شباب ستار
تفسير سورة البقرة - صفحة 2 749093772
شباب ستار
تفسير سورة البقرة - صفحة 2 749093772
شباب ستار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شباب ستار

شباب ستار| اغاني | العاب | مسلسلات | مهرجنات| لوبات| برامج دجي | فلاتر| بروجكتات|افلام عربي-افلام اجنبي-افلام هندي-اغاني عربي-اغاني-اجنبي-برامج كاملة-العاب-نغمات-سيمزات-خلفيات-شات-رسائل-مطبخ حواء-gemes-movies-photo-flash-اكوادcss-اكوادthml-تقنيات
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
أهلا بك من جديد يا زائر آخر زيارة لك كانت في
آخر عضو مسجل Mo فمرحبا به


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا


 

 تفسير سورة البقرة

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 12:39 am

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

سورة البقرة
مدنـية
وآياتها ست وثمانون ومائتان
القول فـي تأويـل السورة التـي يذكر فـيها البقرة
الآية : 1
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{الَمَ }
قال أبو جعفر: اختلفت تراجمة القران فـي تأويـل قول الله تعالـى ذكره: الـم فقال بعضهم: هو اسم من أسماء القران. ذكر من قال ذلك:
71ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: الـم قال: اسم من أسماء القران.
72ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم الاَملـي, قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود, قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قال: الـم اسم من أسماء القران.
73ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج قال: الـم اسم من أسماء القران.
وقال بعضهم: هو فواتـح يفتـح الله بها القران. ذكر من قال ذلك:
74ـ حدثنـي هارون بن إدريس الأصم الكوفـي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: الـم فواتـح يفتـح الله بها القران.
حدثنا أحمد بن حازم الغفـاري, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن مـجاهد, قال: الـم فواتـح.
حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن يحيى بن ادم, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد, قال: الـم وحم والـمص وص فواتـح افتتـح الله بها.
حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد مثل حديث هارون بن إدريس.
وقال بعضهم: هو اسم للسورة. ذكر من قال ذلك:
75ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أنبأنا عبد الله بن وهب, قال: سألت عبد الرحمن بن زيد بن أسلـم, عن قول الله: الـم ذلك الكتابُ والـم تَنْزِيـلُ والـمر تِلْك فقال: قال أبـي: إنـما هي أسماء السور.
وقال بعضهم: هو اسم الله الأعظم. ذكر من قال ذلك:
76ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا شعبة, قال: سألت السديّ عن حم وطسم والـم فقال: قال ابن عبـاس: هو اسم الله الأعظم.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنـي أبو النعمان, قال: حدثنا شعبة عن إسماعيـل السدي, عن مرة الهمدانـي, قال: قال عبد الله فذكر نـحوه.
77ـ حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبـيد الله بن موسى, عن إسماعيـل, عن الشعبـي قال: فواتـح السور من أسماء الله.
وقال بعضهم: هو قَسَمٌ أقسم الله به وهي من أسمائه. ذكر من قال ذلك:
78ـ حدثنـي يحيى بن عثمان بن صالـح السهمي, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال: هو قَسَم أقسم الله به وهو من أسماء الله.
79ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا خالد الـحذاء عن عكرمة قال: الـم قسم.
وقال بعضهم: هو حروف مقطعة من أسماء وأفعال, كل حرف من ذلك لـمعنى غير معنى الـحرف الاَخر. ذكر من قال ذلك:
80ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا ابن أبـي شريك, عن عطاء بن السائب, عن أبـي الضحى, عن ابن عبـاس: الـم فقال: أنا الله أعلـم.
81ـ وحدثت عن أبـي عبـيد قال: حدثنا أبو الـيقظان, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, قال قوله: الـم قال: أنا الله أعلـم.
82ـ حدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي, قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر, عن إسماعيـل السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة الهمدانـي, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: الـم قال: أما: الـم فهو حرف اشتق من حروف هجاء أسماء الله جل ثناؤه.
83ـ حدثنا مـحمد بن معمر, قال: حدثنا عبـاس بن زياد البـاهلـي, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس فـي قوله: الـم وحم ون قال: اسم مقطع.
وقال بعضهم: هي حروف هجاء موضوع. ذكر من قال ذلك:
84ـ حدثت عن منصور بن أبـي نويرة, قال: حدثنا أبو سعيد الـمؤدب, عن خصيف, عن مـجاهد, قال: فواتـح السور كلها ق وص وحم وطسم والر وغير ذلك هجاء موضوع.
وقال بعضهم: هي حروف يشتـمل كل حرف منها علـى معان شتـى مختلفة. ذكر من قال ذلك:
85ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم الطبري, قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج, عن عبد الله بن أبـي جعفر الرازي قال: حدثنـي أبـي, عن الربـيع بن أنس فـي قول الله تعالـى ذكره: الـم قال: هذه الأحرف من التسعة والعشرين حرفـا, دارت فـيها الألسن كلها, لـيس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه, ولـيس منها حرف إلا وهو فـي آلائه وبلائه, ولـيس منها حرف إلا وهو مدة قوم وآجالهم. وقال عيسى ابن مريـم: «وعجيب ينطقون فـي أسمائه, ويعيشون فـي رزقه, فكيف يكفرون»؟ قال: الألف: مفتاح اسمه «الله», واللام: مفتاح اسمه «لطيف», والـميـم: مفتاح اسمه «مـجيد» والألف: آلاء الله, واللام: لطفه, والـميـم: مـجده الألف: سنة, واللام ثلاثون سنة, والـميـم: أربعون سنة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن أبـي جعفر, عن الربـيع بنـحوه.
وقال بعضهم: هي حروف من حساب الـجمل, كرهنا ذكر الذي حكي ذلك عنه, إذ كان الذي رواه مـمن لا يُعتـمد علـى روايته ونقله, وقد مضت الرواية بنظير ذلك من القول عن الربـيع بن أنس.
وقال بعضهم: لكل كتاب سرّ, وسرّ القرآن فواتـحه.
وأما أهل العربـية فإنهم اختلفوا فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: هي حروف من حروف الـمعجم استُغنـي بذكر ما ذكر منها فـي أوائل السور عن ذكر بواقـيها التـي هي تتـمة الثمانـية والعشرين حرفـا, كما استغنَى الـمخبرُ عمن أخبر عنه أنه فـي حروف الـمعجم الثمانـية والعشرين بذكر «أ ب ت ث» عن ذكر بواقـي حروفها التـي هي تتـمة الثمانـية والعشرين, قال: ولذلك رفع ذلك الكتابُ لأن معنى الكلام: الألف واللام والـميـم من الـحروف الـمقطعة ذلك الكتاب الذي أنزلته إلـيه مـجموعا لا ريب فـيه....
فإن قال قائل: فإن «أ ب ت ث» قد صارت كالاسم فـي حروف الهجاء كما صارت الـحمد اسما لفـاتـحة الكتاب قـيـل له: لـما كان جائزا أن يقول القائل: ابنـي فـي «ط ظ», وكان معلوما بقـيـله ذلك لو قاله إنه يريد الـخبر عن ابنه أنه فـي الـحروف الـمقطعة, علـم بذلك أن «أ ب ت ث» لـيس لها بـاسم, وإن كان ذلك آثَرَ فـي الذكر من سائرها. قال: وإنـما خولف بـين ذكر حروف الـمعجم فـي فواتـح السور, فذكرت فـي أوائلها مختلفة, وذِكْرُها إذا ذُكرت بأوائلها التـي هي «أ ب ت ث» مؤتلفة لـيفصل بـين الـخبر عنها, إذا أريد بذكر ما ذكر منها مختلفـا الدلالة علـى الكلام الـمتصل, وإذا أريد بذكر ما ذكر منها مؤتلفـا الدلالة علـى الـحروف الـمقطعة بأعيانها. واستشهدوا لإجازة قول القائل: ابنـي فـي «ط ظ», وما أشبه ذلك من الـخبر عنه أنه فـي حروف الـمعجم, وأن ذلك من قـيـله فـي البـيان يقوم مقام قوله: «ابنـي فـي أ ب ت ث» برجز بعض الرجاز من بنـي أسد:
لَـمّا رأيْتُ أمْرَها فـي حُطّيوفَنَكَتْ فـي كَذِبٍ ولَطّ
أخَذْتُ منْها بِقُرُونٍ شُمْطِفَلَـمْ يَزَلْ ضَرْبـي بها ومَعْطِي
حتـى عَلا الرأسَ دَمٌ يُغَطّي
فزعم أنه أراد بذلك الـخبر عن الـمرأة أنها فـي «أبـي جاد», فأقام قوله: «لـما رأيت أمرها فـي حُطي» مقام خبره عنها أنها فـي «أبـي جاد», إذ كان ذاك من قوله يدل سامعه علـى ما يدله علـيه قوله: لـما رأيت أمرها فـي أبـي جاد.
وقال آخرون: بل ابتدئت بذلك أوائل السور لـيفتـح لاستـماعه أسماع الـمشركين, إذ تواصوا بـالإعراض عن القرآن, حتـى إذا استـمعوا له تُلـي علـيهم الـمؤلف منه.
وقال بعضهم: الـحروف التـي هي فواتـح السور حروف يستفتـح الله بها كلامه.
فإن قـيـل: هل يكون من القرآن ما لـيس له معنى؟ فإن معنى هذا أنه افتتـح بها لـيعلـم أن السورة التـي قبلها قد انقضت, وأنه قد أخذ فـي أخرى, فجعل هذا علامة انقطاع ما بـينهما, وذلك فـي كلام العرب ينشد الرجل منهم الشعر فـيقول:
بل....وَبَلْدَةٍ ما الإنْسُ مِنْ آهالهَا
ويقول: لا بل...
ما هاجَ أحْزَانا وشَجَوْا قَدْ شَجا
و«بل» لـيست من البـيت ولا تعدّ فـي وزنه, ولكن يقطع بها كلاما ويستأنف الاَخر.
قال أبو جعفر: ولكل قول من الأقوال التـي قالها الذين وصفنا قولهم فـي ذلك وجه معروف. فأما الذين قالوا: الـم اسم من أسماء القرآن, فلقولهم ذلك وجهان: أحدهما أن يكونوا أرادوا أن: الـم اسم للقرآن كما الفرقان اسم له. وإذا كان معنى قائل ذلك كذلك, كان تأويـل قوله: الـم: ذلكَ الكِتابُ علـى معنى القسم كأنه قال: والقرآن هذا الكتاب لا ريب فـيه. والاَخر منهما أن يكونوا أرادوا أنه اسم من أسماء السورة التـي تعرف به كما تعرف سائر الأشياء بأسمائها التـي هي لها أمارات تعرف بها, فـيفهم السامع من القائل يقول: قرأت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com

كاتب الموضوعرسالة
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:38 am

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فروى عن ابن عبـاس فـي ذلك ما:
444ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: وأعْلَـمُ ما تُبْدُون يقول: ما تظهرون وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ يقول: أعلـم السرّ كما أعلـم العلانـية. يعنـي ما كتـم إبلـيس فـي نفسه من الكبر والاغترار.
445ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: وَأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ قال قولهم: أتَـجْعَلُ فـيها مَنْ يُفْسِدُ فـيها فهذا الذي أبدوا, وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ يعنـي ما أسرّ إبلـيس فـي نفسه من الكبر.
446ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا عمرو بن ثابت, عن أبـيه, عن سعيد بن جبـير قوله: وأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ قال: ما أسرّ إبلـيس فـي نفسه.
447ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان فـي قوله: وأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمونَ قال: ما أسرّ إبلـيس فـي نفسه من الكبر أن لا يسجد لاَدم.
448ـ وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: أخبرنا الـحجاج الأنـماطي, قال: حدثنا مهدي بن ميـمون, قال: سمعت الـحسن بن دينار, قال للـحسن ونـحن جلوس عنده فـي منزله: يا أبـا سعيد أرأيت قول الله للـملائكة: وأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ ما الذي كتـمت الـملائكة؟ فقال الـحسن: إن الله لـما خـلق آدم رأت الـملائكة خـلقا عجيبـا, فكأنهم دخـلهم من ذلك شيء, فأقبل بعضهم إلـى بعض, وأسرّوا ذلك بـينهم, فقالوا: وما يهمكم من هذا الـمخـلوق إن الله لـم يخـلق خـلقا إلا كنا أكرم علـيه منه.
449ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: وأعْلَـم ما تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ قال: أسرّوا بـينهم فقالوا: يخـلق الله ما يشاء أن يخـلق, فلن يخـلق خـلقا إلا ونـحن أكرم علـيه منه.
450ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس: وَأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ فكان الذي أبدوا حين قالوا: أتَـجْعَلُ فِـيها مَن يُفْسِدُ فـيها وكان الذي كتـموا بـينهم قولهم: لن يخـلق ربنا خـلقا إلا كنا نـحن أعلـم منه وأكرم. فعرفوا أن الله فضل علـيهم آدم فـي العلـم والكرم.
قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الآية ما قاله ابن عبـاس, وهو أن معنى قوله: وأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وأعلـم مع علـمي غيب السموات والأرض ما تظهرون بألسنتكم وَما كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ وما كنتـم تـخفونه فـي أنفسكم, فلا يخفـى علـيّ شيء سواء عندي سرائركم وعلانـيتكم. والذي أظهروه بألسنتهم ما أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوه, وهو قولهم: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ وَنَـحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ والذي كانوا يكتـمونه ما كان منطويا علـيه إبلـيس من الـخلاف علـى الله فـي أمره والتكبر عن طاعته لأنه لا خلاف بـين جميع أهل التأويـل أن تأويـل ذلك غير خارج من أحد الوجهين اللذين وصفت, وهو ما قلنا. والاَخر ما ذكرنا من قول الـحسن وقتادة.
ومن قال: إن معنى ذلك كتـمان الـملائكة بـينهم لن يخـلق الله خـلقا إلا كنا أكرم علـيه منه فإذْ كان لا قول فـي تأويـل ذلك إلا أحد القولـين اللذين وصفت ثم كان أحدهما غير موجودة علـى صحته الدلالة من الوجه الذي يجب التسلـيـم له صحّ الوجه الاَخر.
فـالذي حكي عن الـحسن وقتادة ومن قال بقولهما فـي تأويـل ذلك غير موجودة الدلالة علـى صحته من الكتاب ولا من خبر يجب به حجة. والذي قاله ابن عبـاس يدلّ علـى صحته خبر الله جل ثناؤه عن إبلـيس وعصيانه إياه إذ دعاه إلـى السجود لاَدم, فأتـى واستكبر, وإظهاره لسائر الـملائكة من معصيته وكبره ما كان له كاتـما قبل ذلك.
فإن ظنّ ظانّ أن الـخبر عن كتـمان الـملائكة ما كانوا يكتـمونه لـما كان خارجا مخرج الـخبر عن الـجميع كان غير جائز أن يكون ما رُوي فـي تأويـل ذلك عن ابن عبـاس ومن قال بقوله من أن ذلك خبر عن كتـمان إبلـيس الكبر والـمعصية صحيحا, فقد ظنّ غير الصواب وذلك أن من شأن العرب إذا أخبرت خبرا عن بعض جماعة بغير تسمية شخص بعينه أن تـخرج الـخبر عنه مخرج الـخبر عن جميعهم, وذلك كقولهم: قتل الـجيش وهزموا, وإنـما قتل الواحد أو البعض منهم, وهزم الواحد أو البعض, فتـخرج الـخبر عن الـمهزوم منه والـمقتول مخرج الـخبر عن جميعهم كما قال جل ثناؤه: إنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الـحُجُرَاتِ أكْثُرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ذكر أن الذي نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنزلت هذه الآية فـيه, كان رجلاً من جماعة بنـي تـميـم, كانوا قدموا علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخرج الـخبر عنه مخرج الـخبر عن الـجماعة, فكذلك قوله: وأعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُـمْ تَكْتُـمُونَ أخرج الـخبر مخرج الـخبر عن الـجميع, والـمراد به الواحد منهم.
الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ }
قال أبو جعفر: أما قوله: وإذْ قُلْنَا فمعطوف علـى قوله: وَإذْ قَالَ رَبّكَ للْـمَلاَئِكَةِ كأنه قال جل ذكره للـيهود الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنـي إسرائيـل معدّدا علـيهم نعمه, ومذكرهم آلاءه علـى نـحو الذي وصفنا فـيـما مضى قبل: اذكروا فعلـي بكم إذ أنعمت علـيكم, فخـلقت لكم ما فـي الأرض جميعا, وإذ قلت للـملائكة إنـي جاعل فـي الأرض خـلـيفة, فكرّمت أبـاكم آدم بـما آتـيته من علـمي وفضلـي وكرامتـي, وإذ أسجدت له ملائكتـي فسجدوا له. ثم استثنى من جميعهم إبلـيس, فدل بـاستثنائه إياه منهم علـى أنه منهم, وأنه مـمن قد أُمِرَ بـالسجود معهم, كما قال جل ثناؤه: إلاّ إبْلِـيسَ لَـمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ قالَ مَا مَنَعَكَ أنْ لاَ تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ فأخبر جل ثناؤه أنه قد أمر إبلـيس فـيـمن أمره من الـملائكة بـالسجود لاَدم. ثم استثناءه جل ثناؤه مـما أخبر عنهم أنهم فعلوه من السجود لاَدم, فأخرجه من الصفة التـي وصفهم بها من الطاعة لأمره ونَفَـى عنه ما أثبته لـملائكته من السجود لعبده آدم.
ثم اختلف أهل التأويـل فـيه هل هو من الـملائكة أم هو من غيرهم؟ فقال بعضهم بـما:
451ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, عن بشر بن عمارة, عن أبـي روق عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: كان إبلـيس من حيّ من أحياء الـملائكة, يقال لهم «الـجنّ», خـلقوا من نار السموم من بـين الـملائكة. قال: فكان اسمه الـحارث. قال: وكان خازنا من خزان الـجنة. قال: وخـلقت الـملائكة من نور غير هذا الـحيّ. قال: وخـلقت الـجنّ الذين ذكروا فـي القرآن من مارج من نار, وهو لسان النار الذي يكون فـي طرفها إذا التهبت.
452ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن خلاد, عن عطاء, عن طاوس, عن ابن عبـاس, قال: كان إبلـيس قبل أن يركب الـمعصية من الـملائكة اسمه عزازيـل, وكان من سكان الأرض وكان من أشدّ الـملائكة اجتهادا وأكثرهم علـما, فذلك دعاه إلـى الكبر, وكان من حيّ يسمون جنّا.
453ـ وحدثنا به ابن حميد مرة أخرى, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن خلاد, عن عطاء, عن طاوس, أو مـجاهد أبـي الـحجاج, عن ابن عبـاس وغيره بنـحوه, إلا أنه قال: كان ملكا من الـملائكة اسمه عزازيـل, وكان من سكان الأرض وعمّارها, وكان سكان الأرض فـيهم يسمون الـجنّ من بـين الـملائكة.
454ـ وحدثنـي موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: جعل إبلـيس علـى ملك سماء الدنـيا, وكان من قبـيـلة من الـملائكة يقال لهم الـجنّ, وإنـما سموا الـجن لأنهم خزّان الـجنة, وكان إبلـيس مع ملكه خازنا.
455ـ وحدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا حسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: كان إبلـيس من أشراف الـملائكة وأكرمهم قبـيـلة, وكان خازنا علـى الـجنان, وكان له سلطان سماء الدنـيا, وكان له سلطان الأرض. قال: قال ابن عبـاس: وقوله: كانَ منَ الـجنّ, إنـما يسمى بـالـجنان أنه كان خازنا علـيها, كما يقال للرجل: مكي, ومدنـي, وكوفـي, وبصري. قال ابن جريج: وقال آخرون: هم سبط من الـملائكة قبـيـلة, فكان اسم قبـيـلته الـجن.
456ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن صالـح مولـى التوأمة وشريك بن أبـي نـمر أحدهما أو كلاهما, عن ابن عبـاس, قال: إن من الـملائكة قبـيـلة من الـجن, وكان إبلـيس منها, وكان يسوس ما بـين السماء والأرض.
وحدثت عن الـحسن بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد, قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم, يقول فـي قوله: فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ قال: كان ابن عبـاس يقول: إن إبلـيس كان من أشرف الـملائكة وأكرمهم قبـيـلة, ثم ذكر مثل حديث ابن جريج الأول سواء.
457ـ وحدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنـي شيبـان, قال: حدثنا سلام بن مسكين, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, قال: كان إبْلِـيس رئيس ملائكة سماء الدنـيا.
458ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَإذْ قُلْنا للْـمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لاَِدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ كَانَ مِنَ الـجِنّ كان من قبـيـل من الـملائكة يقال لهم الـجن. وكان ابن عبـاس يقول: لو لـم يكن من الـملائكة لـم يؤمر بـالسجود, وكان علـى خزانة سماء الدنـيا. قال: وكان قتادة يقول: جنّ عن طاعة ربه.
وحدثنا الـحسين بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: إلاّ إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ قال: كان من قبـيـل من الـملائكة يقال لهم الـجنّ.
459ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, قال: أما العرب فـيقولون: ما الـجنّ إلا كلّ من اجتنّ فلـم ير. وأما قوله: إلاّ إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ أي كان من الـملائكة, وذلك أن الـملائكة اجتنّوا فلـم يروا, وقد قال الله جل ثناؤه: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وَبَـيْنَ الـجِنةِ نَسَبـا وَلَقدْ علـمتِ الـجنّةُ أنهم لَـمُـحْضَرُونَ وذلك لقول قريش: إن الـملائكة بنات الله. فـيقول الله: إن تكن الـملائكة بناتـي فإبلـيس منها, وقد جعلوا بـينـي وبـين إبلـيس وذرّيته نسبـا. قال: وقد قال الأعشى, أعشى بنـي قـيس بن ثعلبة البكري, وهو يذكر سلـيـمان بن داود وما أعطاه الله:
وَلَوْ كانَ شَيْء خالِدا أوْ مُعَمّرالَكانَ سُلَـيْـمَانُ البَرِيّ مِنَ الدّهْرِ
بَرَاهُ إلهي واصْطَفَـاهُ عبـادَهُوَمَلّكَهُ مَا بَـيْنَ ثُرْيَا إلـى مِصْرِ
وَسَخّرَ مِنْ جِنّ الـمَلائِكِ تِسْعَةًقِـياما لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلا أجْرِ
قال: فأبت العرب فـي لغتها إلا أن «الـجنّ» كل ما اجتنّ. يقول: ما سمي الله الـجن إلا أنهم اجتنوا فلـم يُرَوْا, وما سمي بنـي آدم الإنس إلا أنهم ظهروا فلـم يجتنّوا, فما ظهر فهو إنس, وما اجتنّ فلـم يُرَ فهو جنّ. وقال آخرون بـما:
460ـ حدثنا به مـحمد بن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن عوف, عن الـحسن, قال: ما كان إبلـيس من الـملائكة طرفة عين قط, وإنه لأصل الـجن كما أن آدم أصل الإنس.
461ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان الـحسن يقول فـي قوله: إلا إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ إلـجاءٌ إلـى نسبه, فقال الله: أفَتَتّـخِذُونَهُ وَذُرّيّتَهُ أوْلِـياءَ مِنْ دُونِـي الآية... وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم.
462ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا أبو سعيد الـيحمدي, حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم, قال: حدثنا سوار بن الـجعد الـيحمدي, عن شهر بن حوشب قوله: مِنَ الـجِنّ قال: كان إبلـيس من الـجنّ الذين طردتهم الـملائكة, فأسره بعض الـملائكة فذهب به إلـى السماء.
463ـ وحدثنـي علـيّ بن الـحسين, قال: حدثنـي أبو نصر أحمد بن مـحمد الـخلال, قال: حدثنـي سنـيد بن داود, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى, عن موسى بن نـمير, وعثمان بن سعيد بن كامل, عن سعد بن مسعود, قال: كانت الـملائكة تقاتل الـجنّ, فسُبـي إبلـيس وكان صغيرا, فكان مع الـملائكة فتعبّد معها. فلـما أمروا بـالسجود لاَدم سجدوا, فأبى إبلـيس فلذلك قال الله: إلاّ إبْلِـيسَ كانَ مِنَ الـجِنّ.
464ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, قال: حدثنا الـمبـارك بن مـجاهد أبو الأزهر, عن شريك بن عبدالله بن أبـي نـمرطط, عن صالـح مولـى التوأمة, عن ابن عبـاس, قال: إن من الـملائكة قبـيلاً يقال لهم الـجنّ, فكان إبلـيس منهم, وكان إبلـيس يسوس ما بـين السماء والأرض فعصى, فمسخه الله شيطانا رجيـما.
465ـ قال: وحدثنا يونس, عن ابن وهب, قال: قال ابن زيد: إبلـيس أبو الـجنّ, كما آدم أبو الإنس.
وعلة من قال هذه الـمقالة, أن الله جل ثناؤه أخبر فـي كتابه أنه خـلق إبلـيس من نار السموم ومن مارج من نار, ولـم يخبر عن الـملائكة أنه خـلقها من شيء من ذلك. وأن الله جل ثناؤه أخبر أنه من الـجن. فقالوا: فغير جائز أن ينسب إلـى غير ما نسبه الله إلـيه. قالوا: ولإبلـيس نسل وذرّية, والـملائكة لا تتناسل ولا تتوالد.
466ـ حدثنا مـحمد بن سنان القزاز, قال: حدثنا أبو عاصم, عن شريك, عن رجل, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: إن الله خـلق خـلقا, فقال: اسجدوا لاَدم فقالوا: لا نفعل. فبعث الله علـيهم نارا تـحرقهم. ثم خـلق خـلقا آخر, فقال: إنـي خالق بشرا من طين, اسجدوا لاَدم فأبوا, فبعث الله علـيهم نارا فأحرقتهم. قال: ثم خـلق هؤلاء, فقال: اسجدوا لاَدم فقالوا: نعم. وكان إبلـيس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لاَدم.
قال أبو جعفر: وهذه علل تنبىء عن ضعف معرفة أهلها. وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الله جل ثناؤه خـلق أصناف ملائكته من أصناف من خـلقه شتـى, فخـلق بعضا من نور, وبعضا من نار, وبعضا مـما شاء من غير ذلك. ولـيس فـي ترك الله جل ثناؤه الـخبر عما خـلق منه ملائكته وإخبـاره عما خـلق منه إبلـيس ما يوجب أن يكون إبلـيس خارجا عن معناهم, إذ كان جائزا أن يكون خـلق صنفـا من ملائكته من نار كان منهم إبلـيس, وأن يكون أفرد إبلـيس بأن خـلقه من نار السموم دون سائر ملائكته. وكذلك غير مخرجه أن يكون كان من الـملائكة بأن كان له نسل وذرية لـما ركب فـيه من الشهوة واللذّة التـي نزعت من سائر الـملائكة لـما أراد الله به من الـمعصية.
وأما خبر الله عن أنه من الـجن, فغير مدفوع أن يسمى ما اجتنّ من الأشياء عن الأبصار كلها جِنّا, كما قد ذكرنا قبلُ فـي شعر الأعشى, فـيكون إبلـيس والـملائكة منهم لاجتنانهم عن أبصار بنـي آدم.
القول فـي معنى إبلـيس.
قال أبو جعفر: وإبلـيس «إفعيـل» من الإبلاس: وهو الإياس من الـخير والندم والـحزن. كما:
467ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: إبلـيس أبلسه الله من الـخير كله وجعله شيطانا رجيـما عقوبة لـمعصيته.
468ـ وحدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي, قال: كان اسم إبلـيس الـحارث, وإنـما سمي إبلـيس حين أبلس متـحيرا.
قال أبو جعفر: وكما قال الله جل ثناؤه: فإذَا هُمْ مُبْلِسُونَ يعنـي به أنهم آيسون من الـخير, نادمون حزنا, كما قال العجاج:
يا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْما مُكْرَسَاقالَ نَعَمْ أعْرِفُهُ وأبْلَسا
وقال رؤبة:
وَحَضَرَتْ يَوْمَ الـخَمِيسِ الأخْماسوَفِـي الوُجُوهِ صُفْرَةٌ وَإبْلاسْ
يعنـي به اكتئابـا وكسوفـا.
فإن قال لنا قائل: فإن كان إبلـيس كما قلت «إفعيـل» من الإبلاس, فهلاّ صرف وأُجري؟ قـيـل: ترك إجراؤه استثقالاً إذ كان اسما لا نظير له من أسماء العرب, فشبهته العرب إذ كان كذلك بأسماء العجم التـي لا تـجري, وقد قالوا: مررت بإسحاق, فلـم يجروه, وهو من أسحقه الله إسحاقا, إذ كان وقع مبتدأ اسما لغير العرب ثم تسمت به العرب فجرى مـجراه, وهو من أسماء العجم فـي الإعراب, فلـم يصرف. وكذلك أيوب إنـما هو فـيعول من آب يئوب.
وتأويـل قوله: أبى يعنـي جل ثناؤه بذلك إبلـيس أنه امتنع من السجود لاَدم فلـم يسجد له. واستكبر يعنـي بذلك أنه تعظم وتكبر عن طاعة الله فـي السجود لاَدم. وهذا وإن كان من الله جل ثناؤه خبرا عن إبلـيس, فإنه تقريع لضربـائه من خـلق الله الذين يتكبرون عن الـخضوع لأمر الله والانقـياد لطاعته فـيـما أمرهم به وفـيـما نهاهم عنه, والتسلـيـم له فـيـما أوجب لبعضهم علـى بعض من الـحقّ. وكان مـمن تكبر عن الـخضوع لأمر الله والتذلل لطاعته والتسلـيـم لقضائه فـيـما ألزمهم من حقوق غيرهم الـيهودُ الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأحبـارهم الذين كانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته عارفـين وبأنه لله رسول عالـمين, ثم استكبروا مع علـمهم بذلك عن الإقرار بنبوّته والإذعان لطاعته, بغيا منهم له وحسدا, فقرّعهم الله بخبره عن إبلـيس الذي فعل فـي استكبـاره عن السجود لاَدم حسدا له وبغيا نظير فعلهم فـي التكبر عن الإذعان لـمـحمد نبـي الله صلى الله عليه وسلم ونبوّته, إذ جاءهم بـالـحقّ من عند ربهم حسدا وبغيا. ثم وصف إبلـيس بـمثل الذي وصف به الذين ضربه لهم مثلاً فـي الاستكبـار والـحسد والاستنكاف عن الـخضوع لـمن أمره الله بـالـخضوع له, فقال جل ثناؤه: وكان يعنـي إبلـيس من الكافرين من الـجاحدين نعم الله علـيه وأياديه عنده بخلافه علـيه فـيـما أمره به من السجود لاَدم, كما كفرت الـيهود نعم ربها التـي آتاها وآبـاءها قبل: من إطعام الله أسلافهم الـمنّ والسلوى, وإظلال الغمام علـيهم وما لا يحصى من نعمه التـي كانت لهم, خصوصا ما خصّ الذين أدركوا مـحمدا صلى الله عليه وسلم بإدراكهم إياه ومشاهدتهم حجة الله علـيهم فجحدت نبوّته بعد علـمهم به, ومعرفتهم بنبوّته حسدا وبغيا. فنسبه الله جل ثناؤه إلـى الكافرين, فجعله من عدادهم فـي الدين والـملة, وإن خالفهم فـي الـجنس والنسبة, كما جعل أهل النفـاق بعضهم من بعض لاجتـماعهم علـى النفـاق, وإن اختلفت أنسابهم وأجناسهم, فقال: الـمُنافِقُونَ والـمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يعنـي بذلك أن بعضهم من بعض فـي النفـاق والضلال, فكذلك قوله فـي إبلـيس: كانَ مِنَ الكَافِرِينَ كان منهم فـي الكفر بـالله ومخالفته أمره وإن كان مخالفـا جنسه أجناسهم ونسبه نسبهم. ومعنى قوله: وكانَ مِنَ الكَافِرينَ أنه كان حين أبى عن السجود من الكافرين حينئذ.
وقد رُوي عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية أنه كان يقول فـي تأويـل قوله: وكانَ مِنَ الكافِرِينَ فـي هذا الـموضع وكان من العاصين.
469ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا آدم العسقلانـي, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: وكانَ مِنَ الكافِرِينَ يعنـي العاصين.
وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بـمثله.
وذلك شبـيه بـمعنى قولنا فـيه. وكان سجود الـملائكة لاَدم تكرمة لاَدم وطاعة لله, لا عبـادة لاَدم. كما:
470ـ حدثنا به بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَإذْ قُلْنَا للْـمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لاَِدَمَ فكانت الطاعة لله, والسجدة لاَدم, أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته.
الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـَذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظّالِمِينَ }
قال أبو جعفر: وفـي هذه الآية دلالة واضحة علـى صحة قول من قال: إن إبلـيس أخرج من الـجنة بعد الاستكبـار عن السجود لاَدم, وأسكنها آدم قبل أن يهبط إبلـيس إلـى الأرض ألا تسمعون الله جل ثناؤه يقول: وَقُلْنَا يا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الـجَنةَ وكُلا مِنْهَا رَغدا حَيْثُ شِئْتُـمَا وَلا تَقْرَبَـا هَذِهِ الشجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظّالِـمِينَ فأزَلّهُما الشّيْطانُ عَنْها فأخْرَجَهُما مِـمّا كانا فِـيهِ. فقد تبـين أن إبلـيس إنـما أزلّهما عن طاعة الله, بعد أن لُعن وأظهر التكبر لأن سجود الـملائكة لاَدم كان بعد أن نفخ فـيه الروح, وحينئذٍ كان امتناع إبلـيس من السجود له, وعند الامتناع من ذلك حلت علـيه اللعنة. كما:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:39 am

471ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح عن ابن عبـاس, وعن مرة عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: أن عدوّ الله إبلـيس أقسم بعزّة الله لـيغوينّ آدم وذريته وزوجه, إلا عبـاده الـمخـلصين منهم, بعد أن لعنه الله, وبعد أن أخرج من الـجنة, وقبل أن يهبط إلـى الأرض, وعلّـم الله آدم الأسماء كلها.
472ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما فرغ الله من إبلـيس ومعاتبته, وأبى إلا الـمعصية, وأوقع علـيه اللعنة, ثم أخرجه من الـجنة أقبل علـى آدم وقد علّـمه الأسماء كلها, فقال: يا آدَمُ أنْبئْهُمْ بأسْمَائِهِمْ إلـى قوله: إنكَ أنْتَ العَلِـيـم الـحَكِيـم.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـحال التـي خـلقت لاَدم زوجته والوقت الذي جعلت له سكنا. فقال ابن عبـاس بـما:
473ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح عن ابن عبـاس, وعن مرة عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: فأخرج إبلـيس من الـجنة حين لعن, وأسكن آدم الـجنة, فكان يـمشي فـيها وَحْشا لـيس له زوج يسكن إلـيها. فنام نومة فـاستـيقظ, وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خـلقها الله من ضلعه, فسألها: من أنت؟ فقالت: امرأة, قال: ولـم خـلقت؟ قالت: تسكن إلـيّ. قالت له الـملائكة ينظرون ما بلغ علـمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حوّاء, قالوا: ولـم سميت حوّاء؟ قال: لأنها خُـلقت من شيء حيّ. فقال الله له: يا آدَمَ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الـجَنّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتُـمَا. فهذا الـخبر ينبىء عن أن حوّاء خـلقت بعد أن سكن آدم الـجنة فجُعلت له سكنا.
وقال آخرون: بل خـلقت قبل أن يسكن آدم الـجنة. ذكر من قال ذلك:
474ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق, قال: لـما فرغ الله من معاتبة إبلـيس أقبل علـى آدم وقد علـمه الأسماء كلها, فقال: يا آدَمُ أنْبِئْهُمْ بِأسْمَائِهِمْ إلـى قوله: إنّكَ أَنْتَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ. قال: ثم ألقـى السّنة علـى آدم فـيـما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلـم, عن عبد الله بن عبـاس وغيره ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لـحما وآدم نائم لـم يهبّ من نومته حتـى خـلق الله من ضلعه تلك زوجته حوّاء, فسوّاها امرأة لـيسكن إلـيها. فلـما كشف عنه السنة وهبّ من نومته رآها إلـى جنبه, فقال فـيـما يزعمون والله أعلـم: لـحمي ودمي وزوجتـي. فسكن إلـيها. فلـما زوّجه الله تبـارك وتعالـى وجعل له سكنا من نفسه, قال له, فتلا: يا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَجُكَ الـجَنّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتُـمَا وَلاَ تَقْرَبـا هَذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظّالِـمِينَ.
قال أبو جعفر: ويقال لامرأة الرجل زوجه وزوجته, والزوجة بـالهاء أكثر فـي كلام العرب منها بغير الهاء, والزوج بغير الهاء يقال إنه لغة لأزد شنوءة. فأما الزوج الذي لا اختلاف فـيه بـين العرب فهو زوج الـمرأة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وكُلاَ مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتُـمَا.
قال أبو جعفر: أما الرغد, فإنه الواسع من العيش, الهنـيء الذي لا يُعَنّـي صاحبه, يقال: أرغد فلان: إذا أصاب واسعا من العيش الهنـيء, كما قال امرؤ القـيس بن حجر:
بَـيْنَـمَا الـمَرْؤُ تَرَاهُ ناعِمايَأمَنُ الأحْدَاثَ فِـي عَيْش رَغَدْ
475ـ وحدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره, عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح عن ابن عبـاس, وعن مرة عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: وكُلاَ مِنْهَا رَغَدا قال: الرغد: الهنـيء.
476ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: رَغَدا قال: لا حساب علـيهم.
وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد: وكُلا مِنْهَا رَغَدا أي لا حساب علـيهم.
477ـ وحدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: وكُلا مِنْها رَغَدا حَيْثُ شِئْتُـمَا قال: الرغد: سعة الـمعيشة.
فمعنى الآية: وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الـجنة, وكلا من الـجنة رزقا واسعا هنـيئا من العيش حيث شئتـما. كما:
478ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: يا آدَم اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الـجَنّةَ وكُلا مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتُـما ثم إن البلاء الذي كتب علـى الـخـلق كتب علـى آدم كما ابتُلـي الـخـلق قبله أن الله جل ثناؤه أحلّ له ما فـي الـجنة أن يأكل منها رغدا حيث شاء غير شجرة واحدة نُهي عنها. وقدم إلـيه فـيها, فما زال به البلاء حتـى وقع بـالذي نُهي عنه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلاَ تَقْرَبـا هَذِهِ الشجرَةَ.
قال أبو جعفر: والشجر فـي كلام العرب: كل ما قام علـى ساق, ومنه قول الله جل ثناؤه: وَالنّـجمُ وَالشّجَرُ يَسْجُدَانِ يعنـي بـالنـجم: ما نـجم من الأرض من نبت. وبـالشجر: ما استقلّ علـى ساق.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي عين الشجرة التـي نُهي عن أكل ثمرها آدم, فقال بعضهم هي السنبلة. ذكر من قال ذلك:
479ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي. قال: حدثنا عبد الـحميد الـحمانـي, عن النضر, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قال: الشجرة التـي نُهي عن أكل ثمرها آدمُ هي السنبلة.
480ـ وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, حدثنا هشيـم, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمران بن عتـيبة جميعا, عن حصين, عن أبـي مالك فـي قوله: وَلا تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ قال: هي السنبلة.
وحدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا ابن مهدي, وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قالا جميعا: حدثنا سفـيان عن حصين عن أبـي مالك, مثله.
481ـ وحدثنا أبو كريب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبـي عن عطية فـي قوله: وَلاَ تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ قال: السنبلة.
482ـ وحدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد عن سعيد, عن قتادة قال: الشجرة التـي نُهي عنها آدم هي السنبلة.
483ـ وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم. قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنـي رجل من بنـي تـميـم أن ابن عبـاس كتب إلـى أبـي الـجَلْد يسأله عن الشجرة التـي أكل منها آدم والشجرة التـي تاب عندها, فكتب إلـيه أبو الـجلد: سألتنـي عن الشجرة التـي نُهي عنها آدم, وهي السنبلة. وسألتنـي عن الشجرة التـي تاب عندها آدم, وهي الزيتونة.
وحدثنا ابن حميد. قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن رجل من أهل العلـم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, أنه كان يقول: الشجرة التـي نُهي عنها آدم: البُرّ.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة. وابن الـمبـارك, عن الـحسن بن عمارة, عن الـمنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قال: كانت الشجرة التـي نُهي الله عنها آدم وزوجته السنبلة.
484ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة. عن ابن إسحاق, عن بعض أهل الـيـمن, عن وهب بن منبه الـيـمانـي أنه كان يقول: هي البرّ ولكن الـحبة منها فـي الـجنة ككُلَـى البقر ألـين من الزبد وأحلـى من العسل. وأهل التوراة يقولون: هي البرّ.
485ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنـي مـحمد بن إسحاق, عن يعقوب بن عتبة: أنه حدث أنها الشجرة التـي تـحتكّ بها الـملائكة للـخُـلْد.
486ـ وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن يـمان عن جابر بن يزيد بن رفـاعة, عن مـحارب بن دثار قال: هي السنبلة.
487ـ وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن يزيد بن إبراهيـم, عن الـحسن, قال: هي السنبلة التـي جعلها الله رزقا لولده فـي الدنـيا.
قال أبو جعفر, وقال آخرون: هي الكرمة. ذكر من قال ذلك:
488ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله, عن إسرائيـل, عن السدي, عمن حدثه, عن ابن عبـاس, قال: هي الكرمة.
489ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي, فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس, وعن مرة عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: وَلاَ تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ قال: هي الكرمة. وتزعم الـيهود أنها الـحنطة.
490ـ وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: الشجرة هي الكرم.
491ـ وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن مغيرة, عن الشعبـي, عن جعدة بن هبـيرة, قال: هو العنب فـي قوله: وَلاَ تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ.
وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنـي أبـي, عن خلاد الصفـار, عن بـيان, عن الشعبـي, عن جعدة بن هبـيرة: وَلا تَقْرَبـا هَذِهِ الشّجَرَةَ قال: الكرم.
وحدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنـي الـحسين, قال: حدثنا خالد الواسطي, عن بـيان, عن الشعبـي, عن جعدة بن هبـيرة: وَلا تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ قال: الكرم.
492ـ وحدثنا ابن حميد وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبـي, عن جعدة بن هبـيرة, قال: الشجرة التـي نُهي عنها آدم: شجرة الـخمر.
493ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا عبـاد بن العوّام, قال: حدثنا سفـيان بن حسين, عن يعلـى بن مسلـم, عن سعيد بن جبـير قوله: وَلا تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ قال: الكرم.
وحدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن السدي, قال: العنب.
494ـ وحدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن قـيس, قال: عنب.
وقال آخرون: هي التّـينة. ذكر من قال ذلك:
495ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن بعض أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم قال: تـينة.
قال أبو جعفر: والقول فـي ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر عبـاده أن آدم وزوجته أكلا من الشجرة التـي نهاهما ربهما عن الأكل منها, فأتـيا الـخطيئة التـي نهاهما عن إتـيانها بأكلهما ما أكلا منها, بعد أن بـين الله جل ثناؤه لهما عين الشجرة التـي نهاهما عن الأكل منها وأشار لهما إلـيها بقوله: وَلا تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ. ولـم يضع الله جل ثناؤه لعبـاده الـمخاطبـين بـالقرآن دلالة علـى أيّ أشجار الـجنة كان نهيه آدم أن يقربها بنصّ علـيها بـاسمها ولا بدلالة علـيها. ولو كان لله فـي العلـم بأيّ ذلك من أيّ رضا لـم يُخْـلِ عبـادَه من نصب دلالة لهم علـيها يصلون بها إلـى معرفة عينها, لـيطيعوه بعلـمهم بها, كما فعل ذلك فـي كل ما بـالعلـم به له رضا.
فـالصواب فـي ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الـجنة دون سائر أشجارها, فخالفـا إلـى ما نهاهما الله عنه, فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به. ولا علـم عندنا أيّ شجرة كانت علـى التعيـين, لأن الله لـم يضع لعبـاده دلـيلاً علـى ذلك فـي القرآن ولا فـي السنة الصحيحة, فأنى يأتـي ذلك من أتـى؟
وقد قـيـل: كانت شجرة البرّ. وقـيـل: كانت شجرة العنب. وقـيـل: كانت شجرة التـين. وجائز أن تكون واحدة منها, وذلك إن علـمه عالـم لـم ينفع العالـم به علـمه, وإن جهله جاهل لـم يضرّه جهله به.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظّالِـمِينَ.
قال أبو جعفر: اختلف أهل العربـية فـي تأويـل قوله: وَلاَ تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظّالِـمِينَ فقال بعض نـحويـي الكوفـيـين: تأويـل ذلك: وَلاَ تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ فإنكما إن قربتـماها كنتـما من الظالـمين. فصار الثانـي فـي موضع جواب الـجزاء, وجواب الـجزاء يعمل فـيه أوّله كقولك: إن تقم أقم, فتـجزم الثانـي بجزم الأول. فكذلك قوله: فتكونا لـما وقعت الفـاء فـي موضع شرط الأول نصب بها, وصيرت بـمنزلة «كي» فـي نصبها الأفعال الـمستقبلة للزومها الاستقبـال, إذ كان أصل الـجزاء الاستقبـال.
وقال بعض نـحويـي أهل البصرة: تأويـل ذلك: لا يكن منكما قُرْبُ هذه الشجرة فأن تكونا من الظالـمين. غير أنه زعم أنّ «أن» غير جائز إظهارها مع «لا», ولكنها مضمرة لا بد منها لـيصح الكلام بعطف اسم وهي «أن» علـى الاسم, كما غير جائز فـي قولهم «عسى أن يفعل». عسى الفعل, ولا فـي قولك: «ما كان لـيفعل». ما كان لأن يفعل.
وهذا القول الثانـي يفسده إجماع جميعهم علـى تـخطئة قول القائل: سرّنـي تقوم يا هذا, وهو يريد: سرّنـي قـيامك. فكذلك الواجب أن يكون خطأ علـى هذا الـمذهب قول القائل: لا تقم, إذا كان الـمعنى: لا يكن منك قـيام. وفـي إجماع جميعهم علـى صحة قول القائل: لا تقم, وفساد قول القائل: سرّنـي تقوم بـمعنى سرّنـي قـيامك, الدلـيـل الواضح علـى فساد دعوى الـمدعي أن مع «لا» التـي فـي قوله: وَلاَ تَقْرَبَـا هَذِهِ الشّجَرَةَ ضمير «أن», وصحة القول الاَخر.
وفـي قوله: فَتَكُونَا مِنَ الظّالِـمِينَ وجهان من التأويـل: أحدهما أن يكون «فتكونا» فـي نـية العطف علـى قوله: وَلاَ تَقْرَبَـا فـيكون تأويـله حينئذ: ولا تقربـا هذه الشجرة, ولا تكونا من الظالـمين. فـيكون «فتكونا» حينئذ فـي معنى الـجزم مـجزوم بـما جزم به وَلاَ تَقْرَبَـا, كما يقول القائل: لا تكلـم عمرا ولا تؤذه, وكما قال امرؤ القـيس:
فَقُلْتُ لَهُ صَوّبْ وَلاَ تَـجْهَدَنّهُفَـيُذْرِكَ مِنْ أُخْرَى القَطَاةِ فَتَزْلَقِ
فجزم «فـيذرك» بـما جزم به «لا تـجهدنه», كأنه كرر النهي.
والثانـي أن يكون: فتكونَا منَ الظالـمينَ بـمعنى جواب النهي, فـيكون تأويـله حينئذ: لا تقربـا هذه الشجرة, فإنكما إن قربتـماها كنتـما من الظالـمين كما تقول: لا تشتـم عمرا فـيشتـمك مـجازاة. فـيكون «فتكونا» حينئذ فـي موضع نصب إذ كان حَرْفَ عطف علـى غير شكله لـمّا كان فـي ولا تقْربَـا حرف عامل فـيه, ولا يصلـح إعادته فـي «فتكونا», فنصب علـى ما قد بـينت فـي أول هذه الـمسألة.
وأما تأويـل قوله: فَتَكُونَا مِنَ الظّالِـمِينَ فإنه يعنـي به فتكونا من الـمتعدّين إلـى غير ما أذن لهم وأبـيح لهم فـيه. وإنـما عنى بذلك أنكما إن قربتـما هذه الشجرة كنتـما علـى منهاج من تعدّى حدودي وعصى أمري واستـحلّ مـحارمي لأن الظالـمين بعضهم أولـياء بعض, والله ولـيّ الـمتقـين. وأصل الظلـم فـي كلام العرب وضع الشيء فـي غير موضعه ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:
إلا أُلاوَارِيّ لأْيا ما أُبَـيّنُهاوَالنّؤْيُ كالـحَوْضِ بـالـمَظْلُومَةِ الـجَلَدِ
فجعل الأرض مظلومة, لأن الذي حفر فـيها النوى حفر فـي غير موضع الـحفر, فجعلها مظلومة لوضع الـحفرة منها فـي غير موضعها. ومن ذلك قول ابن قميئة فـي صفة غيث:
ظَلَـمَ البِطَاحَ بِها انْهلالُ حَرِيصَةٍفَصَفـا النّطافُ لَهُ بُعَيْدَ الـمُقْلَعِ
وظلـمه إياه: مـجيئه فـي غير أوانه, وانصبـابه فـي غير مصبه. ومنه: ظلـم الرجل جَزوره, وهو نـحره إياه لغير علة وذلك عند العرب: وضع النـحر فـي غير موضعه.
وقد يتفرع الظلـم فـي معان يطول بإحصائها الكتاب, وسنبـينها فـي أماكنها إذا أتـينا علـيها إن شاء الله تعالـى وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء فـي غير موضعه.
الآية : 36
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{فَأَزَلّهُمَا الشّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرّ وَمَتَاعٌ إِلَىَ حِينٍ }
قال أبو جعفر: اختلف القرّاء فـي قراءة ذلك فقرأته عامتهم: فأزلّهما بتشديد اللام, بـمعنى استزلهما من قولك: زلّ الرجل فـي دينه: إذا هفـا فـيه وأخطأ فأتـى ما لـيس له إتـيانه فـيه, وأزلّه غيره: إذا سبب له ما يزلّ من آجله فـي دينه أو دنـياه. ولذلك أضاف الله تعالـى ذكره إلـى إبلـيس خروج آدم وزوجته من الـجنة فقال: فأخْرَجَهُما يعنـي إبلـيس مِـمّا كانا فِـيهِ لأنه كان الذي سبب لهما الـخطيئة التـي عاقبهما الله علـيها بإخراجهما من الـجنة.
وقرأه آخرون: «فأزالهما», بـمعنى إزالة الشيء عن الشيء, وذلك تنـحيته عنه.
وقد رُوي عن ابن عبـاس فـي تأويـل قوله فأزَلّهما ما:
496ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج: قال: قال ابن عبـاس فـي تأويـل قوله تعالـى: فأزَلّهُما الشّيطان قال: أغواهما.
وأولـى القراءتـين بـالصواب قراءة من قرأ: فأزَلّهُما لأن الله جل ثناؤه قد أخبر فـي الـحرف الذي يتلوه بأن إبلـيس أخرجهما مـما كانا فـيه, وذلك هو معنى قوله فأزالهما, فلا وجه إذ كان معنى الإزالة معنى التنـحية والإخراج أن يقال: «فأزالهما الشيطان عنها فأخرجهما مـما كانا فـيه», فـيكون كقوله: «فأزالهما الشيطان عنها فأزالهما مـما كانا فـيه», ولكن الـمعنى الـمفهوم أن يقال: فـاستزلهما إبلـيس عن طاعة الله, كما قال جل ثناؤه: فأزلّهُما الشّيْطانُ وقرأت به القراء, فأخرجهما بـاستزلاله إياهما من الـجنة.
فإن قال لنا قائل: وكيف كان استزلال إبلـيس آدم وزوجته حتـى أضيف إلـيه إخراجهما من الـجنة؟ قـيـل: قد قالت العلـماء فـي ذلك أقوالاً سنذكر بعضها. فحكي عن وهب بن منبه فـي ذلك ما:
497ـ حدثنا به الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مُهرب, قال: سمعت وهب بن منبه يقول: لـما أسكن الله آدم وذرّيته, أو زوجته, الشك من أبـي جعفر, وهو فـي أصل كتابه: وذرّيته ونهاه عن الشجرة, وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها فـي بعض, وكان لها ثمر تأكله الـملائكة لـخـلدهم, وهي الثمرة التـي نهى الله آدم عنها وزوجته. فلـما أراد إبلـيس أن يستزلهما دخـل فـي جوف الـحية, وكانت للـحية أربع قوائم كأنها بُخْتـية من أحسن دابة خـلقها الله. فلـما دخـلت الـحية الـجنة, خرج من جوفها إبلـيس, فأخذ من الشجرة التـي نهى الله عنها آدم وزوجته, فجاء بها إلـى حوّاء, فقال: انظري إلـى هذه الشجرة, ما أطيب ريحها, وأطيب طعمها, وأحسن لونها فأخذت حوّاء فأكلت منها, ثم ذهبت بها إلـى آدم, فقالت: انظر إلـى هذه الشجرة, ما أطيب ريحها, وأطيب طعمها, وأحسن لونها فأكل منها آدم, فبدت لهما سوآتهما, فدخـل آدم فـي جوف الشجرة, فناداه ربه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب, قال: ألا تـخرج: قال: أستـحيـي منك يا ربّ, قال: ملعونة الأرض التـي خـلقت منها لعنة يتـحوّل ثمرها شوكا. قال: ولـم يكن فـي الـجنة ولا فـي الأرض شجرة كان أفضل من الطلـح والسدر ثم قال: يا حوّاء أنت التـي غررت عبدي, فإنك لا تـحملـين حملاً إلا حملته كرها, فإذا أردت أن تضعي ما فـي بطنك أشرفت علـى الـموت مرارا. وقال للـحية: أنت التـي دخـل الـملعون فـي جوفك حتـى غرّ عبدي, ملعونة أنت لعنة تتـحوّل قوائمك فـي بطنك, ولا يكن لك رزق إلا التراب, أنت عدوة بنـي آدم وهم أعداؤك حيث لقـيت أحدا منهم أخذت بعقبه, وحيث لقـيك شدخ رأسك.
قال عمر: قـيـل لوهب: وما كانت الـملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء.
ورُوي عن ابن عبـاس نـحو هذه القصة.
498ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك, وعن أبـي صالـح عن ابن عبـاس, وعن مرة عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: لـما قال الله لاَدم: اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الـجَنّةَ وكُلا مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شئْتُـما وَلا تَقْرَبَـا هَذِهِ الشجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِـمِينَ أراد إبلـيس أن يدخـل علـيهما الـجنة فمنعته الـخزنة, فأتـى الـحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير, وهي كأحسن الدوابّ, فكلـمها أن تدخـله فـي فمها حتـى تدخـل به إلـى آدم, فأدخـلته فـي فمها, فمرّت الـحية علـى الـخزنة فدخـلت ولا يعلـمون لـما أراد الله من الأمر, فكلـمه من فمها فلـم يبـال بكلامه, فخرج إلـيه فقال: يا آدم هَلْ أَدُلّكَ علـى شَجَرَةِ الـخُـلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى يقول: هل أدلك علـى شجرة إن أكلت منها كنت ملكا مثل الله عزّ وجل, أو تكونا من الـخالدين فلا تـموتان أبدا. وحلف لهما بـالله إنـي لَكُمَا لَـمِنَ النّاصِحِينَ. وإنـما أراد بذلك لـيبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما بهتك لبـاسهما. وكان قد علـم أن لهما سوأة لـما كان يقرأ من كتب الـملائكة, ولـم يكن آدم يعلـم ذلك, وكان لبـاسهما الظفر. فأبى آدم أن يأكل منها, فتقدمت حوّاء فأكلت, ثم قالت: يا آدم كل فإنـي قد أكلت فلـم يضرّنـي. فلـما أكل آدم بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهما وَطَفِقَا يَخْصِفـانِ عَلَـيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الـجَنّةِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:40 am

499ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: حدثنـي مـحدّث أن الشيطان دخـل الـجنة فـي صورة دابة ذات قوائم, فكان يرى أنه البعير. قال: فلعن فسقطت قوائمه, فصار حية.
500ـ وحدثت عن عمار, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: وحدثنـي أبو العالـية أن من الإبل ما كان أولها من الـجنّ, قال: فأبـيحت له الـجنة كلها إلا الشجرة, وقـيـل لهما: لا تَقْرَبـا هذهِ الشّجرَةَ فتكُونا منَ الظالـمينَ قال: فأتـى الشيطان حوّاء فبدأ بها فقال: أنهيتـما عن شيء؟ قالت: نعم, عن هذه الشجرة. فقال: ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونا مِنَ الـخالِدِينَ. قال: فبدأت حوّاء فأكلت منها, ثم أمرت آدم فأكل منها. قال: وكانت شجرة من أكل منها أحدث. قال: ولا ينبغي أن يكون فـي الـجنة حدث. قال: فأزَلّهُما الشّيْطَانُ عَنْها فأخْرجَهُما مِـمّا كانَا فِـيهِ قال: فـاخرج آدم من الـجنة.
501ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنا ابن إسحاق, عن بعض أهل العلـم: أن آدم حين دخـل الـجنة ورأى ما فـيها من الكرامة وما أعطاه الله منها, قال: لو أن خُـلْدا كان فـاغتنـمها منه الشيطان لـما سمعها منه, فأتاه من قِبَل الـخُـلْد.
502ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: حدثت أن أوّل ما ابتدأهما به من كيده إياهما أنه ناح علـيهما نـياحة أحزنتهما حين سمعاها, فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي علـيكما تـموتان فتفـارقان ما أنتـما فـيه من النعمة والكرامة. فوقع ذلك فـي أنفسهما. ثم أتاهما فوسوس إلـيهما, فقال: يا آدمَ هَلْ أدُلّكَ عَلـى شَجَرَةِ الـخُـلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى وقال: مَا نَهاكُما رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونَا مِنَ الـخالِدِينَ وقاسَمَهُما إنّـي لَكُما لـمِنَ النّاصِحِينَ أي تكونا ملكين أو تـخـلدا إن لـم تكونا ملكين فـي نعمة الـجنة فلا تـموتان, يقول الله جل ثناؤه: فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ.
503ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وسوس الشيطان إلـى حوّاء فـي الشجرة حتـى أتـى بها إلـيها, ثم حسّنها فـي عين آدم. قال: فدعاها آدم لـحاجته, قالت: لا, إلا أن تأتـي ههنا. فلـما أتـى قالت: لا, إلا أن تأكل من هذه الشجرة, قال: فأكلا منها فبدت لـما سوآتهما. قال: وذهب آدم هاربـا فـي الـجنة, فناداه ربه: يا آدم أمنـي تفرّ؟ قال: لا يا ربّ, ولكن حياءً منك. قال: يا آدم أنّى أُتـيت؟ قال: من قبل حوّاء أي ربّ. فقال الله: فإن لها علـيّ أن أدميها فـي كل شهر مرة كما أدميت هذه الشجرة, وأن أجعلها سفـيهة, فقد كنت خـلقتها حلـيـمة, وأن أجعلها تـحمل كرها وتضع كرها, فقد كنت جعلتها تـحمل يسرا وتضع يسرا.
قال ابن زيد: ولولا البلـية التـي أصابت حوّاء لكان نساء الدنـيا لا يحضن, ولكنّ حلـيـمات, وكنّ يحملن يُسْرا ويضعن يُسْرا.
504ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن يزيد بن عبد الله بن قسيط, عن سعيد بن الـمسيب, قال: سمعته يحلف بـالله ما يستثنـي ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل, ولكن حوّاء سقته الـخمر حتـى إذا سكر قادته إلـيها فأكل.
505ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن لـيث بن أبـي سلـيـم, عن طاوس الـيـمانـي, عن ابن عبـاس, قال: إن عدوّ الله إبلـيس عرض نفسه علـى دوابّ الأرض أنها تـحمله حتـى يدخـل الـجنة معها, ويكلـم آدم وزوجته, فكل الدوابّ أبى ذلك علـيه, حتـى كلـم الـحية فقال لها: أمنعك من ابن آدم, فأنت فـي ذمتـي إن أنت أدخـلتنـي الـجنة فجعلته بـين نابـين من أنـيابها, ثم دخـلت به. فكلـمهما من فـيها, وكانت كاسية تـمشي علـى أربع قوائم, فأعراها الله, وجعلها تـمشي علـى بطنها. قال: يقول ابن عبـاس: اقتلوها حيث وجدتـموها, اخفروا ذمة عدوّ الله فـيها.
506ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: قال ابن إسحاق: وأهل التوراة يدرسون: إنـما كلّـم آدم الـحية, ولـم يفسروا كتفسير ابن عبـاس.
507ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن قـيس, قال: نهى الله آدم وحوّاء أن يأكلا من شجرة واحدة فـي الـجنة ويأكلا منها رغدا حيث شاآ. فجاء الشيطان فدخـل فـي جوف الـحية, فكلـم حواء, ووسوس الشيطان إلـى آدم, فقال: ما نَهاكُما رَبكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلا أنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونا مِنَ الـخالِدِينَ وَقَاسَمَهُما إنّـي لَكُما لـمِنَ النّاصِحِينَ قال: فعضت حواء الشجرة, فدميت الشجرة وسقط عنهما رياشهما الذي كان علـيهما وَطَفِقا يَخْصِفـانِ عَلَـيْهِما منْ وَرَقِ الـجَنةِ وَنادَاهُما رَبهُما ألَـمْ أنْهَكُما عَنْ تلْكُما الشجَرَةِ وأقُلْ لَكُما إنّ الشّيْطانَ لَكُما عَدوّ مُبـينٌ لـم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا ربّ أطعمتنـي حوّاء. قال لـحوّاء: لـم أطعمته؟ قالت: أمرتنـي الـحية. قال للـحية: لـم أمرتها؟ قالت: أمرنـي إبلـيس. قال: ملعون مدحور أما أنت يا حوّاء فكما أدميت الشجرة فتَدْمين فـي كل هلال. وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتـمشين جريا علـى وجهك, وسيشدخ رأسك من لقـيك بـالـحجر اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ.
قال أبو جعفر: وقد رويت هذه الأخبـار عمن رويناها عنه من الصحابة والتابعين وغيرهم فـي صفة استزلال إبلـيس عدوّ الله آدم وزوجته حتـى أخرجهما من الـجنة.
وأولـى ذلك بـالـحقّ عندنا, ما كان لكتاب الله موافقا, وقد أخبر الله تعالـى ذكره عن إبلـيس أنه وسوس لاَدم وزوجته لـيبدي لهما ما وورى عنهما من سوآتهما, وأنه قال لهما: ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونَا مِنَ الـخالِدِينَ وأنه قاسمهما إنـي لكما لـمن الناصحين مدلّـيا لهما بغرور. ففـي إخبـاره جل ثناؤه عن عدوّ الله أنه قاسم آدم وزوجته بقـيـله لهما: إنّـي لَكُما لـمِنَ الناصِحِينَ الدلـيـل الواضح علـى أنه قد بـاشر خطابهما بنفسه, إما ظاهرا لأعينهما, وإما مستـجنّا فـي غيره. وذلك أنه غير معقول فـي كلام العرب أن يقال: قاسم فلان فلانا فـي كذا وكذا, إذا سبب له سببـا وصل به إلـيه دون أن يحلف له. والـحلف لا يكون بتسبب السبب, فكذلك قوله: فوسوس إلـيه الشيطان, لو كان ذلك كان منه إلـى آدم علـى نـحو الذي منه إلـى ذريته من تزيـين أكل ما نهى الله آدم عن أكله من الشجرة بغير مبـاشرة خطابه إياه بـما استزله به من القول والـحيـل, لـما قال جل ثناؤه: وَقَاسَمَهُمَا إنّـي لَكُمَا لَـمِنَ النّاصِحِينَ كما غير جائز أن يقول الـيوم قائل مـمن أتـى معصية: قاسمنـي إبلـيس أنه لـي ناصح فـيـما زين لـي من الـمعصية التـي أتـيتها, فكذلك الذي كان من آدم وزوجته لو كان علـى النـحو الذي يكون فـيـما بـين إبلـيس الـيوم وذرية آدم لـمّا قال جل ثناؤه: وَقَاسَمَهُما إنّـي لَكُما لَـمِنَ الناصِحِينَ ولكن ذلك كان إن شاء الله علـى نـحو ما قال ابن عبـاس ومن قال بقوله.
فأما سبب وصوله إلـى الـجنة حتـى كلـم آدم بعد أن أخرجه الله منها وطرده عنها, فلـيس فـيـما رُوي عن ابن عبـاس ووهب بن منبه فـي ذلك معنى يجوز لذي فهم مدافعته, إذ كان ذلك قولاً لا يدفعه عقلٌ ولا خبرٌ يـلزم تصديقه من حجة بخلافه, وهو من الأمور الـمـمكنة. والقول فـي ذلك أنه قد وصل إلـى خطابهما علـى ما أخبرنا الله جل ثناؤه, ومـمكن أن يكون وصل إلـى ذلك بنـحو الذي قاله الـمتأوّلون بل ذلك إن شاء الله كذلك لتتابع أقوال أهل التأويـل علـى تصحيح ذلك, وإن كان ابن إسحاق قد قال فـي ذلك ما:
508ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: قال ابن إسحاق فـي ذلك, والله أعلـم, كما قال ابن عبـاس وأهل التوراة: أنه خـلص إلـى آدم وزوجته بسلطانه الذي جعل الله له لـيبتلـي ب.ه آدم وذريته, وأنه يأتـي ابن آدم فـي نومته وفـي يقظته, وفـي كل حال من أحواله, حتـى يخـلص إلـى ما أراد منه حتـى يدعوه إلـى الـمعصية, ويوقع فـي نفسه الشهوة وهو لا يراه, وقد قال الله: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيْطانُ فأخْرَجُهُما مِـما كانا فِـيهِ. وقال: يا بَنِـي آدَمَ لا يَفْتِنَنّكُم الشّيْطانُ كَما أخْرَجَ أبَوَيْكُمْ مِنَ الـجَنّةِ يَنْزِع عَنْهُما لِبـاسَهُما لِـيُريَهُما سوآتِهِما إنه يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِـيـلُه مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إنا جَعَلْنَا الشياطينَ أوْلِـياءَ للذينَ لا يُؤْمِنْونَ وقد قال الله لنبـيه علـيه الصلاة والسلام: قُلْ أعُوذُ بِرَبّ النّاسِ مَلِكِ النّاسِ إلـى آخر السورة. ثم ذكر الأخبـار التـي رويت عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ الشّيْطَانَ يَجْرِي مِن ابْنِ آدَمَ مـجرَى الدّمِ» قال ابن إسحاق: وإنـما أمر ابن آدم فـيـما بـينه وبـين عدوّ الله, كأمره فـيـما بـينه وبـين آدم, فقال الله: اهْبِطْ مِنْها فَمَا يَكُونُ لَكَ أنْ تَتَكَبّرَ فِـيها فـاخْرُجْ إنّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ. ثم خـلص إلـى آدم وزوجته حتـى كلـمهما, كما قصّ الله علـينا من خبرهما, قال: فَوَسْوَسَ إلَـيْهِ الشّيْطَانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أدُلّكَ علـى شَجَرَةِ الـخُـلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى فخـلص إلـيهما بـما خـلص إلـى ذريته من حيث لا يريانه, والله أعلـم أيّ ذلك كان فتابـا إلـى ربهما.
قال أبو جعفر: ولـيس فـي يقـين ابن إسحاق لو كان قد أيقن فـي نفسه أن إبلـيس لـم يخـلص إلـى آدم وزوجته بـالـمخاطبة بـما أخبر الله عنه أنه قال لهما وخاطبهما به ما يجوز لذي فهم الاعتراض به علـى ما ورد من القول مستفـيضا من أهل العلـم مع دلالة الكتاب علـى صحة ما استفـاض من ذلك بـينهم, فكيف بشكه؟ والله نسأل التوفـيق.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فأخْرَجَهُما مِـمّا كانا فِـيه.
قال أبو جعفر: وأما تأويـل قوله: فأخْرَجَهُما فإنه يعنـي: فأخرج الشيطان آدم وزوجته مـما كانا, يعنـي مـما كان فـيه آدم وزوجته من رغد العيش فـي الـجنة, وسعة نعيـمها الذي كانا فـيه. وقد بـينا أن الله جل ثناؤه إنـما أضاف إخراجهما من الـجنة إلـى الشيطان, وإن كان الله هو الـمخرج لهما لأن خروجهما منها كان عن سبب من الشيطان, وأضيف ذلك إلـيه لتسبـيبه إياه كما يقول القائل لرجل وصل إلـيه منه أذى حتـى تـحوّل من أجله عن موضع كان يسكنه: ما حوّلنـي من موضعي الذي كنت فـيه إلا أنت, ولـم يكن منه له تـحويـل, ولكنه لـما كان تـحوّله عن سبب منه جاز له إضافة تـحويـله إلـيه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وقُلْنا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ.
قال أبو جعفر: يقال: هبط فلان أرض كذا ووادي كذا: إذا حلّ ذلك كما قال الشاعر:
ما زِلْتُ أرْمُقُهُمْ حَتّـى إذَا هَبَطَتْأيْدِي الرّكابِ بِهِمْ مِنْ رَاكسٍ فَلَقا
وقد أبـان هذا القول من الله جل ثناؤه عن صحة ما قلنا من أن الـمخرج آدم من الـجنة هو الله جلّ ثناؤه, وأن إضافة الله إلـى إبلـيس ما أضاف إلـيه من إخراجهما كان علـى ما وصفنا. ودل بذلك أيضا علـى أن هبوط آدم وزوجته وعدوّهما إبلـيس كان فـي وقت واحد. بجَمْعِ الله إياهم فـي الـخبر عن إهبـاطهم, بعد الذي كان من خطيئة آدم وزوجته, وتسبب إبلـيس ذلك لهما, علـى ما وصفه ربنا جل ذكره عنهم.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى بقوله: اهْبِطُوا مع إجماعهم علـى أن آدم وزوجته مـمن عُنـي به.
509ـ فحدثنا سفـيان بن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن أبـي عوانة, عن إسماعيـل بن سالـم, عن أبـي صالـح: اهْبِطُوا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ قال: آدم, وحوّاء, وإبلـيس, والـحية.
510ـ حدثنا ابن وكيع وموسى بن هارون, قالا: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: اهْبِطُوا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ عَدوّ قال: فلعن الـحية وقطع قوائمها وتركها تـمشي علـى بطنها وجعل رزقها من التراب, وأهبط إلـى الأرض آدم وحوّاء وإبلـيس والـحية.
511ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى بن ميـمون, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ قال: آدم, وإبلـيس, والـحية.
وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: اهْبِطُوا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ آدم, وإبلـيس, والـحية, ذرية بعضهم أعداء لبعض.
وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ قال: آدم وذريته, وإبلـيس وذريته.
512ـ وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا آدم بن أبـي إياس, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: بَعُضكُمْ لبَعْضٍ عَدُوّ قال: يعنـي إبلـيس, وآدم.
513ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, عن إسرائيـل, عن السدي, عمن حدثه عن ابن عبـاس فـي قوله: اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدوّ قال: بعضهم عدوّ آدم, وحوّاء, وإبلـيس, والـحية.
وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن وهب, قال: حدثنـي عبد الرحمن بن مهديّ, عن إسرائيـل, عن إسماعيـل السدي, قال: حدثنـي من سمع ابن عبـاس يقول: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ قال: آدم, وحوّاء, وإبلـيس, والـحية.
514ـ وحدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: اهْبِطُوا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ عَدوّ قال: لهما ولذرّيتهما.
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وما كانت عداوة ما بـين آدم وزوجته, وإبلـيس, والـحية؟ قـيـل: أما عداوة إبلـيس آدم وذرّيته, فحسده إياه, واستكبـاره عن طاعة الله فـي السجود له حين قال لربه: أنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَـلَقْتَنِـي مِنْ نارٍ وَخَـلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. وأما عداوة آدم وذرّيته إبلـيس, فعداوة الـمؤمنـين إياه لكفره بـالله وعصيانه لربه فـي تكبره علـيه ومخالفته أمره وذلك من آدم ومؤمنـي ذرّيته إيـمان بـالله. وأما عداوة إبلـيس آدم, فكفر بـالله. وأما عداوة ما بـين آدم وذرّيته, والـحية, فقد ذكرنا ما رُوي فـي ذلك عن ابن عبـاس ووهب بن منبه, وذلك هي العداوة التـي بـيننا وبـينها, كما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما سالَـمْنَاهُن مُنْذُ حارَبْناهُن فَمَنْ تَرَكَهُنّ خَشْيَةَ ثَأْرِهِن فَلَـيْسَ مِنّا».
515ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنـي حجاج بن رشد, قال: حدثنا حيوة بن شريح, عن ابن عجلان, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما سالَـمْناهُنّ مُنْدُ حارَبْناهُنّ, فَمَنْ تَرَكَ شَيْئا مِنْهُنّ خِيفَةً فَلَـيْسَ مِنّا».
قال أبو جعفر: وأحسب أن الـحرب التـي بـيننا كان أصله ما ذكره علـماؤنا الذين قدمنا الرواية عنهم فـي إدخالها إبلـيس الـجنة بعد أن أخرجه الله منها حتـى استزله عن طاعة ربه فـي أكله ما نهى عن أكله من الشجرة.
516ـ وحدثنا أبو كريب, قال حدثنا معاوية بن هشام, وحدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي, قال: حدثنـي آدم جميعا, عن شيبـان, عن جابر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الـحيات, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خُـلِقَتْ هِيَ وَالإنْسانُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَدُوّ لِصَاحِبِهِ, إنْ رآها أفْزَعَتْه, وَإنْ لَذَغَتْه أوْجَعَتْه, فـاقْتُلْها حَيْثُ وَجَدْتَها».
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَكم فـي الأرْضِ مُسْتَقَرّ.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك. فقال بعضهم بـما:
517ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا آدم العسقلانـي, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: وَلَكُمْ فـي الأرْضِ مُسْتَقَرّ قال: هو قوله: الّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ فِرَاشا.
518ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فـي قوله: وَلَكُمْ فِـي الأرْضِ مُسْتَقَرّ قال: هو قوله: جَعَلَ لَكُم الأرْضَ قَرَارا.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولكم فـي الأرض قرار فـي القبور. ذكر من قال ذلك:
519ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلَكُمْ فِـي الأرْضِ مُسْتَقَرّ يعنـي القبور.
520ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنـي عبد الرحمن بن مهدي, عن إسرائيـل, عن إسماعيـل السدي, قال: حدثنـي من سمع ابن عبـاس قال: وَلَكُمْ فـي الأرْضِ مُسْتَقَرّ قال: القبور.
521ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وَلَكُمْ فِـي الأرْضِ مُسْتَقَرّ قال: مقامهم فـيها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:41 am

قال أبو جعفر: والـمستقرّ فـي كلام العرب هو موضع الاستقرار. فإذا كان ذلك كذلك, فحيث كان من فـي الأرض موجودا حالاّ, فذلك الـمكان من الأرض مستقرّه.
إنـما عنى الله جل ثناؤه بذلك: أن لهم فـي الأرض مستقرّا ومنزلاً بأماكنهم ومستقرّهم من الـجنة والسماء, وكذلك قوله وَمَتَاعٌ يعنـي به أن لهم فـيها متاعا بـمتاعهم فـي الـجنة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَمَتَاعٌ إلـى حِينٍ.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم: ولكم فـيها بلاغ إلـى الـموت. ذكر من قال ذلك:
522ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي قوله: وَمَتَاعٌ إلـى حِينٍ قال يقول: بلاغ إلـى الـموت.
523ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيـل, عن إسماعيـل السدي, قال: حدثنـي من سمع ابن عبـاس: وَمَتَاعٌ إلـى حِينٍ قال: الـحياة.
وقال آخرون: يعنـي بقوله: وَمَتَاعٌ إلـى حِينٍ: إلـى قـيام الساعة. ذكر من قال ذلك:
524ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَمَتَاعٌ إلـى حِينٍ قال: إلـى يوم القـيامة إلـى انقطاع الدنـيا.
وقال آخرون إلـى حين, قال: إلـى أجل. ذكر من قال ذلك:
525ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع: وَمَتَاعٌ إلـى حِينٍ قال: إلـى أجل.
والـمتاع فـي كلام العرب: كل ما استـمتع به من شيء من معاش استـمتع به أو رياش أو زينة أو لذّة أو غير ذلك. فإذا كان ذلك كذلك, وكان الله جل ثناؤه قد جعل حياة كل حيّ متاعا له يستـمتع بها أيام حياته, وجعل الأرض للإنسان متاعا أيام حياته بقراره علـيها, واغتذائه بـما أخرج الله منها من الأقوات والثمار, والتذاذه بـما خـلق فـيها من الـملاذ وجعلها من بعد وفـاته لـجثته كِفـاتا, ولـجسمه منزلاً وقرارا, وكان اسم الـمتاع يشمل جميع ذلك كان أولـى التأويلات بـالآية. إذْ لـم يكن الله جل ثناؤه وضع دلالة دالّة علـى أنه قصد بقوله: وَمَتَاعٌ إلـى حِينٍ بعضا دون بعض, وخاصّا دون عام فـي عقل ولا خبر أن يكون ذلك فـي معنى العام, وأن يكون الـخبر أيضا كذلك إلـى وقت يطول استـمتاع بنـي آدم وبنـي إبلـيس بها, وذلك إلـى أن تبدّل الأرض غير الأرض. فإذْ كان ذلك أولـى التأويلات بـالآية لـما وصفنا, فـالواجب إذا أن يكون تأويـل الآية: ولكن فـي الأرض منازل ومساكن, تستقرّون فـيها استقراركم كان فـي السموات, وفـي الـجنات فـي منازلكم منها, واستـمتاع منكم بها وبـما أخرجت لكم منها, وبـما جعلت لكم فـيها من الـمعاش والرياش والزّيْن والـملاذ, وبـما أعطيتكم علـى ظهرها أيام حياتكم ومن بعد وفـاتكم لأرماسكم وأجداثكم, تُدفنون فـيها وتبلغون بـاستـمتاعكم بها إلـى أن أبدّلكم بها غيرها.
الآية : 37
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{فَتَلَقّىَ آدَمُ مِن رّبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ }
قال أبو جعفر: أما تأويـل قوله: فَتَلَقّـى آدَمُ فقـيـل إنه أخذ وقبل, وأصله التفعل من اللقاء كما يتلقـى الرجل الرجل يستقبله عند قدومه من غيبة أو سفر, فكذلك ذلك فـي قوله: فَتَلَقّـى كأنه استقبله فتلقاه بـالقبول, حين أوحى إلـيه, أو أخبر به. فمعنى ذلك إذا: فلقّـى الله آدمَ كلـمات توبة فتلقاها آدم من ربه وأخذها عنه تائبـا فتاب الله علـيه بقـيـله إياها وقبوله إياها من ربه. كما:
526ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ الآية, قال: لقاهما هذه الآية: ربنا ظلـمنا أنفسنا وإن لـم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الـخاسرين.
وقد قرأ بعضهم: «فَتَلَقّـى آدَمَ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٌ» فجعل الكلـمات هي الـمتلقـية آدم. وذلك وإن كان من وجهة العربـية جائزا إذ كان كل ما تلقاه الرجل فهو له متلق وما لقـيه فقد لقـيه, فصار للـمتكلـم أن يوجه الفعْل إلـى أيهما شاء ويخرج من الفعل أيهما أحب, فغير جائز عندي فـي القراءة إلا رفع «آدم» علـى أنه الـمتلقـي الكلـمات لإجماع الـحجة من القراء وأهل التأويـل من علـماء السلف والـخـلف علـى توجيه التلقـي إلـى آدم دون الكلـمات, وغير جائز الاعتراض علـيها فـيـما كانت علـيه مـجمعة بقول من يجوز علـيه السهو والـخطأ.
واختلف أهل التأويـل فـي أعيان الكلـمات التـي تلقاها آدم من ربه, فقال بعضهم بـما:
527ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا ابن عطية, عن قـيس, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن الـمنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ فَتابَ عَلَـيْهِ قال: أي ربّ ألـم تـخـلقنـي بـيدك؟ قال: بلـى, قال: أي ربّ ألـم تنفخ فـيّ من روحك؟ قال: بلـى, قال: أي ربّ ألـم تسكنـي جنتك؟ قال: بلـى, أي ربّ ألـم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلـى, قال: أرأيت إن أنا تبت وأصلـحت أراجعي أنت إلـى الـجنة؟ قال: نعم. قال: فهو قوله: فَتَلَقّـى آدمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ.
وحدثنـي علـيّ بن الـحسن, قال: حدثنا مسلـم, قال: حدثنا مـحمد بن مصعب, عن قـيس بن الربـيع, عن عاصم بن كلـيب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس نـحوه.
528ـ وحدثنـي مـحمد بن سعد, قال: حدثنـي أبـي, قال: حدثنـي عمي, قال: حدثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلـماتٍ فَتابَ عَلَـيْهِ قال: إن آدم قال لربه إذ عصاه ربّ أرأيت إن أنا تبت وأصلـحت؟ فقال له ربه: إنـي راجعك إلـى الـجنة.
529ـ وحدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن سعيد, عن قتادة قوله: فَتَلَقّـى آدَمُ منْ رَبّهِ كَلِـماتٍ ذكر لنا أنه قال: يا ربّ أرأيت إن أنا تبت وأصلـحت؟ قال: إنـي إذا راجعك إلـى الـجنة. قال: وقال الـحسن إنهما قالا: رَبّنا ظَلَـمْنا أنْفُسَنا وَإنْ لَـمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنّ مِنَ الـخاسِرِينَ.
530ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم العسقلانـي, قال: حدثنا أبو جعفر عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلـماتٍ قال: إن آدم لـما أصاب الـخطيئة, قال: يا ربّ أرأيت إن تبت وأصلـحت؟ فقال الله: إذا أرجعك إلـى الـجنة. فهي من الكلـمات. ومن الكلـمات أيضا: رَبّنا ظَلَـمْنا أنْفُسَنا وَإنْ لَـمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنّ مِنَ الـخَاسِرِينَ.
531ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ قال: ربّ ألـم تـخـلقنـي بـيدك؟ قـيـل له: بلـى, قال: ونفخت فـيّ من روحك؟ قـيـل له: بلـى, قال: وسبقت رحمتك غصبك؟ قـيـل له: بلـى, قال: ربّ هل كنت كتبت هذا علـيّ؟ قـيـل له: نعم, قال: ربّ إن تبت وأصلـحت هل أنت راجعي إلـى الـجنة؟ قـيـل له: نعم. قال الله تعالـى: ثُمّ اجْتَبـاهُ رَبهُ فَتابَ عَلَـيْهِ وَهَدَى.
وقال آخرون بـما:
532ـ حدثنا به مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد العزيز بن رفـيع, قال: حدثنـي من سمع عبـيد بن عمير, يقول: قال آدم: يا ربّ خطيئتـي التـي أخطأتها أشيء كتبته علـيّ قبل أن تـخـلقنـي, أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بلـى شيء كتبته علـيك قبل أن أخـلقك. قال: فكما كتبته علـيّ فـاغفره لـي قال: فهو قول الله: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كلِـماتٍ.
وحدثنا ابن سنان, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد العزيز بن رفـيع, قال: أخبرنـي من سمع عبـيد بن عمير بـمثله.
وحدثنا ابن سنان, قال: حدثنا وكيع بن الـجرّاح, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد العزيز بن رفـيع, عمن سمع عبـيد بن عمير يقول: قال آدم, فذكر نـحوه.
وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد العزيز بن رفـيع, قال: أخبرنـي من سمع عبـيد الله بن عمير بنـحوه.
وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن عبد العزيز, عن عبـيد بن عمير بـمثله.
وقال آخرون بـما:
533ـ حدثنـي به أحمد بن عثمان بن حكيـم الأودي, قال: حدثنا عبد الرحمن بن شريك, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا حصين بن عبد الرحمن, عن حميد بن نبهان, عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية أنه قال: قوله: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ فَتاب عَلَـيْهِ قال آدم: اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك, أستغفرك وأتوب إلـيك, تب علـيّ إنك أنت التوّاب الرحيـم.
534ـ وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو غسان, قال: أنبأنا أبو زهير, وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي, قال: أخبرنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان وقـيس جميعا عن خصيف, عن مـجاهد فـي قوله: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ قال قوله: رَبّنا ظَلَـمْنا أنْفُسنَا وَإنْ لَـمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا حتـى فرغ منها.
535ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنـي شبل, عن ابن نـجيح, عن مـجاهد, كان يقول فـي قول الله: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ الكلـمات: اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك, ربّ إنـي ظلـمت نفسي فـاغفر لـي إنك خير الغافرين. اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك, ربـي إنـي ظلـمت نفسي فـارحمنـي إنك خير الراحمين. اللهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك, ربّ إنـي ظلـمت نفسي فتب علـيّ إنك أنت التوّاب الرحيـم.
وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن النضر بن عربـي, عن مـجاهد: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ قال: هو قوله: ربنا ظَلَـمْنا أنْفُسَنا وَإنْ لـمْ تَغفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا الآية.
536ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: فَتَلَقّـى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ قال: أي ربّ أتتوب علـيّ إن تبت؟ قال: نعم فتاب آدم, فتاب علـيه ربه.
537ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة فـي قوله: فَتَلَقّـى آدمُ مِنْ رَبّهِ كَلِـماتٍ قال: هو قوله: ربّنا ظَلَـمْنا أنْفُسَنا وإن لـمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنّ مِنَ الـخَاسِرِينَ.
538ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: هو قوله: رَبّنا ظَلَـمْنا أنْفُسَنا وَإنْ لَـمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنّ مِنَ الـخاسِرِينَ.
وهذه الأقوال التـي حكيناها عمن حكيناها عنه وإن كانت مختلفة الألفـاظ, فإن معانـيها متفقة فـي أن الله جل ثناؤه لقّـى آدم كلـمات, فتلقاهن آدم من ربه فقبلهن وعمل بهن وتاب بقـيـله إياهن وعمله بهن إلـى الله من خطيئته, معترفـا بذنبه, متنصلاً إلـى ربه من خطيئته, نادما علـى ما سلف منه من خلاف أمره. فتاب الله علـيه بقبوله الكلـمات التـي تلقاهن منه وندمه علـى سالف الذنب منه.
والذي يدلّ علـيه كتاب الله أن الكلـمات التـي تلقاهن آدم من ربه هنّ الكلـمات التـي أخبر الله عنه أنه قالها متنصلاً بقـيـلها إلـى ربه معترفـا بذنبه, وهو قوله: رَبّنا ظَلَـمْنَا أَنْفُسَنا وَإنْ لَـمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكونَن مِنَ الـخَاسِرِينَ ولـيس ما قاله من خالف قولنا هذا من الأقوال التـي حكيناها بـمدفوع قوله, ولكنه قول لا شاهد علـيه من حجة يجب التسلـيـم لها فـيجوز لنا إضافته إلـى آدم, وأنه مـما تلقاه من ربه عند إنابته إلـيه من ذنبه.
وهذا الـخبر الذي أخبر الله عن آدم من قـيـله الذي لقاه إياه فقاله تائبـا إلـيه من خطيئته, تعريف منه جل ذكره جميع الـمخاطبـين بكتابه كيفـية التوبة إلـيه من الذنوب, وتنبـيه للـمخاطبـين بقوله: كَيْفَ تَكْفُرونَ بـاللّهِ وكُنْتُـمْ أَمْوَاتا فأحْياكُمْ علـى موضع التوبة مـما هم علـيه من الكفر بـالله, وأن خلاصهم مـما هم علـيه مقـيـمون من الضلالة نظير خلاص أبـيهم آدم من خطيئته مع تذكيره إياهم من السالف إلـيهم من النعم التـي خصّ بها أبـاهم آدم وغيره من آبـائهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَتابَ عَلَـيْهِ.
قال أبو جعفر: وقوله: فَتابَ عَلَـيْهِ يعنـي علـى آدم, والهاء التـي فـي «علـيه» عائدة علـى «آدم». وقوله: فَتابَ عَلَـيْهِ يعنـي رزقه التوبة من خطيئته. والتوبة معناها الإنابة إلـى الله والأوبة إلـى طاعته مـما يكره من معصيته.
قال أبو جعفر وتأويـل قوله: إنّهُ هُوَ التَوّابُ الرّحِيـمُ أن الله جل ثناؤه هو التواب علـى من تاب إلـيه من عبـاده الـمذنبـين من ذنوبه التارك مـجازاته بإنابته إلـى طاعته بعد معصيته بـما سلف من ذنبه.
وقد ذكرنا أن معنى التوبة من العبد إلـى ربه: إنابته إلـى طاعته, وأوبته إلـى ما يرضيه بتركه ما يسخطه من الأمور التـي كان علـيها مقـيـما مـما يكرهه ربه, فكذلك توبة الله علـى عبده هو أن يرزقه ذلك, ويتوب من غضبه علـيه إلـى الرضا عنه, ومن العقوبة إلـى العفو والصفح عنه.
وأما قوله: الرّحِيـمُ فإنه يعنـي أنه الـمتفضل علـيه مع التوبة بـالرحمة, ورحمته إياه إقالة عثرته وصفحه عن عقوبة جرمه.
الآية : 38
القول فـي تأويـل قوله:{قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مّنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
فـيـما مضى فلا حاجة بنا إلـى إعادته, إذ كان معناه فـي هذا الـموضع هو معناه فـي ذلك الـموضع. وقد:
539ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا إسماعيـل بن سالـم, عن أبـي صالـح فـي قوله: اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعا قال: آدم, وحوّاء, والـحية, وإبلـيس.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإمّا يَأْتِـيَنّكُمْ مِنّـي هُدًى.
قال أبو جعفر: وتأويـل قوله: فإمّا يأتِـيَنّكُمْ فإن يأتكم, و«ما» التـي مع «إن» توكيد للكلام, ولدخولها مع «إن» أدخـلت النون الـمشددة فـي «يأتـينكم» تفرقة بدخولها بـين «ما» التـي تأتـي بـمعنى توكيد الكلام التـي تسميها أهل العربـية صلة وحشوا, وبـين «ما» التـي تأتـي بـمعنى «الذي», فتؤذن بدخولها فـي الفعل, أن «ما» التـي مع «إن» التـي بـمعنى الـجزاء توكيد, ولـيست «ما» التـي بـمعنى «الذي».
وقد قال بعض نـحويـي البصريـين: إنّ «إما» «إن» زيدت معها «ما», وصار الفعل الذي بعده بـالنون الـخفـيفة أو الثقـيـلة, وقد يكون بغير نون. وإنـما حسنت فـيه النون لـمّا دخـلته «ما», لأن «ما» نفـي, فهي مـما لـيس بواجب, وهي الـحرف الذي ينفـي الواجب, فحسنت فـيه النون, نـحو قولهم: «بعين ما أرينك» حين أدخـلت فـيها «ما» حسنت النون فـيـما هنا. وقد أنكر جماعة من أهل العربـية دعوى قائلـي هذه الـمقالة أن «ما» التـي مع «بعين ما أرينّك» بـمعنى الـجحد, وزعموا أن ذلك بـمعنى التوكيد للكلام.
وقال آخرون: بل هو حشو فـي الكلام, ومعناها الـحذف, وإنـما معنى الكلام: بعين أراك, وغير جائز أن يجعل مع الاختلاف فـيه أصلاً يقاس علـيه غيره.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مِنّـي هُدًى فَمَنْ تَبِع هُداي فَلا خَوْفٌ عَلَـيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
قال أبو جعفر: والهدى فـي هذا الـموضع البـيان والرشاد, كما:
540ـ حدثنا الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا آدم العسقلانـي, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: فإمّا يَأتِـيَنكُمْ مِنّـي هُدًى قال: الهدى: الأنبـياء والرسل والبـيان.
فإن كان ما قال أبو العالـية فـي ذلك كما قال, فـالـخطاب بقوله: اهْبِطُوا وإن كان لاَدم وزوجته, فـيجب أن يكون مرادا به آدم وزوجته وذرّيتهما. فـيكون ذلك حينئذٍ نظير قوله: فَقالَ لَهَا وللأرْضِ ائْتِـيا طَوْعا أوْ كَرْها قالَتا أتَـيْنا طائِعِينَ بـمعنى أتـينا بـما فـينا من الـخـلق طائعين. ونظير قوله فـي قراءة ابن مسعود: «رَبّنا وَاجْعَلْنَا مُسْلِـمِينَ لَكَ وَمِنْ ذُرّيّتِنا أمةً مُسْلِـمَةً لَكَ وأرِهِمْ مَناسِكَهُمْ» فجمع قبل أن تكون ذرية, وهو فـي قراءتنا: وأرِنا مَناسِكنَا وكما يقول القائل لاَخر: كأنك قد تزوّجت وولد لك وكثرتـم وعززتـم. ونـحو ذلك من الكلام.
وإنـما قلنا إن ذلك هو الواجب علـى التأويـل الذي ذكرناه عن أبـي العالـية لأن آدم كان هو النبـي صلى الله عليه وسلم أيام حياته بعد أن أهبط إلـى الأرض, والرسول من الله جل ثناؤه إلـى ولده, فغير جائز أن يكون معنـيا وهو الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: فإما يَأتَـيّنَكُمْ مِنّـي هُدًى خطابـا له ولزوجته: فإما يأتـينكم منـي هدى أنبـياء ورسل إلا علـى ما وصفت من التأويـل.
وقول أبـي العالـية فـي ذلك وإن كان وجها من التأويـل تـحتـمله الآية, فأقرب إلـى الصواب منه عندي وأشبه بظاهر التلاوة أن يكون تأويـلها: فإما يأتـينكم منـي يا معشر من أهبطته إلـى الأرض من سمائي, وهو آدم وزوجته وإبلـيس, كما قد ذكرنا قبل فـي تأويـل الآية التـي قبلها: إما يأتـينكم منـي بـيان من أمري وطاعتـي ورشاد إلـى سبـيـلـي ودينـي, فمن اتبعه منكم فلا خوف علـيهم ولا هم يحزنون, وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إلـيّ معصية وخلاف لأمري وطاعتـي. يعرّفهم بذلك جل ثناؤه أنه التائب علـى من تاب إلـيه من ذنوبه, والرحيـم لـمن أناب إلـيه كما وصف نفسه بقوله: إنه هُوَ التّوّاب الرّحِيـمُ. وذلك أن ظاهر الـخطاب بذلك إنـما هو للذين قال لهم جل ثناؤه: اهْبِطُوا مِنْهَا جِمِيعا والذين خوطبوا به هم من سمينا فـي قول الـحجة من الصحابة والتابعين الذين قد قدمنا الرواية عنهم. وذلك وإن كان خطابـا من الله جل ذكره لـمن أهبط حينئذٍ من السماء إلـى الأرض, فهو سنة الله فـي جميع خـلقه, وتعريف منه بذلك للذين أخبر عنهم فـي أول هذه السورة بـما أخبر عنهم فـي قوله: إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَـيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَـمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ وفـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بـاللّهِ وبـالْـيَوْمِ الاَخِرِ وَما هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ وأن حكمه فـيهم إن تابوا إلـيه وأنابوا واتبعوا ما أتاهم من البـيان من عند الله, علـى لسان رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم, أنهم عنده فـي الاَخرة, مـمن لا خوف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:42 am

علـيهم ولا هم يحزنون, وأنهم إن هلكوا علـى كفرهم وضلالتهم قبل الإنابة والتوبة, كانوا من أهل النار الـمخـلدين فـيها.
وقوله: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ يعنـي فمن اتبع بـيانـي الذي أبـينه علـى ألسن رسلـي أو مع رسلـي, كما:
541ـ حدثنا به الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ يعنـي بـيانـي.
وقوله: فَلاَ خَوْف عَلَـيْهِمْ يعنـي فهم آمنون فـي أهوال القـيامة من عقاب الله غير خائفـين عذابه, بـما أطاعوا الله فـي الدنـيا واتبعوا أمره وهداه وسبـيـله ولا هم يحزنون يومئذٍ علـى ما خالفوا بعد وفـاتهم فـي الدنـيا, كما:
542ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: لا خَوْفٌ عَلَـيْهِمْ يقول لا خوف علـيكم أمامكم, ولـيس شيء أعظم فـي صدر الذي يـموت مـما بعد الـموت, فأمّنهم منه وسلاّهم عن الدنـيا, فقال: وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
الآية : 39
وقوله: {وَالّذِينَ كَفَرواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُولَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
يعنـي: والذين جحدوا آياتـي وكذّبوا رسلـي, وآيات الله: حججه وأدلته علـى وحدانـيته وربوبـيته, وما جاءت به الرسل من الأعلام والشواهد علـى ذلك, وعلـى صدقها فـيـما أنبأت عن ربها. وقد بـينا أن معنى الكفر: التغطية علـى الشيء. أولَئِكَ أصْحابُ النّارِ يعنـي أهلها الذين هم أهلها دون غيرهم الـمخـلدون فـيها أبدا إلـى غير أمد ولا نهاية, كما:
543ـ حدثنا به عقبة بن سنان البصري, قال: حدثنا غسان بن مضر, قال: حدثنا سعيد بن يزيد, وحدثنا سوار بن عبد الله العنبري, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا أبو مسلـمة سعيد بن يزيد, وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, وأبو بكر بن عون, قالا: حدثنا إسماعيـل بن علـية, عن سعيد بن يزيد, عن أبـي نضرة, عن أبـي سعيد الـخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا أهْلُ النّارِ الّذِينَ هَمْ أهْلُها فإنَهُمْ لاَ يَـمُوتُونَ فِـيها وَلاَ يَحْيَوْنَ وَلَكِنّ أقْوَاما أصَابَتْهُمُ النارُ بِخَطاياهُمْ أوْ بِذُنُوبِهِمْ فأماتَتْهُمْ إماتَةً حتـى إذَا صَارُوا فَحْما أُذِنَ فِـي الشفـاعَة».
الآية : 40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيَ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ }
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله جل ثناؤه: يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ: يا ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيـم خـلـيـل الرحمن وكان يعقوب يدعى إسرائيـل, بـمعنى عبد الله وصفوته من خـلقه وإيـل هو الله وإسرا: هو العبد, كما قـيـل جبريـل بـمعنى عبد الله. وكما:
544ـ حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن الأعمش, عن إسماعيـل بن رجاء, عن عمير مولـى ابن عبـاس, عن ابن عبـاس: إن إسرائيـل كقولك عبد الله.
545ـ وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن عبد الله بن الـحارث, قال: إيـل: الله بـالعبرانـية.
وإنـما خاطب الله جل ثناؤه بقوله: يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ أحبـار الـيهود من بنـي إسرائيـل الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنسبهم جلّ ذكره إلـى يعقوب, كما نسب ذرية آدم إلـى آدم, فقال: يا بَنِـي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ وما أشبه ذلك. وإنـما خصهم بـالـخطاب فـي هذه الآية والتـي بعدها من الاَي التـي ذكرهم فـيها نعمه, وإن كان قد تقدم ما أنزل فـيهم وفـي غيرهم فـي أول هذه السورة ما قد تقدم أن الذي احتـجّ به من الـحجج والاَيات التـي فـيها أنبـاء أسلافهم وأخبـار أوائلهم, وقصص الأمور التـي هم بعلـمها مخصوصون دون غيرهم من سائر الأمـم لـيس عند غيرهم من العلـم بصحته, وحقـيقته مثل الذي لهم من العلـم به إلا لـمن اقتبس علـم ذلك منهم. فعرّفهم بـاطلاع مـحمد علـى علـمها مع بعد قومه وعشيرته من معرفتها, وقلة مزاولة مـحمد صلى الله عليه وسلم دراسة الكتب التـي فـيها أنبـاء ذلك, أن مـحمدا صلى الله عليه وسلم لـم يصل إلـى علـم ذلك إلا بوحي من الله وتنزيـل منه ذلك إلـيه لأنهم من علـم صحة ذلك بـمـحل لـيس به من الأمـم غيرهم. فلذلك جل ثناؤه خصّ بقوله: يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ خطابهم كما:
546ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس قوله: يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ قال: يا أهل الكتاب للأحبـار من يهود.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: اذْكُرُوا نِعْمَتِـي التِـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ.
قال أبو جعفر: ونعمته التـي أنعم بها علـى بنـي إسرائيـل جل ذكره اصطفـاؤه منهم الرسل, وإنزاله علـيهم الكتب, واستنقاذه إياهم مـما كانوا فـيه من البلاء والضرّاء من فرعون وقومه, إلـى التـمكين لهم فـي الأرض, وتفجير عيون الـماء من الـحجر, وإطعام الـمنّ والسلوى. فأمر جل ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلف منه إلـى آبـائهم علـى ذكر, وأن لا ينسوا صنـيعه إلـى أسلافهم وآبـائهم, فـيحلّ بهم من النقم ما أحل بـمن نسي نعمه عنده منهم وكفرها وجحد صنائعه عنده. كما:
547ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: اذْكُرُوا نَعْمَتِـي التـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ أي آلائي عندكم وعند آبـائكم لـما كان نـجاهم به من فرعون وقومه.
548ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: اذْكُرُوا نِعْمَتِـيَ قال: نعمته أن جعل منهم الأنبـياء والرسل, وأنزل علـيهم الكتب.
549ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: اذْكُرُوا نِعْمَتِـيَ التِـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ يعنـي نعمته التـي أنعم علـى بنـي إسرائيـل فـيـما سمي وفـيـما سوى ذلك, فجر لهم الـحجر, وأنزل علـيهم الـمنّ والسلوى, وأنـجاهم عن عبودية آل فرعون.
550ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: نِعمتـي الّتِـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ قال: نعمه عامة, ولا نعمة أفضل من الإسلام, والنعم بعد تبعَ لها. وقرأ قول الله يَـمُنّونَ عَلَـيْكَ أنْ أسْلَـمُوا قُلْ لاَ تَـمُنّوا عَلَـيّ إسْلاَمَكُمْ الآية. وتذكير الله الذين ذكرهم جل ثناؤه بهذه الآية من نعمه علـى لسان رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم, نظير تذكير موسى صلوات الله علـيه أسلافهم علـى عهده الذي أخبر الله عنه أنه قال لهم. وذلك قوله: وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَـيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِـيكُمْ أنْبِـياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلوكا وآتاكُمْ ما لَـمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العَالَـمِينَ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ.
قال أبو جعفر: قد تقدم بـياننا معنى العهد فـيـما مضى من كتابنا هذا واختلاف الـمختلفـين فـي تأويـله والصوابُ عندنا من القول فـيه. وهو فـي هذا الـموضع عهد الله ووصيته التـي أخذ علـى بنـي إسرائيـل فـي التوراة أن يبـينوا للناس أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول, وأنهم يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة أنه نبـيّ الله, وأن يؤمنوا به وبـما جاء به من عند الله. أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وعهده إياهم: أنهم إذا فعلوا ذلك أدخـلهم الـجنة, كما قال جل ثناؤه: وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَـي عَشَرَ نَقِـيبـا الآية, وكما قال: فَسأكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَالّذِينَ هُمْ بآياتنا يُؤْمِنُونَ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِـيّ أُلامّيّ الآية. وكما:
551ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وأوْفُوا بعَهْدِي الذي أخذت فـي أعناقكم للنبـي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم. أُوفِ بعَهْدِكُمْ: أي أنـجز لكم ما وعدتكم علـيه بتصديقه واتبـاعه, بوضع ما كان علـيكم من الإصر والأغلال التـي كانت فـي أعناقكم بذنوبكم التـي كانت من أحداثكم.
552ـ وحدثنا الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: أوفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ قال: عهده إلـى عبـاده: دين الإسلام أن يتبعوه. أُوفِ بِعَهْدِكُمْ يعنـي الـجنة.
553ـ وحدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: أوْفُوا بعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أما أوفوا بعهدي: فما عهدت إلـيكم فـي الكتاب, وأما أوف بعهدكم: فـالـجنة, عهدت إلـيكم أنكم إن عملتـم بطاعتـي أدخـلتكم الـجنة.
554ـ وحدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج فـي قوله: وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ قال: ذلك الـميثاق الذي أخذ علـيهم فـي الـمائدة وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنـي إسْرَائِيـلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَـي عَشَرَ نَقِـيبـا إلـى آخر الآية. فهذا عهد الله الذي عهد إلـيهم, وهو عهد الله فـينا, فمن أوفـى بعهد الله وفـى الله له بعهده.
555ـ وحدثت عن الـمنـجاب, قال: حدثنا بشر, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله: وأُوفُوا بِعَهْدِي أوفِ بِعَهْدِكُمْ يقول: أوفوا بـما أمرتكم به من طاعتـي ونهيتكم عنه من معصيتـي فـي النبـي صلى الله عليه وسلم وفـي غيره أوف بعهدكم يقول: أرض عنكم وأدخـلكم الـجنة.
556ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وأُوْفوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ قال: أوفوا بأمري, أوف بـالذي وعدتكم, وقرأ: إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ أنُفُسَهُمْ وأمُوَالَهُمْ حتـى بلغ: وَمَنْ أَوْفـى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ قال: هذا عهده الذي عهده لهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإِيّايَ فـارْهَبُونِ.
قال أبو جعفر: وتأويـل قوله: وَإِيّايَ فَـارْهَبُونِ وإياي فـاخشوا, واتقوا أيها الـمضيعون عهدي من بنـي إسرائيـل والـمكذّبون رسولـي الذي أخذت ميثاقكم فـيـما أنزلت من الكتب علـى أنبـيائي أن تؤمنوا به وتتبعوه, أن أحلّ بكم من عقوبتـي, إن لـم تنـيبوا وتتوبوا إلـيّ بـاتبـاعه والإقرار بـما أنزلت إلـيه ما أحللت بـمن خالف أمري وكذّب رسلـي من أسلافكم. كما:
557ـ حدثنـي به مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَإيّايَ فَـارْهَبُونِ أن أنزل بكم ما أنزلت بـمن كان قبلكم من آبـائكم من النقمات التـي قد عرفتـم من الـمسخ وغيره.
558ـ وحدثنا الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنـي آدم العسقلانـي, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: وَإيّايَ فَـارْهَبُونِ يقول: فـاخشون.
559ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَإِيّايَ فَـارْهَبُونِ بقول: وإياي فـاخشون.
الآية : 41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدّقاً لّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوَاْ أَوّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيّايَ فَاتّقُونِ }
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله: آمِنُوا: صدّقوا, كما قد قدمنا البـيان عنه قبل. ويعنـي بقوله: بـمَا أنْزَلْت: ما أنزل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم من القرآن. ويعنـي بقوله: مُصَدّقا لِـمَا مَعَكُمْ أن القرآن مصدّق لـما مع الـيهود من بنـي إسرائيـل من التوراة. فأمرهم بـالتصديق بـالقرآن, وأخبرهم جل ثناؤه أن فـي تصديقهم بـالقرآن تصديقا منهم للتوراة لأن الذي فـي القرآن من الأمر بـالإقرار بنبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه واتبـاعه نظير الذي من ذلك فـي الإنـجيـل والتوراة. ففـي تصديقهم بـما أنزل علـى مـحمد تصديق منهم لـما معهم من التوراة, وفـي تكذيبهم به تكذيب منهم لـما معهم من التوراة. وقوله: مُصَدّقا قَطْعٌ من الهاء الـمتروكة فـي أنْزَلْتُهُ من ذكر «ما». ومعنى الكلام: وآمنوا بـالذي أنزلته مصدّقا لـما معكم أيها الـيهود. والذي معهم هو التوراة والإنـجيـل. كما:
560ـ حدثنا به مـحمد بن عمرو البـاهلـي, قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى بن ميـمون, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَآمِنُوا بِـمَا أَنْزَلْتُ مُصَدّقا لِـمَا مَعَكُمْ يقول: إنـما أنزلت القرآن مصدقا لـما معكم التوراة والإنـجيـل.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
561ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: أخبرنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: وآمِنُوا بِـمَا أَنْزَلْتُ مُصَدّقا لِـمَا مَعَكُمْ يقول: يا معشر أهل الكتاب آمنوا بـما أنزلت علـى مـحمد مصدّقا لـما معكم. يقول: لأنهم يجدون مـحمدا صلى الله عليه وسلم مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلاَ تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: كيف قـيـل: وَلاَ تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ والـخطاب فـيه لـجمع وكافر واحد؟ وهل نـجيز إن كان ذلك جائزا أن يقول قائل: لا تكونوا أوّل رجل قام؟ قـيـل له: إنـما يجوز توحيد ما أضيف له «أفعل», وهو خبر لـجمع, إذا كان مشتقا من «فعل» و«يفعل» لأنه يؤدي عن الـمراد معه الـمـحذوف من الكلام, وهو «مَنْ», ويقوم مقامه فـي الأداء عن معنى ما كان يؤدي عنه «مَنْ» من الـجمع والتأنـيث وهو فـي لفظ واحد. ألا ترى أنك تقول: ولا تكونوا أوّل من يكفر به, ف«مَنْ» بـمعنى جمع وهو غير متصرّف تصرّف الأسماء للتثنـية والـجمع والتأنـيث. فإذا أقـيـم الاسم الـمشتق من فعل ويفعل مقامه, جرى وهو موحد مـجراه فـي الأداء عما كان يؤدّي عنه من معنى الـجمع والتأنـيث, كقولك: الـجيش ينهزم, والـجند يقبل فتوحد الفعل لتوحيد لفظ الـجيش والـجند, وغير جائز أن يقال: الـجيش رجل, والـجند غلام, حتـى تقول: الـجند غلـمان, والـجيش رجال لأن الواحد من عدد الأسماء التـي هي غير مشتقة من فعل ويفعل لا يؤدي عن معنى الـجماعة منهم, ومن ذلك قول الشاعر:
وَإذَا هُمُ طَعِمُوا فألأَمُ طاعِمٍوَإِذَا هُمُ جاعُوا فَشَرّ جِياعِ
فوحد مرّة علـى ما وصفت من نـية «مَنْ», وإقامة الظاهر من الاسم الذي هو مشتقّ من فعل ويفعل مقامه. وجمع أخرى علـى الإخراج علـى عدد أسماء الـمخبر عنهم. ولو وحد حيث جمع أو جمع حيث وحد كان صوابـا جائزا. فأما تأويـل ذلك فإنه يعنـي به: يا معشر أحبـار أهل الكتاب صدّقوا بـما أنزلت علـى رسولـي مـحمد صلى الله عليه وسلم من القرآن الـمصدّق كتابكم, والذي عندكم من التوراة والإنـجيـل الـمعهود إلـيكم فـيهما أنه رسولـي ونبـي الـمبعوث بـالـحقّ, ولا تكونوا أوّل من كذّب به وجحد أنه من عندي وعندكم من العلـم به ما لـيس عند غيركم. وكفرُهم به: جحودهم أنه من عند الله, والهاء التـي فـي «به» من ذكر «ما» التـي مع قوله: وآمِنُوا بِـمَا أنْزَلْتُ. كما:
562ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, قال: قال ابن جريج فـي قوله: وَلا تَكُونُوا أولَ كَافِرٍ بِهِ بـالقرآن.
قال أبو جعفر: ورُوي عن أبـي العالـية فـي ذلك ما:
563ـ حدثنـي به الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: وَلاَ تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ يقول: لا تكونوا أوّل من كفر بـمـحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: وَلا تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ يعنـي بكتابكم, ويتأوّل أن فـي تكذيبهم بـمـحمد صلى الله عليه وسلم تكذيبـا منهم بكتابهم لأن فـي كتابهم الأمر بـاتبـاع مـحمد صلى الله عليه وسلم.
وهذان القولان من ظاهر ما تدلّ علـيه التلاوة بعيدان. وذلك أن الله جل ثناؤه أمر الـمخاطبـين بهذه الآية فـي أوّلها بـالإيـمان بـما أنزل علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم, فقال جل ذكره: وَآمِنُوا بِـمَا أَنْزَلْتُ مُصَدّقا لِـمَا مَعَكُمْ ومعقول أن الذي أنزله الله فـي عصر مـحمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن لا مـحمد, لأن مـحمدا صلوات الله علـيه رسول مرسل لا تنزيـلٌ مُنزل, والـمنزل هو الكتاب. ثم نهاهم أن يكونوا أوّل من يكفر بـالذي أمرهم بـالإيـمان به فـي أوّل الآية من أهل الكتاب. فذلك هو الظاهر الـمفهوم, ولـم يجر لـمـحمد صلى الله عليه وسلم فـي هذه الآية ذكر ظاهر فـيعاد علـيه بذكره مكنـيّا فـي قوله: وَلا تَكُونُوا أوّلَ كافِرٍ بِهِ وإن كان غير مـحال فـي الكلام أن يذكر مكنـيّ اسم لـم يجر له ذكر ظاهر فـي الكلام. وكذلك لا معنى لقول من زعم أن العائد من الذكر فـي «به» علـى «ما» التـي فـي قوله: لِـمَا مَعَكُمْ لأنّ ذلك وإن كان مـحتـملاً ظاهر الكلام فإنه بعيد مـما يدلّ علـيه ظاهر التلاوة والتنزيـل, لـما وصفنا قبل من أن الـمأمور بـالإيـمان به فـي أوّل الآية هو القرآن, فكذلك الواجب أن يكون الـمنهي عن الكفر به فـي آخرها هو القرآن. وأما أن يكون الـمأمور بـالإيـمان به غير الـمنهي عن الكفر به فـي كلام واحد وآية واحدة, فذلك غير الأشهر الأظهر فـي الكلام, هذا مع بعد معناه فـي التأويـل.
564ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَآمنُوا بِـمَا أنْزَلْتَ مصَدّقا لِـمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أولَ كافِرٍ بِهِ وعندكم فـيه من العلـم ما لـيس عند غيركم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك:
565ـ فحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية وَلاَ تَشْتَرُوا بِآياتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً يقول: لا تأخذوا علـيه أجرا. قال: هو مكتوب عندهم فـي الكتاب الأول: يا ابن آدم عَلّـمْ مـجانا كما عُلّـمْتَ مَـجّانا.
وقال آخرون بـما:
566ـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:43 am

566ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِـي ثَمَنا قَلِـيلاً يقول: لا تأخذوا طمعا قلـيلاً وتكتـموا اسم الله. فذلك الطمع هو الثمن.
فتأويـل الآية إذا: لا تبـيعوا ما آتـيتكم من العلـم بكتابـي وآياته بثمن خسيس وعرض من الدنـيا قلـيـل. وبـيعهم إياه تركهم إبـانة ما فـي كتابهم من أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم للناس, وأنه مكتوب فـيه أنه النبـيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل بثمن قلـيـل, وهو رضاهم بـالرياسة علـى أتبـاعهم من أهل ملتهم ودينهم, وأخذهم الأجر مـمن بـينوا له ذلك علـى ما بـينوا له منه.
وإنـما قلنا معنى ذلك: «لا تبـيعوا» لأن مشترى الثمن القلـيـل بآيات الله بـائع الاَيات بـالثمن, فكل واحد من الثمن والـمثمن مبـيع لصاحبه, وصاحبه به مشتري. وإنـما معناه علـى ما تأوّله أبو العالـية: بـينوا للناس أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم, ولا تبتغوا علـيه منهم أجرا. فـيكون حينئذٍ نهيه عن أخذ الأجر علـى تبـيـينه هو النهي عن شراء الثمن القلـيـل بآياته.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإيّايَ فـاتّقُونِ.
قال أبو جعفر: يقول: فـاتقون فـي بـيعكم آياتـي بـالـخسيس من الثمن, وشرائكم بها القلـيـل من العَرَض, وكفركم بـما أنزلت علـى رسولـي, وجحودكم نبوّة نبـيه أن أحلّ بكم ما أحللت بأخلافكم الذين سلكوا سبـيـلكم من الـمَثُلات والنّقِمَات.
الآية : 42
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله: وَلا تَلْبِسُوا: لا تـخـلطوا, واللبس: هو الـخـلط, يقال منه: لبست علـيهم الأمر ألْبِسُه لبسا: إذا خـلطته علـيهم. كما:
567ـ حدثت عن الـمنـجاب, عن بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله: وَللَبَسْنا عَلَـيْهِمْ مَا يَـلْبِسُونَ يقول: لـخـلطنا علـيهم ما يخـلطون. ومنه قول العجاج:
لَـمّا لَبِسْنَ الـحَقّ بـالتّـجَنّـيغَنِـينَ وَاسْتَبْدَلْنَ زَيْدا مِنّـي
يعنـي بقوله: لبسن: خـلطن. وأما اللّبْس فإنه يقال منه: لبِسْته ألبَسُه لُبْسا ومَلْبَسا, وذلك فـي الكسوة يكتسيها فـيـلبسها. ومن اللّبْس قول الأخطل:
لقَدْ لبِسْتُ لِهَذا الدهْرِ أعْصُرَهُحَتّـى تَـجَلّلَ رأسِي الشّيْبُ وَاشْتَعَلاَ
ومن اللبس قول الله جل ثناؤه: وللبَسْنا عَلَـيْهِمْ ما يَـلْبِسُونَ.
فإن قال لنا قائل: وكيف كانوا يـلبسون الـحق بـالبـاطل وهم كفـار, وأيّ حقّ كانوا علـيه مع كفرهم بـالله؟ قـيـل: إنه كان فـيهم منافقون منهم يظهرون التصديق بـمـحمد صلى الله عليه وسلم ويستبطنون الكفر به, وكان أعُظْمُهم يقولون: مـحمد نبـي مبعوث إلا أنه مبعوث إلـى غيرنا. فكان لَبْسُ الـمنافق منهم الـحقّ بـالبـاطل إظهاره الـحق بلسانه وإقراره لـمـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به جهارا, وخـلطه ذلك الظاهر من الـحقّ بـالبـاطل الذي يستبطنه. وكان لَبْسُ الـمقرّ منهم بأنه مبعوث إلـى غيرهم الـجاحد أنه مبعوث إلـيهم إقراره بأنه مبعوث إلـى غيرهم وهو الـحقّ, وجحوده أنه مبعوث إلـيهم وهو البـاطل, وقد بعثه الله إلـى الـخـلق كافة. فذلك خـلطهم الـحق بـالبـاطل ولبسهم إياه به. كما:
568ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روح, عن الضحاك, عن ابن عبـاس قوله: وَلاَ تَلْبِسُوا الـحَق بـالبـاطِلِ قال: لا تـخـلطوا الصدق بـالكذب.
569ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: وَلاَ تَلْبسُوا الـحَق بـالبـاطِلِ يقول: لا تـخـلطوا الـحقّ بـالبـاطل, وأدوا النصيحة لعبـاد الله فـي أمر مـحمد علـيه الصلاة والسلام.
570ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال مـجاهد: وَلاَ تَلْبِسُوا الـحَق بـالبـاطِلِ الـيهودية والنصرانـية بـالإسلام.
571ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلاَ تَلْبسوا الـحَق بـالبـاطلِ قال: الـحقّ: التوراة الذي أنزل الله علـى موسى, والبـاطل: الذي كتبوه بأيديهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وتَكْتُـمُوا الـحَقّ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ.
قال أبو جعفر: وفـي قوله: وَتَكْتُـمُوا الـحَق وجهان من التأويـل: أحدهما أن يكون الله جل ثناؤه نهاهم عن أن يكتـموا الـحقّ كما نهاهم أن يـلبسوا الـحقّ بـالبـاطل. فـيكون تأويـل ذلك حينئذٍ: ولا تلبسوا الـحقّ بـالبـاطل, ولا تكتـموا الـحقّ. ويكون قوله: وتَكْتُـمُوا عند ذلك مـجزوما بـما جزم به «تلبسوا» عطفـا علـيه. والوجه الاَخر منهما أن يكون النهي من الله جل ثناؤه لهم عن أن يـلبسوا الـحق بـالبـاطل, ويكون قوله: وتَكْتُـمُوا الـحَق خبرا منه عنهم بكتـمانهم الـحقّ الذي يعلـمونه, فـيكون قوله: «وتكتـموا» حينئذٍ منصوبـا, لانصرافه عن معنى قوله: وَلا تَلْبِسُوا الـحَق بـالبـاطِلِ إذ كان قوله: وَلا تَلْبِسُوا نهيا, وقوله: وَتَكْتُـمُوا الـحَق خبرا معطوفـا علـيه غير جائز أن يعاد علـيه ما عمل فـي قوله: تَلْبِسُوا من الـحرف الـجازم, وذلك هو الـمعنى الذي يسميه النـحويون صرفـا. ونظير ذلك فـي الـمعنى والإعراب قول الشاعر:
لاتَنْهَ عَنْ خُـلُقٍ وتَأتِـيَ مِثْلَهُعارٌ عَلَـيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيـمُ
فنصب «تأتـي» علـى التأويـل الذي قلنا فـي قوله: وَتَكْتُـمُوا الآية, لأنه لـم يرد: لا تنه عن خـلق ولا تأت مثله, وإنـما معناه: لا تنه عن خـلق وأنت تأتـي مثله. فكان الأوّل نهيا والثانـي خبرا, فنصب الـخبر إذ عطفه علـى غير شكله.
فأما الوجه الأول من هذين الوجهين اللذين ذكرنا أن الآية تـحتـملهما, فهو علـى مذهب ابن عبـاس الذي:
572ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس قوله: وتَكْتُـمُوا الـحَقّ يقول: ولا تكتـموا الـحَقّ وأنتـم تعلـمون.
وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَتَكْتُـمُوا الـحَقّ: أي ولا تكتـموا الـحق.
وأما الوجه الثانـي منهما فهو علـى مذهب أبـي العالـية ومـجاهد.
573ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: وتَكْتُـمُوا الـحقّ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ قال: كتـموا بعث مـحمد صلى الله عليه وسلم.
574ـ وحدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى بن ميـمون, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.
وأما تأويـل الـحقّ الذي كتـموه وهم يعلـمونه, فهو ما:
575ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَتَكْتُـمُوا الـحَقّ يقول: لا تكتـموا ما عندكم من الـمعرفة برسولـي وما جاء به, وأنتـم تـجدونه عندكم فـيـما تعلـمون من الكتب التـي بأيديكم.
وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: وَتَكْتُـمُوا الـحَقّ يقول: إنكم قد علـمتـم أن مـحمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك.
576ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَتَكْتُـمُوا الـحَقّ وأنتـم تَعْلَـمونَ قال: يكتـم أهل الكتاب مـحمدا, وهم يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة والإنـجيـل.
وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
577ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي: وتَكْتُـمُوا الـحَقّ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ قال: الـحقّ هو مـحمد صلى الله عليه وسلم.
578ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: وَتَكْتُـمُوا الـحَقّ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ قال: كتـموا بعث مـحمد صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبـا عندهم.
وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: تكتـمون مـحمدا وأنتـم تعلـمون, وأنتـم تـجدونه عندكم فـي التوراة والإنـجيـل.
فتأويـل الآية إذا: ولا تـخـلطوا علـى الناس أيها الأحبـار من أهل الكتاب فـي أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند ربه, وتزعموا أنه مبعوث إلـى بعض أجناس الأمـم دون بعض أو تنافقوا فـي أمره, وقد علـمتـم أنه مبعوث إلـى جميعكم, وجميع الأمـم غيركم, فتـخـلطوا بذلك الصدق بـالكذب, وتكتـموا به ما تـجدونه فـي كتابكم من نعته وصفته, وأنه رسولـي إلـى الناس كافة, وأنتـم تعلـمون أنه رسولـي, وأن ما جاء به إلـيكم فمن عندي, وتعرفون أن من عهدي الذي أخذت علـيكم فـي كتابكم الإيـمان به وبـما جاء به والتصديق به.
الآية : 43
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرّاكِعِينَ }
قال أبو جعفر: ذكر أن أحبـار الـيهود والـمنافقـين كانوا يأمرون الناس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يفعلونه فأمرهم الله بإقام الصلاة مع الـمسلـمين الـمصدّقـين بـمـحمد وبـما جاء به, وإيتاء زكاة أموالهم معهم وأن يخضعوا لله ولرسوله كما خضعوا كما:
579ـ حدثت عن عمار بن الـحسن, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن قتادة فـي قوله: وأقـيـمُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ قال: فريضتان واجبتان, فأدّوهما إلـى الله. وقد بـينا معنى إقامة الصلاة فـيـما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادته.
أما إيتاء الزكاة: فهو أداء الصدقة الـمفروضة وأصل الزكاة: نـماء الـمال وتثميره وزيادته. ومن ذلك قـيـل: زكا الزرع: إذا كثر ما أخرج الله منه وزكت النفقة: إذا كثرت. وقـيـل: زكا الفرد, إذا صار زوجا بزيادة الزائد علـيه حتـى صار به شفعا, كما قال الشاعر:
كانُوا خَسا أوْ زَكا مِنْ دُونِ أرْبَعَةٍلَـم يَخْـلَقُوا وَجُدُودُ النّاسُ تَعْتَلِـجُ
وقال آخر:
فَلا خَسا عَدِيدُهُ ولا زَكاكمَا شِرارُ البَقْلِ أطْرافُ السّفَـا
قال أبو جعفر: السفـا: شوك البهمي, والبهمي: الذي يكون مدوّرا فـي السّلاّء. يعنـي بقوله: «ولا زكا» لـم يصيرهم شفعا من وتر بحدوثه فـيهم.
وإنـما قـيـل للزكاة زكاة وهي مال يخرج من مال لتثمير الله بإخراجها مـما أخرجت منه ما بقـي عند ربّ الـمال من ماله. وقد يحتـمل أن تكون سميت زكاة لأنها تطهير لـما بقـي من مال الرجل, وتـخـلـيص له من أن تكون فـيه مظلـمة لأهل السهمان, كما قال جل ثناؤه مخبرا عن نبـيه موسى صلوات الله علـيه: أقَتَلْتَ نَفْسا زَكِيّةً يعنـي بريئة من الذنوب طاهرة, وكما يقال للرجل: هو عدل زكىّ لذلك الـمعنى.
وهذا الوجه أعجب إلـيّ فـي تأويـل زكاة الـمال من الوجه الأوّل, وإن كان الأوّل مقبولاً فـي تأويـلها. وإيتاؤها: إعطاؤها أهلها.
وأما تأويـل الركوع: فهو الـخضوع لله بـالطاعة, يقال منه: ركع فلان لكذا وكذا: إذا خضع له, ومنه قول الشاعر:
بِـيعَتْ بِكَسْرٍ لتَـيْـمٍ واسْتَغَاثَ بهامِنَ الهُزَالِ أبُوها بَعْدَمَا رَكَعا
يعنـي: بعد ما خضع من شدّة الـجهد والـحاجة. وهذا أمر من الله جل ثناؤه لـمن ذكر من أحبـار بنـي إسرائيـل ومنافقـيها بـالإنابة والتوبة إلـيه, وبإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والدخول مع الـمسلـمين فـي الإسلام, والـخضوع له بـالطاعة. ونهيٌ منه لهم عن كتـمان ما قد علـموه من نبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم بعد تظاهر حججه علـيهم بـما قد وصفنا قبل فـيـما مضى من كتابنا هذا, وبعد الإعذار إلـيهم والإنذار, وبعد تذكيرهم نعمه إلـيهم وإلـى أسلافهم تعطفـا منه بذلك علـيهم وإبلاغا إلـيهم فـي الـمعذرة.
الآية : 44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي معنى البرّ الذي كان الـمخاطبون بهذه الآية يأمرون الناس به وينسون أنفسهم, بعد إجماع جميعهم علـى أن كل طاعة لله فهي تسمى برّا. فروي عن ابن عبـاس ما:
580ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن أبـي مـحمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: أتأْمُرُونَ النّاسَ بـالبرّ وَتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ وأنْتُـمْ تَتْلُونَ الكِتابَ أفَلا تَعْقِلُونَ أي تنهون الناس عن الكفر بـما عندكم من النبوّة والعهد من التوراة, وتتركون أنفسكم: أي وأنتـم تكفرون بـما فـيها من عهدي إلـيكم فـي تصديق رسولـي, وتنقضون ميثاقـي, وتـجحدون ما تعلـمون من كتابـي.
581ـ وحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس فـي قوله: أتأْمُرُونَ النّاسَ بـالبرّ يقول: أتأمرون الناس بـالدخول فـي دين مـحمد صلى الله عليه وسلم, وغير ذلك مـما أمرتـم به من إقام الصلاة وَتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ.
وقال آخرون بـما:
582ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنـي عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: أتأْمُرُونَ النّاسَ بـالبِرّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ قال: كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه.
583ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن قتادة فـي قوله: أتأمُرُونَ النّاسَ بـالبِرّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ قال: كان بنو إسرائيـل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبـالبرّ ويخالفون, فعيّرهم الله.
584ـ وحدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا الـحجاج, قال: قال ابن جريج: أتأْمُرُونَ النّاسَ بـالبرّ أهل الكتاب والـمنافقون كانوا يأمرون الناس بـالصوم والصلاة, ويدعون العمل بـما يأمرون به الناس, فعيّرهم الله بذلك, فمن أمر بخير فلـيكن أشدّ الناس فـيه مسارعة.
وقال آخرون بـما:
585ـ حدثنـي به يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: هؤلاء الـيهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما لـيس فـيه حق ولا رشوة ولا شيء, أمروه بـالـحقّ, فقال الله لهم: أتأْمُرُونَ النّاسَ بـالبرّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ وأنْتُـمْ تَتْلُونَ الكِتابَ أفَلا تَعْقِلُونَ.
586ـ وحدثنـي علـيّ بن الـحسن, قال: حدثنا مسلـم الـحرمي, قال: حدثنا مخـلد بن الـحسين, عن أيوب السختـيانـي, عن أبـي قلابة فـي قول الله: أتأْمُرُونَ النّاسَ بـالبِرّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ وأنْتُـمْ تَتْلُونَ الكِتابَ قال: قال أبو الدرداء: لا يفقه الرجل كل الفقه حتـى يـمقت الناس فـي ذات الله ثم يرجع إلـى نفسه فـيكون لها أشدّ مَقْتا.
قال أبو جعفر: وجميع الذي قال فـي تأويـل هذه الآية من ذكرنا قوله متقارب الـمعنى لأنهم وإن اختلفوا فـي صفة البرّ الذي كان القوم يأمرون به غيرهم الذين وصفهم الله بـما وصفهم به, فهم متفقون فـي أنهم كانوا يأمرون الناس بـما لله فـيه رضا من القول أو العمل, ويخالفون ما أمروهم به من ذلك إلـى غيره بأفعالهم.
فـالتأويـل الذي يدلّ علـى صحته ظاهر التلاوة إذا: أتأمرون الناس بطاعة الله وتتركون أنفسكم تعصيه, فهلا تأمرونها بـما تأمرون به الناس من طاعة ربكم معيرهم بذلك ومقبحا إلـيهم ما أتوا به. ومعنى نسيانهم أنفسهم فـي هذا الـموضع نظير النسيان الذي قال جل ثناؤه: نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ بـمعنى: تركوا طاعة الله فتركهم الله من ثوابه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأنْتُـمْ تَتْلُونَ الكِتابَ.
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله: تَتْلُونَ: تدرسون وتقرءون. كما:
587ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر, عن أبـي روق, عن الضحاك عن ابن عبـاس: وأنْتُـمْ تَتْلُونَ الكِتابَ يقول: تدرسون الكتاب بذلك. ويعنـي بـالكتاب: التوراة.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أفَلا تَعْقِلُونَ.
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله: أفَلا تَعْقِلُونَ: أفلا تفقهون وتفهمون قبح ما تأتون من معصيتكم ربكم التـي تأمرون الناس بخلافها وتنهونهم عن ركوبها وأنتـم راكبوها, وأنتـم تعلـمون أن الذي علـيكم من حقّ الله وطاعته فـي اتبـاع مـحمد والإيـمان به وبـما جاء به مثل الذي علـى من تأمرونه بـاتبـاعه. كما:
588ـ حدثنا به مـحمد بن العلاء, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق عن الضحاك, عن ابن عبـاس: أفَلا تَعْقلُونَ يقول: أفلا تفهمون فنهاهم عن هذا الـخـلق القبـيح.
وهذا يدل علـى صحة ما قلنا من أمر أحبـار يهود بنـي إسرائيـل غيرهم بـاتبـاع مـحمد صلى الله عليه وسلم, وأنهم كانوا يقولون هو مبعوث إلـى غيرنا كما ذكرنا قبل.
الآية : 45
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَاسْتَعِينُواْ بِالصّبْرِ وَالصّلاَةِ وَإِنّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخَاشِعِينَ }
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:43 am

قال أبو جعفر: يعنـي بقوله جل ثناؤه: وَاسْتَعِينُوا بـالصّبْرِ: استعينوا علـى الوفـاء بعهدي الذي عاهدتـمونـي فـي كتابكم من طاعتـي واتبـاع أمري, وترك ما تهوونه من الرياسة وحبّ الدنـيا إلـى ما تكرهونه من التسلـيـم لأمري, واتبـاع رسولـي مـحمد صلى الله عليه وسلم بـالصبر علـيه والصلاة.
وقد قـيـل: إن معنى الصبر فـي هذا الـموضع: الصوم, والصومُ بعض معانـي الصبر عندنا. بل تأويـل ذلك عندنا: أن الله تعالـى ذكره أمرهم بـالصبر علـى ما كرهته نفوسهم من طاعة الله, وترك معاصيه. وأصل الصبر: منع النفس مـحابّها وكفّها عن هواها ولذلك قـيـل للصابر علـى الـمصيبة: صابر, لكفه نفسه عن الـجزع وقـيـل لشهر رمضان: شهر الصبر, لصبر صائمه عن الـمطاعم والـمشارب نهارا, وصبرُه إياهم عن ذلك: حبسه لهم, وكفه إياهم عنه, كما يصبر الرجل الـمسيء للقتل فتـحبسه علـيه حتـى تقتله. ولذلك قـيـل: قتل فلان فلانا صبرا, يعنـي به حبسه علـيه حتـى قتله, فـالـمقتول مصبور, والقاتل صابر. وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فـيـما مضى.
فإن قال لنا قائل: قد علـمنا معنى الأمر بـالاستعانة بـالصبر علـى الوفـاء بـالعهد والـمـحافظة علـى الطاعة, فما معنى الأمر بـالاستعانة بـالصلاة علـى طاعة الله, وترك معاصيه, والتعرّي عن الرياسة, وترك الدنـيا؟ قـيـل: إن الصلاة فـيها تلاوة كتاب الله, الداعية آياته إلـى رفض الدنـيا وهجر نعيـمها, الـمسلـية النفوس عن زينتها وغرورها, الـمذكرة الاَخرة وما أعدّ الله فـيها لأهلها. ففـي الاعتبـار بها الـمعونة لأهل طاعة الله علـى الـجدّ فـيها, كما رُوي عن نبـينا صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حَزَ به أمر فزع إلـى الصلاة.
589ـ حدثنـي بذلك إسماعيـل بن موسى الفزاري, قال: حدثنا الـحسين بن رتاق الهمدانـي, عن ابن جرير, عن عكرمة بن عمار, عن مـحمد بن عبـيد بن أبـي قدامة, عن عبد العزيز بن الـيـمان, عن حذيفة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذا حز به أمر فزع إلـى الصلاة».
وحدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار, قال: حدثنا خـلف بن الولـيد الأزدي, قال: حدثنا يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار, عن مـحمد بن عبد الله الدولـي, قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة, قال حذيفة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَ به أمر صلـى». وكذلك رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى أبـا هريرة منبطحا علـى بطنه فقال له: «اشكنب دَرْد»؟ قال: نعم, قال: «قُمْ فَصَلّ فَـانّ فِـي الصّلاَةِ شفـاءً». فأمر الله جل ثناؤه الذين وصف أمرهم من أحبـار بنـي إسرائيـل أن يجعلوا مفزعهم فـي الوفـاء بعهد الله الذي عاهدوه إلـى الاستعانة بـالصبر والصلاة كما أمر نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم بذلك, فقال له: فـاصْبرْ يا مـحمد علـى ما يَقُولُونَ وَسبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللّـيْـلِ فَسَبّحْ وأطْرَافَ النّهارِ لَعَلّك تَرْضَى فأمره جل ثناؤه فـي نوائبه بـالفزع إلـى الصبر والصلاة.
590ـ وقد حدثنا مـحمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيـم قالا: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا عيـينة بن عبد الرحمن عن أبـيه: أن ابن عبـاس نعى إلـيه أخوه قثم وهو فـي سفر, فـاسترجع ثم تنـحى عن الطريق, فأناخ فصلـى ركعتـين أطال فـيهما الـجلوس, ثم قام يـمشي إلـى راحلته وهو يقول: وَاسْتَعِينُوا بـالصّبْرِ وَالصّلاة وإنّها لَكَبِـيرَةٌ إِلاّ علـى الـخاشِعِينَ.
وأما أبو العالـية فإنه كان يقول بـما:
591ـ حدثنـي به الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: وَاسْتَعِينُوا بـالصّبْرِ وَالصّلاةِ قال يقول: استعينوا بـالصبر والصلاة علـى مرضاة الله, واعلـموا أنهما من طاعة الله.
وقال ابن جريج بـما:
592ـ حدثنا به القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج فـي قوله: وَاسْتَعِينُوا بـالصّبْرِ وَالصّلاَةِ قال: إنهما معونتان علـى رحمة الله.
593ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَاسْتَعينُوا بـالصّبْرِ وَالصّلاَةِ الآية, قال: قال الـمشركون: والله يا مـحمد إنك لتدعونا إلـى أمر كبـير, قال: إلـى الصلاة والإيـمان بـالله.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وإنّها لَكَبِـيرَةٌ إِلاّ علـى الـخاشِعِينَ.
قال أبو جعفر: يعنـي بقوله جل ثناؤه: وإنّها وإن الصلاة, فـالهاء والألف فـي «وإنها» عائدتان علـى «الصلاة». وقد قال بعضهم: إن قوله: وإنها بـمعنى: إن إجابة مـحمد صلى الله عليه وسلم, ولـم يجر لذلك بلفظ الإجابة ذكرٌ فتـجعل الهاء والألف كناية عنه, وغير جائز ترك الظاهر الـمفهوم من الكلام إلـى بـاطن لا دلالة علـى صحته. ويعنـي بقوله: لَكَبِـيرةٌ: لشديدة ثقـيـلة. كما:
594ـ حدثنـي يحيى بن أبـي طالب, قال: أخبرنا ابن يزيد, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: وإنها لَكَبِـيرَةٌ إلا علـى الـخاشِعِينَ قال: إنها لثقـيـلة.
ويعنـي بقوله: إِلاّ علـى الـخاشِعِينَ: إلا علـى الـخاضعين لطاعته, الـخائفـين سطواته, الـمصدّقـين بوعده ووعيده. كما:
595ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: إِلاّ علـى الـخاشِعِينَ يعنـي الـمصدّقـين بـما أنزل الله.
596ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم العسقلانـي, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: إِلاّ علـى الـخاشِعِينَ قال: يعنـي الـخائفـين.
597ـ وحدثنـي مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن جابر, عن مـجاهد: إِلاّ علـى الـخاشِعِينَ قال: الـمؤمنـين حقّا.
وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
598ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: الـخشوع: الـخوف والـخشية لله. وقرأ قول الله: خاشِعينَ منَ الذّلّ قال: قد أذلهم الـخوف الذي نزل بهم, وخشعوا له.
وأصل «الـخشوع»: التواضع والتذلل والاستكانة, ومنه قول الشاعر:
لَـمّا أتـى خَبَرُ الزّبَـيْرِ تَوَاضَعَتْسُورُ الـمَدِينَةِ وَالـجِبَـالُ الـخُشّعُ
يعنـي والـجبـال خشع متذللة لعظم الـمصيبة بفقده.
فمعنى الآية: واستعينوا أيها الأحبـار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم علـى طاعة الله, وكفها عن معاصي الله, وبإقامة الصلاة الـمانعة من الفحشاء والـمنكر, الـمقرّ به من مراضي الله, العظيـمة إقامتها إلا علـى الـمتواضعين لله الـمستكينـين لطاعته الـمتذللـين من مخافته.
الآية : 46
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يَظُنّونَ أَنّهُم مّلاَقُو رَبّهِمْ وَأَنّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف أخبر الله جل ثناؤه عمن قد وصفه بـالـخشوع له بـالطاعة أنه يظنّ أنه ملاقـيه, والظنّ: شكّ, والشاكّ فـي لقاء الله عندك بـالله كافر؟ قـيـل له: إن العرب قد تسمي الـيقـين ظنا, والشك ظنا, نظير تسميتهم الظلـمة سُدْفة والضياء سُدْفة, والـمغيث صارخا, والـمستغيث صارخا, وما أشبه ذلك من الأسماء التـي تسمي بها الشيء وضدّه. ومـما يدل علـى أنه يسمى به الـيقـين قول دُريد بن الصمة:
فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنّوا بإِلْفَـيْ مُدَجّجٍسَرَاتُهُمُ فـي الفـارِسيّ الـمُسَرّدِ
يعنـي بذلك: تـيقنوا ألفـي مدجج تأتـيكم. وقول عَميرة بن طارق:
بِأنْ تَغْتَزُوا قَوْمي وأقْعُدُ فِـيكُمُوأجْعَلَ مِنّـي غَيْبـا مُرَجّمَا
يعنـي: وأجعل منـي الـيقـين غيبـا مرجما. والشواهد من أشعار العرب وكلامها علـى أن الظنّ فـي معنى الـيقـين أكثر من أن تـحصى, وفـيـما ذكرنا لـمن وُفّق لفهمه كفـاية.
ومنه قول الله جل ثناؤه: ورأى الـمُـجْرِمُونَ النّارَ فَظَنّوا أنّهُمْ مُواقِعوها. وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك جاء تفسير الـمفسرين.
599ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: يظّنونَ أنّهُمْ مُلاقُوا رَبّهمْ قال: إن الظنّ ههنا يقـين.
600ـ وحدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا سفـيان, عن جابر, عن مـجاهد, قال: كل ظنّ فـي القرآن يقـين, إنـي ظننت وظنوا.
وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو داود الـحفري, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: كل ظنّ فـي القرآن فهو علـم.
601ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: الّذين يظنّون أنّهم مُلاقوا ربّهم أما يظنون فـيستـيقنون.
602ـ وحدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: الّذين يظنّونَ أنّهم مُلاقُوا ربّهم علـموا أنهم ملاقوا ربهم, هي كقوله: إنّـي ظَنَنْتُ أنـي مُلاقٍ حِسابِـيَه يقول علـمت.
603ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: الّذِينَ يَظُنون أنَهُمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ قال: لأنهم لـم يعاينوا, فكان ظنهم يقـينا, ولـيس ظنا فـي شك. وقرأ: إنّـي ظَنَنْتُ أنّـي مُلاقٍ حسابـيَهْ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أنّهّمْ مُلاقُوا رَبّهِمْ.
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف قـيـل إنهم ملاقوا ربهم فأضيف الـملاقون إلـى الربّ جل ثناؤه وقد علـمت أن معناه: الذين يظنون أنهم يـلقون ربهم؟ وإذا كان الـمعنى كذلك, فمن كلام العرب ترك الإضافة وإثبـات النون, وإنـما تسقط النون وتُضيف فـي الأسماء الـمبنـية من الأفعال إذا كانت بـمعنى فعل, فأما إذا كانت بـمعنى يفعل وفـاعل, فشأنها إثبـات النون, وترك الإضافة قـيـل: لا تَدَافُعَ بـين جميع أهل الـمعرفة بلغات العرب وألسنها فـي إجازة إضافة الاسم الـمبنـي من فعل ويفعل, وإسقاط النون وهو بـمعنى يفعل وفـاعل, أعنـي بـمعنى الاستقبـال وحالِ الفعل ولـما ينقض, فلا وجه لـمسألة السائل عن ذلك: لـم قـيـل؟
وإنـما اختلف أهل العربـية فـي السبب الذي من أجله أضيف وأسقطت النون.
فقال نـحويو البصرة: أسقطت النون من: مُلاقوا رَبّهمْ وما أشبهه من الأفعال التـي فـي لفظ الأسماء وهي فـي معنى يفعل وفـي معنى ما لـم ينقض استثقالاً لها, وهي مرادة كما قال جل ثناؤه: كُلّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الـمَوْتِ وكما قال: إنّا مُرْسِلُوا النّاقَة فِتْنَةً لَهُمْ ولـما يرسلها بعد وكما قال الشاعر:
هَلْ أَنْتَ بـاعِثُ دِينارٍ لِـحاجَتِناأوْ عَبْدَ رَبَ أخا عَوْنِ بْنِ مخْرَاقِ
فأضاف بـاعثا إلـى الدينار, ولـما يبعث, ونصب عبد ربّ عطفـا علـى موضع دينار لأنه فـي موضع نصب وإن خفض. وكما قال الاَخر:
الـحافِظُو عَوْرَةَ العَشِيرَةِ لايَأتـيهِمُ مِنْ وَرَائِهِمْ نَطَفُ
بنصب العورة وخفضها. فـالـخفض علـى الإضافة, والنصب علـى حذف النون استثقالاً, وهي مرادة. وهذا قول نـحويـي البصرة.
وأما نـحويو الكوفة فإنهم قالوا: جائز فـي مُلاقُوا الإضافة, وهي فـي معنى يـلقون, وإسقاط النون منه لأنه فـي لفظ الأسماء, فله فـي الإضافة إلـى الأسماء حظّ الأسماء, وكذلك حكم كل اسم له كان نظيرا. قالوا: وإذا أثبت فـي شيء من ذلك النون وتركت الإضافة, فإنـما تفعل ذلك به لأن له معنى يفعل الذي لـم يكن ولـم يجب بعد. قالوا: فـالإضافة فـيه للفظ, وترك الإضافة للـمعنى.
فتأويـل الآية إذا: واستعينوا علـى الوفـاء بعهدي بـالصبر علـيه والصلاة, وإن الصلاة لكبـيرة إلا علـى الـخائفـين عقابـي, الـمتواضعين لأمري, الـموقنـين بلقائي والرجوع إلـيّ بعد مـماتهم.
وإنـما أخبر الله جل ثناؤه أن الصلاة كبـيرة إلا علـى من هذه صفته لأن من كان غير موقن بـمعاد ولا مصدّق بـمرجع ولا ثواب ولا عقاب, فـالصلاة عنده عناء وضلال, لأنه لا يرجو بإقامتها إدراك نفع ولا دفع ضرّ, وحقّ لـمن كانت هذه الصفة صفته أن تكون الصلاة علـيه كبـيرة, وإقامتها علـيه ثقـيـلة, وله فـادحة.
وإنـما خفت علـى الـمؤمنـين الـمصدّقـين بلقاء الله, الراجين علـيها جزيـل ثوابه, الـخائفـين بتضيـيعها ألـيـم عقابه, لـما يرجون بإقامتها فـي معادهم من الوصول إلـى ما وعد الله علـيها أهلها, ولـما يحذرون بتضيـيعها ما أوعد مضيعها. فأمر الله جل ثناؤه أحبـار بنـي إسرائيـل الذين خاطبهم بهذه الاَيات أن يكونوا من مقـيـميها الراجين ثوابها إذا كانوا أهل يقـين بأنهم إلـى الله راجعون وإياه فـي القـيامة ملاقون.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأنّهُمْ إلَـيْهِ رَاجِعُونَ.
قال أبو جعفر: والهاء والـميـم اللتان فـي قوله: وأنّهُمْ من ذكر الـخاشعين, والهاء فـي «إلـيه» من ذكر الربّ تعالـى ذكره فـي قوله: مُلاقُوا رَبّهِمْ فتأويـل الكلـمة: وإنها لكبـيرة إلا علـى الـخاشعين الـموقنـين أنهم إلـى ربهم راجعون.
ثم اختلف فـي تأويـل الرجوع الذي فـي قوله: وأنّهُمْ إلَـيْهِ رَاجِعُونَ. فقال بعضهم بـما:
604ـ حدثنـي به الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: وأنّهُمْ إلَـيْهِ رَاجِعُونَ قال: يستـيقنون أنهم يرجعون إلـيه يوم القـيامة.
وقال آخرون: معنى ذلك أنهم إلـيه يرجعون بـموتهم.
وأولـى التأويـلـين بـالآية القول الذي قاله أبو العالـية لأن الله تعالـى ذكره, قال فـي الآية التـي قبلها كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِـاللّهِ وكُنْتُـمْ أمْوَاتا فأحْياكُمْ ثُمّ يُـمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِـيكُمْ ثُمّ إِلَـيْهِ تُرْجَعُونَ فأخبر الله جل ثناؤه أنَ مرجعهم إلـيه بعد نشرهم وإحيائهم من مـماتهم, وذلك لا شك يوم القـيامة, فكذلك تأويـل قوله: وأنّهُمْ إلَـيْهِ رَاجِعُونَ.
الآية : 47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِي الّتِيَ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّي فَضّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }
قال أبو جعفر: وتأويـل ذلك فـي هذه الآية نظير تأويـله فـي التـي قبلها فـي قوله: اذْكُرُوا نِعْمَتِـي الّتِـي أنْعَمْتُ عَلَـيْكُمْ وأوْفُوا بعَهْدِي وقد ذكرته هنالك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأنّـي فَضّلْتُكُمْ علـى العَالـمِينَ.
قال أبو جعفر: وهذا أيضا مـما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم. ويعنـي بقوله: وأنّـي فَضّلْتُكُمْ عَلـى العَالَـمِينَ: أنـي فضلت أسلافكم, فنسب نعمه علـى آبـائهم وأسلافهم إلـى أنها نعم منه علـيهم, إذ كانت مآثر الاَبـاء مآثر للأبناء, والنعم عند الاَبـاء نعما عند الأبناء, لكون الأبناء من الاَبـاء, وأخرج جلّ ذكره قوله: وأنّـي فَضّلْتُكُمْ علـى العَالَـمِينَ مخرج العموم, وهو يريد به خصوصا لأن الـمعنى: وإنـي فضلتكم علـى عالـم من كنتـم بـين ظهريه وفـي زمانه. كالذي:
605ـ حدثنا به مـحمد بن عبد الأعلـى الصنعانـي, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: وأنّـي فَضّلْتُكُمْ عَلـى العَالَـمِينَ قال: فضلهم علـى عالـم ذلك الزمان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:44 am

606ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: وأنّـي فَضّلْتُكُمْ عَلَـى العَالَـمِينَ قال: بـما أعطوا من الـملك والرسل والكتب علـى عالـم من كان فـي ذلك الزمان, فإن لكل زمان عالـما.
607ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد فـي قوله: وأنّـي فَضّلْتُكُمْ عَلَـى العَالَـمِينَ قال: علـى من هم بـين ظهرانـيه.
وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: علـى من هم بـين ظهرانـيه.
608ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: سألت ابن زيد عن قول الله: وأنّـي فَضّلْتُكُمْ عَلَـى العَالَـمِينَ قال: عالـم أهل ذلك الزمان. وقرأ قول الله: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَـى عِلْـمٍ عَلـى العَالَـمِينَ قال: هذه لـمن أطاعه واتبع أمره, وقد كان فـيهم القردة وهم أبغض خـلقه إلـيه, وقال لهذه الأمة: كُنْتُـمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنّاسِ قال: هذه لـمن أطاع الله واتبع أمره واجتنب مـحارمه.
قال أبو جعفر: والدلـيـل علـى صحة ما قلنا من أن تأويـل ذلك علـى الـخصوص الذي وصفنا ما:
609ـ حدثنـي به يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر جميعا, عن بهز بن حكيـم, عن أبـيه, عن جده. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنّكُمْ وَفّـيْتُـمْ سَبْعِين أُمّةً» قال يعقوب فـي حديثه: «أنتـم آخرها». وقال الـحسن: «أنتـم خيرها وأكرمها علـى الله». فقد أنبأ هذا الـخبر عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن بنـي إسرائيـل لـم يكونوا مفضلـين علـى أمة مـحمد علـيه الصلاة والسلام, وأن معنى قوله: وَفَضّلْناهُمْ عَلَـى العَالَـمِينَ وقوله: وأنّـي فَضّلْتُكُمْ عَلـى العَالَـمِينَ علـى ما بـينا من تأويـله. وقد أتـينا علـى بـيان تأويـل قوله: العَالَـمِينَ بـما فـيه الكفـاية فـي غير هذا الـموضع, فأغنى ذلك عن إعادته.
الآية : 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَاتّقُواْ يَوْماً لاّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }
قال أبو جعفر: وتأويـل قوله: وَاتّقُوا يَوْما لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفَسٍ شَيْئا: واتقوا يوما لا تـجزى فـيه نفس عن نفس شيئا. وجائز أيضا أن يكون تأويـله: واتقوا يوما لا تـجزيه نفس عن نفس شيئا, كما قال الراجز:
قَدْ صَبّحَتْ صَبّحَها السّلامُبِكَبِدٍ خالَطَها سَنَامُ
فِـي ساعَةٍ يُحَبّها الطّعامُ
وهو يعنـي: يحبّ فـيها الطعام, فحذفت الهاء الراجعة علـى «الـيوم», إذ فـيه اجتزاء بـما ظهر من قوله: وَاتّقُوا يَوْما لاَ تَـجْزِي نَفْسٌ الدال علـى الـمـحذوف منه عما حذف, إذ كان معلوما معناه.
وقد زعم قوم من أهل العربـية أنه لا يجوز أن يكون الـمـحذوف فـي هذا الـموضع إلا الهاء.
وقال آخرون: لا يجوز أن يكون الـمـحذوف إلا «فـيه». وقد دللنا فـيـما مضى علـى جواز حذف كل ما دل الظاهر علـيه.
وأما الـمعنى فـي قوله: وَاتّقُوا يَوْما لاَ تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا فإنه تـحذير من الله تعالـى ذكره عبـاده الذين خاطبهم بهذه الآية عقوبته أن تـحلّ بهم يوم القـيامة, وهو الـيوم الذي لا تـجزي فـيه نفس عن نفس شيئا, ولا يجزي فـيه والد عن ولده, ولا مولود هو جاز عن والده شيئا.
وأما تأويـل قوله: لا تَـجْزِي نَفْسٌ فإنه يعنـي: لا تغنـي. كما:
610ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَاتّقُوا يَوْما لاَ تَـجْزِي نَفْسٌ أما تـجزي: فتغنـي.
وأصل الـجزاء فـي كلام العرب: القضاء والتعويض, يقال: جزيته قرضه ودينه أجزيه جزاء, بـمعنى: قضيته دينه, ومن ذلك قـيـل: جزى الله فلانا عنـي خيرا أو شرّا, بـمعنى: أثابه عنـي وقضاه عنـي ما لزمنـي له بفعله الذي سلف منه إلـيّ. وقد قال قوم من أهل العلـم بلغة العرب: يقال: أجزيت عنه كذا: إذا أعنته علـيه, وجزيت عنك فلانا: إذا كافأته. وقال آخرون منهم: بل جزيت عنك: قضيت عنك, وأجزيت: كفـيت. وقال آخرون منهم: بل هما بـمعنى واحد, يقال: جزت عنك شاة وأجزت, وجزى عنك درهم وأجزى, ولا تَـجْزي عنك شاة ولا تُـجْزي بـمعنى واحد, إلا أنهم ذكروا أن جزت عنك ولا تُـجزي عنك من لغة أهل الـحجاز, وأن أجزأ وتُـجزىء من لغة غيرهم. وزعموا أن تـميـما خاصة من بـين قبـائل العرب تقول: أجزأت عنك شاة, وهي تُـجزىء عنك. وزعم آخرون أن جَزَى بلا همز: قضى, وأجزأ بـالهمز: كافأ. فمعنى الكلام إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تغنـي عنها غِنًى.
فإن قال لنا قائل: وما معنى: لا تقضي نفس عن نفس, ولا تغنـي عنها غنى؟ قـيـل: هو أن أحدنا الـيوم ربـما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصداقة والقرابة دينه وأما فـي الاَخرة فإنه فـيـما أتتنا به الأخبـار عنها يسرّ الرجل أن يبرد له علـى ولده أو والده حقّ, وذلك أن قضاء الـحقوق فـي القـيامة من الـحسنات والسيئات. كما:
611ـ حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن أبـي خالد الدولابـي يزيد بن عبد الرحمن, عن زيد بن أبـي أنـيسة, عن سعيد بن أبـي سعيد الـمقبري, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللّهُ عَبْدا كَانَتْ عِنْدَهُ لأخِيهِ مَظْلَـمَةٌ فِـي عِرْضٍ» قال أبو بكر فـي حديثه: «أوْ مالٍ أوْ جاهٍ, فـاسْتَـحَلّهُ قَبْلَ أنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ وَلَـيْسَ ثَمّ دِينارٌ وَلا دِرْهَمٌ, فإنْ كانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أَخَذُوا مِنْ حَسَناتِهِ, وَإِنْ لَـمْ تَكُنْ لَهُ حَسَناتٌ حَمَلُوا عَلَـيْهِ مِنْ سَيئَاتِهِمْ».
حدثنا أبو عثمان الـمقدمي, قال: حدثنا القروي, قال: حدثنا مالك, عن الـمقبري, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, عن النبـي صلى الله عليه وسلم بنـحوه.
حدثنا خلاد بن أسلـم, قال: حدثنا أبو همام الأهوازي, قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد, عن سعيد عن أبـي هريرة, عن النبـي صلى الله عليه وسلم بنـحوه.
612ـ حدثنا موسى بن سهل الرملـي, قال: حدثنا نعيـم بن حماد, قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي, عن عمرو بن أبـي عمرو, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَـمُوتَنّ أحَدُكُمْ وَعَلَـيْهِ دَيْنٌ, فَإنّهُ لَـيْسَ هُنَاكَ دِينارٌ وَلا دِرْهَمٌ, إنّـمَا يَقْتَسِمُونَ هنَالِكَ الـحَسَناتِ وَالسّيّئاتِ» وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بـيده يـمينا وشمالاً.
613ـ حدثنـي مـحمد بن إسحاق, قال: قال: حدثنا سالـم بن قادم, قال: حدثنا أبو معاوية هاشم بن عيسى, قال: أخبرنـي الـحارث بن مسلـم, عن الزهري, عن أنس بن مالك, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحو حديث أبـي هريرة.
قال أبو جعفر: فذلك معنى قوله جل ثناؤه: لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا يعنـي أنها لا تقضي عنها شيئا لزمها لغيرها لأن القضاء هنالك من الـحسنات والسيئات علـى ما وصفنا. وكيف يقضي عن غيره ما لزمه من كان يسرّه أن يثبت له علـى ولده أو والده حقّ, فـيأخذه منه ولا يُتـجافـى له عنه؟.
وقد زعم بعض نـحويـي البصرة أن معنى قوله: لاَ تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا: لا تـجزي منها أن تكون مكانها. وهذا قول يشهد ظاهر القرآن علـى فساده, وذلك أنه غير معقول فـي كلام العرب أن يقول القائل: ما أغنـيت عنـي شيئا, بـمعنى: ما أغنـيت منـي أن تكون مكانـي, بل إذا أرادوا الـخبر عن شيء أنه لا يجزي من شيء, قالوا: لا يجزي هذا من هذا, ولا يستـجيزون أن يقولوا: لا يجزي هذا من هذا شيئا.
فلو كان تأويـل قوله: لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا ما قاله من حكينا قوله لقال: وَاتقُوا يَوْما لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ كما يقال: لا تـجزي نفس من نفس, ولـم يقل لا تـجزي نفس عن نفس شيئا: وفـي صحة التنزيـل بقوله: لا تـجزي نفس عن نفس شيئا أوضح الدلالة علـى صحة ما قلنا وفساد قول من ذكرنا قوله فـي ذلك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا تُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـاعَةٌ.
قال أبو جعفر: والشفـاعة مصدر من قول الرجل: شفع لـي فلان إلـى فلان شفـاعة, وهو طلبه إلـيه فـي قضاء حاجته. وإنـما قـيـل للشفـيع شفـيع وشافع لأنه ثنّى الـمستشفع به, فصار له شَفْعا, فكان ذو الـحاجة قبل استشفـاعه به فـي حاجته فردا, فصار صاحبه له فـيها شافعا, وطلبُه فـيه وفـي حاجته شفـاعة ولذلك سمي الشفـيع فـي الدار وفـي الأرض شفـيعا لـمصير البـائع به شفعا.
فتأويـل الآية إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس حقا لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره, ولا يقبل الله منها شفـاعة شافع, فـيترك لها ما لزمها من حق. وقـيـل: إن الله عزّ وجلّ خاطب أهل هذه الآية بـما خاطبهم به فـيها لأنهم كانوا من يهود بنـي إسرائيـل, وكانوا يقولون: نـحن أبناء الله وأحبـاؤه وأولاد أنبـيائه, وسيشفع لنا عنده آبـاؤنا. فأخبرهم الله جل وعزّ أن نفسا لا تـجزي عن نفس شيئا فـي القـيامة, ولا يقبل منها شفـاعة أحد فـيها حتـى يُستوفـى لكل ذي حقّ منها حقه. كما:
614ـ حدثنـي عبـاس بن أبـي طالب, قال: حدثنا حجاج بن نصير, عن شعبة, عن العوام بن مزاحم رجل من قـيس بن ثعلبة, عن أبـي عثمان النهدي, عن عثمان بن عفـان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنّ الـجَمّاءَ لَتَقْتَصّ مِنَ القَرْناءِ يَوْمَ القِـيَامَةِ, كَما قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَنَضَعُ الـمَوَازِينَ القِسْطَ لِـيَوْمِ القِـيَامَةِ فَلا تُظْلَـمُ نَفْسٌ شَيْئا الآية...».
فآيسهم الله جل ذكره مـما كانوا أطمعوا فـيه أنفسهم من النـجاة من عذاب الله مع تكذيبهم بـما عرفوا من الـحقّ وخلافهم أمر الله فـي اتبـاع مـحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده بشفـاعة آبـائهم وغيرهم من الناس كلهم, وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إلـيه من كفرهم والإنابة من ضلالهم, وجعل ما سنّ فـيهم من ذلك إماما لكل من كان علـى مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلـحاد فـي رحمة الله.
وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما فـي التلاوة, فإن الـمراد بها خاص فـي التأويـل لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «شَفَـاعَتِـي لأَهْلِ الكَبَـائِرِ مِنْ أُمّتـي» وأنه قال: «لَـيْسَ مِنْ نبِـيّ إِلاّ وَقَدْ أُعْطِيَ دَعْوَةً, وَإِنّـي خَبَأتُ دَعْوَتِـي شَفَـاعَةً لامّتـي, وَهِيَ نائلَةٌ إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنْهُمْ مَنْ لا يُشْرِكُ بـاللّهِ شَيْئا». فقد تبـين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعبـاده الـمؤمنـين بشفـاعة نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم لهم عن كثـير من عقوبة إجرامهم بـينه وبـينهم, وأن قوله: وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـاعَةٌ إنـما هي لـمن مات علـى كفره غير تائب إلـى الله عزّ وجلّ. ولـيس هذا من مواضع الإطالة فـي القول فـي الشفـاعة والوعد والوعيد, فنستقصي الـحِجَاجَ فـي ذلك, وسنأتـي علـى ما فـيه الكفـاية فـي مواضعه إن شاء الله تعالـى.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ.
قال أبو جعفر: والعدل فـي كلام العرب بفتـح العين: الفدية. كما:
615ـ حدثنا به الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية: وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ قال: يعنـي فداء.
616ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر عن السدي: وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ أما عدل فـيعدلها من العدل, يقول: لو جاءت بـملء الأرض ذهبـا تفتدي به ما تقبل منها.
617ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن قتادة فـي قوله: ولا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ قال: لو جاءت بكل شيء لـم يقبل منها.
618ـ حدثنا القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا حسين, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد: قال ابن عبـاس: وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ قال: بدل, والبدل: الفدية.
619ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ قال: لو أن لها ملء الأرض ذهبـا لـم يقبل منها فداء قال: ولو جاءت بكل شيء لـم يقبل منها.
620ـ وحدثنـي نـجيح بن إبراهيـم, قال: حدثنا علـيّ بن حكيـم, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن أبـيه, عن عمرو بن قـيس الـملائي, عن رجل من بنـي أمية من أهل الشام أحسن علـيه الثناء, قال: قـيـل يا رسول الله ما العدل؟ قال: «العَدْلُ: الفِدْيَةُ».
وإنـما قـيـل للفدية من الشيء والبدل منه عدل, لـمعادلته إياه وهو من غير جنسه ومصيره له مثلاً من وجه الـجزاء, لا من وجه الـمشابهة فـي الصورة والـخـلقة, كما قال جل ثناؤه: وَإِنْ تَعْدِلْ كُلّ عَدْلٍ لاَ يُؤْخَذْ مِنْهَا بـمعنى: وإن تفد كل فدية لا يؤخذ منها, يقال منه: هذا عَدْله وعَدِيـله. وأما العِدْل بكسر العين, فهو مثل الـحمل الـمـحمول علـى الظهر, يقال من ذلك: عندي غلام عِدْل غلامك, وشاة عِدْل شاتك بكسر العين, إذا كان غلام يعدل غلاما, وشاة تعدل شاة, وكذلك ذلك فـي كل مثل للشيء من جنسه. فإذا أريد أن عنده قـيـمته من غير جنسه نصبت العين فقـيـل: عندي عَدْل شاتك من الدراهم. وقد ذكر عن بعض العرب أنه يكسر العين من العِدْل الذي هو بـمعنى الفدية لـمعادلة ما عادله من جهة الـجزاء, وذلك لتقارب معنى العَدْل والعِدْل عندهم, فأما واحد الأعدال فلـم يسمع فـيه إلا عِدْل بكسر العين.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ.
وتأويـل قوله: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يعنـي أنهم يومئذٍ لا ينصرهم ناصر, كما لا يشفع لهم شافع, ولا يقبل منهم عدل ولا فدية. بطلت هنالك الـمـحابـاة واضمـحلت الرّشَا والشفـاعات, وارتفع بـين القوم التعاون والتناصر, وصار الـحكم إلـى العدل الـجبـار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء, فـيجزي بـالسيئة مثلها وبـالـحسنة أضعافها. وذلك نظير قوله جل ثناؤه: وَقِـفُوهُمْ إنّهُمْ مَسْؤولُونَ مَا لَكْمْ لاَ تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الـيَوْمَ مُسْتَسْلِـمُونَ. وكان ابن عبـاس يقول فـي معنى: لا تَنَاصَرُونَ ما:
621ـ حدثت به عن الـمنـجاب, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس: ما لَكُمْ لاَ تَناصَرُونَ ما لكم لا تُـمَانعون منا؟ هيهات لـيس ذلك لكم الـيوم
وقد قال بعضهم فـي معنى قوله: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ: ولـيس لهم من الله يومئذٍ نصير ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم. وقد قـيـل: ولا هم ينصرون بـالطلب فـيهم والشفـاعة والفدية.
قال أبو جعفر: والقول الأول أولـى بتأويـل الآية لـما وصفنا من الله جل ثناؤه إنـما أعلـم الـمخاطبـين بهذه الآية أن يوم القـيامة يوم لا فدية لـمن استـحقّ من خـلقه عقوبته, ولا شفـاعة فـيه, ولا ناصر له. وذلك أن ذلك قد كان لهم فـي الدنـيا, فأخبر أن ذلك يوم القـيامة معدوم لا سبـيـل لهم إلـيه.
الآية : 49
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ نَجّيْنَاكُم مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلآءٌ مّن رّبّكُمْ عَظِيمٌ }
أما تأويـل قوله: وإذْ نَـجّيْناكُمْ فإنه عطف علـى قوله: يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِـيَ فكأنه قال: اذكروا نعمتـي التـي أنعمت علـيكم, واذكروا إنعامنا علـيكم إذ نـجيناكم من آل فرعون بإنـجائنا لكم منهم.
وأما آل فرعون فإنهم أهل دينه وقومه وأشياعه. وأصل «آل» أهل, أبدلت الهاء همزة, كما قالوا ماه, فأبدلوا الهاء همزة, فإذا صغروه قالوا مُوَيه, فردّوا الهاء فـي التصغير وأخرجوه علـى أصله. وكذلك إذا صغروا آل, قالوا: أهيـل. وقد حُكي سماعا من العرب فـي تصغير آل: أويـل. وقد يقال: فلان من آل النساء, يراد به أنه منهن خـلق, ويقال ذلك أيضا بـمعنى أنه يريدهنّ ويهواهن, كما قال الشاعر:
فإنّكَ مِنْ آلِ النّساءِ وَإِنّـمَايَكُنّ لأدْنى لا وِصَالَ لِغَائِبِ
وأحسن أماكن «آل» أن ينطق به مع الأسماء الـمشهورة, مثل قولهم: آل النبـي مـحمد صلى الله عليه وسلم وآل علـيّ, وآل عبـاس, وآل عقـيـل. وغير مستـحسن استعماله مع الـمـجهول, وفـي أسماء الأرضين وما أشبه ذلك غير حسن عند أهل العلـم بلسان العرب أن يقال: رأيت آل الرجل, ورآنـي آل الـمرأة, ولا رأيت آل البصرة, وآل الكوفة. وقد ذكر عن بعض العرب سماعا أنها تقول: رأيت آل مكة وآل الـمدينة, ولـيس ذلك فـي كلامهم بـالـمستعمل الفـاشي. وأما فرعون فإنه يقال: إنه اسم كانت ملوك العمالقة بـمصر تسمّى به, كما كانت ملوك الروم يُسمّي بعضهم قـيصر وبعضهم هرقل, وكما كانت ملوك فـارس تُسمى الأكاسرة واحدهم كسرى, وملوك الـيـمن تسمى التبـابعة واحدهم تبع. وأما فرعون موسى الذي أخبر الله تعالـى عن بنـي إسرائيـل أنه نـجاهم منه فإنه يقال: إن اسمه الولـيد بن مصعب بن الريان, وكذلك ذكر مـحمد بن إسحاق أنه بلغه عن اسمه.
622ـ حدثنا بذلك مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: أن اسمه الولـيد بن مصعب بن الريان.
وإنـما جاز أن يقال: وَإِذْ نَـجّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ والـخطاب به لـمن لـم يدرك فرعون ولا الـمنـجين منه, لأن الـمخاطبـين بذلك كانوا أبناء من نـجاهم من فرعون وقومه, فأضاف ما كان من نعمه علـى آبـائهم إلـيهم, وكذلك ما كان من كفران آبـائهم علـى وجه الإضافة, كما يقول القائل لاَخر: فعلنا بكم كذا, وفعلنا بكم كذا, وقتلناكم وسبـيناكم, والـمخبر إما أن يكون يعنـي قومه وعشيرته بذلك أو أهل بلده ووطنه كان الـمقول له ذلك أدرك ما فعل بهم من ذلك أو لـم يدركه, كما قال الأخطل يهاجي جرير بن عطية:
وَلَقَدْ سَمَا لَكُمْ الهُذَيْـلُ فنالَكُمْبإرَابَ حَيْثُ يُقْسَمّـمُ الأنْفـالا
فـي فَـيْـلَقٍ يَدْعو الأرَاقمَ لـمْ تكُنْفرْسَانُهُ عُزْلاً وَلا أكْفَـالا
ولـم يـلق جرير هذيلاً ولا أدركه, ولا أدرك إراب ولا شهده. ولكنه لـما كان يوما من أيام قوم الأخطل علـى قوم جرير, أضاف الـخطاب إلـيه وإلـى قومه, فكذلك خطاب الله عزّ وجلّ من خاطبه بقوله: وَإِذْ نَـجّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ لـما كان فعله ما فعل من ذلك بقوم من خاطبه بـالآية وآبـائهم, أضاف فعله ذلك الذي فعله بآبـائهم إلـى الـمخاطبـين بـالآية وقومهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يَسُومُونُكُمْ سُوءَ العَذَاب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:45 am

وفـي قوله: يَسُومُونَكُمْ وجهان من التأويـل, أحدهما: أن يكون خبرا مستأنفـا عن فعل فرعون ببنـي إسرائيـل, فـيكون معناه حينئذٍ: واذكروا نعمتـي علـيكم إذ نـجّيتكم من آل فرعون, وكانوا من قبل يسومونكم سوء العذاب. وإذا كان ذلك تأويـله كان موضع «يسومونكم» رفعا. والوجه الثانـي: أن يكون «يسومونكم» حالاً, فـيكون تأويـله حينئذٍ: وإذْ نـجيناكم من آل فرعون سائميكم سوء العذاب, فـيكون حالاً من آل فرعون.
وأما تأويـل قوله: يَسُومُونَكُمْ فإنه يوردونكم, ويذيقونكم, ويُولونكم, يقال منه: سامه خطة ضيـم: إذا أولاه ذلك وأذاقه, كما قال الشاعر:
إنْ سِيـمَ خَسْفـا وَجْهُهُ تَرَبّدَا
فأما تأويـل قوله: سُوءَ العَذَابِ فإنه يعنـي: ما ساءهم من العذاب. وقد قال بعضهم: أشدّ العذاب ولو كان ذلك معناه لقـيـل: أسوأ العذاب.
فإن قال لنا قائل: وما ذلك العذاب الذي كانوا يسومونهم الذي كان يسوءهم؟ قـيـل: هو ما وصفه الله تعالـى فـي كتابه فقال: يُذَبّحُونَ أبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَـحْيُونَ نِساءَكُمْ. وقد قال مـحمد بن إسحاق فـي ذلك ما:
623ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: أخبرنا ابن إسحاق, قال: كان فرعون يعذّب بنـي إسرائيـل فـيجعلهم خدما وخولاً, وصنّفهم فـي أعماله, فصنفٌ يبنون, وصنف يزرعون له, فهم فـي أعماله, ومن لـم يكن منهم فـي صنعة من عمله فعلـيه الـجزية, فسامهم كما قال الله عزّ وجل: سُوءَ العَذَابِ.
وقال السدي: جعلهم فـي الأعمال القذرة, وجعل يقتل أبناءهم, ويستـحيـي نساءهم.
624ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السدي.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يُذَبّحُونَ أبْناءَكُمْ وَيَسْتَـحْيُونَ نِساءَكُمْ.
قال أبو جعفر: وأضاف الله جل ثناؤه ما كان من فعل آل فرعون ببنـي إسرائيـل من سَوْمهم إياهم سوء العذاب وذبحهم أبناءهم واستـحيائهم نساءهم دون فرعون, وإن كان فعلهم ما فعلوا من ذلك كان بقوّة فرعون وعن أمره, لـمبـاشرتهم ذلك بأنفسهم. فبـين بذلك أن كل مبـاشر قتل نفس أو تعذيب حيّ بنفسه وإن كان عن أمر غيره, ففـاعله الـمتولـي ذلك هو الـمستـحق إضافة ذلك إلـيه, وإن كان الاَمر قاهرا الفـاعل الـمأمور بذلك سلطانا كان الاَمر أو لصّا خاربـا أو متغلبـا ف.اجرا, كما أضاف جل ثناؤه ذبح أبناء بنـي إسرائيـل واستـحياء نسائهم إلـى آل فرعون دون فرعون, وإن كانوا بقوّة فرعون وأمره إياهم بذلك فعلوا ما فعلوا مع غلبته إياهم وقهره لهم. فكذلك كل قاتل نفسا بأمر غيره ظلـما فهو الـمقتول عندنا به قصاصا, وإن كان قتله إياها بإكراه غيره له علـى قتله.
وأما تأويـل ذبحهم أبناء بنـي إسرائيـل, واستـحيائهم نساءهم, فإنه كان فـيـما ذكر لنا عن ابن عبـاس وغيره كالذي:
625ـ حدثنا به العبـاس بن الولـيد الاَملـي وتـميـم بن الـمنتصر الواسطي, قالا: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: حدثنا القاسم بن أيوب, قال: حدثنا سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيـم خـلـيـله أن يجعل فـي ذرّيته أنبـياء وملوكا وائتـمروا, وأجمعوا أمرهم علـى أن يبعث رجالاً معهم الشّفـارَ, يطوفون فـي بنـي إسرائيـل, فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه, ففعلوا. فلـما رأوا أن الكبـار من بنـي إسرائيـل يـموتون بآجالهم, وأن الصغار يذبحون, قال: توشكون أن تُفنوا بنـي إسرائيـل فتصيروا إلـى أن تبـاشروا من الأعمال والـخدمة ما كانوا يكفونكم, فـاقتلوا عاما كل مولود ذكر فتقلّ أبناؤهم ودعوا عاما. فحملت أمّ موسى بهارون فـي العام الذي لا يذبح فـيه الغلـمان, فولدته علانـية أمه, حتـى إذا كان القابل حملت بـموسى.
626ـ وقد حدثنا عبد الكريـم بن الهيثم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار الرمادي, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, قال: حدثنا أبو سعيد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: قالت الكهنة لفرعون: إنه يولد فـي هذه العام مولود يذهب بـملكك. قال: فجعل فرعون علـى كل ألف امرأة مائة رجل, وعلـى كل مائة عشرة, وعلـى كل عشرة رجلاً فقال: انظروا كل امرأة حامل فـي الـمدينة, فإذا وضعت حملها فـانظروا إلـيه, فإن كان ذكرا فـاذبحوه, وإن كان أنثى فخـلّوا عنها. وذلك قوله: يُذَبّحُونَ أبْناءَكُمْ وَيَسْتَـحْيُونَ نِساءَكُمْ وفِـي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ.
627ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا آدم, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية فـي قوله: وَإِذْ نَـجّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونُكُمْ سُوءَ العَذَابِ قال: إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة, فقالت الكهنة: إنه سيولد العام بـمصر غلام يكون هلاكك علـى يديه. فبعث فـي أهل مصر نساء قوابل, فإذا ولدت امرأة غلاما أتـى به فرعون فقتله ويستـحيـي الـجواري.
628ـ وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحق بن الـحجاج, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس فـي قوله: وَإِذْ نَـجّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ الآية, قال: إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة, وإنه أتاه آت, فقال: إنه سينشأ فـي مصر غلام من بنـي إسرائيـل فـيظهر علـيك ويكون هلاكك علـى يديه. فبعث فـي مصر نساء. فذكر نـحو حديث آدم.
629ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر عن السدي, قال: كان من شأن فرعون أنه رأى فـي منامه أن نارا أقبلت من بـيت الـمقدس حتـى اشتـملت علـى بـيوت مصر, فأحرقت القبط وتركت بنـي إسرائيـل وأخربت بـيوت مصر, فدعا السحرة والكهنة والعافة والقافة والـحازَة, فسألهم عن رؤياه, فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيـل منه يعنون بـيت الـمقدس رجل يكون علـى وجهه هلاك مصر. فأمر ببنـي إسرائيـل أن لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه, ولا تولد لهم جارية إلا تركت. وقال للقبط: انظروا مـملوكيكم الذين يعملون خارجا فأدخـلوهم, واجعلوا بنـي إسرائيـل يـلون تلك الأعمال القذرة. فجعل بنـي إسرائيـل فـي أعمال غلـمانهم, وأدخـلوا غلـمانهم فذلك حين يقول الله تبـارك وتعالـى: إِنّ فِرْعَوْنَ عَلا فِـي الأرْضِ يقول: تـجبر فـي الأرض: وجعل أهلها شِيَعا, يعنـي بنـي إسرائيـل, حين جعلهم فـي الأعمال القذرة, يستضعفُ طائِفَةً منهم يُذَبّحُ أبْنَاءَهُمْ. فجعل لا يولد لبنـي إسرائيـل مولود إلا ذبح فلا يكبر الصغير. وقذف الله فـي مشيخة بنـي إسرائيـل الـموت, فأسرع فـيهم. فدخـل رءوس القبط علـى فرعون, فكلـموه, فقالوا: إن هؤلاء قد وقع فـيهم الـموت, فـيوشك أن يقع العمل علـى غلـماننا بذبح أبنائهم فلا تبلغ الصغار وتفنى الكبـار, فلو أنك كنت تبقـي من أولادهم فأمر أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة. فلـما كان فـي السنة التـي لا يذبحون فـيها ولد هارون, فترك فلـما كان فـي السنة التـي يذبحون فـيها حملت بـموسى.
630ـ حدثنا مـحمد بن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ذكر لـي أنه لـما تقارب زمان موسى أتـى منـجمو فرعون وحُزَاتُه إلـيه, فقالوا له: تعلّـم أنا نـجد فـي علـمنا أن مولودا من بنـي إسرائيـل قد أظلك زمانه الذي يولد فـيه, يسلبك ملكك ويغلبك علـى سلطانك, ويخرجك من أرضك, ويبدّل دينك. فلـما قالوا له ذلك, أمر بقتل كل مولود يولد من بنـي إسرائيـل من الغلـمان, وأمر بـالنساء يستـحيـين. فجمع القوابل من نساء مـملكته, فقال لهن: لا يسقطن علـى أيديكن غلام من بنـي إسرائيـل إلا قتلتُنّه. فكنّ يفعلن ذلك, وكان يذبح من فوق ذلك من الغلـمان, ويأمر بـالـحبـالـى فـيعذّبن حتـى يطرحن ما فـي بطونهن.
631ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: لقد ذكر أنه كان لـيأمر بـالقصب فـيشقّ حتـى يجعل أمثال الشّفـار, ثم يصف بعضه إلـى بعض, ثم يؤتـي بـالـحبـالـى من بنـي إسرائيـل, فـيوقـفن علـيه فـيحزّ أقدامهن, حتـى إن الـمرأة منهن لتـمصَعُ بولدها فـيقع من بـين رجلـيها, فتظلّ تطؤه تتقـي به حدّ القصب عن رجلها لـما بلغ من جهدها. حتـى أسرف فـي ذلك وكاد يفنـيهم, فقـيـل له: أفنـيت الناس وقطعت النسل, وإنهم خَوَلُك وعمالك. فأمر أن يقتل الغلـمان عاما ويستـحيوا عاما. فولد هارون فـي السنة التـي يستـحيا فـيها الغلـمان, وولد موسى فـي السنة التـي فـيها يقتلون.
قال أبو جعفر: والذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العلـم كان ذبح آل فرعون أبناء بنـي إسرائيـل واستـحياؤهم نساءهم, فتأويـل قوله إذا علـى ما تأوّله الذين ذكرنا قولهم: ويستـحيون نساءكم: يستبقونهن فلا يقتلونهن.
وقد يجب علـى تأويـل من قال بـالقول الذي ذكرنا عن ابن عبـاس وأبـي العالـية والربـيع بن أنس والسدي فـي تأويـل قوله: ويَسْتَـحْيُونَ نِساءَكُمْ: أنه تركهم الإناث من القتل عند ولادتهن إياهن أن يكون جائزا أن تسمى الطفلة من الإناث فـي حال صبـاها وبعد ولادها امرأة, والصبـايا الصغار وهن أطفـال: نساء, لأنهم تأوّلوا قول الله جل وعزّ: وَيَسْتَـحْيُونَ نِسَاءَكُمْ: يستبقون الإناث من الولدان عند الولادة فلا يقتلونهن.
وقد أنكر ذلك من قولهم ابن جريج, فقال بـما:
632ـ حدثنا به القاسم بن الـحسن, قال: حدثنا الـحسين بن داود, قال: حدثنـي حجاج, عن ابن جريج قوله: وَيَسْتَـحْيُونَ نِسَاءَكُمْ قال: يسترقّون نساءكم.
فحاد ابن جريج بقوله هذا عما قاله من ذكرنا قوله فـي قوله: وَيَسْتَـحْيُونَ نِسَاءَكُمْ إنه استـحياء الصبـايا الأطفـال, قال: إذ لـم نـجدهن يـلزمهن اسم نساء. ثم دخـل فـيـما هو أعظم مـما أنكر بتأويـله «ويستـحيون» يسترقّون, وذلك تأويـل غير موجود فـي لغة عربـية ولا عجمية, وذلك أن الاستـحياء إنـما هو استفعالٌ من الـحياة نظير الاستبقاء من البقاء والاستسقاء من السقـي, وهو معنى من الاسترقاق بـمعزل.
وقد قال آخرون: قوله يُذَبّحونَ أبْناءَكُمْ بـمعنى يذبحون رجالكم آبـاء أبنائكم. وأنكروا أن يكون الـمذبوحون الأطفـال, وقد قرن بهم النساء. فقالوا: فـي إخبـار الله جل ثناؤه إن الـمستـحين هم النساء الدلالة الواضحة علـى أن الذين كانوا يذبحون هم الرجال دون الصبـيان, لأن الـمذبحين لو كانوا هم الأطفـال لوجب أن يكون الـمستـحيون هم الصبـايا. قالوا: وفـي إخبـار الله عزّ وجل أنهم النساء ما يبـين أن الـمذبحين هم الرجال. وقد أغفل قائلوا هذه الـمقالة مع خروجهم من تأويـل أهل التأويـل من الصحابة والتابعين موضع الصواب, وذلك أن الله جل ثناؤه قد أخبر عن وحيه إلـى أمّ موسى أنه أمرها أن ترضع موسى, فإذا خافت علـيه أن تلقـيه فـي التابوت ثم تلقـيه فـي الـيـم. فمعلوم بذلك أن القوم لو كانوا إنـما يقتلون الرجال ويتركون النساء لـم يكن بأمّ موسى حاجة إلـى إلقاء موسى فـي الـيـمّ, أو لو أن موسى كان رجلاً لـم تـجعله أمه فـي التابوت ولكن ذلك عندنا علـى ما تأوّله ابن عبـاس ومن حكينا قوله قبل من ذبح آل فرعون الصبـيان وتركهم من القتل الصبـايا.
وإنـما قـيـل: وَيَسْتَـحْيُونَ نِسَاءَكُمْ إذ كان الصبـايا داخلات مع أمهاتهن, وأمهاتهن لا شك نساء فـي الاستـحياء, لأنهم لـم يكونوا يقتلون صغار النساء ولا كبـارهن, فقـيـل: وَيَسْتَـحْيُونَ نِساءَكُمْ يعنـي بذلك الوالدات والـمولودات كما يقال: قد أقبل الرجال وإن كان فـيهم صبـيان, فكذلك قوله: وَيَسْتَـحْيُونَ نِساءَكُمْ. وأما من الذكور فإنه لـما لـم يكن يذبح إلا الـمولودون قـيـل: يذبحون أبناءكم, ولـم يقل يذبحون رجالكم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وفِـي ذَلِكُمْ بَلاءٌ منْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ.
أما قوله: وفِـي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ فإنه يعنـي: وفـي الذي فعلنا بكم من إنـجائنا إياكم مـما كنتـم فـيه من عذاب آل فرعون إياكم علـى ما وصفت بلاء لكم من ربكم عظيـم. ويعنـي بقوله بلاء: نعمة. كما:
633ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: حدثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ قال: نعمة.
634ـ وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي فـي قوله: وفـي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ أما البلاء: فـالنعمة.
635ـ وحدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد: وفِـي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ قال: نعمة من ربكم عظيـمة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثل حديث سفـيان.
636ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاح, عن ابن جريج: وَفِـي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ قال: نعمة عظيـمة.
وأصل البلاء فـي كلام العرب: الاختبـار والامتـحان, ثم يستعمل فـي الـخير والشرّ, لأن الامتـحان والاختبـار قد يكون بـالـخير كما يكون بـالشرّ, كما قال الله جل ثناؤه: وَبَلَوْناهُمْ بـالـحَسَناتِ وَالسّيّئات لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول: اختبرناهم, وكما قال جل ذكره: وَنَبْلُوكُمْ بـالشّرّ والـخَيْرِ فِتْنَةً. ثم تسمي العرب الـخير بلاء والشرّ بلاء, غير أن الأكثر فـي الشرّ أن يقال: بلوته أبلوه بلاء, وفـي الـخير: أبلـيته أبلـيه إبلاءً وبلاءً ومن ذلك قول زهير بن أبـي سلـمى:
جَزَى اللّهُ بـالإحْسانِ ما فَعَلا بكُمْوأبلاهُما خَيْرَ البَلاءِ الّذِي يَبْلُو
فجمع بـين اللغتـين لأنه أراد: فأنعم الله علـيهما خير النعم التـي يختبر بها عبـاده.
الآية : 50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }
أما تأويـل قوله: وَإذْ فَرَقْنا بكُمُ فإنه عطف علـى: وَإذْ نَـجّيْناكُمْ بـمعنى: واذكروا نعمتـي التـي أنعمت علـيكم, واذكروا إذ نـجيناكم من آل فرعون, وإذ فرقنا بكم البحر. ومعنى قوله: فَرَقْنا بِكُمْ: فصلنا بكم البحر, لأنهم كانوا اثنـي عشر سبطا, ففرق البحر اثنـي عشر طريقا, فسلك كل سبط منهم طريقا منها. فذلك فرق الله بهم جل ثناؤه البحر, وفصله بهم بتفريقهم فـي طريق الاثنـي عشر. كما:
637ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر, عن السدي: لـما أتـى موسى البحر كناه أبـا خالد, وضربه فـانفلق فكان كل فرق كالطود العظيـم, فدخـلت بنو إسرائيـل, وكان فـي البحر اثنا عشر طريقا فـي كل طريق سبط.
وقد قال بعض نـحويـي البصرة: معنى قوله: وَإذْ فَرَقْنا بِكُمُ البَحْرَ فرقنا بـينكم وبـين الـماء: يريد بذلك: فصلنا بـينكم وبـينه وحجزناه حيث مررتـم به. وذلك خلاف ما فـي ظاهر التلاوة لأن الله جل ثناؤه إنـما أخبر أنه فرق البحر بـالقوم, ولـم يخبر أنه فرق بـين القوم وبـين البحر, فـيكون التأويـل ما قاله قائلوا هذه الـمقالة, وفرقه البحر بـالقوم, إنـما هو تفريقه البحر بهم علـى ما وصفنا من افتراق سبـيـله بهم علـى ما جاءت به الاَثار.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فأنْـجَيْناكُمْ وأغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وأنْتُـمْ تَنْظُرُونَ.
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف غرق الله جل ثناؤه آل فرعون, ونَـجّى بنـي إسرائيـل؟ قـيـل له: كما:
638ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن كعب القرظي, عن عبد الله بن شداد بن الهاد, قال: لقد ذكر لـي أنه خرج فرعون فـي طلب موسى علـى سبعين ألفـا من دُهْم الـخيـل سوى ما فـي جنده من شُهْبِ الـخيـل وخرج موسى, حتـى إذا قابله البحر ولـم يكن له عنه منصرف, طلع فرعون فـي جنده من خـلفهم, فلـما تراءى الـجمعان قال أصحاب موسى إنّا لَـمُدْرَكُونَ قال موسى: كَلاّ إنّ مَعِي رَبـي سَيَهْدِينِ أي للنـجاة, وقد وعدنـي ذلك ولا خـلف لوعده.
639ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنـي ابن إسحاق, قال: أوحى الله إلـى البحر فـيـما ذكر إذا ضربك موسى بعصاه فـانفلقْ له, قال: فبـات البحر يضرب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة البقرة - صفحة 2 E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة   تفسير سورة البقرة - صفحة 2 Empty17/4/2011, 1:46 am

بعضه بعضا فَرَقا من الله وانتظار أمره, فأوحى الله جل وعزّ إلـى موسى: أنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْرَ فضربه بها وفـيها سلطان الله الذي أعطاه, فـانْفَلَقَ فَكانَ كُلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـمِ أي كالـجبل علـى يبس من الأرض. يقول الله لـموسى: اضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقا فـي البَحْرِ يَبَسا لاَ تَـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى فلـما استقرّ له البحر علـى طريق قائمة يَبَسٍ سلك فـيه موسى ببنـي إسرائيـل, وأتبعه فرعون بجنوده.
762وحدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنـي مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن كعب القرظي, عن عبد الله بن شداد بن الهاد اللـيثـي, قال: حدثت أنه لـما دخـل بنو إسرائيـل البحر, فلـم يبق منهم أحد, أقبل فرعون وهو علـى حصان له من الـخيـل حتـى وقـف علـى شفـير البحر, وهو قائم علـى حاله, فهاب الـحصان أن ينفذه فعرض له جبريـل علـى فرس أنثى وَدِيق, فقرّبها منه فشمها الفحل, فلـما شمها قدّمها, فتقدم معها الـحصان علـيه فرعون, فلـما رأى جند فرعون فرعونَ قد دخـل دخـلوا معه وجبريـل أمامه, وهم يتبعون فرعون وميكائيـل علـى فرس من خـلف القوم يسوقهم, يقول: الـحقوا بصاحبكم. حتـى إذا فصل جبريـل من البحر لـيس أمامه أحد, ووقـف ميكائيـل علـى ناحيته الأخرى ولـيس خـلفه أحد, طبق علـيهم البحر, ونادى فرعون حين رأى من سلطان الله عزّ وجلّ وقدرته ما رأى وعرف ذلته وخذلته نفسه: آمَنْتُ أنّهُ لاَ إلَهَ إِلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيـلَ وأنا مِنَ الـمُسْلِـمِينَ.
640ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن أبـي إسحاق الهمدانـي, عن عمرو بن ميـمون الأودي فـي قوله: وَإذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البَحْرَ فَأنْـجَيْنَاكُمْ وأغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وأنْتُـمْ تَنْظُرُونَ قال: لـما خرج موسى ببنـي إسرائيـل بلغ ذلك فرعون, فقال: لا تتبعوهم حتـى يصيح الديك. قال: فوالله ما صاح لـيـلتئذ ديك حتـى أصبحوا فدعا بشاة فذبحت, ثم قال: لا أفرغ من كبدها حتـى يجتـمع إلـيّ ستـمائة ألف من القبط. فلـم يفرغ من كبدها حتـى اجتـمع إلـيه ستـمائة ألف من القبط. ثم سار, فلـما أتـى موسى البحر, قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون: أين أمرك ربك يا موسى؟ قال: أمامك يشير إلـى البحر. فأقحم يوشك فرسه فـي البحر حتـى بلغ الغمر, فذهب به ثم رجع, فقال: أين أمرك ربك يا موسى؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت ففعل ذلك ثلاث مرات, ثم أوحى الله جل ثناؤه إلـى موسى: أنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْر فـانْفَلَقَ فَكانَ كُل فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـم يقول: مثل جبل. قال: ثم سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون فـي طريقهم, حتـى إذا تتاموا فـيه أطبقه الله علـيهم, فلذلك قال: وأغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وأنْتُـمْ تَنْظُرُونَ قال معمر: قال قتادة: كان مع موسى ستـمائة ألف, وأتبعه فرعون علـى ألف ألف ومائة ألف حصان.
641ـ وحدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار الرمادي, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعيد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: أوحى الله جل وعز إلـى موسى أنْ أسْرِ بعِبـادِي لَـيْلاً إنّكُمْ مُتّبَعُونَ قال: فسرى موسى ببنـي إسرائيـل لـيلاً, فأتبعهم فرعون فـي ألف ألف حصان سوى الإناث وكان موسى فـي ستـمائة ألف, فلـما عاينهم فرعون قال: إنّ هؤلاءِ لِشَرْذِمَةٌ قَلِـيـلُونَ وإنّهُمْ لَنا لَغَائِظُونَ وإنّا لَـجَمِيعٌ حَذِرُونَ. فسرى موسى ببنـي إسرائيـل حتـى هجموا علـى البحر, فـالتفتوا فإذا هم برَهْج دوابّ فرعون فقالوا: يا موسى أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أنْ تأتِـيَنَا ومِن بعدِ ما جِئْتَنا هذا البحر أمامنا, وهذا فرعون قد رهقنا بـمن معه. قال عَسَى رَبّكُمْ أنْ يُهْلِكَ عَدُوّكُمْ وَيَسْتَـخْـلِفَكم فِـي الأرْضِ فَـيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. قال: فأوحى الله جل ثناؤه إلـى موسى أنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البحر وأوحى إلـى البحر: أن اسمع لـموسى وأطع إذا ضربك. قال: فبـات البحر له أفكل يعنـي له رعدة لا يدرى من أيّ جوانبه يضربه, قال: فقال يوشع لـموسى: بـماذا أمرت؟ قال: أمرت أن أضرب البحر. قال: فـاضربه قال: فضرب موسى البحر بعصاه, فـانفلق, فكان فـيه اثنا عشر طريقا, كل طريق كالطود العظيـم, فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فـيه. فلـما أخذوا فـي الطريق, قال بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى أصحابنا؟ قالوا لـموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا فإنهم علـى طريق مثل طريقكم. قالوا: لا نرضى حتـى نراهم قال سفـيان, قال عمار الدهنـي: قال موسى: اللهمّ أعنـي علـى أخلاقهم السيئة. قال: فأوحى الله إلـيه: أن قل بعصاك هكذا وأومأ إبراهيـم بـيده يديرها علـى البحر قال موسى بعصاه علـى الـحيطان هكذا, فصار فـيها كُوًى ينظر بعضهم إلـى بعض, قال سفـيان: قال أبو سعيد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: فساروا حتـى خرجوا من البحر, فلـما جاز آخر قوم موسى هجم فرعون علـى البحر هو وأصحابه, وكان فرعون علـى فرس أدهم ذَنُوب حصان. فلـما هجم علـى البحر هاب الـحصان أن يقتـحم فـي البحر, فتـمثل له جبريـل علـى فرس أنثى وَدِيق. فلـما رآها الـحصان تقحّم خـلفها, وقـيـل لـموسى: اترك البحر رَهْوا قال: طرقا علـى حاله قال: ودخـل فرعون وقومه فـي البحر, فلـما دخـل آخر قوم فرعون وجاز آخر قوم موسى أطبق البحر علـى فرعون وقومه فأغرقوا.
642ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط بن نصر, عن السدي: أن الله أمر موسى أن يخرج ببنـي إسرائيـل, فقال: أسْرِ بِعِبَـادِي لَـيْلاً إنّكُمْ مُتَبّعُونَ فخرج موسى وهارون فـي قومهما, وأُلقـي علـى القبط الـموت فمات كل بكر رجل. فأصبحوا يدفنونهم, فشغلوا عن طلبهم حتـى طلعت الشمس, فذلك حين يقول الله جل ثناؤه: فأتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِـينَ فكان موسى علـى ساقة بنـي إسرائيـل, وكان هارون أمامهم يقدُمُهم. فقال الـمؤمن لـموسى: يا نبـيّ الله, أين أمرت؟ قال: البحر. فأراد أن يقتـحم, فمنعه موسى. وخرج موسى فـي ستـمائة ألف وعشرين ألف مقاتل, لا يعدّون ابنَ العشرين لصغره ولا ابن الستـين لكبره, وإنـما عدوّا ما بـين ذلك سوى الذرية. وتبعهم فرعون وعلـى مقدمته هامان فـي ألف ألف وسبعمائة ألف حصان لـيس فـيها ما ذبـانه, يعنـي الأنثى وذلك حين يقول الله جل ثناؤه: فأرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِـيـلُونَ يعنـي بنـي إسرائيـل. فتقدم هارون, فضرب البحر, فأبى البحر أن ينفتـح, وقال: من هذا الـجبـار الذي يضربنـي؟ حتـى أتاه موسى, فكناه أبـا خالد وضربه فـانفلق فكانَ كلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـم يقول: كالـجبل العظيـم. فدخـلت بنو إسرائيـل. وكان فـي البحر اثنا عشر طريقا, فـي كل طريق سبط, وكانت الطرق انفلقت بجدران, فقال كل سبط: قد قتل أصحابنا: فلـما رأى ذلك موسى, دعا الله, فجعلها لهم قناطر كهيئة الطّيقان. فنظر آخرهم إلـى أولهم, حتـى خرجوا جميعا. ثم دنا فرعون وأصحابه, فلـما نظر فرعون إلـى البحر منفلقا, قال: ألا ترون البحر فرق منـي قد انفتـح لـي حتـى أدرك أعدائي فأقتلهم؟ فذلك حين يقول الله جل ثناؤه: وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخرِينَ يقول: قرّبنا ثم الاَخرين يعنـي آل فرعون. فلـما قام فرعون علـى أفواه الطرق أبت خيـله أن تقتـحم, فنزل جبريـل علـى ماذبـانه, فشامّ الـحصان ريح الـماذبـانه, فـاقتـحم فـي أثرها, حتـى إذا همّ أولهم أن يخرج ودخـل آخرهم, أمر البحر أن يأخذهم, فـالتطم علـيهم.
643ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: لـما أخذ علـيهم فرعون الأرض إلـى البحر قال لهم فرعون: قولوا لهم يدخـلون البحر إن كانوا صادقـين. فلـما رآهم أصحاب موسى, قالوا: إنّا لَـمُدْرَكُونَ قال كَلاّ إنّ مَعِي رَبـي سَيَهْدِينِ فقال موسى للبحر: ألست تعلـم أنـي رسول الله؟ قال: بلـى. قال: وتعلـم أن هؤلاء عبـاد من عبـاد الله أمرنـي أن آتـي بهم؟ قال: بلـى. قال: أتعلـم أن هذا عدوّ الله؟ قال: بلـى. قال: فـانفرقْ لـي طريقا ولـمن معي. قال: يا موسى, إنـما أنا عبد مـملوك لـيس لـي أمر إلا أن يأمرنـي الله تعالـى. فأوحى الله عزّ وجل إلـى البحر: إذا ضربك موسى بعصاه فـانفرق, وأوحى إلـى موسى أن يضرب البحر, وقرأ قول الله تعالـى: فـاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقا فـي البَحْرِ يَبَسا لاَ تَـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى وقرأ قوله: وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا سَهَلاً لـيس فـيه تعدّ. فـانفرق اثنتـي عشرة فرقة, فسلك كل سبط فـي طريق. قال: فقالوا لفرعون: إنهم قد دخـلوا البحر. قال: ادخـلوا علـيهم, قال: وجبريـل فـي آخر بنـي إسرائيـل يقول لهم: لـيـلـحق آخركم أولكم. وفـي أول آل فرعون, يقول لهم: رويدا يـلـحق آخركم أولكم. فجعل كل سبط فـي البحر يقولون للسبط الذين دخـلوا قبلهم: قد هلكوا. فلـما دخـل ذلك قلوبهم, أوحى الله جلّ وعزّ إلـى البحر, فجعل لهم قناطر ينظر هؤلاء إلـى هؤلاء, حتـى إذا خرج آخر هؤلاء ودخـل آخر هؤلاء أمر الله البحر فأطبق علـى هؤلاء.
ويعنـي بقوله: وأنْتُـمْ تَنْظُرُونَ أي تنظرون إلـى فَرْقِ الله لكم البحر وإهلاكه آل فرعون فـي الـموضع الذي نـجاكم فـيه, وإلـى عظيـم سلطانه فـي الذي أراكم من طاعة البحر إياه من مصيره رُكاما فَلِقا كهيئة الأطواد الشامخة غير زائل عن حدّه, انقـيادا لأمر الله وإذعانا لطاعته, وهو سائل ذائب قبل ذلك. يوقـفهم بذلك جل ذكره علـى موضع حججه علـيهم, ويذكرهم آلاءه عند أوائلهم, ويحذرهم فـي تكذيبهم نبـينا مـحمدا صلى الله عليه وسلم أن يحلّ بهم ما حلّ بفرعون وآله فـي تكذيبهم موسى صلى الله عليه وسلم.
وقد زعم بعض أهل العربـية أن معنى قوله: وأنْتُـمْ تَنْظُرُونَ كمعنى قول القائل: «ضُربت وأهلك ينظرون, فما أتوك ولا أعانوك» بـمعنى: وهم قريب بـمرأى ومسمع, وكقول الله تعالـى: ألَـمْ تَرَ إلـى رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ ولـيس هناك رؤية, إنـما هو علـم. والذي دعاه إلـى هذا التأويـل أنه وجه قوله: وأنْتُـمْ تَنْظُرُونَ: أي وأنتـم تنظرون إلـى غرق فرعون. فقال: قد كانوا فـي شغل من أن ينظروا مـما اكتنفهم من البحر إلـى فرعون وغرقه. ولـيس التأويـل الذي تأوله تأويـل الكلام, إنـما التأويـل: وأنتـم تنظرون إلـى فرق الله البحر لكم علـى ما قد وصفنا آنفـا, والتطام أمواج البحر بآل فرعون فـي الـموضع الذي صير لكم فـي البحر طريقا يبسا, وذلك كان لا شك نظر عيان لا نظر علـم كما ظنه قائل هذا القول الذي حكينا قوله.

نهاية تفسير الإمام الطبرى
لسورة البقرة حتى الآية 50
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
 
تفسير سورة البقرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» سورة البقرة
» تفسير سورة يس
» تفسير سورة طه
» تفسير سورة نوح
» تفسير سورة ص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شباب ستار :: عالــــــــ الدين الاسلامي ـــــــم :: القرأن الكريم-
انتقل الى: