونَ بضم الـياء وتشديد الذال,
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:16 am

وهي قراءة معظم أهل الـمدينة والـحجاز والبصرة. وكأن الذين قرءوا ذلك بتشديد الذال وضم الـياء رأوا أن الله جل ثناؤه إنـما أوجب للـمنافقـين العذاب الألـيـم بتكذيبهم نبـيهم مـحمدا صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به, وأن الكذب لولا التكذيب لا يوجب لأحد الـيسير من العذاب, فكيف بـالألـيـم منه؟
ولـيس الأمر فـي ذلك عندي كالذي قالوا وذلك أن الله عزّ وجلّ أنبأ عن الـمنافقـين فـي أول النبأ عنهم فـي هذه السورة بأنهم يكذبون بدعواهم الإيـمان وإظهارهم ذلك بألسنتهم خداعا لله عزّ وجلّ ولرسوله وللـمؤمنـين, فقال: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وَبِـالـيَوْمِ الاَخِرِ وَمَا هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا} بذلك من قـيـلهم مع استسرارهم الشك والريبة, وما يخدعون بصنـيعهم ذلك إلا أنفسهم دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين, وما يشعرون بـموضع خديعتهم أنفسهم واستدراج الله عزّ وجل إياهم بإملائه لهم فـي قلوبهم شك أي نفـاق وريبة, والله زائدهم شكّا وريبة بـما كانوا يكذبون الله ورسوله والـمؤمنـين بقولهم بألسنتهم: آمَنّا بـاللّهِ وَبـالـيَوْمِ الاَخِرِ وهم فـي قـيـلهم ذلك كَذَبة لاستسرارهم الشك والـمرض فـي اعتقادات قلوبهم. فـي أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم, فأولـى فـي حكمة الله جل جلاله أن يكون الوعيد منه لهم علـى ما افتتـح به الـخبر عنهم من قبـيح أفعالهم وذميـم أخلاقهم, دون ما لـم يجز له ذكر من أفعالهم إذ كان سائر آيات تنزيـله بذلك نزل. وهو أن يفتتـح ذكر مـحاسن أفعال قوم ثم يختـم ذلك بـالوعيد علـى ما افتتـح به ذكره من أفعالهم, ويفتتـح ذكر مساوىء أفعال آخرين ثم يختـم ذلك بـالوعيد علـى ما ابتدأ به ذكره من أفعالهم. فكذلك الصحيح من القول فـي الاَيات التـي افتتـح فـيها ذكر بعض مساوىء أفعال الـمنافقـين أن يختـم ذلك بـالوعيد علـى ما افتتـح به ذكره من قبـائح أفعالهم, فهذا مع دلالة الآية الأخرى علـى صحة ما قلنا وشهادتها بأن الواجب من القراءة ما اخترنا, وأن الصواب من التأويـل ما تأوّلنا من أن وعيد الله الـمنافقـين فـي هذه الآية العذاب الألـيـم علـى الكذب الـجامع معنى الشك والتكذيب, وذلك قول الله تبـارك وتعالـى: {إذَا جاءَكَ الـمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إنّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَـمُ إنّكَ لَرَسُولُهُ واللّهُ يَشْهَدُ إنّ الـمُنافِقِـينَ لَكاذِبُونَ اتّـخَذُوا أيـمَانَهُمْ جُنّةً فَصَدوّا عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ إنّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} والآية الأخرى فـي الـمـجادلة: {اتّـخَذوُا أيْـمَانَهُمْ جُنّةً فَصَدوّا عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} فأخبر جلّ ثناؤه أن الـمنافقـين بقـيـلهم ما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, مع اعتقادهم فـيه ما هفم معتقدون, كاذبون. ثم أخبر تعالـى ذكره أن العذاب الـمهين لهم علـى ذلك من كذبهم. ولو كان الصحيح من القراءة علـى ما قرأه القارئون فـي سورة البقرة: وَلهُمْ عَذَابٌ ألـيِـمٌ بِـمَا كانُوا يُكذَبّوُنَ لكانت القراءة فـي السورة الأخرى: {والله يشهد إن الـمنافقـين لـمكذّبون}, لـيكون الوعيد لهم الذي هو عقـيب ذلك وعيدا علـى التكذيب, لا علـى الكذب.
وفـي إجماع الـمسلـمين علـى أن الصواب من القراءة فـي قوله: وَاللّهُ يَشْهَدُ إنّ الـمُنافَقِـينَ لَكاذِبُونَ بـمعنى الكذب, وأن إيعاد الله تبـارك وتعالـى فـيه الـمنافقـين العذاب الألـيـم علـى ذلك من كذبهم, أوضح الدلالة علـى أن الصحيح من القراءة فـي سورة البقرة: بـما كَانُوا يَكْذِبُون بـمعنى الكذب, وأن الوعيد من الله تعالـى ذكره للـمنافقـين فـيها علـى الكذب حق, لا علـى التكذيب الذي لـم يجز له ذكر نظير الذي فـي سورة الـمنافقـين سواء.
وقد زعم بعض نـحويـي البصرة أن «ما» من قول الله تبـارك اسمه: بِـمَا كانُوا يَكُذِبُون اسم للـمصدر, كما أن أن والفعل اسمان للـمصدر فـي قولك: أحبّ أن تأتـينـي, وأن الـمعنى إنـما هو بكذبهم وتكذيبهم. قال: وأدخـل «كان» لـيخبر أنه كان فـيـما مضى, كما يقال: ما أحسن ما كان عبد الله. فأنت تعجب من عبد الله لا من كونه, وإنـما وقع التعجب فـي اللفظ علـى كونه. وكان بعض نـحويـي الكوفة ينكر ذلك من قوله ويستـخطئه ويقول: إنـما ألغيت «كان» فـي التعجب لأن الفعل قد تقدمها, فكأنه قال: «حسنا كان زيد», «وحسن كان زيد» يبطل «كان», ويعمل مع الأسماء والصفـات التـي بألفـاظ الأسماء إذا جاءت قبل «كان» ووقعت «كان» بـينها وبـين الأسماء.
وأما العلة فـي إبطالها إذا أبطلت فـي هذه الـحال فشبه الصفـات والأسماء بفعل ويفعل اللتـين لا يظهر عمل كان فـيهما, ألا ترى أنك تقول: «يقوم كان زيد», ولا يظهر عمل «كان» فـي «يقوم», وكذلك «قام كان زيد». فلذلك أبطل عملها مع فـاعل تـمثـيلاً بفعل ويفعل, وأعملت مع فـاعل أحيانا لأنه اسم كما تعمل فـي الأسماء. فأما إذا تقدمت «كان» الأسماء والأفعال وكان الاسم والفعل بعدها, فخطأ عنده أن تكون «كان» مبطلة فلذلك أحال قول البصري الذي حكيناه, وتأوّل قوله الله عزّ وجل: بِـمَا كانُوا يَكذْبِوُنَ أنه بـمعنى: الذي يكذبونه.
الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ قَالُوَاْ إِنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل هذه الآية, فروي عن سلـمان الفـارسي أنه كان يقول: لـم يجيءْ هؤلاء بعد.
163ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثام بن علـيّ, قال: حدثنا الأعمش, قال: سمعت الـمنهال بن عمرو يحدّث عن عبـاد بن عبد الله, عن سلـمان, قال: ما جاء هؤلاء بعد, الذين إذَا قـيـلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فـي الأرْضِ قالُوا إنّـمَا نَـحْنُ مُصْلِـحُونَ.
حدثنـي أحمد بن عثمان بن حكيـم, قال: حدثنا عبد الرحمن بن شريك, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي الأعمش, عن زيد بن وهب وغيره, عن سلـمان أنه قال فـي هذه الآية: وَإذَا قِـيـلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فـي الأرْضِ قالُوا إنّـمَا نَـحْنُ مُصْلِـحُونَ قال ما جاء هؤلاء بعد. وقال آخرون بـما:
164ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: وَإذَا قِـيـلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فـي الأرْض قالُوا إنّـمَا نَـحْنُ مُصْلِـحُونَ هم الـمنافقون. أما لا تفسدوا فـي الأرض فإن الفساد هو الكفر والعمل بـالـمعصية.
165ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: وَإذَا قِـيـلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فـي الأرْضِ يقول: لا تعصوا فـي الأرض. قال: فكان فسادهم علـى أنفسهم ذلك معصية الله جل ثناؤه, لأن من عصى الله فـي الأرض أو أمر بـمعصيته فقد أفسد فـي الأرض, لأن إصلاح الأرض والسماء بـالطاعة.
وأولـى التأويـلـين بـالآية تأويـل من قال: إن قول الله تبـارك اسمه: وَإذَا قِـيـلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فـي الأرْضِ قالُوا إنّـمَا نَـحْنُ مُصْلِـحُونَ نزلت فـي الـمنافقـين الذين كانوا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإن كان معنـيا بها كل من كان بـمثل صفتهم من الـمنافقـين بعدهم إلـى يوم القـيامة. وقد يحتـمل قول سلـمان عند تلاوة هذه الآية: «ما جاء هؤلاء بعد» أن يكون قاله بعد فناء الذين كانوا بهذه الصفة علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرا منه عمن جاء منهم بعدهم ولـما يجيء بعد, لا أنه عنى أنه لـم يـمض مـمن هذه صفته أحد.
وإنـما قلنا أولـى التأويـلـين بـالآية ما ذكرنا, لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى أن ذلك صفة من كان بـين ظهرانـي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الـمنافقـين, وأن هذه الاَيات فـيهم نزلت. والتأويـل الـمـجمع علـيه أولـى بتأويـل القرآن من قول لا دلالة علـى صحته من أصل ولا نظير. والإفساد فـي الأرض: العمل فـيها بـما نهى الله جل ثناؤه عنه, وتضيـيع ما أمر الله بحفظه. فذلك جملة الإفساد, كما قال جل ثناؤه فـي كتابه مخبرا عن قـيـل ملائكته: {قالُوا أَتَـجْعَلَ فِـيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ} يعنون بذلك: أتـجعل فـي الأرض من يعصيك ويخالف أمرك؟ فكذلك صفة أهل النفـاق مفسدون فـي الأرض بـمعصِيتهم فـيها ربهم, وركوبهم فـيها ما نهاهم عن ركوبه, وتضيـيعهم فرائضه وشكهم فـي دين الله الذي لا يقبل من أحد عملاً إلا بـالتصديق به والإيقان بحقّـيته, وكذبهم الـمؤمنـين بدعواهم غير ما هم علـيه مقـيـمون من الشك والريب, وبـمظاهرتهم أهل التكذيب بـالله وكتبه ورسله علـى أولـياء الله إذا وجدوا إلـى ذلك سبـيلاً.
فذلك إفساد الـمنافقـين فـي أرض الله, وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلـحون فـيها. فلـم يسقط الله جل ثناؤه عنهم عقوبته, ولا خفف عنهم ألـيـم ما أعدّ من عقابه لأهل معصيته بحسبـانهم أنهم فـيـما أتوا من معاصي الله مصلـحون, بل أوجب لهم الدرك الأسفل من ناره والألـيـمَ من عذابه والعارَ العاجل بسبّ الله إياهم وشتـمه لهم, فقال تعالـى: أَلاّ إنّهُمْ هُمُ الـمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ وذلك من حكم الله جل ثناؤه فـيهم أدلّ الدلـيـل علـى تكذيبه تعالـى قول القائلـين: إن عقوبـات الله لا يستـحقها إلا الـمعاند ربه فـيـما لزمه من حقوقه وفروضه بعد علـمه وثبوت الـحجة علـيه بـمعرفته بلزوم ذلك إياه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قالُوا إنّـمَا نَـحْنُ مُصْلِـحُونَ.
وتأويـل ذلك كالذي قاله ابن عبـاس, الذي:
166ـ حدثنا به مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قوله: إنّـمَا نَـحْنُ مُصْلِـحُونَ أي قالوا: إنـما نريد الإصلاح بـين الفريقـين من الـمؤمنـين وأهل الكتاب. وخالفه فـي ذلك غيره.
167ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَإذَا قِـيـلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِـي الأرْضِ قال: إذا ركبوا معصية الله, فقـيـل لهم: لا تفعلوا كذا وكذا, قالوا: إنـما نـحن علـى الهدى مصلـحون.
قال أبو جعفر: وأيّ الأمرين كان منهم فـي ذلك أعنـي فـي دعواهم أنهم مصلـحون فهم لا شكّ أنهم كانوا يحسبون أنهم فـيـما أتوا من ذلك مصلـحون. فسواء بـين الـيهود والـمسلـمين كانت دعواهم الإصلاح أو فـي أديانهم, وفـيـما ركبوا من معصية الله, وكذبهم الـمؤمنـين فـيـما أظهروا لهم من القول وهم لغير ما أظهروا مستبطنون, لأنهم كانوا فـي جميع ذلك من أمرهم عند أنفسهم مـحسنـين, وهم عند الله مسيئون, ولأمر الله مخالفون لأن الله جل ثناؤه قد كان فرض علـيهم عداوة الـيهود وحربهم مع الـمسلـمين, وألزمهم التصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به من عند الله كالذي ألزم من ذلك الـمؤمنـين, فكان لقاؤهم الـيهود علـى وجه الولاية منهم لهم, وشكهم فـي نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفـيـما جاء به أنه من عند الله أعظم الفساد, وإن كان ذلك كان عندهم إصلاحا وهدى: فـي أديانهم, أو فـيـما بـين الـمؤمنـين والـيهود, فقال جل ثناؤه فـيهم: ألا إنّهُمُ هُمْ الـمُفْسِدُونَ دون الذين ينهونهم من الـمؤمنـين عن الإفساد فـي الأرض ولكن لا يشعرون.
الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{أَلآ إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـَكِن لاّ يَشْعُرُونَ }
وهذا القول من الله جل ثناؤه تكذيب للـمنافقـين فـي دعواهم إذا أمروا بطاعة الله فـيـما أمرهم الله به, ونُهوا عن معصية الله فـيـما نهاهم الله عنه. قالوا: إنـما نـحن مصلـحون لا مفسدون, ونـحن علـى رشد وهدى فـيـما أنكرتـموه علـينا دونكم لا ضالون. فكذبهم الله عزّ وجلّ فـي ذلك من قـيـلهم, فقال: ألا إنّهُمُ هُمُ الـمُفْسِدُونَ الـمخالفون أمر الله عزّ وجل, الـمتعدّون حدوده الراكبون معصيته, التاركون فروضه وهم لا يشعرون ولا يدرون أنهم كذلك, لا الذين يأمرونهم بـالقسط من الـمؤمنـين وينهونهم عن معاصي الله فـي أرضه من الـمسلـمين.
الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ النّاسُ قَالُوَاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السّفَهَآءُ أَلآ إِنّهُمْ هُمُ السّفَهَآءُ وَلَـَكِن لاّ يَعْلَمُونَ }
قال أبو جعفر: وتأويـل قوله: وَإذَا قِـيـلَ لَهُمْ آمِنُوا كما آمَنَ النّاسُ يعنـي: وإذا قـيـل لهؤلاء الذين وصفهم الله ونعتهم بأنهم يقولون آمَنّا بـاللّهِ وَبِـالـيَوْمِ الاَخِرِ وَما هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ: صَدّقوا بـمـحمد وبـما جاء به من عند الله كما صدّق به الناس. ويعنـي ب«الناس» الـمؤمنـين الذين آمنوا بـمـحمد ونبوّته وما جاء به من عند الله. كما:
168ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك عن ابن عبـاس فـي قوله: وَإذَا قِـيـلَ لَهُمْ آمَنُوا كما آمَنَ النّاسُ يقول: وإذا قـيـل لهم صدّقوا كما صدّق أصحاب مـحمد, قولوا: إنه نبـيّ ورسول, وإن ما أنزل علـيه حق. وصَدّقوا بـالاَخرة, وأنكم مبعوثون من بعد الـموت.
وإنـما أدخـلت الألف واللام فـي «الناس» وهم بعض الناس لا جميعهم لأنهم كانوا معروفـين عند الذين خوطبوا بهذه الآية بأعيانهم. وإنـما معناه: آمنوا كما آمن الناس الذين تعرفونهم من أهل الـيقـين والتصديق بـالله وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وما جاء به من عند الله وبـالـيوم الاَخر, فلذلك أدخـلت الألف واللام فـيه كما أدخـلتا فـي قوله: {الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فـاخْشُوهُمْ} لأنه أشير بدخولها إلـى ناس معروفـين عند من خوطب بذلك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قَالوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السّفَهَاءُ.
قال أبو جعفر: والسفهاء جمع سفـيه, كالعلـماء جمع علـيـم, والـحكماء جمع حكيـم. والسفـيه: الـجاهل الضعيف الرأي, القلـيـل الـمعرفة بـمواضع الـمنافع والـمضارّ ولذلك سمى الله عزّ وجل النساء والصبـيان سفهاء, فقال تعالـى: {وَلا تُؤْتُوا السّفَهَاء أَمْوَالَكُمْ الّتِـي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ} قِـياما فقال عامة أهل التأويـل: هم النساء والصبـيان لضعف آرائهم, وقلة معرفتهم بـمواضع الـمصالـح والـمضارّ التـي تصرف إلـيها الأموال. وإنـما عنى الـمنافقون بقـيـلهم أنؤمن كما آمن السفهاء, إذْ دُعوا إلـى التصديق بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما جاء به من عند الله, والإقرار بـالبعث, فقال لهم: آمنوا كما آمن أصحاب مـحمد وأتبـاعه من الـمؤمنـين الـمصدقـين به أهل الإيـمان والـيقـين والتصديق بـالله وبـما افترض علـيهم علـى لسان رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم وفـي كتابه وبـالـيوم الاَخر, فقالوا إجابة لقائل ذلك لهم: أنؤمن كما آمن أهل الـجهل ونصدق بـمـحمد صلى الله عليه وسلم كما صدق به هؤلاء الذين لا عقول لهم ولا أفهام كالذي:
169ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم, قالوا: أنُؤْمِنُ كما آمَنَ السّفَهاءُ يعنون أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم.
170ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه عن الربـيع بن أنس: قالوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السّفَهاءُ يعنون أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم.
171ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أنبأنا ابن وهب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلـم فـي قوله: قالُوا أنُؤْمِنُ كمَا آمَنَ السّفَهاءُ قال: هذا قول الـمنافقـين, يريدون أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم.
172ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: قالوا أنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السّفَهاءُ يقولون: أنقول كما تقول السفهاء؟ يعنون أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم, لـخلافهم لدينهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ألا إنّهُمُ هُمْ السّفَهاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَـمُونَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:17 am

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالـى عن الـمنافقـين الذين تقدم نعته لهم ووصْفُه إياهم بـما وصفهم به من الشك والتكذيب, أنهم هم الـجهال فـي أديانهم, الضعفـاء الاَراء فـي اعتقاداتهم واختـياراتهم التـي اختاروها لأنفسهم من الشك والريب فـي أمر الله وأمر رسوله وأمر نبوّته, وفـيـما جاء به من عند الله, وأمر البعث, لإساءتهم إلـى أنفسهم بـما أتوا من ذلك, وهم يحسبون أنهم إلـيها يحسنون. وذلك هو عين السفه, لأن السفـيه إنـما يفسد من حيث يرى أنه يصلـح ويضيع من حيث يرى أنه يحفظ. فكذلك الـمنافق يعصي ربه من حيث يرى أنه يطيعه, ويكفر به من حيث يرى أنه يؤمن به, ويسيء إلـى نفسه من حيث يحسب أنه يحسن إلـيها, كما وصفهم به ربنا جل ذكره فقال: ألا إنّهُمُ هُمُ الـمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ وقال: ألا إنهم هم السفهاء دون الـمؤمنـين الـمصدّقـين بـالله وبكتابه وبرسوله وثوابه وعقابه, ولكن لا يعلـمون. وكذلك كان ابن عبـاس يتأوّل هذه الآية.
173ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس يقول الله جل ثناؤه: ألا إنّهُمْ هُمُ السّفَهاءُ يقول الـجهال, ولَكِنْ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ولكن لا يعقلون. وأما وجه دخول الألف واللام فـي «السفهاء» فشبـيه بوجه دخولهما فـي «الناس» فـي قوله: وَإذَا قِـيـلَ لَهمْ آمِنُوا كمَا آمَنَ النّاسُ وقد بـينا العلة فـي دخولهما هنالك, والعلة فـي دخولهما فـي السفهاء نظيرتها فـي دخولهما فـي الناس هنالك سواء. والدلالة التـي تدل علـيه هذه الآية من خطأ قول من زعم أن العقوبة من الله لا يستـحقها إلا الـمعاند ربه مع علـمه بصحة ما عانده فـيه نظير دلالة الاَيات الأخر التـي قد تقدّم ذكرنا تأويـلَها فـي قوله: وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ونظائر ذلك.
الآية : 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَإِذَا لَقُواْ الّذِينَ آمَنُواْ قَالُوَا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىَ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوَاْ إِنّا مَعَكْمْ إِنّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }
قال أبو جعفر: وهذه الآية نظير الآية الأخرى التـي أخبر الله جل ثناؤه فـيها عن الـمنافقـين بخداعهم الله ورسوله والـمؤمنـين, فقال: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وَبـالـيَوْمِ الاَخِرِ ثم أكذبهم تعالـى ذكره بقوله: وَما هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ وأنهم بقـيـلهم ذلك يخادعون الله والذين آمنوا. وكذلك أخبر عنهم فـي هذه الآية أنهم يقولون للـمؤمنـين الـمصدقـين بـالله وكتابه ورسوله بألسنتهم: آمنا وصدّقنا بـمـحمدٍ وبـما جاء به من عند الله, خداعا عن دمائهم وأموالهم وذراريهم, ودرءا لهم عنها, وأنهم إذا خـلوا إلـى مَرَدَتِهم وأهل العتوّ والشرّ والـخبث منهم ومن سائر أهل الشرك الذين هم علـى مثل الذي هم علـيه من الكفر بـالله وبكتابه ورسوله وهم شياطينهم. وقد دللنا فـيـما مضى من كتابنا علـى أن شياطين كل شيء مردته قالوا لهم: إنّا مَعَكُمْ أي إنا معكم علـى دينكم, وظهراؤكم علـى من خالفكم فـيه, وأولـياؤكم دون أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم, إنـما نـحن مستهزئون بـالله وبكتابه ورسوله وأصحابه. كالذي:
174ـ حدثنا مـحمد بن العلاء: قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال حدثنا بشر بن عمار عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله: وَإذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا قال: كان رجال من الـيهود إذا لقوا أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم أو بعضهم, قالوا: إنا علـى دينكم, وإذا خـلوا إلـى أصحابهم وهم شياطينهم قالُوا إنّا مَعَكُمْ إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَإذَا لَقُوا اللّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وإذا خَـلَوْا إلـى شَياطِينِهِمْ قال: إذا خـلوا إلـى شياطينهم من يهود الذين يأمرونهم بـالتكذيب, وخلاف ما جاء به الرسول قالُوا إنّا مَعَكُمْ أي إنا علـى مثل ما أنتـم علـيه إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ.
175ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَإذَا خَـلَوْا إلـى شَياطِينِهِمْ أما شياطينهم, فهم رءوسهم فـي الكفر.
176ـ حدثنا بشر بن معاذ العقدي, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: وَإذَا خَـلَوْا إلـى شَياطِينِهِمْ أي رؤسائهم وقادتهم فـي الشرّ, قالُوا إنـما نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ.
177ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أنبأنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَإذَا خَـلَوْا إلـى شياطينِهِمْ قال: الـمشركون.
178ـحدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله عز وجل: وَإذَا خَـلَوْا إلـى شَياطِينِهِمْ قال: إذا خلا الـمنافقون إلـى أصحابهم من الكفـار.
حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو حذيفة, عن شبل بن عبـاد, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَإذَا خَـلَوْا إلـى شَياطِينِهِمْ قال أصحابهم: من الـمنافقـين والـمشركين.
179ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: وَإذَا خَـلَوْا إلـى شَياطِينهمْ قال إخوانهم من الـمشركين, قالُوا إنا مَعَكُم إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزُءُونَ.
180ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج فـي قوله: وَإذَا لَقُوا الذِينَ آمَنوا قالُوا آمَنا قال: إذا أصاب الـمؤمنـين رخاء, قالوا: إنا نـحن معكم إنـما نـحن إخوانكم, وإذا خـلوا إلـى شياطينهم استهزءوا بـالـمؤمنـين.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد: شياطينهم: أصحابهم من الـمنافقـين والـمشركين.
فإن قال لنا قائل: أرأيت قوله: وَإذَا خَـلَوْا إلـى شَياطينهم فكيف قـيـل «خـلوا إلـى شياطينهم» ولـم يقل «خـلوا بشياطينهم»؟ فقد علـمت أن الـجاري بـين الناس فـي كلامهم «خـلوت بفلان» أكثر وأفشى من «خـلوت إلـى فلان», ومن قولك: إن القرآن أفصح البـيان قـيـل: قد اختلف فـي ذلك أهل العلـم بلغة العرب, فكان بعض نـحويـي البصرة يقول: يقال خـلوت إلـى فلان, إذا أريد به: خـلوت إلـيه فـي حاجة خاصة لا يحتـمل إذا قـيـل كذلك إلا الـخلاء إلـيه فـي قضاء الـحاجة. فأما إذا قـيـل: خـلوت به احتـمل معنـيـين: أحدهما الـخلاء به فـي الـحاجة, والاَخر: فـي السخرية به, فعلـى هذا القول وَإذَا خَـلَوْا إلـى شَياطينهمْ لا شك أفصح منه لو قـيـل: «وإذا خـلوا بشياطينهم» لـما فـي قول القائل: «إذا خـلوا بشياطينهم» من التبـاس الـمعنى علـى سامعيه الذي هو منتف عن قوله: وَإذَا خَـلَوْا إلـى شَياطينهمْ فهذا أحد الأقوال. والقول الاَخر أن تُوَجّه معنى قوله: وَإذَا خَـلَوْا إلـى شَياطينهم أي إذا خـلوا مع شياطينهم, إذ كانت حروف الصفـات يعاقب بعضها بعضا كما قال الله مخبرا عن عيسى ابن مريـم أنه قال للـحواريـين: مَنْ أنْصَارِي إلـى اللّهِ يريد مع الله, وكما توضع «علـى» فـي موضع «من» و«فـي» و«عن» و«البـاء», كما قال الشاعر:
إذَا رَضِيَتْ عَلـيّ بَنُو قُشَيْرٍلَعَمْرُ اللّهِ أعْجَبَنِـي رِضَاها
بـمعنى «عنّـي».
وأما بعض نـحويـي أهل الكوفة فإنه كان يتأوّل أن ذلك بـمعنى: وَإذَا لَقُوا الذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنا وإذا صرفوا خلاءهم إلـى شياطينهم فـيزعم أن الـجالب «إلـى» الـمعنى الذي دل علـيه الكلام: من انصراف الـمنافقـين عن لقاء الـمؤمنـين إلـى شياطينهم خالـين بهم, لا قوله «خـلوا». وعلـى هذا التأويـل لا يصلـح فـي موضع «إلـى» غيرها لتغير الكلام بدخول غيرها من الـحروف مكانها.
وهذا القول عندي أولـى بـالصواب, لأن لكل حرف من حروف الـمعانـي وجها هو به أولـى من غيره, فلا يصلـح تـحويـل ذلك عنه إلـى غيره إلا بحجة يجب التسلـيـم لها. ول«إلـى» فـي كل موضع دخـلت من الكلام حكم وغير جائز سلبها معانـيها فـي أماكنها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتهْزِءُونَ.
أجمع أهل التأويـل جميعا لا خلاف بـينهم, علـى أن معنى قوله: إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ: إنـما نـحن ساخرون. فمعنى الكلام إذا: وإذا انصرف الـمنافقون خالـين إلـى مردتهم من الـمنافقـين والـمشركين قالوا: إنا معكم عن ما أنتـم علـيه من التكذيب بـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما جاء به ومعاداته ومعاداة أتبـاعه, إنـما نـحن ساخرون بأصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي قـيـلنا لهم إذا لقـيناهم آمَنّا بـاللّهِ وبـالـيَوْمِ الاَخِرِ. كما:
181ـ حدثنا مـحمد بن العلاء, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: قالوا: إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهزِءُونَ ساخرون بأصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم.
182ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ: أي إنـما نـحن نستهزىء بـالقوم ونلعب بهم.
183ـ حدثنا بشر بن معاذ العقدي, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة: إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ: إنـما نستهزىء بهؤلاء القوم ونسخر بهم.
184ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ أي نستهزىء بأصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم.
الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
قال أبو جعفر: اختلف فـي صفة استهزاء الله جل جلاله الذي ذكر أنه فـاعله بـالـمنافقـين الذين وصف صفتهم. فقال بعضهم: استهزاؤه بهم كالذي أخبرنا تبـارك اسمه أنه فـاعل بهم يوم القـيامة فـي قوله تعالـى: {يَوْمَ يَقُولُ الـمُنافِقُونَ والـمُنافِقاتُ للّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُم} قـيـل {ارجعُوا وراءكم فـالْتَـمِسُوا نُورا فَضُرِبَ بَـيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بـابٌ بـاطِنُهُ فِـيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ يُنادُونَهُمْ ألَـمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلَـى} الآية, وكالذي أخبرنا أنه فعل بـالكفـار بقوله: {وَلا يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أنّـمَا نُـمْلِـي لَهُمْ خَيْرٌ لأِنْفُسِسِهمْ إنّـمَا نُـمْلِـي لَهُمْ لِـيَزْدَادُوا إثما}. فهذا وما أشبهه من استهزاء الله جل وعز وسخريته ومكره وخديعته للـمنافقـين وأهل الشرك به, عند قائلـي هذا القول ومتأوّلـي هذا التأويـل. وقال آخرون: بل استهزاؤه بهم: توبـيخه إياهم ولومه لهم علـى ما ركبوا من معاصي الله والكفر به, كما يقال: إن فلانا لـيهزأ منه الـيوم ويسخر منه يراد به توبـيخ الناس إياه ولومهم له, أو إهلاكه إياهم وتدميره بهم, كما قال عَبِـيد بن الأبرص:
سائِلْ بِنا حُجْرَ ابْنَ أُمّ قَطامِ إذْظَلّتْ بهِ السّمْرُ النّوَاهلُ تَلْعَبُ
فزعموا أن السمر وهي القنا لا لعب منها, ولكنها لـما قتلتهم وشردتهم جعل ذلك من فعلها لعبـا بـمن فعلت ذلك به قالوا: فكذلك استهزاء الله جل ثناؤه بـمن استهزأ به من أهل النفـاق والكفر به, إما إهلاكه إياهم وتدميره بهم, وإما إملاؤه لهم لـيأخذهم فـي حال أمنهم عند أنفسهم بغتة, أو توبـيخه لهم ولأئمته إياهم. قالوا: وكذلك معنى الـمكر منه والـخديعة والسخرية.
وقال آخرون: قوله: {يُخادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إلاّ أنْفُسَهُمْ} علـى الـجواب, كقول الرجل لـمن كان يخدعه إذا ظفر به: أنا الذي خدعتك ولـم تكن منه خديعة, ولكن قال ذلك إذْ صار الأمر إلـيه. قالوا: وكذلك قوله: {ومَكَرُوا ومَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ} والله يستهزىء بهم علـى الـجواب, والله لا يكون منه الـمكر ولا الهزء. والـمعنى: أن الـمكر والهزء حاق بهم.
وقال آخرون: قوله: {إنّـمَا نَـحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} وقوله: {يُخادِعُونَ اللّهَ وهُوَ خادِعُهُمْ} وقوله: {فَـيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَنَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} أشبه ذلك, إخبـار من الله أنه مـجازيهم جزاء الاستهزاء, ومعاقبهم عقوبة الـخداع. فأخرج خبره عن جزائه وما إياهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الذي علـيه استـحقوا العقاب فـي اللفظ وإن اختلف الـمعنـيان, كما قال جل ثناؤه: وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها ومعلوم أن الأولـى من صاحبها سيئة إذ كانت منه لله تبـارك وتعالـى معصية, وأن الأخرى عدل لأنها من الله جزاء للعاصي علـى الـمعصية. فهما وإن اتفق لفظاهما مختلفـا الـمعنى. وكذلك قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَـيْكُمْ فَـاعْتَدوا عَلَـيْهِ}. فـالعدوان الأول ظلـم, والثانـي جزاء لا ظلـم, بل هو عدل لأنه عقوبة للظالـم علـى ظلـمه وإن وافق لفظه لفظ الأول. وإلـى هذا الـمعنى وجهوا كل ما فـي القرآن من نظائر ذلك مـما هو خبر عن مكر الله جلّ وعزّ بقوم, وما أشبه ذلك.
وقال آخرون: إن معنى ذلك أن الله جل وعز أخبر عن الـمنافقـين أنهم إذا خـلوا إلـى مردتهم قالوا: إنا معكم علـى دينكم فـي تكذيب مـحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به, وإنـما نـحن بـما نظهر لهم من قولنا لهم صدّقنا بـمـحمد علـيه الصلاة والسلام وما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:22 am

جاء به مستهزءون. يعنون: إنّا نظهر لهم ما هو عندنا بـاطل لا حقّ ولا هُدًى. قالوا: وذلك هو معنى من معانـي الاستهزاء. فأخبر الله أنه يستهزىء بهم فـيظهر لهم من أحكامه فـي الدنـيا خلاف الذي لهم عنده فـي الاَخرة, كما أظهروا للنبـي صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين فـي الدين ما هم علـى خلافه فـي سرائرهم.
والصواب فـي ذلك من القول والتأويـل عندنا, أن معنى الاستهزاء فـي كلام العرب: إظهار الـمستهزىء للـمستهزإ به من القول والفعل ما يرضيه ويوافقه ظاهرا, وهو بذلك من قـيـله وفعله به مورثه مساءة بـاطنا, وكذلك معنى الـخداع والسخرية والـمكر. وإذا كان ذلك كذلك, وكان الله جل ثناؤه قد جعل لأهل النفـاق فـي الدنـيا من الأحكام بـما أظهروا بألسنتهم من الإقرار بـالله وبرسوله وبـما جاء به من عند الله الـمُدْخِـل لهم فـي عداد من يشمله اسم الإسلام وإن كانوا لغير ذلك مستبطنـين من أحكام الـمسلـمين الـمصدقـين إقرارهم بألسنتهم بذلك بضمائر قلوبهم وصحائح عزائمهم وحميد أفعالهم الـمـحققة لهم صحة إيـمانهم, مع علـم الله عز وجل بكذبهم, واطلاعه علـى خبث اعتقادهم وشكهم فـيـما ادعوا بألسنتهم أنهم مصدقون حتـى ظنوا فـي الاَخرة إذ حشروا فـي عداد من كانوا فـي عدادهم فـي الدنـيا أنهم واردون موردهم وداخـلون مدخـلهم, الله جلّ جلاله مع إظهاره ما قد أظهر لهم من الأحكام الـملـحقهم فـي عاجل الدنـيا وآجل الاَخرة إلـى حال تـميـيزه بـينهم وبـين أولـيائه وتفريقه بـينهم وبـينهم معدّ لهم من ألـيـم عقابه ونكال عذابه ما أعدّ منه لأعدى أعدائه وأشرّ عبـاده, حتـى ميز بـينهم وبـين أولـيائه فألـحقهم من طبقات جحيـمه بـالدرك الأسفل. كان معلوما أنه جل ثناؤه بذلك من فعله بهم, وإن كان جزاء لهم علـى أفعالهم وعدلاً ما فعل من ذلك بهم لاستـحقاقهم إياه منه بعصيانهم له كان بهم بـما أظهر لهم من الأمور التـي أظهرها لهم من إلـحاقه أحكامهم فـي الدنـيا بأحكام أولـيائه وهم له أعداء, وحشره إياهم فـي الاَخرة مع الـمؤمنـين وهم به من الـمكذّبـين إلـى أن ميز بـينهم وبـينهم, مستهزئا وساخرا ولهم خادعا وبهم ماكرا. إذ كان معنى الاستهزاء والسخرية والـمكر والـخديعة ما وصفنا قبل, دون أن يكون ذلك معناه فـي حال فـيها الـمستهزىء بصاحبه له ظالـم أو علـيه فـيها غير عادل, بل ذلك معناه فـي كل أحواله إذا وجدت الصفـات التـي قدمنا ذكرها فـي معنى الاستهزاء وما أشبهه من نظائره. وبنـحو ما قلنا فـيه رُوي الـخبر عن ابن عبـاس.
185ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله: اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ قال: يسخر بهم للنقمة منهم.
وأما الذين زعموا أن قول الله تعالـى ذكره: اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ إنـما هو علـى وجه الـجواب, وأنه لـم يكن من الله استهزاء ولا مكر ولا خديعة فنافون علـى الله عز وجل ما قد أثبته الله عز وجل لنفسه وأوجبه لها. وسواء قال قائل: لـم يكن من الله جل ذكره استهزاء ولا مكر ولا خديعة ولا سخرية بـمن أخبر أنه يستهزىء ويسخر ويـمكر به, أو قال: لـم يخسف الله بـمن أخبر أنه خسف به من الأمـم, ولـم يغرق من أخبر أنه أغرقه منهم. ويقال لقائل ذلك: إن الله جل ثناؤه أخبرنا أنه مكر بقوم مضوا قبلنا لـم نرهم, وأخبر عن آخرين أنه خسف بهم, وعن آخرين أنه أغرقهم, فصدقنا الله تعالـى ذكره فـيـما أخبرنا به من ذلك, ولـم نفرّق بـين شيء منه, فما برهانك علـى تفريقك ما فرقت بـينه بزعمك أنه قد أغرق وخسف بـمن أخبر أنه أغرق وخسف به, ولـم يـمكر به أخبر أنه قد مكر به؟ ثم نعكس القول علـيه فـي ذلك فلن يقول فـي أحدهما شيئا إلا ألزم فـي الاَخر مثله. فإن لـجأ إلـى أن يقول إن الاستهزاء عبث ولعب, وذلك عن الله عزّ وجلّ منفـيّ. قـيـل له: إن كان الأمر عندك علـى ما وصفت من معنى الاستهزاء, أفلست تقول: اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وسخر الله منهم مكر الله بهم, وإن لـم يكن من الله عندك هزء ولا سخرية؟ فإن قال: «لا» كذّب بـالقرآن وخرج عن ملة الإسلام, وإن قال: «بلـى», قـيـل له: أفتقول من الوجه الذي قلت: اللّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ وسخر الله منهم يـلعب الله بهم ويعبث, ولا لعب من الله ولا عبث؟ فإن قال: «نعم», وصف الله بـما قد أجمع الـمسلـمون علـى نفـيه عنه وعلـى تـخطئة واصفه به, وأضاف إلـيه ما قد قامت الـحجة من العقول علـى ضلال مضيفه إلـيه. وإن قال: لا أقول يـلعب الله به ولا يعبث, وقد أقول يستهزىء بهم ويسخر منهم قـيـل: فقد فرقت بـين معنى اللعب, والعبث, والهزء, والسخرية, والـمكر, والـخديعة. ومن الوجه الذي جازَ قِـيـلُ هذا ولـم يَجُزْ قِـيـلُ هذا افترق معنـياهما, فعلـم أن لكل واحد منهما معنى غير معنى الاَخر.
وللكلام فـي هذا النوع موضع غير هذا كرهنا إطالة الكتاب بـاستقصائه, وفـيـما ذكرنا كفـاية لـمن وفق لفهمه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَيَـمُدّهُمْ.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله ويَـمُدّهُمْ فقال بعضهم بـما:
186ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: يـمُدّهُمْ: يُـملـي لهم.
وقال آخرون بـما:
187ـ حدثنـي به الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا سويد بن نصر, عن ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, قراءة عن مـجاهد: يَـمُدّهُمْ قال: يزيدهم.
وكان بعض نـحويـي البصرة يتأوّل ذلك أنه بـمعنى: يـمدّ لهم, ويزعم أن ذلك نظير قول العرب: الغلام يـلعب الكعاب, يراد به يـلعب بـالكعاب. قال: وذلك أنهم قد يقولون قد مددت له وأمددت له فـي غير هذا الـمعنى, وهو قول الله: وأمْدَدْناهُمْ وهذا من أمددناهم, قال: ويقال قد مدّ البحر فهو مادّ, وأمدّ الـجرح فهو مُـمِدّ.
وحكي عن يونس الـجرمي أنه كان يقول: ما كان من الشرّ فهو «مددت», وما كان من الـخير فهو «أمددت». ثم قال: وهو كما فسرت لك إذا أردت أنك تركته فهو مددت له, وإذا أردت أنك أعطيته قلت: أمددت.
وأما بعض نـحويـي الكوفة فإنه كان يقول: كل زيادة حدثت فـي الشيء من نفسه فهو «مددت» بغير ألف, كما تقول: مدّ النهر, ومدّه نهر آخر غيره: إذا اتصل به فصار منه. وكل زيادة أحدثت فـي الشيء من غيره فهو بألف, كقولك: «أمدّ الـجرح», لأن الـمدة من غير الـجرح, وأمددت الـجيش بـمدد.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي قوله: ويـمُدّهُمْ أن يكون بـمعنى يزيدهم, علـى وجه الإملاء والترك لهم فـي عتوّهم وتـمرّدهم, كما وصف ربنا أنه فعل بنظرائهم فـي قوله: وَنُقَلّبُ أفْئِدَتَهُمْ وأبْصَارَهُمْ كما لـم يُؤْمِنوا بِهِ أوّل مرّةٍ ونَذرُهُمْ فـي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يعنـي نذرهم ونتركهم فـيه ونـملـي لهم لـيزدادوا إثما إلـى إثمهم. ولا وجه لقول من قال ذلك بـمعنى «يـمدّ لهم» لأنه لا تَدَافُع بـين العرب وأهل الـمعرفة بلغتها أن يستـجيزوا قول القائل: مدّ النهر نهر آخر, بـمعنى: اتصل به فصار زائدا ماء الـمتصل به بـماء الـمتصل من غير تأوّل منهم, ذلك أن معناه مدّ النهر نهر آخر, فكذلك ذلك فـي قول الله: وَيَـمُدّهُمْ فِـي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـي طُغْيانِهِمْ.
قال أبو جعفر: والطغيان الفُعْلان, من قولك: طغى فلان يَطْغَى طغيانا إذا تـجاوز فـي الأمر حده فبغى. ومنه قوله الله: كَلاّ إنّ الإنْسانَ لَـيَطْغَى أنْ رآهُ اسْتَغْنى: أي يتـجاوز حدّه. ومنه قول أمية بن أبـي الصلت:
ودعا اللّهَ دَعْوَةً لاتَ هَنّابَعْدَ طُغْيانِهِ فَظَلّ مُشِيرا
وإنـما عنى الله جل ثناؤه بقوله: ويـمُدّهُمْ فـي طُغْيانِهِمْ أنه يـملـي لهم ويذرهم يبغون فـي ضلالهم وكفرهم حيارى يترددون. كما:
188ـ حدثت عن الـمنـجاب, قال: حدثنا بشر, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله: فـي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ قال: فـي كفرهم يترددون.
189ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: فـي طُغْيانِهِمْ: فـي كفرهم.
190ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة: فـي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهونَ أي فـي ضلالتهم يعمهون.
191ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: فـي طُغْيانِهِمْ فـي ضلالتهم.
192ـ وحدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: فـي طُغْيانِهِمْ قال: طغيانهم, كفرهم وضلالتهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يَعْمَهُونَ.
قال أبو جعفر: والعَمَهُ نفسه: الضلال, يقال منه: عَمِهَ فلانٌ يَعْمَهُ عَمَهانا وعُمُوها: إذا ضل. ومنه قول رؤبة بن العجاج يصف مَضَلّةً من الـمهامة:
ومُخْفِقٍ مِنْ لُهْلُهٍ ولُهْلُهِمِنْ مَهْمَه يُجْتَبْنَهُ فـي مَهْمَهِ
أعمَى الهدى بـالـجاهلـينَ العُمّهِ
والعُمّهُ: جمع عامِهِ, وهم الذين يضلون فـيه فـيتـحيرون. فمعنى قوله جل ثناؤه: وَيَـمُدّهُمْ فـي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ فـي ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم دنسه, وعلاهم رجسه, يترددون حيارى ضُلاّلاً لا يجدون إلـى الـمخرج منه سبـيلاً لأن الله قد طبع علـى قلوبهم وختـم علـيها, فأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها, فلا يبصرون رشدا ولا يهتدون سبـيلاً. وبنـحو ما قلنا فـي «العَمَه» جاء تأويـل الـمتأولـين.
193ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: يَعْمَهُونَ: يتـمادون فـي كفرهم.
194ـ وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, عن معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: يَعْمَهُونَ قال: يتـمادون.
195ـ وحدثت عن الـمنـجاب, قال: حدثنا بشر, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله يَعْمَهُونَ قال: يترددون.
196ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: يَعْمَهُونَ: الـمتلدد.
197ـ وحدثنا مـحمد بن عمرو البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون, قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: فـي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ قال: يترددون.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وحدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد مثله.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر عن ابن الـمبـارك, عن ابن جريج قراءة عن مـجاهد مثله.
198ـ وحدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: يَعْمَهُونَ قال: يترددون.
الآية : 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ اشْتَرُواْ الضّلاَلَةَ بِالْهُدَىَ فَمَا رَبِحَتْ تّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }
قال أبو جعفر: إن قال قائل: وكيف اشترى هؤلاء القوم الضلالة بـالهدى, وإنـما كانوا منافقـين لـم يتقدم نفـاقهم إيـمان فـيقال فـيهم بـاعوا هداهم الذي كانوا علـيه بضلالتهم حتـى استبدلوها منه؟ وقد علـمت أن معنى الشراء الـمفهوم اعتـياض شيء ببذل شيء مكانه عوضا منه, والـمنافقون الذين وصفهم الله بهذه الصفة لـم يكونوا قط علـى هدى فـيتركوه ويعتاضوا منه كفرا ونفـاقا؟ قـيـل: قد اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فنذكر ما قالوا فـيه, ثم نبـين الصحيح من التأويـل فـي ذلك إن شاء الله.
199ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَروا الضّلالَةَ بـالهُدَى أي الكفر بـالإيـمان.
200ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَروا الضّلالَةَ بـالهُدَى يقول أخذوا الضلالة وتركوا الهدى.
201ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَروا الضّلالَةَ بـالهُدَى: استـحبّوا الضلالة علـى الهدى.
202ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد فـي قوله: أولَئِكَ الّذِينَ اشْتروا الضّلالَةَ بـالهُدَى آمنوا ثم كفروا.
وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
قال أبو جعفر: فكأن الذين قالوا فـي تأويـل ذلك: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى, وجهوا معنى الشراء إلـى أنه أخذ الـمشتري مكان الثمن الـمشترى به, فقالوا: كذلك الـمنافق والكافر قد أخذا مكان الإيـمان الكفر, فكان ذلك منهما شراء للكفر والضلالة اللذين أخذاهما بتركهما ما تركا من الهدى, وكان الهدى الذي تركاه هو الثمن الذي جعلاه عوضا من الضلالة التـي أخذاها.
وأما الذين تأولوا أن معنى قوله: «اشتروا»: «استـحبوا», فإنهم لـما وجدوا الله جل ثناؤه قد وصف الكفـار فـي موضع آخر فنسبهم إلـى استـحبـابهم الكفر علـى الهدى, فقال: وأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهمْ فـاسْتَـحَبّوا العَمَى علـى الهُدَى صرفوا قوله: اشْتَروا الضّلالَةَ بـالهُدَى إلـى ذلك وقالوا: قد تدخـل البـاء مكان «علـى», و«علـى» مكان البـاء, كما يقال: مررت بفلان ومررت علـى فلان بـمعنى واحد, وكقول الله جل ثناؤه: وَمنْ أهْلِ الكِتابِ مَنْ إنْ تأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤدّهِ إلَـيْكَ أي: علـى قنطار. فكان تأويـل الآية علـى معنى هؤلاء: أولئك الذين اختاروا الضلالة علـى الهدى. وأراهم وجهوا معنى قول الله جل ثناؤه: اشْتَروا إلـى معنى «اختاروا», لأن العرب تقول: اشتريت كذا علـى كذا, و«استريته» يعنون اخترته علـيه. ومن الاشتراء قول أعشى بنـي ثعلبة:
فقَدْ أُخْرِجُ الكاعبَ الـمُشْتَراةَ مِنْ خِدْرِها وأُشْيِعُ القِمَارا
يعنـي بـالـمشتراة: الـمختارة. وقال ذو الرمة فـي الاشتراء بـمعنى الاختـيار:
يَذُبّ القَصَايا عَنْ شَراةٍ كأنّهاجماهيرُ تـحتَ الـمُدْجِنَاتِ الهَوَاضِبِ
يعنـي بـالشّراة: الـمختارة. وقال آخر فـي مثل ذلك:
إنّ الشّرَاةَ رُوقَةُ الأمْوَالِوحَزْرَةُ القَلْبِ خِيارُ الـمَالِ
قال أبو جعفر: وهذا وإن كان وجها من التأويـل فلست له بـمختار, لأن الله جل ثَناؤه قال فَمَا رَبِحَتْ تِـجارَتُهُمْ فدل بذلك علـى أن معنى قوله أولَئِكَ الّذِينَ اشْتَروا الضّلالَةَ بـالهُدَى معنى الشراء الذي يتعارفه الناس من استبدال شيء مكان شيء وأخذ عوض علـى عوض.
وأما الذين قالوا: إن القوم كانوا مؤمنـين وكفروا, فإنه لا مؤنة علـيهم لو كان الأمر علـى ما وصفوا به القوم لأن الأمر إذا كان كذلك فقد تركوا الإيـمان, واستبدلوا به الكفر عوضا من الهدى. وذلك هو الـمعنى الـمفهوم من معانـي الشراء والبـيع, ولكن دلائل أول الاَيات فـي نعوتهم إلـى آخرها دالة علـى أن القوم لـم يكونوا قط استضاءوا بنور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:24 am

الإيـمان ولا دخـلوا فـي ملة الإسلام, أوَ ما تسمع الله جل ثناؤه من لدن ابتدأ فـي نعتهم إلـى أن أتـى علـى صفتهم إنـما وصفهم بإظهار الكذب بألسنتهم بدعواهم التصديق بنبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به, خداعا لله ولرسوله وللـمؤمنـين عند أنفسهم واستهزاءً فـي نفوسهم بـالـمؤمنـين, وهم لغير ما كانوا يظهرون مستبطنون, لقول الله جل جلاله: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وَبـالـيَوْمِ الاَخِرِ وَما هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ} ثم اقتصّ قصصهم إلـى قوله: أوْلَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوا الضّلالَةَ بـالهُدَى فأين الدلالة علـى أنهم كانوا مؤمنـين فكفروا؟.
فإن كان قائل هذه الـمقالة ظنّ أن قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتروا الضّلالَةَ بـالهُدَى هو الدلـيـل علـى أن القوم قد كانوا علـى الإيـمان فـانتقلوا عنه إلـى الكفر, فلذلك قـيـل لهم: اشتروا فإن ذلك تأويـل غير مسلـم له, إذ كان الاشتراء عند مخالفـيه قد يكون أخذ شيء بترك آخر غيره, وقد يكون بـمعنى الاختـيار وبغير ذلك من الـمعانـي. والكلـمة إذا احتـملت وجوها لـم يكن لأحد صرف معناها إلـى بعض وجوهها دون بعض إلا بحجة يجب التسلـيـم لها.
قال أبو جعفر: والذي هو أولـى عندي بتأويـل الآية ما روينا عن ابن عبـاس وابن مسعود من تأويـلهما قوله: اشْتَروا الضّلالَةَ بـالهُدَى أخذوا الضلالة وتركوا الهدى. وذلك أن كل كافر بـالله فإنه مستبدل بـالإيـمان كفرا بـاكتسابه الكفر الذي وجد منه بدلاً من الإيـمان الذي أمر به. أَوَ ما تسمع الله جل ثناؤه يقول فـيـمن اكتسب كفرا به مكان الإيـمان به وبرسوله: وَمَنْ يَتَبَدّلِ الكُفْرَ بـالإيـمَانِ فَقَدْ ضَلّ سَوَاءَ السّبِـيـلِ وذلك هو معنى الشراء, لأن كل مشترٍ شيئا فإنـما يستبدل مكان الذي يؤخذ منه من البدل آخر بدلاً منه, فكذلك الـمنافق والكافر استبدلا بـالهدى الضلالة والنفـاق, فأضلهما الله وسلبهما نور الهدى فترك جميعَهم فـي ظلـمات لا يبصرون.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمَا رَبحَتْ تِـجارَتُهُمْ.
قال أبو جعفر: وتأويـل ذلك أن الـمنافقـين بشرائهم الضلالة بـالهدى خسروا ولـم يربحوا, لأن الرابح من التـجار الـمستبدل من سلعته الـمـملوكة علـيه بدلاً هو أنفس من سلعته أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به. فأما الـمستبدل من سلعته بدلاً دونها ودون الثمن الذي يبتاعها به فهو الـخاسر فـي تـجارته لا شك. فكذلك الكافر والـمنافق لأنهما اختارا الـحيرة والعمى علـى الرشاد والهدى والـخوف والرعب علـى الـحفظ والأمن, فـاستبدلا فـي العاجل بـالرشاد الـحيرة, وبـالهدى الضلالة, وبـالـحفظ الـخوف, وبـالأمن الرعب مع ما قد أعدّ لهما فـي الاَجل من ألـيـم العقاب وشديد العذاب, فخابـا وخسرا, ذلك هو الـخسران الـمبـين.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك كان قتادة يقول.
203ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة: فَمَا رَبِحَتْ تِـجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ قد والله رأيتـموهم خرجوا من الهدى إلـى الضلالة, ومن الـجماعة إلـى الفرقة, ومن الأمن إلـى الـخوف, ومن السنة إلـى البدعة.
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما وجه قوله: فَمَا رَبِحَتْ تِـجارَتُهُمْ وهل التـجارة مـما تربح أو تنقص فـيقال ربحت أو وُضِعَتْ؟ قـيـل: إن وجه ذلك علـى غير ما ظننت وإنـما معنى ذلك: فما ربحوا فـي تـجارتهم لا فـيـما اشتروا ولا فـيـما شروا. ولكن الله جل ثناؤه خاطب بكتابه عربـا فسلك فـي خطابه إياهم وبـيانه لهم مسلك خطاب بعضهم بعضا وبـيانهم الـمستعمل بـينهم. فلـما كان فصيحا لديهم قول القائل لاَخر: خاب سعيك, ونام لـيـلك, وخسر بـيعك, ونـحو ذلك من الكلام الذي لا يخفـى علـى سامعه ما يريد قائله خاطبهم بـالذي هو فـي منطقهم من الكلام فقال: فَمَا رَبِحَتْ تِـجارَتُهُمْ إذ كان معقولاً عندهم أن الربح إنـما هو فـي التـجارة كما النوم فـي اللـيـل, فـاكتفـى بفهم الـمخاطبـين بـمعنى ذلك عن أن يقال: فما ربحوا فـي تـجارتهم, وإن كان ذلك معناه, كما قال الشاعر:
وَشَرّ الـمَنايا مَيّتٌ وَسْطَ أهْلِهِكهُلْكِ الفَتاةِ أسْلَـم الـحَيّ حاضِرُهْ
يعنـي بذلك: وشرّ الـمنايا منـية ميت وسط أهله فـاكتفـى بفهم سامع قـيـله مراده من ذلك عن إظهار ما ترك إظهاره. وكما قال رؤبة بن العجاج:
حارِثُ قَدْ فَرّجْتَ عَنـي هَمّيفَنامَ لَـيْـلِـي وَتَـجَلّـى غَمّي
فوصف بـالنوم اللـيـل, ومعناه أنه هو الذي نام. وكما قال جرير بن الـخَطَفَـي:
وأعْوَرَ مِن نَبَهانَ أما نَهارُهُفأعْمَى وأمّا لَـيْـلُهُ فَبَصِيرُ
فأضاف العمى والإبصار إلـى اللـيـل والنهار, ومراده وصف النبهانـي بذلك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما كانُوا مُهْتَدِين.
يعنـي بقوله جل ثناؤه: وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ما كانوا رشداء فـي اختـيارهم الضلالة علـى الهدى, واستبدالهم الكفر بـالإيـمان, واشترائهم النفـاق بـالتصديق والإقرار.
الآية : 17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاّ يُبْصِرُونَ }
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قـيـل: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا وقد علـمت أن الهاء والـميـم من قوله: مَثَلُهُمْ كناية جماعة من الرجال أو الرجال والنساء. «والذي» دلالة علـى واحد من الذكور؟ فكيف جعل الـخبر عن واحد مثلاً لـجماعة؟ وهلاّ قـيـل: مثلهم كمثل الذين استوقدوا نارا وإن جاز عندك أن تـمثل الـجماعة بـالواحد فتـجيز لقائل رأى جماعة من الرجال فأعجبته صورهم وتـمام خـلقهم وأجسامهم أن يقول: كأن هؤلاء, أو كأن أجسام هؤلاء, نـخـلة.
قـيـل: أما فـي الـموضع الذي مثل ربنا جل ثناؤه جماعة من الـمنافقـين بـالواحد الذي جعله لأفعالهم مثلاً فجائز حسن, وفـي نظائره كما قال جل ثناؤه فـي نظير ذلك: تَدُورُ أعْيُنُهُمْ كالّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ مِنَ الـمَوْتِ يعنـي كدوران عين الذي يغشى علـيه من الـموت, وكقوله: ما خَـلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ بـمعنى إلا كبعث نفس واحدة.
وأما فـي تـمثـيـل أجسام الـجماعة من الرجال فـي طول وتـمام الـخـلق بـالواحدة من النـخيـل, فغير جائز ولا فـي نظائره لفرق بـينهما.
فأما تـمثـيـل الـجماعة من الـمنافقـين بـالـمستوقد الواحد, فإنـما جاز لأن الـمراد من الـخبر عن مثل الـمنافقـين الـخبر عن مثل استضاءتهم بـما أظهروا بألسنتهم من الإقرار وهم لغيره مستبطنون من اعتقاداتهم الرديئة, وخـلطهم نفـاقهم البـاطن بـالإقرار بـالإيـمان الظاهر. والاستضاءةُ وإن اختلفت أشخاص أهلها معنى واحد لا معان مختلفة. فـالـمثل لها فـي معنى الـمَثَل للشخص الواحد من الأشياء الـمختلفة الأشخاص. وتأويـل ذلك: مثل استضاءة الـمنافقـين بـما أظهروه من الإقرار بـالله وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم, وبـما جاء به قولاً وهم به مكذّبون اعتقادا, كمثل استضاءة الـموقد نارا. ثم أسقط ذكر الاستضاءة وأضيف الـمثل إلـيهم, كما قال نابغة بنـي جعدة:
وكَيْفَ تُواصِلُ مَن أصْبَحَتْخِلالَتُهُ كأبـي مَرْحَبِ
يريد كخلالة أبـي مرحب, فأسقط «خلالة», إذ كان فـيـما أظهر من الكلام دلالة لسامعيه علـى ما حذف منه. فكذلك القول فـي قوله: مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا لـما كان معلوما عند سامعيه بـما أظهر من الكلام أن الـمثل إنـما ضرب لاستضاءة القوم بـالإقرار دون أعيان أجسامهم حسن حذف ذكر الاستضاءة وإضافة الـمثل إلـى أهله. والـمقصود بـالـمثل ما ذكرنا, فلـما وصفنا جاز وحسن قوله: مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا ويشبه مثل الـجماعة فـي اللفظ بـالواحد, إذ كان الـمراد بـالـمثل الواحد فـي الـمعنى. وأما إذا أريد تشبـيه الـجماعة من أعيان بنـي آدم أو أعيان ذوي الصور والأجسام بشيء, فـالصواب من الكلام تشبـيه الـجماعة بـالـجماعة والواحد بـالواحد, لأن عين كل واحد منهم غير أعيان الاَخرين. ولذلك من الـمعنى افترق القول فـي تشبـيه الأفعال والأسماء, فجاز تشبـيه أفعال الـجماعة من الناس وغيرهم إذا كانت بـمعنى واحد بفعل الواحد, ثم حذف أسماء الأفعال, وإضافة الـمثل والتشبـيه إلـى الذين لهم الفعل, فـيقال: ما أفعالكم إلا كفعل الكلب, ثم يحذف فـيقال: ما أفعالكم إلا كالكلب أو كالكلاب, وأنت تعنـي: إلا كفعل الكلب وإلا كفعل الكلاب. ولـم يجز أن تقول: ما هم إلا نـخـلة, وأنت تريد تشبـيه أجسامهم بـالنـخـل فـي الطول والتـمام. وأما قوله: اسْتَوْقَدَ نارا فإنه فـي تأويـل أوقد, كما قال الشاعر:
وَدَاعٍ دَعَايا مَنْ يُجِيبُ إلـى النّدَىفَلَـمْ يَسْتَـجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُـجِيبُ
يريد: فلـم يجبه. فكان معنى الكلام إذا مثل استضاءة هؤلاء الـمنافقـين فـي إظهارهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللـمؤمنـين بألسنتهم من قولهم: آمنا بـالله وبـالـيوم الاَخر وصدقنا بـمـحمد, وبـما جاء به, وهم للكفر مستبطنون فـيـما الله فـاعل بهم, مثل استضاءة موقد نار بناره حتـى أضاءت له النار ما حوله, يعنـي ما حول الـمستوقد.
وقد زعم بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن «الذي» فـي قوله: كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا بـمعنى «الذين» كما قال جل ثناؤه: وَالّذِي جاءَ بـالصّدْقِ وصَدّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الـمُتّقُونَ. وكما قال الشاعر:
فَإنّ الّذِي حَانَتْ بِفَلْـجٍ دِمَاؤُهُمْهُمْ الْقَوْمُ كُلّ الْقَوْمِ يَا أمّ خَالِدِ
قال أبو جعفر: والقول الأول هو القول لـما وصفنا من العلة, وقد أغفل قائل ذلك فرق ما بـين الذي فـي الاَيتـين وفـي البـيت, لأن «الذي» فـي قوله: وَالّذِي جاءَ بِـالصّدقِ قد جاءت الدلالة علـى أن معناها الـجمع, وهو قوله: أولَئِكَ هُمُ الـمُتّقُونَ وكذلك الذي فـي البـيت, وهو قوله: دماؤهم. ولـيست هذه الدلالة فـي قوله: كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا. فذلك فرق ما بـين «الذي» فـي قوله: كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا وسائر شواهده التـي استشهد بها علـى أن معنى «الذي» فـي قوله: كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا بـمعنى الـجماعة, وغير جائز لأحد نقل الكلـمة التـي هي الأغلب فـي استعمال العرب علـى معنى إلـى غيره إلا بحجة يجب التسلـيـم لها.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فروي عن ابن عبـاس فـيه أقوال أحدها ما:
204ـ حدثنا به مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, عن عكرمة أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: ضرب الله للـمنافقـين مثلاً فقال: مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَـمّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ فـي ظُلُـماتٍ لا يُبْصِرُونَ أي يبصرون الـحق ويقولون به, حتـى إذا خرجوا به من ظلـمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفـاقهم فـيه, فتركهم فـي ظلـمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ولا يستقـيـمون علـى حق. والاَخر ما:
205ـ حدثنا به الـمثنى به إبراهيـم, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنا معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا إلـى آخر الآية. هذا مثل ضربه الله للـمنافقـين أنهم كانوا يعتزون بـالإسلام فـيناكحهم الـمسلـمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفـيء, فلـما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه وتركهم فـي ظلـمات, يقول فـي عذاب. والثالث ما:
206ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَـمّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فـي ظُلُـماتٍ لا يُبْصِرُونَ: زعم أن أناسا دخـلوا فـي الإسلام مَقْدَم النبـي صلى الله عليه وسلم الـمدينة, ثم إنهم نافقوا فكان مثلهم كمثل رجل كان فـي ظلـمة فأوقد نارا فأضاءت له ما حوله من قذى أو أذى, فأبصره حتـى عرف ما يتقـي, فبـينا هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقـي من أذى, فكذلك الـمنافق كان فـي ظلـمة الشرك فأسلـم فعرف الـحلال من الـحرام, والـخير من الشرّ. فبـينا هو كذلك إذ كفر, فصار لا يعرف الـحلال من الـحرام, ولا الـخير من الشر. وأما النور فـالإيـمان بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم, وكانت الظلـمة نفـاقهم. والاَخر ما:
207ـ حدثنـي به مـحمد بن سعيد, قال: حدثنـي أبـي سعيد بن مـحمد, قال: حدثنـي عمي عن أبـيه عن جده عن ابن عبـاس قوله: مَثَلَهُمُ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا إلـى: فَهُمُ لاَ يَرْجِعُونَ ضربه الله مثلاً للـمنافق, وقوله: ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ قال: أما النور فهو إيـمانهم الذي يتكلـمون به. وأما الظلـمة: فهي ضلالتهم وكفرهم, يتكلـمون به وهم قوم كانوا علـى هدى ثم نزع منهم فعتوا بعد ذلك. وقال آخرون بـما.
208ـ حدثنـي به بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلّـمَا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ فِـي ظُلُـمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ وإن الـمنافق تكلـم بلا إلَه إلا الله فأضاءت له فـي الدنـيا فناكح بها الـمسلـمين وغازى بها الـمسلـمين ووارث بها الـمسلـمين وحقن بها دمه وماله. فلـما كان عند الـموت سُلبها الـمنافق لأنه لـم يكن لها أصل فـي قلبه ولا حقـيقة فـي علـمه.
وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَـمّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ هي لا إلَه إلا الله أضاءت لهم فأكلوا بها وشربوا وأمنوا فـي الدنـيا ونكحوا النساء وحقنوا بها دماءهم, حتـى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم وتركهم فـي ظلـمات لا يبصرون.
209ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي أبو نـميـلة, عن عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك بن مزاحم قوله: كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَـمّا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ قال: أما النور فهو إيـمانهم الذي يتكلـمون به وأما الظلـمات, فهي ضلالتهم وكفرهم.
وقال آخرون بـما:
210ـ حدثنـي به مـحمد بن عمرو البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون, قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد فـي قول الله: مَثَلَهُمُ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَـمّا أَضَاءَتْ ما حَوْلَهُ قال: أما إضاءة النار: فإقبـالهم إلـى الـمؤمنـين والهدى وذهاب نورهم: إقبـالهم إلـى الكافرين والضلالة.
وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو حذيفة, عن شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَـمّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ: أما إضاءة النار: فإقبـالهم إلـى الـمؤمنـين والهدى وذهاب نورهم: إقبـالهم إلـى الكافرين والضلالة.
حدثنـي القاسم, قال: حدثنـي الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد مثله.
211ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, قال: ضرب مثل أهل النفـاق فقال: مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا قال: إنـما ضوء النار ونورها ما أوقدتها, فإذا خمدت ذهب نورها, كذلك الـمنافق كلـما تكلـم بكلـمة الإخلاص أضاء له, فإذا شك وقع فـي الظلـمة.
212ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنـي عبد الرحمن بن زيد فـي قوله: كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا إلـى آخر الآية. قال: هذه صفة الـمنافقـين, كانوا قد آمنوا حتـى أضاء الإيـمان فـي قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ثم كفروا, فذهب الله بنورهم, فـانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار, فتركهم فـي ظلـمات لا يبصرون.
وأولـى التأويلات بـالآية ما قاله قتادة والضحاك, وما رواه علـيّ بن أبـي طلـحة عن ابن عبـاس. وذلك أن الله جل ثناؤه إنـما ضرب هذا الـمثل للـمنافقـين الذين وصف صفتهم وقصّ قصصهم من لدن ابتدأ بذكرهم بقوله: مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَا بـاللّهِ وبَـالـيَوْمِ الاَخِرِ وَمَا هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ لا الـمعلنـين بـالكفر الـمـجاهرين بـالشرك.
ولو كان الـمثل لـمن آمن إيـمانا صحيحا ثم أعلن بـالكفر إعلانا صحيحا علـى ما ظنّ الـمتأول قول الله جل ثناؤه: كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَـمّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهْ بنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فـي ظُلُـمَاتِ لا يُبْصِرُونَ أن ضوء النار مثل لإيـمانهم الذي كان منهم عنده علـى صحة, وأن ذهاب نورهم مثل لارتدادهم وإعلانهم الكفر علـى صحة لـم يكن هنالك من القوم خداع ولا استهزاء عند أنفسهم ولا نفـاق, وأنى يكون خداع ونفـاق مـمن لـم يبدلك قولاً ولا فعلاً إلا ما أوجب لك العلـم بحاله التـي هو لك علـيها, وبعزيـمة نفسه التـي هو مقـيـم علـيها؟ إن هذا بغير شك من النفـاق بعيد ومن الـخداع بريء, فإن كان القوم لـم تكن لهم إلا حالتان: حال إيـمان ظاهر, وحال كفر ظاهر, فقد سقط عن القوم اسم النفـاق لأنهم فـي حال إيـمانهم الصحيح كانوا مؤمنـين, وفـي حال كفرهم الصحيح كانوا كافرين, ولا حالة هناك ثالثة كانوا بها منافقـين. وفـي وصف الله جل ثناؤه إياهم بصفة النفـاق ما ينبىء عن أن القول غير القول الذي زعمه من زعم أن القوم كانوا مؤمنـين ثم ارتدوا إلـى الكفر فأقاموا علـيه, إلا أن يكون قائل ذلك أراد أنهم انتقلوا من إيـمانهم الذي كانوا علـيه إلـى الكفر الذي هو نفـاق, وذلك قول إن قاله لـم تدرك صحته إلا بخير مستفـيض أو ببعض الـمعانـي الـموجبة صحته. فأما فـي ظاهر الكتاب, فلا دلالة علـى صحته لاحتـماله من التأويـل ما هو أولـى به منه. فإذا كان الأمر علـى ما وصفنا فـي ذلك, فأولـى تأويلات الآية بـالآية مثل استضاءة الـمنافقـين بـما أظهروا بألسنتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقرار به, وقولهم له وللـمؤمنـين: آمَنا بـاللّهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وَالـيَوْمِ الاَخِرِ, حتـى حُكم لهم بذلك فـي عاجل الدنـيا بحكم الـمسلـمين فـي حقن الدماء والأموال والأمن علـى الذرية من السبـاء, وفـي الـمناكحة والـموارثة كمثل استضاءة الـموقد النار بـالنار, حتـى إذا ارتفق بضيائها وأبصر ما حوله مستضيئا بنوره من الظلـمة, خمدت النار وانطفأت, فذهب نوره, وعاد الـمستضيء به فـي ظلـمة وحيرة. وذلك أن الـمنافق لـم يزل مستضيئا بضوء القول الذي دافع عنه فـي حياته القتل والسبـاء مع استبطانه ما كان مستوجبـا به القتل وسلب الـمال لو أظهره بلسانه, تُـخيّـل إلـيه بذلك نفسه أنه بـالله ورسوله والـمؤمنـين مستهزىء مخادع, حتـى سوّلت له نفسه, إذ ورد علـى ربه فـي الاَخرة, أنه ناج منه بـمثل الذي نـجا به فـي الدنـيا من الكذب والنفـاق. أوَ ما تسمع الله جل ثناؤه يقول إذ نعتهم ثم أخبرهم عند ورودهم علـيه: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعا فَـيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُمْ علـى شَيْءٍ ألاَ إِنّهُمْ هُمُ الكَاذِبُونَ} ظنا من القوم أن نـجاتهم من عذاب الله فـي الاَخرة فـي مثل الذي كان به نـجاتهم من القتل والسبـاء وسلب الـمال فـي الدنـيا من الكذب والإفك, وأن خداعهم نافعهم هنالك نفعه إياهم فـي الدنـيا. حتـى عاينوا من أمر الله ما أيقنوا به أنهم كانوا من
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:25 am

ظنونهم فـي غرور وضلال, واستهزاء بأنفسهم وخداع, إذ أطفأ الله نورهم يوم القـيامة فـاستنظروا الـمؤمنـين لـيقتبسوا من نورهم, فقـيـل لهم: ارجعوا وراءكم فـالتـمسوا نورا واصلوا سعيرا. فذلك حين ذهب الله بنورهم وتركهم فـي ظلـمات لا يبصرون, كما انطفأت نار الـمستوقد النار بعد إضاءتها له, فبقـي فـي ظلـمته حيران تائها يقول الله جل ثناؤه: يَوْمَ يَقُولُ الـمُنَافِقُونَ والـمُنَافِقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِـيـلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَـالْتَـمِسُوا نُورا فَضُرِبَ بَـيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَـابٌ بـاطِنُهُ فِـيهِ الرّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ يُنادونَهُمْ ألَـم نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَـى وَلَكِنّكُمْ فَتَنْتُـمْ أنْفُسَكُمْ وَتَرَبّصْتُـمْ وَارْتَبْتُـمْ وَغَرّتْكُمُ الأمانِـيّ حتـى جاءَ أمْرُ اللّهِ وَغَرَكُمْ بـاللّهِ الغَرُورُ فـالـيَوْمَ لا يُؤْخَذُ منْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مأْوَاكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الـمَصِير.
فإن قال لنا قائل: إنك ذكرت أن معنى قول الله تعالـى ذكره: كمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَـما أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ: خمدت وانطفأت, ولـيس ذلك بـموجود فـي القرآن, فما دلالتك علـى أن ذلك معناه؟ قـيـل: قد قلنا إن من شأن العرب الإيجاز والاختصار إذا كان فـيـما نطقت به الدلالة الكافـية علـى ما حذفت وتركت, كما قال أبو ذؤيب الهذلـي:
عَصَيْتُ إلَـيْهَا القَلْبَ إنـي لأمْرِهاسَمِيعٌ فَمَا أدْرِي أَرُشْدٌ طِلاُبِها
يعنـي بذلك: فما أدري أرشد طلابها أم غيّ, فحذف ذكر «أم غيّ», إذ كان فـيـما نطق به الدلالة علـيها. وكما قال ذو الرمة فـي نعت حمير:
فَلَـمّا لَبِسْنَ اللّـيْـلَ أوْ حِينَ نَصّبَتْلَهُ مِنْ خَذَا آذَانها وَهْوَ جانِـحُ
يعنـي: أو حين أقبل اللـيـل. فـي نظائر لذلك كثـيرة كرهنا إطالة الكتاب بذكرها. فكذلك قوله: كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا فَلَـمّا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ لـما كان فـيه وفـيـما بعده من قوله: ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ فِـي ظُلُـمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ دلالة علـى الـمتروك كافـية من ذكره اختصر الكلام طلب الإيجاز. وكذلك حذف ما حذف واختصار ما اختصر من الـخبر عن مثل الـمنافقـين بعده, نظير ما اختصر من الـخبر عن مثل الـمستوقد النار لأن معنى الكلام: فكذلك الـمنافقون ذهب الله بنورهم وتركهم فـي ظلـمات لا يبصرون بعد الضياء الذي كانوا فـيه فـي الدنـيا بـما كانوا يظهرون بألسنتهم من الإقرار بـالإسلام وهم لغيره مستبطنون, كما ذهب ضوء نار هذا الـمستوقد بـانطفـاء ناره وخمودها فبقـي فـي ظلـمة لا يبصر, والهاء والـميـم فـي قوله: ذَهَبَ الله بنُورِهمْ عائدة علـى الهاء والـميـم فـي قوله: مَثَلُهُمْ.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }
قال أبو جعفر: وإذ كان تأويـل قول الله جل ثناؤه: ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ فـي ظُلُـماتٍ لا يُبْصِرُونَ هو ما وصفنا من أن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عما هو فـاعل بـالـمنافقـين فـي الاَخرة, عند هتك أستارهم, وإظهاره فضائح أسرارهم, وسلبه ضياء أنوارهم من تركهم فـي ظلـم أهوال يوم القـيامة يترددون, وفـي حنادسها لا يبصرون فبـينٌ أن قوله جل ثناؤه: صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ من الـمؤخر الذي معناه التقديـم, وأن معنى الكلام: أولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرُوا الضّلاَلَةَ بـالهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِـجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ, صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فهم لاَ يَرْجِعُونَ مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا فَلَـمّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمُ فِـي ظُلُـماتٍ لا يَبْصِرُونَ, أوْ كمثل صيب من السمّاءِ. وإذ كان ذلك معنى الكلام, فمعلوم أن قوله: صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ يأتـيه الرفع من وجهين, والنصب من وجهين. فأما أحد وجهي الرفع, فعلـى الاستئناف لـما فـيه من الذم, وقد تفعل العرب ذلك فـي الـمدح والذم, فتنصب وترفع وإن كان خبرا عن معرفة, كما قال الشاعر:
لا يَبْعَدَنْ قَوْمِي الّذِينَ هُمُسُمّ العُداةِ وآفَةُ الـجُزْرِ
النّازِلِـينَ بِكُلّ مُعْتَرَكٍوَالطّيّبِـينَ مَعَاقِدَ أُلازْرِ
فـيروي: «النازلون والنازلـين» وكذلك «الطيبون والطيبـين», علـى ما وصفت من الـمدح. والوجه الاَخر علـى نـية التكرير من أولئك, فـيكون الـمعنى حينئذٍ: أولَئِكَ الّذِينَ اشْتَروا الضّلاَلَةَ بـالهدَى فَمَا رَبِحَتْ تِـجارَتُهُمْ وَما كَانُوا مُهْتَدِينَ أولئك صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ.
وأما أحد وجهي النصب, فأن يكون قطعا مـما فـي «مهتدين», من ذكر «أولئك», لأن الذي فـيه من ذكرهم معرفة, والصمّ نكرة. والاَخر أن يكون قطعا من «الذين», لأن «الذين» معرفة والصم نكرة. وقد يجوز النصب فـيه أيضا علـى وجه الذم فـيكون ذلك وجها من النصب ثالثا. فأما علـى تأويـل ما روينا عن ابن عبـاس من غير وجه رواية علـيّ بن أبـي طلـحة عنه, فإنه لا يجوز فـيه الرفع إلا من وجه واحد وهو الاستئناف.
وأما النصب فقد يجوز فـيه من وجهين: أحدهما الذمّ, والاَخر القطع من الهاء والـميـم اللتـين فـي «تركهم», أو من ذكرهم فـي «لا يبصرون». وقد بـينا القول الذي هو أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك. والقراءةُ التـي هي قراءةُ الرفعُ دون النصب, لأنه لـيس لأحد خلاف رسوم مصاحب الـمسلـمين, وإذا قرىء نصبـا كانت قراءة مخالفة رسم مصاحفهم.
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن الـمنافقـين, أنهم بـاشترائهم الضلالة بـالهدى, لـم يكونوا للهدى والـحق مهتدين, بل هم صمّ عنهما فلا يسمعونهما لغلبة خذلان الله علـيهم, بُكْمٌ عن القـيـل بهما, فلا ينطقون بهما والبكم: الـخُرْس, وهو جمع أبكم عميٌ عن أن يبصروهما فـيعقلوهما لأن الله قد طبع علـى قلوبهم بنفـاقهم فلا يهتدون. وبـمثل ما قلنا فـي ذلك قال علـماء أهل التأويـل.
213ـ حدثنا عبد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: صمّ بُكْمٌ عُمْيٌ عن الـخير.
214ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ يقول: لا يسمعون الهدى, ولا يبصرونه, ولا يعقلونه.
215ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: بُكْمٌ: هم الـخرس.
216ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: صمّ بُكْمٌ عُمْيٌ: صم عن الـحق فلا يسمعونه, عمي عن الـحق فلا يبصرونه, بكم عن الـحق فلا ينطقون به.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ.
قال أبو جعفر: وقوله: فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ إخبـار من الله جل ثناؤه عن هؤلاء الـمنافقـين الذين نعتهم الله بـاشترائهم الضلالة بـالهدى, وصمـمهم عن سماع الـخير والـحق, وبكمهم عن القـيـل بهما, وعماهم عن إبصارهما أنهم لا يرجعون إلـى الإقلاع عن ضلالتهم, ولا يتوبون إلـى الإنابة من نفـاقهم, فآيس الـمؤمنـين من أن يبصر هؤلاء رشدا, ويقولوا حقا, أو يسمعوا داعيا إلـى الهدى, أو أن يذكروا فـيتوبوا من ضلالتهم, كما آيس من توبة قادة كفـار أهل الكتاب والـمشركين وأحبـارهم الذين وصفهم بأنه قد ختـم علـى قلوبهم وعلـى سمعهم وغَشّى علـى أبصارهم. وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل.
217ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة: فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ أي لا يتوبون ولا يذكرون.
218ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ إلـى الإسلام.
وقد رُوي عن ابن عبـاس قول يخالف معناه معنى هذا الـخبر وهو ما:
219ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ: أي فلا يرجعون إلـى الهدى ولا إلـى خير, فلا يصيبون نـجاة ما كانوا علـى ما هم علـيه.
وهذا تأويـل ظاهر التلاوة بخلافه, وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن القوم أنهم لا يرجعون عن اشترائهم الضلالة بـالهدى إلـى ابتغاء الهدى وإبصار الـحق من غير حصر منه جل ذكره ذلك من حالهم إلـى وقت دون وقت وحال دون حال. وهذا الـخبر الذي ذكرناه عن ابن عبـاس ينبىء عن أن ذلك من صفتهم مـحصور علـى وقت وهو ما كانوا علـى أمرهم مقـيـمين, وأن لهم السبـيـل إلـى الرجوع عنه. وذلك من التأويـل دعوى بـاطلة لا دلالة علـيها من ظاهر ولا من خبر تقوم بـمثله الـحجة فـيسلـم لها.
الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{أَوْ كَصَيّبٍ مّنَ السّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيَ آذَانِهِم مّنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ }
قال أبو جعفر: والصيّب الفـيعل, من قولك: صاب الـمطر يصوب صَوْبـا: إذا انـحدر ونزل, كما قال الشاعر:
فَلَسْتَ لانْسِيَ وَلَكِنْ لـمَءَلاكٍتَنَزّلَ مِنْ جَوّ السمّاءِ يَصُوبُ
وكما قال علقمة بن عبدة:
كأنّهُمُ صَابَتْ عَلَـيْهمْ سَحَابَةٌصَوَاعِقُها لِطَيْرِهِنّ دَبِـيبُ
فَلا تَعْدِلـي بَـيْنِـي وَبَـيْنَ مُغَمّرِسُقِـيتِ رَوَايا الـمُزْنِ حِينَ تَصُوبُ
يعنـي: حين تنـحدر. وهو فـي الأصل: صيوب, ولكن الواو لـما سبقتها ياء ساكنة صيرتا جميعا ياء مشددة, كما قـيـل: سيد من ساد يسود, وجيد من جاد يجود. وكذلك تفعل العرب بـالواو إذا كانت متـحركة وقبلها ياء ساكنة تصيرهما جميعا ياء مشددة. وبـما قلنا من القول فـي ذلك قال أهل التأويـل.
220ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد, قال: حدثنا هارون بن عنترة, عن أبـيه, عن ابن عبـاس فـي قوله: أو كَصَيّبٍ مِنَ السّمَاءِ قال: القطر.
221ـ وحدثنـي عبـاس بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج, قال: قال ابن جريج, قال لـي عطاء: الصيب: الـمطر.
222ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ عن ابن عبـاس, قال: الصيب: الـمطر.
223ـ وحدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: الصيب: الـمطر.
وحدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي سعد, قال: حدثنـي عمي الـحسين, عن أبـيه, عن جده, عن ابن عبـاس مثله.
224ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: أو كصيب قال: الـمطر.
وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أنبأنا معمر, عن قتادة مثله.
225ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي, وعمرو بن علـي, قالا: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الصيب: الـمطر.
وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الصيب: الـمطر.
226ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق عن ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: الصيب: الـمطر.
وحدثت عن الـمنـجاب, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس قال: الصيب: الـمطر.
227ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال عبد الرحمن بن زيد: أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السمّاءِ قال: أو كغيث من السماء.
228ـ وحدثنا سوار بن عبد الله العنبري, قال: قال سفـيان: الصيب: الذي فـيه الـمطر.
حدثنا عمرو بن علـي, قال: حدثنا معاوية, قال: حدثنا ابن جريج, عن عطاء فـي قوله: أو كصيب من السماء قال: الـمطر.
قال أبو جعفر: وتأويـل ذلك: مثل استضاءة الـمنافقـين بضوء إقرارهم بـالإسلام مع استسرارهم الكفر, مثل إضاءة موقد النار بضوء ناره علـى ما وصف جل ثناؤه من صفته, أو كمثل مطر مظلـم وَدْقُه تـحدّر من السماء تـحمله مزنة ظلـماء فـي لـيـلة مظلـمة, وذلك هو الظلـمات التـي أخبر الله جل ثناؤه أنها فـيه.
فإن قال لنا قائل: أخبرنا عن هذين الـمثلـين, أهما مثلان للـمنافقـين أو أحدهما؟ فإن يكونا مثلـين للـمنافقـين فكيف قـيـل: أوْ كَصَيّبٍ, و«أو» تأتـي بـمعنى الشك فـي الكلام, ولـم يقل: وكصيب, بـالواو التـي تلـحق الـمثل الثانـي بـالـمثل الأول؟ أو يكون مثل القوم أحدهما, فما وجه ذكر الاَخر ب«أو», وقد علـمت أن «أو» إذا كانت فـي الكلام فإنـما تدخـل فـيه علـى وجه الشك من الـمخبر فـيـما أخبر عنه, كقول القائل: لقـينـي أخوك أو أبوك, وإنـما لقـيه أحدهما, ولكنه جهل عين الذي لقـيه منهما, مع علـمه أن أحدهما قد لقـيه وغير جائز فـي الله جل ثناؤه أن يضاف إلـيه الشك فـي شيء أو عزوب علـم شيء عنه فـيـما أخبر أو ترك الـخبر عنه. قـيـل له: إن الأمر فـي ذلك بخلاف الذي ذهبت إلـيه, و«أو» وإن كانت فـي بعض الكلام تأتـي بـمعنى الشك, فإنها قد تأتـي دالة علـى مثل ما تدلّ علـيه الواو إما بسابق من الكلام قبلها, وإما بـما يأتـي بعدها كقول توبة بن الـحُمَيّر:
وَقَدْ زَعَمَتْ لَـيْـلَـى بأنَى فـاجِرٌلِنَفْسِي تُقاها أوْ عَلَـيْهَا فُجُورُها
ومعلوم أن ذلك من توبة علـى غير وجه الشك فـيـما قال. ولكن لـما كانت «أو» فـي هذا الـموضع دالة علـى مثل الذي كانت تدل علـيه الواو لو كانت مكانها, وَضَعَها موضعها. وكذلك قول جرير:
جاءَ الـخِلاَفَةَ أوْ كَانَتْ لَهُ قَدَراكما أتـى رَبّهُ مُوسَى علـى قَدَرِ
قال آخر
فَلَوْ كانَ البُكاءُ يَرُدّ شَيْئابَكَيْتُ علـى جُبَـيرٍ أوْ عَناقِ
عَلـى الـمَرأيْنِ إذْ مَضَيا جَمِيعالِشأْنِهِما بِحُزْنٍ وَاشْتِـياقِ
أوْ كَصَيّبٍ منَ السمّاءِ لـما كان معلوما أن «أو» دالة فـي ذلك علـى مثل الذي كانت تدل علـيه الواو, ولو كانت مكانها كان سواء نطق فـيه ب«أو» أو بـالواو. وكذلك وجه حذف الـمثل من قوله: أوْ كَصَيّبٍ لـما كان قوله: كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا دالاّ علـى أن معناه: كمثل صيب, حذف الـمثل واكتفـى بدلالة ما مضى من الكلام فـي قوله: كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا علـى أن معناه: أو كمثل صيب, من إعادة ذكر الـمثل طلب الإيجاز والاختصار.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِـي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ وَاللّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرينَ يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كلّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ وَإِذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قَامُوا}.
قال أبو جعفر: فأما الظلـمات فجمع, واحدها ظلـمة وأما الرعد فإن أهل العلـم اختلفوا فـيه فقال بعضهم: هو ملك يزجر السحاب. ذكر من قال ذلك:
229ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة عن الـحكم, عن مـجاهد, قال: الرعد ملك يزجر السحاب بصوته.
وحدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة عن الـحكم عن مـجاهد مثله.
وحدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي, قال: حدثنا فضيـل بن عياض, عن لـيث, عن مـجاهد مثله.
230ـ وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم قال: أنبأنا إسماعيـل بن سالـم عن أبـي صالـح, قال: الرعد ملك من الـملائكة يسبح.
231ـ وحدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا مـحمد بن يعلـى, عن أبـي الـخطاب البصري, عن شهر بن حوشب قال: الرعد: ملك موكل بـالسحاب, يسوقه كما يسوق الـحادي الإبل, يسبح كلـما خالفت سحابة سحابة صاح بها, فإذا اشتد غضبه طارت النار من فـيه, فهي الصواعق التـي رأيتـم.
232ـ وحدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: الرعد: ملك من الـملائكة اسمه الرعد, وهو الذي تسمعون صوته.
233ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا عبد الـملك بن حسين عن السدي, عن أبـي مالك, عن ابن عبـاس, قال: الرعد: ملك يزجر السحاب بـالتسبـيح والتكبـير.
234ـ وحدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ بن عاصم, عن ابن جريج, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: الرعد: اسم ملك, وصوته هذا تسبـيحه, فإذا اشتدّ زجره السحاب اضطرب السحاب واحتك فتـخرج الصواعق من بـينه.
235ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا أبو عوانة, عن موسى البزار, عن شهر بن حوشب عن ابن عبـاس, قال: الرعد: ملك يسوق السحاب بـالتسبـيح, كما يسوق الـحادي الإبل بحدائه.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يحيى بن عبـاد وشبـابة قالا: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, قال: الرعد: ملك يزجر السحاب.
236ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا عتاب بن زياد, عن عكرمة, قال: الرعد: ملك فـي السحاب يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل.
237ـ وحدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: الرعد: خَـلْقٌ من خَـلْقِ الله جل وعز سامع مطيع لله جل وعز.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:26 am

238ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قال: إن الرعد ملك يؤمر بـازجاء السحاب فـيؤلف بـينه, فذلك الصوت تسبـيحه.
239ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاح, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: الرعد: ملك.
240ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن الـمغيرة بن سالـم, عن أبـيه أو غيره, أن علـي بن أبـي طالب قال: الرعد: ملك.
241ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا حماد, قال: أخبرنا موسى بن سالـم أبو جهضم مولـى ابن عبـاس, قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـجَلَد يسأله عن الرعد؟ فقال: الرعد: ملك.
242ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا عمر بن الولـيد السنـي, عن عكرمة, قال: الرعد: ملك يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل.
243ـ حدثنـي سعد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا حفص بن عمر, قال: حدثنا الـحكم بن أبـان, عن عكرمة, قال: كان ابن عبـاس إذا سمع الرعد, قال: سبحان الذي سبحت له, قال: وكان يقول: إن الرعد: ملك ينعق بـالغيث كما ينعق الراعي بغنـمه.
وقال آخرون: إن الرعد: ريح تـختنق تـحت السحاب, فتصاعد فـيكون منه ذلك الصوت ذكر من قال ذلك:
244ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا بشر بن إسماعيـل, عن أبـي كثـير, قال: كنت عند أبـي الـجَلَد, إذ جاءه رسول ابن عبـاس بكتاب إلـيه, فكتب إلـيه: كتبت تسألنـي عن الرعد, فـالرعد: الريح.
245ـ حدثنـي إبراهيـم بن عبد الله, قال: حدثنا عمران بن ميسرة, قال: حدثنا ابن إدريس عن الـحسن بن الفرات, عن أبـيه, قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـجلد يسأله عن الرعد, فقال: الرعد: ريح.
قال أبو جعفر: فإن كان الرعد ما ذكره ابن عبـاس ومـجاهد, فمعنى الآية: أو كصيب من السماء فـيه ظلـمات وصوت رعد لأن الرعد إنْ كان ملكا يسوق السحاب, فغير كائن فـي الصيب لأن الصّيب إنـما هو ما تـحدّر من صوب السحاب والرعد: إنـما هو فـي جوّ السماء يسوق السحاب, علـى أنه لو كان فـيه يـمر لـم يكن له صوت مسموع, فلـم يكن هنالك رعب يرعب به أحد لأنه قد قـيـل: إن مع كل قطرة من قطر الـمطر ملكا, فلا يعدو الـملك الذي اسمه الرعد لو كان مع الصيب إذا لـم يكن مسموعا صوته أن يكون كبعض تلك الـملائكة التـي تنزل مع القطر إلـى الأرض فـي أن لا رعب علـى أحد بكونه فـيه. فقد عُلـم إذْ كان الأمر علـى ما وصفنا من قول ابن عبـاس إن معنى الآية: أو كمثل غيث تـحدر من السماء فـيه ظلـمات وصوت رعد إن كان الرعد هو ما قاله ابن عبـاس, وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد بـاسمه علـى الـمراد فـي الكلام من ذكر صوته. وإن كان الرعد ما قاله أبو الـخـلد فلا شيء فـي قوله: «فـيه ظلـمات ورعد» متروك, لأن معنى الكلام حينئذٍ: فـيه ظلـمات ورعد الذي هو وما وصفنا صفته.
وأما البرق, فإن أهل العلـم اختلفوا فـيه فقال بعضهم بـما:
246ـ حدثنا مطر بن مـحمد الضبـي, قال: حدثنا أبو عاصم ح وحدثنـي مـحمد بن بشار قال: حدثنـي عبد الرحمن بن مهدي وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قالوا جميعا: حدثنا سفـيان الثوري, عن سلـمة بن كهيـل, عن سعيد بن أشوع, عن ربـيعة بن الأبـيض, عن علـيّ قال: البرق: مخاريق الـملائكة.
247ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا عبد الـملك بن الـحسين, عن السدي عن أبـي مالك, عن ابن عبـاس: البرق مخاريق بأيدي الـملائكة يزجرون بها السحاب.
248ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن الـمغيرة بن سالـم, عن أبـيه أو غيره أن علـيّ بن أبـي طالب قال: الرعد: الـملك, والبرق: ضربه السحاب بـمخراق من حديد.
وقال آخرون: هو سوط من نور يزجر به الـملك السحاب.
حدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث, قال: حدثنا بشر بن عمارة عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس بذلك.
وقال آخرون: هو ماء. ذكر من قال ذلك:
249ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا بشر بن إسماعيـل, عن أبـي كثـير, قال: كنت عند أبـي الـجَلَد إذ جاءه رسول ابن عبـاس بكتاب إلـيه, فكتب إلـيه: تسألنـي عن البرق, فـالبرق: الـماء.
250ـ حدثنا إبراهيـم بن عبد الله, قال: حدثنا عمران بن ميسرة, قال: حدثنا ابن إدريس, عن الـحسن بن الفرات, عن أبـيه, قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـجَلَد يسأله عن البرق, فقال: البرق: ماء.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن رجل من أهل البصرة من قرائهم, قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـجَلَد رجل من أهل هجر يسأله عن البرق, فكتب إلـيه: كتبت إلـيّ تسألنـي عن البرق: وإنه من الـماء.
وقال آخرون: هو مَصْعُ مَلَكٍ.
251ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان عن عثمان بن الأسود, عن مـجاهد, قال: البرق: مَصْع مَلَك.
252ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, عن مـحمد بن مسلـم الطائفـي, قال: بلغنـي أن البرق ملك له أربعة أوجه: وجه إنسان, ووجه ثور, ووجه نسر, ووجه أسد, فإذا مصع بأجنـحته فذلك البرق.
253ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن وهب بن سلـيـمان, عن شعيب الـجبـائي, قال: فـي كتاب الله الـملائكة حملة العرش, لكل ملك منهم وجه إنسان, وثور, وأسد, فإذا حركوا أجنـحتهم فهو البرق. وقال أمية بن أبـي الصلت:
رَجُلٌ وَثَوْرٌ تَـحْتَ رِجْلِ يَـمِينِهِوالنّسْرُ للاخْرَى وَلَـيْثٌ مُرْصِدُ
254ـ حدثنا الـحسين بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ بن عاصم, عن ابن جريج, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس: البرق: ملك.
255ـ وقد حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: الصواعق ملك يضرب السحاب بـالـمخاريق يصيب منه من يشاء.
قال أبو جعفر: وقد يحتـمل أن يكون ما قاله علـيّ بن أبـي طالب وابن عبـاس ومـجاهد بـمعنى واحد وذلك أن تكون الـمخاريق التـي ذكر علـيّ رضي الله عنه أنها هي البرق هي السياط التـي هي من نور التـي يزجي بها الـملك السحاب, كما قال ابن عبـاس. ويكون إزجاء الـملك السحاب: مَصْعَهُ إياه بها, وذاك أن الـمِصَاعَ عند العرب أصله الـمـجالدة بـالسيوف, ثم تستعمله فـي كل شيء جُولد به فـي حرب وغير حرب, كما قال أعشى بنـي ثعلبة وهو يصف جواري يـلعبن بحلـيهن ويجالدن به.
إذَا هُنّ نازَلْنَ أقْرَانَهُنّوكانَ الـمِصَاعُ بِـمَا فـي الـجُوَنْ
يقال منه: ماصعه مِصَاعا. وكأن مـجاهدا إنـما قال: «مصع ملك», إذ كان السحاب لا يـماصع الـملك, وإنـما الرعد هو الـمـماصع له, فجعله مصدرا من مصعه يَـمْصَعُه مصعا, وقد ذكرنا ما فـي معنى الصاعقة ما قال شهر بن حوشب فـيـما مضى.
وأما تأويـل الآية, فإن أهل التأويـل مختلفون فـيه. فرُوي عن ابن عبـاس فـي ذلك أقوال أحدها ما:
256ـ حدثنا به مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السمّاءِ فِـيهِ ظُلُـمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فـي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ أي هم من ظلـمات ما هم فـيه من الكفر والـحذر من القتل علـى الذي هم علـيه من الـخلاف, والتـخوّف منكم علـى مثل ما وصف من الذي هو فـي ظلـمة الصيب, فجعل أصابعه فـي أذنـيه من الصواعق حذر الـموت يَكادَ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ أي لشدة ضوء الـحق, كُلّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قَامُوا أي يعرفون الـحق ويتكلـمون به, فهم من قولهم به علـى استقامة, فإذا ارتكسوا منه إلـى الكفر قاموا متـحيرين. والاَخر ما:
257ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السمّاءِ فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ إلـى: إِنّ اللّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: أما الصيب والـمطر. كانا رجلان من الـمنافقـين من أهل الـمدينة هربـا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمشركين, فأصابهما هذا الـمطر الذي ذكر الله فـيه رعد شديد وصواعق وبرق, فجعلا كلـما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما فـي آذانهما من الفَرَق أن تدخـل الصواعق فـي مسامعهما فتقتلهما, وإذ لـمع البرق مشيا فـي ضوئه, وإذا لـم يـلـمع لـم يبصرا وقاما مكانهما لا يـمشيان, فجعلا يقولان: لـيتنا قد أصبحنا فنأتـي مـحمدا فنضع أيدينا فـي يده فأصبحا فأتـياه فأسلـما ووضعا أيديهما فـي يده وحسن إسلامهما. فضرب الله شأن هذين الـمنافقـين الـخارجين مثلاً للـمنافقـين الذين بـالـمدينة. وكان الـمنافقون إذا حضروا مـجلس النبـي صلى الله عليه وسلم, جعلوا أصابعهم فـي آذانهم فَرَقا من كلام النبـي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فـيهم شيء أو يذكروا بشيء فـيقتلوا, كما كان ذانك الـمنافقان الـخارجان يجعلان أصابعهما فـي آذانهما, وإذا أضاء لهم مشوا فـيه. فإذا كثرت أموالهم وولد لهم الغلـمان وأصابوا غنـيـمة أو فتـحا مشوا فـيه, وقالوا: إن دين مـحمد صلى الله عليه وسلم دين صدق فـاستقاموا علـيه, كما كان ذانك الـمنافقان يـمشيان إذا أضاء لهم البرق مشوا فـيه, وإذا أظلـم علـيهم قاموا. فكانوا إذا هلكت أموالهم, وولد لهم الـجواري, وأصابهم البلاء قالوا: هذا من أجل دين مـحمد, فـارتدّوا كفـارا كما قام ذانك الـمنافقان حين أظلـم البرق علـيهما. والثالث ما:
258ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, عن أبـيه, عن جده, عن ابن عبـاس: أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السمّاءِ كمطر فـيه ظلـمات ورعد وبرق إلـى آخر الآية, هو مثل الـمنافق فـي ضوء ما تكلـم بـما معه من كتاب الله وعمل, مراءاةً للناس, فإذا خلا وحده عمل بغيره. فهو فـي ظلـمة ما أقام علـى ذلك. وأما الظلـمات فـالضلالة, وأما البرق فـالإيـمان, وهم أهل الكتاب. وإذا أظلـم علـيهم, فهو رجل يأخذ بطرف الـحق لا يستطيع أن يجاوزه. والرابع ما:
259ـ حدثنـي به الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: أوْ كَصَيّبٍ منَ السمّاءِ وهو الـمطر, ضرب مثله فـي القرآن يقول: «فـيه ظلـمات», يقول: ابتلاء. «ورعد» يقول: فـيه تـخويف, وبرق يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ يقول: يكاد مـحكم القرآن يدلّ علـى عورات الـمنافقـين, كُلّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ يقول: كلـما أصاب الـمنافقون من الإسلام عزّا اطمأنوا, وإن أصابوا الإسلام نكبة, قالوا: ارجعوا إلـى الكفر. يقول: وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قامُوا كقوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ علـى حَرْفٍ فإنْ أصَابَهُ خَيْرٌ اطْمأنّ بِهِ وَإِنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ إلـى آخر الآية.
ثم اختلف سائر أهل التأويـل بعد ذلك فـي نظير ما رُوي عن ابن عبـاس من الاختلاف.
260ـ فحدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى بن ميـمون, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: إضاءة البرق وإظلامه علـى نـحو ذلك الـمثل.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد مثله.
261ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زُريع, عن سعيد, عن قتادة فـي قول الله: فِـيهِ ظُلُـمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ إلـى قوله: وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قامُوا, فـالـمنافق إذا رأى فـي الإسلام رخاء أو طمأنـينة أو سلوة من عيش, قال: أنا معكم وأنا منكم وإذا أصابته شدة حقحق والله عندها فـانقُطع به فلـم يصبر علـى بلائها, ولـم يحتسب أجرها, ولـم يَرْجُ عاقبتها.
262ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يقول: أخبر عن قوم لا يسمعون شيئا إلا ظنوا أنهم هالكون فـيه حذرا من الـموت, والله مـحيط بـالكافرين. ثم ضرب لهم مثلاً آخر فقال: يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كُلّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ يقول: هذا الـمنافق, إذا كثر ماله وكثرت ماشيته وأصابته عافـية قال: لـم يصبنـي منذ دخـلت فـي دينـي هذا إلاّ خير, وَإِذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قامُوا يقول: إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء قاموا متـحيرين.
263ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: فِـيهِ ظُلُـمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ قال: مثلهم كمثل قوم ساروا فـي لـيـلة مظلـمة ولها مطر ورعد وبرق علـى جادة, فلـما أبرقت أبصروا الـجادّة فمضوا فـيها, وإذا ذهب البرق تـحيروا. وكذلك الـمنافق كلـما تكلـم بكلـمة الإخلاص أضاء له, فإذا شك تـحير ووقع فـي الظلـمة, فكذلك قوله: كُلّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِـيهِ وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قَامُوا ثم قال: فـي أسماعهم وأبصارهم التـي عاشوا بها فـي الناس وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمَعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ قال أبو جعفر:
264ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو نُـميـلة, عن عبـيد بن سلـيـمان البـاهلـي, عن الضحاك بن مزاحم: فِـيهِ ظُلُـماتٌ قال: أما الظلـمات فـالضلالة, والبرق: الإيـمان.
265ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنـي عبد الرحمن بن زيد فـي قوله: فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ فقرأ حتـى بلغ: إِنّ اللّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِير قال: هذا أيضا مثل ضربه الله للـمنافقـين, كانوا قد استناروا بـالإسلام كما استنار هذا بنور هذا البرق.
266ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: لـيس شيءٌ فـي الأرض سمعه الـمنافق إلا ظنّ أنه يراد به وأنه الـموت كراهية له, والـمنافق أكره خـلق الله للـموت, كما إذا كانوا بـالبَراز فـي الـمطر فرّوا من الصواعق.
267ـ حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا أبو معاوية, قال: حدثنا ابن جريج, عن عطاء فـي قوله: أوْ كَصَيبٍ مِنَ السمّاءِ فِـيهِ ظُلُـمات وَرَعْد وَبَرْق قال: مثل ضُرِبَ للكفـار.
وهذه الأقوال التـي ذكرنا عمن رويناها عنه, فإنها وإن اختلفت فـيها ألفـاظ قائلـيها متقاربـات الـمعانـي لأنها جميعا تنبىء عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيـمان الـمنافق مثلاً, ومثّل ما فـيه من ظلـمات بضلالته, وما فـيه من ضياء برق بنور إيـمانه, واتقاءه من الصواعق بتصيـير أصابعه فـي أذنـيه بضعف جنانه ونَـخْبِ فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته, ومشيه فـي ضوء البرق بـاستقامته علـى نور إيـمانه, وقـيامه فـي الظلام بحيرته فـي ضلالته وارتكاسه فـي عمهه.
فتأويـل الآية إذا إذا كان الأمر علـى ما وصفنا: أَوَ مَثَلُ ما استضاء به الـمنافقون من قـيـلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللـمؤمنـين بألسنتهم: آمنا بـالله وبـالـيوم الاَخر وبـمـحمد وما جاء به, حتـى صار لهم بذلك فـي الدنـيا أحكام الـمؤمنـين, وهم مع إظهارهم بألسنتهم ما يظهرون بـالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم, وما جاء به من عند الله وبـالـيوم الاَخر, مكذّبون, ولـخلاف ما يظهرون بـالألسن فـي قلوبهم معتقدون, علـى عَمًى منهم وجهالة بـما هم علـيه من الضلالة لا يدرون أيّ الأمرين اللذين قد شرعا لهم فـيه الهداية فـي الكفر الذي كانوا علـيه قبل إرسال الله مـحمدا صلى الله عليه وسلم بـما أرسله به إلـيهم, أم فـي الذي أتاهم به مـحمد صلى الله عليه وسلم من عند ربهم؟ فهم من وعيد الله إياهم علـى لسان مـحمد صلى الله عليه وسلم وَجِلُون, وهم مع وجلهم من ذلك فـي حقـيقته شاكون فـي قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. كمثل غيث سرى لـيلاً فـي مزنة ظلـماء ولـيـلة مظلـمة يحدوها رعد ويستطير فـي حافـاتها برق شديد لـمعانه كثـير خَطَرانه, يكاد سنا برقه يذهب بـالأبصار, ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه وينهبط منها نارات صواعق تكاد تدع النفوس من شدة أهوالها زواهق. فـالصيب مثلٌ لظاهر ما أظهر الـمنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق, والظلـمات التـي هي فـيه لظلـمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب. وأما الرعد والصواعق فلـما هم علـيه من الوجل من وعيد الله إياهم علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فـي آي كتابه, إما فـي العاجل وإما فـي الاَجل, أي يحل بهم مع شكهم فـي ذلك: هل هو كائن, أم غير كائن, وهل له حقـيقة أم ذلك كذب وبـاطل؟ مَثَلٌ. فهم من وجلهم أن يكون ذلك حقا يتقونه بـالإقرار بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم بألسنتهم مخافة علـى أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات. وذلك تأويـل قوله جل ثناؤه: يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِـي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ يعنـي بذلك يتقون وعيد الله الذي أنزله فـي كتابه علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بـما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار, كما يتقـي الـخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنـيه وتصيـير أصابعه فـيها حذرا علـى نفسه منها.
وقد ذكرنا الـخبر الذي رُوي عن ابن مسعود وابن عبـاس أنهما كانا يقولان: إن الـمنافقـين كانوا إذا حضروا مـجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخـلوا أصابعهم فـي آذانهم فَرَقا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فـيهم شيء, أو يُذكروا بشيء فـيقتلوا. فإن كان ذلك صحيحا, ولست أعلـمه صحيحا, إذ كنت بإسناده مرتابـا فإن القول الذي روي عنهما هو القول. وإن يكن غير صحيح, فأولـى بتأويـل الآية ما قلنا لأن الله إنـما قص علـينا من خبرهم فـي أول مبتدأ قصصهم أنهم يخادعون الله ورسوله والـمؤمنـين بقولهم آمنا بـالله وبـالـيوم الاَخر, مع شك قلوبهم ومرض أفئدتهم فـي حقـيقة ما زعموا أنهم به مؤمنون مـما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربهم, وبذلك وصفهم فـي جميع آي القرآن التـي ذكر فـيها صفتهم. فكذلك ذلك فـي هذه الآية.
وإنـما جعل الله إدخالهم أصابعهم فـي آذانهم مثلاً لاتقائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين بـما ذكرنا أنهم يتقونهم به كما يتقـي سامع صوت الصاعقة بإدخال أصابعه فـي أذنـيه. وذلك من الـمَثَلِ نظير تـمثـيـل الله جل ثناؤه ما أنزل فـيهم من الوعيد فـي آي كتابه بأصوات الصواعق, وكذلك قوله: حَذَرَ الـمَوْت جعله جل ثناؤه مثلاً لـخوفهم وإشفـاقهم من حلول عاجل العقاب الـمهلك الذي توعده بساحتهم, كما يجعل سامع أصوات الصواعق أصابعه فـي أذنـيه حذر العطب والـموت علـى نفسه أن تزهق من شدتها. وإنـما نصب قوله: حذر الـموت علـى نـحو ما تنصب به التكرمة فـي قولك: زرتَكَ تكرمَةَ لك, تريد بذلك: من أجل تكرمتك, وكما قال جل ثناؤه: وَيَدْعُونَنَا رَغَبـا وَرَهَبـا علـى التفسير للفعل. وقد رُوي عن قتادة أنه كان يتأوّل قوله: حَذَرَ الـمَوْت: حذرا من الـموت.
268ـ حدثنا بذلك الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أنبأنا معمر عنه.
وذلك مذهب من التأويـل ضعيف, لأن القوم لـم يجعلوا أصابعهم فـي آذانهم حذرا من الـموت فـيكون معناه ما قال إنه مراد به حذرا من الـموت, وإنـما جعلوها من حذار الـموت فـي آذانهم.
وكان قتادة وابن جريج يتأوّلان قوله:طط يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فـي آذَانهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ أن ذلك من الله جل ثناؤه صفةٌ للـمنافقـين بـالهلع. وضعف القلوب, وكراهة الـموت, ويتأوّلان فـي ذلك قوله: يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَةٍ عَلَـيْهِمْ. ولـيس الأمر فـي ذلك عندي كالذي قالا. وذلك أنه قد كان فـيهم من لا تنكر شجاعته ولا تدفع بسالته كقزمان الذي لـم يقم مقامه أحد من الـمؤمنـين بـاحُد أو دونه. وإنـما كانت كراهتهم شُهود الـمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركهم معاونته علـى أعدائه لأنهم لـم يكونوا فـي أديانهم مستبصرين ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقـين, فكانوا للـحضور معه مشاهده كارهين, إلا بـالتـخذيـل عنه. ولكن ذلك وصف من الله جل ثنائهم لهم بـالإشفـاق من حلول عقوبة الله بهم علـى نفـاقهم, إما عاجلاً, وإما آجلاً.
ثم أخبر جل ثناؤه أن الـمنافقـين الذين نعتهم النعت الذي ذكر وضرب لهم الأمثال التـي وصف وإن اتقوا عقابه وأشفقوا عذابه إشفـاق الـجاعل فـي أذنـيه أصابعه حِذَار حلول الوعيد الذي توعدهم به فـي آي كتابه, غير منـجيهم ذلك من نزوله بعَقْوَتهم وحلوله بساحتهم, إما عاجلاً فـي الدنـيا, وإما آجلاً فـي الاَخرة, للذي فـي قلوبهم من مرضها والشك فـي اعتقادها, فقال: وَاللّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ بـمعنى جامعهم فمـحلّ بهم عقوبته.
وكان مـجاهد يتأوّل ذلك كما:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:27 am

269ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم عن عيسى بن ميـمون, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَاللّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ قال: جامعهم فـي جهنـم.
وأما ابن عبـاس فروي عنه فـي ذلك ما:
270ـ حدثنـي به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَاللّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ يقول: الله منزل ذلك بهم من النقمة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج, عن مـجاهد فـي قوله: وَاللّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ قال: جامعهم.
ثم عاد جل ذكره إلـى نعت إقرار الـمنافقـين بألسنتهم, والـخبر عنه وعنهم وعن نفـاقهم, وإتـمام الـمثل الذي ابتدأ ضربه لهم ولشكهم ومرض قلوبهم, فقال: يَكَادُ البَرْقُ يعنـي بـالبرق: الإقرار الذي أظهروه بألسنتهم بـالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم, فجعل البرق له مثلاً علـى ما قدمنا صفته. يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ يعنـي: يذهب بها ويستلبها ويـلتـمعها من شدة ضيائه ونور شعاعه. كما:
271ـ حدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث, قال: حدثنا بشر بن عمار, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, فـي قوله: يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ قال: يـلتـمع أبصارَهم ولـمّا يفعل.
قال أبو جعفر: والـخطف: السلب, ومنه الـخبر الذي رُوي عن النبـي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى عن الـخطفة» يعنـي بها النّهْبَة ومنه قـيـل للـخُطاف الذي يخرج به الدلو من البئر خُطّاف لاختطافه واستلابه ما علق به. ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:
خطَاطِيفُ حُجْنٌ فِـي حبـالٍ مَتِـينَةٍتَـمُدّ بِها أيْدٍ إلَـيْكَ نَوَازِعُ
فجعل ضوء البرق وشدة شعاع نوره كضوء إقرارهم بألسنتهم وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به من عند الله والـيوم الاَخر وشعاع نوره, مثلاً.
ثم قال تعالـى ذكره: كُلّـما أضَاءَ لَهُمْ يعنـي أن البرق كلـما أضاء لهم, وجعل البرق لإيـمانهم مثلاً. وإنـما أراد بذلك أنهم كلـما أضاء لهم الإيـمان وإضاءتهم لهم أن يروا فـيه ما يعجبهم فـي عاجل دنـياهم من النصرة علـى الأعداء, وإصابة الغنائم فـي الـمغازي, وكثرة الفتوح, ومنافعها, والثراء فـي الأموال, والسلامة فـي الأبدان والأهل والأولاد, فذلك إضاءته لهم لأنهم إنـما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الإقرار ابتغاء ذلك, ومدافعة عن أنفسهم وأموالهم وأهلـيهم وذراريهم, وهم كما وصفهم الله جل ثناؤه بقوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ علـى حَرْفٍ فَـانْ أصَابَهُ خَيْرٌ اطْمأنّ وَإنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ علـى وَجْهِهِ.
ويعنـي بقوله: مَشَوْا فِـيهِ مشوا فـي ضوء البرق. وإنـما ذلك مثل لإقرارهم علـى ما وصفنا. فمعناه: كلـما رأوا فـي الإيـمان ما يعجبهم فـي عاجل دنـياهم علـى ما وصفنا, ثبتوا علـيه وأقاموا فـيه, كما يـمشي السائر فـي ظلـمة اللـيـل وظلـمة الصيب الذي وصفه جل ثناؤه, إذا برقت فـيها بـارقة أبصر طريقه فـيها وَإِذَا أظْلَـمَ يعنـي ذهب ضوء البرق عنهم. ويعنـي بقوله: «علـيهم»: علـى السائرين فـي الصيب الذي وصف جل ذكره, وذلك للـمنافقـين مثل. ومعنى إظلام ذلك: أن الـمنافقـين كلـما لـم يروا فـي الإسلام ما يعجبهم فـي دنـياهم عند ابتلاء الله مؤمنـي عبـاده بـالضرّاء وتـمـحيصه إياهم بـالشدائد والبلاء من إخفـاقهم فـي مغزاهم وإنالة عدوّهم منهم, أو إدبـار من دنـياهم عنهم أقاموا علـى نفـاقهم وثبتوا علـى ضلالتهم كما قام السائر فـي الصيب الذي وصف جل ذكره إذا أظلـم وخفت ضوء البرق, فحار فـي طريقه فلـم يعرف منهجه.
الآية : 20
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
قال أبو جعفر: وإنـما خص جل ذكره السمع والأبصار بأنه لو شاء أذهبها من الـمنافقـين دون سائر أعضاء أجسامهم للذي جرى من ذكرها فـي الاَيتـين, أعنـي قوله: يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِـي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ وقوله: يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كُلّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ فجرى ذكرها فـي الاَيتـين علـى وجه الـمثل. ثم عقب جل ثناؤه ذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من الـمنافقـين عقوبة لهم علـى نفـاقهم وكفرهم, وعيدا من الله لهم, كما توعدهم فـي الآية التـي قبلها بقوله: وَاللّهُ مُـحِيطٌ بـالكافرِينَ واصفـا بذلك جل ذكره نفسه أنه الـمقتدر علـيهم وعلـى جمعهم, لإحلال سخطه بهم, وإنزال نقمته علـيهم, ومـحذرهم بذلك سطوته, ومخوّفهم به عقوبته, لـيتقوا بأسه, ويسارعوا إلـيه بـالتوبة. كما:
272ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَلَوْ شاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهمْ وأبْصَارِهِمْ لـما تركوا من الـحق بعد معرفته.
273ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, قال: ثم قال يعنـي قال الله فـي أسماعهم يعنـي أسماع الـمنافقـين وأبصارهم التـي عاشوا بها فـي الناس: وَلَوْ شاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ.
قال أبو جعفر: وإنـما معنى قوله: لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ لأذهب سمعهم وأبصارهم, ولكن العرب إذا أدخـلوا البـاء فـي مثل ذلك قالوا: ذهبت ببصره, وإذا حذفوا البـاء قالوا: أذهبت بصره, كما قال جل ثناؤه: آتنا غَدَاءَنَا ولو أدخـلت البـاء فـي الغداء لقـيـل: ائتنا بغدائنا.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قـيـل: لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ فوحد, وقال: وأبْصَارِهِمْ فجمع؟ وقد علـمت أن الـخبر فـي السمع خبر عن سمع جماعة, كما الـخبر فـي الأبصار خبر عن أبصار جماعة؟ قـيـل: قد اختلف أهل العربـية فـي ذلك, فقال بعض نـحويـي الكوفـي: وحد لسمع لأنه عنى به الـمصدر وقصد به الـخرق, وجمع الأبصار لأنه عنى به الأعين. وكان بعض نـحويـي البصرة يزعم أن السمع وإن كان فـي لفظ واحد فإنه بـمعنى جماعة, ويحتـجّ فـي ذلك بقول الله: لا يَرْتَدّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ يريد لا ترتد إلـيهم أطرافهم, وبقوله: وَيُوَلونَ الدّبُرَ يراد به أدبـارهم. وإنـما جاز ذلك عندي لأن فـي الكلام ما يدلّ علـى أنه مراد به الـجمع, فكان فـيه دلالة علـى الـمراد منه, وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة مغنـيا عن جِماعِهِ, ولو فعل بـالبصر نظير الذي فعل بـالسمع, أو فعل بـالسمع نظير الذي فعل بـالأبصار من الـجمع والتوحيد, كان فصيحا صحيحا لـما ذكرنا من العلة كما قال الشاعر:
كُلُوا فـي بَعْضِ بَطْنكُمْ تَعِفّوافإنّ زَمانَنا زَمَنٌ خَمِيصُ
فوحد البطن, والـمراد منه البطون لـما وصفنا من العلة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّ اللّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِير.
قال أبو جعفر: وإنـما وصف الله نفسه جل ذكره بـالقدرة علـى كل شيء فـي هذا الـموضع, لأنه حذر الـمنافقـين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم مـحيط وعلـى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير, ثم قال: فـاتقونـي أيها الـمنافقون واحذروا خداعي وخداع رسولـي وأهل الإيـمان بـي لا أحل بكم نقمتـي فإنـي علـى ذلك وعلـى غيره من الأشياء قدير. ومعنى قدير: قادر, كما معنى علـيـم: عالـم, علـى ما وصفت فـيـما تقدم من نظائره من زيادة معنى فعيـل علـى فـاعل فـي الـمدح والذم.
الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{يَاأَيّهَا النّاسُ اعْبُدُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }
قال أبو جعفر: فأمر جل ثناؤه الفريقـين اللذين أخبر الله عن أحدهما أنه سواء علـيهم أأنذروا أم لـم يُنذروا أنهم لا يؤمنون, لطبعه علـى قلوبهم, وعلـى سمعهم وأبصارهم, وعن الاَخر أنه يخادع الله والذين آمنوا بـما يبدي بلسانه من قـيـله: آمنا بـالله والـيوم الاَخر, مع استبطانه خلاف ذلك, ومرض قلبه, وشكه فـي حقـيقة ما يبدي من ذلك وغيرهم من سائر خـلقه الـمكلفـين, بـالاستكانة والـخضوع له بـالطاعة, وإفراد الربوبـية له, والعبـادة دون الأوثان والأصنام والاَلهة لأنه جل ذكره هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبـائهم وأجدادهم, وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم, فقال لهم جل ذكره: فـالذي خـلقكم وخـلق آبـاءكم وأجدادكم وسائر الـخـلق غيركم وهو يقدر علـى ضركم ونفعكم أولـى بـالطاعة مـمن لا يقدر لكم علـى نفع ولا ضر. وكان ابن عبـاس فـيـما رُوي لنا عنه يقول فـي ذلك نظير ما قلنا فـيه, غير أنه ذكر عنه أنه كان يقول فـي معنى: اعْبُدُوا رَبكُمْ وَحّدوا ربكم. وقد دللنا فـيـما مضى من كتابنا هذا علـى أن معنى العبـادة الـخضوع لله بـالطاعة والتذلل له بـالاستكانة. والذي أراد ابن عبـاس إن شاء الله بقوله فـي تأويـل قوله: اعْبُدُوا رَبّكُمْ وَحّدُوه: أي أفردوا الطاعة والعبـادة لربكم دون سائر خـلقه.
274ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: قال الله: يا أيها الناسُ اعْبُدُوا رَبّكُمْ للفريقـين جميعا من الكفـار والـمنافقـين, أي وحدوا ربكم الذي خـلقكم والذين من قبلكم.
275ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, عن أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: يا أيّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبّكُمْ الّذِي خَـلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يقول: خـلقكم وخـلق الذين من قبلكم.
قال أبو جعفر: وهذه الآية من أدلّ دلـيـل علـى فساد قول من زعم أن تكلـيف ما لا يطاق إلا بـمعونة الله غير جائز إلا بعد إعطاء الله الـمكلف الـمعونة علـى ما كلفه. وذلك أن الله أمر من وصفنا بعبـادته والتوبة من كفره, بعد إخبـاره عنهم أنهم لا يؤمنون وأنهم عن ضلالتهم لا يرجعون.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ.
قال أبو جعفر: وتأويـل ذلك: لعلكم تتقون بعبـادتكم ربكم الذي خـلقكم, وطاعتكم إياه فـيـما أمركم به ونهاكم عنه, وإفرادكم له العبـادة, لتتقوا سخطه وغضبه أن يحل علـيكم, وتكونوا من الـمتقـين الذين رضي عنهم ربهم.
وكان مـجاهد يقول فـي تأويـل قوله: لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ: تطيعون.
276ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنـي أبـي عن سفـيان, عن ابن نـجيح عن مـجاهد فـي قوله: لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ قال: لعلكم تطيعون.
قال أبو جعفر: والذي أظن أن مـجاهدا أراد بقوله هذا: لعلكم أن تتقوا ربكم بطاعتكم إياه وإقلاعكم عن ضلالتكم.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فكيف قال جل ثناؤه: لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ؟ أوَ لـم يكن عالـما بـما يصير إلـيه أمرهم إذا هم عبدوه وأطاعوه, حتـى قال لهم: لعلكم إذا فعلتـم ذلك أن تتقوا, فأخرج الـخبر عن عاقبة عبـادتهم إياه مخرج الشك؟ قـيـل له: ذلك علـى غير الـمعنى الذي توهمت, وإنـما معنى ذلك: اعبدوا ربكم الذي خـلقكم والذين من قبلكم, لتتقوه بطاعته وتوحيده وإفراده بـالربوبـية والعبـادة, كما قال الشاعر:
وقُلْتُـمْ لَنا كُفّوا الـحُرُوبَ لَعَلّنَانَكُفّ وَوَثّقْتُـمْ لَنا كُلّ مَوْثِقِ
فلَـمّا كَفَفْنَا الـحَرْبَ كانَتْ عُهُودُكُمْكَلَـمْـحِ سَرَابٍ فِـي الفَلاَ مُتَألّقِ
يريد بذلك: قلتـم لنا كفوا لنكفّ. وذلك أن «لعلّ» فـي هذا الـموضع لو كان شكّا لـم يكونوا وثقوا لهم كُلّ موثق.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
وقوله: الّذِي جعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشا مردود علـى «الذي» الأولـى فـي قوله: اعْبُدُوا رَبّكُمُ الّذِي خَـلَقَكُمْ وهما جميعا من نعت «ربكم», فكأنه قال: اعبدوا ربكم الـخالقكم, والـخالق الذي من قبلكم, الـجاعل لكم الأرض فراشا. يعنـي بذلك أنه جعل لكم الأرض مهادا وموطئا وقرارا يستقرّ علـيها. يذكّر ربنا جل ذكره بذلك من قـيـله زيادة نعمه عندهم وآلائه لديهم, لـيذكروا أياديه عندهم فـينـيبوا إلـى طاعته, تعطفـا منه بذلك علـيهم, ورأفة منه بهم, ورحمة لهم, من غير ما حاجة منه إلـى عبـادتهم, ولكن لـيتـم نعمته علـيهم ولعلهم يهتدون. كما:
277ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: الّذِي جَعَلَ لَكُمُ أَلارْضَ فِرَاشا فهي فراش يُـمْشَى علـيها, وهي الـمهاد والقرار.
278ـوحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة: الّذِي جَعَلَ لَكُمُ أَلارْضَ فِرَاشا قال: مهادا لكم.
279ـوحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, عن عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشا: أي مهادا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالسّماءَ بِناءً.
قال أبو جعفر: وإنـما سميت السماء سماءً لعلوّها علـى الأرض وعلـى سكانها من خـلقه, وكل شيء كان فوق شيء آخر فهو لـما تـحته سماءٌ. ولذلك قـيـل لسقـف البـيت سماؤه, لأنه فوقه مرتفع علـيه, ولذلك قـيـل: سما فلان لفلان: إذا أشرف له وقصد نـحوه عالـيا علـيه, كما قال الفرزدق:
سَمَوْنَا لِنَـجْرَانَ الـيَـمانِـي وأهْلِهِوَنَـجْرَانُ أَرْضٌ لَـمْ تُدَيّثْ مَقاوِلُه
وكما قال نابغة بنـي ذبـيان:
سَمَتْ لـي نَظْرَةٌ فَرأيْتُ مِنْهَاتُـحَيْتَ الـخِدْرِ وَاضِعَةَ القِرَامِ
يريد بذلك: أشرفت لـي نظرة وبدت, فكذلك السماء: سُميت الأرض سماءً, لعلوّها وإشرافها علـيها. كما:
280ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: وَالسّماءَ بِناءً, فبناء السماء علـى الأرض كهيئة القبة, وهي سقـف علـى الأرض.
281ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة فـي قول الله وَالسّمَاءَ بِنَاءً قال: جعل السماء سقـفـا لك.
وإنـما ذكر السماء والأرض جل ثناؤه فـيـما عدّد علـيهم من نعمه التـي أنعمها علـيهم, لأن منهما أقواتهم وأرزاقهم ومعايشهم, وبهما قوام دنـياهم, فأعلـمهم أن الذي خـلقهما وخـلق جميع ما فـيهما وما هم فـيه من النعم هو الـمستـحقّ علـيهم الطاعة, والـمستوجب منهم الشكر والعبـادة دون الأصنام والأوثان التـي لا تضرّ ولا تنفع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ ماءً فأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقا لَكُمْ.
يعنـي بذلك أنه أنزل من السماء مطرا, فأخرج بذلك الـمطر مـما أنبتوه فـي الأرض من زرعهم وغرسهم ثمرات رزقا لهم غذاءً وأقواتا. فنبههم بذلك علـى قدرته وسلطانه, وذكرهم به آلاءه لديهم, وأنه هو الذي خـلقهم وهو الذي يرزقهم ويكفلهم دون من جعلوه له نِدّا وعِدْلاً من الأوثان والاَلهة, ثم زجرهم عن أن يجعلوا له ندّا مع علـمهم بأن ذلك كما أخبرهم, وأنه لا ندّ له ولا عدل, ولا لهم نافعٌ ولا ضارّ ولا خالقٌ ولا رازق سواه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلا تَـجْعَلُوا لِلّهِ أنْدَادا.
قال أبو جعفر: والأنداد, جمع ندّ, والندّ: العِدْل والـمثل, كما قال حسان بن ثابت:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:28 am

أتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِنِدَفَشَرّكما لـخَيْرِكُما الفِداءُ
يعنـي بقوله: «ولست له بند»: لست له بـمثل ولا عدل. وكل شيء كان نظيرا لشيء وشبـيها فهو له ندّ. كما:
282ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: فَلاَ تَـجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادا أي عدلاء.
283ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنـي أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَلاَ تَـجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادا أي عدلاء.
284ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي عن خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: فَلاَ تَـجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادا قال: أكفـاء من الرجال تطيعونهم فـي معصية الله.
285ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد فـي قول الله: فَلاَ تَـجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادا قال: الأنداد: الاَلهة التـي جعلوها معه وجعلوا لها مثل ما جعلوا له.
286ـ وحدثت عن الـمنـجاب, قال: حدثنا بشر, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله: فَلاَ تَـجْعَلُوا لِلّهِ أنْدَادا قال: أشبـاها.
287ـ حدثنـي مـحمد بن سنان, قال: حدثنا أبو عاصم عن شبـيب عن عكرمة: فلا تـجعلوا لله أندادا أي تقولوا: لولا كلبنا لدخـل علـينا اللصّ الدار, لولا كلبنا صاح فـي الدار ونـحو ذلك.
فنهاهم الله تعالـى أن يشركوا به شيئا, وأن يعبدوا غيره, أو يتـخذوا له ندا وعدلاً فـي الطاعة, فقال: كما لا شريك لـي فـي خـلقكم وفـي رزقكم الذي أرزقكم, وملكي إياكم, ونعمتـي التـي أنعمتها علـيكم, فكذلك فأفردوا لـي الطاعة, وأخـلصوا لـي العبـادة, ولا تـجعلوا لـي شريكا وندّا من خـلقـي, فإنكم تعلـمون أن كل نعمة علـيكم منّـي.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ.
اختلف أهل التأويـل فـي الذين عُنوا بهذه الآية, فقال بعضهم: عنـي بها جميع الـمشركين, من مشركي العرب وأهل الكتاب. وقال بعضهم: عنـي بذلك أهل الكتابـين: التوراة, والإنـجيـل.
ذكر من قال: عنـي بها جميع عبدة الأوثان من العرب وكفـار أهل الكتابـين:
288ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: نزل ذلك فـي الفريقـين جميعا من الكفـار والـمنافقـين. وإنـما عَنَى بقوله: فَلاَ تَـجْعَلُوا لِلّهِ أنْدَادا وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ أي لا تشركوا بـالله غيره من الأنداد التـي لا تنفع ولا تضرّ, وأنتـم تعلـمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره, وقد علـمتـم أن الذي يدعوكم إلـيه الرسول من توحيده هو الـحقّ لا شك فـيه.
289ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد عن سعيد, عن قتادة فـي قوله: وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ أي تعلـمون أن الله خـلقكم وخـلق السموات والأرض, ثم تـجعلون له أندادا.
ذكر من قال: عَنَى بذلك أهْلَ الكتابـين:
290ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد: فَلا تَـجْعَلُوا لِلّهِ أنْدَادا وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ أنه إله واحد فـي التوراة والإنـجيـل.
وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا قبـيصة, قال: حدثنا سفـيان عن مـجاهد مثله.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ يقول: وأنتـم تعلـمون أنه لا ندّ له فـي التوراة والإنـجيـل.
قال أبو جعفر: وأحسب أن الذي دعا مـجاهدا إلـى هذا التأويـل, وإضافة ذلك إلـى أنه خطاب لأهل التوراة والإنـجيـل دون غيرهم, الظنّ منه بـالعرب أنها لـم تكن تعلـم أن الله خالقها ورازقها بجحودها وحدانـية ربها, وإشراكها معه فـي العبـادة غيره. وإن ذلك لقولٌ ولكن الله جل ثناؤه قد أخبر فـي كتابه عنها أنها كانت تقرّ بوحدانـية, غير أنها كانت تشرك فـي عبـادته ما كانت تشرك فـيها, فقال جل ثناؤه: وَلِئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَـلَقَهُمْ لَـيَقُولُنّ اللّهُ, وقال: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السّمَاءِ والأرْضِ أمْ مَنْ يَـمْلِكُ السّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ ويُخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ وَمَنْ يُدَبّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أفَلا تَتّقُونَ.
فـالذي هو أولـى بتأويـل قوله: وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ إذ كان ما كان عند العرب من العلـم بوحدانـية الله, وأنه مبدع الـخـلق وخالقهم ورازقهم, نظير الذي كان من ذلك عند أهل الكتابـين. ولـم يكن فـي الآية دلالة علـى أن الله جل ثناؤه عنى بقوله: وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ أحد الـحزبـين, بل مخرج الـخطاب بذلك عام للناس كافة لهم, لأنه تـحدّى الناس كلهم بقوله: يا أيّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبّكُمْ أن يكون تأويـله ما قاله ابن عبـاس وقتادة, من أنه يعنـي بذلك كل مكلف عالـم بوحدانـية الله, وأنه لا شريك له فـي خـلقه يشرك معه فـي عبـادته غيره, كائنا من كان من الناس, عربـيا كان أو أعجميا, كاتبـا أو أميا, وإن كان الـخطاب لكفـار أهل الكتاب الذين كانوا حوالـي دار هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأهل النفـاق منهم ومـمن بـين ظهرانـيهم مـمن كان مشركا فـانتقل إلـى النفـاق بـمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الآية : 23
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مّمّا نَزّلْنَا عَلَىَ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
قال أبو جعفر: وهذا من الله عزّ وجلّ احتـجاج لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى مشركي قومه من العرب ومنافقـيهم وكفـار أهل الكتاب وضلالهم الذين افتتـح بقصصهم قوله جل ثناؤه: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَـيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَـمْ تُنْذِرْهُمْ وإياهم يخاطب بهذه الاَيات, وضُربـاءَهم يعنـي بها, قال الله جل ثناؤه: وإن كنتـم أيها الـمشركون من العرب والكفـار من أهل الكتابـين فـي شكّ وهو الريب مـما نزّلنا علـى عبدنا مـحمد صلى الله عليه وسلم من النور والبرهان وآيات الفرقان أنه من عندي, وأنـي الذي أنزلته إلـيه, فلـم تؤمنوا به ولـم تصدّقوه فـيـما يقول, فأتوا بحجة تدفع حجته لأنكم تعلـمون أن حجة كل ذي نبوّة علـى صدقه فـي دعواه النبوّة أن يأتـي ببرهان يعجز عن أن يأتـي بـمثله جميع الـخـلق, ومن حجة مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى صدقه وبرهانه علـى نبوّته, وأن ما جاء به من عندي, عَجْزُ جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله. وإذا عجزتـم عن ذلك, وأنتـم أهل البراعة فـي الفصاحة والبلاغة والدراية, فقد علـمتـم أن غيركم عما عجزتـم عنه من ذلك أعجز. كما كان برهان من سلف من رسلـي وأنبـيائي علـى صدقه وحجته علـى نبوّته من الاَيات ما يعجز عن الإتـيان بـمثله جميع خـلقـي. فـيتقرّر حينئذ عندكم أن مـحمدا لـم يتقوّله ولـم يختلقه, لأن ذلك لو كان منه اختلافـا وتقوّلاً لـم يعجزوا وجميع خـلقه عن الإتـيان بـمثله, لأن مـحمدا صلى الله عليه وسلم لـم يَعُدْ أن يكون بشرا مثلكم, وفـي مثل حالكم فـي الـجسم وبسطة الـخـلق وذرابة اللسان, فـيـمكن أن يظن به اقتدار علـى ما عجزتـم عنه, أو يتوهم منكم عجز عما اقتدر علـيه.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: فأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ.
291ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: فأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يعنـي من مثل هذا القرآن حقّا وصدقا لا بـاطل فـيه ولا كذب.
292ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أنبأنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: فأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يقول: بسورة مثل هذا القرآن.
293ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى بن ميـمون, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ مثل القرآن.
وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد مثله.
وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: فأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ قال: مثله, مثل القرآن.
فمعنى قول مـجاهد وقتادة اللذين ذكرنا عنهما, أن الله جل ذكره قال لـمن حاجّه فـي نبـيه صلى الله عليه وسلم من الكفـار: فأتوا بسورة من مثل هذا القرآن من كلامكم أيتها العرب, كما أتـى به مـحمد بلغاتكم ومعانـي منطقكم.
وقد قال قوم آخرون: إن معنى قوله: فأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ: من مثل مـحمد من البشر, لأنه مـحمدا بشر مثلكم.
قال أبو جعفر: والتأويـل الأوّل الذي قاله مـجاهد وقتادة هو التأويـل الصحيح لأن الله جل ثناؤه قال فـي سورة أخرى: أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فأتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ. ومعلوم أن السورة لـيست لـمـحمد بنظير ولا شبـيه, فـيجوز أن يقال: فأتوا بسورة مثل مـحمد.
فإن قال قائل: إنك ذكرت أن الله عنى بقوله: فأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ من مثل هذا القرآن, فهل للقرآن من مثل فـيقال: ائتوا بسورة من مثله؟ قـيـل: إنه لـم يعن به: ائتوا بسورة من مثله فـي التألـيف والـمعانـي التـي بـاين بها سائر الكلام غيره, وإنـما عنى: ائتوا بسورة من مثله فـي البـيان لأن القرآن أنزله الله بلسان عربـي, فكلام العرب لا شكّ له مثل فـي معنى العربـية فأما فـي الـمعنى الذي بـاين به القرآن سائر كلام الـمخـلوقـين, فلا مثل له من ذلك الوجه ولا نظير ولا شبـيه. وإنـما احتـجّ الله جل ثناؤه علـيهم لنبـيه صلى الله عليه وسلم بـما احتـجّ به له علـيهم من القرآن, إذ ظهر القوم عن أن يأتوا بسورة من مثله فـي البـيان, إذ كان القرآن بـيانا مثل بـيانهم, وكلاما نزل بلسانهم, فقال لهم جل ثناؤه: وإن كنتـم فـي ريب من أنّ ما أنزلت علـى عبدي من القرآن من عندي, فأتوا بسورة من كلامكم الذي هو مثله فـي العربـية, إذْ كنتـم عربـا, وهو بـيان نظير بـيانكم, وكلام شبـيه كلامكم. فلـم يكلفهم جل ثناؤه أن يأتوا بسورة من غير اللسان الذي هو نظير اللسان الذي نزل به القرآن, فـيقدروا أن يقولوا: كلفتنا ما لو أحسنّاه أتـينا به, وإنا لا نقدر علـى الإتـيان به, لأنا لسنا من أهل اللسان الذي كلفتنا الإتـيان به, فلـيس لك علـينا حجة بهذا لأنا وإن عجزنا عن أن نأتـي بـمثله من غير ألسنتنا لأنا لسنا بأهله, ففـي الناس خـلق كثـير من غير أهل لساننا يقدر علـى أن يأتـي بـمثله من اللسان الذي كلفتنا الإتـيان به. ولكنه جل ثناؤه قال لهم: ائتوا بسورة مثله, لأن مثله من الألسن ألسنتكم, وأنتـم إن كان مـحمد اختلقه وافتراه, إذا اجتـمعتـم وتظاهرتـم علـى الإتـيان بـمثل سورة منه من لسانكم وبـيانكم أقدر علـى اختلاقه ووضعه وتألـيفه من مـحمد صلى الله عليه وسلم, وإن لـم تكونوا أقدر علـيه منه فلن تعجزوا وأنتـم جميع عما قدر علـيه مـحمد من ذلك وهو وحده, إن كنتـم صادقـين فـي دعواكم وزعمكم أن مـحمدا افتراه واختلقه وأنه من عند غيري.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ فقال ابن عبـاس بـما:
294ـ حدثنا به مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد, عن ابن عبـاس: وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ يعنـي أعوانكم علـى ما أنتـم علـيه, إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ.
295ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن نـجيح, عن مـجاهد: وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ ناس يشهدون.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد مثله.
وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد, قال: قوم يشهدون لكم.
وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاح, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ قال: ناس يشهدون. قال ابن جريج: شهداءكم علـيها إذا أتـيتـم بها أنها مثله مثل القرآن.
وذلك قول الله لـمن شك من الكفـار فـيـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم. وقوله: فـادْعُوا يعنـي استنصروا واستعينوا, كما قال الشاعر:
فَلَـمّا الْتَقَتْ فُرْسانُنا وَرِجَالُهُمْدَعَوْا يا لَكَعْبٍ واعْتَزَيْنا لِعامِرِ
يعنـي بقوله: دعوا يالكعب: استنصروا كعبـا واستعانوا بهم.
وأما الشهداء فإنها جمع شهيد, كالشركاء جمع شريك, والـخطبـاء جمع خطيب. والشهيد يسمى به الشاهد علـى الشيء لغيره بـما يحقق دعواه, وقد يسمى به الـمشاهد للشيء كما يقال فلان جلـيس فلان, يعنـي به مـجالسه, ونديـمه يعنـي به منادمه, وكذلك يقال: شهيده يعنـي به مشاهده. فإذا كانت الشهداء مـحتـملة أن تكون جمع الشهيد الذي هو منصرف للـمعنـيـين اللذين وصفت, فأولـى وجهيه بتأويـل الآية ما قاله ابن عبـاس, وهو أن يكون معناه: واستنصروا علـى أن تأتوا بسورة من مثله أعوانَكم وشهداءَكم الذين يشاهدونكم ويعاونونكم علـى تكذيبكم الله ورسوله ويظاهرونكم علـى كفركم ونفـاقكم إن كنتـم مـحقـين فـي جحودكم أن ما جاءكم به مـحمد صلى الله عليه وسلم اختلاق وافتراء, لتـمتـحنوا أنفسكم وغيركم: هل تقدرون علـى أن تأتوا بسورة من مثله, فـيقدر مـحمد علـى أن يأتـي بجميعه من قبل نفسه اختلاقا؟
وأما ما قاله مـجاهد وابن جريج فـي تأويـل ذلك فلا وجه له لأن القوم كانوا علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصنافـا ثلاثة: أهل إيـمان صحيح, وأهل كفر صحيح, وأهل نفـاق بـين ذلك. فأهل الإيـمان كانوا بـالله وبرسوله مؤمنـين, فكان من الـمـحال أن يدّعي الكفـار أن لهم شهداء علـى حقـيقة ما كانوا يأتون به لو أتوا بـاختلاق من الرسالة, ثم ادعوا أنه للقرآن نظير من الـمؤمنـين. فأما أهل النفـاق والكفر فلا شك أنهم لو دُعوا إلـى تـحقـيق البـاطل وإبطال الـحق لسارعوا إلـيه مع كفرهم وضلالهم, فمن أيّ الفريقـين كانت تكون شهداءكم لو ادّعوا أنهم قد أتوا بسورة من مثل القرآن؟ ولكن ذلك كما قال جل ثناؤه: قُلْ لَئِنْ اجْتَـمَعَتِ الإنْسُ والـجِنّ علـى أنْ يأتُوا بِـمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لا يأتُونَ بِـمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا فأخبر جل ثناؤه فـي هذه الآية أن مثل القرآن لا يأتـي به الـجن والإنس ولو تظاهروا وتعاونوا علـى الإتـيان به وتـحدّاهم بـمعنى التوبـيخ لهم فـي سورة البقرة, فقال تعالـى: وَإنْ كُنْتُـمْ فـي رَيْبٍ مِـمّا نَزّلْنَا علـى عَبْدِنَا فأتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـين يعنـي بذلك: إن كنتـم فـي شك فـي صدق مـحمد فـيـما جاءكم به من عندي أنه من عندي, فأتوا بسورة من مثله, ولـيستنصر بعضكم بعضا علـى ذلك إن كنتـم صادقـين فـي زعمكم حتـى تعلـموا أنكم إذا عجزتـم عن ذلك أنه لا يقدر علـى أن يأتـي به مـحمد صلى الله عليه وسلم ولا من البِشر أحد, ويصح عندكم أنه تنزيـلـي ووحيـي إلـى عبدي.
الآية : 24
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتّقُواْ النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ }
قال أبو جعفر: يعنـي تعالـى بقوله: فإنْ لَـمْ تَفْعَلُوا: إن لـم تأتوا بسورة من مثله, وقد تظاهرتـم أنتـم وشركاؤكم علـيه وأعوانكم. فتبـين لكم بـامتـحانكم واختبـاركم عجزكم وعجز جميع خـلقـي عنه, وعلـمتـم أنه من عندي, ثم أقمتـم علـى التكذيب به. وقوله: وَلَنْ تَفْعَلُوا أي لن تأتوا بسورة من مثله أبدا. كما:
296ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: فإنْ لَـمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا أي لا تقدرون علـى ذلك ولا تطيقونه.
297ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: فإنْ لَـمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا فقد بـين لكم الـحقّ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاتقُوا النّارَ الّتِـي وَقُودُها النّاسِ وَالْـحِجَارَةُ.
قال أبو جعفر: يعنـي جل ثناؤه بقوله: فـاتّقُوا النّارَ يقول: فـاتقوا أن تَصْلَوا النار بتكذيبكم رسولـي بـما جاءكم به من عندي أنه من وحيـي وتنزيـلـي, بعد تبـينكم أنه كتابـي ومن عندي, وقـيام الـحجة علـيكم بأنه كلامي ووحيـي, بعجزكم وعجز جميع خـلقـي عن أن يأتوا بـمثله. ثم وصف جل ثناؤه النار التـي حذرهم صِلِـيّها, فأخبرهم أن الناس وقودها, وأن الـحجارة وقودها, فقال: الّتِـي وَقُودُهَا النّاسُ والـحِجارَةُ يعنـي بقوله وقودها: حطبها, والعرب تـجعله مصدرا, وهو اسم إذا فتـحت الواو بـمنزلة الـحطب, فإذا ضمت الواو من الوقود كان مصدرا من قول القائل: وقدت النار فهي تقد وُقودا وقِدَةً وَوَقَدَانا ووَقْدا, يراد بذلك أنها التهبت.
فإن قال قائل: وكيف خُصّت الـحجارة فقرنت بـالناس حتـى جعلت لنار جهنـم حطبـا؟ قـيـل: إنها حجارة الكبريت, وهي أشدّ الـحجارة فـيـما بلغنا حرّا إذا أحميت. كما:
298ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن مسعر, عن عبد الـملك بن ميسرة الزراد, عن عبد الرحمن بن سابط, عن عمرو بن ميـمون, عن عبد الله فـي قوله: وَقُودُهَا النّاسُ وَالـحجارَةُ قال: هي حجارة من كبريت خـلقها الله يوم خـلق السموات والأرض فـي السماء الدنـيا يعدّها للكافرين.
299ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أنبأنا عبد الرزاق, قال: أنبأنا ابن عيـينة, عن مسعر عن عبد الـملك الزرّاد عن عمرو بن ميـمون, عن ابن مسعود فـي قوله: وَقُودُها النّاسُ والـحجارَةُ قال: حجارة الكبريت جعلها الله كما شاء.
300ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: اتّقُوا النّارَ الّتِـي وَقُودُها النّاسُ وَالـحِجَارَةِ أما الـحجارة فهي حجارة فـي النار من كبريت أسود يعذّبون به مع النار.
301ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج فـي قوله: وَقُودُها النّاسُ والـحجارَةُ قال: حجارة من كبريت أسود فـي النار. قال: وقال لـي عمرو بن دينار: حجارة أصلب من هذه وأعظم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:29 am

حدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن مسعر, عن عبد الـملك بن ميسرة, عن عبد الرحمن بن سابط, عن عمرو بن ميـمون عن عبد الله بن مسعود, قال: حجارة من الكبريت خـلقها الله عنده كيف وشاء وكما شاء.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أُعِدّتْ للكافِرِينَ.
قد دللنا فـيـما مضى من كتابنا هذا علـى أن الكافر فـي كلام العرب هو الساتر شيئا بغطاء, وأن الله جل ثناؤه إنـما سمى الكافر كافرا لـجحوده آلاءه عنده, وتغطيته نعماءه قبله فمعنى قوله إذا: أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ: أعدّت النار للـجاحدين أن الله ربهم الـمتوحد بخـلقهم وخَـلْق الذين من قبلهم, الذي جعل لهم الأرض فراشا, والسماء بناءً, وأنزل من السماء ماءً, فأخرج به من الثمرات رزقا لهم, الـمشركين معه فـي عبـادته الأنداد والاَلهة, وهو الـمتفرّد لهم بـالإنشاء والـمتوحد بـالأقوات والأرزاق. كما:
302ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد, عن ابن عبـاس: أُعِدّتْ للْكافِرِينَ أي لـمن كان علـى مثل ما أنتـم علـيه من الكفر.
الآية : 25
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَبَشّرِ الّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رّزْقاً قَالُواْ هَـَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
أما قوله تعالـى: وَبَشّرْ فإنه يعنـي: أخبرهم. والبشارة أصلها الـخبر بـما يسر الـمخبر به, إذا كان سابقا به كل مخبر سواه. وهذا أمر من الله نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم بإبلاغ بشارته خـلقه الذين آمنوا به وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـماء جاء به من عند ربه, وصدقوا إيـمانهم ذلك وإقرارهم بأعمالهم الصالـحة, فقال له: يا مـحمد بَشّرْ من صدقك أنك رسولـي وأن ما جئت به من الهدى والنور فمن عندي, وحقق تصديقه ذلك قولاً بأداء الصالـح من الأعمال التـي افترضتها علـيه وأوجبتها فـي كتابـي علـى لسانك علـيه, أن له جنات تـجري من تـحتها الأنهار خاصة, دون من كذّب بك وأنكر ما جئت به من الهدى من عندي وعاندك, ودون من أظهر تصديقك وأقرّ بأن ما جئته به فمن عندي قولاً, وجحده اعتقادا ولـم يحققه عملاً. فإن لأولئك النار التـي وقودها الناس والـحجارة معدة عندي. والـجنات جمع جنة, والـجنة: البستان. وإنـما عنى جل ذكر بذكر الـجنة ما فـي الـجنة من أشجارها وثمارها وغروسها دون أرضها, فلذلك قال عزّ ذكره: تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِهَا الأنْهَارُ لأنه معلوم أنه إنـما أرَادَ جل ثناؤه الـخبر عن ماء أنهارها أنه جار تـحت أشجارها وغروسها وثمارها, لا أنه جار تـحت أرضها لأن الـماء إذا كان جاريا تـحت الأرض, فلا حظّ فـيها لعيون من فوقها إلا بكشف الساتر بـينها وبـينه.
علـى أن الذي توصف به أنهار الـجنة أنها جارية فـي غير أخاديد. كما:
303ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا الأشجعي, عن سفـيان, عن عمرو بن مرة, عن أبـي عبـيدة, عن مسروق, قال: نـخـل الـجنة نضيد من أصلها إلـى فرعها, وثمرها أمثال القِلال, كلـما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى, وماؤها يجري فـي غير أخدود.
وحدثنا مـجاهد, قال: حدثنا يزيد, قال: أخبرنا مسعر بن كدام, عن عمرو بن مرة, عن أبـي عبـيدة بنـحوه.
وحدثنا مـحمد بن بشار قال: حدثنا ابن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, قال: سمعت عمرو بن مرة يحدث عن أبـي عبـيدة, فذكر مثله. قال: فقلت لأبـي عبـيدة: من حدثك, فغضب وقال: مسروق.
فإذا كان الأمر كذلك فـي أن أنهارها جارية فـي غير أخاديد, فلا شك أن الذي أريد بـالـجنات أشجار الـجنات وغروسها وثمارها دون أرضها, إذ كانت أنهارها تـجري فوق أرضها وتـحت غروسها وأشجارها, علـى ما ذكره مسروق. وذلك أولـى بصفة الـجنة من أن تكون أنهارها جارية تـحت أرضها. وإنـما رغب الله جل ثناؤه بهذه الآية عبـاده فـي الإيـمان وحضهم علـى عبـادته, بـما أخبرهم أنه أعدّه لأهل طاعته والإيـمان به عنده, كما حذرهم فـي الآية التـي قبلها بـما أخبر من إعداده ما أعدّ لأهل الكفر به الـجاعلـين معه الاَلهة والأنداد من عقابه عن إشراك غيره معه, والتعرّض لعقوبته بركوب معصيته وترك طاعته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: كُلـمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقا قالُوا هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وأتُوا بِهِ مُتَشَابِها.
قال أبو جعفر: يعنـي: كُلّـما رُزِقُوا مِنْهَا من الـجنات, والهاء راجعة علـى «الـجنات», وإنـما الـمعنـيّ أشجارها, فكأنه قال: كلـما رزقوا من أشجار البساتـين التـي أعدّها الله للذين آمنوا وعملوا الصالـحات فـي جناته من ثمرة من ثمارها رزقا قالوا: هذا الذي رُزِقْنا من قبل.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: هَذَا الّذِي رزِقْنا مِنْ قَبْلُ فقال بعضهم: تأويـل ذلك هذا الذي رزقنا من قبل هذا فـي الدنـيا. ذكر من قال ذلك:
304ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم قالوا: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل قال: إنهم أتوا بـالثمرة فـي الـجنة, فلـما نظروا إلـيها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل فـي الدنـيا.
305ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة, قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل: أي فـي الدنـيا.
306ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم عن عيسى بن ميـمون, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قالوا: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قبْل يقولون: ما أشبهه به.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد مثله.
307ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قالوا: هَذَا الّذِي رزِقْنا مِنْ قَبْل فـي الدنـيا, قال: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها يعرفونه.
قال أبو جعفر: وقال آخرون: بل تأويـل ذلك: هذا الذي رزقنا من ثمار الـجنة من قبل هذا, لشدة مشابهة بعض ذلك فـي اللون والطعم بعضا. ومن علة قائل هذا القول إن ثمار الـجنة كلـما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله. كما:
308ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, قال: سمعت عمرو بن مرّة يحدث عن أبـي عبـيدة, قال: نـخـل الـجنة نضيد من أصلها إلـى فرعها, وثمرها مثل القلال, كلـما نزعت منها ثمرة عادة مكانها أخرى. قالوا: فإنـما اشتبهت عند أهل الـجنة, لأن التـي عادت نظيرة التـي نزعت فأكلت فـي كل معانـيها. قالوا: ولذلك قال الله جل ثناؤه: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها لاشتبـاه جميعه فـي كل معانـيه.
وقال بعضهم: بل قالوا: هَذَا الّذِي رزِقْنا مِنْ قَبْلُ لـمشابهته الذي قبله فـي اللون وإن خالفه فـي الطعم. ذكر من قال ذلك:
309ـ حدثنا القاسم بن الـحسين, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنا شيخ من الـمَصّيصة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبـي كثـير, قال: يؤتـي أحدهم بـالصحفة فـيأكل منها, ثم يؤتـي بأخرى فـيقول: هذا الذي أُتـينا به من قبل, فـيقول الـمَلَكُ: كل فـاللون واحد والطعم مختلف.
وهذا التأويـل مذهب من تأوّل الآية. غير أنه يدفع صحته ظاهر التلاوة. والذي يدل علـى صحته ظاهر الآية ويحقق صحته قول القائلـين إن معنى ذلك: هذا الذي رزقنا من قبل فـي الدنـيا. وذلك أن الله جل ثناؤه قال: كُلّـما رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقا فأخبر جل ثناؤه أن من قـيـل أهل الـجنة كلـما رزقوا من ثمر الـجنة رزقا أن يقولوا: هذا الذي رُزقنا من قبل. ولـم يخصص بأن ذلك من قـيـلهم فـي بعض ذلك دون بعض. فإذْ كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قـيـلهم فـي كل ما رزقوا من ثمرها, فلا شك أن ذلك من قـيـلهم فـي أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الـجنة واستقرارهم فـيها, الذي لـم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة. فإذْ كان لا شك أن ذلك من قـيـلهم فـي أوله, كما هو من قـيـلهم فـي وسطه وما يتلوه, فمعلوم أنه مـحال أن يكون من قـيـلهم لأوّل رزق رزقوه من ثمار الـجنة: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ هذا من ثمار الـجنة. وكيف يجوز أن يقولوا لأوّل رزق رزقوه من ثمارها ولـما يتقدمه عندهم غيره: هذا هو الذي رزقناه من قبل إلا أن ينسبهم ذو غرّة وضلال إلـى قـيـل الكذب الذي قد طهرهم الله منه, أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قـيـلهم لأول رزق رزقوه منها من ثمارها, فـيدفع صحة ما أوجب الله صحته بقوله: كُلّـما رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقا من غير نصب دلالة علـى أنه معنـيّ به حال من أحوال دون حال. فقد تبـين بـما بـينا أن معنى الآية: كلـما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالـحات من ثمرة من ثمار الـجنة فـي الـجنة رزقا, قالوا: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ هذا فـي الدنـيا.
فإن سألنا سائل فقال: وكيف قال القوم: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ والذي رُزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إياه؟ وكيف يجوز أن يقول أهل الـجنة قولاً لا حقـيقة له؟ قـيـل: إن الأمر علـى غير ما ذهبت إلـيه فـي ذلك, وإنـما معناه: هذا من النوع الذي رزقناه من قبل هذا من الثمار والرزق, كالرجل يقول لاَخر: قد أعدّ لك فلان من الطعام كذا وكذا من ألوان الطبـيخ والشواء والـحلوى, فـيقول الـمقول له ذاك: هذا طعامي فـي منزلـي. يعنـي بذلك أن النوع الذي ذكر له صاحبه أنه أعده له من الطعام هو طعامه, لأن أعيان ما أخبره صاحبه أنه قد أعدّه له هو طعامه. بل ذلك مـما لا يجوز لسامع سمعه يقول ذلك أن يتوهم أنه أراده أو قصده لأن ذلك خلاف مخرج كلام الـمتكلـم وإنـما يوجه كلام كل متكلـم إلـى الـمعروف فـي الناس من مخارجه دون الـمـجهول من معانـيه. فكذلك ذلك فـي قوله: قالُوا هَذَا الّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ إذ كان ما كانوا رزقوه من قبل قد فنـي وعدم فمعلوم أنهم عنوا بذلك هذا من النوع الذي رزقناه من قبل, ومن جنسه فـي السّمات والألوان علـى ما قد بـينا من القول فـي ذلك فـي كتابنا هذا.
القول فـي تأول قوله: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها.
قال أبو جعفر: والهاء فـي قوله: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها عائدة علـى الرزق, فتأويـله: وأُتوا بـالذي رزقوا من ثمارها متشابها.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الـمتشابه فـي ذلك, فقال بعضهم: تشابهه أن كله خيار لا رذل فـيه. ذكر من قال ذلك:
310ـ حدثنا خلاد بن أسلـم, قال: أخبرنا النضر بن شميـل, قال: أخبرنا أبو عامر عن الـحسن فـي قوله: مُتَشابِها قال: خيارا كلها لا رذل فـيها.
311ـ وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن أبـي رجاء: قرأ الـحسن آيات من البقرة, فأتـى علـى هذه الآية: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: ألـم تروا إلـى ثمار الدنـيا كيف ترذلون بعضه؟ وإن ذلك لـيس فـيه رَذْل
312ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: قال الـحسن: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: يشبه بعضه بعضا لـيس فـيه من رَذْل.
313ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها أي خيارا لا رذل فـيه, وأن ثمار الدنـيا ينقـى منها ويرذل منها, وثمار الـجنة خيار كله لا يرذل منه شيء.
314ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: ثمر الدنـيا منه ما يرذل ومنه نُقاوة, وثمر الـجنة نقاوة كله يشبه بعضه بعضا فـي الطيب لـيس منه مرذول.
وقال بعضهم: تشابهه فـي اللون وهو مختلف فـي الطعم. ذكر من قال ذلك:
315ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النّبـي صلى الله عليه وسلم: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها فـي اللون والـمرأى, ولـيس يشبه الطعم.
316ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها مثل الـخيار.
وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأتُوا بِه مُتَشابِها لونه, مختلفـا طعمه, مثل الـخيار من القثاء.
317ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر. عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها يشبه بعضه بعضا ويختلف الطعم.
318ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أنبأنا الثوري, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: مُتَشابِها قال: مشتبها فـي اللون ومختلفـا فـي الطعم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج, عن مـجاهد: وأتُوا بِهِ مُتَشَابِها مثل الـخيار.
وقال بعضهم: تشابه فـي اللون والطعم. ذكر من قال ذلك:
319ـ حدثنا ابن وكيع. قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد قوله: مُتَشَابِها قال: اللون والطعم.
320ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن الثوري, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد ويحيى بن سعيد: مُتَشابِها قالا: فـي اللون والطعم.
وقال بعضهم: تشابهه تشابه ثمر الـجنة وثمر الدنـيا فـي اللون وإن اختلف طعومهما. ذكر من قال ذلك:
321ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أنبأنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: يشبه ثمر الدنـيا غير أن ثمر الـجنة أطيب.
322ـ وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: قال حفص بن عمر, قال: حدثنا الـحكم بن أبـان عن عكرمة فـي قوله: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: يشبه ثمر الدنـيا, غير أن ثمر الـجنة أطيب.
وقال بعضهم: لا يشبه شيء مـما فـي الـجنة ما فـي الدنـيا إلا الأسماء. ذكر من قال ذلك:
323ـ حدثنـي أبو كريب, قال: حدثنا الأشجعي ح, وحدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قالا جميعا: حدثنا سفـيان عن الأعمش, عن أبـي ظبـيان, عن ابن عبـاس قال أبو كريب فـي حديثه عن الأشجعي: لا يشبه شيء مـما فـي الـجنة ما فـي الدنـيا إلا الأسماء. وقال ابن بشار فـي حديثه عن مؤمل قال: لـيس فـي الدنـيا مـما فـي الـجنة إلا الأسماء.
حدثنا عبـاس بن مـحمد, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد عن الأعمش, عن أبـي ظبـيان, عن ابن عبـاس, قال: لـيس فـي الدنـيا من الـجنة شيء إلا الأسماء.
324ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أنبأنا ابن وهب, قال: قال عبد الرحمن بن زيد فـي قوله: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: يعرفون أسماءه كما كانوا فـي الدنـيا, التفـاح بـالتفـاح, والرمان بـالرمان, قالوا فـي الـجنة: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ فـي الدنـيا, وأتُوُا بِهِ مُتَشابِها يعرفونه, ولـيس هو مثله فـي الطعم.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه التأويلات بتأويـل الآية, تأويـل من قال: وأُوتُوا بِهِ مُتَشابِها فـي اللون والـمنظر, والطعمُ مختلفٌ. يعنـي بذلك اشتبـاه ثمر الـجنة وثمر الدنـيا فـي الـمنظر واللون, مختلفـا فـي الطعم والذوق لـما قدمنا من العلة فـي تأويـل قوله: كُلـما رُزِقُوا مِنْعها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقا قالُوا هَذَا الّذِي رِزِقنا مِنْ قَبْلُ وأن معناه: كلـما رزقوا من الـجنان من ثمرة من ثمارها رزقا قالُوا: هَذَا الّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ هذا فـي الدنـيا. فأخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوا ذلك من أجل أنهم أُتوا بـما أتوا به من ذلك فـي الـجنة متشابها,
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:30 am

يعنـي بذلك تشابه ما أتوا به فـي الـجنة منه والذي كانوا رزقوه فـي الدنـيا فـي اللون والـمرأى والـمنظر وإن اختلفـا فـي الطعم والذوق فتبـاينا, فلـم يكن لشيء مـما فـي الـجنة من ذلك نظير فـي الدنـيا.
وقد دللنا علـى فساد قول من زعم أن معنى قوله: قالُوا هَذَا الّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ إنـما هو قول من أهل الـجنة فـي تشبـيههم بعض ثمرات الـجنة ببعض, وتلك الدلالة علـى فساد ذلك القول هي الدلالة علـى فساد قول من خالف قولنا فـي تأويـل قوله: وأُتُوا بِهِ مُتَشابِها لأن الله جل ثناؤه إنـما أخبر عن الـمعنى الذي من أجله قال القوم: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ بقوله: وأُتُوا بِهِ مُتَشابِها.
ويُسأل من أنكر ذلك فـيزعم أنه غير جائز أن يكون شيء مـما فـي الـجنة نظير الشيء مـما فـي الدنـيا بوجه من الوجوه, فـيقال له: أيجوز أن يكون أسماء ما فـي الـجنة من ثمارها وأطعمتها وأشربتها نظائر أسماء ما فـي الدنـيا منها؟ فإن أنكر ذلك خالف نصّ كتاب الله, لأن الله جل ثناؤه إنـما عرّف عبـاده فـي الدنـيا ما هو عنده فـي الـجنة بـالأسماء التـي يسمى بها ما فـي الدنـيا من ذلك. وإن قال: ذلك جائز, بل هو كذلك قـيـل: فما أنكرت أن يكون ألوان ما فـيها من ذلك نظائر ألوان ما فـي الدنـيا منه بـمعنى البـياض والـحمرة والصفرة وسائر صنوف الألوان وإن تبـاينت فتفـاضلت بفضل حسن الـمرآة والـمنظر, فكان لـما فـي الـجنة من ذلك من البهاء والـجمال وحسن الـمرآة والـمنظر خلاف الذي لـما فـي الدنـيا منه كما كان جائزا ذلك فـي الأسماء مع اختلاف الـمسميات بـالفضل فـي أجسامها؟ ثم يعكس علـيه القول فـي ذلك, فلن يقول فـي أحدهما شيئا إلا أُلزم فـي الاَخر مثله.
وكان أبو موسى الأشعري يقول فـي ذلك بـما:
325ـ حدثنـي به ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ وعبد الوهاب, ومـحمد بن جعفر, عن عوف عن قسامة عن الأشعري, قال: إن الله لـما أخرج آدم من الـجنة زوّده من ثمار الـجنة, وعلـمه صنعة كل شيء, فثماركم هذه من ثمار الـجنة, غير أن هذه تَغَيّرُ وتلك لا تَغَيّرُ.
وقد زعم بعض أهل العربـية أن معنى قوله: وأُتُوا بِهِ مُتَشابِها أنه متشابه فـي الفضل: أي كل واحد منه له من الفضل فـي نـحوه مثل الذي للاَخر فـي نـحوه.
قال أبو جعفر: ولـيس هذا قولاً نستـجيز التشاغل بـالدلالة علـى فساده لـخروجه عن قول جميع علـماء أهل التأويـل, وحسب قول بخروجه عن قول أهل العلـم دلالة علـى خطئه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَهُمْ فِـيهَا أزْواجٌ مُطَهّرَةٌ.
قال أبو جعفر: والهاء والـميـم اللتان فـي «لهم» عائدتان علـى الذين آمنوا وعملوا الصالـحات, والهاء والألف اللتان فـي «فـيها» عائدتان علـى الـجنات. وتأويـل ذلك: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالـحات أن لهم جنات فـيها أزواج مطهرة. والأزواج جمع زوج, وهي امرأة الرجل, يقال: فلانة زوج فلان وزوجته. وأما قوله مُطَهّرَةٌ فإن تأويـله أنهن طهرن من كل أذى وقَذًى وريبة, مـما يكون فـي نساء أهل الدنـيا من الـحيض والنفـاس والغائط والبول والـمخاط والبصاق والـمنـيّ, وما أشبه ذلك من الأذى والأدناس والريب والـمكاره. كما:
326ـ حدثنا به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر. ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم, أما أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ فإنهن لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنـخمن.
327ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنا معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ يقول: مطهرة من القذر والأذى.
328ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا يحيى القطان, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: ولَهُمْ فِـيهَا أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: لا يبلن ولا يتغوّطن ولا يَـمْذِين.
329ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد نـحوه, إلا أنه زاد فـيه: ولا يُـمنـين ولا يحضن.
330ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَلَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: مطهرة من الـحيض والغائط والبول والنـخام والبزاق والـمنـيّ والولد.
وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: حدثنا ابن الـمبـارك, عن ابن جريج, عن مـجاهد مثله.
331ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: لا يبلن ولا يتغوّطن, ولا يحضن, ولا يـلدن, ولا يـمنـين, ولا يبزقن.
أخبرنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد نـحو حديث مـحمد بن عمرو, عن أبـي عاصم.
332ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة: وَلَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ إي والله من الإثم والأذى.
333ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَلَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: طهرهن الله من كل بول وغائط وقذر, ومن كل مأثم.
334ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن قتادة قال: مطهرة من الـحيض, والـحبل, والأذى.
335ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنـي ابن أبـي جعفر عن أبـيه, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: الـمطهرة من الـحيض والـحبل.
336ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, عن عبد الرحمن بن زيد: وَلَهُمْ فـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: الـمطهرة: التـي لا تـحيض قال: وأزواج الدنـيا لـيست بـمطهرة, ألا تراهن يدمين ويتركن الصلاة والصيام؟ قال ابن زيد: وكذلك خـلقت حوّاء حتـى عصت, فلـما عصت قال الله: إنـي خـلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة.
337ـ وحدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع عن الـحسن فـي قوله وَلَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: يقول: مطهرة من الـحيض.
حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: حدثنا خالد بن يزيد, قال: حدثنا أبو جعفر الرازي, عن الربـيع بن أنس, عن الـحسن فـي قوله: وَلَهُمْ فـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: من الـحيض.
338ـ وحدثنا عمرو, قال: حدثنا أبو معاوية, قال: حدثنا ابن جريج, عن عطاء قوله: لَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: من الولد والـحيض والغائط والبول, وذكر أشياء من هذا النـحو.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَهُمْ فـيها خالدُونَ.
قال أبو جعفر: يعنـي تعالـى ذكره بذلك: والذين آمنوا وعملوا الصالـحات فـي الـجنات خالدون, فـالهاء والـميـم من قوله وَهُمْ عائدة علـى الذين آمنوا وعملوا الصالـحات, والهاء والألف فـي «فـيها» علـى الـجنات, وخـلودهم فـيها: دوام بقائهم فـيها علـى ما أعطاهم الله فـيها من الـحَبْرَة والنعيـم الـمقـيـم.
الآية : 26
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{إِنّ اللّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنّهُ الْحَقّ مِن رّبّهِمْ وَأَمّا الّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللّهُ بِهَـَذَا مَثَلاً يُضِلّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلّ بِهِ إِلاّ الْفَاسِقِينَ }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي أنزل الله جل ثناؤه فـيه هذه الآية وفـي تأويـلها.
فقال بعضهم بـما:
339ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: لـما ضرب الله هذين الـمثلـين للـمنافقـين, يعنـي قوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا وقوله: أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السّماءِ الاَيات الثلاث, قال الـمنافقون: الله أعلـى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال. فأنزل الله إنّ اللّهَ لا يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مّا بَعُوضَةً إلـى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الـخَاسِرُونَ.
وقال آخرون بـما:
340ـ حدثنـي به أحمد بن إبراهيـم, قال: حدثنا قُراد عن أبـي جعفر الرازي, عن الربـيع بن أنس, فـي قوله تعالـى: إنّ اللّهَ لا يَسْتَـحِيِـي أنْ يَضرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةٌ فَمَا فَوْقَهَا قال: هذا مثل ضربه الله للدنـيا, إن البعوضة تـحيا ما جاعت, فإذا سمنت ماتت, وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب الله لهم هذا الـمثل فـي القرآن, إذا امتلئوا من الدنـيا رِيّا أخذهم الله عند ذلك. قال: ثم تلا فلَـمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ فَتَـحْنَا عَلَـيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ الآية.
341ـ وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس بنـحوه, إلا أنه قال: فإذا خـلت آجالهم, وانقطعت مدتهم, صاروا كالبعوضة تـحيا ما جاعت وتـموت إذا رويت فكذلك هؤلاء الذين ضرب الله لهم هذا الـمثل إذا امتلئوا من الدنـيا ريّا أخذهم الله فأهلكهم, فذلك قوله: حَتّـى إذَا فَرِحُوا بِـمَا أُوتُوا أخَذْناهُمْ بَغْتَةً فإذا هُمْ مُبْلِسُونَ.
وقال آخرون بـما:
342ـ حدثنا به بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة قوله: إن اللّهَ لا يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا أي إن الله لا يستـحيـي من الـحقّ أن يذكر منه شيئا ما قل منه أو كثر. إن الله حين ذكر فـي كتابه الذبـاب والعنكبوت, قال أهل الضلالة: ما أراد الله من ذكر هذا؟ فأنزل الله: إنّ اللّهَ لا يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا.
وحدثنا الـحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: لـما ذكر الله العنكبوت والذبـاب, قال الـمشركون: ما بـال العنكبوت والذبـاب يذكران؟ فأنزل الله: إنّ اللّهَ لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَها.
وقد ذهب كل قائل مـمن ذكرنا قوله فـي هذه الآية وفـي الـمعنى الذي نزلت فـيه مذهبـا, غير أن أولـى ذلك بـالصواب وأشبهه بـالـحقّ ما ذكرنا من قول ابن مسعود وابن عبـاس. وذلك أن الله جل ذكره أخبر عبـاده أنه لا يستـحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها عقـيب أمثال قد تقدمت فـي هذه السورة ضربها للـمنافقـين دون الأمثال التـي ضربها فـي سائر السور غيرها. فلأن يكون هذا القول, أعنـي قوله: إنّ اللّهَ لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما جوابـا لنكير الكفـار والـمنافقـين ما ضُرب لهم من الأمثال فـي هذه السورة أحقّ وأولـى من أن يكون ذلك جوابـا لنكيرهم ما ضرب لهم من الأمثال فـي غيرها من السور.
فإن قال قائل: إنـما أوجب أن يكون ذلك جوابـا لنكيرهم ما ضرب من الأمثال فـي سائر السور لأن الأمثال التـي ضربها الله لهم ولاَلهتهم فـي سائر السور أمثال موافقة الـمعنى, لـما أخبر عنه أنه لا يستـحي أن يضربه مثلاً, إذْ كان بعضها تـمثـيلاً لاَلهتهم بـالعنكبوت وبعضها تشبـيها لها فـي الضعف والـمهانة بـالذبـاب, ولـيس ذكر شيء من ذلك بـموجود فـي هذه السورة فـيجوز أن يقال: إن الله لا يستـحيـي أن يضرب مثلاً ما فإن ذلك بخلاف ما ظن, وذلك أن قول الله جل ثناؤه: إنّ اللّهَ لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا إنـما هو خبر منه جل ذكره أنه لا يستـحيـي أن يضرب فـي الـحقّ من الأمثال صغيرها وكبـيرها ابتلاءً بذلك عبـاده واختبـارا منه لهم لـيـميز به أهل الإيـمان والتصديق به من أهل الضلال والكفر به, إضلالاً منه به لقوم وهداية منه به لاَخرين كما:
343ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: مَثَلاً مَا بَعُوضَةً يعنـي الأمثال صغيرها وكبـيرها, يؤمن بها الـمؤمنون, ويعلـمون أنها الـحقّ من ربهم, ويهديهم الله بها, ويضلّ بها الفـاسقـين. يقول: يعرفه الـمؤمنون فـيؤمنون به, ويعرفه الفـاسقون فـيكفرون به.
وحدثنـي الـمثنى, قال حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بـمثله.
وحدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد مثله.
قال أبو جعفر: لا أنه جل ذكره قصد الـخبر عن عين البعوضة أنه لا يستـحيـي من ضرب الـمثل بها, ولكن البعوضة لـما كانت أضعف الـخـلق كما:
344ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قتادة, قال: البعوضة أضعف ما خـلق الله.
345ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج بنـحوه. خصها الله بـالذكر فـي القلة, فأخبر أنه لا يستـحيـي أن يضرب أقلّ الأمثال فـي الـحقّ وأحقرها وأعلاها إلـى غير نهاية فـي الارتفـاع جوابـا منه جل ذكره لـمن أنكر من منافقـي خـلقه ما ضرب لهم من الـمثل بـموقد النار والصيّب من السماء علـى ما نَعَتهما به من نَعْتهما.
فإن قال لنا قائل: وأين ذكر نكير الـمنافقـين الأمثال التـي وصفت الذي هذا الـخبر جوابه, فنعلـم أن القول فـي ذلك ما قلت؟ قـيـل: الدلالة علـى ذلك بـينها جلّ ذكره فـي قوله: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ وأمّا الّذِينَ كَفَرُوا فَـيَقُولُونَ ماذَا أرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلاً وأن القوم الذين ضرب لهم الأمثال فـي الاَيتـين الـمقدمتـين, اللتـين مثّل ما علـيه الـمنافقون مقـيـمون فـيهما بـمُوقِدِ النار وبـالصيب من السماء علـى ما وصف من ذلك قبل قوله: إنّ اللّهَ لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً قد أنكروا الـمثل وقالوا: ماذَا أرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلاً, فأوضح خطأ قـيـلهم ذلك, وقبح لهم ما نطقوا به وأخبرهم بحكمهم فـي قـيـلهم ما قالوا منه, وأنه ضلال وفسوق, وأن الصواب والهدى ما قاله الـمؤمنون دون ما قالوه.
وأما تأويـل قوله: إنّ اللّهَ لاَ يَسْتَـحْيِـي فإن بعض الـمنسوبـين إلـى الـمعرفة بلغة العرب كان يتأول معنى: إنّ اللّهَ لاَ يَسْتَـحْيِـي إن الله لا يخشى أن يضرب مثلاً, ويستشهد علـى ذلك من قوله بقول الله تعالـى: وَتَـخْشَى الناسَ وَاللّهُ أحَقّ أنْ تَـخْشاهُ ويزعم أن معنى ذلك: وتستـحي الناسَ والله أحقّ أن تستـحيه فـيقول: الاستـحياء بـمعنى الـخشية, والـخشية بـمعنى الاستـحياء.
وأما معنى قوله: أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً فهو أن يبـين ويصف, كما قال جل ثناؤه: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ بـمعنى وصف لكم, وكما قال الكميت:
وذَلِكَ ضَرْبُ أخْماسٍ أُرِيدَتْلأِسْدَاسٍ عَسَى أنْ لا تَكُونا
بـمعنى وصف أخماس. والـمثل: الشبه, يقال: هذا مَثَلُ هذا ومِثْلُه, كما يقال: شَبَهُه وشِبْهُه, ومنه قول كعب بن زهير:
كانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلاًوَمَا مَوَاعِيدُها إلاّ الأبـاطِيـلُ
يعنـي شَبَها.
فمعنى قوله إذا: إنّ اللّهَ لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً: إن الله لا يخشى أن يصف شبها لـما شبه به وأما «ما» التـي مع «مثل» فإنها بـمعنى «الذي», لأن معنى الكلام: إن الله لا يستـحيـي أن يضرب الذي هو بعوضة فـي الصغر والقلة فما فوقها مثلاً.
فإن قال لنا قائل: فإن كان القول فـي ذلك كما قلت فما وجه نصب البعوضة, وقد علـمت أن تأويـل الكلام علـى ما تأوّلت: إنّ اللّهَ لاَ يَسْتَـحْيِـي أن يَضْرِبَ مَثَلاً الذي هو بعوضة, فـالبعوضة علـى قولك فـي مـحل الرفع, فأنّى أتاها النصب؟ قـيـل: أتاها النصب من وجهين: أحدهما أن ما لـما كانت فـي مـحل نصب بقوله: يَضْرِب وكانت البعوضة لها صلة أعربت بتعريبها فألزمت إعرابها كما قال حسان بن ثابت:
وكَفَـى بِنا فَضْلاً علـى مَنْ غَيْرِناحُبّ النّبِـيّ مُـحَمّدٍ إيّانا
فعرّبت غير بإعراب «مَنْ», فـالعرب تفعل ذلك خاصة فـي «من» و«ما» تعرب صلاتهما بإعرابهما لأنهما يكونان معرفة أحيانا ونكرة أحيانا.
وأما الوجه الاَخر, فأن يكون معنى الكلام: إن الله لا يستـحيـي أن يضرب مثلاً ما بـين بعوضة إلـى ما فوقها, ثم حذف ذكر «بـين» و«إلـى», إذ كان فـي نصب البعوضة ودخول الفـاء فـي «ما» الثانـية دلالة علـيهما, كما قالت العرب: «مُطرنا ما زبـالة فـالثعلبـية», و«له عشرون ما ناقة فجملاً», و«هي أحسن الناس ما قرنا فقدما», يعنون: ما بـين قرنها إلـى قدمها, وكذلك يقولون فـي كل ما حسن فـيه من الكلام دخول «ما بـين كذا إلـى كذا», ينصبون الأول والثانـي لـيدلّ النصب فـيهما علـى الـمـحذوف من الكلام. فكذلك ذلك فـي قوله: ما بعوضة فما فوقها.
وقد زعم بعض أهل العربـية أن «ما» التـي مع الـمَثَل صلة فـي الكلام بـمعنى التطوّل, وأن معنى الكلام: إن الله لا يستـحيـي أن يضرب بعوضة مثلاً فما فوقها. فعلـى هذا التأويـل يجب أن تكون بعوضة منصوبة ب«يضرب», وأن تكون «ما» الثانـية التـي فـي «فما فوقها» معطوفة علـى البعوضة لا علـى «ما».
وأما تأويـل قوله: فَمَا فَوْقَهَا: فما هو أعظم منها عندي لـما ذكرنا قبل من قول قتادة وابن جريج أن البعوضة أضعف خـلق الله, فإذا كانت أضعف خـلق الله فهي نهاية فـي القلة والضعف, وإذ كانت كذلك فلا شك أن ما فوق أضعف الأشياء لا يكون إلا أقوى منه, فقد يجب أن يكون الـمعنى علـى ما قالاه فما فوقها فـي العظم والكبر, إذ كانت البعوضة نهاية فـي الضعف والقلة.
وقـيـل فـي تأويـل قوله: فَمَا فَوْقَها فـي الصغر والقلة, كما يقال فـي الرجل يذكره الذاكر فـيصفه بـاللؤم والشحّ, فـيقول السامع: نعم, وفوق ذاك, يعنـي فوق الذي وصف فـي الشحّ واللؤم. وهذا قول خلاف تأويـل أهل العلـم الذين تُرتضى معرفتهم بتأويـل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:31 am

القرآن, فقد تبـين إذا بـما وصفنا أن معنى الكلام: إن الله لا يستـحيـي أن يصف شبها لـما شبه به الذي هو ما بـين بعوضة إلـى ما فوق البعوضة. فأما تأويـل الكلام لو رفعت البعوضة فغير جائز فـي ما إلا ما قلنا من أن تكون اسما لا صلة بـمعنى التطول.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَأما الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ وأما الّذِينَ كَفَروا فَـيَقُولُونَ ماذَا أرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً.
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله جل ذكره: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فأما الذين صدقوا الله ورسوله. وقوله: فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ يعنـي فـيعرفون أن الـمثل الذي ضربه الله لـما ضربه له مثل. كما.
346ـ حدثنـي به الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ أن هذا الـمثل الـحق من ربهم أنه كلام الله ومن عنده. وكما:
347ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة, قوله: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ: أي يعلـمون أنه كلام الرحمن وأنه الـحقّ من الله.
وأمّا الّذِينَ كَفَرُوا فَـيَقُولُونَ ماذَا أرَادَ اللّهُ بِهَذا مَثَلاً قال أبو جعفر: وقوله: وأما الّذِينَ كَفَرُوا يعنـي الذين جحدوا آيات الله وأنكروا ما عرفوا وستروا ما علـموا أنه حقّ. وذلك صفة الـمنافقـين, وإياهم عنى الله جل وعزّ ومن كان من نظرائهم وشركائهم من الـمشركين من أهل الكتاب وغيرهم بهذه الآية, فـيقولون: ماذا أراد الله بهذا مثلاً, كما قد ذكرنا قبل من الـخبر الذي رويناه عن مـجاهد الذي.
348ـ حدثنا به مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَق مِنْ رَبّهِمْ الآية, قال: يؤمن بها الـمؤمنون, ويعلـمون أنها الـحقّ من ربهم, ويهديهم الله بها ويضلّ بها الفـاسقون. يقول: يعرفه الـمؤمنون فـيؤمنون به, ويعرفه الفـاسقون فـيكفرون به.
وتأويـل قوله: ماذَا أرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً ما الذي أراد الله بهذا الـمثل مثلاً, ف«ذا» الذي مع «ما» فـي معنى «الذي» وأراد صلته, وهذا إشارة إلـى الـمثل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يضلّ به كَثِـيرا ويَهْدِي بِهِ كَثِـيرا.
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله جل وعزّ: يُضِلّ بِهِ كَثِـيرا يضلّ الله به كثـيرا من خـلقه, والهاء فـي «به» من ذكر الـمثل. وهذا خبر من الله جل ثناؤه مبتدأ, ومعنى الكلام: أن الله يضلّ بـالـمثل الذي يضرّبه كثـيرا من أهل النفـاق والكفر. كما:
349ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: يُضِلّ بِهِ كَثِـيرا يعنـي الـمنافقـين, وَيَهْدِي بِهِ كَثِـيرا يعنـي الـمؤمنـين فـيزيد هؤلاء ضلالاً إلـى ضلالهم لتكذيبهم بـما قد علـموه حقا يقـينا من الـمثل الذي ضربه الله لـما ضربه له وأنه لـما ضربه له موافق, فذلك إضلال الله إياهم به. ويهدي به يعنـي بـالـمثل كثـيرا من أهل الإيـمان والتصديق, فـيزيدهم هدى إلـى هداهم وإيـمانا إلـى إيـمانهم, لتصديقهم بـما قد علـموه حقا يقـينا أنه موافق ما ضربه الله له مثلاً وإقرارهم به, وذلك هداية من الله لهم به.
وقد زعم بعضهم أن ذلك خبر عن الـمنافقـين, كأنهم قالوا: ماذا أراد الله بـمثل لا يعرفه كل أحد يضلّ به هذا ويهدي به هذا. ثم استؤنف الكلام والـخبر عن الله فقال الله: وَما يُضِلّ بِهِ إِلاّ الفـاسِقِـينَ وفـيـما فـي سورة الـمدثر من قول الله: وَلِـيَقُولَ الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ ماذَا أرَادَ اللّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلّ اللّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ما ينبىء عن أنه فـي سورة البقرة كذلك مبتدأ, أعنـي قوله: يُضِلّ بِهِ كَثِـيرا وَيَهْدِي بِهِ كَثِـيرا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما يُضِلِ بِهِ إِلاّ الفَـاسِقِـينَ.
وتأويـل ذلك ما:
350ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: وَما يُضِلّ بِهِ إِلاّ الفَـاسِقِـينَ: هم الـمنافقون.
351ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: وَمَا يُضِلّ بِهِ إِلاّ الفَـاسِقِـينَ فسقوا فأضلهم الله علـى فسقهم.
352ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: وَما يُضِل بِهِ إِلاّ الفَـاسِقِـينَ: هم أهل النفـاق.
قال أبو جعفر: وأصل الفسق فـي كلام العرب: الـخروج عن الشيء, يقال منه: فسقت الرطبة, إذا خرجت من قشرها ومن ذلك سميت الفأرة فويسقة, لـخروجها عن جحرها. فكذلك الـمنافق والكافر سُميا فـاسقـين لـخروجهما عن طاعة ربهما, ولذلك قال جل ذكره فـي صفة إبلـيس: إلاّ إبْلِـيسَ كَانَ مِنَ الـجنّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ يعنـي به: خرج عن طاعته واتبـاع أمره. كما:
353ـ حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنـي ابن إسحاق عن داود بن الـحصين, عن عكرمة مولـى ابن عبـاس, عن ابن عبـاس فـي قوله: بِـمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ أي بـما بعدوا عن أمري.
فمعنى قوله: وَمَا يُضِلِ بِهِ إِلاّ الفـاسِقِـينَ: وما يضلّ الله بـالـمثل الذي يضربه لأهل الضلال والنفـاق إلا الـخارجين عن طاعته والتاركين اتبـاع أمره من أهل الكفر به من أهل الكتاب وأهل الضلال من أهل النفـاق.
الآية : 27
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{الّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَـَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
قال أبو جعفر: وهذا وصف من الله جل ذكره الفـاسقـين الذين أخبر أنه لا يضلّ بـالـمثل الذي ضربه لأهل النفـاق غيرهم, فقال: ومَا يُضِلّ اللّهُ بـالـمثل الذي يضربه علـى ما وصف قبل فـي الاَيات الـمتقدمة إلا الفـاسقـين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه.
ثم اختلف أهل الـمعرفة فـي معنى العهد الذي وصف الله هؤلاء الفـاسقـين بنقضه, فقال بعضهم: هو وصية الله إلـى خـلقه, وأمره إياهم بـما أمرهم به من طاعته, ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته فـي كتبه وعلـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم, ونقضهم ذلك تركهم العمل به.
وقال آخرون: إنـما نزلت هذه الاَيات فـي كفـار أهل الكتاب والـمنافقـين منهم, وإياهم عنى الله جل ذكره بقوله: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَـيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ وبقوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِـاللّهِ وَبـالْـيَوْمِ الاَخِرِ فكل ما فـي هذه الاَيات فعذل لهم وتوبـيخ إلـى انقضاء قصصهم. قالوا: فعهد الله الذي نقضوه بعد ميثاقه: هو ما أخذه الله علـيهم فـي التوراة من العمل بـما فـيها, واتبـاع مـحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث, والتصديق به وبـما جاء به من عند ربهم. ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقـيقته, وإنكارهم ذلك, وكتـمانهم علـم ذلك عن الناس, بعد إعطائهم الله من أنفسهم الـميثاق لـيبـيننه للناس ولا يكتـمونه. فأخبر الله جل ثناؤه أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قلـيلاً.
وقال بعضهم: إن الله عنى بهذه الآية جميع أهل الشرك والكفر والنفـاق وعهده إلـى جميعهم فـي توحيده ما وضع لهم من الأدلة الدالز علـى ربوبـيته وعهده إلـيهم فـي أمره ونهيه ما احتـج به لرسله من الـمعجزات التـي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتـي بـمثلها الشاهدة لهم علـى صدقهم. قالوا: ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بـما قد تبـينت لهم صحته بـالأدلة, وتكذيبهم الرسل والكتب, مع علـمهم أن ما أتوا به حق.
وقال آخرون: العهد الذي ذكره الله جل ذكره, هو العهد الذي أخذه علـيهم حين أخرجهم من صلب آدم, الذي وصفه فـي قوله: وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِـي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وأشْهَدَهُمْ علـى أنْفُسِهِمْ الاَيتـين, ونقضُهم ذلك, تركهم الوفـاء به. وأولـى الأقوال عندي بـالصواب فـي ذلك, قول من قال: إن هذه الاَيات نزلت فـي كفـار أحبـار الـيهود الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما قرب منها من بقايا بنـي إسرائيـل, ومن كان علـى شركه من أهل النفـاق الذين قد بـينا قصصهم فـيـما مضى من كتاب هذا. وقد دللنا علـى أن قول الله جل ثناؤه: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَـيْهِمْ وقوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِـاللّهِ وَبـالْـيَوْمِ الاَخِرِ فـيهم أنزلت, وفـيـمن كان علـى مثل الذي هم علـيه من الشرك بـالله. غير أن هذه الاَيات عندي وإن كانت فـيهم نزلت, فإنه معنـيّ بها كل من كان علـى مثل ما كانوا علـيه من الضلال, ومعنـيّ بـما وافق منها صفة الـمنافقـين خاصةً جميعُ الـمنافقـين, وبـما وافق منها صفة كفـار أحبـار الـيهود جميع من كان لهم نظيرا فـي كفرهم. وذلك أن الله جل ثناؤه يعمّ أحيانا جميعهم بـالصفة لتقديـمه ذكر جميعها فـي أول الاَيات التـي ذكرتْ قصصهم, ويخصّ أحيانا بـالصفة بعضهم لتفصيـله فـي أول الاَيات بـين فريقـيهم, أعنـي فريق الـمنافقـين من عبدة الأوثان وأهل الشرك بـالله, وفريق كفـار أحبـار الـيهود, فـالذين ينقضون عهد الله: هم التاركون ما عهد الله إلـيهم من الإقرار بـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به وتبـيـين نبوّته للناس الكاتـمون بـيان ذلك بعد علـمهم به وبـما قد أخذ الله علـيهم فـي ذلك, كما قال الله جل ذكره: وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثاقَ الّذِينَ أوتُوا الكِتابَ لَتُبَـيّنُنّهُ للنّاسِ ولا تَكْتُـمُونَهُ فَنبذوهُ وراءَ ظهُورهِمْ ونبذهم ذلك وراء ظهورهم: هو نقضهم العهد الذي عهد إلـيهم فـي التوراة الذي وصفناه, وتَرْكُهم العمل به.
وإنـما قلت: إنه عنى بهذه الاَيات من قلت إنه عَنَى بها, لأن الاَيات من ابتداء الاَيات الـخمس والستّ من سورة البقرة فـيهم نزلت إلـى تـمام قصصهم, وفـي الآية التـي بعد الـخبر عن خـلق آدم وبـيانه فـي قوله: يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ اذْكُروا نِعْمَتِـي الّتِـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ وأوْفُوا بِعَهْدِي أوفِ بِعَهْدِكُمْ وخطابه إياهم جلّ ذكره بـالوفـاء فـي ذلك خاصة دون سائر البشر ما يدلّ علـى أن قوله: الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ مقصود به كفـارهم ومنافقوهم, ومن كان من أشياعهم من مشركي عبدة الأوثان علـى ضلالهم. غير أن الـخطاب وإن كان لـمن وصفت من الفريقـين فداخـل فـي أحكامهم وفـيـما أوجب الله لهم من الوعيد والذمّ والتوبـيخ كل من كان علـى سبـيـلهم ومنهاجهم من جميع الـخـلق وأصناف الأمـم الـمخاطبـين بـالأمر والنهي. فمعنى الآية إذا: وما يضلّ به إلا التاركين طاعة الله, الـخارجين عن اتبـاع أمره ونهيه, الناكثـين عهود الله التـي عهدها إلـيهم فـي الكتب التـي أنزلها إلـى رسله وعلـى ألسن أنبـيائه بـاتبـاع أمر رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به, وطاعة الله فـيـما افترض علـيهم فـي التوراة من تبـيـين أمره للناس, وإخبـارهم إياهم أنهم يجدونه مكتوبـا عندهم أنه رسول من عند الله مفترضة طاعته وترك كتـمان ذلك لهم. ونَكْثُهم ذلك ونَقْضُهم إياه, هو مخالفتهم الله فـي عهده إلـيهم فـيـما وصفت أنه عهد إلـيهم بعد إعطائهم ربهم الـميثاق بـالوفـاء بذلك كما وصفهم به جل ذكره بقوله: فَخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ وَرِثُوا الكِتابَ يأخُذونَ عَرَضَ هَذَا الأدنى ويَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإنْ يأتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يأخُذُوهُ ألَـمْ يُؤْخَذْ عَلَـيْهِمْ مِيثاقُ الكِتابِ أنْ لا يَقُولُوا علـى اللّهِ إلاّ الـحَقّ.
وأما قوله: مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ فإنه يعنـي من بعد توثق الله فـيه بأخذ عهوده بـالوفـاء له بـما عهد إلـيهم فـي ذلك, غير أن التوثق مصدر من قولك: توثقت من فلان توثّقا, والـميثاق اسم منه, والهاء فـي الـميثاق عائدة علـى اسم الله.
وقد يدخـل فـي حكم هذه الآية كل من كان بـالصفة التـي وصف الله بها هؤلاء الفـاسقـين من الـمنافقـين والكفـار فـي نقض العهد وقطع الرحم والإفساد فـي الأرض. كما:
354ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة قوله: الّذِينَ يَنْقُضونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ فإياكم ونقض هذا الـميثاق, فإن الله قد كره نقضه وأوعد فـيه وقدم فـيه فـي آي القرآن حجة وموعظة ونصيحة, وإنا لا نعلـم الله جل ذكره أوعد فـي ذنب ما أوعد فـي نقض الـميثاق, فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فلـيف به لله.
355ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ الله بِهِ أنْ يُوصَلَ ويُفْسِدُونَ فـي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الـخَاسِرُونَ فهي ست خلال فـي أهل النفـاق إذا كانت لهم الظّهَرَة أظهروا هذه الـخلال الستّ جميعا: إذا حدّثوا كذبوا, وإذا وعدوا أخـلفوا, وإذا اؤتـمنوا خانوا, ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه, وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل, وأفسدوا فـي الأرض. وإذا كانت علـيهم الظّهَرَة أظهروا الـخلال الثلاث: إذا حدّثوا كذبوا, وإذا وعدوا أخـلفوا, وإذا اؤتـمنوا خانوا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ويَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ.
قال أبو جعفر: والذي رغب الله فـي وصله وذمّ علـى قطعه فـي هذه الآية: الرحم, وقد بـين ذلك فـي كتابه فقال تعالـى: فَهَلْ عَسَيْتُـمْ إنْ تَوَلّـيْتُـمْ أنْ تُفْسِدُوا فِـي الأرْضِ وتُقَطّعُوا أرْحَامَكُمْ وإنـما عنى بـالرحم: أهل الرجل الذين جمعتهم وإياه رحم والدة واحدة, وقطع ذلك ظلـمه فـي ترك أداء ما ألزم الله من حقوقها وأوجب من برّها ووصلها أداء الواجب لها إلـيها: من حقوق الله التـي أوجب لها, والتعطف علـيها بـما يحقّ التعطف به علـيها. و«أن» التـي مع «يوصل» فـي مـحل خفض بـمعنى ردّها علـى موضع الهاء التـي فـي «به» فكان معنى الكلام: ويقطعون الذي أمر الله بأن يوصل. والهاء التـي فـي «به» هي كناية عن ذكر «أن يوصل».
وبـما قلنا فـي تأويـل قوله: ويَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ وأنه الرحم كان قتادة يقول:
356ـ حدثنا بشر بن معاذ. قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة: وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ فقطع والله ما أمر الله به أن يوصل بقطيعة الرحم والقرابة.
وقد تأوّل بعضهم ذلك أن الله ذمهم بقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين به وأرحامهم, واستشهد علـى ذلك بعموم ظاهر الآية, وأن لا دلالة علـى أنه معنـيّ بها: بعض ما أمر الله بوصله دون بعض.
قال أبو جعفر: وهذا مذهب من تأويـل الآية غير بعيد من الصواب, ولكن الله جل ثناؤه قد ذكر الـمنافقـين فـي غير آية من كتابه, فوصفهم بقطع الأرحام. فهذه نظيرة تلك, غير أنها وإن كانت كذلك فهي دالة علـى ذمّ الله كل قاطع قطع ما أمر الله بوصله رحما كانت أو غيرها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ويُفْسِدُونَ فـي الأرْضِ.
قال أبو جعفر: وفسادهم فـي الأرض هو ما تقدم وَصْفُنَاه قبل من معصيتهم ربهم وكفرهم به, وتكذيبهم رسوله, وجحدهم نبوّته, وإنكارهم ما أتاهم به من عند الله أنه حق من عنده.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أُولَئِكَ هُمُ الـخاسِرُونَ.
قال أبو جعفر: والـخاسرون جمع خاسر, والـخاسرون: الناقصون أنفسهم حظوظها بـمعصيتهم الله من رحمته, كما يخسر الرجل فـي تـجارته بأن يوضَع من رأس ماله فـي بـيعه. فكذلك الكافر والـمنافق خسر بحرمان الله إياه رحمته التـي خـلقها لعبـاده فـي القـيامة أحوج ما كان إلـى رحمته, يقال منه: خَسِرَ الرجل يَخْسَر خَسْرا وخُسْرانا وخَسَارا, كما قال جرير بن عطية:
إنّ سَلِـيطا فِـي الـخسَارِ إنّهْأوْلادُ قَوْمٍ خُـلِقُوا أقِنّهْ
يعنـي بقوله فـي الـخسار: أي فـيـما يوكسهم حظوظهم من الشرف والكرم.
وقد قـيـل: إن معنى أُولَئِكَ هُمُ الـخاسِرُونَ: أولئك هم الهالكون. وقد يجوز أن يكون قائل ذلك أراد ما قلنا من هلاك الذي وصف الله صفته بـالصفة التـي وصفه بها فـي هذه الآية بحرمان الله إياه ما حرمه من رحمته بـمعصيته إياه وكفره به. فحمل تأويـل الكلام علـى معناه دون البـيان عن تأويـل عين الكلـمة بعينها, فإن أهل التأويـل ربـما فعلوا ذلك لعلل كثـيرة تدعوهم إلـيه.
وقال بعضهم فـي ذلك بـما:
357ـ حدثت به عن الـمنـجاب. قال: حدثنا بشر بن عمارة عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: كل شيء نسبه الله إلـى غير أهل الإسلام من اسم مثل «خاسر», فإنـما يعنـي به الكفر, وما نسبه إلـى أهل الإسلام فإنـما يعنـي به الذنب.
الآية : 28
====== !!!! يوجد خطأ فى البرنامج !!! =========
الآية : 29
تأويل قوله تعالى:{هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ مّا فِي الأرْضِ جَمِيعاً ثُمّ اسْتَوَىَ إِلَى السّمَآءِ فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
فأخبرهم جل ذكره أنه خـلق لهم ما فـي الأرض جميعا, لأن الأرض وجميع ما فـيها لبنـي آدم منافع. أما فـي الدين فدلـيـل علـى وحدانـية ربهم, وأما فـي الدنـيا فمعاش وبلاغ لهم إلـى طاعته وأداء فرائضه فلذلك قال جل ذكره: هُوَ الّذِي خَـلَقَ لَكُمْ ما فِـي الأرْضِ جَمِيعا. وقوله: «هو» مكنى من اسم الله جل ذكره, عائد علـى اسمه فـي قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِـاللّهِ. ومعنى خـلقه ما خـلق جل ثناؤه: إنشاؤه عينه, وإخراجه من حال العدم إلـى الوجود. و«ما» بـمعنى «الذي». فمعنى الكلام إذا: كيف تكفرون بـالله وقد كنتـم نطفـا فـي أصلاب آبـائكم, فجعلكم بشرا أحياء, ثم يـميتكم, ثم هو مـحيـيكم بعد ذلك, وبـاعثكم يوم الـحشر للثواب والعقاب, وهو الـمنعم علـيكم بـما خـلق لكم فـي الأرض من معايشكم وأدلتكم علـى وحدانـية ربكم. و«كيف» بـمعنى التعجب والتوبـيخ لا بـمعنى الاستفهام, كأنه قال: ويحكم كيف تكفرون بـالله, كما قال: فأين تذهبون. وحل قوله: وكُنْتُـمْ أمْوَاتا فأحْياكُمْ مـحلّ الـحال, وفـيه إضمار «قد», ولكنها حذفت لـما فـي الكلام من الدلـيـل علـيها. وذلك أن «فعل» إذا حلت مـحلّ الـحال كان معلوما أنها مقتضية «قد», كما قال جل ثناؤه: أوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ بـمعنى: قد حصرت صدورهم. وكما تقول للرجل: أصبحت كثرت ماشيتك, تريد: قد كثرت ماشيتك.
وبنـحو الذي قلنا فـي قوله: هوَ الّذِي خَـلَقَ لَكُمْ ما فِـي الأرْضِ جَمِيعا كان قتادة يقول:
368ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد, عن قتادة قوله: هُوَ الّذِي خَـلَقَ لَكُمْ ما فِـي الأرْضِ جَمِيعا نعم والله سخر لكم ما فـي الأرض.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ثُم اسْتَوَى إلـى السّمَاءِ فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَواتٍ.
قال أبو جعفر: اختلف فـي تأويـل قوله: ثُمّ اسْتَوَى إلـى السّماءِ فقال بعضهم: معنى استوى إلـى السماء, أقبل علـيها, كما تقول: كان فلان مقبلاً علـى فلان ثم استوى علـيّ يشاتـمنـي واستوى إلـيّ يشاتـمنـي, بـمعنى: أقبل علـيّ وإلـيّ يشاتـمنـي. واستشهد علـى أن الاستواء بـمعنى الإقبـال بقول الشاعر:
أقُولُ وَقَدْ قَطَعْنَ بِنا شَرَوْرَىسَوَامِدَ وَاسْتَوَيْنَ مِنَ الضّجُوعِ
فزعم أنه عنى به أنهن خرجن من الضّجوع, وكان ذلك عنده بـمعنى أقبلن. وهذا من التأويـل فـي هذا البـيت خطأ, وإنـما معنى قوله: «واستوين من الضجوع» عندي: استوين علـى الطريق من الضجوع خارجات, بـمعنى استقمن علـيه.
وقال بعضهم: لـم يكن ذلك من الله جل ذكره بتـحوّل, ولكنه بـمعنى فعله, كما تقول: كان الـخـلـيفة فـي أهل العراق يوالـيهم ثم تـحوّل إلـى الشام, إنـما يريد تـحوّل فعله.
وقال بعضهم: قوله ثُمّ اسْتَوَى إلـى السّمَاءِ يعنـي به: استوت, كما قال الشاعر:
أقُولُ لَهُ لَـمّا اسْتَوَى فـي تُرَابِهِعلـى أيّ دِينٍ قَتّلَ الناسَ مُصْعَبُ
وقال بعضهم: ثُمّ اسْتَوَى إلـى السّماءِ: عمد إلـيها. وقال: بل كل تارك عملاً كان فـيه إلـى آخره فهو مستو لـما عمد ومستو إلـيه.
وقال بعضهم: الاستواء: هو العلوّ, والعلوّ: هو الارتفـاع.
ومـمن قال ذلك الربـيع بن أنس.
369ـ حدثت بذلك عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: ثُمّ اسْتَوَى إلـى السّماءِ يقول: ارتفع إلـى السماء.
ثم اختلف متأوّلو الاستواء بـمعنى العلوّ والارتفـاع فـي الذي استوى إلـى السماء, فقال بعضهم: الذي استوى إلـى السماء وعلا علـيها: هو خالقها ومنشئها.
وقال بعضهم: بل العالـي إلـيها الدخان الذي جعله الله للأرض سماء.
قال أبو جعفر: الاستواء فـي كلام العرب منصرف علـى وجوه: منها انتهاء شبـاب الرجل وقوّته, فـيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل, ومنها استقامة ما كان فـيه أَوَدٌ من الأمور والأسبـاب, يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له بعد أود. ومنه قول الطرماح بن حكيـم:
طالَ علـى رَسْمٍ مَهْدَدٍ أبَدُهْوعَفـا واسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:32 am

يعنـي: استقام به.
ومنها الإقبـال علـى الشيء بـالفعل, كما يقال: استوى فلان علـى فلان بـما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إلـيه. ومنها الاحتـياز والاستـيلاء كقولهم: استوى فلان علـى الـمـملكة, بـمعنى احتوى علـيها وحازها. ومنها العلوّ والارتفـاع, كقول القائل: استوى فلان علـى سريره, يعنـي به علوّه علـيه.
وأولـى الـمعانـي بقول الله جل ثناؤه: ثُمّ اسْتَوَى إلـى السماءِ فَسَوّاهُنْ علا علـيهنّ وارتفع فدبرهن بقدرته وخـلقهنّ سبع سموات.
والعجب مـمن أنكر الـمعنى الـمفهوم من كلام العرب فـي تأويـل قول الله: ثُمّ اسْتَوَى إلـى السّماءِ الذي هو بـمعنى العلوّ والارتفـاع هربـا عند نفسه من أن يـلزمه بزعمه إذا تأوله بـمعناه الـمفهم كذلك أن يكون إنـما علا وارتفع بعد أن كان تـحتها, إلـى أن تأوله بـالـمـجهول من تأويـله الـمستنكر, ثم لـم ينـج مـما هرب منه. فـيقال له: زعمت أن تأويـل قوله: اسْتَوَى أقْبَلَ, أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إلـيها؟ فإن زعم أن ذلك لـيس بإقبـال فعل ولكنه إقبـال تدبـير, قـيـل له: فكذلك فقل: علا علـيها علوّ ملك وسلطان لا علوّ انتقال وزوال. ثم لن يقول فـي شيء من ذلك قولاً إلا ألزم فـي الاَخر مثله, ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بـما لـيس من جنسه لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال فـي ذلك قولاً لقول أهل الـحقّ فـيه مخالفـا, وفـيـما بـينا منه ما يشرف بذي الفهم علـى ما فـيه له الكفـاية إنه شاء الله تعالـى.
قال أبو جعفر: وإن قال لنا قائل: أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلـى السماء, كان قبل خـلق السماء أم بعده؟ قـيـل: بعده, وقبل أن يسوّيهنّ سبع سموات, كما قال جل ثناؤه: ثُمّ اسْتَوَى إلـى السّمَاءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِـيا طَوْعا أوْ كَرْها والاستواء كان بعد أن خـلقها دخانا, وقبل أن يسوّيها سبع سموات.
وقال بعضهم: إنـما قال استوى إلـى السماء ولا سماء, كقول الرجل لاَخر: «اعمل هذا الثوب» وإنـما معه غزلٌ. وأما قوله فَسَوّاهُنّ فإنه يعنـي هيأهنّ وخـلقهنّ ودبرهنّ وقوّمهنّ, والتسوية فـي كلام العرب: التقويـم والإصلاح والتوطئة, كما يقال: سوّى فلان لفلان هذا الأمر: إذا قوّمه وأصلـحه ووطأه له. فكذلك تسوية الله جل ثناؤه سمواته: تقويـمه إياهن علـى مشيئته, وتدبـيره لهن علـى إرادته, وتفتـيقهن بعد ارتاقهن كما:
370ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ يقول: سوى خـلقهن وهو بكل شيء علـيـم.
وقال جل ذكره: فَسَوّاهُنّ فأخرج مكنـيّهن مخرج مكنى الـجمع. وقد قال قبل: ثم استوى إلـى السماء فأخرجها علـى تقدير الواحد. وإنـما أخرج مكنـيهن مخرج مكنـيّ الـجمع. لأن السماء جمع واحدها سماوة, فتقدير واحدتها وجمعها إذا تقدير بقرة وبقر, ونـخـلة ونـخـل وما أشبه ذلك ولذلك أُنّثَتْ مرة, فقـيـل: هذه سماء, وذُكّرتْ أخرى فقـيـل: السماء منفطر به كما يفعل ذلك بـالـجمع الذي لا فرق بـينه وبـين واحدة غير دخول الهاء وخروجها, فـيقال: هذا بقر وهذه بقر, وهذا نـخـل وهذه نـخـل, وما أشبه ذلك. وكان بعض أهل العربـية يزعم أن السماء واحدة, غير أنها تدلّ علـى السموات, فقـيـل: فَسَوّاهُنّ يراد بذلك التـي ذكرت, وما دلت علـيه من سائر السموات التـي لـم تذكر معها. قال: وإنـما تذكّر إذا ذكّرت وهي مؤنثة, فـيقال: السماء منفطر به كما يذكر الـمؤنث, وكما قال الشاعر:
فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهاولا أرْضٌ أبْقَلَ إبْقَالَهَا
وكما قال أعشى بنـي ثعلبة:
فإمّا تَرَيْ لِـمّتِـي بُدّلَتْفإنّ الـحَوَادِثَ أزْرَى بِهَا
وقال بعضهم: السماء وإن كانت سماء فوق سماء, وأرضا فوق أرض, فهي فـي التأويـل واحدة إن شئت, ثم تكون تلك الواحدة جماعا, كما يقال: ثوب أخلاق وأسمال, وبرمة أعشار للـمتكسرة, وبرمة أكسار وأجبـار, وأخلاق: أي أن نواحيه أخلاق.
فإن قال لنا قائل: فإنك قد قلت: إن الله جل ثناؤه استوى إلـى السماء وهي دخان قبل أن يسوّيها سبع سموات, ثم سوّاها سبعا بعد استوائه إلـيها, فكيف زعمت أنها جماع؟ قـيـل: إنهنّ كنّ سبعا غير مستويات, فلذلك قال جلّ ذكره: فسوّاهنّ سبعا: كما:
371ـ حدثنـي مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, قال: قال مـحمد بن إسحاق: كان أوّل ما خـلق الله تبـارك وتعالـى: النور والظلـمة, ثم ميز بـينهما فجعل الظلـمة لـيلاً أسود مظلـما, وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا, ثم سمك السموات السبع من دخان يقال والله أعلـم من دخان الـماء حتـى استقللن ولـم يحبكهن, وقد أغطش فـي السماء الدنـيا لـيـلها وأخرج ضحاها, فجرى فـيها اللـيـل والنهار, ولـيس فـيها شمس ولا قمر ولا نـجوم, ثم دحى الأرض, وأرساها بـالـجبـال, وقدّر فـيها الأقوات, وبثّ فـيها ما أراد من الـخـلق, ففرغ من الأرض وما قدّر فـيها من أقواتها فـي أربعة أيام. ثم استوى إلـى السماء وهي دخان كما قال فحبكهن, وجعل فـي السماء الدنـيا شمسها وقمرها ونـجومها, وأوحى فـي كل سماء أمرها, فأكمل خـلقهنّ فـي يومين. ففرغ من خـلق السموات والأرض فـي ستة أيام, ثم استوى فـي الـيوم السابع فوق سمواته, ثم قال للسموات والأرض: ائْتِـيا طَوْعا أوْ كَرْها لـما أردت بكما, فـاطمئنا علـيه طوعا أو كرها, قَالتَا: أتَـيْنا طائِعِينَ.
فقد أخبر ابن إسحاق أن الله جل ثناؤه استوى إلـى السماء بعد خـلقه الأرض وما فـيها وهنّ سبع من دخان, فسوّاهنّ كما وصف. وإنـما استشهدنا لقولنا الذي قلنا فـي ذلك بقول ابن إسحاق لأنه أوضح بـيانا عن خبر السموات أنهنّ كنّ سبعا من دخان قبل استواء ربنا إلـيها بتسويتها من غيره, وأحسن شرحا لـما أردنا الاستدلال به من أن معنى السماء التـي قال الله فـيها: ثُمّ اسْتَوَى إلـى السّماءِ بـمعنى الـجمع علـى ما وصفنا, وأنه إنـما قال جل ثناؤه: فسوّاهنّ إذ كانت السماء بـمعنى الـجمع علـى ما بـينا.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فما صفة تسوية الله جل ثناؤه السموات التـي ذكرها فـي قوله: فسَوّاهُنّ إذ كن قد خـلقن سبعا قبل تسويته إياهن؟ وما وجه ذكر خـلقهن بعد ذكر خـلق الأرض, ألأنها خـلقت قبلها, أم بـمعنى غير ذلك؟ قـيـل: قد ذكرنا ذلك فـي الـخبر الذي رويناه عن ابن إسحاق, ونزيد ذلك توكيدا بـما انضمّ إلـيه من أخبـار بعض السلف الـمتقدمين وأقوالهم.
372ـ فحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: هُوَ الّذِي خَـلَقَ لَكُمْ ما فِـي الأرْضِ جَمِيعا ثُم اسْتَوَى إلـى السماء فَسَواهُن سَبْعَ سَمَواتٍ قال: إن الله تبـارك وتعالـى كان عرشه علـى الـماء, ولـم يخـلق شيئا غير ما خـلق قبل الـماء, فلـما أراد أن يخـلق الـخـلق أخرج من الـماء دخانا, فـارتفع فوق الـماء فسما علـيه, فسماه سماءً, ثم أيبس الـماء فجعله أرضا واحدة, ثم فتقها فجعل سبع أرضين فـي يومين فـي الأحد والاثنـين, فخـلق الأرض علـى حوت, والـحوت هو النون الذي ذكره الله فـي القرآن: ن والقَلَـم والـحوت فـي الـماء والـماء علـى ظهر صفـاة, والصفـاة علـى ظهر ملك, والـملك علـى صخرة, والصخرة فـي الريح وهي الصخرة التـي ذكر لقمان لـيست فـي السماء ولا فـي الأرض. فتـحرّك الـحوت فـاضطرب, فتزلزت الأرض, فأرسى علـيها الـجبـال فقرّت, فـالـجبـال تفخر علـى الأرض, فذلك قوله: وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ وخـلق الـجبـال فـيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها فـي يومين فـي الثلاثاء والأربعاء, وذلك حين يقول: أئِنّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِـالّذِي خَـلَقَ أَلارْضَ فِـي يَوْمَيْنِ وَتَـجْعَلُونَ لَهُ أنْدَادا ذَلِكَ رَبّ العَالَـمِينَ وَجَعَلَ فِـيها رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَـارَكَ فِـيها يقول: أنبت شجرها وَقَدّرَ فِـيها أقْواتها يقول أقواتها لأهلها فـي أرْبَعَةِ أَيّامٍ سَواء للسّائِلِـينَ يقول: قل لـمن يسألك هكذا الأمر ثمّ اسْتَوى إلَـى السّماءِ وَهِيَ دُخانٌ وكان ذلك الدخان من تنفس الـماء حين تنفس, فجعلها سماء واحدة, ثم فتقها فجعلها سبع سموات فـي يومين فـي الـخميس والـجمعة, وإنـما سمي يوم الـجمعة لأنه جمع فـيه خـلق السموات والأرض وأوْحَى فـي كُل سماءٍ أمْرَها قال: خـلق فـي كل سماء خـلقها من الـملائكة والـخـلق الذي فـيها, من البحار وجبـال البَرَدِ وما لا يعلـم. ثم زين السماء الدنـيا بـالكواكب, فجعلها زينة وحفظا تـحفظ من الشياطين. فلـما فرغ من خـلق ما أحبّ استوى علـى العرش, فذلك حين يقول: خـلق السموات والأرض فـي ستة أيام يقول: كانَتا رَتْقا فَفَتَقْناهُما.
373ـ وحدثنـي الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: هُوَ الّهذي خَـلَقَ لَكُمْ ما فِـي الأرْضِ جَمِيعا ثُمّ اسْتَوَى إلـى السّمَاءِ قال: خـلق الأرض قبل السماء, فلـما خـلق الأرض ثار منها دخان, فذلك حين يقول: ثُمّ اسْتَوَى إلـى السّمَاءِ فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَواتٍ قال: بعضهنّ فوق بعض, وسبع أرضين بعضهنّ تـحت بعض.
374ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أنبأنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَواتٍ قال: بعضهنّ فوق بعض, بـين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام.
375ـ وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس فـي قوله حيث ذكر خـلق الأرض قبل السماء, ثم ذكر السماء قبل الأرض, وذلك أن الله خـلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء, ثم استوى إلـى السماء فسوّاهنّ سبع سموات, ثم دحا الأرض بعد ذلك, فذلك قوله: وَالأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها.
376ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي أبو معشر, عن سعيد بن أبـي سعيد, عن عبد الله بن سلام أنه قال: إن الله بدأ الـخـلق يوم الأحد, فخـلق الأرضين فـي الأحد والاثنـين, وخـلق الأقوات والرواسي فـي الثلاثاء والأربعاء, وخـلق السموات فـي الـخميس والـجمعة, وفرغ فـي آخر ساعة من يوم الـجمعة, فخـلق فـيها آدم علـى عجل فتلك الساعة التـي تقوم فـيها الساعة.
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذا: هو الذي أنعم علـيكم, فخـلق لكم ما فـي الأرض جميعا وسخره لكم تفضلاً منه بذلك علـيكم, لـيكون لكم بلاغا فـي دنـياكم, ومتاعا إلـى موافـاة آجالكم, ودلـيلاً لكم علـى وحدانـية ربكم. ثم علا إلـى السموات السبع وهي دخان, فسوّاهن وحبكهن, وأجرى فـي بعضهن شمسه وقمره ونـجومه, وقدّر فـي كل واحدة منهنّ ما قدّر من خـلقه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وهُوَ بِكُلّ شيْءٍ عَلِـيـمٌ.
يعنـي بقوله جلّ جلاله: وهو نفسه, وبقوله: بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ: أن الذي خـلقكم وخـلق لكم ما فـي الأرض جميعا, وسّوى السموات السبع بـما فـيهن, فأحكمهن من دخان الـماء وأتقن صنعهن, لا يخفـى علـيه أيها الـمنافقون والـملـحدون الكافرُونَ به من أهل الكتاب, ما تبدون وما تكتـمون فـي أنفسكم, وإن أبدى منافقوكم بألسنتهم قولهم: آمَنّا بِـاللّهِ وبـالـيَوْمِ الاَخِرِ وهم علـى التكذيب به منطوون. وكذبت أحبـاركم بـما أتاهم به رسولـي من الهدى والنور وهم بصحته عارفون, وجحدوا وكتـموا ما قد أخذت علـيهم ببـيانه لـخـلقـي من أمر مـحمد ونبوّته الـمواثـيق, وهم به عالـمون بل أنا عالـم بذلك وغيره من أموركم, وأمور غيركم, إنـي بكل شيء علـيـم. وقوله: عَلِـيـمٌ بـمعنى عالـم. ورُوي عن ابن عبـاس أنه كان يقول: هو الذي قد كمل فـي علـمه.
377ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنا معاوية بن صالـح, قال: حدثنـي علـيّ بن أبـي طلـحة عن ابن عبـاس قال: العالـم الذي قد كمل فـي علـمه.
الآية : 30
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
قال أبو جعفر: زعم بعض الـمنسوبـين إلـى العلـم بلغات العرب من أهل البصرة أن تأويـل قوله: وَإذْ قَالَ رَبكَ وقال ربك, وأن «إذ» من الـحروف الزوائد, وأن معناها الـحذف. واعتلّ لقوله الذي وصفنا عنه فـي ذلك ببـيت الأسود بن يعفر:
فإذَا وَذَلِكَ لامَهاهَ لِذِكْرِهِوَالدّهْرُ يُعْقِبُ صَالِـحا بِفَسادِ
ثم قال: ومعناها: وذلك لامهاه لذكره. وببـيت عبد مناف بن ربع الهذلـي:
حَتّـى إذَا أسْلَكُوهُمْ فـي قُتائِدَةٍشَلاّ كمَا تَطْرُدُ الـجَمّالَةُ الشّرُدَا
وقال: معناه: حتـى أسلكوهم.
قال أبو جعفر: والأمر فـي ذلك بخلاف ما قال وذلك أن «إذ» حرف يأتـي بـمعنى الـجزاء, ويدل علـى مـجهول من الوقت, وغير جائز إبطال حرف كان دلـيلاً علـى معنى فـي الكلام. إذ سواء قـيـلُ قائلٍ هو بـمعنى التطوّل, وهو فـي الكلام دلـيـل علـى معنى مفهوم. وقـيـلُ آخر فـي جميع الكلام الذي نطق به دلـيلاً علـى ما أريد به وهو بـمعنى التطول. ولـيس لـمدّعي الذي وصفنا قوله فـي بـيت الأسود بن يعفر, أن «إذا» بـمعنى التطوّل وجه مفهوم بل ذلك لو حذف من الكلام لبطل الـمعنى الذي أراده الأسود بن يعفر من قوله:
فإذَا وَذَلِكَ لامَهَاهَ لِذِكْرِهِ
وذلك أنه أراد بقوله: فإذا الذي نـحن فـيه, وما مضى من عيشنا. وأشار بقوله ذلك إلـى ما تقدم وصفه من عيشه الذي كان فـيه لامهاه لذكره, يعنـي لا طعم له ولا فضل, لإعقاب الدهر صالـح ذلك بفساد. وكذلك معنى قول عبد مناف بن ربع:
حتّـى إذَا أسْلَكُوهُمْ فِـي قُتائِدَةٍشَلاّت
لو أسقط منه «إذا» بطل معنى الكلام لأن معناه: حتـى إذا أسلكوهم فـي قتائدة سلكوا شلاّ. فدل قوله: «أسلكوهم شلاّ» علـى معنى الـمـحذوف, فـاستغنى عن ذكره بدلالة «إذا» علـيه, فحذف. كما قد ذكرنا فـيـما مضى من كتابنا علـى ما تفعل العرب فـي نظائر ذلك, وكما قال النـمر بن تولب:
فإنّ الـمَنِـيّةَ مَنْ يَخْشَهَافَسَوْفَ تُصَادِفُه أيْنـما
وهو يريد: أينـما ذهب. وكما تقول العرب: أتـيتك من قبل ومن بعد تريد: من قبل ذلك ومن بعد ذلك. فكذلك ذلك فـي «إذا» كما يقول القائل: إذا أكرمك أخوك فأكرمه وإذا لا فلا يريد: وإذا لـم يكرمك فلا تكرمه. ومن ذلك قول الاَخر:
فإذَا وَذَلِكَ لاَ يَضُرّكَ ضُرّهُفـي يَوْمِ أسألُ أوْ أُنْكَرُ
نظير ما ذكرنا من الـمعنى فـي بـيت الأسود بن يعفر. وكذلك معنى قول الله جل ثناؤه: وَإذْ قالَ رَبّكَ للْـمَلاَئِكَة لو أبطلت «إذ» وحذفت من الكلام, لاستـحال عن معناه الذي هو به وفـيه «إذ».
فإن قال قائل: فما معنى ذلك؟ وما الـجالب ل«إذْ», إذ لـم يكن فـي الكلام قبله ما يعطف به علـيه؟ قـيـل له: قد ذكرنا فـيـما مضى أن الله جل ثناؤه خاطب الذين خاطبهم بقوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بـالله وكُنْتُـمْ أمْوَاتا فأحْياكُمْ بهذه الاَيات والتـي بعدها موبخهم مقبحا إلـيهم سوء فعالهم ومقامهم علـى ضلالهم مع النعم التـي أنعمها علـيهم وعلـى أسلافهم, ومذكرهم بتعديد نعمه علـيهم وعلـى أسلافهم بأسه أن يسلكوا سبـيـل من هلك من أسلافهم فـي معصية الله, فـيسلك بهم سبـيـلهم فـي عقوبته ومعرّفهم ما كان منه من تعطفه علـى التائب منهم استعتابـا منه لهم. فكان مـما عدد من نعمه علـيهم, أنه خـلق لهم ما فـي الأرض جميعا, وسخر لهم ما فـي السموات من شمسها وقمرها ونـجومها وغير ذلك من منافعها التـي جعلها لهم ولسائر بنـي آدم معهم منافع, فكان فـي قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بـاللّهِ وكُنْتُـمْ أمْواتا فأحْياكُمْ ثُمّ يُـمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِـيكُمْ ثُمّ إلَـيْهِ تُرْجَعُونَ معنى: اذكروا نعمتـي التـي أنعمت علـيكم, إذ خـلقتكم ولـم تكونوا شيئا, وخـلقت لكم ما فـي الأرض جميعا, وسوّيت لكم ما فـي السماء. ثم عطف بقوله: وَإذْ قالَ رَبكَ للـمَلائِكَةِ علـى الـمعنى الـمقتضَى بقوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِـاللّهِ إذ كان مقتضيا ما وصفت من قوله: اذكروا نعمتـي إذْ فعلت بكم وفعلت, واذكروا فعلـى بأبـيكم آدم, إذ قلت للـملائكة إنـي جاعل فـي الأرض خـلـيفة.
فإن قال قائل: فهل لذلك من نظير فـي كلام العرب نعلـم به صحة ما قلت؟ قـيـل: نعم, أكثر من أن يحصى, من ذلك قول الشاعر:
أجِدّكَ لَنْ تَرَى بِثُعَيْـلَبـاتٍوَلا بَـيْدَانَ ناجيَةً ذَمُولاَ
وَلا مُتَدَارِكٍ وَالشّمْسُ طِفْلٌببَعْضِ نَوَاشغِ الوَادي حُمُولا
فقال: ولا متدارك, ولـم يتقدمه فعل بلفظه يعطف علـيه, ولا حرف معرّب إعرابه فـيردّ «متدارك» علـيه فـي إعرابه. ولكنه لـما تقدمه فعل مـجحود ب«لن» يدل علـى الـمعنى الـمطلوب فـي الكلام وعلـى الـمـحذوف, استغنى بدلالة ما ظهر منه عن إظهار ما حذف, وعاملَ الكلامَ فـي الـمعنى والإعراب معاملته أن لو كان ما هو مـحذوف منه ظاهرا. لأن قوله:
أجِدّكَ لَنْ تَرَى بِثُعَيْـلبَـاتٍ
بـمعنى: أجدك لست براءٍ, فردّ «متداركا» علـى موضع «ترى» كأن «لست» والبـاء موجودتان فـي الكلام, فكذلك قوله: وَإذْ قَالَ رَبكَ لـما سلف قبله تذكير الله الـمخاطبـين به ما سلف قِبَلهم وقِبَل آبـائهم من أياديه وآلائه, وكان قوله: وَإذْ قَالَ رَبّكَ للـمَلائِكَةِ مع ما بعده من النعم التـي عدّدها علـيهم ونبههم علـى مواقعها, ردّ إذ علـى موضع: وكُنتـم أمواتا فأحياكم لأن معنى ذلك: اذكروا هذه من نعمي, وهذه التـي قلت فـيها للـملائكة. فلـما كانت الأولـى مقتضية «إذ» عطف ب«إذْ» علـى موضعها فـي الأولـى كما وصفنا من قول الشاعر فـي «ولا متدارك».
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: للْـمَلائِكَةِ.
قال أبو جعفر: والـملائكة جمع ملك, غير أن واحدهم بغير الهمز أكثر وأشهر فـي كلام العرب منه بـالهمز, وذلك أنهم يقولون فـي واحدهم مَلَك من الـملائكة, فـيحذفون الهمز منه, ويحرّكون اللام التـي كانت مسكنة لو همز الاسم. وإنـما يحركونها بـالفتـح, لأنهم ينقلون حركة الهمزة التـي فـيه بسقوطها إلـى الـحرف الساكن قبلها, فإذا جمعوا واحدهم ردّوا الـجمع إلـى الأصل وهمزوا, فقالوا: ملائكة. وقد تفعل العرب نـحو ذلك كثـيرا فـي كلامها, فتترك الهمز فـي الكلـمة التـي هي مهموزة فـيجري كلامهم بترك همزها فـي حال, وبهمزها فـي أخرى, كقولهم: رأيت فلانا, فجرى كلامهم بهمز رأيت, ثم قالوا:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:33 am

نرى وترى ويرى, فجرى كلامهم فـي يفعل ونظائرها بترك الهمز, حتـى صار الهمز معها شاذّا مع كون الهمز فـيها أصلاً. فكذلك ذلك فـي مَلَك وملائكة, جرى كلامهم بترك الهمز من واحدهم, وبـالهمز فـي جميعهم. وربـما جاء الواحد مهموزا كما قال الشاعر:
فَلَسْتَ لانْسِيّ وَلَكِنْ لِـمِءَلاكٍتَـحَدّرَ مِنْ جَوّ السمّاءِ يَصُوبُ
وقد يقال فـي واحدهم: مألك, فـيكون ذلك مثل قولهم: جبذ وجذب, وشأمل وشمأل, وما أشبه ذلك من الـحروف الـمقلوبة. غير أن الذي يجب إذا سمي واحدهم مألك, أن يجمع إذ جمع علـى ذلك: مآلك, ولست أحفظ جمعهم كذلك سماعا, ولكنهم قد يجمعون ملائك وملائكة, كما يجمع أشعث: أشاعث وأشاعثه, ومسمع: مسامع ومسامعة. قال أمية بن أبـي الصلت فـي جمعهم كذلك:
وَفِـيها مِنْ عِبـادِ اللّهِ قَوْمٌمَلائِكُ ذلّلُوا وَهُمُ صِعابُ
وأصل الـملأك: الرسالة, كما قال عديّ بن زيد العبـادي:
أبْلِغِ النّعْمَانَ عَنّـي مَلأكاأنّهُ قَدْ طالَ حَبْسِي وَانْتِظارِي
وقد ينشد «مألكا» علـى اللغة الأخرى, فمن قال: ملأكا, فهو مفعل من لأك إلـيه يلأكُ: إذا أرسل إلـيه رسالة ملأكة. ومن قال: مألكا, فهو مفعل من ألكت إلـيه آلكُ: إذا أرسلت إلـيه مألكة وأَلوكا, كما قال لبـيد بن ربـيعة:
وَغُلامٍ أرْسَلَتْهُ أمّهُبَألُوكٍ فَبَذَلْنا ما سألْ
فهذا من ألكت. ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:
ألِكْنِـي يا عُيَـيْنَ إلَـيْكَ قَوْلاًسَتُهْدِيهِ الرّوَاةُ إلَـيْكَ عَنّـي
وقال عبد بنـي الـحسحاس:
ألِكْنِـي إلَـيْها عَمْرَكَ اللّهُ يا فَتَـىبِآيَةِ ما جاءَتْ إلَـيْنَا تَهادِيا
يعنـي بذلك: أبلغها رسالتـي. فسميت الـملائكة ملائكة بـالرسالة, لأنها رسل الله بـينه وبـين أنبـيائه ومن أرسلت إلـيه من عبـاده.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إِنّـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ.
اختلف أهل التأويـل فـي قوله: إنّـي جاعِلٌ, فقال بعضهم: إنـي فـاعل. ذكر من قال ذلك:
378ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن جرير بن حازم, ومبـارك عن الـحسن, وأبـي بكر, يعنـي الهذلـي عن الـحسن وقتادة, قالوا: قال الله للـملائكة: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً قال لهم: إنـي فـاعل.
وقال آخرون: إنـي خالق. ذكر من قال ذلك:
379ـ حدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, قال: كل شيء فـي القرآن «جعل» فهو خـلق.
قال أبو جعفر: والصواب فـي تأويـل قوله: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَة أي مستـخـلف فـي الأرض خـلـيفة ومصير فـيها خـلفـا, وذلك أشبه بتأويـل قول الـحسن وقتادة. وقـيـل إن الأرض التـي ذكرها الله فـي هذه الآية هي مكة. ذكر من قال ذلك:
380ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, عن ابن سابط أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: «دُحِيَتْ الأرْضُ مِنْ مَكّةَ. وكانت الـملائكة تطوف بـالبـيت, فهي أول من طاف به, وهي الأرض التـي قال الله: إنـي جاعل فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً, وكان النبـي إذا هلك قومه ونـجا هو والصالـحون أتـى هو ومن معه فعبدوا الله بها حتـى يـموتوا, فإن قبر نوح وهود وصالـح وشعيب بـين زمزم والركن والـمقام».
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: خَـلِـيفَةً.
والـخـلـيفة الفعلـية, من قولك: خـلف فلان فلانا فـي هذا الأمر إذا قام مقامه فـيه بعده, كما قال جل ثناؤه: ثُمّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فـي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يعنـي بذلك: أنه أبدلكم فـي الأرض منهم فجعلكم خـلفـاء بعدهم ومن ذلك قـيـل للسلطان الأعظم: خـلـيفة, لأنه خـلف الذي كان قبله, فقام بـالأمر مقامه, فكان منه خـلفـا, يقال منه: خـلف الـخـلـيفة يخـلُف خلافة وخـلـيفـا, وكان ابن إسحاق يقول بـما:
381ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً يقول: ساكنا وعامرا يسكنها ويعمرها خـلقا لـيس منكم. ولـيس الذي قال ابن إسحاق فـي معنى الـخـلـيفة بتأويـلها, وإن كان الله جل ثناؤه إنـما أخبر ملائكته أنه جاعل فـي الأرض خـلـيفة يسكنها, ولكن معناها ما وصفت قبل.
فإن قال لنا قائل: فما الذي كان فـي الأرض قبل بنـي آدم لها عامرا فكان بنو آدم بدلاً منه وفـيها منه خـلفـا؟ قـيـل: قد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك.
382ـ فحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: أوّل من سكن الأرض الـجنّ, فأفسدوا فـيها, وسفكوا فـيها الدماء, وقتل بعضهم بعضا. قال: فبعث الله إلـيهم إبلـيس فـي جند من الـملائكة, فقتلهم إبلـيس ومن معه, حتـى ألـحقهم بجزائر البحور وأطراف الـجبـال ثم خـلق آدم فأسكنه إياها, فلذلك قال: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً.
فعلـى هذا القول إنـي جاعل فـي الأرض خـلـيفة من الـجنّ يخـلفونهم فـيها فـيسكنونها ويعمرونها.
383ـ وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس فـي قوله: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً الآية, قال: إن الله خـلق الـملائكة يوم الأربعاء, وخـلق الـجن يوم الـخميس, وخـلق آدم يوم الـجمعة, فكفر قوم من الـجن, فكانت الـملائكة تهبط إلـيهم فـي الأرض فتقاتلهم, فكانت الدماء وكان الفساد فـي الأرض.
وقال آخرون فـي تأويـل قوله: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَة أي خـلفـا يخـلف بعضهم بعضا, وهم ولد آدم الذين يخـلفون أبـاهم آدم, ويخـلف كل قرن منهم القرن الذي سلف قبله.
وهذا قول حكي عن الـحسن البصري, ونظير له ما:
384ـ حدثنـي به مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا سفـيان عن عطاء بن السائب, عن ابن سابط فـي قوله: إنـي جاعلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً قالُوا أتـجْعَلُ فِـيهَا مَنْ يُفْسِدُ فـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ قال: يعنون به بنـي آدم.
385ـ وحدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قال الله للـملائكة: إنـي أريد أن أخـلق فـي الأرض خـلقا, وأجعل فـيها خـلـيفة, ولـيس لله يومئذ خـلق إلا الـملائكة والأرض لـيس فـيها خـلق.
وهذا القول يحتـمل ما حُكي عن الـحسن, ويحتـمل أن يكون أراد ابن زيد أن الله أخبر الـملائكة أنه جاعل فـي الأرض خـلـيفة له, يحكم فـيها بـين خـلقه بحكمه, نظير ما:
386ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس وعن مرة عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: أن الله جل ثناؤه قال للـملائكة: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً قالوا: ربنا وما يكون ذلك الـخـلـيفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون فـي الأرض ويتـحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فكان تأويـل الآية علـى هذه الرواية التـي ذكرناها عن ابن مسعود وابن عبـاس: إنـي جاعل فـي الأرض خـلـيفة منـي يخـلفنـي فـي الـحكم بـين خـلقـي, وذلك الـخـلـيفة هو آدم ومن قام مقامه فـي طاعة الله والـحكم بـالعدل بـين خـلقه.
وأما الإفساد وسفك الدماء بغير حقها فمن غير خـلفـائه, ومن غير آدم ومن قام مقامه فـي عبـاد الله لأنهما أخبرا أن الله جل ثناؤه قال لـملائكته إذ سألوه: ما ذاك الـخـلـيفة: إنه خـلـيفة يكون له ذرية يفسدون فـي الأرض ويتـحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فأضاف الإفساد وسفك الدماء بغير حقها إلـى ذرية خـلـيفته دونه وأخرج منه خـلـيفته.
وهذا التأويـل وإن كان مخالفـا فـي معنى الـخـلـيفة ما حُكي عن الـحسن من وجه, فموافق له من وجه. فأما موافقته إياه فصرف متأوّلـيه إضافة الإفساد فـي الأرض وسفك الدماء فـيها إلـى غير الـخـلـيفة. وأما مخالفته إياها فإضافتهما الـخلافة إلـى آدم بـمعنى استـخلاف الله إياه فـيها, وإضافة الـحسن الـخلافة إلـى ولده بـمعنى خلافة بعضهم بعضا, وقـيام قرن منهم مقام قرن قبلهم, وإضافة الإفساد فـي الأرض وسفك الدماء إلـى الـخـلـيفة. والذي دعا الـمتأوّلـين قوله: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً فـي التأويـل الذي ذكر عن الـحسن إلـى ما قالوا فـي ذلك أنهم قالوا إن الـملائكة إنـما قالت لربها إذ قال لهم ربهم: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً قَالُوا أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفكُ الدّماءَ إخبـارا منها بذلك عن الـخـلـيفة الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه جاعله فـي الأرض لا غيره لأن الـمـحاورة بـين الـملائكة وبـين ربها عنه جرت. قالوا: فإذا كان ذلك كذلك, وكان الله قد برأ آدم من الإفساد فـي الأرض وسفك الدماء وطهره من ذلك, علـم أن الذي عنى به غيره من ذرّيته, فثبت أن الـخـلـيفة الذي يفسد فـي الأرض ويسفك الدماء هو غير آدم, وأنهم ولده الذين فعلوا ذلك, وأن معنى الـخلافة التـي ذكرها الله إنـما هي خلافة قرن منهم قرنا غيرهم لـما وصفنا. وأغفل قائلو هذه الـمقالة ومتأوّلو الآية هذا التأويـل سبـيـل التأويـل, وذلك أن الـملائكة إذ قال لها ربها: إنّـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً لـم تضف الإفساد وسفك الدماء فـي جوابها ربها إلـى خـلـيفته فـي أرضه, بل قالت: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها, وغير منكر أن يكون ربها أعلـمها أنه يكون لـخـلـيفته ذلك ذرية يكون منهم الإفساد وسفك الدماء, فقالت: يا ربنا أتـجعل فـيها من يفسد فـيها ويسفك الدماء؟ كما قال ابن مسعود وابن عبـاس, ومن حكينا ذلك عنه من أهل التأويـل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قالُوا أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ.
قال أبو جعفر: إن قال قائل: وكيف قالت الـملائكة لربها إذ أخبرها أنه جاعل فـي الأرض خـلـيفة: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ ولـم يكن آدم بعد مخـلوقا ولا ذرّيته, فـيعلـموا ما يفعلون عيانا؟ أعلـمت الغيب فقالت ذلك, أم قالت ما قالت من ذلك ظنّا, فذلك شهادة منها بـالظن وقول بـما لا تعلـم, وذلك لـيس من صفتها, فما وجه قـيـلها ذلك لربها؟ قـيـل: قد قالت العلـماء من أهل التأويـل فـي ذلك أقوالاً ونـحن ذاكرو أقوالهم فـي ذلك, ثم مخبرون بأصحها برهانا وأوضحها حجة.
فروي عن ابن عبـاس فـي ذلك ما:
387ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: كان إبلـيس من حيّ من أحياء الـملائكة, يقال لهم «الـجن» خـلقوا من نار السموم من بـين الـملائكة, قال: وكان اسمه الـحرث. قال: وكان خازنا من خزان الـجنة. قال: وخـلقت الـملائكة كلهم من نور غير هذا الـحيّ. قال: وخـلقت الـجنّ الذين ذكروا فـي القرآن من مارج من نار, وهو لسان النار الذي يكون فـي طرفها إذ ألهبت. قال: وخـلق الإنسان من طين, فأوّل من سكن الأرض الـجنّ, فأفسدوا فـيها وسفكوا الدماء, وقتل بعضهم بعضا. قال: فبعث الله إلـيهم إبلـيس فـي جند من الـملائكة, وهم هذا الـحيّ الذين يقال لهم «الـجنّ», فقتلهم إبلـيس ومن معه حتـى ألـحقهم بجزائر البحور وأطراف الـجبـال. فلـما فعل إبلـيس ذلك اغترّ فـي نفسه, وقال: قد صنعت شيئا لـم يصنعه أحد. قال: فـاطلع الله علـى ذلك من قلبه, ولـم تطلع علـيه الـملائكة الذين كانوا معه فقال الله للـملائكة الذين معه: إنـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً فقالت الـملائكة مـجيبـين له: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماء كما أفسدت الـجن وسفكت الدماء؟ وإنـما بُعثنا علـيهم لذلك. فقال: إنـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ يقول: إنـي قد اطلعت من قلب إبلـيس علـى ما لـم تطلعوا علـيه من كبره واغتراره, قال: ثم أمر بتربة آدم فرفعت, فخـلق الله آدم من طين لازب واللازب: اللزج الصلب من حمأ مسنون منتن. قال: وإنـما كان حمأ مسنونا بعد التراب. قال: فخـلق منه آدم بـيده. قال فمكث أربعين لـيـلة جسدا ملقـى, فكان إبلـيس يأتـيه فـيضربه برجله فـيصلصل أي فـيصوّت قال: فهو قول الله: مِنْ صلْصَالٍ كالفَخّارِ يقول: كالشيء الـمنفوخ الذي لـيس بـمُصْمِتٍ, قال: ثم يدخـل فـي فـيه ويخرج من دبره, ويدخـل من دبره ويخرج من فـيه, ثم يقول: لست شيئا للصلصلة, ولشيء ما خـلقت لئن سلطت علـيك لأهلكنك, ولئن سلطت علـيّ لأعصينك. قال: فلـما نفخ الله فـيه من روحه, أتت النفخة من قِبَل رأسه, فجعل لا يجري شيء منها فـي جسده إلا صار لـحما ودما. فلـما انتهت النفخة إلـى سرّته نظر إلـى جسده, فأعجبه ما رأى من حسنه, فذهب لـينهض فلـم يقدر, فهو قول الله: وكانَ الإنْسانُ عَجُولاً قال: ضَجِرا لا صبر له علـى سرّاء ولا ضرّاء. قال: فلـما تـمت النفخة فـي جسده, عطس فقال: الـحمد لله ربّ العالـمين, بإلهام من الله تعالـى. فقال الله له: يرحمك الله يا آدم. قال: ثم قال الله للـملائكة الذين كانوا مع إبلـيس خاصة دون الـملائكة الذين فـي السموات: اسجدوا لاَدم فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبلـيس أبى واستكبر لـما كان حدّث به نفسه من كبره واغتراره, فقال: لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سنّا وأقوى خـلقا, خـلقتنـي من نار وخـلقته من طين. يقول: إن النار أقوى من الطين. قال: فلـما أبى إبلـيس أن يسجد أبلسه الله, وآيسه من الـخير كله, وجعله شيطانا رجيـما عقوبة لـمعصيته, ثم علّـم آدم الأسماء كلها, وهي هذه الأسماء التـي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار, وأشبـاه ذلك من الأمـم وغيرها. ثم عرض هذه الأسماء علـى أولئك الـملائكة, يعنـي الـملائكة الذين كانوا مع إبلـيس الذين خـلقوا من نار السموم, وقال لهم: أنْبئُونِـي بأسْماءِ هَولاءِ يقول: أخبرونـي بأسماء هؤلاء إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ إن كنتـم تعلـمون أنـي لِـمَ أجعل فـي الأرض خـلـيفة. قال: فلـما علـمت الـملائكة مؤاخذة الله علـيهم فـيـما تكلـموا به من علـم الغيب الذي لا يعلـمه غيره الذي لـيس لهم به علـم, قالوا: سبحانك تنزيها لله من أن يكون أحد يعلـم الغيب غيره, تبنا إلـيك لا علـم لنا إلا ما علـمتنا تبريا منهم من علـم الغيب, إلا ما علـمتنا كما علـمت آدم. فقال: يا آدَمُ أنْبئْهُمْ بأسْمَائِهمْ يقول: أخبرهم بأسمائهم فَلَـمّا أنْبأهُمْ بأسْمائِهمْ قالَ ألَـمْ أقُلْ لَكُمْ أيها الـملائكة خاصة إنّـي أعْلَـمُ غَيْبَ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ ولا يعلـمه غيري وأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ يقول: ما تظهرون وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ يقول: أعلـم السرّ كما أعلـم العلانـية, يعنـي ما كتـم إبلـيس فـي نفسه من الكبر والاغترار.
وهذه الرواية عن ابن عبـاس تنبىء عن أن قول الله جل ثناؤه: وَإذْ قَالَ رَبّكَ للْـمَلاَئِكَةِ إنّـي جَاعل فِـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً خطاب من الله جل ثناؤه لـخاصّ من الـملائكة دون الـجميع, وأن الذين قـيـل لهم ذلك من الـملائكة كانوا قبـيـلة إبلـيس خاصة, الذين قاتلوا معه جنّ الأرض قبل خـلق آدم. وأن الله إنـما خصهم بقـيـل ذلك امتـحانا منه لهم وابتلاءً لـيعرفهم قصور علـمهم وفضل كثـير مـمن هو أضعف خـلقا منهم من خـلقه علـيهم, وأن كرامته لا تنال بقوى الأبدان وشدة الأجسام كما ظنه إبلـيس عدوّ الله. ويصرّح بأن قـيـلهم لربهم: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فـيها وَيَسفِكُ الدّماءَ كانت هفوة منهم ورجما بـالغيب, وأن الله جل ثناؤه أطلعهم علـى مكروه ما نطقوا به من ذلك, ووقـفهم علـيه حتـى تابوا وأنابوا إلـيه مـما قالوا ونطقوا من رجم الغيب بـالظنون, وتبرّءوا إلـيه أن يعلـم الغيب غيره, وأظهر لهم من إبلـيس ما كان منطويا علـيه من الكبر الذي قد كان عنهم مستـخفـيا.
وقد رُوي عن ابن عبـاس خلاف هذه الرواية, وهو ما:
388ـ حدثنـي به موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: لـما فرغ الله من خـلق ما أحبّ, استوى علـى العرش, فجعل إبلـيس علـى ملك سماء الدنـيا, وكان من قبـيـلة من الـملائكة يقال لهم الـجنّ وإنـما سموا الـجنّ لأنهم خزّان الـجنة. وكان إبلـيس مع ملكه خازنا, فوقع فـي صدره كبر وقال: ما أعطانـي الله هذا إلا لـمزية لـي هكذا قال موسى بن هارون, وقد حدثنـي به غيره, وقال: لـمزية لـي علـى الـملائكة فلـما وقع ذلك الكبر فـي نفسه, اطلع الله علـى ذلك منه, فقال الله للـملائكة: إنّـي جاعِل فِـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً قالوا: ربنا وما يكون ذلك الـخـلـيفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون فـي الأرض ويتـحاسدون ويقتل بعضهم بعضا قالُوا رَبّنا أتـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها ويَسْفِكُ الدّماءَ ونَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إنّـي أعْلَـمُ مَا لاَ تَعْلَـمُونَ يعنـي من شأن إبلـيس. فبعث جبريـل إلـى الأرض لـيأتـيه بطين منها, فقالت الأرض: إنـي أعوذ بـالله منك أن تنقص منـي أو تشيننـي فرجع ولـم يأخذ وقال: ربّ إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث الله ميكائيـل, فعاذت منه فأعاذها, فرجع فقال كما قال جبريـل. فبعث ملك الـموت, فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ بـالله أن أرجع ولـم أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض وخـلط, فلـم يأخذ من مكان واحد, وأخذ من تربة حمراء وبـيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفـين, فصعد به فبلّ التراب حتـى عاد طينا لازبـا واللازب: هو الذي يـلتزق بعضه ببعض ثم ترك حتـى أنتن وتغير, وذلك حين يقول: مِنْ حَمأٍ مَسْنُونٍ قال: منتن, ثم قال للـملائكة إنّـي خالِق بَشَرا مِن طِين فإذَا سَوّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِـيهِ منْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ سَاجدِينَ فخـلقه الله بـيديه لكيلا يتكبر إبلـيس علـيه لـيقول له: تتكبر عما عملت بـيدي ولـم أتكبر أنا عنه؟ فخـلقه بشرا, فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الـجمعة. فمرّت به الـملائكة ففزعوا منه لـما رأوه, وكان أشدّهم منه فزعا إبلـيس, فكان يـمرّ فـيضربه, فـيصوّت الـجسد كما يصوّت الفخار وتكون له صلصلة, فذلك حين يقول: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارٍ ويقول لأمر مّا خُـلقت ودخـل فـيه فخرج من دبره, فقال للـملائكة: لا ترهبوا من هذا, فإن ربكم صَمَد وهذا أجوف, لئن سلطت علـيه لأهلكنّه فلـما بلغ الـحين الذي يريد الله جل ثناؤه أن ينفخ فـيه الروح, قال للـملائكة: إذا نفخت فـيه من روحي فـاسجدوا له فلـما نفخ فـيه الروح, فدخـل الروح فـي رأسه عطس, فقالت له الـملائكة: قل الـحمد لله فقال: الـحمد لله, فقال له الله: رحمك ربك فلـما دخـل الروح فـي عينـيه, نظر إلـى ثمار الـجنة, فلـما دخـل فـي جوفه اشتهَى الطعام, فوثب قبل أن تبلغ الروح رجلـيه عجلان إلـى ثمار الـجنة, فذلك حين يقول: خُـلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ فَسَجَدَ الـمَلائِكَةُ كُلّهُمْ أجْمَعُونَ إلاّ إبْلِـيسَ أبى أنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ أي اسْتَكْبَرَ وكَانَ مِنَ الكَافِرينَ قال الله له: ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ إذ أمرتك لِـمَا خَـلَقْتُ بِـيَدَيّ قالَ أنا خَيْرٌ مِنْهُ لـم أكن لأسجد لبشر خـلقته من طين, قال الله له: اخْرُجْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ يعنـي ما ينبغي لك أنْ تَتَكّبَر فِـيها فـاخْرُجْ إنّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ والصغار هو الذلّ. قال: وعلّـم آدم الأسماء كلها, ثم عرض الـخـلق علـى الـملائكة فقال: أنْبِئُونِـي بأسْماءِ هَولاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أن بنـي آدم يفسدون فـي الأرض ويسفكون الدماء, فقالوا له: سُبْحَانَكَ لا عِلْـمَ لَنا إِلاّ مَا عَلّـمْتَنا إنّكَ أنْتَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ قالَ الله: يا آدَمُ أنْبِئُهُمْ بِأسْمَائِهِمْ قالَ ألَـمْ أقُلْ لَكُمْ إنـي أعْلَـمُ غَيْبَ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ وأعْلَـمُ مَا تُبْدِونَ وَمَا كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ قال: قولهم: أتَـجْعَلُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:34 am

فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها فهذا الذي أبدوا, وأعلـم ما كنتـم تكتـمون, يعنـي ما أسرّ إبلـيس فـي نفسه من الكبر.
قال أبو جعفر: فهذا الـخبر أوّله مخالف معناه معنى الرواية التـي رويت عن ابن عبـاس من رواية الضحاك التـي قد قدمنا ذكرها قبل, وموافق معنى آخره معناها وذلك أنه ذكر فـي أوله أن الـملائكة سألت ربها: ما ذاك الـخـلـيفة؟ حين قال لها: إنـي جاعِلٌ فِـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً فأجابها أنه تكون له ذرية يفسدون فـي الأرض ويتـحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فقالت الـملائكة حينئذٍ: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ؟ فكان قول الـملائكة ما قالت من ذلك لربها بعد إعلام الله إياها أن ذلك كائن من ذرية الـخـلـيفة الذي يجعله فـي الأرض, فذلك معنى خلاف أوله معنى خبر الضحاك الذي ذكرناه.
وأما موافقته إياه فـي آخره, فهو قولهم فـي تأويـل قوله: أنْبِئُونِـي بأسْمَاءِ هَولاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أن بنـي آدم يفسدون فـي الأرض ويسفكون الدماء. وأن الـملائكة قالت إذ قال لها ربها ذلك, تبرّيا من علـم الغيب: سُبْحَانَكَ لا عِلْـمَ لَنا إلاّ ما عَلّـمْتَنَا إنّكَ أنْتَ العلِـيـمُ الـحَكِيـمُ. وهذا إذا تدبره ذو الفهم, علـم أن أوله يفسد آخره, وأن آخره يبطل معنى أوله وذلك أن الله جل ثناؤه إن كان أخبر الـملائكة أن ذرية الـخـلـيفة الذي يجعله فـي الأرض تفسد فـيها وتسفك الدماء, فقالت الـملائكة لربها: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفكُ الدّماءَ فلا وجه لتوبـيخها علـى أن أخبرت عمن أخبرها الله عنه أنه يفسد فـي الأرض ويسفك الدماء بـمثل الذي أخبرها عنهم ربها, فـيجوز أن يقال لها فـيـما طوي عنها من العلوم إن كنتـم صادقـين فـيـما علـمتـم بخبر الله إياكم أنه كائن من الأمور, فأخبرتـم به, فأخبرونا بـالذي قد طَوَى الله عنكم علـمه, كما قد أخبرتـمونا بـالذي قد أطلعكم الله علـيه. بل ذلك خـلف من التأويـل, ودعوى علـى الله ما لا يجوز أن يكون له صفة. وأخشى أن يكون بعضُ نَقَلَةِ هذا الـخبر هو الذي غلط علـى من رواه عنه من الصحابة, وأن يكون التأويـل منهم كان علـى ذلك: أنبئونـي بأسماء هؤلاء إن كنتـم صادقـين فـيـما ظننتـم أنكم أدركتـموه من العلـم بخبري إياكم أن بنـي آدم يفسدون فـي الأرض ويسفكون الدماء, حتـى استـجزتـم أن تقولوا: أتَـجْعَلُ فـيها مَنْ يُفْسدُ فـيها ويَسْفِكُ الدّماءَ فـيكون التوبـيخ حينئذٍ واقعا علـى ماظنوا أنهم قد أدركوا بقول الله لهم: إنه يكون له ذرية يفسدون فـي الأرض ويسفكون الدماء, لا علـى إخبـارهم بـما أخبرهم الله به أنه كائن. وذلك أن الله جل ثناؤه وإن كان أخبرهم عما يكون من بعض ذرية خـلـيفته فـي الأرض ما يكون منه فـيها من الفساد وسفك الدماء, فقد كان طوى عنهم الـخبر عما يكون من كثـير منهم ما يكون من طاعتهم ربهم وإصلاحهم فـي أرضه وحقن الدماء ورفعه منزلتهم وكرامتهم علـيه, فلـم يخبرهم بذلك, فقالت الـملائكة: أتَـجْعَلُ فـيها مَنْ يُفْسِدُ فـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ علـى ظنّ منها علـى تأويـل هذين الـخبرين اللذين ذكرت, وظاهرهما أن جميع ذرية الـخـلـيفة الذي يجعله فـي الأرض يفسدون فـيها ويسفكون فـيها الدماء. فقال الله لهم إذ علّـم آدم الأسماء كلها: أنْبئونِـي بأسماءِ هَؤلاء إن كنتـمْ صَادقِـين أنكم تعلـمون أن جميع بنـي آدم يفسدون فـي الأرض ويسفكون الدماء علـى ما ظننتـم فـي أنفسكم, إنكارا منه جل ثناؤه لقـيـلهم ما قالوا من ذلك علـى الـجميع والعموم, وهو من صفة خاص ذرية الـخـلـيفة منهم. وهذا الذي ذكرناه هو صفة منا لتأويـل الـخبر لا القول الذي نـختاره فـي تأويـل الآية.
ومـما يدل علـى ما ذكرنا من توجيه خبر الـملائكة عن إفساد ذرية الـخـلـيفة وسفكها الدماء علـى العموم, ما:
389ـ حدثنا به أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا سفـيان, عن عطاء بن السائب, عن عبد الرحمن بن سابط, قوله: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسدُ فـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ قال: يعنون الناس.
وقال آخرون فـي ذلك بـما:
390ـ حدثنا به بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: وَإذْ قَالَ رَبّكَ للْـمَلائِكَةِ إنّـي جَاعِلٌ فِـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً فـاستـخار الـملائكة فـي خـلق آدم, فقالوا: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ وقد علـمت الـملائكة من علـم الله أنه لا شيء أكره إلـى الله من سفك الدماء والفساد فـي الأرض وَنَـحْنُ نَسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إنّـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ فكان فـي علـم الله جل ثناؤه أنه سيكون من ذلك الـخـلـيفة أنبـياء ورسل, وقوم صالـحون, وساكنوا الـجنة. قال: وذكر لنا أن ابن عبـاس كان يقول: إن الله لـما أخذ فـي خـلق آدم قالت الـملائكة: ما الله خالق خـلقا أكرم علـيه منا ولا أعلـم منا فـابتلوا بخـلق آدم, وكل خالق مبتلًـى, كما ابتلـيت السموات والأرض بـالطاعة فقال الله: ائْتِـيا طَوْعا أوْ كَرْها قالَتا أتَـيْنا طَائِعِينَ.
وهذا الـخبر عن قتادة يدل علـى أن قتادة كان يرى أن الـملائكة قالت ما قالت من قولها: أتَـجْعَلُ فِـيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِـيها ويَسْفِكُ الدّماءَ علـى غير يقـين علـم تقدم منها بأن ذلك كائن ولكن علـى الرأي منها والظن, وأن الله جل ثناؤه أنكر ذلك من قـيـلها وردّ علـيها ما رأت بقوله: إنّـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ من أنه يكون من ذرّية ذلك الـخـلـيفة الأنبـياء والرسلُ والـمـجتهدُ فـي طاعة الله.
وقد روي عن قتادة خلاف هذا التأويـل, وهو ما:
391ـ حدثنا به الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها قال: كان الله أعلـمهم إذا كان فـي الأرض خـلق أفسدوا فـيها وسفكوا الدماء, فذلك قوله: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها. وبـمثل قول قتادة قال جماعة من أهل التأويـل, منهم الـحسن البصري.
392ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن جرير بن حازم, ومبـارك عن الـحسن, وأبـي بكر عن الـحسن, وقتادة قالا: قال الله لـملائكته: إنّـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً قال لهم إنـي فـاعل. فعرضوا برأيهم, فعلـمهم علـما وطوى عنهم علـما عَلِـمَه لا يعلـمونه. فقالوا بـالعلـم الذي علّـمهم: أتَـجْعَل فِـيها مَنْ يُفْسِد فِـيها وَيَسْفِكَ الدّماءَ وقد كانت الـملائكة علـمت من علـم الله أنه لا ذنب أعظم عند الله من سفك الدماء وَنَـحْن نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّس لَكَ قالَ إنّـي أعْلَـم ما لا تَعْلَـمُونَ. فلـما أخذ فـي خـلق آدم, همست الـملائكة فـيـما بـينها, فقالوا: لـيخـلق ربنا ما شاء أن يخـلق, فلن يخـلق خـلقا إلا كنا أعلـم منه, وأكرم علـيه منه. فلـما خـلقه ونفخ فـيه من روحه, أمرهم أن يسجدوا له لـما قالوا, ففضله علـيهم, فعلـموا أنهم لـيسوا بخير منه, فقالوا: إن لـم نكن خيرا منه فنـحن أعلـم منه, لأنا كنا قبله, وخـلقت الأمـم قبله, فلـما أعجبوا بعلـمهم ابتلوا فعلـم آدمَ الأسماءَ كلّها ثمّ عرَضهُمْ علَـى الـملائكةِ فقال أنْبِئُونِـي بأسْماءِ هَؤلاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أنـي لا أخـلق خـلقا إلا كنتـم أعلـم منه, فأخبرونـي بأسماء هؤلاء إن كنتـم صادقـين قال: ففزع القوم إلـى التوبة وإلـيها يفزع كل مؤمن فقالوا: سُبْحانَكَ لا عِلْـمَ لَنا إِلاّ مَا عَلّـمْتَنَا إنّكَ أَنْتَ العَلِـيـم الـحَكِيـم قالَ يا آدمَ أنْبِئْهُمْ بأسْمَائِهِمْ فَلَـمّا أنْبأهُمْ بِأسْمَائِهِمْ قالَ ألَـمْ أَقُلْ لَكُمْ إنّـي أعْلَـمُ غَيْب السّمَوَاتِ وَالأرْض وأعْلَـمُ ما تُبْدونَ وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ لقولهم: لـيخـلق ربنا ما شاء فلن يخـلق خـلقا أكرم علـيه منا ولا أعلـم منّا.
قال: علـمه اسم كل شيء, هذه الـجبـال, وهذه البغال, والإبل, والـجنّ, والوحش, وجعل يسمي كل شيء بـاسمه, وعرضت علـيه كل أمة فقالَ ألَـمْ أقُلْ لَكُمْ إنّـي أعْلَـمُ غَيْب السّمَوَاتِ مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ. وأما ما كتـموا فقول بعضهم لبعض: نـحن خير منه وأعلـم.
393ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه عن الربـيع بن أنس فـي قوله: إنّـي جاعِلٌ فـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً الآية. قال: إن الله خـلق الـملائكة يوم الأربعاء, وخـلق الـجن يوم الـخميس, وخـلق آدم يوم الـجمعة. قال: فكفر قوم من الـجن, فكانت الـملائكة تهبط إلـيهم فـي الأرض فتقاتلهم, فكانت الدماء, وكان الفساد فـي الأرض. فمن ثم قالوا: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِد فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ... الآية.
394ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: أخبرنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, بـمثله. ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلائِكَةِ فَقالَ أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَولاءِ إِنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ إلـى قوله: إنّكَ أَنْتَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ قال: وذلك حين قالوا: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيهَا وَيَسْفِكَ الدّماءَ وَنَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَك قال: فلـما عرفوا أنه جاعل فـي الأرض خـلـيفة قالوا بـينهم: لن يخـلق الله خـلقا إلا كنا نـحن أعلـم منه وأكرم فأراد الله أن يخبرهم أنه قد فضل علـيهم آدم, وعلّـم آدم الأسماء كلها, فقال للـملائكة: أنْبِئونِـي بِأسْمَاءِ هَولاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ إلـى قوله: وأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ وكان الذي أبدوا حين قَالُوا أتَـجْعَلُ فِـيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِـيها ويَسْفِكُ الدّماءَ وكان الذي كتـموا بـينهم قولهم: لن يخـلق الله خـلقا إلا كنا نـحن أعلـم منه وأكرم. فعرفوا أن الله فضل علـيهم آدم فـي العلـم والكرم.
وقال ابن زيد بـما:
395ـ حدثنـي به يونس بن عبد الأعلـى قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: لـما خـلق الله النار ذعرت منها الـملائكة ذعرا شديدا, وقالوا: ربنا لـم خـلقت هذه النار, ولأيّ شيء خـلقتها؟ قال: لـمن عصانـي من خـلقـي. قال: ولـم يكن لله خـلق يومئذٍ إلا الـملائكة والأرض, لـيس فـيها خـلق, إنـما خـلق آدم بعد ذلك. وقرأ قول الله: هَلْ أتَـى علـى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَـمْ يَكُنْ شَيْئا مَذْكُورا. قال: قال عمر بن الـخطاب: يا رسول الله لـيت ذلك الـحين. ثم قال: قالت الـملائكة: يا رب أو يأتـي علـينا دهر نعصيك فـيه لا يرون له خـلقا غيرهم. قال: لا, إنـي أريد أن أخـلق فـي الأرض خـلقا وأجعل فـيها خـلـيقة يسفكون الدماء ويفسدون فـي الأرض. فقالت الـملائكة: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفكُ الدّماءَ وقد اخترتنا؟ فـاجعلنا نـحن فـيها فنـحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونعمل فـيها بطاعتك وأعظمت الـملائكة أن يجعل الله فـي الأرض من يعصيه. فقال: إنـي أعلـم ما لا تعلـمون, يا آدم أنبئهم بأسمائهم فقال: فلان, وفلان. قال: فلـما رأوه ما أعطاه الله من العلـم, أقرّوا لاَدم بـالفضل علـيهم, وأبى الـخبـيث إبلـيس أن يقرّ له, قال: أنا خَيْرٌ مِنْهُ خَـلَقْتَنِـي مِنْ نارٍ وَخَـلَقْتَهُ مِنْ طِينِ قالَ فـاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أنْ تَتَكَبّرَ فِـيها.
وقال ابن إسحاق بـما:
396ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن مـحمد بن إسحاق, قال: لـما أراد الله أن يخـلق آدم بقدرته لـيبتلـيه ويبتلـي به, لعلـمه بـما فـي ملائكته وجميع خـلقه وكان أول بلاء ابتلـيت به الـملائكة مـما لها فـيه ما تـحبّ وما تكره للبلاء والتـمـحيص لـما فـيهم مـما لـم يعلـموا وأحاط به علـم الله منهم جمع الـملائكة من سكان السموات والأرض, ثم قال: إنّـي جاعِلٌ فِـي الأرْضِ خَـلَـيفَةً يقول: عامر أو ساكن يسكنها ويعمرها خـلقا لـيس منكم. ثم أخبرهم بعلـمه فـيهم, فقال: يفسدون فـي الأرض ويسفكون الدماء ويعملون بـالـمعاصي, فقالوا جميعا: أتَـجْعَلُ فِـيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكَ الدّماءَ وَنَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ لا نعصي ولا نأتـي شيئا كرهته؟ قال: إنّـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ قال: إنـي أعلـم فـيكم ومنكم, ولـم يبدها لهم من الـمعصية والفساد وسفك الدماء وإتـيان ما أكره منهم, مـما يكون فـي الأرض, مـما ذكرت فـي بنـي آدم.
قال الله لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: ما كانَ لِـيَ منْ عِلْـمٍ بـالـمَلأ الأعْلَـى إذْ يَخْتَصِمُونَ إنْ يُوحَى إلـيّ إلاّ أنّـمَا أنا نَذِيرٌ مُبِـينٌ إلـى قوله: فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فذكر لنبـيه صلى الله عليه وسلم الذي كان من ذكره آدم حين أراد خـلقه ومراجعة الـملائكة إياه فـيـما ذكر لهم منه. فلـما عزم الله تعالـى ذكره علـى خـلق آدم قال للـملائكة: إنّـي خالِقٌ بَشَرا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمِأٍ مَسْنُونٍ بـيدّي تكرمةً له, وتعظيـما لأمره, وتشريفـا له حفظت الـملائكة عهده, ووعوا قوله, وأجمعوا الطاعة, إلا ما كان من عدوّ الله إبلـيس, فإنه صمت علـى ما كان فـي نفسه من الـحسد والبغي والتكبر والـمعصية. وخـلق الله آدم من أَدَمة الأرض, من طين لازب من حمأ مسنون, بـيديه تكرمة له وتعظيـما لأمره وتشريفـا له علـى سائر خـلقه.
قال ابن إسحاق: فـيقال والله أعلـم: خـلق الله آدم ثم وضعه ينظر إلـيه أربعين عاما قبل أن ينفخ فـيه الروح حتـى عاد صلصالاً كالفخار, ولـم تـمسه نار. قال: فـيقال والله أعلـم: إنه لـما انتهى الروح إلـى رأسه عطس, فقال: الـحمد لله فقال له ربه: يرحمك ربك ووقع الـملائكة حين استوى سجودا له حفظا لعهد الله الذي عهد إلـيهم, وطاعة لأمره الذي أمرهم به. وقام عدوّ الله إبلـيس من بـينهم, فلـم يسجد مكابرا متعظما بغيا وحسدا, فقال له: يا إبْلِـيسُ ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِـمَا خَـلَقْتُ بِـيَدَيّ إلـى: لأَمْلأَنّ جَهَنّـمَ مِنْكَ وَمِـمّنْ تَبعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ. قال: فلـما فرغ الله من إبلـيس ومعاتبته وأبى إلـى الـمعصية, أوقع علـيه اللعنة وأخرجه من الـجنة. ثم أقبل علـى آدم, وقد علـمه الأسماء كلها, فقال: يا آدَمُ أنْبِئُهُمْ بأسْمَائِهِمْ فَلَـمّا أنْبأهُمْ بأسْمَائِهِمْ قالَ ألَـمْ أقُلْ لَكُمْ إنّـي أعْلَـمُ غَيْبَ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ وأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْـمَ لَنا إلا مَا عَلّـمْتَنَا إنّكَ أَنْتَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ أي إنـما أجبناك فـيـما علـمتنا, فأما ما لـم تعلـمنا فأنت أعلـم به. فكان ما سمى آدمُ من شيء كان اسمه الذي هو علـيه إلـى يوم القـيامة.
وقال ابن جريج بـما:
397ـ حدثنا به القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج, قال: إنـما تكلـموا بـما أعلـمهم أنه كائن من خـلق آدم, فقالوا: أتَـجْعَلُ فِـيها مَن يُفْسِدُ فِـيها ويَسْفِكُ الدّماءَ.
وقال بعضهم: إنـما قالت الـملائكة ما قالت: أتَـجْعَلُ فِـيها مَن يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ لأن الله أذن لها فـي السؤال عن ذلك بعد ما أخبرها أن ذلك كائن من بنـي آدم, فسألته الـملائكة فقالت علـى التعجب منها: وكيف يعصونك يا ربّ وأنت خالقهم فأجابهم ربهم: إنّـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ يعنـي أن ذلك كائن منهم وإن لـم تعلـموه أنتـم, ومن بعض من ترونه لـي طائعا. يعرّفهم بذلك قصور علـمهم عن علـمه.
وقال بعض أهل العربـية: قول الـملائكة: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها علـى غير وجه الإنكار منهم علـى ربهم, وإنـما سألوه لـيعلـموا, وأخبروا عن أنفسهم أنهم يسبحون. وقال: قالوا ذلك لأنهم كرهوا أن يعصى الله, لأن الـجنّ قد كانت أمرت قبل ذلك فعصت.
وقال بعضهم: ذلك من الـملائكة علـى وجه الاسترشاد عما لـم يعلـموا من ذلك, فكأنهم قالوا: يا ربّ خبرنا مسألة استـخبـار منهم لله لا علـى وجه مسألة التوبـيخ.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه التأويلات بقول الله جل ثناؤه مخبرا عن ملائكته قـيـلها له: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكَ الدّماءَ وَنَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ تأويـل من قال: إن ذلك منها استـخبـار لربها بـمعنى: أعلـمنا يا ربنا, أجاعل أنت فـي الأرض من هذه صفته وتارك أن تـجعل خـلفـاءك منا, ونـحن نسبح بحمدك, ونقدّس لك؟ لا إنكارٌ منها لـما أعلـمها ربها أنه فـاعل, وإن كانت قد استعظمت لـما أخبرت بذلك أن يكون لله خـلق يعصيه.
وأما دعوى من زعم أن الله جل ثناؤه كان أذن لها بـالسؤال عن ذلك فسألته علـى وجه التعجب, فدعوى لا دلالة علـيها فـي ظاهر التنزيـل ولا خبر بها من الـحجة يقطع العذر, وغير جائز أن يقال فـي تأويـل كتاب الله بـما لا دلالة علـيه من بعض الوجوه التـي تقوم بها الـحجة.
وأما وصف الـملائكة من وصفت فـي استـخبـارها ربها عنه بـالفساد فـي الأرض وسفك الدماء, فغير مستـحيـل فـيه ما رُوي عن ابن عبـاس وابن مسعود من القول الذي رواه السدّي ووافقهما علـيه قتادة من التأويـل. وهو أن الله جل ثناؤه أخبرهم أنه جاعل فـي الأرض خـلـيفة تكون له ذرية يفعلون كذا وكذا, فقالوا: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها علـى ما وصفت من الاستـخبـار.
فإن قال لنا قائل: وما وجه استـخبـارها والأمر علـى ما وصفت من أنها قد أخبرت أن ذلك كائن؟ قـيـل: وجه استـخبـارها حينئذٍ يكون عن حالهم عن وقوع ذلك, وهل ذلك منهم؟ ومسألتهم ربهم أن يجعلهم الـخـلفـاء فـي الأرض حتـى لا يعصوه.
وغير فـاسد أيضا ما رواه الضحاك عن ابن عبـاس وتابعه علـيه الربـيع بن أنس من أن الـملائكة قالت ذلك لـما كان عندها من علـم سكان الأرض قبل آدم من الـجن, فقالت لربها: أجاعل فـيها أنت مثلهم من الـخـلق يفعلون مثل الذي كانوا يفعلون؟ علـى وجه الاستعلام منهم لربهم, لا علـى وجه الإيجاب أن ذلك كائن كذلك, فـيكون ذلك منها إخبـارا عما لـم تطلع علـيه من علـم الغيب.
وغير خطأ أيضا ما قاله ابن زيد من أن يكون قـيـل الـملائكة ما قالت من ذلك علـى وجه التعجب منها من أن يكون لله خـلق يعصي خالقه.
وإنـما تركنا القول بـالذي رواه الضحاك عن ابن عبـاس ووافقه علـيه الربـيع بن أنس وبـالذي قاله ابن زيد فـي تأويـل ذلك لأنه لا خبر عندنا بـالذي قالوه من وجه يقطع مـجيئه العذر ويـلزم سامعه به الـحجة. والـخبر عما مضى وما قد سلف, لا يدرك علـم صحته إلا بـمـجيئه مـجيئا يـمتنع منه التشاغب والتواطؤ, ويستـحيـل منه الكذب والـخطأ والسهو. ولـيس ذلك بـموجود كذلك فـيـما حكاه الضحاك عن ابن عبـاس ووافقه علـيه الربـيع, ولا فـيـما قاله ابن زيد. فأولـى التأويلات إذ كان الأمر كذلك بـالآية, ما كان علـيه من ظاهر التنزيـل دلالةٌ مـما يصحّ مخرجه فـي الـمفهوم.
فإن قال قائل: فإن كان أولـى التأويلات بـالآية هو ما ذكرتَ من أن الله أخبر الـملائكة بأن ذرية خـلـيفته فـي الأرض يفسدون فـيها ويسفكون فـيها الدماء, فمن أجل ذلك قالت الـملائكة: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيهَا فأين ذكر إخبـار الله إياهم فـي كتابه بذلك؟ قـيـل له: اكتفـي بدلالة ما قد ظهر من الكلام علـيه عنه, كما قال الشاعر:
فَلاَ تَدْفِنُونِـي إنّ دَفْنِـي مُـحَرّمٌعَلَـيْكُمْ وَلَكِنْ خامِرِي أُمّ عامِرِ
فحذف قوله دعونـي للتـي يقال لها عند صيدها خامري أم عامر, إذ كان فـيها أظهر من كلامه دلالة علـى معنى مراده. فكذلك ذلك فـي قوله: قالُوا أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها لـما كان فـيه دلالة علـى ما ترك ذكره بعد قوله: إنّـي جاعِلٌ فِـي الأرْضِ خَـلِـيفَةً من الـخبر عما يكون من إفساد ذريته فـي الأرض اكتفـى بدلالته وحذف, فترك ذكره كما ذكرنا من قول الشاعر. ونظائر ذلك فـي القرآن وأشعار العرب وكلامها أكثر من أن يحصى. فلـما ذكرنا من ذلك اخترنا ما اخترنا من القول فـي تأويـل قوله: قالُوا أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَنَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:36 am

قال أبو جعفر: أما قوله: وَنَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ فإنه يعنـي: إنا نعظمك بـالـحمد لك والشكر, كما قال جل ثناؤه: فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وكما قال: وَالـمَلائِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وكل ذكر لله عند العرب فتسبـيح وصلاة, يقول الرجل منهم: قضيت سبحتـي من الذكر والصلاة. وقد قـيـل إن التسبـيح صلاة الـملائكة.
398ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن سعيد بن جبـير قال: «كان النبـي صلى الله عليه وسلم يصلـي, فمرّ رجل من الـمسلـمين علـى رجل من الـمنافقـين, فقال له: النبـي صلى الله عليه وسلم يصلـي وأنت جالس فقال له: امض إلـى عملك إن كان لك عمل, فقال: ما أظنّ إلا سيـمرّ علـيك من ينكر علـيك. فمرّ علـيه عمر بن الـخطاب, فقال له: يا فلان النبـي صلى الله عليه وسلم يصلـي وأنت جالس فقال له مثلها. فقال: هذا من عملـي. فوثب علـيه فضربه حتـى انتهى. ثم دخـل الـمسجد فصلـى مع النبـي صلى الله عليه وسلم, فلـما انفتل النبـي صلى الله عليه وسلم قام إلـيه عمر, فقال: يا نبـيّ الله مررت آنفـا علـى فلان وأنت تصلـي, فقلت له: النبـي صلى الله عليه وسلم يصلـي وأنت جالس فقال: سر إلـى عملك إن كان لك عمل. فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: «فهلاّ ضَرَبْتَ عُنُقَهُ» فقام عمر مسرعا. فقال: «يا عُمَرُ ارْجِعْ فإنّ غَضَبَكَ عز وَرِضَاكَ حُكْمٌ, إنّ لِلّهِ فِـي السّمَوَاتِ السّبْعِ مَلائِكَةً يُصَلُونَ, لَهُ غِنًى عَنْ صَلاةِ فُلانٍ». فقال عمر: يا نبـيّ الله وما صلاتهم؟ فلـم يردّ علـيه شيئا. فأتاه جبريـل, فقال: يا نبـي الله سألك عمر عن صلاة أهل السماء؟ قال: «نَعَمْ», فقال: اقرأ علـى عمر السلام, وأخبره أن أهل السماء الدنـيا سجود إلـى يوم القـيامة يقولون: سبحان ذي الـملك والـملكوت, وأهل السماء الثانـية ركوع إلـى يوم القـيامة يقولون: سبحان ذي العزّة والـجبروت, وأهل السماء الثالثة قـيام إلـى يوم القـيامة يقولون: سبحان الـحيّ الذي لا يـموت.
قال أبو جعفر:
399ـ وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, وسهل بن موسى الرازي, قالا: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا الـجريري, عن أبـي عبد الله الـجسري, عن عبد الله بن الصامت, عن أبـي ذرّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاده أو أن أبـا ذرّ عاد النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بأبـي أنت, أيّ الكلام أحبّ إلـى الله؟ فقال: «ما اصْطَفَـى اللّهُ لِـمَلائِكَتِهِ: سُبْحَانَ رَبـي وَبِحَمْدِهِ, سُبْحانَ رَبـي وَبَحمْدِهِ». فـي أشكال لـما ذكرنا من الأخبـار كرهنا إطالة الكتاب بـاستقصائها. وأصل التسبـيح لله عند العرب التنزيه له من إضافة ما لـيس من صفـاته إلـيه والتبرئة له من ذلك, كما قال أعشى بنـي ثعلبة:
أقُولُ لَـمّا جاءَنِـي فَخْرُهُسُبْحانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفـاخِرِ
يريد: سبحان الله من فخر علقمة أي تنزيها لله مـما أتـى علقمة من الافتـخار علـى وجه النكير منه لذلك.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى التسبـيح والتقديس فـي هذا الـموضع.
فقال بعضهم: قولهم: نسبح بحمدك: نصلـي لك. ذكر من قال ذلك:
400ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: ونَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قال: يقولون: نصلـي لك.
وقال آخرون: نسبح بحمدك التسبـيح الـمعلوم. ذكر من قال ذلك:
401ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: ونَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ قال التسبـيحَ التسبـيحَ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَنُقَدّسُ لَكَ.
قال أبو جعفر: والتقديس هو التطهير والتعظيـم ومنه قولهم: سبّوح قدّوس, يعنـي بقولهم سبوح: تنزيه لله وبقولهم قدوس: طهارة له وتعظيـم ولذلك قـيـل للأرض: أرض مقدسة, يعنـي بذلك الـمطهرة. فمعنى قول الـملائكة إذا: وَنَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ ننزّهك ونبرّئك مـما يضيفه إلـيك أهل الشرك بك, ونصلـي لك. ونقدس لك: ننسبك إلـى ما هو من صفـاتك من الطهارة من الأدناس وما أضاف إلـيك أهل الكفر بك.
وقد قـيـل: إن تقديس الـملائكة لربها صلاتها له كما:
402ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَنُقَدّسُ لَكَ قال: التقديس: الصلاة.
وقال بعضهم: نقدّس لك: نعظمك ونـمـجدك. ذكر من قال ذلك:
403ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هاشم بن القاسم, قال: حدثنا أبو سعيد الـمؤدّب, قال: حدثنا إسماعيـل, عن أبـي صالـح فـي قوله: وَنَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قال: نعظمك ونـمـجدك.
404ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنـي عيسى. وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَنُقَدّسُ لَكَ قال: نعظمك ونكبرك.
405ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن ابن إسحاق: وَنَـحنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ لا نعصي ولا نأتـي شيئا تكرهه.
406ـ وحدثت عن الـمنـجاب, قال: حدثنا بشر, عن أبـي روق, عن الضحاك فـي قوله: وَنُقَدّسُ لَكَ قال: التقديس: التطهير.
وأما قول من قال: إن التقديس الصلاة أو التعظيـم, فإن معنى قوله ذلك راجع إلـى الـمعنى الذي ذكرناه من التطهير من أجل أن صلاتها لربها تعظيـم منها له وتطهير مـما ينسبه إلـيه أهل الكفر به.
ولو قال مكان: «ونقدس لك»: «ونقدسك», كان فصيحا من الكلام, وذلك أن العرب تقول: فلان يسبح الله ويقدسه, ويسبح لله ويقدس له بـمعنى واحد, وقد جاء بذلك القرآن, قال الله جل ثناؤه: كَيْ نُسَبّحَكَ كَثِـيرا وَنَذْكُرَكَ كَثِـيرا وقال فـي موضع آخر: يُسَبّحُ لِلّهِ ما فِـي السّمَوَاتِ وَمَا فِـي أَلارْضِ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قالَ إنّـي أعْلَـمُ مَا لا تَعْلَـمُونَ.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم: يعنـي بقوله: أعْلَـمُ مَا لا تَعْلَـمُونَ مـما اطلع علـيه من إبلـيس, وإضماره الـمعصية لله وإخفـائه الكبر, مـما اطلع علـيه تبـارك وتعالـى منه وخفـي علـى ملائكته. ذكر من قال ذلك:
407ـ حدثنا مـحمد بن العلاء, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: إنّـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ يقول: إنـي قد اطلعت من قلب إبلـيس علـى ما لـم تطلعوا علـيه من كبره واغتراره.
408ـ وحدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فـي خبر ذكره عن أبـي مالك وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: إنـي أعْلَـمُ مَا لا تَعْلَـمُونَ يعنـي من شأن إبلـيس.
409ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد. وحدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قالا جميعا: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إنـي أعْلَـمُ مَا لا تَعْلَـمُونَ قال: علـم من إبلـيس الـمعصية وخـلقه لها.
وحدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي, قال: حدثنا مـحمد بن بشر, قال: حدثنا سفـيان, عن علـيّ بن بذيـمة, عن مـجاهد بـمثله.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن علـيّ بن بذيـمة, عن مـجاهد, مثله.
وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزّة عن مـجاهد فـي قوله: إنـي أعلـم ما لا تعلـمون قال: علـم من إبلـيس الـمعصية وخـلقه لها.
وحدثنـي جعفر بن مـحمد البُزُوري, قال: حدثنا حسن بن بشر عن حمزة الزيات, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: إنـي أعْلَـمُ مَا لا تَعْلَـمُونَ قال: علـم من إبْلِـيسَ كتـمانه الكبر أن لا يسجد لاَدم.
وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون, قال: وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: إنّـي أعْلَـمُ مَا لا تَعْلَـمُونَ قال: علـم من إبلـيس الـمعصية.
وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد, مثله.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, قال: قال مـجاهد فـي قوله: إنـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ قال: علـم من إبلـيس الـمعصية وخـلقه لها. وقال مرة آدم.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, قال: سمعت عبد الوهاب بن مـجاهد يحدّث عن أبـيه فـي قوله: إنّـي أعْلَـمُ مَا لا تَعْلَـمُونَ قال: علـم من إبلـيس الـمعصية وخـلقه لها, وعلـم من آدم الطاعة وخـلقه لها.
وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه والثوري عن علـيّ بن بذيـمة, عن مـجاهد فـي قوله: إنـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ قال: علـم من إبلـيس الـمعصية وخـلقه لها.
410ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: إنـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ أي فـيكم ومنكم ولـم يبدها لهم من الـمعصية والفساد وسفك الدماء.
وقال آخرون: معنى ذلك أنـي أعلـم ما لا تعلـمون من أنه يكون من ذلك الـخـلـيفة أهل الطاعة والولاية لله. ذكر من قال ذلك:
411ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قال: إنـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ فكان فـي علـم الله أنه سيكون من ذلك الـخـلـيفة أنبـياء ورسل وقوم صالـحون وساكنوا الـجنة.
وهذا الـخبر من الله جل ثناؤه, ينبىء عن أن الـملائكة التـي قالت: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ استفظعت أن يكون لله خـلق يعصيه, وعجبت منه إذ أخبرت أن ذلك كائن فلذلك قال لهم ربهم: إنـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ يعنـي بذلك: والله أعلـم أنك لتعجبون من أمر الله وتستفظعونه وأنا أعلـم أنه فـي بعضكم, وتصفون أنفسكم بصفة أعلـم خلافها من بعضكم وتعرّضون بأمر قد جعلته لغيركم. وذلك أن الـملائكة لـما أخبرها ربها بـما هو كائن من ذرية خـلـيفته من الفساد وسفك الدماء قالت لربها: يا رب أجاعل أنت فـي الأرض خـلـيفة من غيرنا يكون من ذريته من يعصيك أم منا؟ فإنا نعظمك ونصلـي لك ونطيعك ولا نعصيك ولـم يكن عندها علـم بـما قد انطوى علـيه كشحا إبلـيسُ من استكبـاره علـى ربه. فقال لهم ربهم: إنـي أعلـم غير الذي تقولون من بعضكم. وذلك هو ما كان مستورا عنهم من أمر إبلـيس وانطوائه علـى ما قد كان انطوى علـيه من الكبر. وعلـى قـيـلهم ذلك ووصفهم أنفسهم بـالعموم من الوصف عوتبوا.
الآية : 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَآءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـَؤُلآءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
قال أبو جعفر:
412ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قال: بعث ربّ العزّة ملك الـموت, فأخذ من أديـم الأرض من عذبها ومالـحها, فخـلق منه آدم. ومن ثم سُمي آدم لأنه خـلق من أديـم الأرض.
413ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا عمرو بن ثابت, عن أبـيه, عن جده, عن علـيّ, قال: إن آدم خـلق من أديـم الأرض فـيه الطيب والصالـح والرديء, فكل ذلك أنت راء فـي ولده الصالـح والرديء.
414ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا مسعر, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير, قال: خـلق آدم من أديـم الأرض فسمي آدم.
وحدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير قال: إنـما سمي آدم لأنه خـلق من أديـم الأرض.
415ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: إن ملك الـموت لـما بعث لـيأخذ من الأرض تربة آدم, أخذ من وجه الأرض وخـلط فلـم يأخذ من مكان واحد, وأخذ من تربة حمراء وبـيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفـين, ولذلك سمي آدم, لأنه أخذ من أديـم الأرض.
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يحقق ما قال من حكينا قوله فـي معنى آدم, وذلك ما:
416ـ حدثنـي به يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن عوف, وحدثنا مـحمد بن بشار وعمر بن شبة, قالا: حدثنا يحيى بن سعيد, قال: حدثنا عوف, وحدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ ومـحمد بن جعفر وعبد الوهاب الثقـفـي قالوا: حدثنا عوف, وحدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـان, قال: حدثنا عنبسة, عن عوف الأعرابـي, عن قسامة بن زهير, عن أبـي موسى الأشعري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ اللّهَ خَـلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأرْضِ, فَجَاءَ بَنُو آدَمَ علـى قَدْرِ الأرْضِ جاءَ مِنْهُمْ أَلاحْمَرُ وَالأسْوَدُ وَالأبْـيَضُ وَبَـيْنَ ذلكَ وَالسّهْلُ وَالـحَزْنُ وَالـخَبِـيثُ وَالطّيّبُ».
فعلـى التأويـل الذي تأول آدم من تأوله بـمعنى أنه خـلق من أديـم الأرض, يجب أن يكون أصل آدم فعلاً سمي به أبو البشر, كما سمي أحمد بـالفعل من الإحماد, وأسعد من الإسعاد, فلذلك لـم يجرّ, ويكون تأويـله حينئذٍ: آدم الـملك الأرضَ, يعنـي به أبلغ أَدَمتها, وأدمتها وجهها الظاهر لرأي العين, كما أن جلدة كل ذي جلدة له أدمة, ومن ذلك سمي الإدام إداما, لأنه صار كالـجلدة العلـيا مـما هي منه, ثم نقل من الفعل فجعل اسما للشخص بعينه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: الأسْمَاءَ كُلّها.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي الأسماء التـي علـمها آدم ثم عرضها علـى الـملائكة. فقال ابن عبـاس ما:
417ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: علـم الله آدم الأسماء كلها, وهي هذه الأسماء التـي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة, وأرض, وسهل, وبحر, وجبل, وحمار, وأشبـاه ذلك من الأمـم وغيرها.
418ـ وحدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنـي عيسى عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال: علـمه اسم كل شيء.
وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن خصيف, عن مـجاهد: وَعَلّـمَ آدمَ الأسْماءَ كُلّها قال: علـمه اسم كل شيء.
419ـ وحدثنا علـي بن الـحسن, قال: حدثنا مسلـم الـحرمي, عن مـحمد بن مصعب, عن قـيس بن الربـيع, عن خصيف, عن مـجاهد, قال: علـمه اسم الغراب والـحمامة, واسم كل شيء.
420ـ وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شريك, عن سالـم الأفطس, عن سعيد بن جبـير, قال: علـمه اسم كل شيء, حتـى البعير والبقرة والشاة.
421ـ وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن شريك, عن عاصم بن كلـيب, عن سعيد بن معبد, عن ابن عبـاس, قال: علـمه اسم القصعة والفسوة والفسية.
وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن عاصم بن كلـيب, عن الـحسن بن سعد, عن ابن عبـاس: وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلّها قال: حتـى الفسوة والفسية.
حدثنا علـيّ بن الـحسن, قال: حدثنا مسلـم, قال: حدثنا مـحمد بن مصعب, عن قـيس, عن عاصم بن كلـيب, عن سعيد بن معبد, عن ابن عبـاس فـي قول الله: وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال: علـمه اسم كل شيء حتـى الهنة والهنـية والفسوة والضرطة.
وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا علـيّ بن مسهر, عن عاصم بن كلـيب, قال: قال ابن عبـاس: علـمه القصعة من القصيعة, والفسوة من الفسية.
422ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها حتـى بلغ: إنّكَ أنْتَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم فأنبأ كل صنف من الـخـلق بـاسمه وألـجأه إلـى جنسه.
423ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: حدثنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال: علـمه اسم كل شيء: هذا جبل, وهذا بحر, وهذا كذا وهذا كذا, لكل شيء, ثم عرض تلك الأشياء علـى الـملائكة فقال: أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَولاءِ إِنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ.
424ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن جرير بن حازم ومبـارك, عن الـحسن, وأبـي بكر عن الـحسن وقتادة قالا: علـمه اسم كل شيء: هذه الـخيـل, وهذه البغال, والإبل, والـجنّ, والوح5 وجعل يسمي كل شيء بـاسمه.
425ـ وحدثت عن عمار, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر عن أبـيه, عن الربـيع, قال: اسم كل شيء.
وقال آخرون: علـم آدم الأسماء كلها, أسماء الـملائكة. ذكر من قال ذلك:
426ـ حدثت عن عمار, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع قوله: وَعَلـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلها قال: أسماء الـملائكة.
وقال آخرون: إنـما علـمه أسماء ذريته كلها. ذكر من قال ذلك:
427ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَعَلـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال: أسماء ذرّيته أجمعين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة Empty17/4/2011, 1:37 am

وأولـى هذه الأقوال بـالصواب وأشبهها بـما دلّ علـى صحته ظاهر التلاوة قول من قال فـي قوله: وَعَلّـمَ آدمَ الأسْماءَ كُلّها إنها أسماء ذرّيته وأسماء الـملائكة, دون أسماء سائر أجناس الـخـلق. وذلك أن الله جل ثناؤه قال: ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلائِكَةِ يعنـي بذلك أعيان الـمسمين بـالأسماء التـي علـمها آدم, ولا تكاد العرب تكنـي بـالهاء والـميـم إلا عن أسماء بنـي آدم والـملائكة وأما إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الـخـلق, سوى من وصفنا, فإنها تكنـي عنها بـالهاء والألف, أو بـالهاء والنون, فقالت: عرضهن, أو عرضها. وكذلك تفعل إذا كنت عن أصناف من الـخـلق, كالبهائم والطير وسائر أصناف الأمـم, وفـيها أسماء بنـي آدم والـملائكة, فإنها تكنـي عنها بـما وصفنا من الهاء والنون, أو الهاء والألف. وربـما كنت عنها إذ كان كذلك بـالهاء والـميـم, كما قال جل ثناؤه: وَاللّهُ خَـلَقَ كُلّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى رِجْلَـيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى أرْبَعٍ فكنـي عنها بـالهاء والـميـم, وهي أصناف مختلفة فـيها الاَدميّ وغيره. وذلك وإن كان جائزا فإن الغالب الـمستفـيض فـي كلام العرب ما وصفنا من إخراجهم كناية أسماء أجناس الأمـم إذا اختلطت بـالهاء والألف, أو الهاء والنون. فلذلك قلت: أولـى بتأويـل الآية أن تكون الأسماء التـي علـمها آدم أسماء أعيان بنـي آدم وأسماء الـملائكة. وإن كان ما قال ابن عبـاس جائزا علـى مثال ما جاء فـي كتاب الله من قوله: وَاللّهُ خَـلَقَ كُلّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى بَطْنِهِ الآية. وقد ذكر أنها فـي حرف ابن مسعود: «ثم عرضهن», وأنها فـي حرف أبـيّ: «ثم عرضها».
ولعلّ ابن عبـاس تأوّل ما تأوّل من قوله: علـمه اسم كل شيء حتـى الفسوة والفسية علـى قراءة أبـيّ, فإنه فـيـما بلغنا كان يقرأ قراءة أبـيّ. وتأويـل ابن عبـاس علـى ما حكي عن أبـيّ من قراءته غير مستنكر, بل هو صحيح مستفـيض فـي كلام العرب علـى نـحو ما تقدم وصفـي ذلك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلائِكَةِ.
قال أبو جعفر: قد تقدم ذكرنا التأويـل الذي هو أوْلـى بـالآية علـى قراءتنا ورسم مصحفنا, وأن قوله: ثُمّ عَرَضَهُمْ بـالدلالة علـى بنـي آدم والـملائكة أولـى منه بـالدلالة علـى أجناس الـخـلق كلها, وإن كان غير فـاسد أن يكون دالاّ علـى جميع أصناف الأمـم للعلل التـي وصفنا.
ويعنـي جل ثناؤه بقوله: ثُمّ عَرَضَهُمْ ثم عرض أهل الأسماء علـى الـملائكة.
وقد اختلف الـمفسرون فـي تأويـل قوله: ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلاَئِكَةِ نـحو اختلافهم فـي قوله: وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها وسأذكر قول من انتهى إلـينا عنه فـيه قول.
428ـ حدثنا مـحمد بن العلاء, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق عن الضحاك, عن ابن عبـاس: ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلائِكَةِ ثم عرض هذه الأسماء يعنـي أسماء جميع الأشياء التـي علـمها آدم من أصناف جميع الـخـلق.
429ـ وحدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: ثُمّ عَرَضَهُمْ ثم عرض الـخـلق علـى الـملائكة.
430ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: أسماء ذريته كلها أخذهم من ظهره. قال: ثم عرضهم علـى الـملائكة.
431ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن قتادة: ثُمّ عَرَضَهُمْ قال: علـمه اسم كل شيء ثم عرض تلك الأسماء علـى الـملائكة.
432ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: ثُمّ عَرَضَهُمْ عرض أصحاب الأسماء علـى الـملائكة.
433ـ وحدثنا علـيّ بن الـحسن, قال: حدثنا مسلـم, قال: حدثنا مـحمد بن مصعب, عن قـيس, عن خصيف عن مـجاهد ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلائِكَةِ يعنـي عرض الأسماء الـحمامة والغراب.
434ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن جرير بن حازم, ومبـارك عن الـحسن, وأبـي بكر عن الـحسن, وقتادة قالا: علـمه اسم كل شيء هذه الـخيـل وهذه البغال وما أشبه ذلك, وجعل يسمي كل شيء بـاسمه, وعرضت علـيه أمة أمة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فقالَ أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَولاءِ.
قال أبو جعفر: وتأويـل قوله: أنْبِئُونِـي أخبرونـي, كما:
435ـ حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثمان, قال: حدثنا بشر, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: أنْبِئُونِـي يقول: أخبرونـي بأسماء هؤلاء. ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:
وأنْبأهُ الـمُنَبّىء أنّ حَيّاحُلُولٌ مِنْ حَرَامٍ أوْ جُذَامِ
يعنـي بقوله أنبأه: أخبره وأعلـمه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: بِأسْماءِ هَولاءِ.
قال أبو جعفر:
436ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: بِأسْماءِ هَؤلاءِ قال: بأسماء هذه التـي حدثت بها آدم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: أنْبئُونِـي بأسماءِ هَؤلاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقـينَ يقول: بأسماء هؤلاء التـي حدثت بها آدم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنْ كُنْتُـمِ صَادِقِـينَ.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي ذلك.
437ـ فحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ إن كنتـم تعلـمون لِـمَ أجعل فـي الأرض خـلـيفة.
438ـ وحدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أن بنـي آدم يفسدون فـي الأرض ويسفكون الدماء.
439ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن جرير بن حازم, ومبـارك عن الـحسن وأبـي بكر, عن الـحسن وقتادة قالا: أنْبِئُونِـي بِأسْمَاءِ هَولاَءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أنـي لـم أخـلق خـلقا إلا كنتـم أعلـم منه, فأخبرونـي بأسماء هؤلاء إن كنتـم صادقـين.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الآية تأويـل ابن عبـاس ومن قال بقوله.
ومعنى ذلك فقال: أنبئونـي بأسماء من عرضته علـيكم أيتها الـملائكة القائلون: أتَـجْعَل فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ من غيرنا, أم منّا؟ فنـحن نسبح بحمدك ونقدس لك إن كنتـم صادقـين فـي قـيـلكم أنـي إن جعلت خـلـيفتـي فـي الأرض من غيركم عصانـي ذريته, وأفسدوا فـيها, وسفكوا الدماء, وإن جعلتـم فـيها أطعتـمونـي, واتبعتـم أمري بـالتعظيـم لـي والتقديس. فإنكم إن كنتـم لا تعلـمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم علـيكم من خـلقـي وهم مخـلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم, وعلـمه غيركم بتعلـيـمي إياه, فأنتـم بـما هو غير موجود من الأمور الكائنة التـي لـم توجد بعد, وبـما هو مستتر من الأمور التـي هي موجودة عن أعينكم أحرى أن تكونوا غير عالـمين, فلا تسألونـي ما لـيس لكم به علـم, فإنـي أعلـم بـما يصلـحكم ويصلـح خـلقـي.
وهذا الفعل من الله جل ثناؤه بـملائكته الذين قالوا له: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها من جهة عتابه جل ذكره إياهم, نظير قوله جل جلاله لنبـيه نوح صلوات الله علـيه, إذ قال: رَبّ إنّ ابْنِـي مِنْ أهْلِـي وَإِنّ وَعْدَكَ الـحَقّ وَأنْتَ أحْكَمُ الـحاكِمينَ: لا تَسْألْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بهِ عِلْـمٌ إنّـي أعظُكَ أنْ تَكُونَ مِنَ الـجاهِلِـينَ. فكذلك الـملائكة سألت ربها أن تكون خـلفـاءه فـي الأرض يسبحوه ويقدسوه فـيها, إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعله فـي الأرض خـلـيفة, يفسدون فـيها, ويسفكون الدماء, فقال لهم جل ذكره: إنـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ يعنـي بذلك أنـي أعلـم أن بعضكم فـاتـح الـمعاصي وخاتـمها وهو إبلـيس منكرا بذلك تعالـى ذكره قولهم. ثم عرّفهم موضع هفوتهم فـي قـيـلهم ما قالوا من ذلك, بتعريفهم قصور علـمهم عما هم له شاهدون عيانا, فكيف بـما لـم يروه ولـم يخبروا عنه بعرضه ما عرض علـيهم من خـلقه الـموجودين يومئذٍ, وقـيـله لهم: أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَولاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أنكم إن استـخـلفتكم فـي أرضي سبحتـمونـي وقدستـمونـي, وإن استـخـلفت فـيها غيركم عصانـي ذريته, وأفسدوا وسفكوا الدماء. فلـما اتضح لهم موضع خطأ قـيـلهم, وبدت لهم هفوة زلتهم أنابوا إلـى الله بـالتوبة فقالوا: سُبحانَكَ لا علـمَ لنَا إِلاّ ما علـمتنا فسارعوا الرجعة من الهفوة, وبـادروا الإنابة من الزلة, كما قال نوح حين عوتب فـي مسألته, فقـيـل له: لا تَسألْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ: رَبّ إنّـي أعُوذُ بِكَ أنْ أسألَكَ مَا لَـيْسَ لِـي بِهِ عِلْـمٌ وإلا تَغْفِرْ لِـي وَتَرْحَمْنِـي أكُنْ مِنَ الـخاسِرِينَ وكذلك فعل كل مسدد للـحق موفق له, سريعة إلـى الـحقّ إنابته, قريبة إلـيه أوبته.
وقد زعم بعض نـحويـي أهل البصرة أن قوله: أنْبِئُونِـي بِأسْمَاءِ هَولاَءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ لـم يكن ذلك لأن الـملائكة ادّعوا شيئا, إنـما أخبر الله عن جهلهم بعلـم الغيب وعلـمه بذلك وفضله, فقال: أنبئونـي إن كنتـم صادقـين كما يقول الرجل للرجل: أنبئنـي بهذا إن كنت تعلـم, وهو يعلـم أنه لا يعلـم يريد أنه جاهل. وهذا قول إذا تدبره متدبر علـم أن بعضه مفسد بعضا, وذلك أن قائله زعم أن الله جل ثناؤه قال للـملائكة إذ عرض علـيهم أهل الأسماء: أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَؤلاءِ وهو يعلـم أنهم لا يعلـمون, ولا هم ادّعوا علـم شيء يوجب أن يوبخوا بهذا القول. وزعم أن قوله: إِنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ نظير قول الرجل للرجل: أنبئنـي بهذا إن كنت تعلـم, وهو يعلـم أنه لا يعلـم يريد أنه جاهل. ولا شك أن معنى قوله: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ إنـما هو إن كنتـم صادقـين, إما فـي قولكم, وإما فـي فعلكم لأن الصدق فـي كلام العرب إنـما هو صدق فـي الـخبر لا فـي العلـم وذلك أنه غير معقول فـي لغة من اللغات أن يقال صدق الرجل بـمعنى علـم. فإذا كان ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الله جل ثناؤه قال للـملائكة علـى تأويـل قول هذا الذي حكينا قوله فـي هذه الآية: أنْبِئُونِـي بِأسْمَاءِ هَؤلاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ وهو يعلـم أنهم غير صادقـين, يريد بذلك أنهم كاذبون. وذلك هو عين ما أنكره, لأن زعم أن الـملائكة لـم تدع شيئا, فكيف جاز أن يقال لهم: إن كنتـم صادقـين فأنبئونـي بأسماء هؤلاء؟ هذا مع خروج هذا القول الذي حكيناه عن صاحبه من أقوال جميع الـمتقدمين والـمتأخرين من أهل التأويـل والتفسير.
وقد حكي عن بعض أهل التفسير أنه كان يتأوّل قوله: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ بـمعنى: إذ كنتـم صادقـين. ولو كانت «إن» بـمعنى «إذ» فـي هذا الـموضع لوجب أن تكون قراءتها بفتـح ألفها, لأن «إذ» إذا تقدمها فعل مستقبل صارت علة للفعل وسببـا له, وذلك كقول القائل: أقوم إذ قمت, فمعناه: أقوم من أجل أنك قمت, والأمر بـمعنى الاستقبـال. فمعنى الكلام: لو كانت إن بـمعنى إذ أنبئونـي بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون. فإذا وضعت «إن» مكان ذلك, قـيـل: «أنبئونـي بأسماء هؤلاء أنْ كنتـم صادقـين مفتوحة الألف, وفـي إجماع جميع قرّاء أهل الإسلام علـى كسر الألف من «إن» دلـيـل واضح علـى خطأ تأويـل من تأوّل «إنْ» بـمعنى «إذ» فـي هذا الـموضع.
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاّ مَا عَلّمْتَنَآ إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته بـالأوبة إلـيه, وتسلـيـم علـم ما لـم يعلـموه له, وتبريهم من أن يعلـموا أو يعلـم أحد شيئا إلا ما علـمه تعالـى ذكره.
وفـي هذه الاَيات الثلاث العبرة لـمن اعتبر, والذكرى لـمن اذّكر, والبـيان لـمن كان له قلب أو ألقـى السمع وهو شهيد, عما أودع الله جل ثناؤه آي هذا القرآن من لطائف الـحكم التـي تعجز عن أوصافها الألسن. وذلك أن الله جل ثناؤه احتـجّ فـيها لنبـيه صلى الله عليه وسلم علـى من كان بـين ظهرانـيه من يهود بنـي إسرائيـل بـاطلاعه إياه من علوم الغيب التـي لـم يكن جل ثناؤه أطلع علـيها من خـلقه إلا خاصّا, ولـم يكن مدركا علـمه إلا بـالإنبـاء والإخبـار, لتتقرّر عندهم صحة نبوّته, ويعلـموا أن ما أتاهم به فمن عنده, ودلّ فـيها علـى أن كل مخبر خبرا عما قد كان أو عما هو كائن مـما لـم يكن ولـم يأته به خبر ولـم يوضع له علـى صحته برهان فمتقوّل ما يستوجب به من ربه العقوبة.
ألا ترى أن الله جل ذكره ردّ علـى ملائكته قـيـلهم: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ وَنَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قالَ إنّـي أعْلَـمُ مَا لاَ تَعْلَـمُونَ وعرّفهم أن قـيـل ذلك لـم يكن جائزا لهم بـما عرّفهم من قصور علـمهم عند عرضه ما عرض علـيهم من أهل الأسماء, فقال: أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَولاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ فلـم يكن لهم مفزع إلا الإقرار بـالعجز والتبرّي إلـيه أن يعلـموا إلا ما علـمهم بقولهم: سُبْحَانَكَ لاَ عِلْـمَ لَنَا إِلاّ ما عَلـمْتَنَا فكان فـي ذلك أوضح الدلالة وأبـين الـحجة علـى كذب مقالة كل من ادّعى شيئا من علوم الغيب من الـحزاة والكهنة والقافة والـمنـجمة. وذكر بها الذين وصفنا أمرهم من أهل الكتاب سوالف نعمه علـى آبـائهم, وأياديه عند أسلافهم, عند إنابتهم إلـيه, وإقبـالهم إلـى طاعته مستعطفهم بذلك إلـى الرشاد, ومستعتبهم به إلـى النـجاة, وحذّرهم بـالإصرار والتـمادي فـي البغي والضلال, حلولَ العقاب بهم نظير ما أحلّ بعدوّه إبلـيس, إذ تـمادى فـي الغيّ والـخسار.
قال: وأما تأويـل قوله: سُبْحانَكَ لا عِلْـمَ لَنَا إِلاّ ما عَلـمْتَنَا فهو كما:
440ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: قالوا: سُبْحانَكَ تنزيها لله من أن يكون أحد يعلـم الغيب غيره, تبنا إلـيك, لا علـم لنا إلا ما علـمتنا: تبرّءوا منهم من علـم الغيب, إلا ما علـمتنا كما علـمت آدم. وسبحان مصدر لا تصرّف له, ومعناه: نسبحك, كأنهم قالوا: نسبحك تسبـيحا, وننزّهك تنزيها, ونبرّئك من أن نعلـم شيئا غير ما علـمتنا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنكَ أنْتَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ.
قال أبو جعفر: وتأويـل ذلك: أنك أنت يا ربنا العلـيـم من غير تعلـيـم بجميع ما قد كان وما وهو كائن, والعالـم للغيوب دون جميع خـلقك. وذلك أنهم نفوا عن أنفسهم بقولهم: لا عِلْـمَ لَنا إِلاّ ما عَلّـمْتَنَا أن يكون لهم علـم إلا ما علـمهم ربهم, وأثبتوا ما نفوا عن أنفسهم من ذلك لربهم بقولهم: إنكَ أنْتَ العَلِـيـمُ يعنون بذلك العالـم من غير تعلـيـم, إذ كان من سواك لا يعلـم شيئا إلا بتعلـيـم غيره إياه. والـحكيـم: هو ذو الـحكمة. كما:
441ـ حدثنـي به الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, العلـيـم: الذي قد كمل فـي علـمه والـحكيـم: الذي قد كمل فـي حكمه.
وقد قـيـل: إن معنى الـحكيـم: الـحاكم, كما أن العلـيـم بـمعنى العالـم, والـخبـير بـمعنى الـخابر.
الآية : 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{قَالَ يَاآدَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لّكُمْ إِنِيَ أَعْلَمُ غَيْبَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }
قال أبو جعفر: إن الله جل ثناؤه عرّف ملائكته الذين سألوه أن يجعلهم الـخـلفـاء فـي الأرض ووصفوا أنفسهم بطاعته والـخضوع لأمره دون غيرهم الذين يفسدون فـيها ويسفكون الدماء, أنهم من الـجهل بـمواقع تدبـيره ومـحل قضائه, قبل إطلاعه إياهم علـيه, علـى نـحو جهلهم بأسماء الذين عرضهم علـيهم, إذْ كان ذلك مـما لـم يعلـمهم فـيعلـموه, وأنهم وغيرهم من العبـاد لا يعلـمون من العلـم إلا ما علـمهم إياه ربهم, وأنه يخصّ بـما شاء من العلـم من شاء من الـخـلق ويـمنعه منهم من شاء كما علـم آدم أسماء ما عرض علـى الـملائكة ومنعهم من علـمها إلا بعد تعلـيـمه إياهم.
فأما تأويـل قوله: قالَ يا آدَمُ أنْبِئْهُمْ يقول: أخبر الـملائكة. والهاء والـميـم فـي قوله: أنْبِئْهُمْ عائدتان علـى الـملائكة, وقوله: بِأسْمَائِهِمْ يعنـي بأسماء الذين عرضهم علـى الـملائكة. والهاء والـميـم اللتان فـي «أسمائهم» كناية عن ذكر هؤلاء التـي فـي قوله: أنْبِئُونِـي بِأسْمَاءِ هَؤلاءِ. فلـما أنبـاهم يقول: فلـما أخبر آدم الـملائكة بأسماء الذين عرضهم علـيهم, فلـم يعرفوا أسماءهم, وأيقنوا خطأ قـيـلهم: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها ويَسْفِكُ الدّماءَ ونَـحْن نَسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ وأنهم قد هفوا فـي ذلك وقالوا: ما لا يعلـمون كيفـية وقوع قضاء ربهم فـي ذلك, لو وقع علـى ما نطقوا به, قال لهم ربهم: ألَـمْ أَقُلْ لَكُمْ إنّـي أعْلَـمُ غَيْبَ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ والغيب: هو ما غاب عن أبصارهم فلـم يعاينوه توبـيخا من الله جل ثناؤه لهم بذلك علـى ما سلف من قـيـلهم وفرط منهم من خطأ مسألتهم, كما:
442ـ حدثنا به مـحمد بن العلاء, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك عن ابن عبـاس: قالَ يا آدَمُ أنْبِئْهُمْ بِأسْمَائِهِمْ يقول: أخبرهم بأسمائهم, فَلَـمّا أنْبَأهُمْ بِأسْمَائِهِمْ قالَ ألَـمْ أقُلْ لَكُمْ أيها الـملائكة خاصة إنـي أعْلَـمُ غَيْبَ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ ولا يعلـمه غيري.
443ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قصة الـملائكة وآدم, فقال الله للـملائكة: كما لـم تعلـموا هذه الأسماء فلـيس لكم علـم, إنـما أردت أن أجعلهم لـيفسدوا فـيها, هذا عندي قد علـمته فكذلك أخفـيت عنكم أنـي أجعل فـيها من يعصينـي ومن يطيعنـي. قال: وسبق من الله: لأمْلأَنّ جَهَنّـمَ مِنَ الـجِنّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ قال: ولـم تعلـم الـملائكة ذلك ولـم يدروه. قال: فلـما رأوا ما أعطى الله آدم من العلـم أقرّوا لاَدم بـالفضل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأعُلَـمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُـمْ تَكتُـمُونَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
 
تفسير سورة البقرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» سورة البقرة
» تفسير سورة يس
» تفسير سورة طه
» تفسير سورة نوح
» تفسير سورة ص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شباب ستار :: عالــــــــ الدين الاسلامي ـــــــم :: القرأن الكريم-
انتقل الى: