شباب ستار
تفسير سورة الاعراف 749093772
شباب ستار
تفسير سورة الاعراف 749093772
شباب ستار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شباب ستار

شباب ستار| اغاني | العاب | مسلسلات | مهرجنات| لوبات| برامج دجي | فلاتر| بروجكتات|افلام عربي-افلام اجنبي-افلام هندي-اغاني عربي-اغاني-اجنبي-برامج كاملة-العاب-نغمات-سيمزات-خلفيات-شات-رسائل-مطبخ حواء-gemes-movies-photo-flash-اكوادcss-اكوادthml-تقنيات
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
أهلا بك من جديد يا زائر آخر زيارة لك كانت في 1/1/1970
آخر عضو مسجل Mo فمرحبا به


هذه الرسالة تفيد أنك غير مسجل .

و يسعدنا كثيرا انضمامك لنا ...

للتسجيل اضغط هـنـا


 

 تفسير سورة الاعراف

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 5:35 pm



سورة الأعراف


سورة
الأعراف مكية



وآياتها
ست وَمائتان



القول في تفسير
السورة التي يذكر فيها الأعراف



بسم الله الرحمن
الرحيم



الآية : 1


القول في تأويل قوله
تعالى: {الَمَصَ }.



قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قول
الله تعالى: المص فقال بعضهم: معناه: أنا الله أفضل. ذكر من قال ذلك:



11199ـ حدثنا سفيان, قال: حدثنا أبي, عن شريك,
عن عطاء بن السائب, عن أبي الضحى, عن ابن عباس: المص: أنا الله أفضل.



11200ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا القاسم بن
سلام, قال: حدثنا عمار بن محمد, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, في قوله:
المص: أنا الله أفضل.



وقال آخرون: هو هجاء حروف اسم الله تعالى الذي
هو المصوّر. ذكر من قال ذلك:



11201ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: المص قال: هي هجاء المصوّر.



وقال آخرون: هي اسم من أسماء الله أقسم ربنا
به. ذكر من قال ذلك:



11202ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: المص قسم أقسمه
الله, وهو من أسماء الله.



وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن. ذكر من
قال ذلك:



11203ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: المص قال: اسم من أسماء القرآن.



حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق,
قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, مثله.



وقال آخرون: هي حروف هجاء مقطعة.


وقال آخرون: هي من حساب الجمّل.


وقال آخرون: هي حروف تحوي معاني كثيرة دلّ بها
الله خلقه على مراده من ذلك.



وقال آخرون: هي حروف اسم الله الأعظم.


وقد ذكرنا كل ذلك بالرواية فيه, وتعليل كلّ
فريق قال فيه قولاً. وأما الصواب من القول عندنا في ذلك بشواهده وأدلته فيما مضى
بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.



الآية : 2


القول في تأويل قوله
تعالى: {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ
يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ }.



قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره هذا القرآن يا
محمد في كتاب أنزله الله إليك. ورفع «الكتاب» بتأويل: هذا كتاب.



القول في تأويل قوله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي
صَدْرِكَ حَرَجٌ منه. يقول جل ثناؤه لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم: فلا يضق صدرك يا محمد من الإنذار به من أرسلتك لإنذاره
به, وإبلاغه من أمرتك بابلاغه إياه, ولا تشكّ في أنه من عندي, واصبر بالمضي لأمر
الله واتباع طاعته فيما كلفك وحَمّلك من عبء أثقال النبوة, كما صبر أولو العزم من
الرسل, فإن الله معك. والحرج: هو الضيق في كلام العرب, وقد بينا معنى ذلك بشواهده
وأدلته في قوله: ضَيّقا حَرَجا بما أغنى عن إعادته. وقال أهل التأويل في ذلك, ما:



11204ـ حدثني به محمد بن سعد, قال: ثني أبي,
قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: فَلا يَكُنْ فِي
صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ قال: لا تكن في شك منه.



11205ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: فَلا يَكُنِ فِي
صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ قال: شكّ.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.



11206ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد
بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ: شكّ
منه.



حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال:
حدثنا سعيد, عن قتادة مثله.



11207ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السّديّ: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ
قال: أما الحرج: فشكّ.



حدثنا الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد المدني, قال: سمعت مجاهدا, في قوله: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ
حَرَجٌ مِنْهُ قال: شكّ من القرآن.



قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكرته من التأويل عن
أهل التأويل هو معنى ما قلنا في الحرج لأن الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به
وقلة الإتساع لتوجيهه وجْهته التي هي وجهته الصحيحة. وإنما اخترنا العبارة عنه
بمعنى الضيق, لأن ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب, كما قد بيناه قبل.



القول في تأويل قوله تعالى: لِتُنْذِرَ بِهِ
وَذِكْرَى للْمُؤمِنِينَ.



يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتاب أنزلناه إليك
يا محمد لتنذر به من أمرتك بإنذاره, وذِكْرى للمُؤْمِنِينَ وهو من المؤخّر الذي
معناه التقديم, ومعناه: كتاب أنزل ليك لتنذر به, وذكرى للمؤمنين, فلا يكن في صدرك
حرج منه. وإذا كان معناه كان موضع قوله: وَذِكْرَى نصبا بمعنى: أنزلنا إليك هذا
الكتاب لتنذر به, وتذكّر به المؤمنين. ولو قيل: معنى ذلك: هذا كتاب أنزل إليك فلا
يكن في صدرك حرج منه أن تنذر به وتذكّر به المؤمنين, كان قولاً غير مدفوعة صحته.
وإذا وجه معنى الكلام إلى هذا الوجه كان في قوله: وَذِكْرَى من الإعراب وجهان:
أحدهما النصب بالردّ على موضع لتنذر به, والاَخر الرفع عطفا على الكتاب, كأنه قيل:
المص كتاب أنزل إليك وذكرى للمؤمنين.



الآية : 3


القول في تأويل قوله
تعالى: {اتّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ
إِلَيْكُمْ مّن رّبّكُمْ وَلاَ تَتّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مّا
تَذَكّرُونَ }.



يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام: اتبعوا أيها
الناس ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى, واعملوا بما أمركم به ربكم, ولاَ
تَتّبِعُوا شيئا مِنْ دُونهِ يعني: شيئا غير ما أَنزل إليكم ربكم, يقول: لا تتبعوا
أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان, فإنهم يضلونكم ولا
يهدونكم.



فإن قال قائل: وكيف قلت: معنى الكلام قل
اتبعوا, وليس في الكلام موجودا ذكر القول؟ قيل: إنه وإن لم يكن مذكورا صريحا, فإن
في الكلام دلالة عليه, وذلك قوله: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ
لِتُنْذِرَ بِهِ, ففي قوله: «لِتُنْذِرَ بِهِ» الأمر بالإنذار, وفي الأمر بالإنذار
الأمر بالقول لأن الإنذار قول. فكان معنى الكلام: أنذر القوم وقل لهم: اتبعوا ما
أُنزل إليكم, كان غير مدفوع. وقد كان بعض أهل العربية يقول قوله: اتّبِعُوا خطاب
النبيّ صلى الله عليه وسلم, ومعناه: كتاب أُنزل إليك, فلا يكن في صدرك حرج منه,
اتبع ما أنزل إليك من ربك. ويرى أن ذلك نظير قول الله: يا أيّها النّبِيّ إذَا
طَلّقْتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ إذ ابتدأ خطاب النبيّ صلى الله
عليه وسلم, ثم جعل الفعل للجميع, إذ كان أمْرُ الله نبيه بأمر أمرا منه لجميع
أمته, كما يقال للرجل يفرد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته
وقبيلته: أما تتقون الله؟ أما تستحيون من الله؟ ونحو ذلك من الكلام. وذلك وإن كان
وجها غير مدفوع, فالقول الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام لدلالة الظاهر الذي وصفنا
عليه.



وقوله: قَليلاً ما تَذَكّرُونَ يقول: قليلاً ما
تتعظون وتعتبرون, فتراجعون الحق.



الآية : 4


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَكَم مّن قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ }.



يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه
وسلم: حذّر هؤلاء العابدين غيري والعادلين بي الاَلهة والأوثان سخطي, لأَحلّ بهم
عقوبتي فأهلكهم كما أهلكتُ من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم, فكثيرا ما أهلكت قبلهم
من أهل قرًى عصوني وكذّبوا رسلي وعبدوا غيري. فجاءَها بأْسُنا بَياتا يقول:
فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلاً قبل أن يصبحوا, أوجاءتهم قائلين, يعني نهارا في وقت
القائلة. وقيل: «وكم» لأن المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب
الأمم السالفة من المثلاث بتكذيبهم رسله وخلافهم عليه, وكذلك تفعل العرب إذا
أرادوا الخبر عن كثرة العدد, كما قال الفرزدق:



كَمْ عَمّةٍ لَكَ يا جَرِيرُ وخالَةٍفَدْعاءَ
قدْ حَلَبَتْ عَليّ عِشارِي



فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره إنما أخبر
أنه أهلك قرى, فما في خبره عن إهلاكه القرى من الدليل على إهلاكه أهلها؟ قيل: إن
القرى لا تسمى قرى ولا القرية قرية إلا وفيها مساكن لأهلها وسكان منهم, ففي
إهلاكها من فيها من أهلها. وقد كان بعض أهل العربية يرى أن الكلام خرج مخرج الخبر
عن القرية, والمراد به أهلها. والذي قلنا في ذلك أولى بالحقّ لموافقته ظاهر
التنزيل المتلوّ.



فإن قال قائل: وكيف قيل: وكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ
أهْلَكْناها فَجاءَها بأْسُنا بَيَاتا أوْ هُمْ قائِلُونَ وهل هلكت قرية إلا بمجيء
بأس الله وحلول نقمته وسخطه بها؟ فكيف قيل «أهلكناها فجاءها» وإن كان مجيء بأس
الله إياها بعد هلاكها؟ فما وجه مجيء ذلك قوما قد هلكوا وبادوا ولا يشعرون بما
ينزل بهم ولا بمساكنهم؟ قيل: إن لذلك من التأويل وجهين كلاهما صحيح واضح منهجه:
أحدهما أن يكون معناه: وكم من قرية أهلكناها بخذلاننا إياها عن اتباع ما أنزلنا
إليها من البينات والهدى واختيارها اتباع أمر أوليائها, المُغويها عن طاعة ربها,
فجاءها بأسنا إذ فعلت ذلك بياتا, أو هم قائلون. فيكون إهلاك الله إياها: خذلانه لها
عن طاعته, ويكون مجيء بأس الله إياهم جزاء لمعصيتهم ربهم بخذلانه إياهم. والاَخر
منهما: أن يكون الإهلاك هو البأس بعينه. فيكون في ذكر الإهلاك الدلالة على ذكر
مجيء البأس, وفي ذكر مجيء البأس الدلالة على ذكر الإهلاك. وإذا كان ذلك كذلك, كان
سواء عند العرب بُدىء بالإهلاك ثم عطف عليه بالبأس, أو بديء بالبأس ثم عطف عليه
بالإهلاك, وذلك كقولهم: زرتني فأكرمتني إذّ كانت الزيارة هي الكرامة, فسواء عندهم
قدّم الزيارة وأخّر الكرامة, أو قدّم الكرامة وأخّر الزيارة فقال: أكرمتني فزرتني.
وكان بعض أهل العربية يزعم أن في الكلام محذوفا, لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحا,
وأن معنى ذلك: وكم من قرية أهلكناها, فكان مجيء بأسنا إياها قبل إهلاكنا. وهذا قول
لا دلالة على صحته من ظاهر التنزيل ولا من خبر يجب التسليم له, وإذا خلا القول من
دلالة على صحته من بعض الوجوه التي يجب التسليم لها كان بيّنا فساده.



وقال آخر منهم أيضا: معنى الفاء في هذا الموضع
معنى الواو, وقال: تأويل الكلام: وكم من قرية أهلكناها وجاءها بأسنا بياتا. وهذا
قول لا معنى له, إذ كان للفاء عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام, فصرفها
إلى الأغلب من معناها عندهم ما وجد إلى ذلك سبيل أولى من صرفها إلى غيره.



فإن قال: كيف قيل: فجاءَها بأْسُنا بَياتا أوْ
هُمْ قائِلُون, وقد علمت أن الأغلب من شأن «أو» في الكلام اجتلاب الشكّ, وغير جائز
أن يكون في خبر الله شك؟ قيل: إن تأويل ذلك خلاف ما إليه ذهبتَ, وإنما معنى
الكلام: وكم من قرية أهلكناها فجاء بعضها بأسنا بياتا, وبعضها وهم قائلون. ولو جعل
مكان «أو» في هذا الموضع الواو لكان الكلام كالمحال, ولصار الأغلب من معنى الكلام:
إن القرية التي أهلكها الله جاءها بأسه بياتا, وفي وقت القائلة وذلك خبر عن البأس
أنه أهلك من قد هلك وأفنى من قد فني, وذلك من الكلام خُلْف ولكن الصحيح من الكلام
هو ما جاء به التزيل, إذ لم يفصل القرى التي جاءها البأس بياتا من القرى التي
جاءها ذلك قائلة, ولو فصلت لم يخبر عنها إلا بالواو. وقيل: «فجاءها بأسُنا» خبرا
عن القرية أن البأس أتاها, وأجرى الكلام على ما ابتدىء به في أوّل الاَية ولو قيل:
فجاءهم بأسنا بياتا لكان صحيحا فصيحا ردّا للكلام إلى معناه, إذ كان البأس إنما
قصد به سكان القرية دون بنيانها, وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس
بالخراب نحوٌ من الذي نال سكانها. وقد رجع في قوله: أوْ هُمْ قائِلُونَ إلى خصوص
الخبر عن سكانها دون مساكنها لما وصفنا من أن المقصود بالبأس كان السكان وإن كان
في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها. ولو قيل: «أو هي قائلة» كان صحيحا إذ كان
السامعون قد فهموا المراد من الكلام.



فإن قال قائل: أو ليس قوله: أوْ هُمْ قائِلُونَ
خبرا عن الوقت الذي أتاهم فيه بأس الله من النهار؟ قيل: بلى. فإن قال: أو ليس
المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدالّ على الوقت؟ قيل: إن ذلك وإن
كان كذلك, فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع استثقالاً للجمع بين حرفي عطف, إذ
كان «أو» عندهم من حروف العطف, وكذلك الواو, فيقولون: لقيتني مملقا أو أنا مسافر,
بمعنى: أو وأنا مسافر, فيحذفون الواو وهم مريدوها في الكلام لما وصفت.



الآية : 5


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ
جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاّ أَن قَالُوَاْ إِنّا كُنّا ظَالِمِينَ }.



يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية
التي أهلكناها إذ جاءهم بأسنا وسطوتنا بياتا أو هم قائلون, إلا اعترافهم على
أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين وبربهم آثمين ولأمره ونهيه مخالفين. وعنى
بقوله جلّ ثناؤه: دَعْواهُمْ في هذا الموضع دعاءهم. وللدعوى في كلام العرب وجهان:
أحدهما الدعاء والاَخر الادّعاء للحقّ. ومن الدعوى التي معناها الدعاء قول الله
تبارك وتعالى: فَمَا زَالَتْ تِلكَ دَعْوَاهُمْ ومنه قول الشاعر:



وَإنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ
أَشْتَفيبدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِها فَيَهُونُ



وقد بيّنا فيما مضى قبل أن البأس والبأساء:
الشدّة, بشواهد ذلك الدالة على صحته, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وفي هذه
الاَية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم من قوله: «ما هَلَكَ قَوْمٌ حتى يُعْذِرُوا مِنْ أنْفُسِهِمْ». وقد تأوّل ذلك
كذلك بعضهم.



11208ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن
أبي سنان, عن عبد الملك بن ميسرة الزرّاد, قال: قال عبد الله بن مسعود, قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «ما هَلَكَ قَوْمٌ حتى يُعْذِرُوا مِنْ أنْفُسِهِمْ»
قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الاَية: فَمَا كانَ دَعْوَاهُمْ
إذْ جاءَهُمْ بأسُنا... الاَية



فإن قال قائل: وكيف قيل: فَمَا كانَ
دَعْوَاهُمْ إذْ جاءَهُمْ بأْسُنا إلاّ أنْ قالُوا إنّا كُنّا ظالِمِينَ وكيف
أمكنتهم الدعوى بذلك وقد جاءهم بأس الله بالهلاك, أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن
كانوا قالوه قبل الهلاك, فإنهم قالوا قبل مجيء البأس, والله يخبر عنهم أنهم قالوه
حين جاءهم لا قبل ذلك, أو قالوه بعد ما جاءهم فتلك حالة قد هلكوا فيها, فكيف يجوز
وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس الله وحقيقة ما كانت الرسل تعدهم من سطوة الله؟
قيل: ليس كل الأمم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوّله وآخره مهل,
[/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 5:37 pm

, بل كان منهم من غرق بالطوفان, فكان بين أوّل ظهور السبب الذي
علموا أنهم به هالكون وبين آخره الذي عمّ جميعهم هلاكه المدّة التي لا خفاء بها
على ذي عقل ومنهم من متع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أياما ثلاثة, كقوم
صالح وأشباههم, فحينئذٍ لما عاينوا أوائل بأس الله الذي كانت رسل الله تتوعدهم به
وأيقنوا حقيقة نزول سطوة الله بهم, دعوا: يا وَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِين فَلَمْ
يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمانُهُمْ مع مجيء وعيد الله وحلول نقمته بساحتهم, فحذّر ربنا
جلّ ثناؤه الذين أرسل إليهم نبيه صلى الله عليه وسلم من سطوته وعقابه على كفرهم به
وتكذيبهم رسوله, ما حلّ بمن كان قبلهم من الأمم, إذ عصوا رسله واتبعوا أمر كلّ
جبار عنيد.



الآية : 6


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ
أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنّ الْمُرْسَلِينَ }.



يقول تعالى ذكره: لنسألنّ الأمم الذين أرسلت
إليهم رسلي ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي, هل عملوا بما
أمرتهم به وانتهوا عما نهيتهم عنه وأطاعوا أمري, أم عصوني, فخالفوا ذلك؟
وَلَنَسْأَلَنّ المُرْسَلِينَ يقول: ولنسألنّ الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم, هل
بلغتهم رسالاتي وأدّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليه, أم قصّروا في ذلك ففرّطوا ولم
يبلغوهم؟.



وكذلك كان أهل التأويل يتأوّلونه. ذكر من قال
ذلك:



11209ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: فَلَنَسْأَلَنّ
الّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسأَلَنّ المُرْسَلِينَ قال: يسأل الله الناس
عما أجابوا المرسلين, ويسأل المرسلين عما بلغوا.






11210ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فَلَنْسأَلَنَ الّذِينَ أُرْسِلَ
إلَيْهِمْ... إلى قوله: غائِبِينَ قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا
يعملون.



11211ـ حدثني محمد بن الحسين, قلا: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ ارْسِلَ
إلَيْهِمْ وَلَنَسْألَنّ المُرْسَلِينَ يقول فلنسألن الأمم ما عملوا فيما جاءت به
الرسل, ولنسألنّ الرسل هل بّلغوا ما أرسلوا به.



11212ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد المدني, قال: قال مجاهد: فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْسِلَ
إلَيْهِمْ الأمم, ولنسألنّ الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه, هل بّلغوا.



الآية : 7


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَلَنَقُصّنّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ
وَمَا كُنّا غَآئِبِينَ }.



يقول تعالى ذكره: فلنخبرنّ الرسل ومن أرسلتهم
إليه بيقين علم بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به, وما كنت نهيتهم عنه, وما
كنا غائبين عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها.



فإن قال قائل: وكيف يسأل الرسل والمرسل إليهم,
وهو يخبر أنه يقصّ عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟ قيل: إن ذلك منه تعالى
ذكره ليس بمسألة استرشاد ولا مسألة تعرّف منهم ما هو به غير عالم, وإنما هو مسألة
توبيخ وتقرير معناها الخبر, كما يقول الرجل للرجل: ألم أحسن إليك فأسأت؟ وألم أصلك
فقطعت؟ فكذلك مسألة الله المرسل إليهم بأن يقول لهم: ألم يأتكم رسلي بالبينات؟ ألم
أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري؟ كما
أُبر جلّ ثناؤه أنه قائل لهم يومئذٍ: ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ ألاّ
تَعْبُدُوا الشّيْطانَ إنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ وأنِ اعْبُدونِي هَذَا صِرَاطٌ
مُسْتَقِيمٌ ونحو ذلك من القول الذي ظاهره مسألة, ومعناه الخبر والقصص وهو بعد
توبيخ وتقرير. وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر, فإن الأمم المشركة لما سئلت في
القيامة قيل لها: ألَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُم يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ
رَبّكُمْ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا: ما جاءنامن بشير ولا نذير, فقيل للرسل: هل
بلّغتم ما أُرْسلتم به؟ أو قيل لهم: ألم تبّلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟ كما جاء
الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكما قال جلّ ثناؤه لأمة نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم: وكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على
النّاسِ ويَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا فكل ذلك من الله مسألة للرسل على
وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم وللمرسل إليهم على وجه التقرير
والتوبيخ, وكلّ ذلك بمعنى القصص والخبر. فأما الذي هو عن الله منفىّ من مسألته
خلقه, فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه
المسئول, ليعلم السائل علم ذلك من قبله. فذلك غير جائز أن يوصف الله به لأنه
العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها, وهي المسألة التي نفاها جلّ
ثناؤه عن نفسه بقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ,
وبقوله: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ المُجْرِمُونَ يعني: لا يسأل عن ذلك أحدا
منهم علم مستثبت, ليعلم علم ذلك من قبل من سأل منه, لأنه العالم بذلك كله وبكلّ
شيء غيره. وقد ذكرنا ما رُوي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع, فكرهنا
إعادته. وقد رُوِي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله: فَلَنقُصّنّ عَلَيْهِمْ
بِعِلْمٍ أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم. هذا قول غير بعيد من الحقّ, غير
أن الصحيح من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما مِنْكُمْ مِنْ
أحَدٍ إلاّ سَيُكَلّمُهُ رَبّهُ يَوْمَ القِيامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ
تَرْجُمانٌ, فَيَقُولُ لَهُ: أتَذْكُرُ يَوْمَ فَعَلْتَ كَذَا وَفَعَلْتَ كَذَا؟
حتى يُذَكّرَهُ ما فَعَلَ فِي الدّنْيا». والتسليم لخبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم أولى من التسليم لغيره.



الآية : 8


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقّ
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.



الوزن: مصدر من قول القائل: وَزَنْت كذا وكذا,
أَزِنُه وَزْنا وزَنةً, مثل: وَعَدْته أَعِدُه وَعْدا وعِدَةً, وهو مرفوع بالحقّ,
والحقّ به. ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الذين أُرسل إليهم والمرسلين, الحقّ.
ويعني بالحقّ: العدل. وكان مجاهد يقول: الوزن في هذا الموضع: القضاء.



11213ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة,
قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: والوزن يومئذٍ: القضاء.



وكان يقول أيضا: معنى الحقّ ههنا: العدل. ذكر
الرواية بذلك:



11214ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش,
عن مجاهد: والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَق قال العدل.



وقال آخرون: معنى قوله: والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ
الحَقّ وزن الأعمال. ذكر من قال ذلك:



11215ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ توزن
الأعمال.



11216ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَالوَزْنُ
يَوْمَئِذٍ الحَقّ قال: قال عبيد بن عمير: يؤتي بالرجل العظيم الطويل الأكول
الشروب, فلا يزن جناح بعوضة.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ قال: قال
عبيد بن عمير: يؤتي بالرجل الطويل العظيم, فلا يزن جناح بعوضة.



11217ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا يوسف بن صهيب, عن موسى, عن بلال بن يحيى, عن حذيفة, قال: صاحب الموازين
يوم القيامة جبريل عليه السلام, قال: يا جبريل زن بينهم, فرُدّ على المظلوم, وإن
لم يكن له حسنات حُمِل عليه من سيئات صاحبه فيرجع الرجل عليه مثل الجبال, فذلك
قوله: والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ.



واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فَمَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فقال بعضهم: معناه: فمن كثرت حسناته. ذكر من قال ذلك:



11218ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن
الأعمش, عن مجاهد: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ قال: حسناته.



وقال آخرون: معنى ذلك: فمن ثقلت موازينه التي
توزن بها حسناته وسيئاته, قالوا: وذلك هو الميزان الذي يعرفه الناس, له لسان
وكفتان. ذكر من قال ذلك:



11219ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, قال: قال ابن جريج: قال لي عمرو بن دينار: قوله: والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ
الحَقّ قال: إنا نرى ميزانا وكفتين, سمعت عبيد بن عمير يقول: يجعل الرجل العظيم
الطويل في الميزان, ثم لا يقوم بجناح ذباب.



قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي
القول الذي ذكرناه عن عمرو بن دينار من أن ذلك: هو الميزان المعروف الذي يوزن به,
وأن الله جلّ ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسيئات, كما قال جلّ ثناؤه:
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ موازين عمله الصالح, فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ
يقول: فأولئك هم الذين ظفروا بالنجاح وأدركوا الفوز بالطلبات, والخلود والبقاء في
الجنات, لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلمبقوله: «ما وُضِعَ فِي
المِيزَانِ شَيْءٌ أثْقَلَ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ», ونحو ذلك من الأخبار التي تحقق
أن ذلك ميزان يوزن به الأعمال على ما وصفت. فإن أنكر ذلك جاهل بتوجيه معنى خبر
الله عن الميزان وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عن وجهته, وقال: وكيف توزن
الأعمال, والأعمال ليست بأجسام توصف بالثقل والخفة, وإنما توزن الأشياء ليعرف
ثقلها من خفتها وكثرتها من قلتها, وذلك لا يجوز إلا على الأشياء التي توصف بالثقل
والخفة والكثرة والقلة؟ اقيل له في قوله: «وما وجه وزن الله الأعمال وهو العالم
بمقاديرها قبل كونها»: وَزْن ذلك نظير إثباته إياه في أمّ الكتاب, واستنساخه ذلك
في الكتاب من غير حاجة به إليه ومن غير خوف من نسيانه, وهو العالم بكل ذلك في كل
حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده, بل ليكون ذلك حجة على خلقه, كما قال جلّ ثناؤه في
تنزيله: كُلّ أُمّةٍ تُدْعَى إلى كِتابِها اليَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كَنْتُمْ
تَعْمَلُونَ هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بالحَقّ... الاَية, فكذلك وزنه
تعالى أعمال خلقه بالميزان حجة عليهم ولهم, إما بالتقصير في طاعته والتضييع وإما
بالتكميل والتتميم. وأما وجه جواز ذلك, فإنه كما:



11220ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي,
قال: حدثنا جعفر بن عون, قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد الإفريقي, عن عبد الله بن
يزيد, عن عبد الله بن عمرو, قال: يؤتي بالرجل يوم القيامة إلى الميزن, فيوضع في
الكفة, فيخرج له تسعة وتسعون سِجِلاّ فيها خطاياه وذنوبه. قال: ثم يخرج له كتاب
مثل الأنملة, فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه
وسلم. قال: فتوضع في الكفة فترجح بخطاياه وذنوبه.



فكذلك وزن الله أعمال خلقه بأن يوضع العبد وكتب
حسناته في كفة من كفتي الميزان, وكتب سيئاته في الكفة الأخرى, ويحدث الله تبارك
وتعالى ثقلاً وخفة في الكفة التي الموزون بها أولى احتجاجا من الله بذلك على خلقه
كفعله بكثير منهم من استنطاق أيديهم وأرجلهم, استشهادا بذلك عليهم, وما أشبه ذلك
من حججه. ويسئل من أنكر ذلك, فيقال له: إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين
قوم في القيامة ويخفف موازين آخرين, وتظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بتحقيق ذلك, فما الذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الذي وصفنا
صفته الذي يتعارفه الناس؟ أحجة عقل؟ فقد يقال: وجه صحته من جهة العقل, وليس في
موزن الله جلّ ثناؤه خلقه وكتب أعمالهم, لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان خروج
من حكمة, ولا دخول في جور في قضية, فما الذي أحال ذلك عندك من حجة أو عقل أو خبر؟
إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين
اللذين ذكرت ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين
وضوح فساد قوله وصحة ما قاله أهل الحقّ في ذلك. وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار
في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته, إذ كان قصدنا في هذا الكتاب
البيان عن تأويل القرآن دون غيره, ولولا ذلك لقرنّا إلى ما ذكرنا نظائره, وفي الذي
ذكرنا من ذلك كفاية لمن وفّق لفهمه إن شاء الله.



الآية : 9


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُوْلَـَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا
يِظْلِمُونَ }.



يقول جلّ ثناؤه: ومن خفت موازين أعماله
الصالحة فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله والإيمان به وبرسوله واتباع أمره ونهيه,
فأولئك الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الله وكرامته بِمَا كانَوا
بآياتِنا يَظْلِمُونَ يقول: بما كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون, فلا يقرّون
بصحتها, ولا يوقنون بحقيقتها. كالذي:



11221ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن
الأعمش, عن مجاهد: وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ قال: حسناته.



وقيل: «فأولئك» و«مَنْ» في لفظ الواحد, لأن
معناه الجمع, ولو جاء موحدا كان صوابا فصيحا.



الآية : 10


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَلَقَدْ مَكّنّاكُمْ فِي الأرْضِ
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ }.



يقول
تعالى ذكره: ولقد وطّأنا لكم أيها الناس في الأرض, وجعلناها لكم قرارا تستقرّون
فيها, ومهادا تمتهدونها, وفراشا تفترشونها. وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ
تعيشون بها أيام حياتكم, من مطاعم ومشارب, نعمة مني عليكم وإحسانا مني إليكم.
قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ يقول: وأنتم قليل شكركم على هذه النعم التي أنعمتها عليكم
لعبادتكم غيري, واتخاذكم إلها سواي. والمعايش: جمع معيشة. واختلفت القرّاء في
قراءتها, فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: مَعايِشَ بغير همز, وقرأه عبد الرحمن
الأعرج: «مَعائِشَ» بالهمز.



والصواب من القراءة في ذلك عندنا: مَعايِشَ
بغير همز, لأنها مفاعل من قول القائل: عشت تعيش, فالميم فيها زائدة والياء في
الحكم متحرّكة, لأن واحدها مَفْعَلَة مَعْيَشَة متحركة الياء, نُقلت حركة الياء
منها إلى العين في واحدها فلما جمعت ردّت حركتها إليها لسكون ما قبلها وتحركها.
وكذلك تفعل العرب بالياء والواو إذا سكن ما قبلهما وتحركتا في نظائر ما وصفنا من
الجمع الذي يأتي على مثال مفاعل, وذلك مخالف لما جاء من الجمع على مثال فعائل التي
تكون الياء فيها زائدة ليست بأصل, فإن ما جاء من الجمع على هذا المثال فالعرب
تهمزه كقولهم: هذه مدائن وصحائف ونظائر, لأن مدائن جمع مدينة, والمدينة: فعيلة من
قولهم: مدنت المدينة, وكذلك صحائف جمع صحيفة, والصحيفة فعيلة من قولك: صحفت
الصحيفة, فالياء في واحدها زائدة ساكنة, فإذا جمعت همزت لخلافها في الجمع الياء
التي كانت في واحدها, وذلك أنها كانت في واحدها ساكنة, وهي في الجمع متحركة, ولو
جعلت مدينة مَفْعلة من دان يدين, وجمعت على مفاعل, كان الفصيح ترك الهمز فيها
وتحريك الياء. وربما همزت العرب جمع مفعلة في ذوات الياء والواو وإن كان الفصيح من
كلامها ترك الهمز فيها, إذا جاءت على مفاعل تشبيها منهم جمعها بجمع فعيلة, كما تشبه
مَفْعلاً بفَعِيل, فتقول: مَسِيل الماء, من سَال يسيل, ثم تجمعها جمع «فعيل»,
فتقول: هي أَمْسِلَة في الجمع تشبيها منهم لها بجمع بعير وهو فعيل, إذ تجمعه
أبْعِرة, وكذلك يجمع المصير وهو مَفْعل مُصْران, تشبيها له بمع بعير وهو فعيل, إذ
تجمعه بُعران, وعلى هذا همز الأعرج: مَعائِشَ, وذلك ليس بالفصيح في كلامها. وأولى
ما قرىء به كتاب الله من الألسن, أفصحها وأعرفها دون أنكرها وأشذّها.



الآية : 11


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمّ
صَوّرْنَاكُمْ ثُمّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ
إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مّنَ السّاجِدِينَ }.



اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم:
تأويل ذلك: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ في ظهر آدم أيها الناس, ثُمّ صَوّرْناكُمْ في
أرحام النساء خلقا مخلوقا ومثالاً ممثّلاً في صورة آدم. ذكر من قال ذلك:



11222ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وَلَقَدْ
خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ, قوله: خَلَقْناكُمْ يعني آدم, وأما صوّرناكم
فذرّيته.



حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني
عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ
صَوّرْناكُمْ... الاَية, قال: أما خلقناكم فآدم, وأما صوّرناكم: فذرّية آدم من
بعده.



11223ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن
أبي جعفر, عن الربيع: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ يعني: آدم, ثُمّ صَوّرْناكُمْ يعني:
في الأرحام.



حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا
عبد الرحمن بن سعد, قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس, في قوله:
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ يقول: خلقناكم خلق آدم, ثم صوّرناكم في
بطون أمهاتكم.



11224ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ
يقول: خلقنا آدم ثم صوّرنا الذرية في الأرحام.



11225ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن
زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال:
خلق الله آدم من طين, ثم صوّرناكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق, علقة ثم مضغة
ثم عظاما, ثم كسا العظام لحما, ثم أنشأناه خلقا آخر.



11226ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: خلق الله آدم ثم صوّر ذرّيته من بعده.



11227ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمر بن
هارون, عن نصر بن مشارس, عن الضحاك: خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: ذرّيته.



حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ
يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك, قوله: ولَقَدْ خَلَقْناكُمْ يعني آم,
ثُمّ صَوّرْناكُمْ, يعني: ذرّيته.



وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد خلقناكم في
أصلاب آبائكم ثم صوّرناكم في بطون أمهاتكم. ذكر من قال ذلك:



11228ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
شريك, عن سماك, عن عكرمة: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُم صَوّرْناكُمْ قال: خلقناكم في
أصلاب الرجال, وصوّرناكم في أرحام النساء.



حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا
شريك, عن سماك, عن عكرمة, مثله.



11229ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل,
قال: حدثنا سفيان, قال: سمعت الأعمش يقرأ: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ
صَوّرْناكُمْ قال: خلقناكم في أصلاب الرجال, ثم صوّرناكم في أرحام النساء.



وقال آخرون: بل معنى ذلك: خَلَقْناكُمْ يعني
آدم, ثُمّ صَوّرْناكُمْ يعني في ظهره. ذكر من قال ذلك:



11230ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَلَقَدْ
خَلَقْناكُمْ قال: آدم, ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: في ظهر آدم.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ
في ظهر آدم.



حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني
حجاج, عن ابن جريج عن مجاهد, قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال:
صورّناكم في ظهر آدم.



حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد المدني, قال: سمعت مجاهدا في قوله: ولقَد خَلَقْناكُمْ ثُمّ
صَوّرْناكُمْ قال: في ظهر آدم لما تصيرون إليه من الثواب في الاَخرة.



وقال آخرون: معنى ذلك: ولقد خلقناكم في بطون
أمهاتكم, ثم صورناكم فيها. ذكر من قال ذلك:



11231ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عمن ذكره, قال: خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ قال: خلق
الله الإنسان في الرحم, ثم صوّره فشقّ سمعه وبصره وأصابعه.



قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب قول من
قال: تأويله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ولقد خلقنا آدم, ثُمّ صَوّرْناكُمْ بتصويرنا
آدم, كما قد بيّنا فيما مضى من خطاب العرب الرجل بالأفعال تضيفها إليه, والمعنىّ
في ذلك سلفه, وكما قال جلّ ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم: وَإذْ أخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ
الطّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوّةٍ وما أشبه ذلك من الخطاب الموجّه إلى الحيّ
الموجود والمراد به السلف المعدوم, فكذلك ذلك في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ
صَوّرْناكُمْ معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم, ثم صوّرناه.



وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك
بالصواب, لأن الذي يتلو ذلك قوله: ثُمّ قُلْنا للمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لاَدَمَ
ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لاَدم قبل أن يصوّر ذرّيته
في بطون أمهاتهم, بل قبل أن يخلق أمهاتهم, و«ثم» في كلام العرب لا تأي إلا بإيذان
انقطاع ما بعدها عما قبلها, وذلك كقول القائل: قمت ثم قعدت, لا يكون القعود إذ عطف
به ب«ثم» على قوله: «قمت» إلا بعد القيام, وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف
في ذلك بالواو جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها, وذلك كقول القائل:
قمت وقعدت, فجائز أن يكون القعود في هذا الكلام قد كان قبل القيام, لأن الواو تدخل
في الكلام إذا كانت عطفا لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها من غير
دلالة منها بنفسها, على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين, أو إن كانا في
وقتين أيهما المتقدّم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إن قوله: ولَقَدْ
خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ لا يصحّ تأويله إلا على ما ذكرنا. فإن ظنّ ظانّ أن
العرب إذا كانت ربما نطقت ب«ثم» في موضع الواو في ضرورة شعر كما قال بعضهم:



سألْتُ رَبِيَعَةَ مَنْ خَيْرُهاأبا ثُمّ أمّا
فَقالَتْ لِمَهْ



بمعنى: أبا وأما, فإن ذلك جائز أن يكون نظيره,
فإن ذلك بخلاف ما ظنّ وذلك أن كتاب الله جلّ ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب, وغير
جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها وله في الأفصح الأشهر معنى مفهوم ووجه
معروف. وقد وجّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه
التقديم, وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم, ثم قلنا للملائكة: اسجدوا لاَدم, ثم
صوّرناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب, لأنها لا تدخل «ثم» في الكلام وهي مراد
بها التقديم على ما قبلها من الخبر, وإن كانوا قد يقدّمونها في الكلام, إذا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 5:41 pm

كان فيه دليل على أن
معناها التأخير, وذلك كقولهم: قام ثم عبد الله عمرو فأما إذا قيل: قام عبد الله ثم
قعد عمرو, فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله, إذا كان الخبر
صدقا, فقول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمّ صَوّرْناكُمْ ثُمّ
قُلْنا للْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا نظير قول القائل: قام عبد الله ثم قعد عمرو في أنه
غير جائز أن يكون أمر الله الملائكة بالسجود لاَدم كان إلا بعد الخلق والتصوير لما
وصفنا قبل. وأما قوله: للْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لاَدَمَ فإنه يقول جلّ ثناؤه: فلما
صوّرنا آدم وجعلناه خلقا سويّا, ونفخنا فيه من روحنا, قلنا للملائكة: اسجدوا
لاَدم, ابتلاءً منا واختبارا لهم بالأمر, ليعلم الطائع منهم من العاصي فَسَجَدُوا
يقول: فسجد الملائكة إلاّ إبْلِيسَ فإنه لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ لاَدم حين
أمره الله مع من أمر من سائر الملائكة غيره بالسجود. وقد بيّنا فيما مضى المعنى
الذي من أجله امتحن جلّ جلاله ملائكته بالسجود لاَدم, وأمر إبليس وقصصه, وبما أغنى
عن إعادته في هذا الموضع.



الآية : 12


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاّ
تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نّارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }.



وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لإبليس
إذ عصاه, فلم يسجد لاَدم إذ أمره بالسجود له, يقول: قالَ الله لإبليس: ما مَنَعَكَ
أيّ شيء منعك ألاّ تَسْجُدَ: أن تدع السجود لاَدم, إذْ أمَرْتُكَ أن تسجد. قالَ
أنا خَيْرٌ مِنْهُ يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم, خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.



فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس, ألحقته الملامة
على السجود أم على ترك السجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود, فكيف قيل
له: ما مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ إذْ أمرْتُكَ؟ وإن كان النكير على السجود, فذلك
خلاف ما جاء به التنزيل في سائر القرآن, وخلاف ما يعرفه المسلمون. قيل: إن الملامة
لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لاَدم إذ أمره بالسجود له, غير أن
في تأويل قوله: ما مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ بين أهل المعرفة بكلام
العرب اختلافا أبدأ بذكر ما قالوا, ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب فقال بعض
نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد, و«لا» ههنا زائدة, كما قال الشاعر:



أبَى جُودُه لا البُخْلَ واستَعْجَلَتْ
بِهِنَعَمْ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُودَ قَاتِلَهْ



وقال: فسرته العرب: أبي جودة البخل, وجعلوا
«لا» زائدة حشوا ههنا وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كانَ يجرّ
«البخل», ويجعل «لا» مضافة إليه, أراد: أبي جوده «لا» التي هي للبخل, ويجعل «لا»
مضافة, لأن «لا» قد تكون للجود والبخل, لأنه لو قال له: امنع الحقّ ولا تعط
المسكين, فقال «لا» كان هذا جودا منه.



وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه
عن البصريين في معناه وتأويله, غير أنه زعم أن العلة في دخول «لا» في قوله: أنْ لا
تَسْجُدَ أن في أوّل الكلام جحدا, يعني بذلك قوله: لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ
فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد الجحد, كالاستيثاق والتوكيد له قال:
وذلك كقولهم:



ما إنْ رأيْنا مِثْلَهُنّ لِمَعْشَرٍسُودِ
الرّءُوسِ فَوَالِجٌ وَفُيُولُ



فأعاد على الجحد الذي هو «ما» جحدا, وهو قوله
«إن» فجمعهما للتوكيد.



وقال آخر منهم: ليست «لا» بحشو في هذا الموضع,
ولا صلة, ولكن المنع ههنا بمعنى القول. إنما تأويل الكلام: من قال لك لا تسجد إذا
أمرتك بالسجود؟ ولكن دخل في الكلام «أنْ» إذا كان المنع بمعنى القول لا في لفظه,
كما يفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول, وهو له في اللفظ مخالف كقولهم:
ناديت أن لا تقم, وحلفت أن لا تجلس, وما أشبه ذلك من الكلام.



وقال بعض من روى: «أبي جوده لا البخل» بمعنى:
كلمة البخل, لأن «لا» هي كلمة البخل, فكأنه قال: كلمة البخل.



وقال بعضهم: معنى المنع: الحول بين المرء وما
يريده, قال: والممنوع مضطّر به إلى خلاف ما منع منه, كالممنوع من القيام وهو
يريده, فهو مضطّر من الفعل إلى ما كان خلافا للقيام, إذ كان المختار للفعل هو الذي
له السبيل إليه وإلى خلافه, فيؤثر أحدهما على الاَخر فيفعله قال: فلما كانت صفة
المنع ذلك, فخوطب إبليس بالمنع, فقيل له: ما مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ كان معناه:
كأنه قيل له: أيّ شيء اضطرّك إلى أن لا تسجد.



قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن
يقال: إن في الكلام محذوفا قد كفى دليل الظاهر منه, وهو أن معناه: ما منعك من
السجود فأحوجك أن لا تسجد؟ فترك ذكر أحوجك استغناء بمعرفة السامعين. قوله: إلاّ
إبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ أن ذلك معنى الكلام من ذكره, ثم عمل
قولهما مَنَعَكَ في أن ما كان عاملاً فيه قبل أحوجك لو ظهر إذ كان قد ناب عنه.



وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب لما قد
مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له, وأن
لكلّ كلمة معنى صحيحا, فتبين بذلك فساد قول من قال «لا» في الكلام حشو لا معنى
لها. وأما قول من قال: معنى المنع ههنا: القول, فلذلك دخلت «لا» مع «أن, فإن المنع
وإن كان قد يكون قولاً وفعلاً, فليس المعروف في الناس استعمال المنع في الأمر بترك
الشيء, لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادرا على فعله وتركه ففَعَله لا يقال فعله
وهو ممنوع من فعله إلا على استكراه للكلام وذلك أن المنع من الفعل حوّل بينه
وبينه, فغير جائز أن يكن وهو محُول بينه وبينه فاعلاً له, لأنه إن جاز ذلك وجب أن
يكون محولاً بينه وبينه لا محولاً وممنوعا لا ممنوعا وبعد, فإن إبليس لم يأتمر
لأمر الله تعالى بالسجود لاَدم كِبرا, فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله
وطاعته بترك السجود لاَدم, فيجوز أن يقال له: أيّ شيء قال لك لا تسجد لاَدم إذ
أمرتك بالسجود له؟ ولكن معناه إن شاء الله ما قلت: ما منعك من السجود له, فأحوجك,
أو فأخرجك, أو فاضطّرك إلى أن لا تسجد له على ما بيّنت.



وأما قوله: أنا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ
نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فإنه خبر من الله جلّ ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ
سأله: ما الذي منعه من السجود لاَدم, فأحوجه إلى أن لا يسجد له, واضطرّه إلى خلافه
أمره به وتركه طاعته أن المانع كان له من السجود والداعي له إلى خلافه أمر ربه في
ذلك أنه أشدّ منه أيدا وأقوى منه قوّة وأفضل منه فضلاً, لفضل الجنس الذي منه خلق
وهو النار, من الذي خلق منه آدم وهو الطين فجهل عدوّ الله وجه الحقّ, وأخطأ سبيل
الصواب, إذ كان معلوما أن من جوهر النار: الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوّا,
والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حمل الخبيثَ بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب
السابق على الاستكبار عن السجود لاَدم والاستخفاف بأمر ربه, فأورثه العطب والهلاك,
وكان معلوما أن من جوهر الطين: الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبت, وذلك الذي
في جوهره من ذلك كان الداعي لاَدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب
السابق إلى التوبة من خطيئته, ومسئلته ربه العفو عنه والمغفرة ولذلك كان الحسن
وابن سيرين يقولان: «أوّل من قاس إبليس», يعنيان بذلك: القياس الخطأ, وهو هذا الذي
ذكرنا من خطأ قوله وبُعده من إصابة الحقّ في الفضل الذي خصّ الله به آدم على سائر
خلقه من خلقه إياه بيده, ونفخه فيه من روحه, وإسجاده له الملائكة, وتعليمه أسماء
كلّ شيء مع سائر ما خصه به من كرامته فضرب عن ذلك كله الجاهل صفحا, وقصد إلى
الاحتجاج بأنه خلقه من نار وخلق آدم من طين, وهو في ذلك أيضا له غير كفء, لو لم
يكن لاَدم من الله جلّ ذكره تكرمة شيء غيره, فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر
تعداده ويُمِلّ إحصاؤه؟.



11232ـ حدثني عمرو بن مالك, قال: حدثنا يحيى بن
سليم الطائفي, عن هشام, عن ابن سيرين, قال: أوّل من قاس إبليس, وما عُبِدَتِ الشمس
والقمر إلا بالمقاييس.



11233ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
حدثنا محمد بن كثير, عن ابن شوذب, عن مطر الورّاق, عن الحسن, قوله: خَلَقْتَنِي
مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قال: قاس إبليس وهو أوّل من قاس.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11234ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن
سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس, قال: لما خلق
الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات:
اسجدوا لاَدم فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر, لما كان حدّث نفسه من كبره
واغتراره, فقال: لا أسجد له, وأنا خير منه, وأكبر سنّا, وأقوى خلقا, خلقتني من نار
وخلقته من طين. يقول: إن النار أقوى من الطين.



11235ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: خَلقْتَني منْ نارٍ قال: ثم جعل ذرّيته من
ماء.



قال أبو جعفر: وهذ الذي قاله عدوّ الله ليس لما
سأله عنه بجواب, وذلك أن الله تعالى ذكره قال له: ما منعك من السجود؟ فلم يجب بأن
الذي منعه من السجود: أنه خلقه من نار, وخلق آدم من طين, ولكنه ابتدأ خبرا عن
نفسه, فيه دليل على موضع الجواب, فقال: أنا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي منْ نارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.



الآية : 13


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا
يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ }.



يعني بذلك جلّ ثناؤه: قال الله لإبليس عند
ذلك: فاهْبِطْ مِنْها وقد بيّنا معنى الهبوط فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
فَمَا يَكُونُ لَكَ أنْ تَتَكَبّرَ فِيها يقول تعالى ذكره: فقال الله له: اهبط
منها يعني: من الجنة فما يكون لك, يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي
وأمري.



فإن قال قائل: هل لأحد أن يتكبر في الجنة؟ قيل:
إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ, وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة, فإنه لا يسكن
الجنة متكبر عن أمر الله, فأما غيرها فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله
والمستكين لطاعته.



وقوله: فاخْرُجْ إنّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ يقول:
فاخرج من الجنة إنك من الذين قد نالهم من الله الصغار والذلّ والمهانة, يقال منه:
صَغِرَ يَصْغَرا وصَغْرانا وقد قيل: صَغُر يَصْغُر صَغَارا وصَغَارَةً. وبنحو الذي
قلنا قال السديّ.



11236ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال:
حدثنا أسباط, عن السديّ: فاخْرُجْ إنّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ والصغار: هو الذلّ.



الآية :
14-15



القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ
يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنّكَ مِنَ
المُنظَرِينَ }.



وهذه أيضا جهلة أخرى من جهلاته الخبيثة, سأل
ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه وذلك أنه سأل النظِرَة إلى قيام
الساعة, وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق, ولو أعطي ما سأل من النظرة كان قد أعطي
الخلود وبقاءً لا فناءَ معه, وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جلّ ثناؤه له: إنّكَ
مِنَ المُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ وذلك إلى اليوم الذي قد كتب
الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء لأنه لا شيء يبقى فلا يفني غير ربنا الحيّ الذي
لا يموت, يقول الله تعالى ذكره: كُلّ نَفْس ذَائِقَةُ المَوْتِ. والإنظار في كلام
العرب: التأخير, يقال منه: أنْظَرتُه بحقي عليه, أُنْظِرُه به إنْظارا.



فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله
الإنظار إلى يوم يُبعثون: إنّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ في هذا الموضع, فقد أجابه إلى
ما سأل؟ قيل له: ليس الأمر كذلك, وإنما كان مجيبا له إلى ما سأل لو كان قال له:
إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت, أو إلى يوم البعث, أو إلى يوم يبعثون, أو ما
أشبه ذلك مما يدلّ على إجابته إلى ما سأل من النظرة. وأما قوله: إنّكَ مِنَ المُنْظرِينَ
فلا دليل فيه لولا الاَية الأخرى التي قد بين فيها مدة إنظاره إياه إليها, وذلك
قوله: فإنّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ على المدة التي
أنظره إليها, لأنه إذا أنظره يوما واحدا أو أقلّ منه أو أكثر, فقد دخل في عداد
المنظرين وتمّ فيه وعد الله الصادق, ولكنه قد بين قدر مدّة ذلك بالذي ذكرناه, فعلم
بذلك الوقت الذي أنظر إليه. وبنحو ذلك كان السديّ يقول.



11237ـ حدثني موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو,
قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قالَ رَبّ فأنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ
فإنّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ فلم يُنْظِره إلى يوم
البعث, ولكن أنظَرَه إلى يوم الوقت المعلوم, وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى,
فصَعِق من في السموات ومن في الأرض, فمات.



فتأويل الكلام: قال إبليس لربه: أنظرني أي
أخرني وأجّلْني, وأنسىءْ في أجلي, ولا تُمِتْني إلى يوم يُبعثون, يقول: إلى يوم
يُبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: إنّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إلى يوم ينفخ في الصور
فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله.



فإن قال قائل: فهل أحد منظر إلى ذلك اليوم سوى
إبليس فيقال له إنك منهم؟ قيل: نعم, من لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم
ممن تقوم عليه الساعة, فهم من المنظرين بآجالهم إليه ولذلك قيل لإبليس: إنَكَ مِنَ
المُنْظَرِينَ بمعنى: الساعة, فهم من المنظرين بآجالهم إليه ولذلك قيل لإبليس:
إنَكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم.



الآية : 16


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي
لأقْعُدَنّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }.



يقول جلّ ثناؤه: قال إبليس لربه: فَبِما
أغْوَيْتَنِي يقول: فبما أضللتني. كما:



11238ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: فَبِما
أغْوَيْتَنِي يقول: أضللتني.



11239ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: فَبِما أغْوَيْتَنِي قال: فبما أضللتني.



وكان بعضهم يتأوّل قوله: فَبِما أغْوَيْتَنِي:
بما أهلكتني, من قولهم: غَوِيَ الفصيل يَغْوَى غَوًى, وذلك إذا فقد اللبن فمات, من
قول الشاعر:



مُعَطّفَةُ الأثْناءِ ليسَ فَصِيلُهابرازِئها
دَرّا ولا مَيّتٍ غَوًى



وأصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل
الشيء حتى يحسنه عنده غارّا له. وقد حُكي عن بعض قبائل طيّ أنها تقول: أصبح فلان
غاويا: أي أصبح مريضا. وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنه بمعنى القسم, كأن معناه عنده:
فبإغوائك إياي لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم, كما يقال: بالله لأفعلن كذا. وكان
بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى المجازاة, كأن معناه عنده: فلأنك أغويتني, أو فبأنك
أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم. وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية
من أن كلّ من كفر أو آمن فبتفويض الله أسباب ذلك إليه, وأن السبب الذي به يصل
المؤمن إلى الإيمان هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر وذلك أن ذلك لو كان كما
قالوا لكان الخبيث قد قال بقوله: فَبِما أغْوَيْتَنِي: فبما أصلحتني, إذ كان سبب
الإغواء, هو سبب الإصلاح, وكان في إخباره عن الإغواء إخبار عن الإصلاح, ولكن لما
كان سبباهما مختلفين وكان السبب الذي به غوى وهلك من عند الله أضاف ذلك إليه فقال:
فَبما أغْوَيْتَنِي. وكذلك قال محمد بن كعب القُرَظي, فيما:



11240ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي,
قال: حدثنا زيد بن الحباب, قال: حدثنا أبو مودود, سمعت محمد بن كعب القرظي يقول:
قاتل الله القدرية, لإبليسُ أعلم بالله منهم.



وأما قوله: لأَقْعُدَنّ لَهُمْ صرَاطَكَ
المُسْتَقِيمَ فإنه يقول: لأجلسنّ لبني آدم صراطك المستقيم, يعني: طريقك القويم,
وذلك دين الله الحقّ, وهو الإسلام وشرائعه.



وإنما معنى الكلام: لأصدنّ بني آدم عن عبادتك
وطاعتك, ولأغوينهم كما أغويتني, ولأُضِلّنهم كما أضَللْتَني. وذلك كما رُوي عن
سَبْرة بن الفاكه أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشّيْطانَ قَعَد
لاِبْنِ آدَمَ بأطْرَقَةٍ, فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإسْلام, فَقالَ: أتُسْلَمُ
وَتَذَرُ دِينَكَ وَدينَ آبائِك؟ فَعَصَاهُ فَأسْلَم. ثُمّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيق
الهجْرَةِ, فَقالَ: أتهاجِرُ وَتَذَرُ أرْضَكَ وَسَماءَكَ, وإنمَا مَثَلُ المُهاجرِ
كالفَرَسِ فِي الطّوَلِ؟ فَعَصَاه وَهاجَرَ. ثُمّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الجِهادِ,
وَهُوَ جَهْدُ النّفْسِ والمَالِ, فقالَ: أتُقاتلُ فتُقْتَلَ فَتُنْكَحُ المَرأةُ
ويُقَسّمُ المَالُ؟ قالَ: فَعَصَاهُ فَجاهَدَ». ورُوي عن عون بن عبد الله في ذلك,
ما:



11241ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حيوة أبو
يزيد, عن عبد الله بن بكير, عن محمد بن سوقة, عن عون بن عبد الله: لأَقْعُدَنّ
لهُمْ صرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ قال: طريق مكة.



والذي قاله عون وإن كان من صراط الله المستقيم
فليس هو الصراط كله, وإنما أخبر عدوّ الله أنه يقعد لهم صراط الله المستقيم ولم
يخصص منه شيئا دون شيء, فالذي رُوي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه
بظاهر التنزيل وأولى بالتأويل, لأن الخبيث لا يألو عباد الله الصدّ عن كلّ ما كان
لهم قربة إلى الله.



وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى
المستقيم في هذا الموضع. ذكر من قال ذلك:



11242ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ قال:
الحقّ.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.



11243ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد المدنيّ, قال: سمعت مجاهدا يقول: لأَقْعُدَنّ لَهُمْ صَرَاطَكَ
المُسْتَقِيمَ قال: سبيل الحقّ, فلأضلنهم إلا قليلاً.



واختلف أهل العربية في ذلك, فقال بعض نحويي
البصرة: معناه: لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم, كما يقال: توجه مكة: أي إلى مكة,
وكما قال الشاعر:



كأني إذْ أسْعَى لاِءَظْفَرَ طائِرامَعَ
النّجْمِ مِنْ جَوّ السّماءِ يَصُوبُ



بمعنى: لأظفر بطائر, فألقى الباء وكما قال:
أعَجِلْتُم أَمْرَ رَبّكُمْ بمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم. وقال بعض نحويي الكوفة:
المعنى والله أعلم: لأقعدنّ لهم على طريقهم, وفي طريقهم قال: وإلقاء الصفة من هذا
جائز, كما تقول: قعدت لك وجه الطريق, وعلى وجه الطريق لأن الطريق صفة في المعنى
يحتمل ما يحتمله اليوم والليلة والعام, إذ قيل: آتيك غدا, وآتيك في غد.



وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي
بالصواب, لأن القعود مقتض مكانا يقعد فيه, فكما يقال: قعدت في مكانك, يقال: قعدت
على صراطك, وفي صراطك, كما قال الشاعر:



لَدْنٍ بَهِزّ الكَفّ يَعْسِلُ مَتْنُهُفِيهِ
كمَا عَسَلَ الطّرِيقَ الثّعْلَبُ



فلا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان, ولا
يكادون يقولون: جلست مكة وقمت بغداد.



الآية : 17


القول في تأويل قوله
تعالى: {ثُمّ لاَتِيَنّهُمْ مّن بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ
تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }.



اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم:
معنى قوله: لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ من قِبَل الاَخرة, وَمِنْ
خَلْفِهِمْ من قِبَل الدنيا, وَعَنْ أيمَانِهِمْ من قِبَل الحق, وَعَنْ شَمائِلهمْ
من قِبَل الباطل. ذكر من قال ذلك:



11244ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ثُمّ لاََتِيّنّهُمْ مِنْ
بينِ أيْدِيهِمْ يقول: أشككهم في آخرتهم, وَمِنْ خَلْفِهِمْ أرغبهم في دنياهم
وَعَنْ أيمانِهِمْ أشبه عليهم أمر دينهم, وَعنْ شَمائِلِهِمْ أشهّي لهم المعاصي.



وقد رُوي عن ابن عباس بهذا الإسناد في تأويل
ذلك خلاف هذا التأويل, وذلك ما:



11245ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: ثُمّ
لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ يعني من الدنيا, وَمِنْ خَلْفِهِمْ من
الاَخرة, وَعَنْ أيمَانِهِمْ من قِبَل حسناتهم, وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من قِبَل
سيئاتهم. وتحقق هذه الرواية الأخرى التي:



11246ـ حدثني بها محمد بن سعد, قال: ثني أبي,
قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ
مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفهِم وعن أيمانهم وَعَنْ شَمائِلِهمْ قال: ما بين
أيديهم فمن قبلهم أما ومن خلفهم فأمر آخرتهم وأما عن أيمانهم: فمن قِبَل حسناتهم
وأما عن شمائلهم: فمن قِبَل سيئاتهم.



حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد,
عن قتادة, قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِم... الاَية, أتاهم من بين
أيديهم, فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار, ومن خلفهم من أمر الدنيا, فزينها لهم
ودعاهم إليها وعن أيمانهم: من قِبَل حسناتهم بطّأهم عنها وعن شمائلهم: زيّن لهم
السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها, أتاك يا ابن آدم من كلّ وجه, غير أنه
لم يأتك من فوقك, لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله.



وقال آخرون: بل معنى قوله: مِنْ بينِ
أيْدِيهِمْ من قِبَل دنياهم, وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبَل آخرتهم. ذكر من قال ذلك:



11247ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا مؤمل,
قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ
أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ قال: من بين أيديهم من قِبَل دنياهم ومن خلفهم من
قِبَل آخرتهم. وَعَنْ أيمانِهِمْ من قِبَل حسناتهم, وَعَنْ شَمائِلِهِمْ: من قبل
سيئاتهم.



11248ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
سفيان, عن منصور, عن الحكم: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ
خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمَانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ قال: من بين أيديهم: من دنياهم
ومن خلفهم: من آخرتهم وعن أيمانهم: من حسناتهم وعن شمائلهم:: من قِبَل سيئاتهم.



حدثنا سفيان, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن
الحكم: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ قال: من قِبل الدنيا يزينها لهم
ومن خلفهم من قِبَل الاَخرة يبطّئهم عنها وعن أيمانهم: من قِبَل الحقّ يصدّهم عنه
وعن شمائلهم من قِبَل الباطل يرغبهم فيه, ويزينه لهم.






11249ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: ثُمّ لاََتِيَنّهُم مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ
وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ أما من بين أيديهم:
فالدنيا أدعوهم إليها وأرغبهم فيها ومن خلفهم: فمن الاَخرة أشككهم فيها وأبعّدها
عليهم وعن أيمانهم يعني الحقّ فأشككهم فيه وعن شمائلهم: يعني الباطل أخففه عليهم,
وأرغبهم فيه.



11250ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, قال: قال ابن جريج: قوله: مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ من دنياهم أرغبهم فيها,
وَمِنْ خَلْفِهِمْ آخرتهم أكفرهم بها وأزهدهم فيها, وَعَنْ أيمَانِهِمْ حسناتهم
أزهدهم فيها, وَعَنْ شَمائِلِهِمْ مساوىء أعمالهم أحسّنها إليهم.



وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون ومن حيث
لا يبصرون. ذكر من قال ذلك:



11251ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قول الله: مِنْ بينِ
أيْدِيهِمْ وَعَنْ أيمَانِهِمْ قال: حيث يبصرون, وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
شَمائِلِهِمْ حيث لا يبصرون.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح,
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 5:45 pm

, عن مجاهد, مثله.


11252ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد, قالا: حدثنا
جرير, عن منصور, قال: تذاكرنا عند مجاهد قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بَيْنِ
أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ فقال
مجاهد: هو كما قال: يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. زاد
ابن حميد, قال: يأتيهم من ثَمّ.



حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد المدني, قال: قال مجاهد: فذكر نحو حديث محمد بن عمرو, عن أبي عاصم.



قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب
قول من قال: معناه: ثم لاَتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل, فأصدّهم عن الحقّ
وأحسّن لهم الباطل وذلك أن ذلك عقيب قوله: لأَقْعُدَنّ لَهُمْ صِرَاطَكَ
المُسْتَقِيمَ فأخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه, وهو
ما وصفنا من دين الله الحقّ, فيأتيهم في ذلك من كلّ وجوهه من الوجه الذي أمرهم
الله به, فيصدّهم عنه, وذلك من بين أيديهم وعن أيمانهم, ومن الوجه الذي نهاهم الله
عنه, فيزينه لهم ويدعوهم إليه, وذلك من خلفهم وعن شمائلهم. وقيل: ولم يقل: «من
فوقهم» لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم. ذكر من قال ذلك:



11253ـ حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم
المصريّ, قال: حدثنا حفص بن عمر, قال: حدثنا الحكم بن أبان, عن عكرمة, عن ابن
عباس, في قوله: ثُمّ لاََتِيَنّهُمْ مِنْ بينِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ
وَعَنْ أيمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ ولم يقل: «من فوقهم», لأن الرحمة تنزل من
فوقهم.



وأما قوله: ولاَ تَجد أكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ
فإنه يقول: ولا تجد رب أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك التي أنعمت عليهم كتكرمتك
أباهم آدم بما أكرمته به, من إسجادك له ملائكتك, وتفضيلك إياه عليّ, وشكرهم إياه
طاعتهم له بالإقرار بتوحيده, واتباع أمره ونهيه. وكان ابن عباس يقول في ذلك بما:



11254ـ حدثني به المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وَلا تَجِدُ
أكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ يقول: موحدين.



الآية : 18


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً
مّدْحُوراً لّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأمْلأنّ جَهَنّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }.



وهذا خبر من الله تعالى ذكره, عن إحلاله
بالخبيث عدوّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته, وطرده إياه عن جنته, إذ عصاه وخالف
أمره, وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به يقول: قال الله له عند ذلك:
اخْرُجْ مِنْها أي من الجنة مَذْءُوما مَدْحُورا يقول: معيبا. والذأم: العيب, يقال
منه: ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم, ويتركون الهمز فيقولون: ذِمْتُه أذيمه ذيْما
وذاما, والذأم والذّيم أبلغ في العيب من الذمّ وقد أنشد بعضهم هذا البيت:



صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْها
غِشاوَةٌفَلَمّا انْجَلَتْ قَطّعْتُ نَفْسِي أذِيمُها



وأكثر الرواة على إنشاهد «ألومها». وأما
المدحور: فهو المُقْصَى, يقال: دحره يَدْحَره دَحْرا ودُحُورا: إذا أقصاه وأخرجه
ومنه قولهم: ادحر عنك الشيطان.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11255ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال:
حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما مَدْحُورا يقول: اخرج منها
لعينا منفيّا.



11256ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو صالح,
قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: مذءوما: ممقوتا.



11257ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: قالَ اخْرُجْ مِنْها
مَذْءُوما يقول: صغيرا منفيّا.



11258ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما
مَدْحُورا: أما مذءوما: فمنفيّا, وأما مدحورا: فمطرودا.



11259ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: مَذْءُوما قال: منفيّا
مَدْحُورا قال: مطرودا.



11260ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, قوله: اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما
قال: منفيّا, والمدحور, قال: المُصغّر.



حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا
عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, عن يونس وإسرائيل, عن أبي إسحاق, عن التميمي,
عن ابن عباس: اخْرُجْ مِنْها مَذْءُوما قال: منفيّا.



11261ـ حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن
يحيى, قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن التميمي, سأل ابن عباس: ما اخْرُجْ
مِنْها مَذْءُوما مَدْحُورا قال: مقيتا.



11262ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: اخْرُجْ مِنْها مَذْءوما مَدْحُورا فقال: ما نعرف المذءوم
والمذموم إلا واحدا, ولكن يكون... منتقصة, وقال العرب لعامر: يا عام, ولحارث: يا
حار, وإنما أنزل القرآن على كلام العرب.



القول في تأويل قوله تعالى: لَمَن تَبِعَكَ
مِنْهُمْ لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنْكُمْ أجْمَعِينَ.



وهذا قسم من الله جلّ ثناؤه: أقسم أن من اتبع
من بني آدم عدوّ الله إبليس وأطاعه وصدق ظنه عليه أن يملأ من جميعهم, يعني من كفرة
بني آدم تبّاع إبليس ومن إبليس وذرّيته جهنم, فرحم الله امرءا كذّب ظنّ عدوّ الله
في نفسه, وخيّب فيها أمله وأمنيته, ولم يكن ممن أطمع فيها عدوّه, واستغشّه ولم
يستنصحه. وإن الله تعالى ذكره إنما نبه بهذه الاَيات عباده على قِدم عداوة عدوّه
وعدوّهم إبليس لهم, وسالف ما سلف من حسده لأبيهم, وبغيه عليه وعليهم, وعرّفهم
مواقع نعمه عليهم قديما في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته, وليتذكر أولو الألباب,
فينزجروا عن طاعة عدوّه وعدوّهم إلى طاعته وينيبوا إليها.



الآية : 19


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـَذِهِ
الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظّالِمِينَ }.



يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لاَدم: يا
آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما فأسكن جلّ
ثناؤه آدم وزوجته الجنة بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها, وأباح لهما أن يأكلا
من ثمارها من أيّ مكان شاءا منها, ونهاهما أن يقربا ثمر شجرة بعينها. وقد ذكرنا
اختلاف أهل التأويل في ذلك وما نرى من القول فيه صوابا في غير هذا الموضع, فكرهنا
إعادته. فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربه. وفعل ما ليس
له فعله.



الآية : 20


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطَانُ
لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا
نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَـَذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ
أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }.



يعني جلّ ثناؤه بقوله: فَوَسْوَسَ لَهُما
فوسوس إليهما, وتلك الوسوسة كانت قوله لهما: ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ
الشّجَرَة إلاّ أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أو تَكُونا مِنَ الخالِدِينَ وإقسامه لهما
على ذلك. وقيل: «وسوس لهما», والمعنى ما ذكرت, كما قيل: غَرِضْتُ له, بمعنى: اشتقت
إليه, وإنما يعني: غَرضت من هؤلاء إليه, فكذلك معنى ذلك: فوسوس من نفسه إليهما
الشيطان بالكذب من من القيل لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ
سَوآتِهِما كما قال رؤبة:



(وَسْوَسَ يَدْعُو
مُخْلِصا رَبّ الفَلَقْ )



ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء, وألقى
إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة إلا أن تكونا ملَكين, أو تكونا من
الخالدين ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما. فغطاه بستره الذي ستره
عليهما. وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به ما:



11263ـ حدثني به حوثرة بن محمد المنقري, قال
حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو, عن ابن منبه, في قوله: فَبَدَتْ لَهُما سَوآتُهُما
قال: كان عليهما نور لا ترى سوآتهما.



القول في تأويل قوله تعالى: وَقالَ ما نَهاكُما
رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونا مِنَ
الخالِدِينَ.



يقول جلّ ثناؤه: وقال الشيطان لاَدم وزوجته
حوّاء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرها إلا لئلا تكونا ملكين.
وأسقطت «لا» من الكلام لدلالة ما ظهر عليها, كما أسقطت من قوله: يُبَيّنُ اللّهُ
لَكُمْ أنْ تَضِلّوا والمعنى: يبين اللهلكم أن لا تضلوا. وكان بعض أهل العربية من
أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا
ملكين, كما يقال: إياك أن تفعل كراهية أن تفعل, أو تكونا من الخالدين في الجنة
الماكثين فيها أبدا فلا تموتا. والقراءة على فتح اللام بمعنى ملَكين من الملائكة.
ورُوي عن ابن عباس ما:



11264ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا ابن أبي حماد, قال: حدثنا عيسى الأعمى, عن السديّ, قال: كان ابن عباس يقرأ:
«إلاّ أنْ تَكُونا مَلِكَيْنِ» بكسر اللام. وعن يحيى بن أبي كثير ما:



11265ـ حدثني أحمد بن يوسف, قال: ثني القاسم بن
سلام, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, قال: حدثنا يعلى بن حكيم, عن يحيى بن أبي كثير
أنه قرأها: «ملكين» بكسر اللام.



وكأن ابن عباس ويحيى وجها تأويل الكلام إلى أن
الشيطان قال لهما: «ما نَهاكُما رَبّكُما عَنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونا
مَلِكَيْنِ» من الملوك, وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر: قالَ يا آدَمُ
هَلْ أدُلّكَ على شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى.



قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة
في ذلك بغيرها, القراءة التي عليها قرّاء الأمصار, وهي فتح اللام من «مَلَكين»,
بمعنى: ملَكين من الملائكة لما قد تقدم من بياننا في أن كلّ ما كان مستفيضا في
قرأة الإسلام من القراءة, فهو الصواب الذي لا يجوز خلافه.



الآية : 21


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَقَاسَمَهُمَآ إِنّي لَكُمَا
لَمِنَ النّاصِحِينَ }.



يعني جلّ ثناؤه بقوله: وَقاسَمَهُما: وحلف
لهما, كما قال في موضع آخر: تَقاسَمُوا باللّهِ لَنُبَيّتَنّهُ بمعنى: تحالفوا
بالله وكما قال خالد بن زهير عمّ أبي ذؤيب:



وقاسَمَها باللّهِ جَهْدا لاَءَنْتُمُألَذّ منَ
السّلْوَى إذَا ما نَشُورُها



بمعنى: وحالفها بالله وكما قال أعشى بني ثعلبة:


رَضِيعَيْ لِبانِ ثَدْيِ أُمّ
تَقَاسَمَابأسْحَمَ داجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرّقُ



بمعنى تحالفا. وقوله: إنّي لَكُما لِمنَ
النّاصحِينَ: أي لممن ينصح لكما في مشورته لكما, وأمره إياكما بأكل ثمر الشجرة
التي نهيتما عن أكل ثمرها, وفي خبري إياكما بما أخبركما به من أنكما إن أكلتماه
كنتما ملَكين, أو كنتما من الخالدين. كما:



11266ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَقاسَمَهُما إنّي لَكُما لَمِنَ النّاصحِينَ
فحلف لهما بالله حتى خدعهما, وقد يُخدع المؤمن بالله, فقال: إني خُلقت قبلكما وأنا
أعلم منكما, فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: من خَادَعنا بالله
خَدَعنا.



الآية : 22


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمّا
ذَاقَا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ
عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَنَادَاهُمَا رَبّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن
تِلْكُمَا الشّجَرَةِ وَأَقُل لّكُمَآ إِنّ الشّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مّبِينٌ }.



يعني جلّ ثناؤه بقوله: فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ
فخدعهما بغرور, يقال منه: ما زال فلان يدلّي فلانا بغرور, بمعنى: ما زال يخدعه
بغرور ويكلمه بزخرف من القول باطل. فَلَمّا ذَاقَا الشّجَرَةَ يقول: فلما ذاق آدم
وحوّاء ثمر الشجرة, يقول: طعماه. بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما يقول: انكشفت لهما
سوآتهما, لأن الله أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة, فسلبهما
ذلك بالخطيئة التي أخطئا, أو المعصية التي ركبا. وَطَفِقَا يَخْصَفانِ عَلَيْهما
مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ يقول: أقبلا وجعلا يشدّان عليهما من ورق الجنة ليواريا
سوآتهما. كما:



11267ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن
إسرائيل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ
وَرَقِ الجَنّةِ قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة فيجعلان على سوءاتهما.



11268ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن أبي بكر, عن الحسن, عن أبيّ بن كعب, قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «كانَ آدَمُ كأنّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ كَثِيرَ شَعْرِ الرأْسِ, فَلَمّا
وَقَعَ بالخَطِيئَةِ بَدَتْ لَهُ عَوْرتُهُ وكانَ لا يَرَاها, فانْطَلَقَ فارّا,
فَتَعَرّضَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فَحَبَسَتْهُ بِشَعْرِهِ, فَقالَ لَهَا: أرْسِلِيني,
فَقالَتْ: لَسْتُ بمُرْسِلَتِكَ, فَنادَاهُ رَبّهُ: يا آدَمُ, أمِنّي تَفِرّ؟
قالَ: لا, وَلَكِنّي اسْتَحَيْتُكَ».



11269ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك, عن الحسن, عن عمارة,
عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كانت الشجرة التي نهى
الله عنها آدم وزوجته: السنبلة فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما, وكان الذي وارى
عنهما من سوآتهما أظفارهما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ
ورق التين يلصقان بعضها إلى بعض, فانطلق آدم مولّيا في الجنة, فأخذت برأسه شجرة من
الجنة, فناداه: أي آدم أمني تفرّ؟ قال: لا, ولكني استحيتك يا ربّ قال: أما كان لك
فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرّمت عليك؟ قال: بلى يا ربّ, ولكن
وعزّتك ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا. قال: وهو قول الله: وَقاسمَهُما إنّي
لَكُما لَمِنَ النّاصِحينَ قال: فبعزّتي لأهبطنك إلى الأرض, ثم لا تنال العيش إلا
كدّا قال: فأهبط من الجنة, وكانا يأكلان فيها رغدا, فأهبطا في غير رغد من طعام
وشراب, فعلّم صنعة الحديد, وأمر بالحرث, فحرث وزرع ثم سقى. حتى إذا بلغ حصده ثم
داسه, ثم ذراه, ثم طحنه, ثم عجنه, ثم خبزه, ثم أكله, فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء
الله أن يبلغ.



11270ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: يَخْصِفانِ قال:
يرقعان كهيئة الثوب.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب.



11271ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَمّا ذَاقا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما
سَوْآتُهُما وكانا قبل ذلك لا يريانها وطَفِقا يَخْصِفانِ... الاَية.



11272ـ وقال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: حدثنا
الحسن, عن أبيّ بن كعب: أن آدم عليه السلام كان رجلاً طوالاً, كأنه نخلة سحوق,
كثير شعر الرأس فلما وقع بما وقع به من الخطيئة, بدت له عورته عند ذلك, وكان لا
يراها. فانطلق هاربا في الجنة, فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة, فقال لها: أرسليني
قالت: إني غير مرسلتك. فناداه ربه: يا آدم, أمني تفرّ؟ قال: ربّ إني استحيتك.



11273ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جعفر بن
عون, عن سفيان الثوريّ, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن
ابن عباس: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ قال: ورق التين.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن
شريك, عن ابن أبي ليلى, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: وَطَفقا
يَخْصِفان عَلَيْهِما مِنْ وَرَق الجَنّة قال: ورق التين.



11274ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن حسام بن معبد, عن قتادة وأبي بكر عن غير قتادة قال: كان لباس آدم في
الجنة ظُفُرا كله, فلما وقع بالذنب كشط عنه وبدت سوأته. قال أبو بكر: قال غير
قتادة: فَطَفِقا يَخْصِفان عَلَيْهِما مِنْ وَرَق الجَنّةِ قال: ورق التين.



حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق,
قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: بَدَتْ لَهُما سَوآتُهُما قال: كانا لا
يريان سوآتهما.



11275ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, قال: حدثنا عمرو, قال: سمعت وهب بن منبه
يقول: يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما قال: كان لباس آدم وحوّاء عليهما السلام نورا
على فروجهما, لا يرى هذا عورة هذه ولا هذه عورة هذا. فلما أصابا الخطيئة بدت لهما
سوآتهما.



القول في تأويل قوله تعالى: وَنادَاهُمَا
رَبّهُما ألَمْ أنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشّجَرَةِ وأقُلْ لَكُما إنّ الشّيْطانَ
لَكُما عَدُوّ مُبِينٌ.



يقول تعالى ذكره: ونادى آدم وحوّاء ربهما: ألم
أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها, وأعلمكما أن إبليس لكما عدوّ مبين؟
يقول: قد أبان عداوته لكما بترك السجود لاَدم حسدا وبغيا. كما:



11276ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس, قوله: وَنادَاهُما رَبّهُما ألَمْ
أنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشّجَرَةِ وأقُلْ لَكُما إنّ الشّيْطانَ لَكُما عَدُوٌ
مُبِينٌ لِمَ أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا ربّ أطعمتني حوّاء قال لحوّاء: لم
أطعمته؟ قالت: أمرتني الحية. قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس. قال: ملعون
مدحور أما أنتِ يا حوّاء فكما دَمِيت الشجرة تدْمين كلّ شهر, وأما أنت يا حية
فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك, وسيشدخ رأسك من لقيك اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوّ.



11277ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
حدثنا عباد بن العوّام, عن سفيان بن حسين, عن يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, عن
ابن عباس, قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلتَ من الشجرة التي نهيتك
عنها؟ قال: حوّاء أمرتني, قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا
كرها. قال: فرنّت حوّاء عند ذلك, فقيل لها: الرنة عليك وعلى ولدك.



الآية : 23


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالاَ رَبّنَا ظَلَمْنَآ
أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ }.



قَالاَ رَبّنَا
ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ وهذا خبر من الله جلّ
ثناؤه عن آدم وحوّاء فيما أجاباه به, واعترافهما على أنفسهما بالذنب, ومسئلتهما
إياه المغفرة منه والرحمة, خلاف جواب اللعين إبليس إياه. ومعنى قوله: قالا رَبّنا
ظَلَمْنا أنْفُسَنا قال: آدم وحوّاء لربهما: يا ربنا فعلنا بأنفسنا من الإساءة
إليها بمعصيتك وخلاف أمرك وبطاعتنا عدوّنا وعدوّك, فيما لم يكن لنا أن نطيعه فيه
من أكل الشجرة التي نهيتنا عن أكلها. وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا يقول: وإن أنت لم
تستر علينا ذنبنا فتغطيه علينا, وتترك فضيحتنا به بعقوبتك إيانا عليه, وترحمنا
بتعطفك علينا, وتركك أخذنا به لَنَكُونَنّ مِنَ الخاسِرِينَ يعني: لنكوننّ من
الهالكين. وقد بيّنا معنى الخاسر فيما مضى بشواهده والرواية فيه بما أغنى عن
إعادته في هذا الموضع.



11278ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد
الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: قال آدم عليه السلام: يا ربّ, أرأيت إن
تبت واستغفرتك؟ قال: إذا أدخلك الجنة وأما إبليس فلم يسأله التوبة, وسأل النظِرة,
فأعطى كلّ واحد منهما ما سأل.



11279ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون,
قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, في قوله: رَبّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وَإن
لَمْ تَغْفِرْ لَنا... الاَية, قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه.



الآية : 24


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرّ وَمَتَاعٌ إِلَىَ حِينٍ }.



وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس
وذرّيته وآدم وولده والحية, يقول تعالى ذكره لاَدم وحواء وإبليس والحية: اهبطوا من
السماء إلى الأرض بعضكم لبعض عدوّ. كما:



11280ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن
طلحة, عن أسباط, عن السديّ: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدوّ قال: فلعن الحية,
وقطع قوائمها, وتركها تمشي على بطنها, وجعل رزقها من التراب, وأهبطوا إلى الأرض,
آدم وحوّاء وإبليس والحية.



11281ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة,
عن أبي عوانة, عن إسماعيل بن سالم,
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 5:46 pm

عن أبي صالح:
اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ قال: آدم وحوّاء والحية.



وقوله: وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرّ يقول:
ولكم يا آدم وحوّاء وإبليس والحية, في الأرض قرار تستقرّونه وفراش تمتهدونه. كما:



11282ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا آدم
العسقلاني, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية, في قوله: وَلَكُمْ
فِي الأرْضِ مُسْتَقَرّ قال: هو قوله: الّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ فِرَاشا.
ورُوي عن ابن عباس في ذلك ما:



11283ـ حُدثت عن عبيد الله, عن إسرائيل, عن
السديّ, عمن حدثه, عن ابن عباس, قوله: وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرّ قال:
القبور.



قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن
يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر آدم وحوّاء وإبليس والحية إذ أهبطوا إلى الأرض,
أنهم عدوّ بعضهم لبعض, وأنّ لهم فيها مستقرّا يستقرّون فيه, ولم يخصصها بأن لهم
فيها مستقرّا في حال حياتهم دون حال موتهم, بل عمّ الخبر عنها بأن لهم فيها
مستقرّا, فذلك على عمومه كما عمّ خبر الله, ولهم فيها مستقرّ في حياتهم على ظهرها
وبعد وفاتهم في بطنها, كما قال جلّ ثناؤه: ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً
وأمْواتا.



وأما قوله: وَمَتاعٌ إلى حِينٍ فإنه يقول جلّ
ثناؤه: ولكم فيها متاع تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا, وذلك هو الحين الذي ذكره.
كما:



11284ـ حُدثت عن عبيد الله بن موسى, قال:
أخبرنا إسرائيل, عن السديّ, عمن حدثه, عن ابن عباس: وَمَتاعٌ إلى حِينٍ قال: إلى
يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا.



والحين نفسه الوقت, غير أنه مجهول القدر, يدلّ
على ذلك قول الشاعر:



وَما مِرَاحُكَ بَعْدَ الحِلْمِ وَالدّينِوَقَدْ
عَلاكَ مَشِيبٌ حَينَ لا حِينِ



أي وقت لا وقت.


الآية : 25


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا
تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }.



قَالَ فِيهَا
تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ يقول تعالى ذكره: قال الله للذين أهبطهم من
سمواته إلى أرضه: فِيها تَحْيَوْنَ يقول: في الأرض تحيون, يقول: تكونون فيها أيام
حياتكم, وَفِيها تَمُوتُونَ يقول في الأرض تكون وفاتكم, وَمِنْها تُخْرَجُونَ:
يقول: ومن الأرض يخرجكم ربكم, ويحشركم إليه لبعث القيامة أحياء.



الآية : 26


القول في تأويل قوله
تعالى: {يَابَنِيَ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا
عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التّقْوَىَ ذَلِكَ
خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ }.



يقول جلّ ثناؤه للجهلة من العرب الذين كانوا
يتعرّون للطواف اتباعا منهم أمر الشيطان وتركا منهم طاعة الله, فعرّفهم انخداعهم
بغروره لهم حتى تمكن منهم فسلبهم من ستر الله الذي أنعم به عليهم, حتى أبدى سوآتهم
وأظهرها من بعضهم لبعض, مع تفضل الله عليهم بتمكينهم مما يسترونها به, وأنهم قد
سار بهم سيرته في أبَوَيهم آدم وحوّاء اللذين دلاهما بغرور حتى سلبهما سِتر الله
الذي كان أنعم به عليهما حتى أبدى لهما سوآتهما فعرّاهما منه: يا بَنِي آدَمَ قَدْ
أنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسا: يعني بإنزاله عليهم ذلك: خلقه لهم, ورزقه إياهم.
واللباس: ما يلبسون من الثياب. يُوَارِي سَوآتِكُمْ يقول: يستر عوراتكم عن أعينكم.
وكنى بالسوآت عن العورات, واحدتها سَوْأة, وهي فَعْلة من السوء, وإنما سميت سوأة
لأنه يسوء صاحبها انكشافها من جسده, كما قال الشاعر:



خَرَقُوا جَيْبَ فَتاتِهِمْلم يُبالُوا سَوْأةَ
الرّجُلَهْ



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11285ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: لِباسا يُوَارِي
سَوآتِكُمْ قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة, ولا يلبس أحدهم ثوبا طاف
فيه.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه.



11286ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد المدني, قال: سمعت مجاهدا يقول في قوله: يا بَنِي آدَمَ قَدْ
أنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشا قال: أربع آيات نزلت في
قريش, كانوا في الجاهلية لا يطوفون بالبيت إلا عراة.



11287ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة,
عن عوف, قال: سمعت معبدا الجُهني يقول في قوله: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنا
عَلَيْكُمْ لِباسا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشا قال: اللباس الذي يلبسون.



حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني
حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسا يُوَارِي
سَوآتِكُمْ قال: كانت قريش تطوف عراة, لا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه, وقد كان ناس من
العرب يطوفون بالبيت عراة.



حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا محمد بن جعفر
وسهل بن يوسف, عن عوف, عن معبد الجهني: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ
لِباسا يُوَارِي سَوآتِكُمْ قال: اللباس الذي يواري سوآتكم: هو لبوسكم هذا.



11288ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: لِباسا يُوَارِي سَوآتِكُمْ قال: هي
الثياب.



11289ـ حدثنا الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد, قال: ثني من سمع عروة بن الزبير, يقول: اللباس: الثياب.



11290ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت
أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قَدْ
أنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسا يُوَارِي سَوآتِكُمْ قال: يعني ثياب الرجل التي
يلبسها.



القول في تأويل قوله تعالى: وَرِيشا.


اختلف القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء
الأمصار: وَرِيشا بغير ألف.



وذُكِر عن زرّ بن حبيش والحسن البصريّ أنهما
كانا يقرآنه: «وَرِياشا».



11291ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الصمد
بن عبد الوارث, عن أبان العطار, قال: حدثنا عاصم, أن زرّ بن حبيش قرأها:
«وَرِياشا».



قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك قراءة
من قرأ: وَرِيشا بغير ألف لإجماع الحجة من القرّاء عليها. وقد رُوي عن النبيّ صلى
الله عليه وسلم خبر في إسناده نظر, أنه قرأه: «وَرِياشا», فمن قرأ ذلك: «وَرِياشا»
فإنه محتمل أن يكون أراد به جمع الريش, كما تجمع الذئب ذئابا والبئر بئارا, ويحتمل
أن يكون أراد به مصدرا من قول القائل: رَاشَهُ الله يَرِيشُه رِيَاشا ورِيشا, كما
يقال: لَبِسه يلبسه لباسا ولِبْسا وقد أنشد بعضهم:



فَلَمّا كَشَفْنَ اللّبْسَ عَنْهُ
مَسَحْنَهُبأطْرَافِ طَفْلٍ زَانَ غَيْلاً مُوشّما



بكسر اللام من «اللّبس». والرياش في كلام
العرب: الأثاث وما ظهر من الثياب من المتاع مما يلبس أو يحشى من فراش أو دثار.
والريش: إنما هو المتاع والأموال عندهم, وربما استعملوه في الثياب والكسوة دون
سائر المال, يقولون: أعطاه سرجا بريشه, ورحلاً بريشه: أي بكسوته وجهازه, ويقولون:
إنه لحسن ريش الثياب. وقد يستعمل الرياش في الخصب ورفاهة العيش.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال: الرياش المال:



11292ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله,
قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وَرِيشا يقول: مالاً.



11293ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَرِيشا قال: المال.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.



11294ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: «وَرِياشا» قال: أما رياشا: فرياش المال.



11295ـ حدثني الحرث قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد المدني, قال: ثني من سمع عروة بن الزبير يقول: الرياش: المال.



11296ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت
أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك, قوله: «وَرِياشا» يعني: المال.



ذكر من قال: هو اللباس ورفاهة العيش:


11297ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: «وَرِياشا» قال: الرياش:
اللباس, والعيش: النعيم.



11298ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا محمد بن
جعفر وسهل بن يوسف, عن عوف, عن معبد الجهني: «وَرِياشا» قال: الرياش: المعاش.



حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية,
قال: أخبرنا عوف, قال: قال معبد الجهني: «وَرِياشا» قال: هو المعاش.



وقال آخرون: الريش الجمال. ذكر من قال ذلك:


11299ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: «وَرِياشا» قال: الريش: الجمال.



القول في تأويل قوله تعالى: وَلِباسُ التّقْوَى
ذلكَ خَيْرٌ.



اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم:
لباس التقوى هو الإيمان. ذكر من قال ذلك:



11300ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلِباسُ التّقْوى هو الإيمان.



11301ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَلِباسُ التّقْوَى: الإيمان.



11302ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
أخبرني حجاج, عن ابن جريج: وَلِباسُ التّقْوى الإيمان.



وقال آخرون: هو الحياء. ذكر من قال ذلك:


11303ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا محمد بن
جعفر وسهل بن يوسف, عن عوف, عن معبد الجهنيّ, في قوله: وَلِباسُ التّقوَى الذي ذكر
الله في القرآن هو الحياء.



حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية,
قال: أخبرنا عوف, قال: قال معبد الجهنيّ, فذكر مثله.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن
عوف, عن معبد بنحوه.



وقال آخرون: هو العمل الصالح. ذكر من قال ذلك:


11304ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَلِباسُ التّقْوَى ذلكَ خَيْرٌ
قال: لباس التقوى: العمل الصالح.



وقال آخرون: بل ذلك هو السمت الحسن. ذكر من قال
ذلك:



11305ـ حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال:
حدثنا عبد الله بن داود, عن محمد بن موسى, عن الزباء بن عمرو, عن ابن عباس:
وَلِباسُ التّقْوَى قال: السمت الحسن في الوجه.



11306ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق بن
الحجاج, قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل, عن سليمان بن أرقم, عن الحسن, قال: رأيت
عثمان بن عفان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قميص قُوهيّ محلول
الزّرّ, وسمعته يأمر بقتل الكلاب وينهي عن اللعب بالحمام, ثم قال: يا أيها الناس
اتقوا الله في هذه السرائر, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«والّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ ما عَمِلَ أحَدٌ قطّ سِرّا إلاّ ألْبَسَهُ
اللّهُ رِداءَهُ عَلانِيَةً, إنْ خَيْرا فخَيْرا, وَإنْ شَرّا فَشَرّا» ثم تلا هذه
الاَية: «وَرِياشا», ولم يقرأها: وَرِيشا وَلِباسُ التّقْوَى ذلكَ خَيْرٌ ذلكَ
مِنْ آياتِ اللّهِ قال: السمت الحسن.



وقال آخرون: هو خشية الله. ذكر من قال ذلك:


11307ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد المدني, قال: ثني من سمع عروة بن الزبير يقول: لِباسُ التّقْوى
خشية الله.



وقال آخرون: لِباسُ التّقْوَى في هذه المواضع:
ستر العورة. ذكر من قال ذلك:



11308ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: وَلِباسُ التقْوَى يتقي الله فيواري عورته, ذلك لباس
التقوى.



واختلف القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة
قرّاء المكيين والكوفيين والبصريين: وَلِباسُ التّقْوَى ذلكَ خَيْرٌ برفع
«ولباسُ». وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة: «ولِباسَ التّقْوَى» بنصب اللباس, وهي
قراءة بعض قراء الكوفيين. فمن نصب: «وَلِباسَ» فإنه نصبه عطفا على «الريش» بمعنى:
قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا, وأنزلنا لباسَ التقوى. وأما الرفع, فإن
أهل العربية مختلفون في المعنى الذي ارتفع به اللباس, فكان بعض نحويي البصرة يقول:
هو مرفوع على الابتداء, وخبره في قوله: ذلِكَ خَيْرٌ. وقد استخطأه بعض أهل العربية
في ذلك وقال: هذا غلط, لأنه لم يعد على اللباس في الجملة عائد, فيكون اللباس إذًا
رفع على الابتداء وجعل ذلك خير خبرا.



وقال بعض نحويي الكوفة: وَلِباسُ يُرفع بقوله:
«ولباس التقوى خير», ويجعل ذلك من نعته. ب«خير» لم يكن في ذلك وجه إلا أن يجعل
اللباس نعتا, لا أنه عائد على اللباس من ذكره في قوله: ذلكَ خَيْرٌ فيكون خير
مرفوعا بذلك وذلك به. فإذ كان ذلك كذلك, فتأويل الكلام إذن: رفع لباس التقوى,
ولباس التقوى ذلك الذي قد علمتموه خير لكم يا بني آدم من لباس الثياب التي تواري
سوآتكم, ومن الرياش التي أنزلناها إليكم فالبسوه. وأما تأويل من قرأه نصبا, فإنه:
يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم, وريشا, ولباس التقوى هذا الذي
أنزلنا عليكم, من اللباس الذي يواري سوآتكم, والريش, ولباس التقوى خير لكم من
التعرّي والتجرّد من الثياب في طوافكم بالبيت, فاتقوا الله والبسوا ما رزقكم الله
من الرياش, ولا تطيعوا الشيطان بالتجرّد والتعرّي من الثياب, فإن ذلك سخرية منه
بكم وخدعة, كما فعل بأبويكم آدم وحوّاء فخدعهما حتى جرّدهما من لباس الله الذي كان
ألبسهما بطاعتهما له في أكل ما كان الله نهاهما عن أكله من ثمر الشجرة التي عصياه
بأكلها.



وهذه القراءة أولى القراءتين في ذلك عندي
بالصواب, أعني نصب قوله: «وَلِباسَ التّقْوَى» لصحة معناه في التأويل على ما بينت,
وأن الله إنما ابتدأ الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سوآتنا والرياش توبيخا
للمشركين الذين كانوا يتجرّدون في حال طوافهم بالبيت, ويأمرهم بأخذ ثيابهم
والاستتار بها في كلّ حال مع الإيمان به واتباع طاعته, ويعلمهم أن كلّ ذلك خير من
كلّ ما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله وتعرّيهم, لا أنه أعلمهم أن بعض ما أنزل
إليهم خير من بعض. وما يدلّ على صحة ما قلنا في ذلك الاَيات التي بعد هذه الاَية,
وذلك قوله: يا بَني آدَمَ لايَفْتِنَنّكُمُ الشّيْطانُ كمَا أخُرَجَ أبَوَيْكُمْ
مِنَ الجَنّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما وما بعد ذلك
من الاَيات إلى قوله: وأنْ تَقُولُوا على اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ فإنه جلّ ثناؤه
يأمر في كلّ ذلك بأخذ الزينة من الثياب واستعمال اللباس وترك التجرّد والتعرّي
وبالإيمان به واتباع أمره والعمل بطاعته, وينهي عن الشرك به واتباع أمر الشيطان
مؤكدا في كل ذلك ما قد أجمله في قوله: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنا عَلَيْكُمْ
لِباسا يُوَارِي سَواتِكُمْ وَرِيشا وَلِباس التّقْوَى ذلكَ خَيْرٌ.



وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله: «وَلِباسَ
التّقْوَى» استشعار النفوس تقوى الله في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه
والعمل بما أمر به من طاعته وذلك يجمع الإيمان والعمل الصالح والحياء وخشية الله
والسمت الحسن, لأن من اتقى الله كان به مؤمنا وبما أمره به عاملاً ومنه خائفا وله
مراقبا, ومن أن يرى عند ما يكرهه من عباده مستحييا. ومن كان كذلك ظهرت آثار الخير
فيه, فحسن سمته وهديه ورُؤيت عليه بهجة الإيمان ونوره.



وإنما قلنا: عنى بلباس التقوى استشعار النفس
والقلب ذلك لأن اللباس إنما هو ادّراع ما يلبس واحتباء ما يكتسي, أو تغطية بدنه أو
بعضه به, فكلّ من ادّرع شيئا أو احتبي به حتى يرى هو أو أثره عليه, فهو له لابس
ولذلك جعل جلّ ثناؤه الرجال للنساء لباسا وهنّ لهم لباسا, وجعل الليل لعباده
لباسا.



ذكر من تأوّل ذلك بالمعنى الذي ذكرنا من تأويله
إذا قرىء قوله: وَلِباسُ التّقْوَى رفعا:



11309ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَلِباسُ التّقْوَى: الإيمان ذلكَ خَيْرٌ
يقول: ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوآتكم.



11310ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلِباسُ التّقْوَى قال: لباس التقوى خير, وهو
الإيمان.



القول في تأويل قوله تعالى: ذلكَ مِنْ آياتِ
اللّهِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ.



يقول تعالى ذكره: ذلك الذي ذكرت لكم أني أنزلته
إليكم أيها الناس من اللباس والرياش من حجج الله وأدلته التي يعلم بها من كفر صحة
توحيد الله, وخطأ ما هم عليه مقيمون من الضلالة. لَعَلّهُم يَذّكّرُون يقول جلّ
ثناؤه: جعلت ذلك لهم دليلاً على ما وصفت ليذكّروا, فيعتبروا وينيبوا إلى الحقّ
وترك الباطل, رحمة مني بعبادي.



الآية : 27


القول في تأويل قوله
تعالى: {يَابَنِيَ آدَمَ لاَ
يَفْتِنَنّكُمُ الشّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مّنَ الْجَنّةِ يَنزِعُ
عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ
مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنّا جَعَلْنَا الشّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلّذِينَ
لاَ يُؤْمِنُونَ }.



يقول تعالى ذكره: يا بني آدم لا يخدعنكم
الشيطان فيبدي سوآتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم, كما فعل بأبويكم آدم
وحوّاء عند اختباره إياهما فأطاعاه وعصيا ربهما فأخرجهما بما سبب لهما من مكره
وخدْعه من الجنة, ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس ليريهما سوآتهما بكشف
عورتهما وإظهارها لأعينهما بعد أن كانت مستترة. وقد بيّنا فيما مضى أن معنى الفتنة
الاختبار والابتلاء بما أغنى عن إعادته.



وقد اختلف أهل التأويل في صفة اللباس الذي أخبر
الله جلّ ثناؤه أنه نزعه عن أبوينا وما كان, فقال بعضهم: كان ذلك أظفارا. ذكر من
لم يذكر قوله فيما مضى من كتابنا هذا في ذلك:



11311ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن
آدم, عن شريك, عن عكرمة: يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما قال: لباس كلّ دابة منها,
ولباس الإنسان: الظّفُر, فأدركت آدم التوبة عند ظفره, أو قال: أظفاره.



11312ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الحميد
الحماني, عن نصر بن عمر, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: تركت أظفاره عليه زينة
ومنافع في قوله: يَنْزِعُ عنهما لِباسَهُما.



حدثني أحمد بن الوليد القرشيّ, قال: حدثنا
إبراهيم بن أبي الوزير, قال: أخبرنا مخلد بن الحسين, عن عمرو بن مالك, عن أبي
الجوزاء, عن ابن عباس, في قوله: يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما قال: كان لباسهما
الظفر فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما, وتركت الأظفار تذكرة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 5:47 pm

حدثني المثنى, قال:
حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن سماك, عن عكرمة, في قوله: يَنْزِعُ عَنْهُما
لِباسَهُما قال: كان لباسه الظفر, فانتهت توبته إلى أظفاره.



وقال آخرون: كان لباسهما نورا. ذكر من قال ذلك:


11313ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة,
عن عمرو, عن وهب بن منبه: يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما: النور.



11314ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة, قال: حدثنا عمرو, قال: سمعت وهب بن منبه
يقول في قوله: يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما قال: كان
لباس آدم وحوّاء نورا على فروجهما, لا يرى هذا عورة هذه, ولا هذه عورة هذا.



وقال آخرون: إنما عنى الله بقوله: يَنْزِعُ
عَنْهُمَا لِباسَهُما يسلبهما تقوى الله. ذكر من قال ذلك:



11315ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مطلب بن
زياد, عن ليث, عن مجاهد: يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما قال: التقوى.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن
شريك, عن ليث, عن مجاهد: يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما قال: التقوى.



حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا
شريك, عن ليث, عن مجاهد, مثله.



قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك
عندي أن يقال: إن الله تعالى حذّر عباده أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم آدم
وحوّاء, وأن يجرّدهم من لباس الله الذي أنزله إليهم, كما نزع عن أبويهم لباسهما.
واللباس المطلق من الكلام بغير إضافة إلى شيء في متعارف الناس, هو ما اختار فيه
اللابس من أنواع الكساء, أو غطى بدنه أو بعضه. وإذ كان ذلك كذلك, فالحقّ أن يقال:
إن الذي أخبر الله عن آدم وحوّاء من لباسهما الذي نزعه عنهما الشيطان هو بعض ما
كانا يواريان به أبدانهما وعورتهما وقد يجوز أن يكون ذلك كان ظُفُرا, ويجوز أن
يكون نورا, ويجوز أن يكون غير ذلك, ولا خبر عندنا بأيّ ذلك تثبت به الحجة, فلا قول
في ذلك أصوب من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه: يَنْزعُ عَنهُما لِباسَهُما. وأضاف جلّ
ثناؤه إلى إبليس إخراج آدم وحوّاء من الجنة, ونزع ما كان عليهما من اللباس عنهما
وإن كان الله جلّ ثناؤه هو الفاعل ذلك بهما عقوبة على معصيتهما إياه, إذ كان الذي
كان منهما في ذلك عن تشبيه ذلك لهما بمكره وخداعه, فأضيف إليه أحيانا بذلك المعنى,
وإلى الله أحيانا بفعله ذلك بهما.



القول في تأويل قوله تعالى: إنّهُ يَرَاكُمْ
هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنّا جَعَلْنا الشيّاطِينَ أولِياءَ
للّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ.



يعني جلّ ثناؤه بذلك: إن الشيطان يراكم هو.
والهاء في «إنه» عائدة على الشيطان. وقبيله: يعني وصنفه وجنسه الذي هو منه, واحد
جمعه «قُبُل» وهم الجنّ. كما:



11316ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: إنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ قال:
الجنّ والشياطين.



11317ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد في قوله: إنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ قال: قبيله: نسله.



وقوله: مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ يقول: من
حيث لا ترون أنتم أيها الناس الشيطان وقبيلَه. إنّا جَعَلْنا الشّياطِينَ
أوْلِياءَ للّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ يقول: جعلنا الشياطين نصراء الكفار الذين لا
يوحدون الله ولا يصدّقون رسله.



الآية : 28


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً
قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنّ
اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ }.



ذكر أن معنى الفاحشة في هذا الموضع, ما:


11318ـ حدثني عليّ بن سعيد بن مسروق الكنديّ,
قال: حدثنا أبو محياة عن منصور, عن مجاهد: وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا
وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللّهُ أمَرَنا بِها قال: كانوا يطوفون بالبيت عُراة,
يقولون: نطوف كما ولدتنا أمّهاتنا, فتضع المرأة على قُبُلها النّسْعة أو الشيء
فتقول:



اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلّهفَمَا بَدَا
مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ



11319ـ
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد, في قوله: وَإذَا
فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْهَا آباءَنا فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون
بالبيت عُراة.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن
مفضل, عن منصور, عن مجاهد, مثله.



11320ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمران بن
عيينة, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير والشعبيّ: وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَة
قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا قال: كانوا يطوفون بالبيت عُراة.



11321ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَإذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجْدنا
عَلَيْها أباءَنا وَالله أمَرَنا بِها قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن
يطوفون بالبيت عراة, فإذا قيل: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا, والله
أمرنا بها.



11322ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا إسرائيل, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: وَإذَا
فَعَلُوا فاحِشَةً قال: طوافهم بالبيت عراة.



حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد, عن مجاهد: وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها
آباءَنا قال: في طواف الحُمْس في الثياب وغيرهم عراة.



حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني
حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: وَإذَا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا
عَلَيْهَا آباءَنا قال: كان نساؤهم يطفن بالبيت عراة, فتلك الفاحشة التي وجدوا
عليها آباءهم قُلْ إن الله لا يَأمُرُ بالفَحْشاءِ... الاَية.



فتأويل الكلام إذن: وإذا فعل الذي لا يؤمنون
بالله الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء قبيحا من الفعل وهو الفاحشة, وذلك
تعرّيهم للطواف بالبيت وتجرّدهم له, فعُذِلوا على ما أتوا من قَبيح فعلهم وعُوتبوا
عليه, قالوا: وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا, فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون,
ونقتدي بهديهم ونستنّ بسنتهم, والله أمرنا به, فنحن نتبع أمره فيه, يقول الله جلّ
ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهم: إن الله لا يأمر بالفحشاء,
يقول: لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومَساويها, أتقولون أيها الناس على الله ما لا
تعلمون يقول: أتروون على الله أنه أمركم بالتعرّي والتجرّد من الثياب واللباس
للطواف, وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك.



الآية :
29-30



القول في تأويل قوله
تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبّي بِالْقِسْطِ
وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ *
فَرِيقاً هَدَىَ وَفَرِيقاً حَقّ عَلَيْهِمُ الضّلاَلَةُ إِنّهُمُ
اتّخَذُوا الشّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُم
مّهْتَدُونَ }.



يقول تعالى ذكره لنبيه: قُلْ يا محمد لهؤلاء
الذين يزعمون أن الله أمرهم بالفحشاء كذبا على الله: ما أمر ربي بما تقولون, بل
أمَرَ رَبي بالقِسْطِ يعني: بالعدل. كما:



11323ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة,
قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: قُلْ أمَرَ رَبي بالقِسْطِ بالعدل.



11324ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قُلْ أمَرَ رَبي بالقِسْطِ والقسط:
العدل.



وأما قوله: وأقِيمُوا وَجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلّ
مَسْجِدٍ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله فقال بعضهم: معناه: وجهوا وجوهكم حيث
كنتم في الصلاة إلى الكعبة. ذكر من قال ذلك:



11325ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وأقِيمُوا
وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ إلى الكعبة حيثما صليتم في الكنيسة وغيرها.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: وَأقيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ
كُلّ مَسْجِدٍ قال: إذا صليتم فاستقبلوا الكعبة في كنائسكم وغيرها.



11326ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وأقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلّ
مَسْجِدٍ هو المسجد: الكعبة.



حدثنا المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا
خالد بن عبد الرحمن, عن عمر بن ذرّ, عن مجاهد في قوله: وأقِيمُوا وُجُوهَكُمْ
عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: الكعبة حيثما كنت.



11327ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: وأقيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: أقيموها
للقبلة هذه القبلة التي أمركم الله بها.



وقال آخرون: بل عني بذلك: واجعلوا سجودكم لله
خالصا دون ما سواه من الاَلهة والأنداد. ذكر من قال ذلك:



11328ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, في قوله: وأقِيمُوا وُجُوهَكُمْ
عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: في الإخلاص أن لا تدعوا غيره, وأن تخلصوا له الدين.



قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل
الاَية ما قاله الربيع, وهو أن القوم أمروا أن يتوجهوا بصلاتهم إلى ربهم, لا إلى
ما سواه من الأوثان والأصنام, وأن يجعلوا دعاءهم لله خالصا, لا مُكاءً ولا تصدية.



وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالاَية, لأن
الله إنما خاطب بهذه الاَية قوما من مشركي العرب لم يكونوا أهل كنائس وبِيَع,
وإنما كانت الكنائس والبيع لأهل الكتابين, فغير معقول أن يقال لمن لا يصلي في
كنيسة ولا بيعة: وجّه وجهك إلى الكعبة في كنيسة أو بيعة.



وأما قوله: وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدّينَ فإنه يقول: واعملوا لربكم مخلصين له الدين والطاعة, لا تخلطوا ذلك بشرك
ولا تجعلوا في شيء مما تعملون له شريكا. كما:



11329ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: وَادْعُوهُ مُخْلِصيِنَ لَه
الدّين قال: أن تخلصوا له الدين والدعوة والعمل, ثم توجهون إلى البيت الحرام.



القول في تأويل قوله تعالى: كَما بَدأكُمْ
تَعُودُونَ فَريقا هَدَى وَفَرِيقا حَقّ عَلَيْهِمْ الضّلالَةِ.



اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: كَما
بَدأكُمْ تَعُودُونَ فقال بعضهم: تأويله: كما بدأكم أشقياء وسعداء, كذلك تُبعثون
يوم القيامة. ذكر من قال ذلك:



11330ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله,
قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقا
هَدَى وَفَرِيقا حَقّ عَلَيْهِمُ الضّلاَلَةُ قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم
مؤمنا وكافرا, كما قال جلّ ثناؤه: هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ
وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا.



11331ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
سفيان, عن منصور, قال: حدثنا أصحابنا, عن ابن عباس: كمَا بَدأكُم تَعُودُونَ قال:
يبعث المؤمن مؤمنا, والكافر كافرا.



11332ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا يحيى بن الضريس, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن رجل, عن جابر, قال: يُبعثون على
ما كانوا عليه, المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه.



11333ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن أبي
جعفر الرازي, عن الربيع, عن أبي العالية, قال: عادوا إلى علمه فيهم, ألم تسمع إلى
قول الله فيهم: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ؟ ألم تسمع قوله: فَرِيقا هَدَى وَفَرِيقا
حَقّ عَلَيْهِمُ الضّلاَلَةُ؟.



11334ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبيد الله,
عن أبي جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية: كمَا بَدأكُمْ تَعُودون
قال: رُدّوا إلى علمه فيهم.



11335ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا أبو همام الأهوازي, قال: حدثنا موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب, في قوله:
كمَا بَدَأكُمْ تَعُودُونَ قال: من ابتدأ الله خلقه على الشّقوة صار إلى ما ابتدأ
الله خلقه عليه وإن عمل بأعمال أهل السعادة, كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة
ثم صار إلى ما ابتدىء عليه خلقه. ومن ابتدىء خلقه على السعادة صار إلى ما ابتدىء
عليه خلقه وإن عمل بأعمال أهل الشقاء, كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء ثم
صاروا إلى ما ابتدىء عليه خلقهم.



11336ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد
الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن وفاء بن إياس أبي يزيد, عن مجاهد: كمَا بَدأكُمْ
تَعُودُونَ قال: يبعث المسلم مسلما, والكافر كافرا.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو دكين, قال:
حدثنا سفيان, عن أبي يزيد, عن مجاهد: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ قال: يبعث المسلم
مسلما, والكافر كافرا.



11337ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن,
قال: حدثنا محمد بن أبي الوضاح, عن سالم الأفطس, عن سعيد بن جبير: كمَا بَداكُمْ
تَعُودُونَ قال: كما كتب عليكم تكونون.



حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا
شريك, عن سالم, عن سعيد, مثله.



11338ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقا هَدَى
وَفَرِيقا حَقّ عَلَيْهُمْ الضّلالَةُ يقول: كما بدأكم تعودون كما خلقناكم, فريق
مهتدون وفريق ضالّ, كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتم.



11339ـ حدثنا ابن بشار, قل: حدثنا عبد الرحمن,
قال: حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن سفيان, عن جابر, أن النبيّ صلى الله عليه وسلم,
قال: «تُبْعَثُ كُلّ نَفْسٍ على ما كانَتْ عَلَيْهِ».



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو داود الحفري,
عن شريك, عن سالم, عن سعيد بن جبير: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ قال: كما كُتبَ
عليكم تكونون.



حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا
حماد بن زيد, عن ليث, عن مجاهد, قال: يبعث المؤمن مؤمنا, والكافر كافرا.



11340ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة,
قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ شقيّا
وسعيدا.



حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا
ابن المبارك قراءة عن مجاهد, مثله.



وقال آخرون: معنى ذلك: كما خلقكم ولم تكونوا
شيئا تعودون بعد الفناء. ذكر من قال ذلك:



11341ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا غندر, عن
عوف, عن الحسن: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ قال: كما بدأكم ولم تكونوا شيئا فأحياكم,
كذلك يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلى, عن
عوف, عن الحسن: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ قال: كما بدأكم في الدنيا كذلك تعودون
يوم القيامة أحياء.



11342ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ قال: بدأ خلقهم ولم
يكونوا شيئا, ثم ذهبوا ثم يعيدهم.



11343ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: كمَا بَدأكُمْ تَعُودُونَ
فَرِيقا هَدَى يقول: كما خلقناكم أوّل مرّة كذلك تعودون.



11344ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: كمَا بَدأكُمْ
تَعُودُونَ يحييكم بعد موتكم.



11345ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: كمَا بَدأكُمْ تَعودُونَ قال: كما خلقهم أوّلاً, كذلك
يعيدهم آخرا.



قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك
بالصواب, القول الذي قاله من قال معناه: كما بدأكم الله خلقا بعد أن لم تكونوا
شيئا تعودون بعد فنائكم خلقا مثله, يحشركم إلى يوم القيامة لأن الله تعالى أمر
نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْلِمَ بما فِي هذه الاَية قوما مشركين أهل جاهلية
لا يؤمنون بالمعاد ولا يصدّقون بالقيامة, فأمره أن يدعوهم إلى الإقرار بأن الله
باعثهم يوم القيامة ومُثيب من أطاعه ومعاقب من عصاه, فقال له: قل لهم: أمر ربي
بالقسط, وأن أقيموا وجوهكم عند كلّ مسجد, وأن ادعوه مخلصين له الدين, وأن أقرّوا
بأن كما بدأكم تعودون فترك ذكر «وأن أقرّوا بأن» كما ترك ذكر «أن» مع «أقيموا», إذ
كان فيما ذكر دلالة على ما حذف منه. وإذ كان ذلك كذلك, فلا وجه لأن يؤمر بدعاء من
كان جاحدا النشور بعد الممات إلى الإقرار بالصفة التي عليها يُنشر من نُشر, وإنما
يؤمر بالدعاء إلى ذلك من كان بالبعث مصدّقا, فأما من كان له جاحدا فإنما يُدعى إلى
الإقرار به ثم يُعَرّف كيف شرائط البعث. على أن في الخبر الذي رُوي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الذي.



11346ـ حَدثنَاه محمد بن بشار, قال: حدثنا يحيى
بن سعيد, قال: حدثنا سفيان, قال: ثني المغيرة بن النعمان, عن سعيد بن جبير, عن ابن
عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «يُحْشَر النّاسُ عُرَاةً غُرْلاً, وأوّل
مَن يُكْسَى إبْرَاهِيمُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ» ثمّ قَرأ: كمَا بَدأْنا
أولَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلينَ.



حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا إسحاق بن يوسف,
قال: حدثنا سفيان, عن المغيرة بن النعمان, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, عن
النبيّ صلى الله عليه وسلم, بنحوه.



حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن
جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن المُغيرة بن النعمان, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس,
قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة, فقال: «يا أيّها النّاسُ
إنّكُمْ تُحْشَرُونَ إلى اللّهِ حُفاةً غُرْلاً كمَا بَدأنْا أولَ خَلْقٍ
نُعِيدُهُ وَعْدا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلِينَ».



ما يبين صحة القول الذي قلنا في ذلك, من أن
معناه: أن الخلق يعودون إلى الله يوم القيامة خلقا أحياء كما بدأهم في الدنيا خلقا
أحياء, يقال منه: بدأ الله الخلق يَبْدَؤهم وأبدأهم يُبْدِئهم إبداء بمعنى خلقهم,
لغتان فصيحتان. ثم ابتدأ الخبر جلّ ثناؤه عما سبق من علمه في خلقه وجرى به فيهم
قضاؤه, فقال: هدى الله منهم فريقا فوفّقهم لصالح الأعمال فهم مهتدون, وحقّ على
فريق منهم الضلالة عن الهدى والرشاد, باتخاذهم الشيطان من دون الله وليّا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 5:48 pm

وإذا كان التأويل هذا, كان
الفريق الأوّل منصوبا بإعمال هَدَى فيه, والفريق الثاني بوقوع قوله حقّ على عائد
ذكره في عليهم, كما قال جلّ ثناؤه: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ
وَالظّالِمِينَ أعَدّ لَهُمْ عَذَابا ألِيما. ومن وجّه تأويل ذلك إلى أنه كما
بدأكم في الدنيا صنفين: كافرا, ومؤمنا, كذلك تعودون في الاَخرة فريقين: فَرِيقا
هَدَى وَفَريقا حَقّ عَلَيْهِمُ الضّلالَةُ نصب «فريقا» الأوّل بقوله: «تعودون»,
وجعل الثاني عطفا عليه. وقد بيّنا الصواب عندنا من القول فيه.



القول في تأويل قوله تعالى: إنّهُمُ اتّخذُوا
الشّياطِينَ أوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أنّهُمْ مُهْتَدُونَ.



يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حقّ عليهم
الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة, باتخاذهم الشياطين نُصَراء
من دون الله وظهراء, جهلاً منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك بل فعلوا ذلك وهم يظنون
أنهم على هدى وحقّ, وأن الصواب ما أتوه وركبوا. وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول
من زعم أن الله لا يعذّب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد
علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه فيها, لأن ذلك لو كان كذلك, لم يكن
بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرقٌ, وقد فرّق الله بين
أسمائهما وأحكامهما في هذه الاَية.



الآية : 31


القول في تأويل قوله
تعالى: {يَابَنِيَ آدَمَ خُذُواْ
زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ
لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ }.



يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرّون عند
طوافهم ببيته الحرام ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب, والمحرّمين منهم أكل ما
لم يحرّمه الله عليهم من حلال رزقه تبرّرا عند نفسه لربه: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا
زِينَتَكُمْ من الكساء واللباس, عِنْدَ كُلْ مَسْجِد وكُلُوا من طيبات ما رزقتكم,
وحللته لكم, وَاشْرَبُوا من حلال الأشربة, ولا تحرّموا إلا ما حرّمت عليكم في
كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11347ـ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي, قال: حدثنا
خالد بن الحرث, قال: حدثنا شعبة, عن سلمة, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير, عن
ابن عباس: أنّ النساء كنّ يطفن بالبيت عراة وقال في موضع آخر: بغير ثياب إلا أن
تجعل المرأة على فرجها خرقة فيما وصف إن شاء الله, وتقول:



اليَوْمَ يَبْدُوا بَعْضُهُ أوْ كُلّهُفَمَا
بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ



قال: فنزلت هذه الاَية: خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلّ مَسْجِد.



حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا محمد بن جعفر,
قال: حدثنا شعبة, عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس,
قال: كانوا يطوفون عراة, الرجال بالنهار, والنساء بالليل, وكانت المرأة تقول:



اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلهُفَمَا بَدَا
مِنْهُ فَلا أحِلّهُ



فقال الله: خُذُوا زِينَتَكُمْ.


11348ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة,
عن عمرو, عن ابن عباس: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلْ مَسْجِدٍ قال: الثياب.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عندر ووهب بن
جرير, عن شعبة, عن سلمة بن كهيل, قال: سمعت مسلما البطين يحدّث عن سعيد بن جبير,
عن ابن عباس, قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة قال غُنْدَرٌ: وهي عريانة, قال
وهب: كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرها وما هنالك.






قال غندر: وتقول: من يعيرني تطوافا تجعله على
فرجها وتقول:



اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلّهُوَما بَدَا
مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ



فأنزل الله يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلّ مَسْجِد.



حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح,
قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا
زِيَنَتكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِد قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة, فأمرهم الله أن
يلبسوا ثيابهم ولا يتعرّوا.



حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني
عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ
مسْجِدٍ... الاَية, قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة, فأمرهم الله بالزينة.
والزينة: اللباس, وهو ما يواري السوأة, وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع, فأمروا
أن يأخذوا زينتهم عند كلّ مسجد.



11349ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي
وابن فضيل, عن عبد الملك, عن عطاء: خُذُوا زِينَتَكُمْ قال: كانوا يطوفون بالبيت
عراة, فأمروا أن يلبسوا ثيابهم.



حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, عن
عبد الملك, عن عطاء, بنحوه.



حدثني عمرو, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا عبد
الملك, عن عطاء, في قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ: البسوا
ثيابكم.



11350ـ حدثنا يعقوب قال: حدثنا هشيم, قال:
أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال:
كان ناس يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة,
عن إبراهيم: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: كانوا يطوفون بالبيت
عراة, فأمروا أن يلبسوا الثياب.



11351ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن
يمان, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال:
ما وارى العورة ولو عباءة.



حدثنا عمرو قال: حدثنا يحيى بن سعيد, وأبو
عاصم, وعبد الله بن داود, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد, في قوله: خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: ما يواري عورتك ولو عباءة.



11352ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم,
قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ في قريش, لتركهم الثياب في الطواف.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه.



11353ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, قال:
حدثنا سفيان, عن سالم, عن سعيد بن جبير: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ
قال: الثياب.



11354ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن
حباب, عن إبراهيم, عن نافع, عن ابن طاوس, عن أبيه: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ
مَسْجِدٍ قال: الشملة من الزينة.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيينة, عن
عمرو, عن طاوس: خُذوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ قال: الثياب.



11355ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا سويد وأبو
أسامة, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن سعيد بن جبير, قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة,
فطافت امرأة بالبيت وهي عريانة, فقالت:



اليَوْمَ يَبْدو بَعْضُهُ أوْ كُلّهُفَمَا بَدَا
مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ



11356ـ
حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قوله:
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدِ قال: كان حيّ من أهل اليمن كان أحدهم إذا
قدم حاجّا أو معتمرا يقول: لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد دنّست فيه, فيقول: من
يعيرني مئزرا؟ فإن قدر على ذلك, وإلا طاف عريانا, فأنزل الله فيه ما تسمعون:
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ.



11357ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قال الله: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ يقول: ما يواري العورة عند كلّ مسجد.



11358ـ حدثني محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن الزهريّ: أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة, إلا الحمس
قريش وأحلافهم فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس, فإنه لا يحلّ له أن
يلبس ثيابه, فإن لم يجد من يعيره من الحمس فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانا, وإن طاف
في ثياب نفسه ألقاها إذا قضى طوافه يحرمها فيجعلها حراما عليه, فلذلك قال: خُذُوا
زِينَتَكُمْ عَنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ.



وبه عن
معمر قال: قال ابن طاوس, عن أبيه: الشملة من الزينة.



11359ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت
أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ... الاَية, كان ناس من أهل اليمن والأعراب إذا
حجوا البيت يطوفون به عراة ليلاً, فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم وَلا يتعرّوا في
المسجد.



11360ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد: خُذُوا زِينَتَكُمْ قال: زينتهم ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند
البيت ويتعرّون.



11361ـ وحدثني به مرة أخرى بإسناده, عن ابن زيد
في قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخُرَجَ لِعِبادِهِ, وَالطّيّباتِ
مِنَ الرّزْقِ قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا
فيها, فإن وجدوا من يعيرهم ثيابا, وإلا طافوا بالبيت عراة, فقال: مَنْ حَرّمَ زِينَةَ
اللّهِ قال: ثياب الله التي أخرج لعباده... الاَية.



وكالذي قلنا أيضا, قالوا في تأويل قوله:
وَكُلُوا وَاشْرِبُوا وَلا تُسْرِفُوا. ذكر من قال ذلك:



11362ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: أحلّ الله الأكل
والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة.



حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني
حجاج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس, قوله: وكُلُوا وَاشْرِبُوا وَلا تُسْرِفُوا
إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ في الطعام والشراب.



11363ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قال: كان الذين يطوفون بالبيت عراة
يحرّمون عليهم الوَدَك ما أقاموا بالموسم, فقال الله لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا
تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ يقول: لا تسرفوا في التحريم.



11364ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مجاهدا يقول في قوله: وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا
تُسْرِفُوا قال: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله.



11365ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: وَلا تُسْرِفُوا لا تأكلوا حراما ذلك الإسراف.



وقوله إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ يقول: إن
الله لا يحبّ المتعدّين حدّه في حلال أو حرام, الغالين فيما أحلّ الله أو حرّم
بإحلال الحرام, وبتحريم الحلال, ولكنه يحب أن يحلل ما أحلّ ويحرّم ما حرّم, وذلك
العدل الذي أمر به.



الآية : 32


القول في تأويل قوله
تعالى: {قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ
اللّهِ الّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطّيّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِي
لِلّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كَذَلِكَ نُفَصّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }.






يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه
وسلم: قُلْ يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت,
ويحرّمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: مَنْ حَرّمَ أيها القوم عليكم
زِينَةَ اللّهِ التي خلقها لعباده أن تتزينوا بها وتتجملوا بلباسها, والحلال من
رزق الله الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم.



واختلف أهل التأويل في المعنىّ بالطيبات من
الرزق بعد إجماعهم على أن الزينة ما قلنا, فقال بعضهم: الطيبات من الرزق في هذا
الموضع: اللحم, وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم. ذكر من قال ذلك منهم:



11366ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ
اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ وهو الودك.



11367ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ
وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ الذي حرّموا على أنفسهم, قال: كانوا إذا حجوا أو
اعتمروا حرّموا الشاة عليهم وما يخرج منها.



وحدثني به يونس مرّة أخرى, قال: أخبرنا ابن
وهب, قال: قال بن زيد, في قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ... إلى آخر
الاَية, قال: كان قوم يحرّمون ما يخرج من الشاة لبنها وسمنها ولحمها, فقال الله:
قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطّيّباتِ مِنَ
الرّزْقِ قال: والزينة من الثياب.



11368ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا حبان بن موسى,
قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن رجل, عن الحسن, قال: لما بعث محمدا فقال:
هذا نبيي هذا خياري, استنّوا به خذوا في سنته وسبيله لم تُغلق دونه الأبواب ولم
تُقم دونه الحُجُب, ولم يغد عليه بالجبار ولم يرجع عليه بها. وكان يجلس بالأرض,
ويأكل طعامه بالأرض, ويلعق يده, ويلبس الغليظ, ويركب الحمار, ويردف عبده, وكان
يقول: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِي فَلَيْسَ مِنّي». قال الحسن: فما أكثر الراغبين
عن سنته التاركين لها, ثم عُلوجا فسّاقا, أكلة الربا والغلول, قد سفههم ربي
ومقتهم, زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا وزخرفوا هذه البيوت, يتأوّلون
هذه الاَية: قُل مَنْ حَرمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطّيّباتِ
مِن الرّزْقِ وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان, قد جعلها ملاعب لبطنه وفرجه من كلام
لم يحفظه سفيان.



وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية
تحرّم من البحائر والسوائب. ذكر من قال ذلك:



11369ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ
لِعِبادِهِ والطّيّباتِ مِنَ الرّزقِ وهو ما حرّم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم:
البحيرة, والسائبة, والوصيلة, والحام.



11370ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية بن صالح, عن عليّ, عن ابن عباس قوله: قُلْ مَنْ حَرّمَ
زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ قال: إن
الجاهلية كانوا يحرّمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها, وهو قول الله: قُلْ
أرأيْتُمْ ما أنْزَلَ الله لَكُم مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاما
وَحَلالاً وهو هذا, فأنزل الله: قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ
لِعِبادِهِ وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ.



القول في تأويل قوله تعالى: قُلْ هِيَ للّذِينَ
آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنْيا خالِصَة يَوْمَ القِيامَةِ.



يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه
وسلم: قل يا محمد لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي
أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطّيّباتِ مِن الرّزْقِ إذ عيوا بالجواب فلم يدروا ما
يجيبونك: زينة الله التي أخرج لعباده, وطيبات رزقه للذين صدّقوا الله ورسوله,
واتبعوا ما أنزل إليك من ربك في الدنيا, وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله
ورسوله وخالف أمر ربه, وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة, لا يشركهم
في ذلك يومئذٍ أحد كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: ذكر
من قال ذلك:



11371ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله,
قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس: قُلْ هِيَ للّذِينَ آمَنُوا
في الحَياةِ الدّنْيا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ يقول: شارك المسلمون الكفار في
الطيّبات, فأكلوا من طيبات طعامها, ولبسوا من خيار ثيابها, ونكحوا من صالح نسائها,
وخلصوا بها يوم القيامة.



وحدثني به المثنى مرّة أخرى بهذا الإسناد
بعينه, عن ابن عباس, فقال: قُلْ هِيَ لِلّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنَيا
يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطيّبات في الحياة الدنيا, ثم يخلص الله
الطيبات في الاَخرة للذين آمنوا, وليس للمشركين فيها شيء.



حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني
عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قال: قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ
مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطّيّباتِ مِنَ الرّزْقِ
قُلْ هِي للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياة الدّنْيا خالِصَةً يَوْمَ القيامةِ يقول:
قل هي في الاَخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا, لا يشركهم فيها أحد وذلك أن الزينة
في الدنيا لكلّ بني آدم, فجعلها الله خالصة لأوليائه في الاَخرة.



11372ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
سلمة بن نبيط, عن الضحاك: قُلْ هِيَ الّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا
خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ قال: اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا, وهي
للذين آمنوا خالصة يوم القيامة.



11373ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: قُلْ هِيَ الّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ
الدّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ خالصة للمؤمنين في الاَخرة لا يشاركهم فيها
الكفار, فأما في الدنيا فقد شاركوهم.



11374ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قُلْ هِيَ للّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدّنيْا
خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ من عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم
القيامة, ومن ترك الإيمان في الدنيا قدم على ربه لا عذر له.



11375ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قُل هِيَ للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ
الدّنيْا يشترك فيها معهم المشركون, خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ للذين آمنوا.



11376ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت
أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قُل مَنْ
حَرمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطّيّباتِ مِنَ الرّزقِ قُلْ
هِيَ للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا خالِصَةً يَومَ القِيامَةِ يقول:
المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب, ويوم القيامة
يُخَلص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين, وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيب.



11377ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر, ويخلص خير الاَخرة
للمؤمنين, وليس للكافر فيها نصيب.



11378ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد: قُلْ هِيَ للّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا خالِصَةً يَوْمَ
القِيامَةِ قال: هذه يوم القيامة للذين آمنوا, لا يشركهم فيها أهل الكفر ويشركونهم
فيها فِي الدنيا, وإذا كان يوم القيامة فليس لهم فيها قليل ولا كثير. وقال سعيد بن
جبير في ذلك, بما:



11379ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسماعيل بن
أبان وحيوية الرازي أبو يزيد عن يعقوب القمي, عن سعيد بن جبير: قُلَ هِيَ للّذِينَ
آمَنُوا فِي الحَياةِ الدّنيْا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ قال: ينتفعون بها في
الدنيا ولا يتبعهم إثمها.



واختلفت القرّاء في قراءة قوله «خالصة», فقرأ
ذلك بعض قرّاء المدينة: «خالِصَةٌ» برفعها, بمعنى: قل هي خالصة للذين آمنوا. وقرأه
سائر قرّاء الأمصار: خالصَةً بنصبها على الحال من لهم, وقد ترك ذكرها من الكلام
اكتفاء منها بدلالة الظاهر عليها, على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى للكلام:
قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة, وهي لهم الاَخرة خالصة. ومن قال ذلك
بالنصب جعل خبر «هي» في قوله: للّذِينَ آمَنُوا.



قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصحة
قراءة من قرأ نصبا, لإيثار العرب النصب في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة وإن
كان الرفع جائزا, غير أن ذلك أكثر في كلامهم.



القول في تأويل قوله تعالى: كَذَلِكَ نُفَصّلُ
الاَياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.



يقول تعالى ذكره: كما بينت لكن الواجب عليكم في
اللباس والزينة والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها, وميزت بين ذلك لكم أيها
الناس, كذلك أبين جميع أدلتي وحججي وأعلام حلالي وحرامي وأحكامي لقوم يعلمون ما
يبين لهم ويفقهون ما يميز لهم.



الآية : 33


القول في تأويل قوله
تعالى: {قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّيَ
الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ
الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن
تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.



يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل يا محمد
لهؤلاء المشركين الذين يتجرّدون من ثيابهم للطواف بالبيت, ويحرمون أكل طيبات ما
أحلّ الله لهم من رزقه أيها القوم: إن الله لم يحرّم ما تحرّمونه, بل أجلّ ذلك
لعباده المؤمنين وطبّبه لهم. وإنما حرّم ربي القبائح من الأشياء, وهي الفواحش, ما
ظهر منها فكان علانية, وما بطن منها فكان سرّا في خفاء. وقد رُوي عن مجاهد في ذلك
ما:



11380ـ حدثني الحرث, قال: ثني عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مجاهدا يقول في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ قال:
ما ظهر منها طواف أهل الجاهلية عراة, وما بطن: الزنا.



وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك
بالروايات فيما مضى فكرهت إعادته.



وأما الإثم: فإنه المعصية. والبغي: الاستطالة
على الناس. يقول تعالى ذكره: إنما حرّم ربي الفواحش مع الإثم والبغي على الناس.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11381ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَالإثمَ والَبغْيَ أما الإثم: فالمعصية,
والبغي: أن يبغي على الناس بغير الحقّ.



11382ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مجاهدا في قوله: ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ
والإثمَ والبَغْيَ قال: نهى عن الإثم وهي المعاصي كلها, وأخبر أن الباغي بغيه كائن
على نفسه.



القول في تأويل قوله تعالى: وأنْ تُشْرِكُوا
باللّهِ ما لَمْ يُنزّلّ بِهِ سُلْطانا وأنْ تَقُولُوا على اللّهِ ما لا
تَعْلَمُونَ.



يقول جل ثناؤه: إنما حرم ربي الفواحش والشرك به
أن تعبدوا مَعَ الله إلها غيرَهُ, ما لَمْ ينزّلْ بِهِ سُلْطانا يقول: حرّم ربكم
عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شركا لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته
حجة ولا برهانا, وهو السلطان. وأنْ تَقُولُوا على اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يقول:
وأن تقولوا: إن الله أمركم بالتعرّي والتجرّد للطواف بالبيت, وحرّم عليكم أكل هذه
الأنعام التي حرّمتموها وسيّبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي, وغير ذلك مما لا
تعلمون أن الله حرّمه أو أمر به أو أباحه, فتضيفوا إلى الله تحريمه وحظره والأمر
به, فإن ذلك هو الذي حرّمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرّمه أو تقولون إن
الله أمركم به جهلاً منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى الله.



الآية : 34


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَلِكُلّ أُمّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا
جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }.



يقول تعالى ذكره مهدّدا للمشركين الذين أخبر
جلّ ثناؤه عنهم أنهم كانوا إذا فعلوا فاحشة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 5:51 pm

قالوا وجدنا عليها
آباءنا والله أمرنا بها, ووعيدا منه لهم على كذبهم عليه وعلى إصرارهم على الشرك به
والمقام على كفرهم, ومذكّرا لهم ما أحلّ بأمثالهم من الأمم الذين كانوا قبلهم:
وَلِكُلّ أمّةٍ أجَلٌ يقول: ولكلّ جماعة اجتمعت على تكذيب رسل الله وردّ نصائحهم,
والشرك بالله مع متابعة ربهم حججه عليهم, أجل, يعني: وقت لحلول العقوبات بساحتهم,
ونزول المثلات بهم على شركهم. فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ يقول: فإذا جاء الوقت الذي
وقّته الله لهلاكهم وحلول العقاب بهم لا يَسْتأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ
يقول: لا يتأخرون بالبقاء في الدنيا ولا يتمتعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم وحين
حلول أجل فنائهم ساعة من ساعات الزمان. وَلا يَسْتَقْدِمُون يقول: ولا يتقدمون
بذلك أيضا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقتا للهلاك.



الآية : 35


القول في تأويل قوله
تعالى: {يَابَنِيَ آدَمَ إِمّا
يَأْتِيَنّكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتّقَىَ
وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.



يقول تعالى ذكره معرّفا خلقه ما أعدّ لحزبه
وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله, وما أعدّ لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به
وبرسله: يا بَنِي آدَمَ إمّا يَأتِنَنّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يقول: إن يجئكم رسلي
الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعته والانتهاء إلى أمري ونهي منكم, يعني: من
أنفسكم, ومن عشائركم وقبائلكم. يَقُصّون عَلَيْكُمْ آياتِي يقول: يتلون عليكم آيات
كتابي, ويعرّفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاءوكم به من عندي, وحقيقة ما دعوكم
إليه من توحيدي. فَمَنْ اتّقَى وأصْلَحَ يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رسلي مما
قصّ عليه من آياتي وصدّق واتقى الله, فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه
عنه, على لسان رسوله. وأَصْلَحَ يقول: وأصلح أعماله التي كان لها مفسدا قبل ذلك من
معاصي الله بالتحوّب منها. فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يقول: فلا خوف عليهم يوم
القيامة من عقاب الله إذا وردوا عليه. وَلاهُمْ لا يَحْزنُونَ على ما فاتهم من
دنياهم التي تركوها, وشهواتهم التي تجنبوها, اتباعا منهم لنهي الله عنها إذا
عاينوا من كرامة الله ما عاينوا هنالك.



11383ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا هشام أبو عبد الله, قال: حدثنا هياج, قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد, عن أبي
سيار السلمي, قال: إن الله جعل آدم وذرّيته في كفه, فقال: يا بَنِي آدَمَ إمّا
يَأْتِيَنّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْهِمْ آياتِي فَمَنِ اتّقَى
وأصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ, ثم نظر إلى الرسل فقال:
يا أيّها الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّباتِ وَاعْمَلُوا صَالِحا إنّي بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً واحِدَةً وأنا رَبكُمْ
فاتّقُونِ ثم بثهم.



فإن قال قائل: ما جواب قوله: إمّا
يأْتِنَنّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك, فقال بعضهم في
ذلك: الجواب مضمر, يدلّ عليه ما ظهر من الكلام, وذلك قوله: فَمَنِ اتّقَى وأصْلَحَ
وذلك لأنه حين قال: فمَنِ اتّقَى وأصْلَحَ كأنه قال: فأطيعوهم.



وقال آخرون منهم: الجواب: «فمن اتقى», لأن
معناه, فمن اتقى منكم وأصلح. قال: ويدلّ على أن ذلك كذلك, تبعيضه الكلام, فكان في
التبعيض اكتفاء من ذكر «منكم».



الآية : 36


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا
وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
}.



يقول جل ثناؤه: وأما من كذب بأنباء رسلي التي
أرسلتها إليه وجحد توحيدي وكفر بما جاء به رسلي واستكبر عن تصديق حججي وأدلتي,
فأُولَئِكَ أصحَابُ النّارِ هُمْ فيها خالدون يقول: هم في نار جهنم ماكثون, لا
يخرجون منها أبدا.



الآية : 37


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ
عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم
مّنَ الْكِتَابِ حَتّىَ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفّوْنَهُمْ قَالُوَاْ
أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلّواْ عَنّا
وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }.



يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلاً وأجهل قولاً
وأبعد ذهابا عن الحقّ والصواب مِمّنِ افْتَرَى على اللّهِ كَذِبا يقول: ممن اختلق
على الله زورا من القول, فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرنا بها. أوْ كَذّبَ
بآياتِهِ يقول: أو كذّب بأدلته وأعلامه الدالة على وحدانيته ونبوّة أنبيائه, فجحد
حقيقتها ودافع صحتها. أُولَئِك يقول: من فعل ذلك فافترى على الله الكذب وكذّب
بآياته, أُولَئِكَ يَنالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ يقول: يصل إليهم حظهم مما
كتب الله لهم في اللوح المحفوظ.



ثم اختلف أهل التأويل في صفة ذلك النصيب الذي
لهم في الكتاب وما هو, فقال بعضهم: هو عذاب الله الذي أعدّه لأهل الكفر به. ذكر من
قال ذلك. 11384ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيم,
قال: حدثنا مروان, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح, قوله: أُولَئِكَ
يَنالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ: أي من العذاب.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن
إسماعيل, عن أبي صالح, مثله.



11385ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: أُولَئِكَ يَنالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ
الكِتابِ يقول: ما كتب لهم من العذاب.



11386ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون,
قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن كثير بن زياد, عن الحسن في قوله: أُولَئِكَ
ينالَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من العذاب.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية, عن
جويبر, عن أبي سهل, عن الحسن, قال: من العذاب.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي, عن
جويبر, عن رجل, عن الحسن, قال: من العذاب.



وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما
سبق لهم من الشقاء والسعادة. ذكر من قال ذلك.



11387ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن
آدم, عن شريك, عن سعيد: أولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من
الشقوة والسعادة.



11388ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن
عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن القاسم بن أبي بزّة, عن مجاهد:
أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ كشقيّ وسعيد.



11389ـ حدثنا واصل بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن فضيل, عن الحسن, بن عمرو والفقيمي, عن الحكم قال: سمعت مجاهدا يقول: أُولَئِكَ
يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: هو ما سبق.



حدثنا المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُم نَصِيبُهُمْ مِنَ
الكِتابِ: ما كتب لهم من الشقاوة والسعادة.



حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا
ابن المبارك, عن شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يَنالُهُم نَصيبُهُم مِنَ
الكِتابِ: ما كتب عليهم من الشقاوة والسعادة, كشقيّ وسعيد.



11390ـ قال: حدثنا ابن المبارك, عن شريك, عن
جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ من
الشقاوة والسعادة.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نمير وابن
إدريس, عن الحسن بن عمرو, عن الحكم, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ
مِن الكِتابِ قال: ما قد سبق من الكتاب.



11391ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد
الرحمن, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ
الكِتابِ قال: ما سبق لهم في الكتاب.



قال: حدثنا سويد بن عمرو ويحيى بن آدم, عن
شريك, عن سالم, عن سعيد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُم قال: من الشقاوة
والسعادة.



قال: حدثنا أبو معاوية, عن سفيان, عن ابن أبي
نجيح, عن مجاهد, قال: ما قضى أو قدّر عليهم.



11392ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عباس: يَنالُهُم نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ
ينالهم الذي كتب عليهم من الأعمال.



11393ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد, قال: حدثنا مروان
بن معاوية, عن إسماعيل بن سميع, عن بكر الطويل, عن مجاهد, في قول الله: أولَئِكَ
يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: قوم يعملون أعمالاً لا بدّ لهم أن
يعملوها.



وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من
كتابهم الذي كتب لهم أو عليهم بأعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشرّ. ذكر من
قال ذلك.



11394ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ
مِنَ الكِتابِ يقول: نصيبهم من الأعمال, من عمل خيرا جزي به, ومن عمل شرّا جُزي
به.



11395ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: أُولَئِكَ
يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من أحكام الكتاب على قدر أعمالهم.



11396ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ
قال: ينالهم نصيبهم في الاَخرة من أعمالهم التي عملوا وأسلفوا.



حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, عن سعيد,
عن قتادة, قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُم نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ أي أعمالهم, أعمال
السوء التي عملوها وأسلفوها.



حدثني أحمد بن المقدام, قال: حدثنا المعتمر,
قال: قال أبي: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ زعم قتادة: من
أعمالهم التي عملوا.



11397ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت
أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك, قوله: أولَئِكَ يَنالُهُمُ
نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ يقول: ينالهم نصيبهم من العمل, يقول: إن عمل من ذلك نصيب
خير جزي خيرا, وإن عمل شرّا جزي مثله.



وقال آخرون: معنى ذلك: ينالهم نصيبهم مما وعدوا
في الكتاب من خير أو شرّ. ذكر من قال ذلك:



11398ـ حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا زيد بن
أبي الزرقاء, عن سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس في هذه الاَية: أُولَئِكَ
يَنالُهمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من الخير والشرّ.



11399ـ قال: حدثنا زيد, عن سفيان, عن منصور, عن
مجاهد, قال: ما وعدوا.



حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال:
حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ
قال: ما وعدوا.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن
منصور, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُم مِنَ الكِتابِ قال: ما وعدوا
فيه من خير أو شرّ.



11400ـ قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن جابر, عن
مجاهد, عن ليث, عن ابن عباس: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال:
ما وعدوا مثله.



11401ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي,
عن جويبر, عن الضحاك, قال: ما وعدوا فيه من خير أو شرّ.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال:
حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ
قال: ما وعدوا فيه.



حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور,
عن مجاهد, في قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: ما وعدوا
من خير أو شرّ.



حدثنا عمرو بن عبد الحميد, قال: حدثنا مروان
بن معاوية, عن الحسين بن عمرو, عن الحكم, عن مجاهد, في قول الله: أُولَئِكَ
يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: ينالهم ما سبق لهم من الكتاب.



وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من
الكتاب الذي كتبه الله على ما افترى عليه. ذكر من قال ذلك:



11402ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ
نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ يقول: ينالهم ما كتب عليهم, يقول: قد كتب لمن يفتري على
الله أن وجهه مسودّ.



وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما
كتب لهم من الرزق والعمر والعمل. ذكر من قال ذلك:



11403ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الرحمن بن سعد, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربيع ابن أنس: أُولَئِكَ
يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ مما كتب لهم من الرزق.



11404ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا محمد بن
حرب, عن ابن لهيعة, عن أبي صخر, عن القرظي: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ
الكِتابِ قال: عمله ورزقه وعمره.



11405ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الكِتابِ قال: من
الأعمال والأرزاق والأعمال, فإذا فني هذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم وقد فرغوا من هذه
الأشياء كلها.



قال أبو جعفر, وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب
قول من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب مما كتب لهم من خير وشرّ في
الدنيا ورزق وعمل وأجل. وذلك أن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله: حتى إذَا
جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوفّوْنَهُمْ قالُوا أيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللّهِ فأبان بإتباعه ذلك قوله: أُولَئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ
الكِتابِ أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضيا عليهم في الدنيا أن ينالهم,
لأنه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسله لتقبض أرواحهم. ولو كان ذلك
نصيبهم من الكتاب أو مما قد أعدّ لهم في الاَخرة, لم يكن محدودا بأنه ينالهم إلى
مجيء رسل الله لو فاتهم لأن رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الاَخرة, وأن عذابهم في
الاَخرة لا آخر له ولا انقضاء فإن الله قد قضى عليهم بالخلود فيه, فبين بذلك أن
معناه ما اخترنا من القول فيه.



القول في تأويل قوله تعالى: إذَا جاءَتْهُمْ
رُسُلُنا يَتَوَفّوْنَهُمْ قالُوا أيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ
قالُوا ضَلّوا عَنّا وشَهِدُوا على أنْفُسِهِمْ أنّهُمْ كانُوا كافِرِينَ.



يعني جلّ ثناؤه بقوله: حتى إذا جاءَتْهُمْ
رُسُلُنا إلى أن جاءتهم رسلنا, يقول جلّ ثناؤه: وهؤلاء الذين افتروا على الله
الكذب أو كذّبوا بآيات ربهم, ينالهم حظوظهم التي كتب الله لهم وسبق في علمه لهم من
رزق وعمل وأجل وخير وشرّ في الدنيا, إلى أن تأتيهم رسلنا لقبض أرواحهم. فإذَا
جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يعني: ملك الموت وجنده. يَتَوَفّوْنَهُمْ يقول: يستوفون عددهم
من الدنيا إلى الاَخرة. قالُوا أيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ
يقول: قالت الرسل: أين الذين كنتم تدعونهم أولياء من دون الله وتعبدونهم, لا
يدفعون عنكم ما قد جاءكم من أمر الله الذي هو خالقكم وخالقهم وما قد نزل بساحتكم
من عظيم البلاء, وهلاّ يغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه فأجابهم
الأشقياء, فقالوا: ضلّ عنا أولياؤنا الذين كنا ندعو من دون الله يعني بقوله:
ضَلّوا: جاروا وأخذوا غير طريقنا وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا. يقول الله
جلّ ثناؤه: وشهد القوم حينئذٍ على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بالله جاحدين
وحدانيته.



الآية : 38


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ ادْخُلُواْ فِيَ أُمَمٍ
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مّن الْجِنّ وَالإِنْسِ فِي النّارِ كُلّمَا دَخَلَتْ
أُمّةٌ لّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتّىَ إِذَا ادّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ
أُخْرَاهُمْ لاُولاَهُمْ رَبّنَا هَـَؤُلآءِ أَضَلّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً
مّنَ النّارِ قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ وَلَـَكِن لاّ تَعْلَمُونَ }.



وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قيله لهؤلاء
المفترين عليه المكذّبين آياته يوم القيامة, يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا
عليه يوم القيامة: ادخلوا أيها المفترون على ربكم المكذّبون رسله في جماعات من
ضربائكم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ يقول: قد سلفت من قبلكم من الجنّ والإنس في
النار. ومعنى ذلك: ادخلوا في أمم هي في النار قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس.
وإنما يعني بالأمم: الأحزاب وأهل الملل الكافرة. كَلّمَا دَخَلَتْ أُمّةٌ لَعَنَتْ
أخْتَها يقول جلّ ثناؤه: كلما دخلت النار جماعة من أهل ملة لعنت أختها, يقول: شتمت
الجماعةُ الأخرى من أهل ملتها تبرّيا منها. وإنما عني بالأخت: الأخوّة في الدين
والملة وقيل أختها ولم يقل أخاها, لأنه عني بها أمة وجماعة أخرى, كأنه قيل: كلما
دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11406ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: كُلّما دَخَلَتْ أُمّةٌ لَعَنَتْ أخْتَها
يقول: كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدنيا يلعن المشركون المشركين
واليهود اليهود والنصارى النصارى والصابئون الصابئين والمجوس المجوس, تلعن
الاَخرةُ الأولى.



القول في تأويل قوله تعالى: حتى إذَا
ادّارَكُوا فِيها جَمِيعا.



يقول تعالى ذكره: حتى إذا تداركت الأمم في
النار جميعا, يعني: اجتمعت فيها, يقال: قد ادّاركوا وتداركوا: إذا اجتمعوا, يقول:
اجتمع فيها الأوّلون من أهل الملل الكافرة والاَخرون منهم.



القول في تأويل قوله تعالى: قَالتْ أُخْرَاهُمْ
لأولاهُمْ رَبنا هَؤُلاءِ أضَلّونا فَآتِهِمْ عَذَابا ضِعْفا مِنَ النّارِ قالَ
لِكُلَ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ.



وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن محاورة الأحزاب
من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة, يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل
الملل الكافرة في النار فادّاركوا, قالت أخرى أهل كلّ ملة دخلت النار الذين كانوا
في الدنيا بعد أولى منهم تقدمتها وكانت لها سلفا وإماما في الضلالة والكفر لأولاها
الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك ودعوْنا إلى عبادة غيرك
وزيّنُوا لنا طاعة الشيطان, فآتهم اليوم من عذابك الضعف على عذابنا. كما:



11407ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: قالت أخراهم الذين كانوا في آخر الزمان
لأولاهم الذين شرعوا لهم ذلك الدين: رَبّنا هَؤلاءِ أضَلّونا فَآتِهِمْ عَذَابا
ضِعْفا مِنَ النّارِ.



وأما قوله: قالَ لِكُلَ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا
تَعْلَمونَ فإنه خبر من الله عن جوابه لهم, يقول: قال الله للذين يدعونه فيقولون:
ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار لكلكم, أوّلكم وآخركم وتابعوكم
ومتبعوكم ضعف, يقول: مكررٌ عليه العذاب. وضعف الشيء: مثله مرّة: وكان مجاهد يقول
في ذلك, ما:



11408ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: عَذَابا ضِعْفا
مِنَ النّارِ قالَ لِكلّ ضِعْفٌ.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11409ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال الله: لِكُلَ ضِعْفٌ للأولى وللاَخرة
ضعف.



11410ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن,
قال: حدثنا سفيان, قال: ثني غير واحد, عن السديّ, عن مرّة, عن عبد الله: ضِعْفا
مِنَ النّارِ قال: أفاعي.



حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا سفيان, عن السديّ, عن مرّة, عن عبد الله: فآتهم عَذَابا ضِعْفا مِنَ النّارِ
قال: حيات وأفاعي.



وقيل: إن الضعف في كلام العرب ما كان ضعفين
والمضاعف ما كان أكثر من ذلك.



وقوله: وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ يقول: ولكنكم
يا معشر أهل النار, لا تعلمون ما قدر ما أعدّ الله لكم من العذاب, فلذلك تسأل
الضعف منه الأمة الكافرة الأخرى لأختها الأولى.



الآية : 39


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَقَالَتْ أُولاَهُمْ
لاُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ
بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }.



يقول جلّ ثناؤه: وقالت أولى كلّ أمة وملة سبقت
في الدنيا لأخراها الذين جاءوا من بعدهم وحدثوا بعد زمانهم فيها, فسلكوا سبيلهم
واستنوا سنتهم: فَمَا كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ وقد علمتم ما حلّ بنا من
عقوبة الله بمعصيتنا إياه وكفرنا به, وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنّذر, هل
انتهيتم إلى طاعة الله, وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم؟ فانقضت حجة القوم وخصموا
ولم يطيقوا جوابا بأن يقولوا فُضّلنا عليكم أنا اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدّقنا
رسله, قال الله لجميعهم: فذوقوا جميعكم أيها الكفرة عذاب جهنم, بما كنتم في الدنيا
تكسبون من الاَثام والمعاصي, وتجترحون من الذنوب والأجرام



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11411ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
المعتمر, قال: سمعت عمران, عن أبي مجلز: وَقالَتْ أُولاهم لاِخْرَاهُمْ فَمَا كانَ
لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ قال:
يقول: فما فضلكم علينا, وقد بين لكم ما صنع بنا وحُذرتم.



11412ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَقالَتْ أُولاهُمْ لاِخْرَاهُمْ فَمَا
كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فقد ضللتم كما ضللنا.



وكان مجاهد يقول في هذا بما:


11413ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: فَمَا كانَ لَكُمْ عَلَيْنا
مِنْ فَضْلٍ قال: من التخفيف من العذاب.



حدثني
المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: فَمَا
كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْل قال: من تخفيف.



وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد قول لا معنى
له, لأن قول القائلين: فما كان لكم علينا من فضل, لمن قالوا ذلك إنما هو توبيخ منهم
على ما سلف منهم قبل تلك الحال, يدلّ على ذلك دخول «كان» في الكلام, ولو كان ذلك
منهم توبيخا لهم على قيلهم الذي قالول لربهم: آتهم عذابا ضعفا من النار, لكان
التوبيخ أن يقال: فما لكم علينا من فضل في تخفيف العذاب عنكم وقد نالكم من العذاب
ما قد نالنا. ولم يقل: فما كان لكم علينا من فضل.



الآية : 40


القول في تأويل قوله
تعالى: {إِنّ الّذِينَ كَذّبُواْ
بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السّمَآءِ
وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ حَتّىَ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ }.



يقول تعالى ذكره: إن الذين كذّبوا بحججنا
وأدلتنا فلم يصدّقوا بها ولم يتبعوا رسلنا, واسْتَكْبَرُوا عَنْها يقول: وتكبروا
عن التصديق بها وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبرا, لا تفتح لهم لأرواحهم إذا
خرجت من أجسادهم أبواب السماء, ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل, لأن
أعمالهم خبيثة. وإنما يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح, كما قال جلّ ثناؤه: إلَيْهِ
يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبُ وَالعَمَلَ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ.



ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لا
تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ فقال بعضهم: معناه: لا تفتح لأرواح هؤلاء
الكفار أبواب السماء. ذكر من قال ذلك:



11414ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يعلى, عن
أبي سنان, عن الضحاك, عن ابن عباس: لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ قال: عنى
بها الكفار أن السماء لا تفتح لأرواحهم وتفتح لأرواح المؤمنين.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية, عن
أبي سنان, عن الضحاك, قال: قال ابن عباس: تفتح السماء لروح المؤمن, ولا تفتح لروح
الكافر.



11415ـ حدثنا محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ
قال: إن الكافر إذا أخذ روحه ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء, فإذا بلغ
السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط, فضربته ملائكة الأرض فارتفع, فإذا بلغ
السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء الدنيا, فهبط إلى أسفل الأرضين وإذا كان مؤمنا
أخذ روحه, وفُتح له أبواب السماء, فلا يمرّ بملك إلاّ حياه وسلم عليه حتى ينتهي
إلى الله, فيعطيه حاجته, ثم يقول الله: ردّوا روح عبدي فيه إلى الأرض, فإني قضيت
من التراب خلقه, وإلى التراب يعود, ومنه يخرج.



وقال آخرون: معنى ذلك: أنه لا يصعد لهم عمل
صالح ولا دعاء إلى الله. ذكر من قال ذلك:



11416ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبيد الله,
عن سفيان, عن ليث, عن عطاء, عن ابن عباس: لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ:
لا يصعد لهم قول ولا عمل.



حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح,
قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: إنّ الّذِينَ كَذّبُوا
بآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتّحُ لَهُم أبْوَابُ السّماءِ يعني: لا
يصعد إلى الله من عملهم شيء.



حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني
عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ
يقول: لا تفتح لخير يعملون.



11417ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
سفيان, عن منصور, عن مجاهد: لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ قال: لا يصعد
لهم كلام ولا عمل.



11418ـ حدثنا مطر بن محمد الضبي, قال: حدثنا
عبد الله بن داود, قال: حدثنا شريك, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: لا تُفَتّحُ
لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء.



11419ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن
آدم, عن شريك, عن سالم, عن سعيد: لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ قال: لا
يرتفع لهم عمل ولا دعاء.



حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا
شريك, عن سعيد: لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ قال: لا يرفع لهم عمل صالح
ولا دعاء.



وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتح أبواب السماء
لأرواحهم ولا لأعمالهم. ذكر من قال ذلك:



11420ـ حدثني القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جريج: لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ قال: لأرواحهم ولا
لأعمالهم.



قال أبو جعفر: وإنما اخترنا في تأويل ذلك ما
اخترنا من القول لعموم خبر الله جلّ ثناؤه أن أبواب السماء لا تفتح لهم, ولم يخصص
الخبر بأنه يفتح لهم في شيء, فذلك على ما عمه خبر الله تعالى بأنها لا تفتح لهم في
شيء مع تأييد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلنا في ذلك. وذلك ما:



11421ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر بن
عياش, عن الأعمش, عن المنهال, عن زاذان, عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذكر قبض روح الفاجر, وأنه يصعد بها إلى السماء, قال: «فَيَصْعَدُونَ بِها
فَلا يَمُرّونَ على مَلإٍ مِنَ المَلائِكَةِ إلاّ قالوا: ما هَذَا الرّوحُ
الخَبِيثُ, فَيَقُولُونَ: فُلانٌ, بأقْبَحِ أسْمائِهِ التي كان يُدعَى بهَا فِي
الدّنْيا. حتى يَنْتَهُوا بِها إلى السّماءِ, فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَلا
يُفْتَحُ لَهُ». ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتّح لَهُمْ أبْوَابُ
السّماء وَلا يَدْخُلُونَ الجَنّةَ حتى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:24 pm

11422ـ حدثنا أبو كريب,
قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن, عن ابن أبي ذئب, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن
سعيد بن يسار, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «المَيّتُ
تَحْضُرُهُ المَلائِكَةُ, فإذَا كانَ الرّجُلُ الصّالِحُ قالُوا اخْرُجِي أيّتُها
النّفْسُ الطّيّبَةُ كانَتْ في الجَسَدِ الطّيّبِ, اخْرُجِي حَمِيدَةً, وأبْشِرِي بِرَوْحٍ
وَرَيْحانٍ وَرَبَ غيرِ غَضْبانَ قال: فَيَقُولُونَ ذلكَ حتى يُعْرَجَ بِها إلى
السّماءِ فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا, فَيُقالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلانٌ,
فَيُقال: مَرْحَبا بالنّفْسِ الطّيّبَةِ التي كانَتْ في الجَسَدِ الطّيّبِ,
ادْخُلِي حَمِيدَةً, وأبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحان وَربَ غيرِ غَضْبانَ فَيُقالُ
لهَا ذلك حتى تَنْتَهِيَ إلى السّماءِ التي فِيها اللّهُ. وَإذَا كان الرّجُلُ
السّوءُ قال: اخْرُجِي أيّتُها النّفْسُ الخَبِيثَةُ كانَت في الجَسَدِ الخَبِيثِ,
اخْرِجِي ذَمِيمَةً, وَأبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسّاقٍ وآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ
أزْوَاجٌ فَيَقُولُونَ ذلكَ حتى تَخْرُجَ ثُمّ يُعْرَجُ بِها إلى السّماءِ,
فَيُسْتَفْتَحُ لَها, فَيُقالُ: من هَذَا؟ فَيَقُولُون: فُلانٌ, فَيَقُولُونَ: لا
مَرْحَبا بالنّفْسِ الخَبِيثَةِ كانَتْ فِي الجَسَدِ الخَبِيثِ, ارجِعِي ذَمِيمَةً
فإنّهُ لا تُفْتَحُ لكِ أبْوابُ السّماءِ فَتُرسَلُ بينَ السماءِ والأرضِ
فَتَصِيرُ إلى القَبْرِ».



حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال:
حدثنا ابن أبي فديك, قال: ثني ابن أبي ذئب, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن سعيد بن
يسار, عن أبي هريرة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه.



واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة
قرّاء الكوفة: «لا يُفْتَحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ» بالياء من يفتح وتخفيف
التاء منها, بمعنى: لا يفتح لهم جميعها بمرّة واحدة وفتحة واحدة. وقرأ ذلك بعض
المدنيين وبعض الكوفيين: لا تُفَتّحُ بالتاء وتشديد التاء الثانية, بمعنى: لا يفتح
لهم باب بعد باب وشيء بعد شيء.



قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندي من القول أن
يقال: إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى, وذلك أن أرواح الكفار لا تفتح لها
ولا لأعمالهم الخبيثة أبواب السماء بمرّة واحدة ولا مرّة بعد مرّة وباب بعد باب,
فكلا المعنيين في ذلك صحيح, وكذلك الياء والتاء في يفتح وتفتح, لأن الياء بناء على
فعل الواحد للتوحيد والتاء, لأن الأبواب جماعة, فيخبر عنها خبر الجماعة.



القول في تأويل قوله تعالى: وَلا يَدْخُلُونَ
الجَنّةَ حتى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ وكذلكَ نَجْزِي المُجْرِمين.



يقول جلّ ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذّبوا
بآياتنا واستكبروا عنها الجنة التي أعدّها الله لأوليائه المؤمنين أبدا, كما لا
يلج الجمل فِي سَمّ الخياط أبدا, وذلك ثقب الإبرة. وكلّ ثقب في عين أو أنف أو غير
ذلك, فإن العرب تسميه سَمّا وتجمعه سُموما وسِماما, والسّمام في جمع السّمّ القاتل
أشهر وأفصح من السموم, وهو في جمع السّمّ الذي هو بمعنى الثقب أفصح, وكلاهما في
العرب مستفيض, وقد يقال لواحد السّموم التي هي الثقوب: سَمّ وسُمّ بفتح السين
وضمها, ومن السّمّ الذي بمعنى الثقب قول الفرزدق:



فَنَفّسْتُ عَنْ سَمّيْهِ حتى تَنَفّساوَقُلْتُ
لهُ لا تَخْشَ شَيْئا وَرَائِيا



يعني بسَمّيه: ثقَبي أنفه. وأما الخِياط: فإنه
المِخْيَط وهي الإبرة, قيل لها: خِيَاط ومخيط, كما قيل: قِنَاع ومِقْنَع, وإزار
ومِئْزَر, وقِرَام ومِقْرَم, ولحاف ومِلْحَف. وأما القرّاء من جميع الأمصار, فإنها
قرأت قوله: فِي سَمّ الخِياطِ بفتح السين, وأجمعت على قراءة «الجَمَل» بفتح الجيم
والميم وتخفيف ذلك. وأما ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير, فإنه حُكي عنهم أنهم
كانوا يقرءون ذلك: «الجُمّل» بضم الجيم وتشديد الميم, على اختلاف في ذلك عن سعيد
وابن عباس.



فأما الذين قرءوه بالفتح من الحرفين والتخفيف,
فإنهم وجهوا تأويله إلى الجمل المعروف وكذلك فسروه. ذكر من قال ذلك:



11423ـ حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي, قال:
حدثنا فضيل بن عياض, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله في قوله: حتى يَلِجَ
الجَمَلُ في سَمّ الخياطِ قال: الجمل: ابن الناقة, أو زوج الناقة.



حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال:
حدثنا سفيان, عن أبي حصين, عن إبراهيم, عن عبد الله: حتى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمّ
الخِياطِ قال: الجمل: زوج الناقة.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن
أبي حصين, عن إبراهيم, عن عبد الله, مثله.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن مهدي, عن
هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله, قال: الجمل: زوج الناقة.



حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال:
أخبرنا هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم, عن عبد الله مثله.



11424ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن,
قال: حدثنا قرة, قال: سمعت الحسن يقول: الجمل الذي يقوم في المربد.



11425ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: حتى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ قال: حتى
يدخل البعير في خرق الإبرة.



11426ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن مهدي,
عن هشيم, عن عباد بن راشد, عن الحسن, قال: هو الجمل. فلما أكثروا عليه, قال: هو
الأشتر.



حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال:
حدثنا هشيم, عن عباد بن راشد, عن الحسن, مثله.



حدثنا المثنى, قال: حدثنا الحجاج, قال: حدثنا
حماد, عن يحيى, قال: كان الحسن يقرؤها: حتى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ
قال: فذهب بعضهم يستفهمه, قال: أشتر أشتر.



11427ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو النعمان
عارم, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن شعيب بن الحَبْحاب, عن أبي العالية: حتى يَلِجَ
الجَمَلُ قال: الجمل: الذي له أربع قوائم.



حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق,
قال: أخبرنا الثوريّ, عن أبي حصين, أو حصين, عن إبراهيم, عن ابن مسعود في قوله:
حتى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ قال: زوج الناقة, يعني الجمل.



11428ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن
واضح, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك: أنه كان يقرأ: الجَمَلُ وهو الذي له
أربع قوائم.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو تميلة, عن
عبيد, عن الضحاك: حتى يَلِجَ الجَمَلُ الذي له أربع قوائم.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن الحباب, عن
قرة, عن الحسن: حتى يَلِجَ الجَمَلُ قال: الذي بالمربد.



11429ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة,
قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: «حتى
يَلجَ الجَمَلُ الأصْفَرُ».



11430ـ حدثنا نصر بن عليّ, قال: حدثنا يحيى بن
سليم, قال: حدثنا عبد الكريم بن أبي المخارق, عن الحسن, في قوله: حتى يَلِجَ
الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ قال: الجمل: ابن الناقة, أو بعل الناقة.



وأما الذين خالفوا هذه القراءة فإنهم اختلفوا,
فرُوي عن ابن عباس في ذلك روايتان: إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التأويل.
ذكر الرواية بذلك عنه:



11431ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: حتى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ
الخِياطِ والجمل: ذو القوائم. وذكر أن ابن مسعود قال ذلك.



11432ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني
عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: حتى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ:
هو الجمل العظيم لا يدخل في خرق الإبرة من أجل أنه أعظم منها. والرواية الأخرى ما:



11433ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي, قال:
حدثنا فضيل بن عياض, عن منصور, عن مجاهد, عن ابن عباس: في قوله: «حتى يَلِجَ
الجُمّلُ فِي سَمّ الخِياطِ» قال: هو قَلْس السفينة.



11434ـ حدثني عبد الأعلى بن واصل, قال: حدثنا
أبو غسان مالك بن إسماعيل, عن خالد بن عبد الله الواسطي, عن حنظلة السدوسيّ, عن
عكرمة, عن ابن عباس أنه كان يقرأ: «حتى يَلِجَ الجُمّلُ فِي سَمّ الخِياطِ» يعني:
الحبل الغليظ. فذكرت ذلك للحسن, فقال: حتى يَلِجَ الجَمَلُ قال عبد الأعلى. قال
أبو غسان, قال خالد: يعني البعير.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أسامة, عن فضيل,
عن مغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه قرأ: «الجُمّل» مثقلة, وقال: هو حبل السفينة.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن مهدي, عن
هشيم, عن مغيرة, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: «الجُمّل»: حبال السفن.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن
ابن المبارك, عن حنظلة, عن عكرمة, عن ابن عباس: «حتى يَلِجَ الجُمّلُ فِي سَمّ
الخِياطِ» قال: الحبل الغليظ.



: حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة,
عن مجاهد, عن ابن عباس: «حتى يَلِجَ الجُمّلُ في سَمّ الخياطِ» قال: هو الحبل الذي
يكون على السفينة.



واختلف عن سعيد بن جبير أيضا في ذلك, فرُوي عنه
روايتان إحداهما مثل الذي ذكرنا عن ابن عباس بضمّ الجيم وتثقيل الميم. ذكر الرواية
بذلك عنه:



11435ـ حدثنا عمران بن موسى القزّار, قال:
حدثنا عبد الوارث بن سعيد, قال: حدثنا حسين المعلم, عن أبي بشر عن سعيد بن جبير,
أنه قرأها: «حتى يَلِجَ الجُمّلُ» يعني: قلوس السفن, يعني الحبال الغلاظ.



والأخرى منهما بضم الجيم وتخفيف الميم. ذكر
الرواية بذلك عنه:



11436ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن
واضح, قال: حدثنا عمرو, عن سالم بن عجلان الأفطس, قال: قرأت على أبي: «حتى يَلِجَ
الجُمّلُ» فقال: «حتى يَلِجَ الجُمَلُ» خفيفة: هو حبل السفينة, هكذا أقرأنيها سعيد
بن جبير.



وأما عكرمة, فإنه كان يقرأ ذلك: الجُمّل بضمّ
الجيم وتشديد الميم, وبتأوّله كما:



11437ـ حدثني ابن وكيع, قال: حدثنا أبو
تُمَيلة, عن عيسى بن عبيدة, قال: سمعت عكرمة يقرأ «الجُمّلُ» مثقلة, ويقول: هو
الحبل الذي يصعد به إلى النخل.



حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم,
قال: حدثنا كعب بن فَرّوخ, قال: حدثنا قتادة, عن عكرمة, في قوله: «حتى يَلِجَ
الجُمّلُ فِي سَمّ الخِياطِ» قال: الحبل الغليظ في خرق الإبرة.



11438ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: «حتى يَلِجَ الجُمّلُ
فِي سَمّ الخِياط» قال: حبل السفينة في سَمّ الخياط.



حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني
حجاج, عن ابن جريج, قال: قال عبد الله بن كثير: سمعت مجاهدا يقول: الحبل من حبال
السفن.



وكأن من قرأ ذلك بتخفيف الميم وضمّ الجيم على
ما ذكرنا عن سعيد بن جبير على مثال الصّرَد والجُعَل وجهه إلى جماع جملة من الحبال
جمعت جُمَلاً, كما تجمع الظلمة ظُلَما والخربة خُرَبا.



وكان بعض أهل العربية ينكر التشديد في الميم,
ويقول: إنما أراد الراوي الجُمَل بالتخفيف, فلم يفهم ذلك منه, فشدّده.



وحُدثت عن الفراء, عن الكسائي أنه قال: الذي
رواه عن ابن عباس كان أعجميّا. وأما من شدّد الميم وضمّ الجيم, فإنه وجهه إلى أنه
اسم واحد: وهو الحبل أو الخيط الغليظ.



قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا
ما عليه قرّاء الأمصار وهو: حتى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمّ الخياطِ بفتح الجيم
والميم من «الجمل» وتخفيفها, وفتح السين من «السّمّ», لأنها القراءة المستفيضة في
قرّاء الأمصار, وغير جائز مخالفة ما جاءت به الحجة متفقة عليه من القرّاء, وكذلك
ذلك في فتح السين في قوله: سَمّ الخِياطِ.



وإذ كان الصواب من القراءة ذلك, فتأويل الكلام:
ولا يدخلون الجنة حتى يلج, والولوج: الدخول من قولهم: وَلَجَ فلان الدار يَلِجُ
وُلُوجا, بمعنى: دخل الجمل في سَمّ الإبرة وهو ثقبها. وكذلكَ نَجْزِي
المُجْرِمِينَ يقول وكذلك نثيب الذين أجرموا في الدنيا ما استحقوا به من الله
العذاب الأليم في الاَخرة.



وبمثل الذي قلنا في تأويل قوله: سَمّ الخياط
قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:



11439ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة
وابن مهدي وسويد الكلبي, عن حماد بن زيد, عن يحيى بن عتيق, قال: سألت الحسن, عن
قوله: حتى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمّ الخياطِ قال: ثقب الإبرة.



11440ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مسلم بن
إبراهيم, قال: حدثنا كعب بن فَرّوخ, قال: حدثنا قتادة, عن عكرمة: في سَمّ الخياطِ
قال: ثقب الإبرة.



حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن
ثور, عن معمر, عن الحسن, مثله.



11441ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: في سَمّ الخياط قال: جحر الإبرة.



11442ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: في سَمّ الخياطِ يقول: جحر الإبرة.



11443ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: ثني عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: في سَمّ الخياطِ قال: في ثَقبه.



الآية : 41


القول في تأويل قوله
تعالى: {لَهُمْ مّن جَهَنّمَ مِهَادٌ
وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ }.



يقول جلّ ثناؤه: لهؤلاء الذين كذّبوا بآياتنا
واستكبروا عنها مِنْ جَهَنّم مِهادٌ وهو ما امتهدوه مما يقعد عليه ويضطجع كالفراش
الذي يُفرش والبساط الذي يُبسط. وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وهو جمع غاشية, وذلك ما
غشاهم فغطاهم من فوقهم.



وإنما معنى الكلام: لهم من جهنم مهاد, من تحتهم
فرش ومن فوقهم منها لُحُف, وإنهم بين ذلك.



وبنحو ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:


11444ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
سفيان, عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب: لَهُمْ مِنْ جَهَنّمَ مِهادٌ قال:
الفراش, وَمِنْ فَوْقِهِمْ غوَاشٍ قال: اللحف.



11445ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن
نوح, عن أبي روق, عن الضحاك: لَهُمْ مِنْ جَهَنّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ
غَوَاشٍ قال: المهاد: الفرش, والغواشي: اللحف.



11446ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: لَهُمْ مِن جَهَنّمَ مِهادٌ وَمِنْ
فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ أما المِهاد لهم: كهيئة الفراش, والغواشي: تتغشاهم من فوقهم.



وأما قوله وكَذلكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ: فإنه
يقول: وكذلك نثيب ونكافىء من ظلم نفسه فأكسبها من غضب الله ما لا قبل لها به بكفره
بربه وتكذيبه أنبياءه.



الآية : 42


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَالّذِينَ آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا أُوْلَـَئِكَ
أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.



يقول جلّ ثناؤه: والذين صدّقوا الله ورسوله
وأقرّوا بما جاءهم به من وحي الله وتنزيله وشرائع دينه, وعملوا ما أمرهم الله به
فأطاعوه وتجنبوا ما نهاهم عنه. لا نُكَلّفُ نَفْسا إلاّ وُسْعَها يقول: لا نكلف
نفسا من الأعمال إلاّ ما يسعها فلا تَحْرَجَ فيه أولَئِكَ يقول: هؤلاء الذين آمنوا
وعملوا الصالحات, أصْحَابُ الجَنّةِ يقول: هم أهل الجنة الذين هم أهلها دون غيرهم
ممن كفر بالله, وعمل بسيئاتهم فيها خالِدُونَ يقول: هم في الجنة ماكثون, دائم فيها
مكثهم لا يخرجون منها ولا يُسْلَبون نعيمهم.



الآية : 43


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي
صُدُورِهِم مّنْ غِلّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ
للّهِ الّذِي هَدَانَا لِهَـَذَا وَمَا كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلآ أَنْ هَدَانَا
اللّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبّنَا بِالْحَقّ وَنُودُوَاْ أَن تِلْكُمُ
الْجَنّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.



يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين
وصف صفتهم وأخبر أنهم أصحاب الجنة, ما فيها من حقد وغل وعداوة كان من بعضهم في
الدنيا على بعض, فجعلهم في الجنة إذْ أدخلَهموها على سرر متقابلين, لا يحسد بعضهم
بعضا على شيء خصّ الله به بعضهم وفضله من كرامته عليه, تجري من تحتهم أنهار الجنة.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11447ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد
الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال:
العداوة.



11448ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد
الرحمن, عن سعيد بن بشير, عن قتادة: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورهِمْ مِنْ غِلّ قال:
هي الإحِنُ.



11449ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا ابن
المبارك, عن ابن عيينة, عن إسرائيل أبي موسى, عن الحسن, عن عليّ, قال: فينا والله
أهل بدر نزلت: وَنَزَعْنا ما فِي صُدورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ
مُتَقابِلِينَ.



حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق,
قال: أخبرنا ابن عيينة, عن إسرائيل, قال: سمعته يقول: قال عليّ عليه السلام: فينا
والله أهل بدر نزلت: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ
مُتَقابِلِينَ.



11450ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قال عليّ رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون
أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: وَنَزَعْنا ما فِي
صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ رضوان الله عليهم.



11451ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَنَزَعْنا ما فِي صُدورِهِمْ مِنْ غِلّ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنهَارُ قال: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة,
فبلغوا, وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان, فشربوا من إحداهما, فينزع ما في
صدورهم من غلّ, فهو الشراب الطهور. واغتسلوا من الأخرى, فجرت عليهم نضرة النعيم,
فلم يشعثوا ولم يتسخوا بعدها أبدا.



11452ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن
علية, عن الجريري, عن أبي نضرة, قال: يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يُقْضَى لبعضهم
من بعض, حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحدا بقلامة ظفر ظلَمها
إياه ويحبس أهل النار دون النار حتى يقضى لبعضهم من بعض, فيدخلون النار حين
يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحدا بقلامة ظفر ظلمها إياه.



القول في تأويل قوله تعالى: وَقَالوُا الحَمْدُ
لِلّهِ الّذِي هَدَانا لِهَذَا وَما كُنّا لنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدَانا اللّهُ.



يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الذين وصف جلّ
ثناؤه وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات حين أدخلوا الجنة, ورأوا ما أكرمهم الله به
من كرامته, وما صُرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم
وتكذيبهم رسله: الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانا لِهَذَا يقول: الحمد لله الذي
وفّقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله وصرف عذابه عنا.
وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدَانا اللّهُ يقول: وما كنا لنرشد لذلك لولا
أن أرشدنا الله له ووفقنا بمنه وطَوْله. كما:



11453ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي, قال: حدثنا أبو
بكر بن عياش, قال: حدثنا الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي سعيد, قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «كُلّ أهْلِ النّارِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ الجَنّةِ,
فَيَقُولُونَ لَوْ هَدَانا اللّهُ, فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً. وكُلّ أهْلِ
الجَنّةِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ النّارِ, فَيَقُولُونَ لَولا أنْ هَدَانا اللّهُ.
فَهَذَا شُكْرُهُمْ».



11454ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد
بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت أبا إسحاق يحدّث عن عاصم بن ضمرة, عن عليّ,
قال: ذكر عمر لشيء لا أحفظه, ثم ذكر الجنة, فقال: يدخلون فإذا شجرة يخرج من تَحْت
ساقها عينان, قال: فيغتسلون من إحداهما, فتجري عليهم نضرة النعيم, فلا تشعَث
أشعارهم ولا تغبر أبشارهم, ويشربون من الأخرى, فيخرج كلّ قذى وقذر, أو شيء في
بطونهم. قال: ثم يفتح لهم باب الجنة, فيقال لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ
فادْخُلُوها خالِدِينَ قال: فتستقبلهم الوِلدان, فيحُفّون بهم كما تحفّ الولدان
بالحميم إذا جاء من غيبته. ثم يأتون فيبشرون أزواجهم, فيسمونهم بأسمائهم وأسماء
آبائهم, فيقلن: أنت رأيته؟ قال: فيستخفهنّ الفرح, قال: فيجئن حتى يقفن على أسكفّة
الباب. قال: فيجيئون فيدخلون, فإذا أُسّ بيوتهم بجندل اللؤلؤ, وإذا صروح صفر وخضر
وحمر ومن كلّ لون, وسرر مرفوعة, وأكواب موضوعة, ونمارق مصفوفة, وزرابيّ مبثوثة,
فلولا أن الله قدرها لالتُمعت أبصارهم مما يرون فيها. فيعانقون الأزواج, ويقعدون
على السرر, ويقولون: الحَمْدُ لِلّه الّذِي هَدَانا لِهَذَا وَما كُنّا
لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدَانا اللّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبّنا بالحَقّ...
الاَية.



القول في تأويل قوله تعالى: لَقَدْ جاءَتْ
رُسُلُ رَبّنا بالحَقّ وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنّةُ أُورِثْتُموها بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.



يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الذين آمنوا
وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم
بها, وهو أن أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا وهؤلاء الذين في
النار رسل ربنا بالحقّ من الأخبار, عن وعد الله أهل طاعته والإيمان به وبرسله
ووعيده أهل معاصيه والكفر به.



وأما قوله: وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنّةُ
أُورِثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فإن معناه: ونادى مناد هؤلاء الذين وصف
الله صفتهم وأخبر عما أعدّ لهم من كرامته, أنْ يا هؤلاء هذه تلكم الجنة التي كانت
رسلي في الدنيا تخبركم عنها, أورثكموها الله عن الذين كذّبوا رسله, لتصديقكم إياهم
وطاعتكم ربكم. وذلك هو معنى قوله: بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11455ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنّةُ
أُورِثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال: ليس من كافر ولا مؤمن إلاّ وله في
الجنة والنار منزل. فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار, ودخلوا منازلهم,
رُفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم
بطاعة الله, ثم يقال: يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون فيقسم بين أهل الجنة
منازلهم.



11456ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمر بن سعد
أبو داود الحفري, عن سعيد بن بكر, عن سفيان الثوريّ, عن أبي إسحاق, عن الأغرّ:
وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنّةُ أُورِثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال:
نودوا أن صحّوا فلا تسقموا واخلدوا فلا تموتوا وانعموا فلا تبأسوا



11457ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا قبيصة, عن
سفيان, عن أبي إسحاق, عن الأغرّ, عن أبي سعيد: وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنّةُ...
الاَية, قال: ينادي مناد: إن لكم أت تصحوا فلا تسقموا أبدا.



واختلف أهل العربية في «أن» التي مع «تلكم»,
فقال بعض نحويي البصرة: هي «أنّ» الثقيلة خففت, وأضمر فيها, ولا يستقيم أن نجعلها
الخفيفة لأن بعدها اسما, والخفيفة لا تليها الأسماء, وقد قال الشاعر:



فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد قدْ عَلِمُواأنْ
هالكٌ مَنْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ



وقال آخر:


أُكاشِرُهُ وأعْلَمُ أنْ كِلاناعَلى ما ساءَ
صَاحِبَهُ حَرِيصُ



قال: فمعناه: أنه كلانا قال, ويكون كقوله: أنْ
قَدْ وَجَدْنا في موضع «أي», وقوله: أنْ أقِيمُوا. وَلا تَكُونُ «أن» التي تعمل في
الأفعال, لأنك تقول: غاظني أن قام, وأن ذهب, فتقع على الأفعال وإن كانت لا تعمل
فيها, وفي كتاب الله: وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أنِ امْشُوا أي امشوا. وأنكر
ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة, فقال: غير جائز أن يكون مع «أن» في هذا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:25 pm

الموضع «هاء» مضمرة,
لأن من قوله هذا بعض أهل الكوفة, فقال: غير جائز أن يكون مع «أن» في هذا الموضع
«هاء» مضمرة, لأن «أن» دخلت في الكلام لتقي ما بعدها, قال: و «أن» هذه التي مع
«تلكم», هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية, وليس بلفظ الحكاية, نحو: ناديت
أنك قائم, وأن زيد قائم, وأن قمت, فتلي كلّ الكلام, وجعلت «أن» وقاية, لأن النداء
يقع على ما بعده, وسلم ما بعد «أن» كما سلم ما بعد القول, ألا ترى أنك تقول: قلت:
زيد قائم, وقلت: قام, فتليها ما شئت من الكلام؟ فلما كان النداء بمعنى الظنّ وما
أشبهه من القول سلم «ما» بعد «أن», ودخلت «أن» وقاية. قال: وأما «أي» فإنها لا
تكون على أن لا يكون: أي جواب الكلام, وأن تكفي من الاسم.



الآية : 44


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَنَادَىَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ
أَصْحَابَ النّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقّاً فَهَلْ
وَجَدتّم مّا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذّنَ مُؤَذّنٌ
بَيْنَهُمْ أَن لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ }.



يقول تعالى ذكره: ونادى أهل الجنة أهل النار
بعد دخولهموها: يا أهل النار قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقّا في الدنيا على ألسن رسله
من الثواب على الإيمان به وبهم وعلى طاعته, فهل وجدتم ما وعدكم ربكم على ألسنتهم
على الكفر به وعلى معاصيه من العقاب؟ فأجابهم أهل النار بأن نعم, قد وجدنا ما وعد
ربنا حقّا. كالذي:



11458ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَنادَى أصحَابُ الجَنّةِ أصحَابَ النّارِ
أنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنَا رَبّنا حَقّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ
رَبّكُمْ حَقّا قالُوا نَعَمْ قال: وجد أهل الجنة ما وعدوا من ثواب, وأهل النار ما
وعدوا من عقاب.



11459ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَنادَى أصحَابُ الجَنّةِ
أصحَابَ النّارِ أنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبّنا حَقّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما
وعَدَ رَبّكُمْ حَقّا وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكلّ خير علمه
الناس أو لم يعلموه, ووعد أهل النار كلّ خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه فذلك
قوله: وآخَرُ مِنْ شَكْلِهٍ أزْوَاجٌ قال: فنادى أصحاب الجنة أصحاب النار أنْ قَدْ
وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبّنا حَقّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا
قالُوا نَعَمْ يقول: من الخزي والهوان والعذاب, قال أهل الجنة: فإنا قد وجدنا ما
وعدنا ربنا حقّا من النعيم والكرامة. فأذّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أنْ لَعْنَةُ
اللّهِ على الظّالِمينَ.



واختلف القرّاء في قراءة قوله: قالُوا نَعَمْ
فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والكوفة والبصرة: قالُوا نَعَمْ بفتح العين من
«نعم». ورُوي عن بعض الكوفيين أنه قرأ: «قالُوا نَعِمْ» بكسر العين, وقد أنشد بيتا
لبني كلب:



«نَعِمْ» إذَا قالَهَا مِنْهُ مُحَقّقَةٌوَلا
تجيءُ «عَسَى» مِنْهُ وَلا «قَمَنُ»



بكسر «نَعِم».


قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندنا:
نَعَمْ بفتح العين, لأنها القراءة المستفيضة في قرّاء الأمصار واللغة المشهورة في
العرب.



وأما قوله: فَأذّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ يقول:
فنادى منادٍ, وأعلم معلم بينهم, أنْ لَعَنَةُ اللّهِ على الظّالِمِينَ يقول: غضب
الله وسخطه وعقوبته على من كفر به. وقد بيّنا القول في «أن» إذا صحبت من الكلام ما
ضارع الحكاية وليس بصريح الحكاية, بأنها تشدّدها العرب أحيانا وتوقع الفعل عليها
فتفتحها وتخففها أحيانا, وتعمل الفعل فيها فتنصبها به وتبطل عملها عن الاسم الذي
يليها فيما مضى, بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. وإذ كان ذلك كذلك, فسواء
شُدّدت «أن» أو خففت في القراءة, إذ كان معنى الكلام بأيّ ذلك قرأ القارىء واحدا,
وكانتا قراءتين مشهورتين في قراءة الأمصار.



الآية : 45


القول في تأويل قوله
تعالى: {الّذِينَ يَصُدّونَ عَن سَبِيلِ
اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالاَخِرَةِ كَافِرُونَ }.



يقول جلّ ثناؤه: إن المؤذّن بين أهل الجنة
والنار يقول: أن لعنة الله على الظالمين الذين كفروا بالله وصدّوا عن سبيله.
ويَبْغُونَها عِوَجا يقول: حاولوا سبيل الله, وهو دينه, أن يغيروه ويبدلوه عما
جعله الله له من استقامته. وَهُمْ بالاَخِرَةِ كافِرُونَ يقول: وهم لقيام الساعة
والبعث في الاَخرة والثواب والعقاب فيها جاحدون. والعرب تقول للميل في الدين
والطريق: «عِوَج», بكسر العين, وفي ميل الرجل على الشيء والعطف عليه: عاج إليه
يَعُوج عِيَاجا وعَوَجا وعِوَجا, بالكسر من العين والفتح, كما قال الشاعر:



قِفَا نَبْكِي مَنازِلَ آلِ لَيْلَىعَلى عِوَجِ
إلَيْها وَانْثِناءِ



ذكر الفرّاء أن أبا الجراح أنشده إياه بكسر
العين من عِوج فأما ما كان خلقة في الإنسان, فإنه يقال فيه: عَوج ساقه, بفتح
العين.



الآية : 46


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى
الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ
الْجَنّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }.



يعني جلّ ثناؤه بقوله: وَبَيْنَهُما حِجابٌ
وبين الجنة والنار حجاب, يقول: حاجز, وهو السور الذي ذكره الله تعالى فقال:
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ
قِبَلِهِ العَذَابُ وهو الأعراف التي يقول الله فيها: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ.
كذلك:



11460ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله بن
رجاء, وعن ابن جريج, قال: بلغني, عن مجاهد, قال: الأعراف: حجاب بين الجنة والنار.



11461ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَبَيْنَهُما حِجابٌ وهو السور, وهو
الأعراف.



وأما قوله: وَعلى الأعْرَافِ رِجالٌ فإن
الأعراف جمع واحدها عُرْف, وكلّ مرتفع من الأرض عند العرب فهو عُرْف, وإنما قيل
لعرف الديك: عُرْف, لارتفاعه على ما سواه من جسده ومنه قول الشماخ بن ضرار:



وَظَلّتْ بأعْرَافٍ تَعَالى كأنّهَارِماحٌ
نَحاها وِجْهَةَ الرّيحِ رَاكِزُ



يعني بقوله: «بأعراف»: بنشوز من الأرض ومنه قول
الاَخر:



كُلّ كِنازٍ لَحْمُهُ نِيافُكالعَلَمِ المُوفِي
على الأعْرَافِ



وكان السديّ يقول: إنما سمي الأعراف أعرافا,
لأن أصحابه يعرفون الناس.



11462ـ حدثني بذلك محمد بن الحسين, قال: حدثنا
أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11463ـ حدثنا سفيان بن وكيع, قال: حدثنا ابن
عيينة, عن عبيد الله بن أبي يزيد, سمع ابن عباس يقول: الأعراف: هو الشيء المشرف.



حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق,
قال: أخبرنا ابن عيينة, عن عبيد الله بن أبي يزيد, قال: سمعت ابن عباس يقول, مثله.



11464ـ حدثنا ابن وكيع, قال: ثني أبي, عن
سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: الأعراف: سور كعرف الديك.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو نعيم, قال:
حدثنا سفيان, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس, مثله.



11465ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: الأعراف: حجاب بين الجنة
والنار سور له باب. قال أبو موسى: وحدثني عبيد الله بن أبي يزيد, أنه سمع ابن عباس
يقول: إن الأعراف تلّ بين الجنة والنار حُبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة
والنار.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: الأعراف: حجاب بين الجنة والنار, سور
له باب.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن منصور,
عن حبيب بن أبي ثابت, عن عبد الله بن الحرث عن ابن عباس, قال: الأعراف: سور بين
الجنة والنار.



حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح,
قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قال: الأعراف: سور بين الجنة
والنار.



حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني
عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: وَعلى الأعْرَاف رجالٌ يعني
بالأعراف: السور الذي ذكر الله في القرآن وهو بين الجنة والنار.



حدثنا الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: الأعراف: سور له عرف كعرف
الديك.



11466ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر, قال: الأعراف: سور بين الجنة والنار.



11467ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت
أبا معاذ, قال: ثني عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول: الأعراف: السور الذي
بين الجنة والنار.



واختلف أهل التأويل في صفة الرجال الذين أخبر
الله جلّ ثناؤه عنهم أنهم على الأعراف وما السبب الذي من أجله صاروا هنالك, فقال
بعضهم: هم قوم من بني آدم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فجُعلوا هنالك إلى أن يقضي الله
فيهم ما يشاء, ثم يُدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم. ذكر من قال ذلك:



11468ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن
واضح, قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق, قال: قال الشعبي: أرسل إليّ عبد الحميد, بن
عبد الرحمن وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش, وإذا هما قد ذَكَرا من
أصحاب الأعراف ذِكْرا ليس كما ذَكَرا, فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر
حذيفة. فقالا: هات فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف, فقال: هم قوم تجاوزت بهم
حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة, فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار,
قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فبيناهم كذلك, اطلع إليهم ربك تبارك
وتعالى فقال: اذهبوا وادخلوا الجنة, فإني قد غفرت لكم



11469ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا
هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن الشعبيّ, عن حذيفة, أنه سُئل عن أصحاب الأعراف, قال:
فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة, وخلفت بهم
حسناتهم عن النار. قال: فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله فيهم.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير وعمران بن
عيينة, عن حصين, عن عامر, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف: قوم كانت لهم ذنوب
وحسنات, فقصرت بهم ذنوبهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار, فهم كذلك حتى
يقضي الله بين خلقه فينفذ فيهم أمره.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يمان, عن
سفيان, عن جابر, عن الشعبيّ, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم
وسيئاتهم, فيقول: ادخلوا الجنة بفضلي ومغفرتي, لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ اليوم وَلا
أنْتُمْ تَحْزَنُونَ.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن يونس بن
أبي إسحاق, عن عامر, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار,
وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة.



11470ـ حدثنا المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر,
قال: أخبرنا ابن المبارك, عن أبي بكر الهذليّ, قال: قال سعيد بن جبير, وهو يحدّث
ذلك عن ابن مسعود, قال: يحاسب الناس يوم القيامة, فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته
بواحدة دخل الجنة, ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ قول
الله: فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَمَن خَفّت
مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُم. ثم قال: إن الميزان يخفّ
بمثقال حبة ويرجح قال: فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف. فوْقفوا
على الصراط, ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار, فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام
عليكم وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أصحاب النار, قالوا: رَبّنا لا
تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظّالمينَ فيتعوّذون بالله من منازلهم. قال: فأما
أصحاب الحسنات, فإنهم يُعْطَوْن نورا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم, ويُعطى كلّ
عبد يومئذٍ نورا وكلّ أمة نورا, فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كلّ منافق
ومنافقة. فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون, قالوا: ربنا أتمم لنا نورنا وأما
أصحاب الأعراف, فإن النور كان في أيديهم, فلم ينزع من أيديهم, فهنالك يقول الله:
لَم يَدخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ فكان الطمع دخولاً. قال: فقال ابن مسعود: على
أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشرا, وإذا عمل سيئة لم تكتب إلاّ واحدة. ثم
يقول: هلك من غلب وُحدانه أعشاره.



11471ـ حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع, قال:
أخبرني ابن وهب قال: أخبرني عيسى الخياط عن الشعبيّ, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف
قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار, وهم آخر من يدخل الجنة, قد عَرفوا
أهل الجنة وأهل النار.



11472ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو داود,
قال: حدثنا همام, عن قتادة, قال: قال ابن عباس: أصحاب الأعراف: قوم استوت حسناتهم
وسيئاتهم, فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم ولا سيئاتهم على حسناتهم.



11473ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد, قالا: حدثنا
جرير عن منصور, عن حبيب بن أبي ثابت, عن عبد الله بن الحرث, عن ابن عباس, قال:
الأعراف: سور بين الجنة والنار, وأصحاب الأعراف بذلك المكان, حتى إذا بدا لله أن
يعافيهم, انطلق بهم إلى نهر يقال له الحياة حافتاه قضب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه
المسك, فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها, حتى إذا
صلحت ألوانهم أتَى بهم الرحمن, فقال: تمنوا ما شئتم قال: فيتمنون, حتى إذا انقطعت
أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرّة. فيدخلون الجنة وفي نحورهم
شامة بيضاء يُعرفون بها, يُسّمون مساكين الجنة.



11474ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن,
قال: حدثنا سفيان, عن حبيب, عن مجاهد, عن عبد الله بن الحارث, قال: أصحاب الأعراف
يؤمر بهم إلى نهر يقال له الحياة, ترابه الورس والزعفران, وحافتاه قضب اللؤلؤ.
قال: وأحسبه قال: مكلل باللؤلؤ. وقال: فيغتسلون فيه, فتبدو في نحورهم شامة بيضاء
فيقال لهم: تمنوا فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفا وإنهم مساكين أهل الجنة.
قال حبيب: وحدثني رجل: أنهم استوت حسناتهم وسيئاتهم.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن
حبيب بن ثابت, عن مجاهد, عن عبد الله بن الحارث, قال: أصحاب الأعراف يُنْتَهى بهم
إلى نهر يقال له الحياة, حافَتاه قضب من ذهب قال سفيان: أراه قال: مكلل باللؤلؤ.
قال: فيغتسلون منه اغتسالة, فتبدو في نحورهم شامة بيضاء, ثم يعودون فيغتسلون
فيزدادون, فكلما اغتسلوا ازدادت بياضا, فيقال لهم: تمنوا ما شئتم فيتمنون ما
شاءوا. فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفا قال: فهم مساكين أهل الجنة.



حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق,
قال: أخبرنا ابن عيينة, عن حصين, عن الشعبيّ, عن حذيفة, قال: أصحاب الأعراف: قوم
استوت حسناتهم وسيئاتهم, فهم على سور بين الجنة والنار لَم يَدخُلُوها وَهُم
يَطْمَعُونَ.



حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال:
حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان ابن عباس يقول: الأعراف بين الجنة والنار, حبس
عليه أقوام بأعمالهم. وكان يقول: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, فلم تزد حسناتهم على
سيئاتهم, ولا سيئاتهم على حسناتهم.



حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق,
قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: قال ابن عباس: أهل الأعراف: قوم استوت حسناتهم
وسيئاتهم.



11475ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد,
عن جويبر, عن الضحاك, قال: أصحاب الأعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.



11476ـ وقال: حدثنا يحيى بن يمان, عن شريك, عن
منصور, عن سعيد بن جبير, قال: أصحاب الأعراف استوت أعمالهم.



حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال:
أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: أصحاب الأعراف: قوم استوت
حسناتهم وسيئاتهم, فوقفوا هنالك على السور.



11477ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن
منصور, عن حبيب بن أبي ثابت, عن سفيع أو سميع قال أبو جعفر: كذا وجدت في كتاب سفيع
عن أبي علقمة قال: أصحاب الأعراف: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم.



وقال آخرون: كانوا قُتلوا في سبيل الله عصاة
لاَبائهم في الدنيا. ذكر من قال ذلك:



11478ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن
يمان, عن أبي مسعر, عن شرحبيل بن سعد, قال: هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن
آبائهم.



11479ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني الليث, قال: ثني خالد, عن سعيد, عن يحيى بن شبل: أن رجلاً من بني
النضير أخبره عن رجل من بني هلال أن أباه أخبره أنه سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن أصحاب الأعراف, فقال: «هُمْ قَوْمٌ غَزَوْا فِي سَبِيلِ اللّهِ عُصَاةٌ
لاَبائِهِمْ, فَقُتِلُوا, فأعْتَقَهُمُ اللّهُ مِنَ النّارِ بِقَتْلِهِمْ فِي
سَبيله, وَحُبسُوا عَن الجَنّةِ بِمَعْصيَةِ آبائِهِمْ, فَهُمْ آخِرُ مَنْ
يَدْخُلَ الجَنّةِ».



11480ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا يزيد بن هارون, عن أبي معشر, عن يحيى بن شبل مولى بني هاشم, عن محمد بن عبد
الرحمن, عن أبيه, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف, فقال:
«قَوْمٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِمَعْصِيَةِ آبائِهِمْ, فَمَنَعَهُمْ
قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَن النّارِ, وَمَنَعَتْهُمْ مَعْصِيَةُ آبائِهِمْ
أنْ يَدْخُلُوا الجَنّةَ».



وقال آخرون: بل هم قوم صالحون فقهاء علماء. ذكر
من قال ذلك:



11481ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
سفيان, عن خصيف, عن مجاهد, قال: أصحاب الأعراف قوم صالحون, فقهاء علماء.



وقال آخرون: بل هم ملائكة وليسوا ببني آدم. ذكر
من قال ذلك:



11482ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن
علية, عن أبي مجلز, قوله: وبَيْنَهُما حِجابٌ وَعلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ
كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار. قال:
وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ... إلى قوله: رَبّنا لا
تَجْعَلْنا مَعَ القَومِ الظّالمِينَ. قال: فنادى أصحاب الأعراف رجالاً في النار
يعرفونهم بسيماهم: ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ
أهَؤُلاء الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ قال: فهذا حين دخل
أهل الجنة الجنة, ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ
تَحْزَنُونَ.



11483ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا
المعتمر, قال: سمعت عمران, قال: قلت لأبي مجلز: يقول الله: وَعَلى الأعْرَافِ
رِجالٌ وتزعم أنت أنهم الملائكة؟ قال: فقال: إنهم ذكور وليسوا بإناث.



11484ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن
سليمان التيمي, عن أبي مجلز: وَعلى الأعْرافِ رِجالٌ قال: رجال من الملائكة يعرفون
الفريقين جميعا بسيماهم, أهل النار وأهل الجنة, وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن أبي عديّ,
عن التيمي, عن أبي مجلز, بنحوه.



11485ـ وقال: حدثنا يحيى بن يمان, عن سفيان, عن
التيمي, عن أبي مجلز, قال: أصحاب الأعراف الملائكة.



حدثني المثنى, قال: حدثنا يعلى بن أسد, قال:
حدثنا خالد, قال: أخبرنا التيمي, عن أبي مجلز: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ قال: هم
الملائكة.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن عمران بن
حدير, عن أبي مجلز: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ قال: هم الملائكة. قلت: يا أبا مجلز
يقول الله تبارك وتعالى رجال, وأنت تقول ملائكة؟ قال: إنهم ذكران ليسوا بإناث.



حدثني المثنى, قال: حدثنا الحجاج, قال: حدثنا
حماد عن عمران بن حُدَير, عن أبي مجلز, في قوله: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ
يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: الملائكة, قال: قلت: يقول الله رجال, قال:
الملائكة ذكور.



قال أبو جعفر: والصواب من القول في أصحاب
الأعراف أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه فيهم: هم رجال يعرفون كلاّ من أهل الجنة
وأهل النار بسيماهم, ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحّ سنده ولا أنه
متفق على تأويلها, ولا إجماع من الأمة على أنهم ملائكة. فإذ كان ذلك كذلك, وكان
ذلك لا يدرك قياسا, وكان المتعارف بين أهل لسان العرب أن الرجال اسم يجمع ذكور بني
آدم دون إناثهم ودون سائر الخلق غيرهم, كان بيّنا أن ما قاله أبو مجلز من أنهم
ملائكة قول لا معنى له, وأن الصحيح من القول في ذلك ما قاله سائر أهل التأويل
غيره. هذا مع من قال بخلافه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومع ما رُوي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من الأخبار وإن كان في أسانيدها ما فيها.
وقد:



11486ـ حدثني القاسم, قال: ثني الحسين, قال:
ثني جرير عن عمارة بن القعقاع, عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير, قال: سُئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف, فقال: «هُمْ آخِرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ
مِنَ العِبادِ, وَإذَا فَرَغَ رَبّ العالَمِينَ مِنْ فَصْلِهِ بينَ العِبادِ, قال:
أنْتُمْ قَوْمٌ أخْرَجَتْكُمْ حَسنَاتُكُمْ مِنَ النّارِ وَلمْ تُدْخِلْكُمُ
الجَنّةُ, وأنْتُمْ عُتَقائي فَارْعَوْا مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شِئْتُمْ».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:27 pm

القول في تأويل قوله
تعالى: يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسيماهُمْ وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ
عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.



يقول تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون أهل
الجنة بسيماهم, وذلك بياض وجوههم ونضرة النعيم عليها. ويعرفون أهل النار كذلك
بسيماهم, وذلك سواد وجوههم وزرقة أعينهم, فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم: سلام عليكم.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11487ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وَعَلى
الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: يعرفون أهل النار بسواد
الوجوه, وأهل الجنة ببياض الوجوه.



11488ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ
يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: أنزلهم الله بتلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة
والنار, وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه, ويتعوّذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين,
وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام, لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها, وهم
داخلوها إن شاء الله.



11489ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: بِسِيماهُمْ قال: بسواد الوجوه
وزُرقة العيون.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَعَلى الأعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ
بِسِيماهُمْ الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون, وسيما أهل الجنة مبيضة وجوههم.



حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال:
حدثنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب
الجنة عرفوهم ببياض الوجوه, وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه.



11490ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر,
قال: أخبرنا ابن المبارك, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: إن أصحاب
الأعراف رجال كانت لهم ذنوب عظام, وكان حسم أمرهم لله, فأقيموا ذلك المقام إذا
نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه, فقالوا رَبّنَا لا تجعلْنَا معَ
القَوْمِ الظّالِمِينَ وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض الوجوه, فذلك قوله:
وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَم يَدْخُلُوها وَهُمْ
يَطْمَعُونَ.



11491ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت
أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك, في قوله: وَعَلى
الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ زعموا أن أصحاب الأعراف رجال من
أهل الذنوب أصابوا ذنوبا وكان حَسْمُ أمرهم لله, فجعلهم الله على الأعراف, فإذا
نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه, فتعوّذوا بالله من النار وإذا نظروا إلى
أهل الجنة, نادوهم أن سلام عليكم, قال الله: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.
قال: وهذا قول ابن عباس.



11492ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ يعرفون
الناس بسيماهم, يعرفون أهل النار بسواد وجوههم, وأهل الجنة ببياض وجوههم.



11493ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن
زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ يعرفون أهل
النار بسواد وجوههم, وأهل الجنة ببياض وجوههم.



11494ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ
قال: أهل الجنة بسيماهم بيض الوجوه, وأهل النار بسيماهم سود الوجوه. قال: وقوله
يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: أصحاب الجنة وأصحاب النار, ونادوا أصحاب
الجنة, قال: حين رأوا وجوههم قد ابيضت.



11495ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا المحاربي,
عن جويبر, عن الضحاك: يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال: بسواد الوجوه.



11496ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن
يمان, عن مبارك, عن الحسن: بِسِيماهُمْ قال: بسواد الوجوه, وزُرقة العيون.



والسيماء: العلامة الدالة على الشيء في كلام
العرب, وأصله من السّمَةِ نُقلت واوها التي هي فاء الفعل إلى موضع العين, كما يقال:
اضمحلّ وامضحلّ. وذُكر سماعا عن بعض بني عقيل: هي أرض خامة, يعني: وَخِمة ومنه
قولهم: له جاه عند الناس, بمعنى: وجه, نُقلت واوه إلى موضع عين الفعل وفيها لغات
ثلاث: «سيما مقصورة», و «سيماء» ممدودة, و «سيمياء» بزيادة ياء أخرى بعد الميم
فيها ومدّها على مثال الكبرياء, كما قال الشاعر:



غُلامٌ رَماهُ اللّهُ بالحُسْنِ إذْ رَمىلَهُ
سِيمْياءُ لا تَشُقّ على البَصَرْ



وأما قوله: وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ
سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ أي حلّت عليهم أمنة الله
من عقابه وأليم عذابه.



واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: لَمْ
يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ فقال بعضهم: هذا خبر من الله عن أهل الأعراف أنهم
قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف, غير أنهم قالوه وهم يطمعون في
دخولها. ذكر من قال ذلك:



11497ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال: أهل الأعراف يعرفون الناس, فإذا مرّوا
عليهم بزمرة يذهب بها إلى الجنة قالوا: سلام عليكم يقول الله لأهل الأعراف: لَمْ
يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ أن يدخلوها.



11498ـ حدثني محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد
بن ثور, عن معمر, قال: تلا الحسن: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قال: والله
ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلاّ لكرامة يريدها بهم.



11499ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا
سعيد, عن قتادة, قوله: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعونَ قال: أنبأكم الله
بمكانهم من الطمع.



11500ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال:
أخبرنا ابن المبارك, عن أبي بكر الهذليّ, قال: قال سعيد بن جبير, وهو يحدّث ذلك عن
ابن مسعود, قال: أما أصحاب الأعراف, فإن النور كان في أيديهم فانتزع من أيديهم
يقول الله: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قال: في دخولها. قال ابن عباس:
فأدخل الله أصحاب الأعراف الجنة.



11501ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن عكرمة وعطاء: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ
يَطْمَعُونَ قالا: في دخولها.



وقال آخرون: إنما عُني بذلك أهل الجنة, وأن
أصحاب الأعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة: سلام عليكم, وأهل الجنة يطمعون أن
يدخلوها, ولم يدخلوها بعد. ذكر من قال ذلك:



11502ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا وكيع, قال:
حدثنا جرير, عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز: وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ
سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قال: الملائكة يعرفون
الفريقين جميعا بسيماهم, وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة أصحاب الأعراف, ينادون
أصحاب الجنة: أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها.



الآية : 47


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ
تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النّارِ قَالُواْ رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ
الظّالِمِينَ }.



يقول تعالى ذكره: وإذا صُرفت أبصار أصحاب
الأعراف تلقاء أصحاب النار يعني: حيالهم ووجاههم فنظروا إلى تشويه الله لهم,
قالُوا رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم
فأكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه.



11503ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال: وإذا مرّوا بهم, يعني بأصحاب
الأعراف بزُمْرة يُذهب بها إلى النار, قالُوا رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ
الظّالِمِينَ.



11504ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال:
أخبرنا ابن المبارك, عن جويبر, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: إن أصحاب الأعراف إذا
نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا: رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ.



11505ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن أبي
مكين, عن أخيه, عن عكرمة: وَإذَا صُرِفَتْ أبْصَارُهُمْ تِلْقاءَ أصحَابِ النّارِ
قال: تحرّد وجوههم للنار, فإذا رأوا أهل الجنة ذهب ذلك عنهم.



11506ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
ابن زيد في قوله: وَإذَا صُرفَتْ أبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أصحَابِ النّارِ فرأوا
وجوههم مُسْوَدّة وأعينهم مُزْرَقّة, قالُوا رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ
الظّالِمِينَ.



الآية : 48


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَنَادَىَ أَصْحَابُ الأعْرَافِ
رِجَالاٍ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىَ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ }.



يقول جلّ ثناؤه: وَنادَى أصحَابُ الأعْرَافِ
رِجالاً من أهل الأرض يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ سيما أهل النار, قالُوا ما
أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ما كنتم تجمعون من الأموال والعدد في الدنيا, وَما
كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ يقول: وتكبركم الذي كنتم تتكبرون فيها. كما:



11507ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قال: فمرّ بهم يعني بأصحاب الأعراف ناس
من الجبارين عرفوهم بسيماهم قال: يقول: قال أصحاب الأعراف: ما أغْنَى عَنْكُمْ
جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ.



11508ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: وَنادَى أصحَابُ الأعْرَافِ رِجالاً
قال: في النار, يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ
وتكبركم, وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ.



11509ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن
سليمان التيمي, عن أبي مجلز: وَنادَى أصحَابُ الأعْرَافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ
بِسِيماهُمْ قالُوا ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ
قال: هذا حين دخل أهل الجنة الجنة, أهَؤُلاءِ الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ
اللّهُ بِرَحْمَةٍ... الاَية. قلت لأبي مجلز: عن ابن عباس؟ قال: لا بل عن غيره.



حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا ابن علية,
عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز: وَنادَى أصحَابُ الأعْرَافِ رِجالاً
يَعْرفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قال: نادت الملائكة رجالاً في النار يعرفونهم بسيماهم:
ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أهَؤُلاَءِ الّذِينَ
أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ قال: هذا حين دخل أهل الجنة الجنة,
ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنونَ.



11510ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: وَنادَى أصحَابُ الأعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ
بِسِيماهُمْ فالرجال عظماء من أهل الدنيا قال: فبهذه الصفة عرف أهل الأعراف أهل
الجنة من أهل النار. وإنما ذكر هذا حين يذهب رئيس أهل الخير ورئيس أهل الشرّ يوم
القيامة. قال: وقال ابن زيد في قوله: ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ
تَسْتَكْبِرُونَ قال: على أهل طاعة الله.



الآية : 49


القول في تأويل قوله
تعالى: {أَهَـَؤُلآءِ الّذِينَ
أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنّةَ لاَ خَوْفٌ
عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }.



اختلف أهل التأويل في المعنيين بهذا الكلام,
فقال بعضهم: هذا قيل الله لأهل النار توبيخا لهم على ما كان من قيلهم في الدنيا
لأهل الأعراف عند إدخاله أصحاب الأعراف الجنة. ذكر من قال ذلك:



11511ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قال: أصحاب الأعراف: رجال كانت لهم
ذنوب عظام, وكان حَسْمُ أمرهم لله, يقومون على الأعراف, فإذا نظروا إلى أهل الجنة
طمعوا أن يدخلوها, وإذا نظروا إلى أهل النار تعوّذوا بالله منها, فأدخلوا الجنة.
فذلك قوله تعالى: أهَؤُلاءِ الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ
يعني أصحاب الأعراف, ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ.



11512ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال:
أخبرنا ابن المبارك, عن جويبر, عن الضحاك, قال: قال ابن عباس: إن الله أدخل أصحاب
الأعراف الجنة لقوله: ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ
تَحْزَنُونَ.



11513ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: قال الله لأهل التكبر والأموال:
أهَؤُلاءِ الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمْ اللّهُ بِرَحْمَةِ يعني أصحاب
الأعراف, ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ.



11514ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: أهَؤُلاءِ الضعفاء الّذِينَ أقْسَمْتُمْ
لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا
أنْتُمْ تَحْزَنُونَ. قال: فقال حُذيفَة: «أصحَابُ الأعْرَافِ قَوْمٌ تَكافَأتْ أعْمالُهُمْ
فَقَصّرَتْ بِهِمْ حَسنَاتُهُمْ عَنِ الجَنّةِ, وَقَصّرَتْ بِهِمْ سَيّئاتُهُمْ
عَنِ النارِ, فَجُعلُوا على الأعْرَافِ يَعْرِفونَ النّاسَ بِسِيماهُمْ. فَلَمّا
قُضِيَ بينَ العِبادِ, أُذِنَ لَهُمْ فِي طَلَبِ الشّفاعَةِ, فَأتَوْا آدَمَ
عَلَيْهِ السّلامُ, فَقالُوا: يا آدَمُ أنْتَ أبُونا فاشْفَعْ لَنا عِنْدَ رَبّكَ
فَقالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أحَدا خَلَقَه اللّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ
رُوحِهِ وَسَبَقَتْ رَحْمَةُ اللّهِ إلَيْهِ غَضَبَهُ وَسجَدَتْ لَهُ المَلائِكَةُ
غيرِي؟ فَيَقُولُونَ لا. قال: فَيَقُولُ: ما عَلِمتُ كُنْهَ ما أسْتَطِيعُ أنْ
أشْفَعَ لَكُمْ, وَلَكِنْ ائْتُوا ابْنِي إبْرَاهِيمَ قال: فَيَأْتُونَ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلامُ, فَيَسأَلُونَهُ أنْ يَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ
رَبّهِ, فَيَقُولُ هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أحَدٍ اتّخَذَهُ اللّهُ خَلِيلاً؟ هَلْ
تَعْلَمونَ أحَدا أحْرَقَهُ قَوْمُهُ فِي النّارِ فِي الله غيرِي؟ فَيَقُولونَ: لا
فَيَقُولُ: ما عَلِمْتُ كُنْهَ ما أسْتَطِيعُ أنْ أشْفَعَ لَكُمْ, وَلَكِنِ
ائْتُوا ابني موسى فَيَأْتُونَ مِوسَى عَلَيْهِ السّلامُ, فَيَقُولُ: هَلْ
تَعْلَمُونَ مِنْ أحَدٍ كَلّمَهُ اللّهُ تَكْلِيما وَقَرّبَهُ نَجِيّا غيرِي؟
فَيَقُولُونَ: لا, فَيَقُولُ: ما عَلِمْتُ كُنْهَ ما أسْتَطِيعُ أنْ أشْفَعَ
لَكُمْ, وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنا عِنْدَ
رَبّكَ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ أحدا خَلَقَهُ اللّهُ مِنْ غيرِ أبٍ غَيرِي؟
فَيَقُولُونَ: لا, فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أحَدٍ كانَ يُبْرِىءُ
الأكْمَه وَالأبْرَصَ ويُحْيِي المَوْتى بإذْن اللّهِ غيرِي؟ قال: فَيَقُولُونَ:
لا, قالَ: فَيَقُولُ: أنا حَجِيجُ نَفْسِي, ما عَلِمْتُ كُنْهَ ما أسْتَطِيعُ أنْ
أشْفَعَ لَكُمْ, وَلَكِنِ ائْتُوا محمدا رسْولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَيَأْتُونِي, فَأضْرِبُ بِيَدِي
على صَدْرِي ثُمّ أقُولُ: أنا لَهَا. ثُمّ أمْشِي حتى أقِفَ بينَ يَدَيَ العَرْشِ,
فَأُثْنِي عَلى رَبي, فَيَفْتَحُ لي مِنَ الثّناء ما لَمْ يَسْمَعِ السّامِعُونَ
بِمِثْلِهِ قَطّ, ثُمّ أسْجُدَ فَيُقالُ لي: يا مُحَمّدُ ارْفَعْ رأسَكَ, سَلْ
تُعْطَهْ, وَاشْفَعْ تُشَفّعْ فَأرْفَعُ رأسِي فَأقُولُ: رَبّ أُمّتِي فَيُقالُ:
هُمْ لَكَ. فَلا يَبْقَى نَبِيّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرّبٌ إلاّ غَبَطَنِي
يَوْمَئِذٍ بذلكَ المَقامِ, وَهُوَ المَقامُ المَحْمودُ». قالَ: «فَآتي بِهِمْ
بابَ الجَنّةِ فأسْتَفْتِحُ, فَيُفْتَحُ لي ولَهُمْ, فَيُذْهَبُ بِهِمْ إلى نَهْرٍ
يُقالُ لَهُ نَهْرُ الحَياةِ, حافَتاهُ قُضُبٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلّلٍ باللُؤْلُؤٍ,
تُرَابُهُ المِسْكُ, وَحَصْباؤُهُ الياقُوتُ, فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ, فَتَعُودُ
إلَيْهِمْ ألْوَانُ أهْلِ الجَنّةِ وَرِيحُهُمْ, وَيَصِيرُونَ كأنّهُمُ
الكَوَاكِبُ الدّرّيّةِ, وَيَبْقَى فِي صُدُرِهِمْ شاماتٌ بِيضٌ يُعْرَفُونَ بِها,
يُقال لَهُمْ مَساكِينُ أهْلِ الجَنّةِ».



11515ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سعت أبا
معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك, قال: إن الله أدخلهم بعد
أصحاب الجنة, وهو قوله: ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ
تَحْزَنُونَ يعني أصحاب الأعراف. وهذا قول ابن عباس.



فتأويل الكلام على هذا التأويل الذي ذكرنا عن
ابن عباس, ومن ذكرنا قوله فيه: قال الله لأهل التكبر عن الإقرار بوحدانية الله
والإذعان لطاعته وطاعة رسله الجامعين في الدنيا الأموال مكاثرة ورياء: أيها
الجبابرة الذين كانوا في الدنيا, أهؤلاء الضعفاء الذين كنتم في الدنيا أقسمتم لا
ينالهم الله برحمة؟ قال: قد غفرت لهم ورحمتهم بفضلي ورحمتي, ادخلوا يا أصحاب
الأعراف الجنة, لا خوف عليكم بعدها من عقوبة تعاقبون بها على ما سلف منكم في
الدنيا من الاَثام والإجرام, ولا أنتم تحزنون على شيء فاتكم في دنياكم



وقال أبو مجلز: بل هذا القول خبر من الله عن
قيل الملائكة لأهل النار بعد ما دخلوا النار تعييرا منهم لهم على ما كانوا يقولون
في الدنيا للمؤمنين الذين أدخلهم الله يوم القيامة جنته. وأما قوله: ادْخُلُوا
الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ فخبر من الله عن أمره أهل
الجنة بدخولها.



11516ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلية, عن
سليمان التيمي, عن أبي مجلز, قال: نادت الملائكة رجالاً في النار يعرفونهم
بسيماهم: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم
الله برحمة؟ قال: فهذا حين يدخل أهل الجنة الجنة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا
أنتم تحزنون.



الآية : 50


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَنَادَىَ أَصْحَابُ النّارِ
أَصْحَابَ الْجَنّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ أَوْ مِمّا
رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ حَرّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ }.



وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استغاثة أهل
النار بأهل الجنة عند نزول عظيم البلاء بهم من شدّة العطش والجوع, عقوبة من الله
لهم على ما سلف منهم في الدنيا من ترك طاعة الله وأداء ما كان فرض عليهم فيها في
أموالهم من حقوق المساكين من الزكاة والصدقة. يقول تعالى ذكره: ونادى أصحاب النار
بعد ما دخلوها أصحاب الجنة بعد ما سكنوها أن يا أهل الجنة: أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ
المَاءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ أي أطعمونا مما رزقكم الله من الطعام. كما:



11517ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ
مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قال: من الطعام.



11518ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِمّا رزقَكُمُ
اللّهُ قال: يستطعمونهم ويستسقونهم. فأجابهم أهل الجنة: إن الله حرّم الماء
والطعام على الذين جحدوا توحيده وكذّبوا في الدنيا رسله.



والهاء والميم في قوله: إنّ اللّهَ حَرّمَهُما
عائدتان على الماء, وعلى «ما» التي في قوله: أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11519ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
سفيان, عن عثمان الثقفي, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: وَنادَى أصحَابُ النّارِ
أصحَابَ الجَنّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ
قال: ينادي الرجل أخاه أو أباه, فيقول: قد احترقتُ, أفض عليّ من الماء فيقال لهم:
أجيبوهم فيقولون: إنّ اللّهَ حَرّمَهُما على الكافِرِينَ.



11520ـ وحدثني المثنى, قال: حدثنا ابن دكين,
قال: حدثنا سفيان, عن عثمان, عن سعيد بن جبير: وَنادَى أصحَابُ النّارِ أصحَابَ
الجَنّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قال:
ينادي الرجل أخاه: يا أخي قد احترقت فأغثني فيقول: إنّ اللّهَ حَرّمَهُما على
الكافِرِينَ.



11521ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: قالُوا إنّ اللّهَ حَرّمَهُما عَلى الكافِرِينَ قال: طعام
أهل الجنة وشرابها.



الآية : 51


القول في تأويل قوله
تعالى: {الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَهُمْ
لَهْواً وَلَعِباً وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ
كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
}.



وهذا خبر من الله عن قيل أهل الجنة للكافرين,
يقول تعالى ذكره: فأجاب أهل الجنة أهل النار: إنّ اللّهَ حَرّمَهُما على
الكافِرِينَ الذين كفروا بالله ورسله, الّذِينَ أتّخَذُوا دِينَهُمْ الذي أمرهم
الله به لَهْوا وَلعِبا يقول: سخرية ولعبا. ورُوي عن ابن عباس في ذلك ما:



11522ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله,
قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قولهالّذِينَ اتّخَذُوا دِينَهُمْ
لَهْوا وَلعِبا... الاَية. قال: وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن
دعاهم إليه وهزءوا به اغترارا بالله.



وَغَرّتْهُمُ الحيَاةُ الدّنْيا يقول: وخدعهم
عاجل ما هم فيه من العيش والخفض والدعة عن الأخذ بنصيبهم من الاَخرة حتى أتتهم
المنية يقول الله جلّ ثناؤه: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ
هَذَا أي ففي هذا اليوم وذلك يوم القيامة ننساهم, يقول: نتركهم في العذاب المبين
جياعا عطاشا بغير طعام ولا شراب, كما تركو العمل للقاء يومهم هذا ورفضوا الاستعداد
له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله.



وقد بيّنا معنى قوله ننساهم بشواهده فيما مضى
بما أغنى عن إعادته.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11523ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن
سفيان, عن جابر, عن مجاهد: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ قال: نُسوا في العذاب.



حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن
ثور, عن معمر, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: فالْيَوْمَ نَنْساهُمْ قال: نتركهم كما
تركوا لقاء يومهم هذا.



حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم,
قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: نَنْساهُمْ قال: نتركهم
في النار.



11524ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاية, عن عليّ, عن ابن عباس: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا
لِقاءَ يَوْمهِمْ هَذَا قال: نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم
هذا.



11525ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا
نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا... الاَية: يقول: نسيهم الله من الخير, ولم ينسهم
من
الشرّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:32 pm

حدثني الحرث, قال: حدثنا
عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مجاهدا في قوله: فاليَوْمَ نَنْساهُمْ
كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا قال: نؤخرهم في النار.



وأما قوله: وَما كانُوا بآياتِنا يَجْحَدُونَ
فإن معناه: اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا, وكما كانوا بآياتنا يجحدون. ف
«ما» التي في قوله: وَما كانُوا معطوفة على «ما» التي في قوله: كمَا نَسُوا.



وتأويل الكلام: فاليوم نتركهم في العذاب, كما
تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة, وكما كانوا بآيات الله يجحدون, وهي
حججه التي احتجّ بها عليهم من الأنبياء والرسل والكتب وغير ذلك. يجحدون: يكذّبون
ولا يصدّقون بشيء من ذلك.



الآية : 52


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ
فَصّلْنَاهُ عَلَىَ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.



يقول تعالى ذكره: أقسم يا محمد لقد جئنا هؤلاء
الكفرة بكتاب, يعني القرآن الذي أنزله إليهم, يقول: لقد أنزلنا إليهم هذا القرآن
مفصلاّ مبينا فيه الحقّ من الباطل, عَلى عِلْمٍ يقول: على علم منا بحقّ ما فصل فيه
من الباطل الذي ميز فيه بينه وبين الحقّ, هُدًى وَرَحْمَةً يقول: بيناه ليهتدي
ويرحم به قوم يصدّقون به وبما فيه من أمر الله ونهيه وأخباره ووعده ووعيده,
فينقذهم به من الضلالة إلى الهدى. وهذه الاَية مردودة على قوله: كِتابٌ
أنْزَلْناهُ إلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ
وَذِكْرَى للمُؤْمِنينَ. وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصّلْناهُ على عِلْمٍ
والهدى في موضع نصب على القطع من الهاء التي في قوله: فَصّلْناهُ ولو نُصب على فعل
فصّلناه, فيكون المعنى: فصّلنا الكتاب كذلك كان صحيحا ولو قرىء «هُدًى وَرَحْمَةٍ»
كان فِي الإعراب فصيحا, وكان خفض ذلك بالردّ على الكتاب.



الآية : 53


القول في تأويل قوله
تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاّ
تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ
جَآءَتْ رُسُلُ رَبّنَا بِالْحَقّ فَهَل لّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ
أَوْ نُرَدّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوَاْ
أَنْفُسَهُمْ وَضَلّ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }.



يقول تعالى ذكره: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ
تَأْوِيلَهُ هل ينتظر هؤلاء المشركون الذين يكذّبون بآيات الله ويجحدون لقاءه,
إلاّ تأويله؟ يقول: إلاّ ما يئول إليه أمرهم من ورودهم على عذاب الله, وصليّهم
جحيمه, وأشباه هذا مما أوعدهم الله به. وقد بيّنا معنى التأويل فيما مضى بشواهده
بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11526ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْويلَهُ: أي ثوابه
يَوْمَ يَأْتي تَأْوِيلُهُ أي ثوابه.



حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن
ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ
يَأْتِي تَأْوِيلُهُ قال: تأويله: عاقبته.



11527ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة,
عن شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ قال:
جزاءه, يَوْمَ يَأْتي تَأْوِيلُهُ قال: جزاؤه.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن أبي
زائدة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.



11528ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: هَلْ يَنْظُرُون إلاّ تَأْوِيلَهُ أما
تأويله: فعواقبه مثل وقعة بدر, والقيامة, وما وعد فيه من موعد.



11529ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس في قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ
إلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتي تَأْويلُهُ يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ
قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبّنا بالحَقّ فلا يزال يقع من تأويله أمر حتى يتمّ تأويله
يوم القيامة, ففي ذلك أنزل: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ حيث أثاب الله
تبارك وتعالى أولياءه وأعداءه ثواب أعمالهم, يَقُولُ يومئذ الّذِينَ نَسُوهُ مِنْ
قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبّنا بالحَقّ... الاَية.



11530ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال:
ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ
تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتي تَأْويلُهُ قال: يوم القيامة.



11531ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: يَوْمَ يَأْتي تَأْوِيلُهُ قال: يأتي تحقيقه. وقرأ قول الله
تعالى: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قال: هذا تحقيقها. وقرأ قول الله:
وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللّهُ قال: ما يعلم حقيقته ومتى يأتي إلاّ الله
تعالى.



وأما قوله: يَوْمَ يَأْتي تَأْويلُهُ يَقُولُ
الّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ فإن معناه: يوم يجيء ما يئول إليه أمرهم من عقاب
الله, يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ: أي يقول الذين ضيعوا وتركوا ما أمروا
به من العمل المنجيهم مما آل إليه أمرهم يومئذٍ من العذاب من قبل ذلك في الدنيا:
لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبّنا بالحَقّ أقسم المساكين حين عاينوا البلاء وحلّ بهم
العقاب أنّ رسل الله التي أتتهم بالنذارة وبلغتهم عن الله الرسالة, قد كانت نصحت
لهم وصَدَقتهم عن الله, وذلك حين لا ينفعهم التصديق ولا ينجيهم من سخط الله وأليم
عقابه كثرة القيل والقال.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11532ـ حدثني محمد بن عمرو بن الحسين, قال:
حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: يقول الّذِينَ نَسُوهُ منْ
قَبْلُ قَدْ جاءَت رسُلُ رَبّنا بالحَقّ أما الذين نسوه فتركوه, فلما رأوا ما
وعدهم أنبياؤهم استيقنوا فقالوا: قد جاءت رسل ربنا بالحقّ.



11533ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ قال:
أعرضوا عنه.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.



القول في تأويل قوله تعالى: فَهَلْ لَنا مِنْ
شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أوْ نُرَدّ فَنَعْمَلَ غيرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ
قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.



وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين
الذين وصف صفتهم أنهم يقولون عند حلول سخط الله بهم وورودهم أليم عذابه ومعاينتهم
تأويل ما كانت رسل الله تعدهم: هل لنا من أصدقاء وأولياء اليوم, فيشفعوا لنا عند
ربنا, فتنجينا شفاعتهم عنده مما قد حلّ بنا من سوء فعالنا في الدنيا, أو نردّ إلى
الدنيا مرّة أخرى, فنعمل فيها بما يرضيه ويعتبه من أنفسنا؟ قال: هذا القول
المساكين هنالك, لأنهم كانوا عهدوا في الدنيا أنفسهم لها شفعاء تشفع لهم في
حاجاتهم, فيذكروا ذلك في وقت لا خلة فيه لهم ولا شفاعة, يقول الله جلّ ثناؤه: قَدْ
خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ يقول: غبنوا أنفسهم حظوظها ببيعهم ما لا خطر له من نعيم
الاَخرة الدائم بالخسيس من عرض الدنيا الزائل, وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ
يقول: وأسلمهم لعذاب الله, وحاد عنهم أولياؤهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله,
ويزعمون كذبا وافتراء أنهم أربابهم من دون الله.



11534ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ يقول:
شروْها بخسران.



وإنما رفع قوله أوْ نُرَدّ ولم ينصب عطفا على
قوله: فَيَشْفَعُوا لَنا لأن المعنى: هل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا, أو هل نردّ
فنعمل غير الذي كنا نعمل. ولم يرد به العطف على قوله فَيَشْفَعُوا لَنا.



الآية : 54


القول في تأويل قوله
تعالى: {إِنّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذِي
خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ
يُغْشِي الْلّيْلَ النّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنّجُومَ مُسَخّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ
اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ }.



يقول تعالى ذكره: إن سيدكم ومصلح أموركم أيها
الناس, هو المعبود الذي له العبادة من كلّ شيء الذي خلق السموات والأرض في ستة
أيام, وذلك يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة. كما:



11535ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحجاج بن
المنهال, قال: حدثنا أبو عوانة, عن أبي بشر, عن مجاهد, قال: بدء الخلق: العرش
والماء والهواء, وخلقت الأرض من الماء, وكان بدء الخلق يوم الأحد والاثنين
والثلاثاء والأربعاء والخميس, وجمع الخلق في يوم الجمعة, وتهوّدت اليهود يوم
السبت, ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون.



ثُمّ اسْتَوَى على العَرْشِ وقد ذكرنا معنى
الاستواء واختلاف الناس فيه فيما مضى قبل لما أغنى عن إعادته.



وأما قوله: يُغْشِي اللّيْلَ النّهارَ
يَطْلُبُهُ حَثِيثا فإنه يقول: يورد الليل على النهار فيلبسه إياه, حتى يذهب نضرته
ونوره. يَطْلُبُهُ يقول: يطلب الليل النهار حَثِيثا يعني سريعا.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11536ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّبن أبي طلحة, عن ابن عباس: يَطْلُبُهُ حَثِيثا
يقول: سريعا.



11537ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: يُغْشِي اللّيْلَ النّهارَ يَطْلُبُهُ
حَثِيثا قال: يغشي الليل النهار بضوئه, ويطلبه سريعا حتى يدركه.



القول في تأويل قوله تعالى: والشّمْسَ والقَمَر
وَالنّجُومَ مُسَخّرَاتٍ بِأْمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ تَبارَكَ اللّهُ
رَبّ العالَمِين.



يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق
السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم, كلّ ذلك بأمره, أمرهن الله فأطعن أمره, ألا
لله الخلق كله, والأمر الذي لا يخالف ولا يردّ أمره دون ما سواه من الأشياء كلها,
ودون ما عبده المشركون من الاَلهة والأوثان التي لا تضرّ ولا تنفع ولا تخلق ولا
تأمر, تبارك الله معبودنا الذي له عبادة كلّ شيء ربّ العالمين.



11538ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا هشام أبو عبد الرحمن, قال: حدثنا بقية بن الوليد, قال: ثني عبد الغفار بن
عبد العزيز الأنصاريّ, عن عبد العزيز الشامي, عن أبيه, وكانت له صحبة, قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَحْمَدِ اللّهَ على ما عَمِلَ مِنْ
عَمَلٍ صَالِحٍ, وحَمِدَ نَفْسَهُ, قَلّ شُكْرُهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ. وَمَنْ
زَعَمَ أنّ اللّهَ جَعَلَ للعِبادِ مِنَ الأمْرِ شَيْئا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا
أنْزَلَ اللّهُ على أنْبِيائِهِ لقوله: ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ تَبارَكَ
اللّهُ رَبّ العالَمِينَ».



الآية : 55


القول في تأويل قوله
تعالى: {ادْعُواْ رَبّكُمْ تَضَرّعاً
وَخُفْيَةً إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ }.



يقول تعالى ذكره: ادعوا أيها الناس ربكم وحده,
فأخلصوا له الدعاء دون ما تدعون من دونه من الاَلهة والأصنام. تَضَرّعا يقول:
تذللاً واستكانة لطاعته. وَخُفْيَةً يقول: بخشوع قلوبكم وصحة اليقين منكم
بوحدانيته فيما بينكم وبينه, لا جهارا مراءاة, وقلوبكم غير موقنة بوحدانيته
وربوبيته, فعل أهل النفاق والخداع لله ولرسوله. كما:



11539ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر,
قال: أخبرنا ابن المبارك, عن المبارك فضالة, عن الحسن, قال: إن كان الرجل لقد جمع
القرآن وما يشعر جاره, وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس, وإن
كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوّار وما يشعرون به. ولقد أدركنا
أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبدا.
ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلاّ همسا بينهم
وبين ربهم وذلك أن الله يقول: ادْعُوا رَبّكُمُ تَضَرّعا وَخُفْيَةً وذلك أن الله
ذكر عبدا صالحا, فرضي فعله فقال: إذْ نادَى رَبّهُ نِدَاءً خَفِيّا.



11540ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن
عاصم الأحول, عن أبي عثمان النهدي, عن أبي موسى, قال: كان النبيّ صلى الله عليه
وسلم في غزاة, فأشرفوا على واد يكبرون ويهللون ويرفعون أصواتهم, فقال: «أيّها
النّاسُ ارْبَعُوا على أنْفُسِكُمْ, إنّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمّ وَلا غائِبا
إنّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعا قَرِيبا مَعَكُمْ».



11541ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس, قوله: ادْعُوا رَبّكُمْ
تَضَرّعا وَخْفْيَةً قال: السرّ.



وأما قوله: إنّهُ لا يُحِبّ المُعْتَدِينَ فإن
معناه: إن ربكم لا يحبّ من اعتدى فتجاوز حدّه الذي حدّه لعباده في دعائه ومسألته
ربه, ورفعه صوته فوق الحدّ الذي حدّ لهم في دعائهم إياه ومسألتهم وفي غير ذلك من
الأمور. كما:



11542ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا
معتمر بن سليمان, قال: أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان عن عبادبن عباد, عن
علقمة, عن أبي مجلز: ادْعُوا رَبّكُمْ تَضَرّعا وَخُفْيَةً إنه لا يحِبّ
المُعْتَدِينَ قال: لا يسأل منازل الأنبياء عليهم السلام.



11543ـ حدثني القاسم قال: حدثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس: إنّهُ لا يُحِبّ
المُعْتَدِينَ في الدعاء ولا في غير. قال ابن جريج: إن من الدعاء اعتداء يكره رفع
الصوت والنداء والصياح بالدعاء, ويؤمر بالتضرّع والاستكانة.



الآية : 56


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ
بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنّ رَحْمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ
مّنَ الْمُحْسِنِينَ }.



يعني تعالى ذكره بقوله: وَلا تُفْسِدُوا فِي
الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِها لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها وذلك هو الفساد
فيها. وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى وبيّنا معناه بشواهده. بعدَ إصْلاحِها
يقول: بعد إصلاح الله إياها لأهل طاعته بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحقّ, وإيضاحه
حججه لهم. وَادْعُوهُ خَوْفا وَطَمَعا يَقُولُ: وأخلصوا له الدعاء والعمل, ولا
تشركوا في عملكم له شيئا غيره من الاَلهة والأصنام وغير ذلك, وليكن ما يكون منكم
في ذلك خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه وإن من كان دعاؤه إياه على غير ذلك فهو
بالاَخرة من المكذّبين, لأن من لم يخف عقاب الله ولم يَرْج ثوابه لم يبال ما ركب
من أمر يسخطه الله ولا يرضاه. إنّ رَحمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ يقول
تعالى ذكره: إن ثواب الله الذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدنيا قريب منهم.
وذلك هو رحمته لأنه ليس بينهم وبين أن يصيروا إلى ذلك من رحمته وما أعدّ لهم من
كرامته, إلاّ أن تفارق أرواحهم أجسادهم ولذلك من المعنى ذكر قوله: قَريبٌ وهو من
خبر الرحمة والرحمة مؤنثة, لأنه أريد به القرب في الوقت لا في النسب والأوقات بذلك
المعنى, إذا رفعت أخبارا للأسماء أجرتها العرب مجرى الحال فوحدتها مع الواحد
والاثنين والجميع وذكّرتها مع المؤنث, فقالوا: كرامة الله بعيد من فلان, وهي قريب
من فلان, كما يقولون: هند قريب منا, والهندان منا قريب, والهندات منا قريب, لأن
معنى ذلك: هي في مكان قريب منا, فإذا حذفوا المكان وجعلوا القريب خلفا منه, ذكروه
ووحدوه في الجمع, كما كان المكان مذكرا وموحدا في الجمع. وأما إذا أنثوه أخرجوه
مثنى مع الاثنين ومجموعا مع الجميع فقالوا: هي قريبة, منا, وهما منا قريبتان, كما
قال عروة بن الورد:



عَشِيّةَ لا عَفْرَاءُ مِنْكَ
قَرِيبَةٌفَتَدْنُو وَلا عَفْراءُ مِنْكَ بَعِيدُ



فأنّث قريبة, وذكّر بعيدا على ما وصفت. ولو كان
القريب من القرابة في النسب لم يكن مع المؤنث إلاّ مؤنثا ومع الجمع إلاّ مجموعا.
وكان بعض نحويي البصرة يقول: ذُكّر قريب وهو صفة للرحمة, وذلك كقول العرب: ريح
خريق, وملحفة جديد, وشاة سديس. قال: وإن شئت قلت: تفسير الرحمة ههنا المطر ونحوه,
فلذلك ذكر كما قال: وَإنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا فذكّر لأنه أراد الناس,
وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث, كقول الشاعر:



(وَلا أرْضَ أبْقَلَ
إبْقالَهَا )



وقد أنكر ذلك من قيله بعض أهل العربية, ورأى
أنه يلزمه إن جاز أن يذكر قريبا توجيها منه للرحمة إلى معنى المطر أن يقول: هند
قام, توجيها منه لهند وهي امرأة إلى معنى إنسان, ورأى أن ما شبه به قوله: إنّ
رَحْمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ بقوله: وإنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ
آمَنوا غير مشبهة, وذلك أن الطائفة فيما زعم مصدر بمعنى الطيف, كما الصيحة والصياح
بمعنى, ولذلك قيل: وأخَذَ الّذِينَ ظَلَمُوا الصّيْحَةُ.



الآية : 57


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَهُوَ الّذِي يُرْسِلُ
الرّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّىَ إِذَآ أَقَلّتْ سَحَاباً
ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مّيّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا
بِهِ مِن كُلّ الثّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَىَ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ
}.



يقول تعالى ذكره: إن ربكم الذي خلق السموات
والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره «هُوَ الّذِي يُرْسِلُ الرّياحُ نَشْرا
بينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ». والنشر بفتح النون وسكون الشين في كلام العرب من الرياح
الطيبة اللينة الهبوب التي تنشىء السحاب, وكذلك كلّ ريح طيبة عندهم فهي نشر ومنه
قول امرىء القيس:



كأنّ المُدَامَ وَصَوْبَ الغَمامِورِيحَ
الخُزَامَى وَنَشْرَ القُطُرْ



وبهذه القراءة قرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين خلا
عاصم بن أبي النجود, فإنه كان يقرؤه: بُشْرا على اختلاف عنه فيه, فروى ذلك بعضهم
عنه: بُشْرا بالباء وضمها وسكون الشين, وبعضهم بالباء وضمها وضمّ الشين, وكان
يتأوّل في قراءته ذلك كذلك قوله: وَمِنْ آياتِه أن يُرْسِلَ الرّياحَ مُبَشّراتٍ:
تبشر بالمطر, وأنه جمع بشير بُشُرا, كما يجمع النذير نُذُرا. وأما قرّاء المدينة
وعامة المكيين والبصريين, فإنهم قرءوا ذلك: «وَهُوَ الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ
نُشْرا» بضم النون والشين, بمعنى جمع نشور جمع نشرا, كما يجمع الصبور صُبُرا,
والشكور شُكُرا. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معناها إذا قرئت كذلك أنها
الريح التي تهبّ من كلّ ناحية وتجيء من كلّ وجه. وكان بعضهم يقول: إذا قرئت بضمّ
النون فينبغي أن تسكن شينها, لأن ذلك لغة بمعنى النشر بالفتح وقال: العرب تضمّ
النون من النشر أحيانا, وتفتح أحيانا بمعنى واحد. قال: فاختلاف القرّاء في ذلك على
قدر اختلافها في لغتها فيه. وكان يقول: هو نظير الخَسف والخُسف بفتح الخاء وضمها.



والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة من
قرأ ذلك «نَشْرا» وَ «نُشُرا» بفتح النون وسكون الشين وبضمّ النون والشين قراءتان
مشهورتان في قرأة الأمصار, فلا أحبّ القراءة بها, وإن كان لها معنى صحيح ووجهو
نظير الخَسف والخُسف بفتح الخاء وضمها.



والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة من
قرأ ذلك «نَشْرا» وَ «نُشُرا» بفتح النون وسكون الشين وبضمّ النون والشين قراءتان
مشهورتان في قرأة الأمصار, فلا أحبّ القراءة بها, وإن كان لها معنى صحيح ووجه
مفهوم في المعنى والإِعراب لما ذكرنا من العلة وأما قوله بين يدي رحمته فإنه يقول
قدام رحمته وأمامها والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه جاء بين يديه
لأن ذلك من كلامهم جرى في إخبارهم عن بني آدم وكثر استعمال فيهم حتى قالوا ذلك في
غير ابن آدم وما لايدله والرحمة التي ذكرها جلّ ثناؤه في هذا الموضع المطر.



فمعنى الكلام إذن: والله الذي يرسل الرياح لينا
هبوبها, طيبا نسيمها, أمام غيثه الذي يسوقه بها إلى خلقه, فينشىء بها سحابا
ثقالاً, حتى إذا أقلّتها, والإقلال بها: حملها, كما يقال: استقلّ البعير بحمله
وأقلّه: إذا حمله فقام به. ساقه الله لإحياء بلد ميت قد تعفت مزارعه ودرست مشاربه
وأجدب أهله, فأنزل به المطر وأخرج به من كلّ الثمرات.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11544ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط عن السديّ: «وَهُوَ الّذِي يُرسِلُ الرّياحَ نُشْرا
بينَ يَدَيْ رَحْمَتهِ»... إلى قوله: لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ قال: إن الله يرسل
الريح, فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان, فيخرجه
من ثم, ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء, ثم يفتح أبواب السماء, فيسيل الماء
على السحاب, ثم يمطر السحاب بعد ذلك. وأما رحمته: فهو المطر.



وأما قوله: كذلكَ نُخْرِجُ المَوْتَى
لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ فإنه يقول تعالى ذكره: كما نحيي هذا البلد الميت بما ننزل
به من الماء الذي ننزله من السحاب, فنخرج به من الثمرات بعد موته وجدوبته وقحوط
أهله, كذلك نخرج الموتى من قبورهم أحياء بعد فنائهم ودروس آثارهم. لَعَلّكُمْ
تَذَكّرُونَ يقول تعالى ذكره للمشركين به من عبدة الأصنام, المكذّبين بالبعث بعد
الممات, المنكرين للثواب والعقاب: ضربت لكم أيها القوم هذا المثل الذي ذكرت لكم من
إحياء البلد الميت بقطر المطر الذي يأتي به السحاب, الذي تنشره الرياح التي وصفت
صفتها لتعتبروا فتذكروا وتعلموا أن من كان ذلك من قدرته فيسير في إحياء الموتى بعد
فنائها وإعادتها خلقا سويّا بعد دروسها.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11545ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, قوله: كذلكَ نُخْرِجُ المَوْتَى
لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ وكذلك تخرجون, وكذلك النشور, كما نخرج الزرع بالماء.



وقال أبو هريرة: «إن الناس إذا ماتوا في النفخة
الأولى أمطر عليهم من ماء تحت العرش يُدعى ماء الحيوان أربعين سنة فينبتون كما
ينبت الزرع من الماء, حتى إذا استكملت أجسامهم نفخ فيهم الروح, ثم يلقي عليهم
نومة, فينامون في قبورهم, فإذا نُفخ في الصور الثانية, عاشوا وهم يجدون طعم النوم
في رءوسهم وأعينهم, كما يجد النائم حين يستيقظ من نومه, فعند ذلك يقولون: يا
وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا فناداهم المنادي هَذَا ما وَعَدَ
الرّحْمَنُ وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ.



11546ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله:كذلكَ نُخْرِجُ
المَوْتَى قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى أمطر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:38 pm

السماء حتى تتشقق
عنهم الأرض, ثم يرسل الأرواح فتعود كلّ روح إلى جسدها, فكذلك يحيي الله الموتى
بالمطر كإحيائه الأرض.



الآية : 58


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَالْبَلَدُ الطّيّبُ يَخْرُجُ
نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً كَذَلِكَ
نُصَرّفُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }.



يقول تعالى ذكره: والبلد الطيبة تربته العذبة
مشاربه, يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحيا بإذنه طيبا ثمره في حينه
ووقته. وَالّذِي خَبُثَ فردؤت تربته وملحت مشاربه, لا يَخْرُجُ نباته إلاّ نَكِدا
يقول: إلاّ عسرا في شدّة, كما قال الشاعر:



لا تُنْجِرُ الوَعْدَ إنْ وَعَدْتَ
وَإنْأعْطَيْتَ أعْطَيْتَ تافِها نَكِدَا



يعني بالتافه: القليل, وبالنكد, العسر, يقال
منه: نَكِدَ يَنْكَدُ نَكَدا ونَكْدا, فهو نَكَدٌ ونَكِدٌ, والنكد المصدر, ومن
أمثالهم نَكْدا وجَحْدا ونُكْدا وجُحْدا, والجحد: الشدّة والضيق, ويقال إذا شفه
وسئل قد نكدوه ينكَدونه نَكْدا, كما قال الشاعر:



وأعْطِ ما أعْطَيْتَهُ طَيّبالا خيرَ في
المَنْكُودِ والنّاكِدِ



واختلفت
القرّاء في قراءة ذلك فقرأه بعض أهل المدينة: «إلاّ نَكَدا» بفتح الكاف. وقرأه بعض
الكوفيين بسكون الكاف: «نَكْدا». وخالفهما بعد سائر القرّاء في الأمصار, فقرءوه:
إلاّ نَكِدا بكسر الكاف. كأن من قرأه: «نَكَدا» بنصب الكاف أراد المصدر, وكأن من
قرأه بسكون الكاف أراد كسرها فسكنها على لغة من قال: هذه فخْذ وكتْد, وكان الذي
يجب عليه إذا أراد ذلك أن يكسر النون من «نكد» حتى يكون قد أصاب القياس.



قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا
قراءة من قرأه: نَكِدا بفتح النون وكسر الكاف لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه.
وقوله: كذلكَ نُصَرّفُ الاَياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ يقول: كذلك نبين آية بعد
آية, وندلي بحجة بعد حجة, ونضرب مثلاً بعد مثل, لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم
بالهداية وتبصيره إياهم سبيل أهل الضلالة, باتباعهم ما أمرهم باتباعه وتجنبهم ما
أمرهم بتجنبه من سبل الضلالة. وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر, فالبلد الطيب
الذي يخرج نباته بإذن ربه مثل للمؤمن, والذي خبث فلا يخرج نباته إلا نَكدا مثل
للكافر.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11547ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالح, قال: ثني معاوية بن صالح عن عليّ عن ابن عباس قوله: وَالبَلَدُ الطّيّبُ
يَخْرُجُ نَباتُهُ باذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِدا فهذا
مثل ضربه الله للمؤمن, يقول: هو طيب وعمله طيب كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب
مثل الكافر كالبلدة السبِخة المالحة التي لا تخرج منها البرَكة, فالكافر هو الخبيث
وعمله خبيث.



11548ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَالبَلَدُ
الطّيّبُ والّذِي خَبُثَ قال: كلّ ذلك من أرض السباخ وغيرها مثل آدم وذرّيته, فيهم
طيب وخبيث.



حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, بنحوه.



11549ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَالبَلَدُ الطّيّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ باذْنِ
رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِدا قال: هذا مثل ضربه الله في الكافر
والمؤمن.



11550ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد,
يعني ابن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَالبَلَدُ الطّيّبُ يَخْرُجُ
نَباتُهُ باذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ هي السبخة لا يَخْرُجُ نباتها إلاّ نَكِدا.
والنكِد: الشيء القليل الذي لا ينفع كذلك القلوب لما نزل القرآن, فالقلب المؤمن
لما دخله القرآن آمن به, وثبت الإيمان فيه والقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق
منه بشيء ينفعه, ولم يثبت فيه من الإيمان شيء إلاّ ما لا ينفع, كما لم يخرج هذا
البلد إلاّ ما لا ينفع من النبات.



11551ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد, عن مجاهد: وَالبَلَدُ الطّيّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بإذْنِ
رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلاّ نَكِدا قال: الطيب ينفعه المطر فينبت,
والذي خبث السباخ لا ينفعه المطر لا يخرج نباته إلاّ نكدا, قال: هذا مثل ضربه الله
لاَدم وذرّيته كلهم, إنما خلقوا من نفس واحدة, فمنهم من آمن بالله وكتابه فطاب
ومنهم من كفر بالله وكتابه فخبُث.



الآية : 59


القول في تأويل قوله
تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً
إِلَىَ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ
غَيْرُهُ إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.



أقسم ربنا جلّ ثناؤه للمخاطبين بهذه الاَية
أنه أرسل نوحا إلى قومه منذرهم بأسه, ومخوّفهم سخطه على عبادتهم غيره, فقال لمن
كفر منهم: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ الذي له العبادة, وذلوا له بالطاعة واخضعوا
له بالاستكانة, ودعوا عبادة ما سواه من الأنداد والاَلهة, فإنه ليس لكم معبود
يستوجب عليكم العبادة غيره, فإني أخاف عليكم إن لم تفعلوا ذلك عَذَابَ يَوْمٍ
عظِيم يعني: عذاب يوم يعظم فيه بلاؤكم بمجيئه إياكم بسخط ربكم.



وقد
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: غَيْرُهُ فقرأ ذلك بعض أهل المدينة والكوفة: «ما
لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غيرِهِ» يخفض «غير» على النعت للإله. وقرأ جماعة من أهل المدينة
والبصرة والكوفة: مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غٍيْرُهُ برفع «غيرُ», ردّ الهاء على موضع
«من» لأن موضعها رفع لو نزعت من الكلام لكان الكلام رفعا, وقيل: ما لكم إله غير
الله, فالعرب لما وصفت من أن المعلوم بالكلام أدخلت «من» فيه أو أخرجت, وإنها
تدخلها أحيانا في مثل هذا من الكلام وتخرجها منه أحيانا تردّ ما نعتت به الاسم
الذي عملت فيه على لفظه, فإذا خفضت فعلى كلام واحد, لأنها نعت للإله وأما إذا
رفعت, فعلى كلامين: ما لكم غيره من إله, وهذا قول يستضعفه أهل العربية.



الآية : 60


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ الْمَلاُ مِن قَوْمِهِ
إِنّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.



وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن جواب مشركي قوم
نوح لنوح, وهم الملأ والملأ: الجماعة من الرجال لا امرأة فيهم أنهم قالوا له حين
دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له: إنّا لَنَرَاكَ يا نوح فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
يعنون: في أمر زائل عن الحقّ, مبين زواله عن قصد الحدّ لمن تأمّله.



الآية : 61


القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ
وَلَكِنّي رَسُولٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ }.



يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه مجيبا لهم: يا
قوم لم آمركم بما أمرتكم به من إخلاص التوحيد لله وإفراده بالطاعة دون الأنداد
والاَلهة زوالاً مني عن محجة الحقّ وضلالاً لسبيل الصواب, وما بي ما تظنون من
الضلال, ولكني رسول إليكم من ربّ العالمين بما أمرتكم به من إفراده بالطاعة
والإقرار له بالوحدانية والبراءة من الأنداد والاَلهة.



الآية : 62


القول في تأويل قوله
تعالى: {أُبَلّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبّي
وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.



وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن نبيه نوح عليه
السلام أنه قال لقومه الذين كفروا بالله وكذّبوه: ولكني رسول من ربّ العالمين
أرسلني إليكم, فأنا أبلغكم رسالات ربي, وأنصح لكم في تحذيري إياكم عقاب الله على
كفركم به وتكذيبكم إياي وردّكم نصيحتي. وأعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلمُونَ: من
أن عقابه لا يردّ عن القوم المجرمين.



الآية : 63


القول في تأويل قوله
تعالى: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ
ذِكْرٌ مّن رّبّكُمْ عَلَىَ رَجُلٍ مّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتّقُواْ
وَلَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ }.



وهذا أيضا خبر من الله عزّ ذكره عن قيل نوح
لقومه أنه قال لهم إذْ ردّوا عليه النصيحة في الله, وأنكروا أن يكون الله بعثه
نبيّا, وقالوا له: ما نَرَاكَ إلاّ بَشَرا مِثْلَنا وَما نَرَاكَ اتّبَعَكَ إلاّ
الّذِينَ هُمْ أرَاذِلُنا بادِيَ الرأيِ وَما نَرَى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ
بَلْ نَظُنّكُمْ كاذبِينَ: أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبّكُمْ
يقول: أو عجبتم أن جاءكم تذكير من الله وعظة, يذكركم بما أنزل ربكم على رجل منكم.
قيل: معنى قوله: على رَجُلٍ منْكُمْ مع رجل منكم لِيُنْذِرَكُمْ يقول: لينذركم بأس
الله, ويخوّفكم عقابه على كفركم به. وَلِتَتّقُوا يقول: وكي تتقوا عقاب الله
وبأسه, بتوحيده وإخلاص الإيمان به والعمل بطاعته. ولَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ يقول:
وليرحمكم ربكم إن اتّقيتم الله وخفتموه وحذّرتم بأسه. وفُتحت الواو من قوله: أوَ
عَجِبْتُمْ لأنها واو عطف دخلت عليها ألف استفهام.



الآية : 64


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَكَذّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ
وَالّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَآ
إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ }.



يقول تعالى ذكره: فكذّب نوحا قومُه, إذ أخبرهم
أنه لله رسول إليهم يأمرهم بخلع الأنداد والإقرار بوحدانية الله والعمل بطاعته,
وخالفوا أمر ربهم ولجوا في طغيانهم يعمهون, فأنجاه الله في الفلك والذين معه من
المؤمنين به. وكانوا بنوح عليه السلام ثلاث عشرة, فيما:






11552ـ حدثني به ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن
ابن إسحاق: نوح وبنوه الثلاثة: سام, وحام, ويافث وأزواجهم, وستة أناسيّ ممن كان
آمن به.



وكان حمل معه في الفُلك من كلّ زوجين اثنين,
كما قال تبارك وتعالى: وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِيلٌ. والفُلك: هو
السفينة. وأغْرَقْنا الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِنا يقول: وأغرق الله الذين كذّبوا
بحججه ولم يتبعوا رسله ولم يقبلوا نصيحته إياهم في الله بالطوفان. إنّهُمْ كانُوا
قَوْما عَمِينَ يقول: عمين عن الحقّ. كما:



11553ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: عَمِينَ قال: عن
الحقّ.



11554ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد في قوله: قَوْما عَمِينَ قال: العَمِي: العامي عن الحقّ.



الآية : 65


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ
هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ
أَفَلاَ تَتّقُونَ }.



يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى عاد أخاهم
هودا ولذلك نصب «هودا», لأنه معطوف به على نوح عليهما السلام. قَالَ هود: يا
قَوْمِ اعْبُدُوا الله فأفردوا له العبادة, ولا تجعلوا معه إلها غيره, فإنه ليس
لكم إله غيره. أفلا تَتّقُونَ ربكم فتحذرونه وتخافون عقابه بعبادتكم غيره, وهو
خالقكم ورازقكم دون كلّ ما سواه؟



الآية :
66-67



القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ الْمَلاُ الّذِينَ
كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنّا لَنَظُنّكَ مِنَ
الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ
بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنّي رَسُولٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ }.



يقول تعالى ذكره مخبرا عما أجاب هودا له قومه
الذين كفروا بالله: قَالَ الملأُ الّذِينَ كَفَرُوا يعني الذين جحدوا توحيد الله,
وأنكروا رسالة هود إليهم: إنا لَنَرَاكَ يا هود فِي سَفاهَةٍ يعنون في ضلالة عن
الحقّ والصواب, بتركك دينَنا وعبادة آلهتنا. وَإنّا لَنَظُنّكَ مِنَ الكاذِبِينَ
في قِيلك إني رسول من ربّ العالمين. قالَ يا قَوْمَ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ: يقول: أي
ضلالة عن الحقّ والصواب, وَلَكِنّي رَسُولٌ مِنْ رَبّ العالَمِينَ أرسلني, فأنا
أبلغكم رسالات ربي وأؤدّيها إليكم كما أمرني أن أؤديها.



الآية :
68-69



القول في تأويل قوله
تعالى: {أُبَلّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبّي
وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ * أَوَ
عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مّن رّبّكُمْ عَلَىَ رَجُلٍ مّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ
وَاذكُرُوَاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي
الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوَاْ آلاَءَ اللّهِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }.



يعني بقوله: أُبَلّغُكُمْ رِسالاتِ رَبّي:
أؤدّي ذلك إليكم أيها القوم. وأنا لَكُمْ ناصِحٌ: يقول: وأنا لكم في أمري إياكم
بعبادة الله دون ما سواه من الأنداد والاَلهة, ودعائكم إلى تصديقي فيما جئتكم به
من عند الله, ناصحٌ, فاقبلوا نصيحتي, فإني أمين على وحي الله وعلى ما ائتمنني الله
عليه من الرسالة, لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدّل, بل أبلغ ما أمرت به كما أمرت.
أوَ عَجِبْتُمْ أنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبّكُمْ على رَجُلٍ مِنْكُمْ
لِيُنْذِرَكُمْ يقول: أَوَ عجبتم أن أنزل الله وحيه بتذكيركم وعظتكم على ما أنتم
عليه مقيمون من الضلالة, على رجل منكم, لينذركم بأس الله ويخوّفكم عقابه.
وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْم نُوحٍ يقول: فاتقوا الله
في أنفسكم, واذكروا ما حلّ بقوم نوح من العذاب إذ عَصَوا رسولهم وكفروا بربهم,
فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض منهم, لما أهلكهم أبدلكم منهم فيها, فاتقوا
الله أن يحل بكم نظير ما حلّ بهم من العقوبة فيهلككم ويبدل منكم غيركم, سنته في
قوم نوح قبلكم على معصيتكم إياه وكفركم به. وَزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَسْطَةً:
زاد في أجسامكم طولاً وعِظَما على أجسام قوم نوح, وفي قَوامكم على قَوامهم, نعمة
منه بذلك عليكم, فاذكروا نعمه وفضله الذي فضّلكم به عليهم في أجسامكم وقَوامكم,
واشكروا الله على ذلك بإخلاص العبادة له وترك الإشراك به وهجر الأوثان والأنداد.
لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول: كي تفلحوا, فتدركوا الخلود والبقاء في النعم في
الاَخرة, وتنجحوا في طلباتكم عنده.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11555ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ
مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ يقول: ذهب بقوم نوح واستخلفكم من بعدهم.



11556ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن
ابن إسحاق: وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ: أي
ساكني الأرض بعد قوم نوح.



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر
من قال ذلك:



11557ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَسْطَةً قال:
ما لقوام قوم عاد.



وأما الاَلاء فإنها جمع, واحدها: «إِلَى» بكسر
الألف في تقدير مِعَى, ويقال: «أَلَى» في تقدِير قَفَا بفتح الألف. وقد حُكي سماعا
من العرب إلْيٌ مِثْل حِسْيٍ. والاَلاء: النعم. وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال
ذلك:



11558ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فاذْكُرُوا آلاء اللّهِ أي نعم الله.



11559ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: اماآلاء اللّهِ فنعم الله.



11560ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: فاذْكُرُوا آلأَ اللّهِ قال: آلاؤه: نعمه.



قال أبو جعفر: وعاد هؤلاء القوم الذين وصف الله
صفتهم وبعث إليهم هودا يدعوهم إلى توحيد الله واتباع ما أتاهم به من عنده, هم
فيما:



11561ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن
ابن إسحاق: ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح.



وكانت مساكنهم الشّحْر من أرض اليمن, وما والى
بلاد حضرموت إلى عُمان. كما:



11562ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السّديّ: إن عادا قوم كانوا باليمن بالأحقاف.



11563ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, قال:
حدثنا ابن إسحاق, عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي, عن أبي الطفيل عامر بن
واثلة, قال: سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت
كثيبا أحمر يخالطه مَدَرَة حمراء ذا أراكٍ وسِدْر كثير بناحية كذا وكذا من أرض
حضرموت, هل رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين, والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه.
قال: لا, ولكني قد حُدثت عنه. فقال الحضرميّ: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه
قبر هود صلوات الله عليه.



11564ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن
ابن إسحاق, قال: كانت منازل عاد وجماعتهم حين بعث الله فيهم هودا الأحقاف, قال:
والأحقاف: الرمل فيما بين عمان إلى حضرموت باليمن, وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض
كلها, وقهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله, وكانُوا أصحاب أوثان يعبدونها من
دون الله: صنم يقال له صُداء, وصنم يقال له صمود, وصنم يقال له الهباء. فبعث الله
إليهم هودا, وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا, فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا
معه إلها غيره, وأن يكفوا عن ظلم الناس, ولم يأمرهم فيما يُذكر والله أعلم بغير
ذلك. فأبوا عليه وكذّبوه, وقالوا: من أشدّ منا قوّة واتبعه منهم ناس وهم يسيرٌ,
يكتمون إيمانهم, وكان ممن آمن به وصدّقه رجل من عاد يقال له مرثد بن سعد بن عفير,
وكان يكتم إيمانه, فلما عتوا على الله وكذّبوا نبيهم, وأكثروا في الأرض الفساد,
وتجبروا وبنوا بكلّ ريع آية عبثا بغير نفع, كلمهم هود, فقال: أتَبْنُونَ بِكُلّ
رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإذَا
بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ فاتّقُوا اللّهَ وأطِيعُونِ قالُوا يا هُودُ ما
جِئْتَنا بِبَيّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ
لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إنْ نَقُولُ إلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ أي ما
هذا الذي جئتنا به إلاّ جنون أصابك به بعض آلهتنا هذه التي تعيب, قال إنّي
أُشْهِدُ اللّهَ وَاشْهَدُوا أنّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ
فَكِيدُونِي جَمِيعا ثُم لا تُنْظِرُونِ... إلى قوله: صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فلما
فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر من السماء ثلاث سنين فيما يزعمون, حتى جهدهم ذلك.
وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جهد, فطلبوا إلى الله الفرج منه,
كانت طلبتهم إلى الله عند بيته الحرام بمكة, مسلمهم ومشركهم, فيجتمع بمكة ناس كثير
شتى مختلفة أديانهم, وكلهم معظّم لمكة يعرف حرمتها ومكانها من الله. قال ابن
إسحاق: وكان البيت في ذلك الزمان معروفا مكانه, والحرم قائما فيما يذكرون, وأهل
مكة يومئذ العماليق وإنما سموا العماليق, لأن أباهم عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح,
وكان سيدُ العماليق إذ ذاك بمكة فيما يزعمون رجلاً يقال له: معاوية بن بكر, وكان
أبوه حيّا في ذلك الزمان ولكنه كان قد كبر, وكان ابنه يرأس قومه, وكان السؤدد
والشرف من العماليق فيما يزعمون في أهل ذلك البيت, وكانت أمّ معاوية بن بكر كلهدة
ابنة الخيبري رجل من عاد. فلما قحِط المطر عن عاد وجهدوا, قالوا: جهزوا منكم وفدا إلى
مكة, فليستسقوا لكم, فإنكم قد هلكتم فبعثوا قيل بن عتر ولقيم بن هزال من هذيل
وعقيل بن صدّ بن عاد الأكبر ومرثد بن سعد بن عفير, وكان مسلما يكتم إسلامه, وجلهمة
بن الخيبري خال معاوية بن بكر أخو أمه, ثم بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان بن
صدّ بن عاد الأكبر. فانطلق كلّ رجل من هؤلاء القوم معه رهط من قومه حتى بلغ عدّة
وفدهم سبعين رجلاً. فلما قدموا مكة, نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا
من الحرم, فأنزلهم وأكرمهم, وكانوا أخواله وأصهاره. فلما نزل وفد عاد على معاوية
بن بكر, أقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنّيهم الجرادتان, قينتان لمعاوية بن
بكر, وكان مسيرهم شهرا ومقامهم شهرا. فلما رأى معاوية بن بكر طول مُقامهم وقد
بعثهم قومهم يتغوّثون بهم من البلاء الذي أصابهم, شقّ ذلك عليه, فقال: هلك أخوالي
وأصهاري, وهؤلاء مقيمون عندي وهم ضيفي نازلون عليّ والله ما أدري كيف أصنع بهم إن
أمرتهم بالخروج إلى ما بعثوا له فيظنوا أنه ضيق مني بمقامهم عندي, وقد هلك مَن
وراءهم من قومهم جهدا وعطشا. أو كما قال. فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين,
فقالتا: قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله, لعلّ ذلك أن يحرّكهم. فقال معاوية بن
بكر حين أشارتا عليه بذلك:



ألا يا قَيْلُ وَيْحَكَ قُمْ فَهَيْنِمْلَعَلّ
اللّهَ يُسْقِينا غَمامَا



فَيَسْقِي أرْضَ عادٍ إنّ عادًاقَدَ امْسَوْا لا
يُبِينُونَ الكَلامَا



مِنَ العَطَشِ الشّدِيدِ فليسَ نَرْجوبِهِ
الشّيْخَ الكَبِيرَ وَلا الغُلامَا



وقَدْ كانَتْ نِساؤُهُمُ بِخَيْرٍفَقَدْ أمْسَتْ
نِساؤُهُمُ عَيامَى



وَإنّ الوَحْشَ يَأْتِيهِمْ جِهاراوَلا يَخْشَى
لِعادِيّ سِهامَا



وأنْتُمْ ها هُنا فِيما اشْتَهَيْتُمْنَهارَكُمُ
وَلَيْلَكُمُ التّمامَا



فَقُبّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قوْمٍوَلا
لُقّوا التّحِيّةَ وَالسّلامَا



فلما قال معاوية ذلك الشعر, غنتهم به
الجرادتان, فلما سمع القوم ما غنتا به, قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومكم
يتغوّثوني بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم, وقد أبطأتم عليهم, فادخلوا هذا الحرم
واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثد بن سعد بن عفير: إنكم والله لا تُسقون بدعائكم,
ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إليه سقيتم. فأظهر إسلامه عند ذلك, فقال لهم جُلهُمة
بن الخيبري خال معاوية بن بكر حين سمع قوله وعرف أنه قد اتبع دين هود وآمن به:



أبا سَعْدٍ فإنّكَ مِنْ قَبِيلٍذَوِي كَرَمٍ
وأُمّكَ مِنْ ثَمُودِ



فإنّا لا نُطِيعُكَ ما بَقِيناوَلَسْنا
فاعِلِينَ لِمَا تُرِيدُ



أتأْمُرُنا لِنَتْرُكَ دِينَ رِفْدٍوَرَمْلٍ
والصّدَاءَ مَعَ الصّمُود



ونَتْرُكَ دِينَ آباءٍ كِرَامٍذَوِي رأْيٍ
ونَتْبَعُ دِينَ هُودِ



ثم قالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر: احبسا عنا
مرثد بن سعد, فلا يقدمنّ معنا مكة, فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم خرجوا إلى
مكة يستسقون بها لعاد فلما ولوا إلى مكة, خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية بن بكر,
حتى أدركهم بها, فقال: لا أدعو الله بشيء مما خرجوا له فلما انتهى إليهم, قام يدعو
الله بمكة, وبها وفد عاد قد اجتمعوا يدعون, يقول: اللهمّ أعطني سؤلي وحدي, ولا
تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد وكان قيل بن عتر رأس وفد عاد, وقال وفد عاد:
اللهمّ أعط قيلاً ما سألك, واجعل سؤلنا مع سؤله. وكان قد تخلف عن وفد عاد حين دعا
لقمان بن عاد وكان سيد عاد حتى إذا فرغوا من دعوتهم, قام فقال: اللهمّ إني جئتك
وحدي في حاجتي, فأعطني سؤلي وقال قَيْل بن عير حين دعا: يا إلهنا إن كان هود صادقا
فاسقنا, فإنا قد هلكنا فأنشأ الله لهم سحائب ثلاثا: بيضاء وحمراء وسوداء, ثم ناداه
مناد من السحاب: يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب فقال: اخترت السحابة
السوداء فإنها أكثر السحاب ماء, فناداه مناد: اخترت رمادا رِمْدَدا, لا تبق من آل
عاد أحدا, لا والدا تترك ولا ولَدا, إلا جعلته هُمّدا, إلا بني اللّوْذية
المُهَدّا. وبني اللوذية: بنو لُقيم بن هزال بن هزيلة بن بكر وكانوا سكانا بمكة مع
أخوالهم, ولم يكونوا مع عاد بأرضهم, فهم عاد الاَخرة ومن كان من نسلهم الذين بقوا
من عاد. وساق الله السحابة السوداء فيما يذكرون التي اختارها قيل بن عتر بما فيها
من النقمة إلى عاد, حتى خرجت عليهم من واد يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا بها
وَقالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا يقول الله: بَلْ هُوَ ما اسْتَعَجَلْتُمْ بِهِ
رِيحٌ فِيها عَذَابٌ ألِيمٌ تُدَمّرُ كُلّ شيءٍ بأمر ربّها: أي كلّ شيء أمرت به.
وكان أوّل من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون, امرأة من عاد يقال لها
مَهْدَد. فلما تيقنت ما فيها, صاحت ثم صُعِقت فلما أن أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد؟
قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار, أمامها رجال يقودونها. فسخرها الله عليهم سبع
ليال وثمانية أيام حسوما, كما قال الله والحسوم: الدائمة فلم تدع من عاد أحدا إلا
هلك. فاعتزل هود فيما ذكر لي ومن معه من المؤمنين في حظيرة, ما يصيبه ومن معه من
الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذّ به الأنفس, وإنها لتمر على عاد بالظّعن بين
السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة. وخرج وفد عاد من مكة, حتى مروا بمعاوية بن بكر
وابنه, فنزلوا عليه, فبينما هم عنده إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمرة مساء
ثالثة من مصاب عاد, فأخبرهم الخبر, فقالوا له: أين فارقت هودا وأصحابه؟ قال:
فارقتهم بساحل البحر, فكأنهم شكوا فيما حدثهم به, فقالت هذيلة بنت بكر: صدق وربّ
الكعبة.



11565ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر بن
عياش, قال: حدثنا عاصم, عن الحارث بن حسان البكريّ, قال: قدمت على رسول الله صلى
الله عليه وسلم, فمررت على امرأة بالرّبَذَة, فقالت: هل أنت حاملي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم. فحملتها حتى قدمت المدينة, فدخلت المسجد, فإذا رسول
الله صلى الله عليه وسلم على المنبر, وإذا بلال متقلد السيف, وإذا رايات سود, قال:
قلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من غزوته. فلما نزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم من على منبره أتيته فاستأذنت فأذن لي, فقلت: يا رسول الله إن بالباب
امرأة من بني تميم, وقد سألتني أن أحملها إليك. قال: «يا بِلالُ ائْذَنْ لَهَا»
قال: فدخلت, فلما جلست قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ بَيْنَكُمْ
وبينَ تَمِيمٍ شَيْءٍ؟» قلت: نعم, وكانت لنا الدائرة عليهم, فإن رأيت أن تجعل
الدهناء بيننا وبينهم حاجزا فعلت. قال تقول المرأة: فإلى أين يضطّر مضطّرك يا رسول
الله؟ قال: قلت: إن مَثَلي مَثَل ما قال الأوّل: مِعزًى حملت حتفها. قال: قلت:
وحملتك تكونين عليّ خصما؟ أعوذ بالله أن أكون كوافد عاد فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «وَما وَافِدُ عادٍ؟» قال: قلت: على الخبير سقطتَ, إن عادا قُحِطت,
فبعثت من يستسقي لها, فبعثوا رجالاً, فمروا على بكر بن معاوية فسقاهم الخمر
وتغنتهم الحرادتان شهرا, ثم فصلوا من عنده حتى أتوا جبال مهرة, فدعوْا, فجاءت
سحابات, قال: وكلما جاءت سحابة, قال: اذهبي إلى كذا, حتى جاءت سحابة, فنودي: خذها
رمادا رمددا, لا تدع من عاد أحدا. قال: فسمعه وكلمهم, حتى جاءهم العذاب. قال أبو
كريب: قال أبو بكر بعد ذلك في حديث عاد, قال: فأقبل الذين أتاهم فأتى جبال مهرة,
فصعد فقال: اللهمّ إني لم أجئك لأسير فأفاديه, ولا لمريض فأشفيه, فاسْقِ عادا ما
كنت مسقيه قال: فرفعت له سحابات قال: فنودي منها: اختر قال: فجعل يقول: اذهبي إلى
بني فلان, اذهبي إلى بني فلان. قال: فمرّت آخرها سحابة سوداء, فقال: اذهبي إلى عاد.
فنودي: منها خذها رمادا رمددا لا تدع من عاد أحدا. قال: وكلمهم, والقوم عند بكر بن
معاوية يشربون, قال: وكره بكر بن معاوية أن يقول لهم من أجل أنهم عنده وأنهم في
طعامه. قال: فأخذ في الغناء وذكّرهم.



حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا زيد بن الحباب,
قال: حدثنا سلام أبو المنذر النحوي, قال: حدثنا عاصم, عن أبي وائل, عن الحارث بن
يزيد البكري, قال: خرجت لأشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم, فمررت بالربذة, فإذا عجوز منقطع بها من بني تميم, فقالت: يا عبد الله, إن لي
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة, فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها فقدمت
المدينة. قال: فإذا رايات, قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص
وجها, قال: فجلست حتى فرغ. قال: فدخل منزله أو قال: رحله فاستأذنت عليه, فأذن لي
فدخلت, فقعدت, فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كانَ بَيْنَكُمْ وبينَ
تَمِيمٍ شَيْءٌ؟» قلت: نعم, وكانت لنا الدائرة عليهم, وقد مررت بالربذة فإذا عجوز
منهم منقطع بها, فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب. فأذن لها رسول الله صلى
الله عليه وسلم, فدخلت فقلت: يا رسول الله اجعل بيننا وبين تميم الدهناء حاجزا فحميت
العجوز واستوفزت وقالت: إلى أين يضطرّ مضطرّك يا رسول الله؟ قال: قلت: أنا كما قال
الأول: معزى حملت حتفها, حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما, أعوذ بالله ورسوله
أن أكون كوافد عاد قال: «وَما وَافِدُ عادٍ؟» قال: على الخيبر سقطت, قال: وهو
يستطعمني الحديث, قلت: إن عادا قحطوا فبعثوا قيلاً وافدا, فنزل على بكر, فسقاه
الخمر شهرا, وغنته جاريتان يقال لهما الجرادتان, فخرج إلى جبال مهرة, فنادى: إني
لم أجىء لمريض فأداويه, ولا لأسير فأفاديه, اللهمّ اسق عادا ما كنت مسقيه فمرّت به
سحابات سود, فنودي منها: خذها رمادا رمددا, لا تبق من عاد أحدا. قال: فكانت المرأة
تقول: لا تكن كوافد عاد ففيما بلغني أنه ما أرسل عليهم من الريح يا رسول الله إلاّ
قدر ما يجري في خاتمي. قال أبو وائل: فكذلك بلغني.



11566ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَإلى عادٍ أخاهُم هُودًا قالَ يا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غيرُهُ: إن عادا أتاهم هود, فوعظهم وذكّرهم
بما قصّ الله في القرآن. فكذّبوه وكفروا, وسألوه أن يأتيهم العذاب, فقال لهم:
إنّما العِلْمُ عِنْدَ الله وأُبَلّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ لِهِ. وإن عادا أصابهم
حين كفروا قحوط المطر, حتى جهدوا لذلك جهدا شديدا, وذلك أن هودا دعا عليهم, فبعث
الله عليهم الريح العقيم, وهي الريح التي لا تلقح الشجر فلما نظروا إليها قالوا:
هَذَا عارِضٌ مُمْطِرنا فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين
السماء والأرض فلما رأوها تنادوا: البيوتَ فلما دخلوا البيوت دخلت عليهم فأهلكتهم
فيها, ثم أخرجتهم من البيوت, فأصابتهم في يوم نحس, والنحس: هو الشؤم, ومستمر:
استمرّ عليهم العذاب سبع ليال وثمانية أيام حسوما, حسمت كل شيء مرّت به. فلما
أخرجتهم من البيوت, قال الله: تَنْزِعُ النّاسَ من البيوت, كَأَنّهُمْ أَعْجَازُ
نَخْلٍ مُنْقَعِر انقعر من أصوله, خاوية: خوت فسقطت. فلما أهلكهم الله, أرسل إليهم
طيرا سودا, فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه, فذلك قوله: فَأصْبَحُوا لا يُرَى إلاّ
مَساكِنُهُمْ ولم تخرج ريح قطّ إلا بمكيال إلا يومئذ, فإنها عتت على الخزنة
فغلبتهم, فلم يعلموا كم كان مكيالها وذلك قوله: فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ
عاتِيَةٍ والصرصر: ذات الصوت الشديد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:39 pm

الآية : 70


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالُوَاْ أَجِئْتَنَا
لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا
بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ }.



يقول تعالى ذكره: قالت عاد لهود: أجئتنا
تتوعدنا بالعقاب من الله على ما نحن عليه من الدين كي نعبد الله وحده وندين له
بالطاعة خالصا ونهجر عبادة الاَلهة والأصنام التي كان آباؤنا يعبدونها ونتبرأ منها؟
فلسنا فاعلي ذلك ولا متبعيك على ما تدعونا إليه, فأتنا بما تعدنا من العقاب
والعذاب على تركنا إخلاص التوحيد لله, وعبادتنا ما نعبد من دونه من الأوثان إن كنت
من أهل الصدق على ما تقول وتعد.



الآية : 71


القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ
مّن رّبّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونِي فِيَ أَسْمَآءٍ سَمّيْتُمُوهَآ
أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مّا نَزّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوَاْ
إِنّي مَعَكُمْ مّنَ الْمُنْتَظِرِينَ }.



يقول تعالى ذكره: قال هود لقومه: قد حلّ بكم
عذاب وغضب من الله. وكان أبو عمرو بن العلاء فيما ذُكر لنا عنه, يزعم أن الرجز
والرجس بمعنى واحد, وأنها مقلوبة, قُلبت السين زايا, كما قلبت شئز وهي من شئس
بسين, وكما قالوا قربوس وقربوز, وكما قال الراجز:



ألا لَحَى اللّهُ بَنِي السّعْلاتِعَمْرِو بْنِ
يَرْبُوعٍ لِئامِ النّاتِلَيْسُوا بأعْفافٍ وَلا أكْياتِ



يريد الناس. وأكياس فقُلبت السين تاء, كما قال
رؤبة:



كَمْ قَدْ رأيْنا مِنْ عَدِيدِ مُبْزِيحتى
وَقَمْنا كَيْدَهُ بالرّجْزِ



ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقول: الرجز: السخط.


11567ـ حدثني بذلك المثنى, قال: حدثنا عبد الله
بن صالح, قال: حدثنا معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: قَدْ وَقَعَ
عَلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ رِجْسٌ يقول: سخط.



وأما قوله: أتُجادِلُونَنِي في أسْماءٍ
سَمّيْتمُوها أنْتُمْ وآباؤُكُمْ فإنه يقول: أتخاصمونني في أسماء سميتموها أصناما
لا تضرّ ولا تنفع أنتم وآباؤكم ما نَزّلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ يقول: ما جعل
الله لكم في عبادتكم إياها من حجة تحتجون بها ولا معذرة تعتذرون بها. لأن العبادة
إنما هي لمن ضرّ ونفع وأثاب على الطاعة وعاقب على المعصية ورزق ومنع, فأما الجماد
من الحجارة والحديد والنحاس فإنه لا نفع فيه ولا ضرّ, إلاّ أن تتخذ منه آلة, ولا
حجة لعابد عبده من دون الله في عبادته إياه لأن الله يأذن بذلك, فيعذر من عبده
بأنه يعبده اتباعا منه أمر الله في عبادته إياه, ولا هو إذ كان الله لم يأذن في
عبادته مما يرجى نفعه أو يخاف ضرّه في عاجل أو آجل, فيعبد رجاء نفعه أو دفع ضرّه.
فانْتَظِرُوا إنّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرينَ يقول: فانتظروا حكم الله فينا
وفيكم, إني معكم من المنتظرين حكمه وفصل قضائه فينا وفيكم.



الآية : 72


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَالّذِينَ
مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا
وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }.



يقول تعالى ذكره: فأنجينا نوحا والذين معه من
أتباعه على الإيمان به والتصديق به وبما عاد إليه من توحيد الله وهجر الاَلهة
والأوثان برَحْمَةٍ مِنّا وقَطَعْنَا دَابِرَ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِنا يقول:
وأهلكنا الذين كذّبوا من قوم هود بحججنا جميعا عن آخرهم, فلم نبق منهم أحدا. كما:



11568ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, في قوله: وَقَطَعْنا دَابِرَ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِنا قال:
استأصلناهم.



وقد بيّنا فيما مضى معنى قوله: فَقُطِعَ
دَابِرُ القَوْمِ الّذِين ظَلَمُوا بشواهده بما أغنى عن إعادته. وَما كانُوا
مُؤمِنِينَ يقول: لم يكونوا مصدّقين بالله ولا برسوله هود.



الآية : 73


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ
صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ
قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيّنَةٌ مّن رّبّكُمْ هَـَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً
فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيَ أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ }.



يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم
صالحا. وثمود: هو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح, وهو أخو جديس بن عابر, وكانت
مساكنهما الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله. ومعنى الكلام: وإلى
بني ثمود أخاهم صالحا. وإنما منع ثمود, لأن ثمود قبيلة كما بكر قبيلة, وكذلك تميم.
قال: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إلَه غيرُهُ يقول: قال صالح
لثمود: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له, فما لكم إله يجوز أن تعبدوه غيره, وقد
جاءتكم حجة وبرهان على صدق ما أقول وحقيقة ما إليه أدعو من إخلاص التوحيد لله
وإفراده بالعبادة دون ما سواه وتصديقي على أني له رسول وبينتى على ما أقول وحقيقة
ما جئتكم به من عند ربي, وحجتي عليه هذه الناقة التي أخرجها الله من هذه الهضبة
دليلاً على نبوتي وصدق مقالتي, فقد علمتم أن ذلك من المعجزات التي لا يقدر على
مثلها أحد إلاّ الله. وإنما استشهد صالح فيما بلغني على صحة نبوّته عند قومه ثمود
بالناقة لأنهم سألوه إياها آية ودلالة على حقيقة قوله.



ذكر من قال ذلك, وذكر سبب قتل قوم صالح الناقة:


11569ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد
الرزاق, قال: أخبرنا إسرائيل, عن عبد العزيز بن رفيع, عن أبي الطفيل, قال: قالت
ثمود لصالح: ائْتِنا بآيَةٍ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ قال: فقال لهم صالح:
اخرجوا إلى هضبة من الأرض فخرجوا, فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل. ثم إنها
انفرجت, فخرجت من وسطها الناقة, فقال صالح: هَذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً
فَذَرُوها تَأْكُل فِي أرْضِ اللّهِ وَلا تَمَسّوها بِسُوءٍ فَيأْخُذَكُمْ عَذابٌ
ألِيمٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فلما ملوها عقروها, فَقَالَ
لَهُمْ: تَمَتّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ ذَلِكَ وَعْد غَيْرُ مَكْذوبٍ.
قال عبد العزيز, وحدثني رجل آخر أن صالحا قال لهم: إن آية العذاب أن تصبحوا غدا حمرا,
واليوم الثاني صفرا, واليوم الثالث سودا. قال: فصبحهم العذاب, فلما رأوا ذلك
تحنطوا واستعدّوا.



11570ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وإلى ثَمُودَ أخاهُمْ صَالِحا قال: إن
الله بعث صالحا إلى ثمود, فدعاهم فكذّبوه, فقال لهم ما ذكر الله في القرآن, فسألوه
أن يأتيهم بآية, فجاءهم بالناقة, لها شرب ولهم شرب يوم معلوم, وقال: ذَرُوها
تَأْكُلْ فِي أرْضِ اللّهِ وَلا تَمَسّوها بسُوءٍ فأقّروا بها جميعا, فذلك قوله:
فَهَدَيْناهُمْ فاسْتَحَبوا العَمَى على الهُدَى وكانوا قد أقرّوا به على وجه
النفاق والتّقية, وكانت الناقة لها شرب, فيوم تشرب فيه الماء تمر بين جبلين
فيرجمونها, ففيهما أثرها حتى الساعة, ثم تأتي فتقف لهم حتى يحلبوا اللبن فيرويهم,
فكانت تصبّ اللبن صبّا, ويوم يشربون الماء لا تأتيهم. وكان معها فصيل لها, فقال
لهم صالح: إنه يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه فولد لتسعة منهم في
ذلك الشهر, فذبحوا أبناءهم, ثم وُلد للعاشر فأبى أن يذبح ابنه, وكان لم يولد له
قبل ذلك شيء, فكان ابن العاشر أزرق أحمر, فنبت نباتا سريعا, فإذا مرّ بالتسعة
فرأوه, قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا, فغضب التسعة على صالح لأنه
أمرهم بذبح أبنائهم, فَتَقاسَمُوا بالله لَنُبَيّتَنّهُ وأهْلَهُ ثُمّ لَنَقُولَنّ
لِوَلِيّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أهْلِهِ وَإنّا لَصَادِقونَ. قالوا: نخرج, فيرى
الناس أنا قد خرجنا إلى سفر, فنأتي الغار فنكون فيه, حتى إذا كان الليل وخرج صالح
إلى المسجد أتيناه فقتلناه ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه, ثم رجعنا فقلنا ما شهدنا
مهلك أهله وإنا لصادقون, يصدّقوننا يعلمون أنا قد خرجنا إلى سفر. فانطلقوا فلما
دخلوا الغار أرادوا أن يخرجوا من الليل, فسقط عليهم الغار فقتلهم, فذلك قوله:
وكانَ فِي المَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا
يُصْلِحَونَ... حتى بلغ ههنا: فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أنّا
دَمّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أجمَعِينَ. وكبر الغلام ابن العاشر, ونبت نباتا عجبا من
السرعة, فجلس مع قوم يصيبون من الشراب, فأرادوا ماء يمزجون به شرابهم, وكان ذلك
اليوم يوم شرب الناقة, فوجدوا الماء قد شربته الناقة, فاشتدّ ذلك عليهم وقالوا في
شأن الناقة: ما نصنع نحن باللبن؟ لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة,
فنسقيه أنعامنا وحروثنا, كان خيرا لنا فقال: الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن
أعقرها لكم؟ قالوا: نعم. فأظهروا دينهم, فأتاها الغلام, فلما بصرت به شدّت عليه,
فهرب منها فلما رأى ذلك, دخل خلف صخرة على طريقها فاستتر بها, فقال: أحيشوها عليّ
فأحاشوها عليه, فلما جازت به نادوه: عليكَ فتناولها فعقرها, فسقطت فذلك قوله
تعالى: فَنادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعاطَى فَعَقَرَ وأظهروا حينئذ أمرهم, وعقروا
الناقة, وعتوا عن أمر ربهم, وقالوا: يا صالح ائتنا بما تعدنا وفزع ناس منهم إلى
صالح وأخبروه أن الناقة قد عقرت, فقال: عليّ بالفصيل فطلبوا الفصيل فوجدوه على
رابية من الأرض, فطلبوه, فارتفعت به حتى حلّقت به في السماء, فلم يقدرا عليه. ثم
دعا الفصيل إلى الله, فأوحى الله إلى صالح أن مرهم فليتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام,
فقال لهم صالح: تَمَتّعُوا فِي دَاركُمْ ثَلاثَةَ أيّامٍ وآية ذلك أن تصبح وجوهكم
أوّل يوم مصفرّة, والثاني محمرّة, واليوم الثالث مسودة, واليوم الرابع فيه العذاب.
فلما رأوا العلامات تكفتوا وتحنطوا ولطّخوا أنفسم بالمرّ, ولبسوا الأنطاع, وحفروا
الأسراب, فدخلوا فيها ينتظرون الصيحة, حتى جاءهم العذاب فهلكوا فذلك قوله:
فَدَمّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أجمَعِينَ.



11571ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن ابن
إسحاق, قال: لما أهلك الله عادا وتقضى أمرها, عمرت ثمود بعدها واستُخلفوا في
الأرض, فنزلوا فيها وانتشروا. ثم عتوا على الله, فلما ظهر فسادهم وعبدوا غير الله,
بعث إليهم صالحا وكانوا قوما عربا, وهو من أوسطهم نسبا وأفضلهم موضعا رسولاً.
وكانت منازلهم الحِجر إلى قُرْح, وهو وادي القُرى, وبين ذلك ثمانية عشر ميلاً فيما
بين الحجاز والشام. فبعث الله إليهم غلاما شابا, فدعاهم إلى الله, حتى شمط وكبر,
لا يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون فلما ألحّ عليهم صالح بالدعاء, وأكثر لهم
التحذير, وخوّفهم من الله العذاب والنقمة, سألوه أن يريهم آية تكون مصداقا لما
يقول فيما يدعوهم إليه, فقال لهم: أيّ آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا هذا
وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم وما يعبدون من دون الله في يوم معلوم من السنة
فتدعو إلهك وندعو آلهتنا, فإن استجيب لك اتبعناك, وإن استجيب لنا اتبعتنا. فقال
لهم صالح: نعم. فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك, وخرج صالح معهم إلى الله, فدعوا
أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب لصالح في شيء مما يدعو به, ثم قال له جندع بن عمرو
بن حراش بن عمرو بن الدميل, وكان يومئذ سيد ثمود وعظيمهم: يا صالح أخرج لنا من هذه
الصخرة لصخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها الكاثبة ناقةً مخترجة جوفاء وبراء
والمخترجة: ما شاكلت البخت من الإبل. وقالت ثمود لصالح مثل ما قال جندع بن عمرو
فإن فعلت آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو حقّ وأخذ عليهم صالح مواثيقهم:
لئن فعلت وفعل الله لتُصدقنّي ولتؤمننّ بي؟ قالوا: نعم, فأعطوه على ذلك عهودهم,
فدعا صالح ربه بأن يخرجها لهم من تلك الهضبة كما وصفت.



11572ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلمة, عن
ابن إسحاق, عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس, أنه حدث: أنهم نظروا إلى
الهضبة حين دعا الله صالح بما دعا به تتمخض بالناقة تمخض النّتُوج بولدها, فتحركت
الهضبة ثم أسقطت الناقة, فانصدعت عن ناقة كما وصفوا جوفاء وَبْراء نتوج, ما بين
جنبيها لا يعلمه إلا الله عظما. فآمن به جندع بن عمرو ومن كان معه على أمره من
رهطه, وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ويصدّقوا, فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد
والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن صمعر بن جلهس, وكانوا من أشراف ثمود, وردّوا
أشرافها عن الإسلام, والدخول فيما دعاهم إليه صالح من الرحمة والنجاة. وكان لجندع
ابن عم يقال له شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد بن جواس, فأراد أن يسلم فنهاه
أولئك الرهط عن ذلك, فأطاعهم, وكان من أشراف ثمود وأفاضلها, فقال رجل من ثمود يقال
له مهوس بن عنمة بن الدميل, وكان مسلما:



وكانَتْ عُصْبَةٌ مِنْ آلِ عَمْروٍإلى دينِ
النّبِيّ دَعَوْا شِهابا



عَزِيزَ ثَمودَ كُلّهمُ جَمِيعافَهَمّ بِأنْ
يُجِيبَ وَلَوْ أجابا



لأَصْبَحَ صَالِحٌ فِينا عَزِيزاوَما عَدَلُوا
بصَاحِبِهِمْ ذُؤَابا



وَلكنّ الغُوَاةَ مِنْ آلِ حِجْرٍتَوّلّوْا
بَعْدَ رُشْدِهِمُ ذِئابا



فمكثت الناقة التي أخرجها الله لهم معها سقبها
في أرض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء, فقال لهم صالح عليه السلام: هَذِهِ ناقَةُ
اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكلْ فِي أرْضِ اللّهِ وَلا تَمَسّوها بِسُوءٍ
فَيأْخُذَكُمْ عَذابٌ ألِيمٌ وقال الله لصالح: إن الماء قسمة بينهم, كلّ شرب محتضر
أي إن الماء نصفان: لهم يوم ولها يوم وهي محتضرة, فيومها لا تدع شربها وقال لها
شِرْبٌ ولَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ. فكانت فيما بلغني والله أعلم إذا وردت
وكانت ترد غِبّا وضعت رأسها في بئر في الحجر يقال لها بئر الناقة, فيزعمون أنها
منها كانت تشرب, إذا وردت تضع رأسها فيها, فما ترفعه حتى تشرب كلّ قطرة ماء في
الوادي, ثم ترفع رأسها فتفسح يعني تفحّج لهم, فيحتلبون ما شاءوا من لبن, فيشربون
ويدّخرون حتى يملئوا كلّ آنيتهم, ثم تصدر من غير الفجّ الذي منه وردت, لا تقدر على
أن تصدر من حيث ترد لضيقه عنها, فلا ترجع منه حتى إذا كان الغد كان يومهم, فيشربون
ما شاءوا من الماء, ويدّخرون ما شاءوا ليوم الناقة, فهم من ذلك في سعة. وكانت
الناقة فيما يذكرون تصِيف إذا كان الحرّ بظهر الوادي, فتهرب منها المواشي أغنامهم
وأبقارهم وإبلهم, فتهبط إلى بطن الوادي في حرّه وجدبه وذلك أن المواشي تنفر منها
إذا رأتها, وتشتو في بطن الوادي إذا كان الشتاء, فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في
البرد والجدب, فأضرّ ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار. وكانت مراتعها فيما يزعمون
الجِناب وحِسمى, كل ذلك ترعى مع وادي الحجر. فكبر ذلك عليهم, فعتوا عن أمر ربهم,
وأجمعوا في عقر الناقة رأيهم. وكانت امرأة من ثمود يقال لها عنيزة بنت غنم بن
مجلز, تكنى بأم غنم, وهي من بني عبيد بن المهل أخي دميل بن المهل, وكانت امرأة
ذؤاب بن عمرو, وكانت عجوزا مسنة, وكانت ذات بنات حسان, وكانت ذات مال من إبل وبقر
وغنم, وامرأةٌ أخرى يقال لها صدوف بنت المحيا بن زهير بن المحيا سيد بني عبيد
وصاحب أوثانهم في الزمن الأوّل. وكان الوادي يقال له وادي المحيا, وهو المحيا
الأكبر جد المحيا الأصغر أبي صدوف. وكانت صدوف من أحسن الناس, وكانت غنية ذات مال
من إبل وغنم وبقر, وكانتا من أشدّ امرأتين في ثمود عداوة لصالح وأعظمهم به كفرا,
وكانتا تحبان أن تعقر الناقة مع كفرهما به لما أضرّت به من مواشيهما. وكانت صدوف
عند ابن خال لها يقال له صنتم بن هراوة بن سعد بن الغطريف من بني هليل, فأسلم فحسن
إسلامه, وكانت صدوف قد فوّضت إليه مالها, فأنفقه على من أسلم معه من أصحاب صالح
حتى رقّ المال. فاطلعت على ذلك من إسلامه صدوف, فعاتبته على ذلك, فأظهر لها دينه
ودعاها إلى الله وإلى الإسلام, فأبت عليه, وسبَتْ ولده, فأخذت بنيه وبناته منه
فغيبتهم في بني عبيد بطنها الذي هي منه. وكان صنتم زوجها من بني هليل, وكان ابن
خالها, فقال لها: ردّي عليّ ولدي فقالت: حتى أنافرك إلى بني صنعان بن عبيد أو إلى
بني جندع بن عبيد. فقال لها صنتم: بل أنا أقول إلى بني مرداس بن عبيد وذلك أن بني
مرداس بن عبيد كانوا قد سارعوا في الإسلام وأبطأ عنه الاَخرون, فقالت: لا أنافرك
إلاّ إلى من دعوتك إليه فقال بنو مرداس: والله لتعطينه ولده طائعة أو كارهة فلما
رأت ذلك أعطته إياهم. ثم إن صدوف وعنيزة تحيلا في عقر الناقة للشقاء الذي نزل,
فدعت صدوف رجلاً من ثمود يقال له الحباب لعقره الناقة, وعرضت عليه نفسها بذلك إن
هو فعل, فأبى عليها. فدعت ابن عم لها يقال مصدع بن مهرج بن المحيا, وجعلت له نفسها
على أن يعقر الناقة, وكانت من أحسن الناس, وكانت غنية كثيرة المال, فأجابها إلى
ذلك. ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف بن جندع رجلاً من أهل قرح, وكان قدار رجلاً
أحمر أزرق قصيرا يزعمون أنه كان لزنية من رجل يقال له صهياد, ولم يكن لأبيه سالف
الذي يُدعى إليه ولكنه قد ولد على فراش سالف, وكان يدعى له ويُنسب إليه, فقالت:
أعطيك أيّ بناتي شئت على أن تعقر الناقة وكانت عنيزة شريفة من نساء ثمود, وكان
زوجها ذؤاب بن عمرو من أشراف رجال ثمود, وكان قدار عزيزا منيعا في قومه. فانطلق
قدار بن سالف ومصدع بن مهرج, فاستنفرا غواة من ثمود, فاتبعهما سبعة نفر, فكانوا
تسعة نفر, أحد النفر الذين اتبعوهما رجل يقال له هويل بن ميلغ خال قدار بن سالف
أخو أمه لأبيها وأمها, وكان عزيزا من أهل حجر, ودعير بن غنم بن داعر, وهو من بني
حلاوة بن المهل, ودأَب بن مهرج أخو مصدع بن مهرج, وخمسة لم تحفظ لنا أسماؤهم.
فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء, وقد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقها, وكمن
لها مصدع في أصل أخرى, فمرّت على مصدع فرماها بسهم, فانتظم به عضلة ساقها. وخرجت
أم غنم عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس وجها, فأسفرت عنه لقدار وأرته
إياه, ثم ذمرته, فشدّ على الناقة بالسيف, فكشف عرقوبها, فخرّت ورغت رغاة واحدة
تحذر سقبها, ثم طعن في لبّتها فنحرها. وانطلق سقبها حتى أتى جبلاً منيعا, ثم أتى
صخرة في رأس الجبل فرغا ولاذ بها واسم الجبل فيما يزعمون صور فأتاهم صالح, فلما
رأى الناقة قد عقرت, قال: انتهكتم حرمة الله, فأبشروا بعذاب الله تبارك وتعالى
ونقمته فاتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة, وفيهم مصدع بن مهرج,
فرماه مصدع بسهم, فانتظم قلبه, ثم جرّ برجله فأنزله, ثم ألقوا لحمه مع لحم أمه.
فلما قال لهم صالح: أبشروا بعذاب الله ونقمته قالوا له وهم يهزءون به: ومتى ذلك يا
صالح؟ وما آية ذلك؟ وكانوا يسمون الأيام فيهم: الأحد: أوّل, والاثنين: أهون,
والثلاثاء: دبار, والأربعاء: جبار, والخميس: مؤنس, والجمعة: العروبة, والسبت:
شيار, وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح حين قالوا ذلك: تصبحون غداة
يوم مؤنس يعني يوم الخميس ووجوهكم مصفرّة. ثم تصبحون يوم العروبة يعني يوم الجمعة
ووجوهكم محمرّة. ثم تصبحون يوم شيار يعني يوم السبت ووجوهكم مسودّة. ثم يصبحكم
العذاب يوم الأوّل يعني يوم الأحد. فلما قال لهم صالح ذلك, قال التسعة الذين عقروا
الناقة: هلموا فلنقتل صالحا إن كان صادقا عجلناه قبلنا, وإن كان كاذبا يكون قد
ألحقناه بناقته فأتوه ليلاً ليبيتوه في أهله, فدمغتهم الملائكة بالحجارة. فلما أبطئوا
على أصحابهم أتوا منزل صالح, فوجدوهم مشدّخين قد رُضخوا بالحجارة, فقالوا لصالح:
أنت قتلتهم ثم هموا به, فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح, وقالوا لهم: والله لا
تقتلونه أبدا, فقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث, فإن كان صادقا لم تزيدوا
ربكم عليكم إلا غضبا, وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون. فانصرفوا عنهم
ليلتهم تلك, والنفر الذين رضختم الملائكة بالحجارة التسعة الذين ذكرهم الله تعالى
في القرآن بقوله تعالى: وكانَ فِي المَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي
الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ... إلى قوله: لاََيَةً لِقَوْمِ يَعْلَمُونَ فأصبحوا من
تلك الليلة التي انصرفوا فيها عن صالح وجوههم مصفرّة, فأيقنوا بالعذاب, وعرفوا أن
صالحا قد صدقهم, فطلبوه ليقتلوه, وخرج صالح هاربا منها حتى لجأ إلى بطن من ثمود
يقال لهم بنو غنم, فنزل على سيدهم رجل منهم يقال له نفيل يكنى بأبي هدب, وهو مشرك,
فغيبه فلم يقدروا عليه. فغدوا على أصحاب صالح, فعذّبوهم ليدلّوهم عليه, فقال رجل
من أصحاب صالح يقال له ميدع بن هرم: يا نبيّ الله إنهم ليعذّبوننا لندلهم عليك,
أفندلهم عليك؟ قال: نعم فدلهم عليه ميدع بن هرم, فلما علموا بمكان صالح أتوا أبا
هدب فكلموه, فقال لهم: عندي صالح, وليس لكم إليه سبيل. فأعرضوا عنه وتركوه, وشغلهم
عنه ما أنزل الله بهم من عذابه, فجعل بعضهم يخبر بعضا بما يرون في وجوههم حين
أصبحوا من يوم الخميس, وذلك أن وجوههم أصبحت مصفرّة, ثم أصبحوا يوم الجمعة ووجوههم
محمرّة, ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودة, حتى إذا كان ليلة الأحد خرج صالح من
بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشام, فنزل رملة فلسطين, وتخلّف رجل من أصحابه يقال
له ميدع بن هرم, فنزل قرح وهي وادي القرى, وبين القرح وبين الحجر ثمانية عشر
ميلاً, فنزل على سيدهم رجل يقال له عمرو بن غنم, وقد كان أكل من لحم الناقة ولم
يشترك في قتلها, فقال له ميدع بن هرم: يا عمرو بن غنم, اخرج من هذا البلد, فإن
صالحا قال من أقام فيه هلك ومن خرج منه نجا فقال عمرو: ما شركت في عقرها, وما رضيت
ما صُنع بها. فلما كانت صبيحة الأحد أخذتهم الصيحة, فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا
هلك, إلا جارية مقعدة يقال لها الدريعة, وهي كليبة ابنة السلق, كانت كافرة شديدة
العداوة لصالح, فأطلق الله لها رجليها بعدما عاينت العذاب أجمع, فخرجت كأسرع ما
يرى شيء قطّ, حتى أتت حيّا من الأحياء, فأخبرتهم بما عاينت من العذاب وما أصاب
ثمود منه, ثم استسقت من الماء فسُقيت, فلما شربت ماتت.



11573ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد
الرزاق, قال: قال معمر: أخبرني من سمع الحسن يقول: لما عقرت ثمود الناقة ذهب
فصيلها حتى صعد تلاّ, فقال: يا ربّ أين أمي؟ ثم رغا رغوة, فنزلت الصيحة, فأخمدتهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:41 pm

حدثني محمد بن عبد
الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن بنحوه, إلا أنه قال: أصعد
تلاّ.



11574ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أن صالحا قال لهم حين عقروا الناقة: تمتعوا ثلاثة
أيام وقال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم مصفرّة, ثم تصبح اليوم الثاني محمرّة,
ثم تصبح اليوم الثالث مسودّة فأصبحت كذلك. فلما كان اليوم الثالث وأيقنوا بالهلاك
تكفنوا وتحنطوا, ثم أخذتهم الصيحة فأهملتهم. قال قتادة: قال عاقر الناقة لهم: لا
أقتلها حتى ترضوا أجمعين. فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها, فيقولون: أترضين؟ فتقول:
نعم والصبيّ, حتى رضوا أجمعين, فعقرها.



11575ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن عبد الله بن عثمان بن خُيْثَم, عن أبي الزبير, عن
جابر بن عبد الله, قال: لما مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحجر, قال: «لا
تَسْأَلُوا الاَياتِ, فَقَدْ سَأَلَها قَوْمُ صَالِحٍ, فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ
هَذَا الفَجّ وتَصْدُرُ مِنْ الفَجّ, فَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبّهِمْ فعَقَرُوهَا.
وكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْما ويَشْرَبُونَ لَبَنَها يَوْما, فعَقَرُوهَا
فأخَذَتْهُمُ الصّيْحَةُ أَهْمَدَ الله مَنْ تَحْتَ أدِيمِ السّمَاءِ مِنْهُمْ
إلاّ رَجُلاً وَاحِدا كَانَ في حَرَمِ الله».قِيل: من هو؟ قال: «أبُو رِغَالٍ,
فلمّا خَرَجَ مِنَ الحَرَمِ أصَابَهُ ما أصَابَ قَوْمَهُ».



11576ـ قال: عبد الرزاق, قال معمر: وأخبرني
إسماعيل بن أمية: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر أبي رغال, فقال:
«أتَدْرُونَ ما هَذَا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «هَذَا قَبْرُ أبي رِغالٍ».
قالوا فمن أبو رغال؟ قال: «رَجُلٌ مِنْ ثَمُودَ كانَ فِي حَرَمِ اللّهِ,
فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللّهِ عَذَابَ الله, فَلَمّا خَرَجَ أصَابَهُ ما أصَابَ قَوْمَهُ,
فَدُفِنَ هَهُنا, وَدُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ». فَنَزَلَ القَوْمُ
فابْتَدَرُوهُ بأسْيافِهِمْ, فَبَحَثُوا عَلَيْهِ فاسْتَخْرَجُوا الغُصْنَ.



قال عبد الرزاق: قال: معمر: قال الزهري: أبو
رغال: أبو ثقيف.



حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن
ثور, عن معمر عن عبد الله بن عثمان بن خيثم, عن جابر, قال: مرّ النبيّ صلى الله
عليه وسلم بالحجر, ثم ذكر نحوه إلا أنه قال في حديثه: قالوا: من هو يا رسول الله؟
قال: «أبُو رِغالٍ».



11577ـ حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا معاذ
بن هشام, قال: حدثنا أبي, عن قتادة, قال: كان يقال إن أحمر ثمود الذي عقر الناقة,
كان ولد زِنْية.



11578ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, قال:
حدثنا عنبسة, عن أبي إسحاق, قال: قال أبو موسى: أتيت أرض ثمود, فذرعتُ مصدر الناقة
فوجدته ستين ذراعا.



حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن
ثور, عن معمر, وأخبرني إسماعيل بن أمية بنحو هذا, يعني بنحو حديث عبد الله بن
عثمان بن خيثم, عن جابر, قال: ومرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بقبر أبي رغال,
قالوا: ومن أبو رغال؟ قال: «أبُو ثَقِيفٍ, كَانَ في الحَرَمِ لما أهْلَكَ اللّهِ
قَوْمَهُ, مَنَعَهُ حَرَمُ الله مِنْ عَذَابِ الله فلما خَرَجَ أصَابَهُ ما أصَابَ
قَوْمَهُ فدُفِنَ هَهُنا ودُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ». قال: فابتدره القوم
يبحثون عنه حتى استخرجوا ذلك الغصن.



وقال الحسن: كان للناقة يوم ولهم يوم, فأضرّ
بهم.



11579ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد
بن ثور, عن معمر, عن الزهري, قال: لما مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحجر قال:
«لا تَدْخُلُوا مَساكِنَ الّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ, إلاّ أنْ تَكُونُوا
باكِينَ أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ الّذِي أصَابَهُمْ». ثم قال: «هَذَا وَادِي
النّفْرِ». ثُمّ رَفَعَ رأسَهُ وأسْرَعَ السّيْرَ حتى أجازَ الوَادِيَ.



وأما قوله: وَلا تَمَسّوها بِسُوءٍ فإنه يقول:
ولا تمسوا ناقة الله بعقر ولا نحر, فيأخذَكُمْ عذابٌ أليمٌ يعني موجع.



الآية : 74


القول في تأويل قوله
تعالى: {وَاذْكُرُوَاْ إِذْ جَعَلَكُمْ
خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوّأَكُمْ فِي الأرْضِ تَتّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا
قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوَاْ آلاَءَ اللّهِ وَلاَ
تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ }.






يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه
واعظا لهم: وَاذْكُرُوا أيها القوم نعمة الله عليكم, إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ يقول
تخلفون عادا في الأرض بعد هلاكها. وخلفاء: جمع خليفة, وإنما جمع خليفة خلفاء
وفعلاء إنما هي جمع فعيل, كما الشركاء جمع شريك, والعلماء جمع عليم, والحلماء جمع
حليم لأنه ذهب بالخليفة إلى الرجل, فكأن واحدهم خليف, ثم جمع خلفاء. فأما لو جمعت
الخليفة على أنها نظيرة كريمة وحليلة ورغيبة قيل خلائف, كما يقال: كرائم وحلائل
ورغائب, إذ كانت من صفات الإناث, وإنما جمعت الخليفة على الوجهين اللذين جاء بهما
القرآن, لأنها جمعت مرّة على لفظها, ومرّة على معناها.



وأما قوله: وَبَوّأكُمْ فِي الأرْضِ فإنه يقول:
وأنزلكم في الأرض, وجعل لكم فيها مساكن وأزواجا. تَتّخذُونَ منْ سُهُولِهَا
قُصُورا وَتَنْحِتُونَ الجِبالَ بُيُوتا ذكر أنهم كانوا ينقبون الصخر مساكن, كما:



11580ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد
بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وتَنْحِتون الجِبالِ بُيُوتا كانوا ينقبون
في الجبال البيوت.



وقوله: فاذْكُرُوا آلأَ اللّهِ يقول: فاذكروا
نعمة الله التي أنعمها عليكم. وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْض مُفْسِدِينَ وكان قتادة
يقول في ذلك, ما:



11581ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ يقول:
لا تسيروا في الأرض مفسدين.



وقد بينت معنى ذلك بشواهده واختلاف المختلفين
فيه فيما مضى, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.



الآية :
75-76



القول في تأويل قوله
تعالى: {قَالَ الْمَلاُ الّذِينَ
اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ
أَتَعْلَمُونَ أَنّ صَالِحاً مّرْسَلٌ مّن رّبّهِ قَالُوَاْ إِنّا بِمَآ أُرْسِلَ
بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الّذِينَ
اسْتَكْبَرُوَاْ إِنّا بِالّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }.



يعني جلّ ثناؤه بقوله: قالَ المَلأُ الّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ قال الجماعة الذين استكبروا من قوم صالح عن اتّباع
صالح والإيمان بالله وبه, للّذِينَ اسْتُضْعِفُوا يعني: لأهل المسكنة من تباع صالح
والمؤمنين به منهم, دون ذوي شرفهم وأهل السؤدد منهم: أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه
أرسله الله إلينا وإليكم؟ قال الذين آمنوا بصالح من المستضعفين منهم: إنا بما
أَرْسَلَ الله به صالحا من الحقّ والهدى مؤمنون يقول: مصدّقون مقرّون أنه من عند
الله وأن الله أمر به وعن أمر الله دعانا صالح إليه. قال الذين استكبروا عن أمر الله
وأمر رسوله صالح: إنّا أيها القوم بالّذِي آمَنْتُمْ بِهِ يقول: صدّقتم به من
نبوّة صالح, وأن الذي جاء به حقّ من عند الله كَافِرُونَ يقول: جاحدون منكرون, لا
نصدّق به ولا نقرّ.



الآية : 77


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَعَقَرُواْ النّاقَةَ
وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ
إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }.



يقول تعالى ذكره: فعقرت ثمود الناقة التي
جعلها الله لهم آية. وَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبّهِمْ يقول: تكبروا وتجبروا عن اتباع
الله, واستعلَوْا عن الحقّ. كما:



11582ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة,
قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وَعَتَوْا علوّا عن الحقّ لا يبصرونه.



حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني
حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مجاهد: عَتَوْا عَنْ أمْر رَبّهِمْ: علوّا في الباطل.



حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد, عن مجاهد في قوله: وَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبّهِمْ قال: عتوا في
الباطل وتركوا الحقّ.



حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم,
قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَعَتَوْا عَنْ أمْرِ
رَبّهِمْ قال: علوّا في الباطل.



وهو من قولهم: جبار عات: إذا كان عاليا في
تجبره. وَقالُوا يا صَالِحُ ائْتِنا بِمَا تَعِدُنا يقول: قالوا: جئنا يا صالح بما
تعدنا من عذاب الله ونقمته استعجالاً منهم للعذاب أنْ كُنْتَ مِنَ المُرْسَلِينَ
يقول: إن كنت لله رسولاً إلينا, فإن الله ينصر رسله على أعدائه. فعجل ذلك لهم كما
استعجلوه, يقول جلّ ثناؤه: فَأخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ فَأصْبَحُوا فِي دارِهِمْ
جاثِمِينَ.



الآية : 78


القول في تأويل قوله
تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ
فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }.



يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقة من
ثمود الرجفة, وهي الصيحة, والرجفة: الفَعْلة, من قول القائل: رجَف بفلان كذا
يَرْجُف رَجْفا, وذلك إذا حرّكه وزعزعه, كما قال الأخطل:



إمّا تَرَيْنِـي
حنَانِـي الشّيْبُ مِنْ كِبَرٍ



كالنّسْرِ أرْجُفُ
وَالإنْسانُ مَهْدُودُ



وإنـما عنى بـالرجفة ههنا: الصيحة التـي
زعزعتهم وحرّكتهم للهلاك, لأن ثمود هلكت بـالصيحة فـيـما ذكر أهل العلـم. وبنـحو
الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:



11583ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: الرجفة, قال:
الصيحة.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.



11584ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَأخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ وهي
الصيحة.



حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد, عن مـجاهد: فَأخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ قال: الصيحة.



وقوله: فَأصْبَحُوا فِـي دَارِهِمْ جاثِمِينَ
يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود فـي دارهم, يعنـي فـي أرضهم التـي هلكوا
فـيها وبلدتهم ولذلك وحد الدار ولـم يجمعها فـيقول «فـي دورهم». وقد يجوز أن يكون
أريد بها الدور, ولكن وجه بـالواحدة إلـى الـجمع, كما قـيـل: وَالعَصْرِ إنّ
الإنْسانَ لَفِـي خُسْرٍ.



وقوله: جاثِمِينَ يعنـي: سقوطا صرعى لا
يتـحرّكون لأنهم لا أرواح فـيهم قد هلكوا, والعرب تقول للبـارك علـى الركبة: جاثم,
ومنه قول جرير:



عَرَفْتُ الـمُنْتَأَى وعَرَفْتُ مِنهامَطايا
القِدْرِ كالـحِدَإِ الـجُثُوم



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11585ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فـي قوله: فَأصْبَحُوا فِـي دَارِهِمْ جاثِمِينَ قال: ميتـين.



الآية : 79


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَتَوَلّىَ عَنْهُمْ
وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ
وَلَكِن لاّ تُحِبّونَ النّاصِحِينَ }.



يقول تعالـى ذكره: فأدبر صالـح عنهم حين
استعجلوه العذاب وعقروا ناقة الله خارجا عن أرضهم من بـين أظهرهم لأن الله تعالـى
ذكره أوحى إلـيه: إنـي مهلكهم بعد ثلاثة. وقـيـل: إنه لـم تهلك أمة ونبـيها بـين
أظهرها, فأخبر الله جلّ ثناؤه عن خروج صالـح من بـين قومه الذين عتوا علـى ربهم
حين أراد الله إحلال عقوبته بهم, فقال: فتولّـى عنهم صالـح, وقال لقومه ثمود: لقد
أبلغتكم رسالة ربـي, وأدّيت إلـيكم ما أمرنـي بأدائه إلـيكم ربـي من أمره ونهيه,
ونصحت لكم فـي أدائي رسالة الله إلـيكم فـي تـحذيركم بأسه بإقامتكم علـى كفركم به
وعبـادتكم الأوثان, وَلَكِنْ لا تُـحِبّونَ النّاصحِينَ لكم فـي الله الناهين لكم
عن اتبـاع أهوائكم الصادّين لكم عن شهوات أنفسكم.



الآية : 80


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن
الْعَالَمِينَ }.



يقول تعالـى ذكره: ولقد أرسلنا لوطا. ولو
قـيـل: معناه: واذكر لوطا يا مـحمد إذ قال لقومه إذ لـم يكون فـي الكلام صلة
الرسالة كما كان فـي ذكر عاد وثمود كان مذهبـا.



وقوله: إذْ قالَ لِقَوْمِه يقول: حين قال لقومه
من سدوم, وإلـيهم كان أرسل لوط: أتَأْتُونَ الفـاحِشَةَ, وكانت فـاحشتهم التـي
كانوا يأتونها التـي عاقبهم الله علـيها: إتـيان الذكور. ما سَبَقَكُمْ بها مِنْ
أحَد مِنَ العالَـمِينَ يقول: ما سبقكم بفعل هذه الفـاحشة أحد من العالـمين. وذلك
كالذي:



11586ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسماعيـل بن
علـية, عن ابن أبـي نـجيح, عن عمرو بن دينار, قوله: ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أحَدٍ
مِنَ العالَـمِينَ قال: ما رؤي ذكر علـى ذكر حتـى كان قوم لوط.



الآية : 81


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {إِنّكُمْ لَتَأْتُونَ
الرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ النّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مّسْرِفُونَ }.



يخبر بذلك تعالـى ذكره عن لوط أنه قال لقومه,
توبـيخا منه لهم علـى فعلهم: إنّكُمْ أيها القوم لَتأْتون الرّحالَ فِـي أدبـارهم,
شَهْوَةً منكم لذلك, مِنْ دُونِ الذي أبـاحه الله لكم وأحله من النّساءِ بَلْ
أنْتُـمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ يقول: إنكم لقوم تأتون ما حرم الله علـيكم وتعصونه
بفعلكم هذا, وذلك هو الإسراف فـي هذا الـموضع. والشهوة: الفَعلة, وهي مصدر من قول
القائل: شهيت هذا الشيء أشهاه شهوة ومن ذلك قول الشاعر:



وأشْعَثَ يَشْهَى
النّوْمَ قُلْتُ لَهُ ارْتَـحِل



إذَا ما النّـجُومُ
أعْرَضَتْ واسْبَطَرّتِ



فَقامَ يَجُرّ
البُرْدَ لَوْ أنّ نَفْسَهُ



يُقالُ لَهُ خُذْها
بِكَفّـيْكَ خَرّتِ



الآية : 82


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ
قَوْمِهِ إِلاّ أَن قَالُوَاْ أَخْرِجُوهُمْ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنّهُمْ أُنَاسٌ
يَتَطَهّرُونَ }.



يقول تعالـى ذكره: وما كان جواب قوم لوط للوط
إذ وبخهم علـى فعلهم القبـيح وركوبهم ما حرّم الله علـيهم من العمل الـخبـيث إلا
أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطا وأهله ولذلك قـيـل: أخرجوهم, فجمع وقد جرى قبل ذكر
لوط وحده دون غيره. وقد يحتـمل أن يكون إنـما جمع بـمعنى: أخرجوا لوطا ومن كان
علـى دينه من قريتكم, فـاكتفـى بذكر لوط فـي أوّل الكلام عن ذكر أتبـاعه, ثم جمع
فـي آخر الكلام, كما قـيـل: يا أيّها النّبِـيّ إذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ وقد
بـيّنا نظائر ذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. إنّهُمْ أُناسٌ
يَتَطَهّرُونَ يقول: إن لوطا ومن تبعه أناس يتنزّهون عما نفعله نـحن من إتـيان
الرجال فـي الأدبـار.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11587ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هانىء بن
سعيد النـخعي, عن الـحجاج, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد: إنّهُمْ أُناسٌ
يَتَطَهّرُونَ قال: من أدبـار الرجال وأدبـار النساء.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان,
عن مـجاهد: إنّهُم أُناسٌ يَتطَهّرُونَ من أدبـار الرجال وأدبـار النساء.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال:
حدثنا حماد, عن الـحجاج, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد فـي قوله: إنّهُمْ
أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: يتطهرون من أدبـار الرجال والنساء.



11588ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الـحسن بن عمارة, عن الـحكم, عن مـجاهد, عن ابن
عبـاس, فـي قوله: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: من أدبـار الرجال ومن أدبـار
النساء.



11589ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ
قال: يتـحرّجون.



11590ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ يقول: عابوهم بغير غيب,
وذموهم بغير ذم.



الآية : 83


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَأَنجَيْنَاهُ
وَأَهْلَهُ إِلاّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }.



يقول تعالـى ذكره: فلـما أبى قوم لوط مع
توبـيخ لوط إياهم علـى ما يأتون من الفـاحشة, وإبلاغه إياهم رسالة ربه بتـحريـم
ذلك علـيهم, إلا التـمادي فـي غيهم, أنـجينا لوطا وأهله الـمؤمنـين به إلا امرأته
فإنها كانت للوط خائنة وبـالله كافرة.



وقوله: مِنَ الغابِرينَ يقول: من البـاقـين.
وقـيـل «من الغابرين» ولـم يقل «الغابرات», لأنه يريد أنها مـمن بقـي مع الرجال,
فلـما ضمّ ذكرها إلـى ذكر الرجال قـيـل من الغابرين, والفعل منه: غَبَرَ يَغْبُرُ
غُبُورا وغَبْرا, وذلك إذا بقـي كما قال الأعشى:



عَضّ بِـمَا أبْقَـى الـمَوَاسِي لَهُمِنْ أمّهِ
فِـي الزّمَنِ الغابِرِ



وكما قال الاَخر:


وأبِـي الّذي فَتَـحَ البِلادَ
بسَيْفِهِفَأذَلّها لِبَنِـي أبـانَ الغابِرِ



يعنـي: البـاقـي.


فإن قال قائل: فكانت امرأة لوط مـمن نـجا من
الهلاك الذي هلك به قوم لوط؟ قـيـل: لا, بل كانت فـيـمن هلك. فإن قال: فكيف قـيـل:
إلاّ امْرأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ وقد قلت إن معنى الغابر البـاقـي, فقد وجب
أن تكون قد بقـيت؟ قـيـل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إلـيه وإنـما عنى بذلك: إلا
مرأته كانت من البـاقـين قبل الهلاك والـمعمرين الذين قد أتـى علـيهم دهر كبـير
ومرّ بهم زمن كثـير, حتـى هرمت فـيـمن هرم من الناس, فكانت مـمن غبر الدهر الطويـل
قبل هلاك القوم, فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب. وقـيـل: معنى ذلك:
من البـاقـين فـي عذاب الله. ذكر من قال ذلك:



11591ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال:
حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: إلاّ عَجُوزًا فِـي الغابِرينَ: فـي عذاب
الله.



الآية : 84


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ
مّطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ }.



يقول تعالـى ذكره: وأمطرنا علـى قوم لوط الذين
كذّبوا لوطا ولـم يؤمنوا به مطرا من حجارة من سجيـل أهلكناهم به. فـانُظُرْ كَيْفَ
كانَ عاقِبَةُ الـمُـجْرِمِينَ يقول جلّ ثناؤه: فـانظر يا مـحمد إلـى عاقبة هؤلاء
الذين كذّبوا الله ورسوله من قوم لوط, فـاجترموا معاصي الله وركبوا الفواحش
واستـحلوا ما حرّم الله من أدبـار الرجال, كيف كانت وإلـى أي شيء صارت هل كانت إلا
البوار والهلاك؟ فإن ذلك أو نظيره من العقوبة, عاقبة من كذّبك واستكبر عن الإيـمان
بـالله وتصديقك إن لـم يتوبوا, من قومك.



الآية : 85


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَإِلَىَ مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ
غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيّنَةٌ مّن رّبّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ
وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي
الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ }.



يقول تعالـى ذكره: وأرسلنا إلـى ولد مدين.
ومدين: هم ولد مدين بن إبراهيـم خـلـيـل الرحمن, فـيـما:



11592ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة,
عن ابن إسحاق.



فإن كان الأمر كما قال: فمدين قبـيـلة كتـميـم.
وزعم أيضا ابن إسحاق أن شعيبـا الذي ذكر الله أنه أرسله إلـيهم من ولد مدين هذا,
وأنه شعيب بن ميكيـل بن يشجر, قال: واسمه بـالسريانـية بثرون.



فتأويـل الكلام علـى ما قاله ابن إسحاق: ولقد
أرسلنا إلـى ولد مدين أخاهم شعيب بن ميكيـل, يدعوهم إلـى طاعة الله والانتهاء إلـى
أمره وترك السعي فـي الأرض بـالفساد والصدّ عن سبـيـله, فقال لهم شعيب: يا قوم
اعبدوا الله وحده لا شريك له, ما لكم من إله يستوجب علـيكم العبـادة غير الإله
الذي خـلقكم وبـيده نفعكم وضرّكم. قَدْ جاءَتْكُمْ بَـيّنَةٌ مِنْ رَبّكُمْ يقول:
قد جاءتكم علامة وحجة من الله بحقـيقة ما أقول وصدق ما أدعوكم إلـيه. فَأَوْفُوا
الكَيْـلَ والـمِيزَانَ يقول: أتـموا للناس حقوقهم بـالكيـل الذي تكيـلون به
وبـالوزن الذي تزنون به. وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ يقول ولا تظلـموا
الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياها. ومن ذلك قولهم: تـحسبها حمقاء وهي بـاخسة, بـمعنى
ظالـمة, ومنه قول الله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يعنـي به: رديء.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11593ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: وَلا نَبْخَسُوا النّاسَ
أشْياءَهّمْ يقول: لا تظلـموا الناس أشياءهم.



11594ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهمْ: قال: لا تظلـموا
الناس أشياءهم.



وقوله: وَلا تُفْسِدُوا فِـي الأرْض يقول: ولا
تعملوا فـي أرض الله بـمعاصيه وما كنتـم تعملونه قبل أن يبعث الله إلـيكم نبـيه,
من عبـادة غير الله والإشراك به وبخس الناس فـي الكيـل والوزن. بَعْدَ إصْلاحِها
يقول: بعد أن قد أصلـح الله الأرض بـابتعاث النبـيّ علـيه السلام فـيكم, ينهاكم
عما لا يحلّ لكم وما يكرهه الله لكم. ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ يقول: هذا الذي ذكرت
لكم وأمرتكم به من إخلاص العبـادة لله وحده لا شريك له وإيفـاء الناس حقوقهم من
الكيـل والوزن وترك الفساد فـي الأرض, خير لكم فـي عاجل دنـياكم وآجل آخرتكم عند
الله يوم القـيامة. إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: إن كنتـم مصدقـيّ فـيـما
أقول لكم وأودّي إلـيكم عن الله من أمره ونهيه.



الآية : 86


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ
صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ
وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوَاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثّرَكُمْ
وَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }.



يعنـي بقوله: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِراطٍ
تُوعِدُونَ: ولا تـجلسوا بكلّ طريق وهو الصراط توعدون الـمؤمنـين بـالقتل. وكانوا
فـيـما ذكر يقعدوه علـى طريق من قصد شعيبـا وأراده لـيؤمن به, فـيتوعدونه
ويخوّفونه ويقولون: إنه كذّاب. ذكر من قال ذلك:



11595ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ قال: كانوا يوعدون من أتـى
شعيبـا وغشيه فأراد الإسلام.



11596ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي,
قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تَقْعَدُوا
بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ والصراط: الطريق, يخوّفون الناس أن يأتوا شعيبـا.



11597ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا
تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ قال:
كانوا يجلسون فـي الطريق, فـيخبرون من أتـى علـيهم أن شعيبـا علـيه السلام كذّاب,
فلا يفتنْكم عن دينكم.



11598ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله تعالـى:
بِكُرّ صِراطٍ تُوعِدُونَ: كلّ سبـيـل حقّ.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.



11599ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ
تُوعِدُونَ كانوا يقعدون علـى كلّ طريق يوعدون الـمؤمنـين.



11600ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد
الرحمن, عن قـيس, عن السديّ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ قال:
العشّارون.



11601ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج,
قال: حدثنا أبو جعفر الرازي, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, عن ابـي هريرة
أو غيره, شكّ أبو جعفر الرازي قال: أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـيـلة أُسري
به علـى خشبة علـى الطريق لا يـمرّ بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته, قال: «ما
هَذَا يا جُبْريـلُ؟» قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون علـى الطريق فـيقطعونه ثم
تلا: وَلا تَقْعُدُوا بكُلّ صِرَاطٍ تُوعَدُونَ وَتَصُدّونَ.



وهذا الـخبر الذي ذكرناه عن أبـي هريرة يدلّ
علـى أن معناه كان عند أبـي هريرة أن نبـيّ الله شعيبـا إنـما نهى قومه بقوله:
وَلا تَقْعُدُا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ عن قطع الطريق, وأنهم كانوا قطاع
الطريق. وقـيـل: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ ولو قـيـل فـي غير
القرآن: لا تقعدوا فـي كل صراط كان جائزا فصيحا فـي الكلام وإنـما جاز ذلك لأن
الطريق لـيس بـالـمكان الـمعلوم, فجاز ذلك كما جاز أن يقال: قعد له بـمكان كذا, وعلـى
مكان كذا, وفـي مكان كذا. قال: تُوعِدونَ ولـم يقل: «تعدون», لأن العرب كذلك تفعل
فـيـما أبهمت ولـم تفصح به من الوعيد, تقول: «أوعدته» بـالألف «وتقدّم منـي إلـيه
وعيد», فإذا بـينتْ عما أوعدت وأفصحت به, قالت: «وعدته خيرا, ووعدته شرّا» بغير
ألف, كما قال جلّ ثناؤه: النّارُ وَعَدَها اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا.



وأما قوله: وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ
مَنْ آمَنَ بِهِ فإنه يقول: وتردّون عن طريق الله وهو الردّ عن الإيـمان بـالله
والعمل بطاعته من آمن به, يقول: تردّون عن طريق الله من صدّق بـالله ووحده.
وتَبْغُونَها عِوَجا يقول: وتلتـمسون لـمن سلك سبـيـل الله وآمن به وعمل بطاعته,
عوجا عن القصد والـحقّ إلـى الزّيغ والضلال. كما:



11602ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد:
وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ قال: أهلها, وتَبْغُونَها عِوَجا تلتـمسون لها
الزيغ.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.



11603ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وتَبْغُونَها عِوَجا قال: تبغون السبـيـل عن
الـحقّ عوجا.



11604ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ
اللّهِ عن الإسلام تبغون السبـيـل عِوَجا: هلاكا.



وقوله: وَاذْكُرُوا إذْ كُنْتُـمْ قَلِـيلاً فَكَثّرَكُمْ
يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثر جماعتهم بعد أن كانوا قلـيلاً عددهم, وأن
رفعهم من الذلة والـخساسة. يقول لهم: فـاشكروا الله الذي أنعم علـيكم بذلك
وأخـلصوا له العبـادة, واتقوا عقوبته بـالطاعة, واحذروا نقمته بترك الـمعصية.
وَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الـمُفْسِدِينَ يقول: وانظروا ما نزل بـمن كان
قبلكم من الأمـم حين عتوا علـى ربهم وعصوا رسله من الـمثلات والنقمات, وكيف وجدوا
عقبى عصيانهم إياه, ألـم يهلك بعضهم غرقا بـالطوفـان وبعضهم رجما بـالـحجارة
وبعضهم بـالصيحة؟ والإفساد فـي هذا الـموضع معناه: معصية الله.



الآية : 87


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ
مّنكُمْ آمَنُواْ بِالّذِيَ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لّمْ يْؤْمِنُواْ
فَاصْبِرُواْ حَتّىَ يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }.



يعنـي بقوله تعالـى ذكره: وَإنْ كان طائِفَةً
مِنْكُمْ وإن كانت جماعة منكم وفرقة آمنوا, يقول: صدّقوا, بـالّذِي أرْسِلَتُ بِهِ
من إخلاص العبـادة لله وترك معاصيه وظلـم الناس وبخسهم فـي الـمكايـيـل
والـموازين, فـاتبعونـي علـى ذلك. وَطائِفَةٌ لَـمْ يُؤْمِنُوا يقول: وجماعة أخرى
لـم يصدّقوا بذلك, ولـم يتبعونـي علـيه. فـاصْبِرُوا حتـى يَحْكُمَ اللّهُ
بَـيْنَنا يقول: فـاحتبسوا علـى قضاء الله الفـاصل بـيننا وبـينكم. وَهُوَ خَيْرُ
الـحاكمِينَ يقول: والله خير من يفصل وأعدل من يقضي, لأنه لا يقع فـي حكمه ميـل
إلـى أحد, ولا مـحابـاة لأحد والله أعلـم.



الآية : 88


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالَ الْمَلاُ الّذِينَ
اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنّكَ يَشُعَيْبُ وَالّذِينَ آمَنُواْ
مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنّ فِي مِلّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنّا
كَارِهِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: قالَ الـمَلأُ الّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا يعنـي بـالـملأ: الـجماعة من الرجال, ويعنـي بـالذين استكبروا:
الذين تكبروا عن الإيـمان بـالله والانتهاء إلـى أمره واتبـاع رسوله شعيب لـما
حذّرهم شعيب بأس الله علـى خلافهم أمر ربهم, وكفرهم به. لَنُـخْرِجَنّك يا شُعَيْبُ
ومن تبعك وصدّقك وآمن بك, وبـما جئت به معك من قريتنا. أو لَتَعُودُنّ فـي
مِلّتِنا يقول: لترجعَنّ أنت وهم فـي ديننا وما نـحن علـيه. قال شعيب مـجيبـا لهم:
أَوَ لَوْ كُنّا
كارِهِين؟.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:44 pm

ومعنى الكلام: أن شعيبـا
قال لقومه: أتـخرجوننا من قريتكم, وتصدّوننا عن سبـيـل الله, ولو كنا كارهين لذلك؟
ثم أدخـلت ألف الاستفهام علـى واو «أوَ لَوْ».



الآية : 89


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى
اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجّانَا اللّهُ مِنْهَا
وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نّعُودَ فِيهَآ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ رَبّنَا وَسِعَ
رَبّنَا كُلّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكّلْنَا رَبّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ }..



يقول جلّ ثناؤه: قال شعيب لقومه, إذ دعوه إلـى
العود إلـى ملتهم والدخول فـيها, وتوعدوه بطرده ومن اتبعه من قريتهم إن لـم يفعل
ذلك هو وهم: قَدِ افْتَرَيْنا علـى اللّهِ كَذِبـا يقول: قد اختلقنا علـى الله
كذبـا, وتـخرّصنا علـيه من القول بـاطلاً إن نـحن عدنا فـي ملتكم, فرجعنا فـيها
بعد إذ أنقذنا الله منها, بأن بصّرنا خطأها وصواب الهدى الذي نـحن علـيه, وما يكون
لنا أن نرجع فـيها فندينَ بها ونترك الـحقّ الذي نـحن علـيه. إلا أنْ يَشاءَ
اللّهُ رَبّنا: إلا أن يكون سبق لنا فـي علـم الله أنا نعود فـيها, فـيـمضيَ فـينا
حينئذ قضاء الله, فـينفذ مشيئته علـينا. وَسِعَ رَبّنا كُلّ شَيْءٍ عِلْـما يقول:
فإن علْـمَ ربنا وسع كل شيء فأحاط به, فلا يخفـى علـيه شيء كان ولا شيء هو كائن
فإن يكن سبق لنا فـي علـمه أنا نعود فـي ملتكم ولا يخفـى علـيه شيء كان ولا شيء هو
كائن, فلا بد من أن يكون ما قد سبق فـي علـمه, وإلا فإنا غير عائدين فـي ملتكم.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11605ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: قَدِ افْتَريْنا علـى اللّهِ
كَذِبـا إنْ عُدْنا فِـي مِلّتِكُمْ بَعْدَ إذْ نَـجّانا اللّهُ مِنْها وَما
يَكُونُ لَنا أنْ نَعُودَ فِـيها إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ رَبّنا وَسِعَ رَبّنا
كُلّ شَيْءٍ عِلْـما علـى اللّهِ تَوَكّلْنا رَبّنا افْتَـحْ بَـيْنَنا وبـينَ
قَوْمِنا بـالـحَقّ يقول: ما ينبغي لنا أن نعود فـي شرككم بعد إذ نـجانا الله منها
إلا أن يشاء الله ربنا, فـالله لا يشاء الشرك, ولكن يقول: إلا أن يكون الله قد
علـم شيئا, فإنه وسع كلّ شيء علـما.



وقوله: علـى اللّهِ تَوَكّلْنا يقول: علـى الله
نعتـمد فـي أمورنا وإلـيه نستند فـيـما تَعِدوننا به من شرككم أيها القوم, فإنه
الكافـي من توكل علـيه. ثم فزع صلوات الله علـيه إلـى ربه بـالدعاء علـى قومه, إذ
أيس من فلاحهم, وانقطع رجاؤه من إذعانهم لله بـالطاعة والإقرار له بـالرسالة, وخاف
علـى نفسه وعلـى من اتبعه من مؤمنـي قومه من فَسَقِتهم العطب والهلكة بتعجيـل
النقمة, فقال: رَبّنا افْتَـحْ بَـيْنَنا وبـينَ قَوْمِنا بـالـحَقّ يقول: احكم
بـيننا وبـينهم بحكمك الـحقّ الذي لا جور فـيه ولا حيف ولا ظلـم, ولكنه عدل وحقّ
وأنْتَ خَيْرُ الفـاتِـحِينَ يعنـي: خير الـحاكمين. ذكر الفراء أن أهل عمان يسمون
القاضي: الفـاتـح والفتّاح. وذكر غيره من أهل العلـم بكلام العرب أنه من لغة مراد,
وأنشد لبعضهم بـيتا وهو:



ألا أبْلِغْ بَنِـي عُصْمٍ رَسُولاًفإنّـي عَنْ
فُتاحَتِكُمْ غَنِـيّ



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11606ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن
مسعر, عن قتادة, عن ابن عبـاس, قال: ما كنت أدري ما قوله: رَبّنا افْتَـحْ
بَـيْنَنا وبـينَ قَوْمِنا بـالـحَقّ حتـى سمعت ابنة ذي يزن تقول: تعال
أُفـاتِـحْكَ, يعنـي: أقاضيك.



11607ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: رَبّنا افْتَـحْ
بَـيْنَنا وبـينَ قَوْمِنا بـالـحَقّ يقول: اقض بـيننا وبـين قومنا.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو دكين, قال:
حدثنا مِسعر, قال: سمعت قتادة يقول: قال ابن عبـاس: ما كنت أدري ما قوله: رَبّنا
افْتَـحْ بَـيْنَنا وبـينَ قَوْمِنا بـالـحَقّ حتـى سمعت ابنة ذي يزن تقول: تعال
أفـاتـحك.



11608ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: افْتَـحْ بَـيْنَنا وبـينَ قَوْمِنا بـالـحَقّ:
أي اقض بـيننا وبـين قومنا بـالـحقّ.



حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد
بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة: افْتَـحْ بَـيْنَنا وبـينَ قَوْمِنا
بـالـحَقّ: اقض بـيننا وبـين قومنا بـالـحقّ.



11609ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, أما قوله: افْتَـحْ بَـيْنَنا
فـيقول: احكم بـيننا.



11610ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال الـحسن البصري: افتـح: احكم بـيننا وبـين قومنا,
وإنّا فَتَـحْنَا لَكَ فَتْـحا مُبِـينا: حكمنا لك حكما مبـينا.



حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي
حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: افتـح: اقض.



حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد مـحمد بن
عبد الله بن الزبـير, قال: حدثنا مسعر, عن قتادة, عن ابن عبـاس, قال: لـم أكن أدري
ما افْتَـحْ بَـيْنَنا وبـينَ قَوْمِنا بـالـحَقّ حتـى سمعت ابنة ذي يِزن تقول
لزوجها: انطلق أفـاتـحك.



الآية : 90


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَقَالَ الْمَلاُ
الّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنّكُمْ إِذاً
لّخَاسِرُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: وقالت الـجماعة من كَفَرَةِ
رجال قوم شعيب, وهم الـملأ الذين جحدوا آيات الله وكذّبوا رسوله وتـمادوا فـي
غيهم, لاَخرين منهم: لئن أنتـم اتبعتـم شعيبـا علـى ما يقول وأجبتـموه إلـى ما
يدعوكم إلـيه من توحيد الله والانتهاء إلـى أمره ونهيه وأقررتـم بنبوّته, أنّكُمْ
إذًا لـخَاسِرُونَ يقول: لـمغبونون فـي فعلكم, وترككم ملتكم التـي أنتـم علـيها
مقـيـمون إلـى دينه الذي يدعوكم إلـيه, وهالكون بذلك من فعلكم.



الآية : 91


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَأَخَذَتْهُمُ
الرّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }..



يقول: فأخذت الذين كفروا من قوم شعيب الرجفة,
وقد بـينت معنى الرجفة قبل, وأنها الزلزلة الـمـحرّكة لعذاب الله. فأصْبَحُوا فِـي
دَارِهِمْ جاثِمِينَ علـى ركبهم موتـى هلكى.



وكانت صفة العذاب الذي أهلكهم الله به كما:


11611ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَإلـى مَدْيَنَ أخاهُمْ
شُعَيْبـا قال: إن الله بعث شعيبـا إلـى مَدْينَ, وإلـى أصحاب الأيكة والأيكة: هي
الغيضة من الشجر وكانوا مع كفرهم يبخَسُون الكيـل والـميزان, فدعاهم فكذّبوه, فقال
لهم ما ذكر الله فـي القرآن, وما ردّوا علـيه, فلـما عتوا وكذّبوه, سألوه العذاب,
ففتـح الله علـيهم بـابـا من أبواب جهنـم, فأهلكهم الـحرّ منه, فلـم ينفعهم ظلّ
ولا ماء, ثم إنه بعث سحابة فـيها ريح طيبة, فوجدوا برد الريح وطيبها, فتنادوا:
الظلة, علـيكم بها فلـما اجتـمعوا تـحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبـيانهم, انطبقت
علـيهم, فأهلكتهم, فهو قوله: فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمَ الظّلّةِ.



11612ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن
ابن إسحاق, قال: كان من خبر قصة شعيب وخبر قومه, ما ذكر الله فـي القرآن, كانوا
أهلَ بخْس للناس فـي مكايـيـلهم وموازينهم, مع كفرهم بـالله وتكذيبهم نبـيهم وكان
يدعوهم إلـى الله وعبـادته وترك ظلـم الناس وبخسهم فـي مكايـيـلهم وموازينهم فقال
نُصْحا لهم وكان صادقا: ما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكُمْ إلـى ما أنهاكُمْ عَنْهُ إنْ
أُرِيدُ إلاّ الإصْلاحَ ما اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِـيقـي إلا بـاللّهِ عَلَـيْهِ
تَوَكّلْتُ وَإلَـيْهِ أُنِـيبُ قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فـيـما ذكر لـي يعقوب بن أبـي سلـمة إذا ذكر شعيبـا, قال: «ذَاكَ خَطِيبُ
الأنْبِـياءِ» لـحسن مراجعته قومه فـيـما يراد بهم, فلـما كذبوه وتوعدوه بـالرجم
والنفـي من بلادهم, وعتوا علـى الله, أخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم
عظيـم, فبلغنـي أن رجلاً من أهل مدين يقال له عمرو بن جلهاء لـما رآها قال:



يا قَوْمِ إنّ شُعَيْبـا مُرْسَلٌ
فَذَرُواعَنْكُمْ سَمِيرا وعِمْرَانَ بْنَ شَدّادِ



إنّـي أرَى غَيْـمَةً يا قومِ قد
طَلَعَتْتَدْعُو بصَوْتٍ علـى صَمّانَة الوَادِي



وإنّكم إنْ تَرَوْا فِـيها ضَحاةَ غَدٍإلاّ
الرّقِـيـمَ يُـمَشّي بـينَ أنـجادِ



وسمير وعمران: كاهناهم, والرقـيـم: كلبهم.


11613ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال:
ثنـي ابن إسحاق, قال: فبلغنـي والله أعلـم أن الله سلط علـيهم الـحرّ حتـى أنضجهم,
ثم أنشأ لهم الظلة كالسحابة السوداء, فلـما رأوها ابتدروها يستغيثون ببردها مـما
هم فـيه من الـحرّ, حتـى إذا دخـلوا تـحتها أُطبقت علـيهم, فهلكوا جميعا, ونـجى
الله شعيبـا والذين آمنوا معه برحمته.



11614ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال:
حدثنـي أبو عبد الله البجلـي, قال: أبو جاد, وهوّز, وحُطي, وسعفص, وقرشت: أسماء
ملوك مدين, وكان ملكهم يوم الظلة فـي زمان شعيب كلـمون, فقالت أخت كلـمون تبكيه:



كَلَـمُونُ هَدّ رُكْنِـيهُلْكُهُ وَسْطَ
الـمَـحِلّهْ



سَيّدُ القَوْمِ أتاهُ الْحَتْفُ: نارا وَسْطَ
ظُلّهُ



جُعِلَتْ نارا عَلَـيْهِمْدَارُهُمْ
كالـمُضْمَـحِلّهْ



الآية : 92


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {الّذِينَ كَذّبُواْ
شُعَيْباً كَأَن لّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الّذِينَ كَذّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ
هُمُ الْخَاسِرِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: فأهلك الذين كذّبوا شعيبـا
فلـم يؤمنوا به, فأبـادهم, فصارت قريتهم منهم خاوية خلاء كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا
فِـيها يقول: كأن لـم ينزلوا قطّ, ولـم يعيشوا بها حين هلكوا, يقال: غَنِـيَ فلان
بـمكان كذا فهو يَغْنَى به غِنًى وغُنِـيّا: إذا نزل به وكان به, كما قال الشاعر:



وَلَقَدْ يَغْنَى بِهِ جِيرانُكِ الْمُـمِسْكُو
مِنْكِ بعَهْدٍ وَوِصَالِ



وقال رُؤْبة:


وَعَهْدُ مَغْنَى
دِمْنَةٍ بِضَلْفَعا



إنـما هو مَفْعَل من غَنِـي. وبنـحو الذي قلنا
فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:



11615ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة: كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها: كأن لـم
يعيشوا, كأن لـم ينعموا.



11616ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها
يقول: كأن لـم يعيشوا فـيها.



11617ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فـي قوله: كأنْ لَـمْ يَغْنَوْا فِـيها كأن لـم يكونوا فـيها قطّ.



وقوله: الّذِينَ كَذّبُوا شُعَيْبـا كانُوا
هُمُ الـخاسِرِينَ يقول تعالـى ذكره: لـم يكن الذين اتبعوا شعيبـا الـخاسرين, بل
الذين كذبوه كانوا هم الـخاسرين الهالكين, لأنه أخبر عنهم جلّ ثناؤه أن الذين
كذّبوا شعيبـا قالوا للذين أرادوا اتبـاعه: «لَئِنِ اتّبَعْتُـمْ شُعَيْبـا
إنّكُمْ إذًا لـخَاسِرُونَ» فكذّبهم الله بـما أحلّ بهم من عاجل نكاله, ثم قال
لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ما خسر تُبّـاع شعيب, بل كان الذين كذّبوا
شعيبـا لـما جاءت عقوبة الله هم الـخاسرين دون الذين صدّقوا وآمنوا به.



الآية : 93


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَتَوَلّىَ عَنْهُمْ
وَقَالَ يَقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ
فَكَيْفَ آسَىَ عَلَىَ قَوْمٍ كَافِرِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: فأدبر شعيب عنهم شاخصا من
بـين أظهرهم حين أتاهم عذاب الله, وقال لـما أيقن بنزول نقمة الله بقومه الذين
كذّبوه حزنا علـيهم: يا قوم لَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبّـي وأدّيت إلـيكم
ما بعثنـي به إلـيكم من تـحذيركم غضبه علـى إقامتكم علـى الكفر به وظلـم الناس
أشياءهم. وَنَصَحْتُ لَكُمْ بأمري إياكم بطاعة الله ونهيكم عن معصيته. فَكَيْفَ
آسَى يقول: فكيف أحزن علـى قوم جحدوا وحدانـية الله وكذّبوا رسوله وأتوجع لهلاكهم؟
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.



11618ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: فَكَيْفَ
آسَى يعنـي: فكيف أحزن.



11619ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَكَيْفَ آسَى يقول: فكيف أحزن.



11620ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن
ابن إسحاق, قال: أصاب شعيبـا علـى قومه حزن لـما يرى بهم من نقمة الله, ثم قال
يعزّي نفسه فـيـما ذكر الله عنه: يا قَوْمِ لَقَدْ أبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبّـي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلـى قَوْمٍ كافِرِينَ.



الآية : 94


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي
قَرْيَةٍ مّن نّبِيّ إِلاّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَآءِ وَالضّرّآءِ
لَعَلّهُمْ يَضّرّعُونَ }..



يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه
وسلم معرّفه سنته فـي الأمـم التـي قد خـلت من قبل أمته, ومذكّرَ من كفر به من
قريش لـينزجروا عما كانوا علـيه مقـيـمين من الشرك بـالله والتكذيب لنبـيه مـحمد
صلى الله عليه وسلم: وَما أرْسَلْنا فِـي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِـيّ قبلك, إلاّ
أخَذْنا أهْلَها بـالبَأْساءِ والضّراءِ وهو البؤس وشظف الـمعيشة وضيقها والضرّاء:
وهي الضر وسوء الـحال فـي أسبـاب دنـياهم. لَعَلّهُمْ يَضّرّعُونَ: يقول: فعلنا
ذلك لـيتضرّعوا إلـى ربهم, ويستكينوا إلـيه, وينـيبوا بـالإقلاع عن كفرهم, والتوبة
من تكذيب أنبـيائهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.ذكر من قال ذلك.



11621ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أخَذْنا أهْلَها بـالبَأْساءِ
والضّرّاءِ يقول: بـالفقر والـجوع.



وقد ذكرنا فـيـما مضى الشواهد علـى صحة القول
بـما قلنا فـي معنى البأساء والضرّاء بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقـيـل: يضرّعون, والـمعنى: يتضرّعون, ولكن أدغمت التاء فـي الضاد, لتقارب مخرجهما.



الآية : 95


القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {ثُمّ بَدّلْنَا مَكَانَ
السّيّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّىَ عَفَوْاْ وّقَالُواْ قَدْ مَسّ آبَاءَنَا الضّرّآءُ
وَالسّرّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: ثم بدّلنا أهل القرية التـي
أخذنا أهلها بـالبأساء والضرّاء, مكان السيئة, وهي البأساء والضرّاء. وإنـما جعل
ذلك سيئة, لأنه مـما يسوء الناس, ولا تسوؤهم الـحسنة, وهي الرخاء والنعمة والسعة
فـي الـمعيشة. حتـى عَفَوْا يقول: حتـى كثروا, وكذلك كلّ شيء كثر, فإنه يقال فـيه:
قد عفـا, كما قال الشاعر:



ولكِنّا نُعِضّ السّيْفَ منْهابأسْوُقٍ
عافِـياتِ الشّحْمِ كُوم



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك.



11622ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: مَكانَ السّيّئَةِ الـحَسَنَةَ قال: مكان الشدّة
رخاء حتـى عَفَوْا.



11623ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: مَكانَ
السّيّئَةِ الـحَسَنَةَ قال: السيئة: الشرّ, والـحسنة: الرخاء والـمال والولد.



حدثنا الـمثنى, قالَ: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مَكانَ السّيّئةِ الـحَسَنَةَ قال:
السيئة: الشرّ, والـحسنة: الـخير.



11624ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: ثُمّ بَدّلْنا مَكانَ
السّيّئَةِ الـحَسَنَةَ يقول: مكان الشدة الرخاء.



11625ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فـي قوله: ثُمّ بدلْنا مَكانَ السّيّئَةِ الـحَسَنَةَ حتـى عَفَوْا
قال: بدلنا مكان ما كرهوا ما أحبوا فـي الدنـيا, حتـى عفوا من ذلك العذاب وَقالُوا
قَدْ مَسّ آبـاءَنا الضّرّاءُ وَالسّرّاءُ.



واختلفوا فـي تأويـل قوله حتـى عَفَوْا فقال
بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك.



11626ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: حتـى عَفَوْا يقول: حتـى
كثروا وكثرت أموالهم.



حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي
حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: حتـى عَفَوْا قال: جمّوا.



11627ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: حتـى عَفَوْا قال: كثرت
أموالهم وأولادهم.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.



11628ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: حتـى عَفَوْا حتـى كثروا.



11629ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن
مغيرة, عن إبراهيـم: حتـى عَفَوْا قال: حتـى جموا وكثروا.



قال: ثنا جابر بن نوح, عن أبـي روق, عن
الضحاك, عن ابن عبـاس: حتـى عَفَوْا قال: حتـى جموا.



11630ـ قال: ثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن
الضحاك: حتـى عَفَوْا يعنـي جموا وكثروا.



قال: ثنا عبد الله بن رجاء, عن ابن جريج, عن
مـجاهد: حتـى عَفَوْا قال: حتـى كثرت أموالهم وأولادهم.



11631ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فـي قوله: حتـى عَفَوْا كثروا كما يكثر النبـات والريش, ثم أخذهم عند
ذلك بغتة وهم لا يشعرون.



وقال آخرون: معنى ذلك: حتـى سُرّوا. ذكر من قال
ذلك.



11632ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: حتـى عَفَوْا يقول: حتـى سرّوا بذلك.



وهذا الذي قاله قتادة فـي معنى عفوا تأويـل لا
وجه له فـي كلام العرب, لأنه لا يعرف العفو بـمعنى السرور فـي شيء من كلامها إلاّ
أن يكون أراد حتـى سُرّوا بكثرتهم وكثرة أموالهم, فـيكون ذلك وجها وإن بعُد.



وأما قوله: وَقالُوا قَدْ مَسّ آبـاءَنا
الضّرّاءُ والسّرّاءُ فإنه خبر من الله عن هؤلاء القوم الذين أبدلهم الـحسنة
السيئة التـي كانوا فـيها استدراجا وابتلاءً أنهم قالوا إذ فعل ذلك بهم: هذه أحوال
قد أصابت مَن قبلنا من آبـائنا ونالت أسلافنا, ونـحن لا نعدو أن نكون أمثالهم
يصيبنا ما أصابهم من الشدّة فـي الـمعايش والرخاء فـيها, وهي السّراء, لأنها تسرّ
أهلها. وجهل الـمساكين شكر نعمة الله, وأغفلوا من جهلهم استدامة فضله بـالإنابة
إلـى طاعته, والـمسارعة إلـى الإقلاع عما يكرهه بـالتوبة, حتـى أتاهم أمره وهم لا
يشعرون. يقول جلّ جلاله: فَأخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول:
فأخذناهم بـالهلاك والعذاب فجأة, أتاهم علـى غرّة منهم بـمـجيئه, وهم لا يدرون,
ولا يعلـمون أنه يجيئهم, بل هم بأنه آتـيهم مكذّبون حتـى يعاينوه ويروه.



الآية :
96-99



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَلَوْ أَنّ أَهْلَ
الْقُرَىَ آمَنُواْ وَاتّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مّنَ السّمَآءِ
وَالأرْضِ وَلَـَكِن كَذّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىَ أَن يَأْتِيَهُمْ
بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ *
أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىَ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ
يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ
اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: أفأمن يا مـحمد هؤلاء الذين
يكذّبون الله ورسوله ويجحدون آياته, استدراج الله إياهم بـما أنعم به علـيهم فـي
دنـياهم من صحة الأبدان ورخاء العيش, كما استدرج الذين قصّ علـيهم قصصهم من الأمـم
قبلهم, فإن مكر الله لا يأمنه, يقول: لا يأمن ذلك أن يكون استدراجا مع مقامهم علـى
كفرهم وإصرارهم علـى معصيتهم إلاّ القوم الـخاسرون وهم الهالكون.



الآية :
100



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَهْدِ
لِلّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ
بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }..



يقول: أو لـم يبـين للذين يستـخـلفون فـي
الأرض بعد هلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها, فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم, وعتوا عن
أمر ربهم أنْ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهُمْ بِذُنُوبهِمْ يقول: إن لو نشاء فعلنا بهم
كما فعلنا بـمن قبلهم, فأخذناهم بذنوبهم, وعجّلنا لهم بأسنا كما عجلناه لـمن كان
قبلهم مـمن ورثوا عنه الأرض, فأهلكناهم بذنوبهم. وَنَطْبَعُ علـى قُلُوبِهِمْ
يقول: ونـختـم علـى قلوبهم فهم لا يَسْمَعونَ موعظة ولا تذكيرا سماع منتفع بهما.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك.



11633ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: أوَ لـمْ يَهْدِ قال:
يبّـين.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.



11634ـ قال: ثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي
معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أوَ لَـمْ يَهْدِ أو لـم يبـين.



حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال:
ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: أو لَـمْ يَهْدِ للّذِينَ
يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها يقول: أو لـم يبـين لهم.



11635ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أوَ لَـمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ
الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أهْلِها يقول: أو لـم يتبـين للذين يرثون الأرض من بعد أهلها
هم الـمشركون.



11636ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فـي قوله: أوَ لَـمْ يَهْدِ للّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ
أهْلِها أو لـم نبـين لهم, أنْ لَوْ نَشاءُ أصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ قالوا:
والهدى: البـيان الذي بعث هاديا لهم مبـينا لهم, حتـى يعرفوا, ولولا البـيان لـم
يعرفوا.



الآية :
101



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {تِلْكَ الْقُرَىَ نَقُصّ
عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَمَا
كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ
عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: هذه القرى التـي ذكرت لك يا
مـحمد أمرها وأمر أهلها, يعنـي: قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب نَقُصّ
عَلَـيْكَ مِنْ أنْبَـائِها فنـخبرك عنها وعن أخبـار أهلها, وما كان من أمرهم,
وأمر رسل الله التـي أرسلت إلـيهم, لتعلـم أنا ننصر رسلنا والذين آمنوا فـي
الـحياة الدنـيا علـى أعدائنا وأهل الكفر بنا, ويعلـم مكذّبوك من قومك ما عاقبة
أمر من كذّب رسل الله, فـيرتدعوا عن تكذيبك, وينـيبوا إلـى توحيد الله وطاعته.
وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهم بـالبـيّناتِ يقول: ولقد جاءت أهل القرى التـي قصصت
علـيك نبأها رسلهم بـالبـينات يعنـي بـالـحجج: البـينات. فَمَا كانُوا
لِـيُؤْمِنُوا بِـمَا كَذّبُوا مِنْ قَبْلُ.



اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال
بعضهم: معناه: فما كان هؤلاء الـمشركون الذين أهلكناهم من أهل القرى لـيؤمنوا عند
إرسالنا إلـيهم بـما كذّبوا من قبل ذلك, وذلك يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر
آدم علـيه السلام. ذكر من قال ذلك.



حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن
الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَمَا كانُوا لِـيُؤْمِنُوا بِـمَا
كَذّبُوا مِنْ قَبْلُ قال: ذلك يوم أخذ منهم الـميثاق فآمنوا كُرْها.



وقال آخرون: معنى ذلك: فما كانوا لـيؤمنوا عند
مـجيء الرسل بـما سبق فـي علـم الله أنهم يكذّبون به يوم أخرجهم من صلب آدم علـيه
السلام. ذكر من قال ذلك:



11637ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية, عن أبـيّ بن
كعب: فَمَا كانُوا لِـيُؤْمِنُوا بِـمَا كَذّبُوا مِنْ قَبْلُ قال: كان فـي علـمه
يوم أقرّوا له بـالـميثاق.



11638ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, قال: يحقّ علـى
العبـاد أن يأخذوا من العلـم ما أبدى لهم ربهم والأنبـياء ويدَعوا علـم ما أخفـى
الله علـيهم, فإن علـمه نافذ فـيـما كان وفـيـما يكون, وفـي ذلك قال: وَلَقَدْ
جاءتْهُمْ رُسُلُهمْ بـالبَـيّناتِ فَمَا كانُوا لِـيُؤْمِنُوا بِـمَا كَذّبوُا
مِنْ قَبْلُ كذلكَ يَطْبَعُ اللّهُ علـى قُلُوبِ الكافِرِينَ قال: نفذ علـمه فـيهم
أيهم الـمطيع من العاصي حيث خـلقهم فـي زمان آدم, وتصديق ذلك حيث قال لنوح اهْبِطْ
بِسَلامٍ مِنّا وَبَرَكاتٍ عَلَـيْكَ وَعلـى أُمَـمٍ مِـمّنْ مَعَكَ وأُمَـمٌ
سَنُـمَتّعُهُمْ ثُمّ يَـمَسّهُمْ مِنّا عَذابٌ ألِـيـمٌ, وقال فـي ذلك: وَلَوْ
رُدّوا لَعادُوا لِـمَا نُهُوا عَنْهُ وَإنّهُمْ لَكاذِبُونَ, وفـي ذلك قال وَما
كُنّا مُعَذّبِـينَ حتـى نَبْعَثَ رَسُولاً وفـي ذلك قال: لِئَلاّ يَكُونَ للنّاسِ
علـى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُل, ولا حجة لأحد علـى الله.



وقال آخرون: معنى ذلك: فما كانوا لو أحيـيناهم
بعد هلاكهم ومعاينتهم ما عاينوا من عذاب الله لـيؤمنوا بـما كذّبوا من قبل هلاكهم,
كما قال جلّ ثناؤه: وَلَوْ رُدّوا لَعادُوا لِـمَا نُهُوا عَنْهُ. ذكر من قال ذلك:



11639ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: بِـمَا
كَذّبوا مِنْ قَبْلُ قال: كقوله: وَلَوْ رُدّوا لَعادُوا لِـمَا نُهُوا عَنْهُ.



قال أبو جعفر: وأشبه هذه الأقوال بتأويـل
الاَية وأولاها بـالصواب, القول الذي ذكرناه عن أبـيّ بن كعب والربـيع, وذلك أن من
سبق فـي علـم الله تبـارك وتعالـى أنه لا يؤمن به, فلن يؤمن أبدا, وقد كان سبق فـي
علـم الله تعالـى لـمن هلك من الأمـم التـي قصّ نبأهم فـي هذه السورة أنه لا يؤمن
أبدا, فأخبر جلّ ثناؤه عنهم, أنهم لـم يكونوا لـيؤمنوا بـما هم به مكذّبون فـي
سابق علـمه قبل مـجيء الرسل وعند مـجيئهم إلـيهم. ولو قـيـل تأويـله: فما كان
هؤلاء الذين ورثوا الأرض يا مـحمد من مشركي قومك من بعد أهلها الذين كانوا بها من
عاد وثمود, لـيؤمنوا بـما كذّب به الذين ورثوها عنهم من توحيد الله ووعده ووعيده,
كان وجها ومذهبـا, غير أن لا أعلـم قائلاً قاله مـمن يعتـمد علـى علـمه بتأويـل
القرآن. وأما الذي قاله مـجاهد من أن معناه: لو ردّوا ما كانوا لـيؤمنوا, فتأويـل
لا دلالة علـيه من ظاهر التنزيـل, ولا من خبر عن الرسول صحيح. وإذا كان ذلك كذلك,
فأولـى منه بـالصواب ما كان علـيه من ظاهر التنزيـل دلـيـل.



وأما قوله: كذلكَ يَطْبَعُ اللّهُ علـى قُلُوبِ
الكافِرِينَ فإنه يقول تعالـى ذكره: كما طبع الله علـى قلوب هؤلاء الذين كفروا
بربهم وعصوا رسله من هذه الأمـم التـي قصصنا علـيك نبأهم يا مـحمد فـي هذه السورة
حتـى جاءهم بأس الله فهلكوا به, كذلك يطبع الله علـى قلوب الكافرين الذين كُتب
علـيهم أنهم لا يؤمنون أبدا من قومك.



الآية :
102



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَمَا وَجَدْنَا
لأكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: ولـم نـجد لأكثر أهل هذه
القرى التـي أهلكناها واقتصصنا علـيك يا مـحمد نبأها من عهد, يقول: من وفـاء بـما
وصيناهم به من توحيد الله, واتبـاع رسله, والعمل بطاعته, واجتناب معاصيه وهجر
عبـادة الأوثان والأصنام. والعهد: هو الوصية, وقد بـينا ذلك فـيـما مضى بـما أغنى
عن إعادته. وَإنْ وَجَدْنا أكْثَرَهُمْ لَفَـاسِقِـينَ يقول: وما وجدنا أكثرهم إلا
فسقة عن طاعة ربهم, تاركين عهده ووصيته. وقد بـيّنا معنى الفسق قبل.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11640ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله تعالـى: وَإنْ
وَجَدْنا أكْثَرَهُمْ لَفَـاسِقِـينَ قال: القرون الـماضية.



11641ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: وَما وَجَدْنا لاِءَكْثَرِهِمْ مِنْ
عَهْدٍ... الاَية, قال: القرون الـماضية وعهده الذي أخذه من بنـي آدم فـي ظهر آدم
ولـم يفوا به.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:44 pm

11642ـ حدثنا القاسم,
قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية,
عن أُبـيّ بن كعب: وَما وَجَدْنا لاِءَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ قال: فـي الـميثاق
الذي أخذه فـي ظهر آدم علـيه السلام.



11643ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي,
قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَما وَجَدْنا
لاِءَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإنْ وَجَدْنا أكْثَرَهُمْ لَفَـاسِقِـينَ وذلك أن
الله إنـما أهلك القُرى لأنهم لـم يكونوا حفظوا ما أوصاهم به.



الآية :
103



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مّوسَىَ
بِآيَاتِنَآ إِلَىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: ثم بعثنا من بعد نوح وهود
وصالـح ولوط وشعيب موسى بن عمران. والهاء والـميـم اللتان فـي قوله: مِنْ
بَعْدِهِمْ هي كناية ذكر الأنبـياء علـيهم السلام التـي ذكرت من أوّل هذه السورة
إلـى هذا الـموضع. بآيَاتِنَا يقول: بحججنا وأدلتنا إلـى فرعون وملئه, يعنـي: إلـى
جماعة فرعون من الرجال. فَظَلَـمُوا بِها يقول: فكفروا بها. والهاء والألف اللتان
فـي قوله «بها» عائدتان علـى الاَيات. ومعنى ذلك: فظلـموا بآياتنا التـي بعثنا بها
موسى إلـيهم. وإنـما جاز أن يقال: فظلـموا بها, بـمعنى: كفروا بها, لأن الظلـم: وضع
الشيء فـي غير موضعه, وقد دللت فـيـما مضى علـى أن ذلك معناه بـما أغنى عن إعادته.
والكفر بآيات الله: وضع لها فـي غير موضعها, وصرف لها إلـى غير وجهها الذي عنـيت
به. فـانْظُرْ كَيْف كانَ عاقِبَةُ الـمُفْسِدِينَ يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد
صلى الله عليه وسلم: فـانظر يا مـحمد بعين قلبك كيف كان عاقبة هؤلاء الذين أفسدوا
فـي الأرض, يعنـي فرعون وملأه, إذ ظلـموا بآيات الله التـي جاءهم بها موسى علـيه
السلام, وكان عاقبتهم أنهم أغرقوا جميعا فـي البحر.



الآية :
104



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَقَالَ مُوسَىَ يَفِرْعَوْنُ
إِنّي رَسُولٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ }..



يقول جلّ ثناؤه: وقال موسى لفرعون: يا فرعون
إنـي رسول من ربّ العالـمين.



الآية :
105-106



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاّ
أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رّبّكُمْ
فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ *
قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ
}..



اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: حَقِـيقٌ
عَلـى أن لا أقُولَ علـى اللّهِ إلاّ الـحَقّ فقرأه جماعة من قرّاء الـمكيـين والـمدنـيـين
والبصرة والكوفة: حَقِـيقٌ علـى أن لا أقُولَ بإرسال الـياء من «علـى» وترك
تشديدها, بـمعنى: أنا حقـيق بأن لا أقول علـى الله إلا الـحقّ, فوجهوا معنى علـى
إلـى معنى البـاء, كما يقال: رميت بـالقوس وعلـى القوس, وجئت علـى حال حسنة, وبحال
حسنة. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب يقول: إذا قرىء ذلك كذلك, فمعناه: حريص
علـى أن لا أقول إلا بحقّ. وقرأ ذلك جماعة من أهل الـمدينة: «حَقِـيقٌ عَلـىّ أنْ
لا أقُولَ» بـمعنى: واجب علـيّ أن لا أقول, وحُقّ علـيّ أن لا أقول.



قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أنهما
قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى, قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء,
فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فـي قراءته الصواب.



وقوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَـيّنَةٍ مِنْ
رَبّكُمْ يقول: قال موسى لفرعون وملئه: قد جئتكم ببرهان من ربكم يشهد أيها القوم
علـى صحة ما أقول وصدق ما أذكر لكم من إرسال الله إياي إلـيكم رسولاً, فأرسل يا
فرعون معي بنـي إسرائيـل, فقال له فرعون: إن كنت جئت بآية, يقول: بحجة وعلامة
شاهدة علـى صدق ما تقول. فأت بها إن كنت من الصادقـين.



الآية :
107-108



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَأَلْقَىَ عَصَاهُ
فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مّبِينٌ *
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنّاظِرِينَ }..



يقول جلّ ثناؤه: فَألْقَـى مُوسَى عَصَاهُ
فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال حية, مُبِـينٌ يقول: تتبـين لـمن يراها أنها
حية.



وبـما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من
قال ذلك:



11644ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال: تـحوّلت حية
عظيـمة. وقال غيره: مثل الـمدينة.



11645ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا
سعيد, عن قتادة, قوله: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ يقول: فإذا هي حية كادت
تتسوّره, يعنـي كادت تثب علـيه.



11646ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو,
قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ والثعبـان: الذكر من
الـحيات, فـاتـحة فـاها, واضعة لـحيها الأسفل فـي الأرض, والأعلـى علـى سور القصر.
ثم توجهت نـحو فرعون لتأخذه, فلـما رآها ذعر منها, ووثب فأحدث, ولـم يكن يُحدث قبل
ذلك, وصاح: يا موسى خذها وأنا مؤمن بك وأرسل معك بنـي إسرائيـل فأخذها موسى فعادت
عصا.



11647ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم, قال:
حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, قال: حدثنا أبو سعد, عن
عكرمة, عن ابن عبـاس: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال: ألقـى العصا فصارت حية,
فوضعت فَقْما لها أسفل القبة, وفقما لها أعلـى القبة قال عبد الكريـم: قال
إبراهيـم: وأشار سفـيان بأصبعه الإبهام والسبـابة هكذا شبه الطاق فلـما أرادت أن
تأخذه, قال فرعون: يا موسى خذها فأخذها موسى بـيده, فعادت عصا كما كانت أوّل مرّة.



11648ـ حدثنا العبـاس بن الولـيد, قال: حدثنا
يزيد بن هارون, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي
سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: ألقـى عصاه, فتـحوّلت حيّة عظيـمة فـاغرة
فـاها, مسرعة إلـى فرعون فلـما رأى فرعون أنها قاصدة إلـيه, اقتـحم عن سريره,
فـاستغاث بـموسى أن يكفها عنه, ففعل.



11649ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال:
الـحية الذكر.



11650ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه
يقول: لـما دخـل موسى علـى فرعون, قال له موسى: أعرفك؟ قال: نعم, قال: ألَـمْ نُرَ
بّكَ فِـينا وَلِـيدا؟ قال: فردّ إلـيه موسى الذي ردّ, فقال فرعون: خذوه فبـادره
موسى فألقـى عصاه, فإذا هي ثعبـان مبـين, فحملت علـى الناس فـانهزموا, فمات منهم
خمسة وعشرون ألفـا, قتل بعضهم بعضا, وقام فرعون منهزما حتـى دخـل البـيت.



11651ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: فَألْقَـى عَصَاهُ فإذَا
هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال: ما بـين لَـحيـيها أربعون ذراعا.



11652ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبدة بن
سلـيـمان, عن جويبر, عن الضحاك: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال: الـحية الذكر.



قال أبو جعفر:
وأما قوله: وَنَزَعَ يَدَهُ فإذَا هِيَ بَـيْضَاءُ للنّاظِرِينَ فإنه يقول:
وأخرج يده فإذا هي بـيضاء تلوح لـمن نظر إلـيها من الناس, وكان موسى فـيـما ذكر
لنا آدم, فجعل الله تـحوّل يده بـيضاء من غير برص له آية وعلـى صدق قوله إنّـي
رَسُولٌ مِنْ رَبّ العالَـمِينَ حُجّة.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11653ـ حدثنا العبـاس, قال: أخبرنا يزيد, قال:
حدثنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جبـير, عن ابن
عبـاس, قال: أخرج يده من جيبه فرآها بـيضاء من غير سوء يعنـي: من غير برص ثم
أعادها إلـى كمه, فعادت إلـى لونها الأوّل.



11654ـ حدثنـي الـمثنى, قال: قال: عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: بَـيْضَاءُ
للنّاظِرِينَ يقول: من غير برص.



11655ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَنَزَعَ
يَدَهُ فإذَا هِيَ بَـيْضَاءُ للنّاظِرِينَ قال: نزع يده من جيبه بـيضاء من غير
برص.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.



11656ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو,
قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَنَزَعَ يَدَهُ أخرجها من جيبه, فإذَا هِيَ
بَـيْضَاءُ للنّاظِرِينَ.



11657ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: وَنَزَعَ يَدَهُ قال: نزع
يده من جيبه, فإذَا هِيَ بَـيْضَاءُ للنّاظِرِينَ وكان موسى رجلا آدم, فأخرج يده,
فإذا هي بـيضاء أشدّ بـياضا من اللبن مِنْ غَيْرِ سُوءٍ, قال: من غير برص آية
لفرعون.



الآية :
109-110



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالَ الْمَلاُ مِن
قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنّ هَـَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ
فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: قالت الـجماعة من رجال قوم
فرعون والأشراف منهم: إن هذا, يعنون موسى صلوات الله علـيه, لَساحِرٌ عَلِـيـمٌ
يعنون: أنه يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم حتـى يخيـل إلـيهم العصا حية والاَدم:
أبـيض, والشيء بخلاف ما هو به. ومنه قـيـل: سحر الـمطر الأرض: إذا جادها فقطع
نبـاتها من أصوله, وقلب الأرض ظهرا لبطن, فهو يسحرها سحرا, والأرض مسحورة إذا
أصابها ذلك. فشبه سحر الساحر بذلك لتـخيـيـله إلـى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما
هو به ومنه قول ذي الرمّة فـي صفة السراب:



وَساحِرَةُ العُيُونِ منَ الـمَوَاميتَرَقّصُ
فـي نَوَاشِزِها الأُرُومُ



وقوله عَلـيـمٌ يقول: ساحر علـيـم بـالسحر,
يريد أن يخرجكم من أرضكم أرض مصر معشر القبط السحرة. وقال فرعون للـملإ: فَمَاذَا
تَأْمُرُونَ يقول: فأيّ شيء تأمرون أن نفعل فـي أمره, بأيّ شيء تشيرون فـيه.
وقـيـل: فماذا تأمرون والـخبر بذلك عن فرعون, ولـم يذكر فرعون, وقلّـما يجيء مثل
ذلك فـي الكلام, وذلك نظير قوله: قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ
الـحَقّ أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهُ لَـمنَ الصّادِقـينَ ذلكَ
لِـيَعْلَـمُ أنْـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ فقـيـلَ ذلكَ لَـيْعَلَـم أنّـي لـم
أَخُنْهُ بـالغَيْبِ من قول يوسف, ولـم يذكر يوسف. ومن ذلك أن يقول: قلت لزيد: قم
فإنـي قائم, وهو يريد: فقال زيد: إنـي قائم.



الآية :
111



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أَرْجِهْ
وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: قال الـملأ من قوم فرعون
لفرعون: أرجئه: أي أخره. وقال بعضهم: معناه: احبس. والإرجاء فـي كلام العرب:
التأخير, يقال منه: أرجيت هذا الأمر وأرجأته إذا أخرته, ومنه قول الله تعالـى:
تُرْجي مَنْ تَشاءُ مِنهُنّ: تؤخر, فـالهمز من كلام بعض قبـائل قـيس يقولون: أرجأت
هذا الأمر, وترك الهمز من لغة تـميـم وأسد يقولون: أرجيته.



واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة
قرّاء الـمدينة وبعض العراقـيـين: «أرْجِهِ» بغير الهمز وبجرّ الهاء. وقرأه بعض
قرّاء الكوفـيـين: أرْجِهْ بترك الهمز وتسكين الهاء علـى لغة من يقـف علـى الهاء
فـي الـمكنّـي فـي الوصل إذا تـحرّك ما قبلها, كما قال الراجز:



أنْـحَى علـيّ الدّهْرُ رِجْلا وَيَدَايُقْسِمُ
لا يُصْلِـحُ إلاّ أفْسَدَافَـيُصْلِـحُ الَـيْومَ ويُفْسِدُهُ غَدَا



وقد يفعلون مثل هذا بهاء التأنـيث فـيقولون:
هذه طلـحه قد أقبلت, كما قال الراجز:



لَـمّا رأى أنْ لا دَعَهْ وَلا شِبَعْمالَ إلـى
أرْطاةِ حِقْـفٍ فـاضْطَجَعْ



وقرأه بعض البصريـين: «أرْجِئْهُ» بـالهمز وضمّ
الهاء, علـى لغة من ذكرت من قـيس.



وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب أشهرها
وأفصحها فـي كلام العرب, وذلك ترك الهمز وجرّ الهاء, وإن كانت الأخرى جائزة, غير
أن الذي اخترنا أفصح اللغات وأكثرها علـى ألسن فصحاء العرب.



واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: أرْجِهْ
فقال بعضهم: معناه: أخره. ذكر من قال ذلك:



11658ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس, قوله:
أرْجِهْ وأخاهُ قال: أخره.



وقال آخرون: معناه احبسه. ذكر من قال ذلك:


11659ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أرْجِهْ وأخاهُ: أي احبسه وأخاه.



وأما قوله: وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ
حاشِرِينَ يقول: من يحشر السحرة فـيجمعهم إلـيك, وقـيـل: هم الشّرَط. ذكر من قال
ذلك:



11660ـ حدثنـي عبـاس بن أبـي طالب, قال: حدثنا
مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا الـحكم بن ظهير, عن السديّ, عن ابن عبـاس: وأرْسِلْ
فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ قال: الشّرط.



11661ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن
إسماعيـل بن إبراهيـم بن مهاجر, عن أبـيه, عن مـجاهد: وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ
حاشِرِينَ قال: الشرط.



11662ـ قال ثنا حميد, عن قـيس, عن السديّ:
وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ قال: الشرط.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال:
حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم بن مهاجر, عن أبـيه, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي
قوله: فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ قال: الشرط.



حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم, قال: حدثنا
إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن
عبـاس: وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ قال: الشرط.



الآية :
112-113



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {يَأْتُوكَ بِكُلّ
سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَآءَ السّحَرَةُ
فِرْعَوْنَ قَالْوَاْ إِنّ لَنَا لأجْراً إِن كُنّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ }..



وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن مَشْوَرَةِ
الـملإ من قوم فرعون علـى فرعون, أن يرسل فـي الـمدائن حاشرين, يحشرون كلّ ساحر
علـيـم. وفـي الكلام مـحذوف اكتفـي بدلالة الظاهر من إظهاره, وهو: فأرسل فـي
الـمدائن حاشرين يحشرون السحرة, فجاء السحرة فرعون قالُوا إنّ لَنَا لأجْرا يقول:
إن لنا لثوابـا علـى غلبتنا موسى عندك, إنْ كُنّا يا فرعون نَـحْنُ الغَالِبـينَ.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11663ـ حدثنا العبـاس, قال: أخبرنا يزيد, قال:
أخبرنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جبـير, عن ابن
عبـاس, قال: فأرسل فـي الـمدائن حاشرين, فحشر له كلّ ساحر متعالـم فلـما أتوا فرعون,
قالوا: بـم يعمل هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بـالـحيات, قالوا: والله ما فـي الأرض
قوم يعملون بـالسحر والـحيات والـحبـال والعصيّ أعلـم منّا, فما أجرنا إن غلبنا؟
فقال لهم: أنتـم قرابتـي وحامّتـي, وأنا صانع إلـيكم كلّ شيء أحببتـم.



11664ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم قال:
حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن
عبـاس, قال: قال فرعون: لا نغالبه يعنـي موسى إلا بـمن هو منه. فأعدّ علـماء من
بنـي إسرائيـل, فبعث بهم إلـى قرية بـمصر يقال لها الفرما, يعلّـمونهم السحر, كما
يعلّـم الصبـيان الكتاب فـي الكتاب. قال: فعلـموهم سحرا كثـيرا. قال: وواعد موسى
فرعون موعدا فلـما كان فـي ذلك الـموعد بعث فرعون, فجاء بهم وجاء بـمعلـمهم معهم,
فقال له: ماذا صنعت؟ قال: قد علـمتهم من السحر سحرا لا يطيقه سحر أهل الأرض, إلا
أن يكون أمرا من السماء, فإنه لا طاقة لهم به, فأما سحر أهل الأرض فإنه لن يغلبهم
فلـما جاءت السحرة قالوا لفرعون: إنّ لَنَا لأجْرا إنْ كُنّا نَـحْنُ الغالِبِـينَ
قال: نعم وَإنّكُمْ إذَنْ لَـمِنَ الـمُقَرّبِـينَ.



11665ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو,
قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَأرْسِلَ فِرْعَوْنُ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ
فحشروا علـيه السحرة, فلـما جاء السحرة فرعون قالُوا إنّ لَنَا لأجْرا إنْ كُنّا
نَـحْنُ الغالِبِـينَ يقول: عطية تعطينا إنْ كُنّا نَـحْنُ الغالِبـينَ قالَ
نَعَمْ وَإنّكُمْ لَـمِنَ الـمُقَرّبِـينَ.



11666ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن
ابن إسحاق: أرْجِهْ وأخاهُ وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلّ
ساحِرٍ عَلِـيـمٌ: أي كاثره بـالسحرة لعلك أن تـجد فـي السحرة من يأتـي بـمثل ما
جاء به, وقد كان موسى وهارون خرجا من عنده حين أراهم من سلطانه, وبعث فرعون فـي
مـملكته, فلـم يترك فـي سلطانه ساحر إلا أتـي به. فذكر لـي والله أعلـم أنه جمع له
خمسة عشر ألف ساحر فلـما اجتـمعوا إلـيه أمرهم أمره, وقال لهم: قد جاءنا ساحر ما
رأينا مثله قطّ, وإنكم إن غلبتـموه أكرمتكم وفضلتكم, وقرّبتكم علـى أهل مـملكتـي, قالوا:
وإن لنا ذلك إن غلبناه؟ قال: نعم.



11667ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن
واضح, قال: حدثنا الـحسين, عن يزيد, عن عكرمة, قال: السحرة كانوا سبعين. قال أبو
جعفر: أحسبه أنه قال: ألفـا.



11668ـ قال ثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا موسى
بن عبـيدة, عن ابن الـمنذر, قال: كان السحرة ثمانـين ألفـا.



11669ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن
عبد العزيز بن رفـيع, عن خيثمة, عن أبـي سودة, عن كعب, قال: كان سحرة فرعون اثنـي
عشر ألفـا.



الآية :
114-115



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالَ نَعَمْ وَإِنّكُمْ
لَمِنَ الْمُقَرّبِينَ * قَالُواْ
يَمُوسَىَ إِمّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمّآ أَن نّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ }..



يقول جلّ ثناؤه: قال فرعون للسحرة إذ قالوا
له: إن لنا عندك ثوابـا إن نـحن غلبنا موسى قال: نعم, لكم ذلك, وإنكم لـمـمن
أقرّبه وأدنـيه منـي. قَالُوا يَا مُوسَى يقول: قالت السحرة لـموسى: يا موسى اختر
أن تلقـي عصاك, أو نلقـي نـحن عصينا ولذلك أدخـلت «أن» مع «إما» فـي الكلام لأنها
فـي موضع أمر بـالاختـيار, فإن «أنْ» فـي موضع نصب لـما وصفت من الـمعنى, لأن معنى
الكلام: اختر أن تلقـي أنت, أو نلقـي نـحن, والكلام مع «إما» إذا كان علـى وجه
الأمر, فلا بدّ من أن يكون فـيه «أن» كقولك للرجل إما أن تـمضيَ, وإما أن تقعد,
بـمعنى الأمر: امض أو اقعد, فإذا كان علـى وجه الـخبر لـم يكن فـيه أن كقوله:
وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاِءَمْرِ اللّهِ إمّا يُعَذّبُهُمْ وإمّا يَتُوبُ
عَلَـيْهِمْ وهذا هو الذي يسمى التـخيـير, وكذلك كلّ ما كان علـى وجه الـخبر,
و«إما» فـي جميع ذلك مكسورة.



الآية :
116



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالَ أَلْقَوْاْ
فَلَمّآ أَلْقُوْاْ سَحَرُوَاْ أَعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا
بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }..



يقول تعالـى ذكره: قال موسى للسحرة: ألْقُوا
ما أنتـم ملقون, فألقت السحرة ما معهم. فَلَـمّا ألْقَوْا ذلك سَحَرُوا أعْيُنَ
النّاسِ خيـلوا إلـى أعين الناس بـما أحدثوا من التـخيـيـل والـخدع أنها تسعى.
وَاسْتَرْهَبُوهُمْ يقول: واسترهبوا الناس بـما سحروا فـي أعينهم, حتـى خافوا من
العصيّ والـحبـال, ظنا منهم أنها حيات. وَجاءُوا كما قاله الله بِسِحْرٍ عَظِيـمٍ:
بتـخيـيـل عظيـم كثـير, من التـخيـيـل والـخداع.



وذلك كالذي:
11670ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن
السديّ, قال: قال لهم موسى: ألقوا ما أنتـم ملقون فألقوا حبـالهم وعصيهم, وكانوا
بضعة وثلاثـين ألف رجل, لـيس منهم رجل إلا معه حبل وعصا. فَلَـمّا ألْقَوْا
سَحَرُوا أعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ يقول: فَرّقوهم فأوجس فـي نفسه خيفة
موسى.



11671ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا
إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن
عبـاس, قال: ألقوا حبـالاً غلاظا وخشبـا طوالاً, قال: فأقبلت تـخيـل إلـيه من
سحرهم أنها تسعى.



11672ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن
ابن إسحاق, قال: صفّ خمسة عشر ألف ساحر, مع كلّ ساحر حبـاله وعصيه, وخرج موسى معه
أخوه يتكىء علـى عصاه حتـى أتـى الـجمع وفرعون فـي مـجلسه مع أشراف مـملكته, ثم
قالت السحرة: يا مُوسَى إمّا أنْ تُلْقِـيَ وَإمّا أنْ نكونَ أوّلَ منْ ألقـى
قَالَ بَلْ ألْقُوا فإذا حِبَـالُهُمْ وعِصِيّهُمْ فكان أوّل ما اختطفوا بسحرهم بصر
موسى وبصر فرعون, ثم أبصار الناس بعد, ثم ألقـى كلّ رجل منهم ما فـي يده من العصيّ
والـحبـال, فإذا هي حيات كأمثال الـحبـال, قد ملأت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:45 pm

الوادي يركب بعضها
بعضا. فأَوْجَسَ فـي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى وقال: والله إن كانت لعصيّا فـي
أيديهم, ولقد عادت حيات, وما تعدو هذا أو كما حدّث نفسه.



11673ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا
ابن علـية, عن هشام الدستوائي, قال: حدثنا القاسم بن أبـي بزّة, قال: جمع فرعون
سبعين ألف ساحر, وألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا, حتـى جعل يخيـل إلـيه من
سحرهم أنها تسعى.



الآية :
117



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ
مُوسَىَ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: وأوحينا إلـى موسى أن ألق
عصاك, فألقاها فإذا هي تلقم وتبتلع ما يسحرون كذبـا وبـاطلاً, يقال منه: لقـفت
الشيء فأنا ألْقُـفُه لَقْـفـا ولَقَـفـانا. وذلك كالذي:



11674ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وأوحينا إلـى موسى أن ألق عصاك, فألقـى موسى
عصاه, فتـحولت حية, فأكلت سحرهم كله.



11675ـ حدثنا عبد الكريـم بن الهيثم, قال:
حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن
عبـاس: فألقـى عصاه فإذا هي حية تلقـف ما يأفكون, لا تـمرّ بشيء من حبـالهم وخشبهم
التـي ألقوها إلا التقمته, فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء, ولـيس هذا بسحر,
فخرّوا سجدا وقالوا: آمَنّا بِرَبّ العالَـمِينَ رَبّ مُوسَى وهارُونَ.



11676ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو,
قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أوحى الله إلـى موسى: لا تـخَف, وألْقِ ما
فـيَ يـمِينِك تَلْقَـفْ ما يَأفِكونَ. فألْقَـى عَصَاهُ فأكلت كلّ حية لهم, فلـما
رأوا ذلك سجدوا, وقالوا: آمَنّا بِرَبّ العالَـمِينَ رَبّ مُوسَى وهارُونَ.



11677ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن
ابن إسحاق, قال:: أوحى الله إلـيه أن ألق ما فـي يـمينك فألقـى عصاه من يده,
فـاستعرضت ما ألقوا من حبـالهم وعصيهم, وهي حيات, فـي عين فرعون وأعين الناس تسعى,
فجعلت تلقـفها: تبتلعها حية حية, حتـى ما يرى بـالوادي قلـيـل ولا كثـير مـما
ألقوه. ثم أخذها موسى فإذا هي عصاه فـي يده كما كانت, ووقع السحرة سجدا, قالوا:
آمَنّا بِرَبّ العالَـمِينَ رَبّ مُوسَى وهارُونَ لو كان هذا سحرا ما غلبنا.



11678ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا
ابن علـية, عن هشام الدستوائي, قال: حدثنا القاسم بن أبـي بزّة, قال: أوحى الله
إلـيه أن ألق عصاك, فألقـى عصاه فإذا هي ثعبـان فـاغرٌ فـاه, فـابتلع حبـالهم
وعصيهم, فألقـي السحرة عند ذلك سجدا, فما رفعوا رءوسهم حتـى رأوا الـجنة والنار
وثواب أهلها.



11679ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: يَأْفِكُونَ
قال: يكذبون.



حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي
حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: فإذَا هِيَ تَلْقَـفُ مَا يَأْفِكُونَ قال: يكذبون.



11680ـ حدثنا إبراهيـم بن الـمستـمر, قال:
حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا قرة بن خالد السدوسيّ, عن الـحسن: تَلْقَـفُ ماَ
يَأْفِكُونَ قال: حبـالهم وعصيهم تسترطها استراطا.



الآية :
118



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَوَقَعَ الْحَقّ
وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: فظهر الـحقّ وتبـين لـمن
شهده وحضره فـي أمر موسى, وأنه لله رسول يدعو إلـى الـحقّ وَبَطَلَ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ من إفك السحر وكذبه ومخايـله.



وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر
من قال ذلك:



11681ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَوَقَعَ الـحَقّ قال: ظهر.



11682ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم بن مهاجر, عن أبـيه, عن مـجاهد فـي قوله:
فَوَقَعَ الـحَقّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال: ظهر الـحقّ وذهب الإفك الذي
كانوا يعملون.



حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي
حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, فـي قوله: فَوَقَعَ الـحَقّ قال: ظهر الـحقّ.



حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَوَقَعَ الـحَقّ ظهر موسى.



الآية :
119



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ
وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: فغَلَب موسى فرعونَ وجموعه
هُنالِكَ عند ذلك, وَانْقَلَبُوا صَاغرِينَ يقول: وانصرفوا عن موطنهم ذلك بصُغرْ
مقهورين, يقال منه: صَغُر الرجل يصغُر صِغْرا وصُغْرا وصَغَارا.



الآية :
120-122



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَأُلْقِيَ السّحَرَةُ
سَاجِدِينَ * قَالُوَاْ آمَنّا بِرَبّ
الْعَالَمِينَ * رَبّ مُوسَىَ وَهَارُونَ
}..



يقول تعالـى ذكره: وألقـي السحرة عندما عاينوا
من عظيـم قدرة الله, ساقطين علـى وجوههم, سجدا لربهم, يقولون: آمنا بربّ
العالـمين, يقولون صدّقنا بـما جاءنا به موسى, وأن الذي علـينا عبـادته هو الذي
يـملك الـجنّ والإنس وجميع الأشياء, وغير ذلك, ويدبّر ذلك كله, رب موسى وهارون, لا
فرعونُ. كالذي:



11683ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا
إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن
عبـاس, قال: لـما رأت السّحَرة ما رأت, عرفت أن ذلك أمر من السماء ولـيس بسحر,
خرّوا سجدا, وقالوا: آمنا بربّ العالـمين ربّ موسى وهارون.



الآية :
123



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالَ فِرْعَوْنُ
آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنّ هَـَذَا لَمَكْرٌ مّكَرْتُمُوهُ فِي
الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: قال فرعون للسحرة إذ آمنوا
بـالله, يعنـي صدّقوا رسوله موسى علـيه السلام لـما عاينوا من عظيـم قدرة الله
وسلطانه: آمنتـم يقول: أصدقتـم بـموسى وأقررتـم بنبوّته, قبل أن أذن لكم
بـالإيـمان به. إن هذا يقول: تصديقكم إياه, وإقراركم بنبوّته, لـمكرٌ مكرتـمُوهُ
فـي الـمَدينةِ يقول لـخُدْعة خدعتـم بها من فـي مدينتنا لتـخرجوهم منها. فَسَوْفَ
تَعْلَـمونَ ما أفعل بكم, وتلقون من عقابـي إياكم علـى صنـيعهم هذا. وكان مكرهم
ذلك فـيـما:



11684ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو,
قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي حديث ذكره عن أبـي مالك وعلـيّ بن أبـي طلـحة,
عن ابن عبـاس, وعن مُرّة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم: التقـي موسى وأمير السّحَرة, فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بـي وتشهد
أن ما جئتُ به حقّ؟ قال السّاحر: لاَتـينّ غدا بسحر لا يغلبه سحر, فوالله لئن غلبتنـي
لأومننّ بك ولأشهدنّ أنك حقّ وفرعون ينظر إلـيهم فهو قول فرعون: إنّ هَذَا
لـمَكْرٌ مَكَرْتُـمُوهُ فِـي الـمَدِينَةِ إذ التقـيتـما لتظاهرا فتـخرجا منها
أهلها.



الآية :
124



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {لاُقَطّعَنّ
أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ ثُمّ لاُصَلّبَنّكُمْ أَجْمَعِينَ }..



يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قِـيـل فرعون
للسحرة إذ آمنوا بـالله وصدّقوا رسوله موسى: لأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلَكُمْ
مِنْ خِلافٍ وذلك أن يقطع من أحدهم يده الـيـمنى ورجله الـيسرى, أو يقطع يده
الـيسرى ورجله الـيـمنى, فـيخالف بـين العضوين فـي القطع, فمخالفته فـي ذلك
بـينهما هو القطع من خلاف.



ويقال: إن أوّل من سنّ هذا القطع فرعون. ثُم
لأُصَلّبَنّكُمْ أجمَعِينَ وإنـما قال هذا فرعون, لـما رأى من خذلان الله إياه
وغلبة موسى علـيه السلام وقهره له.



11685ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو داود
الـحَفَريّ وحَبّوية الرازيّ, عن يعقوب القميّ, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن سعيد
بن جبـير, عن ابن عبـاس: لأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمّ وأرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاف ثُمّ
لأُصَلّبَنّكُمْ أجمَعِينَ قال: أوّل من صلب وأوّل من قطع الأيدي والأرجل من خلاف
فرعونُ.



الآية :
125-126



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالُوَاْ إِنّآ إِلَىَ
رَبّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ
مِنّآ إِلاّ أَنْ آمَنّا بِآيَاتِ رَبّنَا لَمّا جَآءَتْنَا رَبّنَآ أَفْرِغْ
عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفّنَا مُسْلِمِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: قال السحرة مـجيبة لفرعون,
إذ توعدهم بقطع الأيدي والأرجل من خلاف, والصلب: إنّا إلـى رَبّنا مُنْقَلِبُونَ
يعنـي بـالانقلاب إلـى الله الرجوع إلـيه والـمصير. وقوله: وَما تَنْقِمُ مِنّا
إلاّ أنْ آمَنّا بآياتِ رَبّنا يقول: ما تنكر منا يا فرعون وما تـجد علـينا, إلا
من أجل أن آمنا: أي صدّقنا بآيات ربنا, يقول: بحجج ربنا وأعلامه وأدلته التـي لا
يقدر علـى مثلها أنت, ولا أحد سوى الله, الذي له ملك السموات والأرض. ثم فزعوا
إلـى الله, بـمسئلته الصبر علـى عذاب فرعون, وقبض أرواحهم علـى الإسلام, فقالوا:
رَبّنا أفْرغْ عَلَـيْنا صَبْرا يعنون بقولهم: أفرغ: أنزل علـينا حبسا يحبسنا عن
الكفر بك عند تعذيب فرعون إيانا. وَتَوَفّنا مُسْلِـمِينَ يقول: واقبضنا إلـيك
علـى الإسلام, دين خـلـيـلك إبراهيـم صلى الله عليه وسلم, لا علـى الشرك بك.



11686ـ فحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو
بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: لأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مِنْ
خِلافٍ فقتلهم وصَلَبهم, كما قال عبد الله بن عبـاس حين قالوا: رَبّنا أفْرغْ
عَلَـيْنا صَبْرا وَتَوَفّنا مُسْلِـمِينَ قال: كانوا فـي أوّل النهار سحرة, وفـي
آخر النهار شهداء.



11687ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن
إسرائيـل, عن عبد العزيز بن رفـيع, عن عبـيد بن عمير, قال: كانت السحرة أوّل
النهار سحرة, وآخر النهار شهداء.



11688ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأُلْقِـيَ السّحَرَةُ ساجِدِينَ قال: ذكر لنا
أنهم كانوا فـي أوّل النهار سحرة, وآخره شهداء.



11689ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: رَبّنا أفْرِغْ عَلَـيْنا صَبْرا وَتَوَفّنا
مُسْلِـمِينَ قال: كانوا أوّل النهار سحرة, وآخره شهداء.



الآية :
127



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَقَالَ الْمَلاُ مِن
قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىَ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ
وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي
نِسَآءَهُمْ وَإِنّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: وقالت جماعة رجال من قوم
فرعون لفرعون: أتدع موسى وقومه من بنـي إسرائيـل لـيفسدوا فـي الأرض, يقول: كي
يفسدوا خدمك وعبـيدك علـيك فـي أرضك من مصر, وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ يقول: ويذرك:
ويدع خدمتك موسى, وعبـادتك وعبـادة آلهتك.



وفـي قوله: وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ وجهان من
التأويـل: أحدهما أتذر موسى وقومه لـيفسدوا فـي الأرض وقد تركك وترك عبـادتك
وعبـادة آلهتك؟ وإذا وجه الكلام إلـى هذا الوجه من التأويـل كان النصب فـي قوله:
وَيَذَرَكَ علـى الصرف, لا علـى العطف به علـى قوله «لـيفسدوا». والثانـي: أتذر موسى
وقومه لـيفسدوا فـي الأرض ولـيذرك وآلهتك كالتوبـيخ منهم لفرعون علـى ترك موسى
لـيفعل هذين الفعلـين. وإذا وجه الكلام إلـى هذا الوجه كان نصب: وَيَذَرَكَ علـى
العطف علـى لـيُفْسِدُوا.



والوجه الأوّل أولـى الوجهين بـالصواب, وهو أن
يكون نصب: وَيَذَرَكَ علـى الصرف, لأن التأويـل من أهل التأويـل به جاء.



وبعد, فإن فـي قراءة أُبـيّ بن كعب الذي:


11690ـ حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم,
قال: حدثنا حجاج عن هارون, قال: فـي حرف أبـيّ بن كعب: وقد تركوك أن يعبدوك
وآلهتك.



دلالة واضحة علـى أن نصب ذلك علـى الصرف.


وقد روى
عن الـحسن البصريّ أنه كان يقرأ ذلك: وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ عطفـا بقوله:
وَيَذَرَكَ علـى قوله: أتَذَرُ مُوسَى كأنه وجّه تأويـله إلـى: أتذرُ موسى وقومه
ويذرك وآلهتك لـيفسدوا فـي الأرض؟ وقد تـحتـمل قراءة الـحسن هذه أن يكون معناها:
أتذرُ موسى وقومه لـيفسدوا فـي الأرض وهو يذرُك وآلهتك؟ فـيكون «يذرُك» مرفوعا
علـى ابتداء الكلام.



وأما قوله: وآلِهَتَكَ فإن قرّاء الأمصار علـى
فتـح الألف منها ومدّها, بـمعنى: وقد ترك موسى عبـادتك وعبـادة آلهتك التـي
تعبدها. وقد ذكر عن ابن عبـاس أنه كان له بقرةٌ يعبدوها. وقد رُوى عن ابن عبـاس
ومـجاهد أنهما كانا يقرآنها: «وَيَذَرَكَ وإلا هَتَكَ» بكسر الألف, بـمعنى: ويذرك
وعبُودتك.



والقراءة التـي لا نرى القراءة بغيرها, هي
القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار لإجماع الـحجة من القراء علـيها.



ذكر من قال: كان فرعون يعبُد آلهة علـى قراءة
من قرأ: وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ:



11691ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو,
قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ وآلهته فـيـما زعم ابن
عبـاس, كانت البقرة كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها, فلذلك أخرج لهم
عجلاً وبقرة.



11692ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
حدثنا أبو سفـيان, عن عمرو, عن الـحسن, قال: كان لفرعون جُمَانة معلقة فـي نـحره
يعبدها ويسجد لها.



11693ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد
الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا أبـان بن خالد, قال: سمعت الـحسن يقول: بلغنـي أن
فرعون كان يعبد إلها فـي السرّ. وقرأ: «وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ».



حدثنا مـحمد بن سنان, قال: حدثنا أبو عاصم, عن
أبـي بكر, عن الـحسن, قال: كان لفرعون إله يعبده فـي السرّ.



ذكر من قال معنى ذلك: ويذرك وعبـادتك, علـى
قراءة من قرأ: «وإلاهتك»:



11694ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة,
عن عمرو بن دينار, عن مـحمد بن عمرو, عن الـحسن, عن ابن عبـاس: «وَيَذَرَكَ
وإلاهَتَكَ» قال: إنـما كان فرعون يُعبد ولا يعَبد.



قال ثنا أبـي, عن نافع, عن ابن عمر, عن عمرو
بن دينار, عن ابن عبـاس أنه قرأ: «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ» قال: وعبـادتك, ويقول
إنه كان يُعبد ولا يَعبد.



11695ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله:
«وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ» قال: يترك عبـادتك.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل عن عمرو بن دينار, عن ابن عبـاس أنه كان يقرأ: «وإلاهَتَكَ» يقول:
وعبـادتك.



11696ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ»
قال: عبـادتك.



حدثنا سعيد بن الربـيع الرازي, قال: حدثنا
سفـيان, عن عمرو بن دينار, عن مـحمد بن عمرو بن حسين, عن ابن عبـاس, أنه كان يقرأ:
«وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ» وقال: إنـما كان فرعون يُعبد ولا يَعبد.



وقد زعم بعضهم: أن من قرأ: «وإلاهَتَكَ» إنـما
يقصد إلـى نـحو معنى قراءة من قرأ: وآلِهَتَكَ غير أنه أنث وهو يريد إلها واحدا,
كأنه يريد «وَيَذَرَكَ وإلاهَكَ» ثم أنث الإله فقال: «وإلاهتك».



وذكر بعض البصريـين أن أعرابـيا سُئِل عن
الإلاهة فقال: «هي عَلَـمة» يريد علـما, فأنث «العلـم», فكأنه شيء نصب للعبـادة
يُعبد. وقد قالت بنت عتـيبة بن الـحارث الـيربوعي:



تَرَوّحْنا منَ اللّعْبـاءِ عَصْراوأعْجَلْنا
الإلاهَةَ أنْ تَئُوبـا



يعنـي بـالإلاهة فـي هذا الـموضع: الشمس. وكأن
هذا الـمتأوّل هذا التأويـل, وجّه الإلاهة إذا أدخـلت فـيها هاء التأنـيث, وهو
يريد واحد الاَلهة, إلـى نـحو إدخالهم الهاء فـي وِلْدَتِـي وكَوْكَبَتِـي ومَاءَتـي,
وهو أهْلَة ذاك, وكما قال الراجز:



يا مُضَرُ الـحَمْرَاءِ أنْتِ أُسْرَتِـيوَأنْتِ
مَلْـجاتِـي وأنْتِ ظَهْرَتـي



يريد: ظهري. وقد بـين ابن عبـاس ومـجاهد ما
أرادا من الـمعنى فـي قراءتهما ذلك علـى ما قرآ, فلا وجه لقول هذا القائل ما قال
مع بـيانهما عن أنفسهما ما ذهبـا إلـيه من معنى ذلك.



وقوله: قالَ سَنُقَتّلُ أبْناءَهُمْ يقول: قال
فرعون: سنقتل أبناءهم الذكور من أولاد بنـي إسرائيـل. وَنَسْتَـحِيـي نساءَهُمْ
يقول: ونستبقـي إناثهم. وَإنّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ يقول: وإنا عالون علـيهم
بـالقهر, يعنـي بقهر الـملك والسلطان. وقد بـينا أن كلّ شيء عال بقهر وغلبة علـى
شيء, فإن العرب تقول: هو فوقه.



الآية :
128



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالَ مُوسَىَ
لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ الأرْضَ للّهِ يُورِثُهَا
مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: قال موسى لقومه من بنـي
إسرائيـل لـما قال فرعون للـملإ من قومه سنقتل أبناء بنـي إسرائيـل ونستـحيـي
نساءهم: اسْتَعِينُوا بَـاللّهِ علـى فرعون وقومه فـيـما ينوبكم من أمركم, واصبروا
علـى ما نالكم من الـمكاره فـي أنفسكم وأبنائكم من فرعون.



وكان قد تبع موسى من بنـي إسرائيـل علـى ما:


11697ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا
إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن
عبـاس, قال: لـما آمنت السحرة, اتبع موسى ستـمائة ألف من بنـي إسرائيـل.



وقوله: إنّ الأرْضَ لِلّهِ يُوِرُثها مَنْ
يَشاءُ مِنْ عِبـاده يقول: إن الأرض لله, لعلّ الله أن يُورِثَكم إن صَبَرتـم علـى
ما نالكم من مكروه فـي أنفسكم وأولادكم من فرعون, واحتسبتـم ذلك, واستقمتـم علـى
السداد أرضَ فرعون وقومه, بأن يهلكهم ويستـخـلفكم فـيها, فإن الله يورث أرضه من
يشاء من عبـاده. والعاقِبَةُ للْـمُتّقِـينَ يقول: والعاقبة الـمـحمودة لـمن اتقـى
الله وراقبه, فخافه بـاجتناب معاصيه وأدّى فرائضه.



الآية :
129



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أُوذِينَا مِن
قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىَ رَبّكُمْ أَن
يُهْلِكَ عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
}..



يقول تعالـى ذكره: قال قوم موسى لـموسى حين
قال لهم استعينوا بـالله واصبروا: أُوذِينا بقتل أبنائنا مِنْ قبلِ أنْ تأْتِـيَنا
يقول: من قبل أن تأتـينا برسالة الله إلـينا لأن فرعون كان يقتل أولادهم الذكور
حين أظله زمان موسى علـى ما قد بـينت فـيـما مضى من كتابنا هذا. وقوله: وَمِنْ
بَعْدِ ما جِئْتَنا يقول: ومن بعد ما جئتنا برسالة الله, لأن فرعون لـما غُلبت
سحرته وقال للـملأ من قومه ما قال, أراد تـجديد العذاب علـيهم بقتل أبنائهم
واستـحياء نسائهم. وقـيـل: إن قوم موسى قالوا لـموسى ذلك حين خافوا أن يدركهم
فرعون وهم منه هاربون, وقد تراءى الـجمعان, ف قالوا له يا موسى أُوذِينا مِنْ
قَبْلِ أنْ تَأْتـيَنا كانوا يذبحون أبناءنا ويستـحيون نساءنا, وَمِنْ بَعْدِ ما
جِئْتَنا الـيوم يدركنا فرعون فـيقتلنا.



وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل االتأويـل. ذكر
من قال ذلك:



11698ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: مِنْ قَبْلِ
أنْ تَأْتِـيَنا من قبل إرسال الله إياك وبعده.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.



11699ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال:
حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فلـما تراءى الـجمعان فنظرت بنو إسرائيـل إلـى فرعون قد
ردفهم, قالوا: إنّا لـمُدْرَكُونَ وقالوا: أو ذِيَنا مِنْ قَبْلِ أنْ
تَأْتِـيَنَا. كانوا يذبحون أبناءنا ويستـحيون نساءنا. ومِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنَا
الـيوم يدركنا فرعون فـيقتلنا, إنّا لَـمُدْرَكُونَ.



11700ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا
إبراهيـم, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال:
سار موسى ببنـي إسرائيـل حتـى هجموا علـى البحر, فـالتفتوا فإذا هم برَهْج دوابّ
فرعون, فقالوا: يا موسى أوذينا من قبل أن تأتـينا ومن بعد ما جئتنا, هذا البحر
أمامنا وهذا فرعون بـمن معه قال عَسَى رَبكُمْ أنْ يَهْلِكَ عَدْوّكُمْ
وَيَسْتَـخْـلِفَكُمْ فـي الأرْضِ فَـيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.



وقوله: قالَ عَسَى رَبّكُمْ أنْ يُهْلكَ
عَدُوّكُمْ يقول جلّ ثناؤه: قال موسى لقومه: لعلّ ربكم أن يهلك عدوّكم: فرعون
وقومه, ويَسْتَـخْـلِفَكُمْ يقول: يجعلكم تـخـلفونهم فـي أرضهم بعد هلاكهم, لا
تـخافونهم ولا أحدا من الناس غيرهم فَـيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يقول: فـيرى
ربكم ما تعملون بعدهم من مسارعتكم فـي طاعته وتثاقلكم عنها.



الآية :
130



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ
فِرْعَونَ بِالسّنِينَ وَنَقْصٍ مّن الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: ولقد اختبرنا قوم فرعون
وأتبـاعه علـى ما هم علـيه من الضلالة بـالسنّـين, يقول: بـالـجدوب سنة بعد سنة
والقحوط. يقال منه: أسْنَتَ القوم: إذا أجدبوا. وَنَقْصٍ مِنَ الثّمراتِ يقول:
واختبرناهم مع الـجدوب بذهاب ثمارهم وغلاتهم إلا القلـيـل. لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ
يقول: عظة لهم وتذكيرا لهم, لـينزجروا عن ضلالتهم ويفزعوا إلـى ربهم بـالتوبة.



وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر
من قال ذلك:



11701ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن
آدم, عن شريك, عن أبـي إسحاق, عن أبـي عبـيدة, عن عبد الله: وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ
فِرْعَوْنَ بـالسّنِـينَ قال: سنـي الـجوع.



11702ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: بـالسّنِـينَ
الـجائحة. وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ دون ذلك.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.



11703ـ حدثنـي القاسم بن دينار, قال: حدثنا
عبـيد الله بن موسى, عن شيبـان, عن أبـي إسحاق, عن رجاء بن حيوة فـي قوله:
وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال: حيث لا تـحمل النـخـلة إلا تـمرة واحدة.



11704ـ حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن
إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن رجاء بن حيوة, عن كعب قال: يأتـي علـى الناس زمان لا
تـحمل النـخـلة إلا تـمرة.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال:
حدثنا شريك, عن أبـي إسحاق, عن رجاء بن حيوة: وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال:
يأتـي علـى الناس زمان لا تـحمل النـخـلة إلا تـمرة.



11705ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بـالسّنِـينَ:
أخذهم الله بـالسنـين بـالـجوع عاما فعاما. وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ فأما
السنـين فكان ذلك فـي بـاديتهم وأهل مواشيهم, وأما بنقص من الثمرات فكان ذلك فـي
أمصارهم وقراهم.



الآية :
131



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَإِذَا جَآءَتْهُمُ
الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُواْ
بِمُوسَىَ وَمَن مّعَهُ أَلآ إِنّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـَكِنّ
أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: فإذا جاءت آل فرعون
العافـية والـخصب والرخاء وكثرة الثمار, ورأوا ما يحبون فـي دنـياهم قالُوا لَنا
هَذِهِ نـحن أولـى بها. وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يعنـي جدوب وقُحوط وبلاء,
يَطّيّرُوا بِـمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ يقول: يتشاءموا ويقولوا: ذهبت حظوظنا
وأنصبـاؤنا من الرخاء والـخصب والعافـية, مذ جاءنا موسى علـيه السلام.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11706ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فإذَا جاءَتْهُمُ
الـحَسَنَةُ العافـية والرخاء, قالُوا لَنا هَذِهِ نـحن أحقّ بها. وَإن تُصِبْهُمْ
سَيّئَةٌ بلاء وعقوبة, يَطّيّرُوا يتشاءموا بِـمُوسَى.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه.



11707ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فـي قوله: فإذَا جاءَتْهُمُ الـحَسَنَةُ قالُوا لَنا هَذِهِ وَإن
تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُوا بِـمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ قالوا: ما أصابنا هذا إلا
بك يا موسى وبـمن معك, ما رأينا شرّا ولا أصابنا حتـى رأيناك. وقوله: فإذَا
جاءَتْهُمُ الـحَسَنَةُ قالُوا لَنا هَذِهِ قال: الـحسنة: ما يحبون وإذا كان ما
يكرهون, قالوا: ما أصابنا هذا إلا بشؤم هؤلاء الذين ظلـموا قال قوم صالـح:
اطّيّرْنَا بِكَ وَبِـمَنْ مَعَكَ فقال الله: إنّـمَا طائِرُكُمْ عِنْدَ اللّهِ
بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ.



القول فـي تأويـل قوله: ألاّ أنّـما طائِرُهُمْ
عنْدَ اللّهِ وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ.



يقول تعالـى ذكره: ألا ما طائر آل فرعون
وغيرهم, وذلك أنصبـاؤهم من الرخاء والـخصب وغير ذلك من أنصبـاء الـخير والشرّ إلا
عند الله. ولكن أكثرهم لا يعلـمون أن ذلك كذلك, فلـجهلهم بذلك كانوا يطّيرون
بـموسى ومن معه.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11708ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: ألاّ أنّـمَا طائِرُهُمْ عِنْدَ
اللّهِ يقول: مصائبهم عند الله, قال الله: وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ.



حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي
حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عبـاس: ألاَ أنّـمَا طائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ
قال: الأمر من قِبَل الله.



الآية :
132



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَقَالُواْ مَهْمَا
تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ
}..



يقول تعالـى ذكره: وقال آل فرعون لـموسى: يا
موسى مهما تأتنا به من علامة ودلالة لتسحرنا, يقول: لتلفتنا بها عما نـحن علـيه من
دين فرعون, فَمَا نَـحْنُ لَكَ بِـمُؤْمِنِـينَ يقول: فما نـحن لك فـي ذلك
بـمصدّقـين علـى أنك مـحقّ فـيـما تدعونا إلـيه. وقد دللنا فـيـما مضى علـى معنى
السحر بـما أغنى عن إعادته.



وكان ابن زيد يقول فـي معنى: مَهْمَا تَأْتِنَا
بِهِ مِنْ آيَةٍ ما:



11709ـ حدثنـي يونس, قال: قال ابن زيد فـي
قوله: مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ قال: إن ما تأتنا به من آية, وهذه فـيها
زيادة «ما».



الآية :
133



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمُ الطّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمّلَ وَالضّفَادِعَ وَالدّمَ آيَاتٍ
مّفَصّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مّجْرِمِينَ }..



اختلف أهل التأويـل فـي معنى الطوفـان, فقال
بعضهم: هو الـماء. ذكر من قال ذلك:



11710ـ حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا حَبَوية
الرازي, عن يعقوب القُمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: لـما جاء
موسى بـالاَيات, كان أوّل الاَيات الطوفـان, فأرسل الله علـيهم السماء.



11711ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا
ابن يـمان, قال: حدثنا سفـيان, عن إسماعيـل, عن أبـي مالك, قال: الطوفـان: الـماء.



11712ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا
الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك, قال: الطّوفـان: الـماء.



11713ـ قال: ثنا جابر بن نوح, عن أبـي روق, عن
الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: الطوفـان: الغرق.



11714ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قال: الطوفـان الـماء والطاعون علـى
كلّ حال.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الطوفـان الـموت علـى كلّ حال.



حدثنا مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال:
ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: الطوفـان: الـماء.



وقال آخرون: بل هو الـموت. ذكر من قال ذلك:


11715ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا
يحيى بن يـمان, قال: حدثنا الـمنهال بن خـلـيفة, عن الـحجاج, عن الـحَكَم بن
ميناء, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الطّوفـانُ الـمَوْتُ».



11716ـ حدثنـي عبـاس بن مـحمد, قال: حدثنا
حجاج, عن ابن جريج, قال: سألت عطاء ما الطوفـان؟ قال: الـموت.



11717ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله بن
رجاء, عن ابن جريج, عن عطاء عمن حدّثه, عن مـجاهد, قال: الطوفـان: الـموت.



11718ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن عبد الله بن كثـير: فَأرْسَلْنا عَلْـيهِمُ الطوفـانَ قالَ: الـموت.
قال ابن جريج: وسألت عطاء عن الطوفـان, قال: الـموت. قال ابن جريج: وقال مـجاهد:
الـموت علـى كلّ حال.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن
الـمنهال بن خـلـيفة, عن حجاج, عن رجل, عن عائشة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم
قال: «الطوفـانُ الـمَوْتُ».



وقال آخرون: بل ذلك كان أمرا من الله طاف بهم.
ذكر من قال ذلك:



11719ـ
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا جرير,عن قابوس بن أبـي ظَبْـيان, عن
أبـيه, عن ابن عبـاس: فَأرْسَلْنا عَلْـيهِمْ الطوفـانَ قال: أمر الله الطوفـان,
ثم قال: فَطافَ عَلَـيْها طائفٌ مِن رَبّكَ وَهُمْ نائمُونَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:48 pm

وكان بعض أهل الـمعرفة
بكلام العرب من أهل البصرة, يزعم أن الطوفـان من السيـل البُعاق والدّبـاش, وهو
الشديد, ومن الـموت الـمتتابع الذريع السريع. وقال بعضهم: هو كثرة الـمطر والريح.
وكان بعض نـحويّـي الكوفـيـين يقول: الطوفـان مصدر مثل الرّجْحان والنّقْصان لا
يجمع. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: هو جمع, واحدها فـي القـياس: الطوفـانة.



والصواب من القول فـي ذلك عندي, ما قاله ابن
عبـاس علـى ما رواه عنه أبو ظَبْـيان أنه أمر من الله طاف بهم, وأنه مصدر من قول
القائل: طاف بهم أمر الله يطوف طوفـانا, كما يقال: نقص هذا الشيء ينقص نُقْصانا.
وإذا كان ذلك كذلك, جاز أن يكون الذي طاف بهم الـمطر الشديد, وجاز أن يكون الـموت
الذريع. ومن الدلالة علـى أن الـمطر الشديد قد يسمى طوفـانا قول الـحسن بن عرفطة:



غَيّرَ الـجِدّةَ مِنْ آياتِهَاخُرُقُ الرّيحِ
وَطُوفـانُ الـمَطَرْ



ويروى: «خُرُق الريح بطوفـان الـمطر» وقول
الراعي:



تُضْحِي إذا العِيسُ أدْرَكنا
نَكائِثَهاخَرْقاءَ يعْتادُها الطوفـانُ والزّؤُدُ



وقول أبـي النـجم:


قَدْ مَدّ طُوْفـانٌ فَبَثّ مَدَدَاشَهْرا
شَآبِـيبَ وشَهْرا بَرَدَا



وأما القُمّل, فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي
معنا, فقال بعضهم: هو السوس الذي يخرج من الـحنطة. ذكر من قال ذلك:



11720ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن
يعقوب القُمّي, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: القُمّل: هو السوس
الذي يخرج من الـحنطة.



11721ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن
جعفر, عن سعيد بنـحوه.



وقال آخرون: بل هو الّدبَـي, وهو صغار الـجراد
الذي لا أجنـحة له. ذكر من قال ذلك:



11722ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال: القمل:
الدّبـي.



11723ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو
بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: الدّبـي: القُمّل.



11724ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا
سعيد, عن قتادة, قال: القمل: هو الدبـي.



11725ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: القمل: الدبـي.



حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد
بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة, قال: القمل: هي الدّبَـي, وهي أولاد الـجراد.



11726ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جابر بن
نوح, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: القمل: الدبـي.



11727ـ قال ثنا يحيى بن آدم, عن قـيس عمن ذكره,
عن عكرمة, قال: القمل: بنات الـجراد.



حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال:
ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: القمل: الدّبـي.



وقال آخرون: بل القمل: البراغيث. ذكر من قال
ذلك:



11728ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فـي قوله: فَأرْسَلْنا عَلْـيهِمْ الطوفـانَ والـجَرَادَ والقُمّلَ
قال: زعم بعض الناس فـي القمل أنها البراغيث.



وقال بعضهم: هي دوابّ سود صغار. ذكر من قال
ذلك:



11729ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, قال: سمعت سعيد بن جبـير والـحسن قالا: القمل: دوابّ سود
صغار.



وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة
يزعم اغيث.



وقال بعضهم: هي دوابّ سود صغار. ذكر من قال
ذلك:



11730ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, قال: سمعت سعيد بن جبـير والـحسن قالا: القمل: دوابّ سود
صغار.



وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة
يزعم بـابـا مُؤْصَدَا وكان الفرّاء يقول:
لـم أسمع فـيه شيئا, فإن لـم يكن جمعا فواحده قامل, مثل ساجد وراكع, وإن يكن اسما
علـى معنى جمع, فواحدته: قمّلة.



ذكر الـمعانـي التـي
حدثت فـي قوم فرعون بحدوث هذه الاَيات



والسبب الذي من أجله
أحدثها الله فـيهم



11731ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب
القُمي, عن جعفر بن الـمغيرة, عن سعيد بن جبـير, قال: لـما أتـى موسى فرعون, قال
له: أرسل معي بنـي إسرائيـل فأبى علـيه, فأرسل الله علـيهم الطوفـان, وهو الـمطر,
فصبّ علـيهم منه شيئا, فخافوا أن يكون عذابـا, فقالوا لـموسى: ادع لنا ربك, لئن
كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فلـم يؤمنوا,
ولـم يرسلوا معه بنـي إسرائيـل. فأنبت لهم فـي تلك السنة شيئا لـم ينبته قبل ذلك
من الزرع والثمر والكلإ, فقالوا: هذا ما كنا نتـمنى فأرسل الله علـيهم الـجراد,
فسلّطه علـى الكلإ. فلـما رأوا أثره فـي الكلإ عرفوا أنه لا يبقـى الزرع, فقالوا:
يا موسى ادع لنا ربك فـيكشف عنا الـجراد, فنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا
ربه, فكشف عنهم الـجراد, فلـم يؤمنوا, ولـم يرسلوا معه بنـي إسرائيـل, فداسوا
وأحرزوا فـي البـيوت, فقالوا: قد أحرزنا. فأرسل الله علـيهم القمل, وهو السوس الذي
يخرج منه, فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلـى الرحى, فلا يردّ منها ثلاثة أقـفزة,
فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل, فنؤمَن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل
فدعا ربه, فكشف عنهم, فأبوا أن يرسلوا معه بنـي إسرائيـل. فبـينا هو جالس عند
فرعون إذ سمع نقـيق ضفدع, فقال لفرعون: ما تلقـي أنت وقومك من هذا؟ فقال: وما عسى
أن يكون كيد هذا؟ فما أمسوا حتـى كان الرجل يجلس إلـى ذقنه فـي الضفـادع, ويهمّ أن
يتكلـم فتثب الضفـادع فـي فـيه, فقالوا لـموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا هذه
الضفـادع, فنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فكشف عنهم فلـم يؤمنوا فأرسل الله
علـيهم الدم, فكان ما استقوا من الأنهار والاَبـار, أو ما كان فـي أوعيتهم وجدوه
دما عبـيطا, فشكوا إلـى فرعون فقالوا: إنا قد ابتلـينا بـالدم, ولـيس لنا شراب.
فقال: إنه قد سحركم. فقالوا: من أين سحرنا ونـحن لا نـجد فـي أوعيتنا شيئا من
الـماء إلاّ وجدناه دما عبـيطا؟ فأتوه فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا
الدم, فنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشِف عنهم, فلـم يؤمنوا, ولـم
يرسلوا معه بنـي إسرائيـل.



11732ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حبوية
الرازي, عن يعقوب القمي, عن جعفر, عن ابن عبـاس, قال: لـما خافوا الغرق, قال
فرعون: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الـمطر فنؤمن لك, ثم ذكر نـحو حديث ابن
حميد, عن يعقوب.



11733ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو
بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: ثم إن الله أرسل علـيهم, يعنـي علـى
قوم فرعون الطوفـان, وهو الـمطر, فغرق كلّ شيء لهم, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك
يكشف عنا, ونـحن نؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فكشف الله عنهم ونبتت به
زروعهم, فقالوا: ما يسرّنا أنا لـم نـمطرَ. فبعث الله علـيهم الـجراد, فأكل
حروثهم, فسألوا موسى أن يدعوَ ربه فـيكشفه ويؤمنوا به. فدعا فكشفه, وقد بقـي من
زروعهم بقـية, فقالوا: لـم تؤمنون وقد بقـي من زرعنا بقـيّة تكفـينا؟ فبعث الله
علـيهم الدّبَى, وهو القمل, فلـحس الأرض كلها, وكان يدخـل بـين ثوب أحدهم وبـين
جلده فـيعضّه, وكان لأحدهم الطعام فـيـمتلـىء دبى, حتـى إن أحدهم لـيبنى الأسطوانة
بـالـجصّ فـيزلقها, حتـى لا يرتقـي فوقها شيء, يرفع فوقها الطعام, فإذا صعد إلـيه لـيأكله
وجده ملاَن دبى, فلـم يصابوا ببلاء كان أشدّ علـيهم من الدبى, وهو الرجز الذي ذكر
الله فـي القرآن أنه وقع علـيهم. فسألوا موسى أن يدعو ربه, فـيكشف عنهم, ويؤمنوا
به. فلـما كشف عنهم أبوا أن يؤمنوا, فأرسل الله علـيهم الدم, فكان الإسرائيـلـي
يأتـي هو والقبطي يستقـيان من ماء واحد, فـيخرج ماء هذا القبطي دما, ويخرج
للإسرائيـلـي ماء. فلـما اشتدّ ذلك علـيهم سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به, فكشف
ذلك, فأبوا أن يؤمنوا, وذلك حين يقول الله: فَلَـمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ العَذَابَ
إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ.



11734ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: فَأرْسَلْنا عَلَـيْهِمُ الطّوفـانَ قال: أرسل
الله علـيهم الـماء حتـى قاموا فـيه قـياما. ثم كشف عنهم, فلـم يؤمنوا, وأخصبت
بلادهم خصبـا لـم تـخصب مثله. فأرسل الله علـيه الـجراد فأكله إلاّ قلـيلاً, فلـم
يؤمنوا أيضا. فأرسل الله القُمّل وهي الدبى, وهو أولاد الـجراد, فأكلت ما بقـي من
زروعهم, فلـم يؤمنوا. فأرسل علـيهم الضفـادع, فدخـلت علـيهم بـيوتهم, ووقعت فـي
آنـيتهم وفرشهم, فلـم يؤمنوا. ثم أرسل الله علـيهم الدم, فكان أحدهم إذا أراد أن
يشرب تـحوّل ذلك الـماء دما, قال الله: آياتٍ مُفَصّلاتٍ.



11735ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن
زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمُ الطّوفـانَ حتـى
بلغ: مُـجْرِمِينَ قال: أرسل الله علـيهم الـماء حتـى قاموا فـيه قـياما, فدعوا
موسى فدعا ربه, فكشف عنهم, ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم, ثم أنبتت أرضهم. ثم أرسل
الله علـيهم الـجراد, فأكل عامة حروثهم وثمارهم, ثم دعوا موسى فدعا ربه فكشف عنهم.
ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم, فأرسل الله علـيهم القُمّل, هذا الدبى الذي رأيتـم,
فأكل ما أبقـى الـجراد من حروثهم, فلـحسه. فدعوا موسى, فدعا ربه, فكشفه عنهم, ثم
عادوا بشرّ ما يحضر بهم. ثم أرسل الله علـيهم الضفـادع, حتـى ملأت بـيوتهم
وأفنـيتهم, فدعوا موسى, فدعا ربه فكشف عنهم. ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم, فأرسل
الله علـيهم الدم, فكانوا لا يغترفون من مائهم إلاّ دما أحمر, حتـى لقد ذكر أن
عدوّ الله فرعون كان يجمع بـين الرجلـين علـى الإناء الواحد, القبطي
والإسرائيـلـي, فـيكون مـما يـلـي الإسرائيـلـي ماء, ومـما يـلـي القبطي دما.
فدعوا موسى, فدعا ربه, فكشفه عنهم فـي تسع آيات: السنـين, ونقص من الثمرات, وأراهم
يد موسى علـيه السلام وعصاه.



11736ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فأرْسَلْنا عَلَـيْهِمُ
الطّوفـانَ وهو الـمطر حتـى خافوا الهلاك, فأتوْا موسى, فقالوا: يا موسى ادع لنا
ربك أن يكشف عنا الـمطر, فإنا نؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف
عنهم الـمطر, فأنبت الله به حرثهم, وأخصب به بلادهم, فقالوا: ما نـحبّ أنا لـم
نـمطر بترك ديننا, فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل فأرسل الله علـيهم
الـجراد, فأسرع فـي فساد ثمارهم وزروعهم, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا
الـجراد, فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف عنهم الـجراد,
وكان قد بقـي من زروعهم ومعاشهم بقايا, فقالوا: قد بقـي لنا ما هو كافـينا, فلن
نؤمن لك ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل فأرسل الله علـيهم القُمّل, وهو الدبى, فتتبع
ما كان ترك الـجراد, فجزعوا وأحسوا بـالهلاك, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف
عنا الدبى, فإنا سنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف عنهم الدبى,
فقالوا: ما نـحن لك بـمؤمنـين ولا مرسلـين معك بنـي إسرائيـل. فأرسل الله علـيهم
الضفـادع, فملأ بـيوتهم منها, ولقوا منها أذى شديدا لـم يـلقوا مثله فـيـما كان
قبله, إنها كانت تثب فـي قدورهم, فتفسد علـيهم طعامهم, وتطفـىء نـيرانهم, قالوا:
يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفـادع, فقد لقـينا منها بلاء وأذى, فإنا سنؤمن
لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف عنهم الضفـادع, فقالوا: لا نؤمن لك,
ولا نرسل معك بنـي إسرائيـل. فأرسل الله علـيهم الدم, فجعلوا لا يأكلون إلاّ الدم,
ولا يشربون إلاّ الدم, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم, فإنا سنؤمن
لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه فكشف عنهم الدم, فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك
ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل, فكانت آيات مفصّلات بعضها علـى إثر بعض, لـيكون لله
علـيهم الـحجة, فأخذهم الله بذنوبهم, فأغرقهم فـي الـيـم.



11737ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا
إبراهيـم, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قال:
أرسل علـى قوم فرعون الاَيات: الـجراد, والقُمّل, والضفـادع, والدم آياتٍ
مُفَصّلاتٍ. قال: فكان الرجل من بنـي إسرائيـل يركب مع الرجل من قوم فرعون فـي
السفـينة, فـيغترف الإسرائيـلـي ماء, ويغترف الفرعونـي دما. قال: وكان الرجل من
قوم فرعون ينام فـي جانب, فـيكثر علـيه القُمّل والضفـادع حتـى لا يقدر أن ينقلب
علـى الـجانب الاَخر. فلـم يزالوا كذلك, حتـى أوحى الله إلـى موسى: أنْ أسْرِ
بِعبـادِي إنّكُمْ مُتّبَعُونَ.



حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال:
ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: لـما أتـى موسى فرعون
بـالرسالة أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بنـي إسرائيـل, فـاستكبر, قال: لن نرسل معك
بنـي إسرائيـل فأرسل الله علـيهم الطوفـان, وهو الـماء, أمطر علـيهم السماء حتـى
كادوا يهلكون وامتنع منهم كلّ شيء, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك بـما عهد عندك لئن
كشفت عنا هذا لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل, فدعا الله فكشف عنهم
الـمطر, فأنبت الله لهم حروثهم, وأحيا بذلك الـمطر كلّ شيء من بلادهم, فقالوا:
والله ما نـحبّ أنا لـم نكن أمطرنا هذا الـمطر, ولقد كان خيرا لنا, فلن نرسل معك
بنـي إسرائيـل, ولن نؤمن لك يا موسى. فبعث الله علـيهم الـجراد, فأكل عامّة
حروثهم, فأسرع الـجراد فـي فسادها, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الـجراد,
فإنا مؤمنون لك, ومرسلون معك بنـي إسرائيـل فكشف الله عنهم الـجراد, وكان الـجراد
قد أبقـى لهم من حروثهم بقـية, فقالوا: قد بقـي لنا من حروثنا ما كان كافـينا, فما
نـحن بتاركي ديننا, ولن نؤمن لك, ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل فأرسل الله علـيهم
القُمّل, والقمل: الدبى, وهو الـجراد الذي لـيست له أجنـحة, فتتبع ما بقـي من
حروثهم وشجرهم وكلّ نبـات كان لهم, فكان القمل أشدّ علـيهم من الـجراد. فلـم
يستطيعوا للقمل حيـلة, وجزعوا من ذلك وأتوا موسى, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك
يكشف عنا القمل, فإنه لـم يُبْق لنا شيئا, قد أكل ما بقـي من حروثنا, ولئن كشفت
عنا القُمّل لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل فكشف الله عنهم القُمّل
فنكثوا, وقالوا: لن نؤمن لك, ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل. فأرسل الله علـيهم
الضفـادع, فـامتلأت منها البـيوت, فلـم يبق لهم طعام ولا شراب إلاّ وفـيه
الضفـادع, فلقوا منها شيئا لـم يـلقوه فـيـما مضى, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك
لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل قال: فكشف الله عنهم
فلـم يفعلوا, فأنزل الله: فَلَـمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ إلـى أجَلٍ هُمْ
بـالِغُوهُ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ... إلـى: وكانُوا عَنْها غافِلـينَ.






11738ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو
تـميـلة, قال: حدثنا الـحسن بن واقد, عن زيد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قال: كانت الضفـادع
برّية, فلـما أرسلها الله علـى آل فرعون سمعت وأطاعت, فجعلت تغرق أنفسها فـي
القدور وهي تغلـي, وفـي التنانـير وهي تفور, فأثابها الله بحسن طاعتها بردَ
الـماء.



11739ـ قال: ثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال:
فرجع عدوّ الله, يعنـي فرعون, حين آمنت السحرة مغلوبـا مفلولاً, ثم أبى إلا
الإقامة علـى الكفر والتـماديَ فـي الشرّ, فتابع الله علـيه بـالاَيات, وأخذه
بـالسنـين, فأرسل علـيه الطّوفـان, ثم الـجراد, ثم القُمّل, ثم الضفـادع, ثم الدم
آياتٍ مُفَصّلاتٍ, فأرسل الطوفـان, وهو الـماء, ففـاض علـى وجه الأرض, ثم ركد, لا
يقدرون علـى أن يحرثوا, ولا يعملوا شيئا, حتـى جهدوا جوعا فلـما بلغهم ذلك, قالوا:
يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل
فدعا موسى ربه, فكشفه عنهم, فلـم يفو له بشيء مـما قالوا. فأرسل الله علـيهم
الـجراد, فأكل الشجر فـيـما بلغنـي, حتـى إن كان لـيؤكل مسامير الأبواب من الـحديد
حتـى تقع دورهم ومساكنهم, فقالوا مثل ما قالوا, فدعا ربه, فكشفه عنهم, فلـم يفوا
له بشيء مـما قالوا. فأرسل الله علـيهم القُمّل, فذكر لـي أن موسى أمر أن يـمشي
إلـى كثـيب حتـى يضربه بعصاه, فمضى إلـى كثـيب أهيـل عظيـم, فضربه بها, فـانثال
علـيهم قملاً حتـى غلب علـى البـيوت والأطعمة, ومنعهم النوم والقرار فلـما جهدهم
قالوا له مثل ما قالوا, فدعا ربه فكشفه عنهم, فلـم يفوا له بشيء مـما قالوا. فأرسل
الله علـيهم الضفـادع, فملأت البـيوت والأطعمة والاَنـية, فلا يكشف أحد ثوبـا ولا
طعاما ولا إناءً إلاّ وجد فـيه الضفـادع قد غلبت علـيه. فلـما جهدهم ذلك قالوا له
مثل ما قالوا, فدعا ربه فكشفه عنهم, فلـم يفوا له بشيء مـما قالوا, فأرسل الله
علـيهم الدم, فصارت مياه آل فرعون دما, لا يستقون من بئر ولا نهر, ولا يغترفون من
إناء إلاّ عاد دما عبـيطا.



11740ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال:
حدثنا مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن كعب القرظي, أنه حدّث: أن الـمرأة من آل فرعون
كانت تأتـي الـمرأة من بنـي إسرائيـل حين جهدهم العطش, فتقول: اسقـينـي من مائك
فتغرف لها من جرتها, أو تصبّ لها من قربتها, فـيعود فـي الإناء دما, حتـى إن كانت
لتقول لها: اجعلـيه فـي فـيك ثم مـجّيه فـي فـيّ فتأخذ فـي فـيها ماء, فإذا مـجّته
فـي فـيها صار دما, فمكثوا فـي ذلك سبعة أيام.



11741ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة,
قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الـجراد يأكل زروعهم ونبـاتهم,
والضفـادع تسقط علـى فرشهم وأطعمتهم, والدم يكون فـي بـيوتهم وثـيابهم ومائهم
وطعامهم.



11742ـ قال: ثنا شبل, عن عبد الله بن كثـير, عن
مـجاهد, قال: لـما سال النـيـل دما, فكان الإسرائيـلـي يستقـي ماء طيبـا, ويستقـي
الفرعونـي دما ويشتركان فـي إناء واحد, فـيكون ما يـلـي الإسرائيـلـي ماء طيبـا
وما يـلـي الفرعونـي دما.



11743ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, قال: ثنـي سعيد بن جبـير: أن موسى لـما عالـج فرعون
بـالاَيات الأربع: العصا, والـيد, ونقص من الثمرات, والسنـين, قال: يا ربّ إن عبدك
هذا قد علا فـي الأرض, وعتا فـي الأرض, وبغى علـيّ, وعلا علـيك, وعالـى بقومه, ربّ
خذ عبدك بعقوبة تـجعلها له ولقومه نقمة, وتـجعلها لقومي عظة ولـمن بعدي آية فـي
الأمـم البـاقـية فبعث الله علـيهم الطوفـان, وهو الـماء, وبـيوت بنـي إسرائيـل
وبـيوت القبط مشتبكة مختلطة بعضها فـي بعض, فـامتلأت بـيوت القبط ماء, حتـى قاموا
فـي الـماء إلـى تراقـيهم, من حبس منهم غرق, ولـم يدخـل فـي بـيوت بنـي إسرائيـل
قطرة, فجعلت القبط تنادي: موسى ادع لنا ربك بـما عهد عندك, لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ
لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل قال: فواثقوا موسى ميثاقا أخذ علـيهم به عهودهم,
وكان الـماء أخذهم يوم السبت, فأقام علـيهم سبعة أيام إلـى السبت الاَخر, فدعا
موسى ربه, فرفع عنهم الـماء, فأعشبت بلادهم من ذلك الـماء, فأقاموا شهرا فـي
عافـية, ثم جحدوا وقالوا: ما كان هذا الـماء إلاّ نعمة علـينا وخصبـا لبلادنا, ما
نـحبّ أنه لـم يكن قال: وقد قال قائل لابن عبـاس: إنـي سألت ابن عمر عن الطّوفـان,
فقال: ما أدري موتا كان أو ماء. فقال ابن عبـاس: أما يقرأ ابن عمر سورة العنكبوت
حين ذكر الله قوم نوح فقال: فَأخَذَهُمُ الطوفـانُ وَهُمْ ظالِـمُونَ أرأيت لو
ماتوا إلـى من جاء موسى علـيه السلام بـالاَيات الأربع بعد الطوفـان؟ قال: فقال
موسى: يا ربّ إن عبـادك قد نقضوا عهدك, وأخـلفوا وعدي, ربّ خذهم بعقوبة تـجعلها
لهم نقمة, ولقومي عظة, ولـمن بعدهم آية فـي الأمـم البـاقـية قال: فبعث الله
علـيهم الـجراد فلـم يدع لهم ورقة ولا شجرة ولا زهرة ولا ثمرة إلاّ أكلها, حتـى
لـم يُبق جَنًى. حتـى إذا أفنى الـخضر كلها أكل الـخشب, حتـى أكل الأبواب, وسقوف
البـيوت وابتلـى الـجراد بـالـجوع, فجعل لا يشبع, غير أنه لا يدخـل بـيوت بنـي
إسرائيـل. فعجوا وصاحوا إلـى موسى, فقالوا: يا موسى هذه الـمرّة ادع لنا ربك بـما
عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز, لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل فأعطوه عهد
الله وميثاقه, فدعا لهم ربه, فكشف الله عنهم الـجراد بعد ما أقام علـيهم سبعة
أيام, من السبت إلـى السبت. ثم أقاموا شهرا فـي عافـية, ثم عادوا لتكذيبهم
ولإنكارهم, ولأعمالهم أعمال السوء, قال: فقال موسى: يا ربّ عبـادك قد نقضوا عهدي
وأخـلفوا موعدي, فخذهم بعقوبة تـجعلها لهم نقمة, ولقومي عظة, ولـمن بعدي آية فـي
الأمـم البـاقـية فأرسل الله علـيهم القُمّل قال أبو بكر: سمعت سعيد بن جبـير
والـحسن يقولان: كان إلـى جنبهم كثـيب أعفر بقرية من قُرى مصر تدعى عين شمس, فمشى
موسى إلـى ذلك الكثـيب, فضربه بعصاه ضربة صار قملاً تدبّ إلـيهم, وهي دوابّ سود
صغار, فدبّ إلـيهم القُمّل, فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفـار عيونهم وحواجبهم, ولزم
جلودهم, كأنه الـجدريّ علـيهم, فصرخوا وصاحوا إلـى موسى: إنا نتوب ولا نعود, فـادع
لنا ربك فدعا ربه فرفع عنهم القُمّل بعد ما أقام علـيهم سبعة أيام من السبت إلـى
السبت, فأقاموا شهرا فـي عافـية, ثم عادوا وقالوا: ما كنا قطّ أحقّ أن نستـيقن أنه
ساحر منا الـيوم, جعل الرمل دوابّ, وعزّة فرعون لا نصدّقه أبدا ولا نتبعه فعادوا
لتكذيبهم وإنكارهم, فدعا موسى علـيهم, فقال: يا ربّ إن عبـادك نقضوا عهدي,
وأخـلفوا وعدي, فخذهم بعقوبة تـجعلها لهم نقمة, ولقومي عظة, ولـمن بعدي آية فـي
الأمـم البـاقـية فأرسل الله علـيهم الضفـادع, فكان أحدهم يضطجع, فتركبه الضفـادع,
فتكون علـيه ركاما, حتـى ما يستطيع أن ينصرف إلـى الشقّ الاَخر, ويفتـح فـاه
لأكلته, فـيسبق الضفدع أكلته إلـى فـيه, ولا يعجن عجينا إلاّ تسدّختْ فـيه, ولا
يطبخ قدرا إلاّ امتلأت ضفـادع. فعذّبوا بها أشدّ العذاب, فشكوا إلـى موسى علـيه
السلام, وقالوا: هذه الـمرّة نتوب ولا نعود. فأخذ عهدهم وميثاقهم, ثم دعا ربه,
فكشف الله عنهم الضفـادع بعد ما أقام علـيهم سبعا من السبت إلـى السبت, فأقاموا
شهرا فـي عافـية ثم عادوا لتكذيبهم وإنكارهم, وقالوا: قد تبـين لكم سحره, ويجعل
التراب دوابّ, ويجيء بـالضفـادع فـي غير ماء فآذوا موسى علـيه السلام, فقال موسى:
يا ربّ إن عبـادك نقضوا عهدي, وأخـلفوا وعدي, فخذهم بعقوبة تـجعلها لهم عقوبة,
ولقومي عظة, ولـمن بعدي آية فـي الأمـم البـاقـية فـابتلاهم الله بـالدم, فأفسد
علـيهم معايشهم, فكان الإسرائيـلـي والقبطي يأتـيان النـيـل فـيستقـيان, فـيخرج
للإسرائيـلـي ماء, ويخرج للقبطي دما, ويقومان إلـى الـحُبّ فـيه الـماء, فـيخرج
للإسرائيـلـي فـي إنائه ماء, وللقبطي دما.



11744ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا ابن سعد, قال: سمعت مـجاهدا, فـي قوله: فأرْسَلْنا عَلَـيْهِمُ الطوفـانَ
قال: الـموت والـجراد. قال: الـجراد يأكل أمتعتهم وثـيابهم ومسامير أبوابهم,
والقُمّل هو الدبى, سلطه الله علـيهم بعد الـجراد. قال: والضفـادع تسقط فـي
أطعمتهم التـي فـي بـيوتهم وفـي أشربتهم.



وقال بعضهم: الدم الذي أرسله الله علـيهم كان
رُعافـا. ذكر من قال ذلك.



11745ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أحمد بن
خالد, قال: حدثنا يحيى بن أبـي بكير, قال: حدثنا زهير, قال: قال زيد بن أسلـم: أما
القُمّل فـالقَمْل وأما الدم: فسلط علـيهم الرعاف.



وأما قوله: آياتٍ مُفَصّلاتٍ فإن معناه: علامات
ودلالات علـى صحة نبوّة موسى, وحقـية ما دعاهم إلـيه مفصلات, قد فُصِل بـينها,
فجعل بعضها يتلو بعضا, وبعضها فـي إثر بعض.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك.



11746ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال:
فكانت آيات مفصلات بعضها فـي إثر بعض, لـيكون لله الـحجة علـيهم, فأخذهم الله
بذنوبهم فأغرقهم فـي الـيـم.



11747ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: آياتٍ مُفَصّلاتٍ قال: يتبع بعضها بعضا لـيكون لله
الـحجة علـيهم, فـينتقم منهم بعد ذلك. وكانت الاَية تـمكث فـيهم من السبت إلـى
السبت, وترتفع عنه شهرا, قال الله عزّ وجلّ: فـانْتَقَمْنا مِنْهُمْ
فَأغْرَقْناهُمْ فِـي الـيَـمّ... الاَية.



11748ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال:
قال ابن إسحاق: آياتٍ مُفَصّلاتٍ: أي آية بعد آية يتبع بعضها بعضا.



وكان مـجاهد يقول فـيـما ذكر عنه فـي معنى
الـمفصّلات, ما:



11749ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي «آيات مفصلات», قال: معلومات.



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاسْتَكْبَرُوا
وكانُوا قَوْما مُـجْرِمِينَ.



يقول تعالـى ذكره: فـاستكبر هؤلاء الذين أرسل
الله علـيهم ما ذكر فـي هذه الاَيات من الاَيات والـحجج عن الإيـمان بـالله,
وتصديق رسوله موسى صلى الله عليه وسلم, واتبـاعه علـى ما دعاهم إلـيه, وتعظموا
علـى الله وعتوا علـيه وكانُوا قَوْما مُـجْرِمِينَ يقول: كانوا قوما يعملون بـما
يكرهه الله من الـمعاصي والفسق عتوّا وتـمرّدا.



الآية :
134



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَلَمّا وَقَعَ
عَلَيْهِمُ الرّجْزُ قَالُواْ يَمُوسَىَ ادْعُ لَنَا رَبّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ
لَئِن كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ لَنُؤْمِنَنّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِيَ
إِسْرَآئِيلَ }..



يقول تعالـى ذكره: ولـما وقع علـيهم الرجز,
ولـما نزل بهم عذاب الله, وحلّ بهم سخطه.



ثم اختلف أهل التأويـل فـي ذلك الرجز الذي أخبر
الله أنه وقع بهؤلاء القوم, فقال بعضهم: كان ذلك طاعونا. ذكر من قال ذلك.



11750ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب
القمي, عن جعفر بن الـمغيرة, عن سعيد بن جبـير, قال: وأمر موسى قومه من بنـي
إسرائيـل, وذلك بعد ما جاء قومَ فرعون بـالاَيات الـخمس الطوفـان, وما ذكر الله
فـي هذه الاَية, فلـم يؤمنوا ولـم يرسلوا معه بنـي إسرائيـل, فقال: لـيذبح كلّ رجل
منكم كبشا, ثم لـيخضب كفه فـي دمه, ثم لـيضرب به علـى بـابه, فقالت القبط لبنـي
إسرائيـل: لـم تـجعلون هذا الدم علـى أبوابكم؟ فقالوا: إن الله يرسل علـيكم عذابـا
فنسلـم وتهلكون, فقالت القبط: فما يعرفكم الله إلاّ بهذه العلامات؟ فقالوا: هكذا
أمرنا به نبـينا. فأصبحوا وقد طعن من قوم فرعون سبعون ألفـا, فأمسوا وهم لا
يتدافنون, فقال فرعون عند ذلك: ادْعُ لَنا رَبّكَ بِـما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ
كَشَفْتَ عَنّا الرّجزَ وهو الطاعون, لَنُؤْمِنَنّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِـي
إسْرَائِيـلَ فدعا ربه فكشفه عنهم, فكان أوفـاهم كلهم فرعون, فقال لـموسى: اذهب
ببنـي إسرائيـل حيث شئت



11751ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حبّويه
الرازي, وأبو داود الـحفري, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير قال حبويه: عن
ابن عبـاس: لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ قال: الطاعون.



وقال آخرون: هو العذاب. ذكر من قال ذلك.


11752ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الرجز العذاب.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.



11753ـ حدثنـي بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَـمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ أي العذاب.



حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد
بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة: وَلـمّا وَقَع عَلَـيْهِمُ الرّجْزُ يقول:
العذاب.



11754ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فـي قوله: وَلـمّا وَقَعَ عَلَـيْهِمُ الرّجْزُ قال: الرجز: العذاب
الذي سلّطه الله علـيهم من الـجراد والقُمّل وغير ذلك, وكلّ ذلك يعاهدونه ثم
ينكثون.



وقد بـيّنا معنى الرّجز فـيـما مضى من كتابنا
هذا بشواهده الـمغنـية عن إعادتها.



وأولـى القولـين بـالصواب فـي هذا الـموضع أن
يقال: إن الله تعالـى ذكره أخبر عن فرعون وقومه أنهم لـما وقع علـيهم الرجز, وهو
العذاب والسخط من الله علـيهم, فزعوا إلـى موسى بـمسألته ربه كشف ذلك عنهم وجائز
أن يكون ذلك الرجز كان الطوفـان والـجراد والقمل والضفـادع والدم, لأن كل ذلك كان
عذابـا علـيهم, وجائز أن يكون ذلك الرجز كان طاعونا. ولـم يخبرنا الله أيّ ذلك
كان, ولا صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيّ ذلك كان خبر فنسلـم له.



فـالصواب أن نقول فـيه كما قال جلّ ثناؤه:
وَلـمّا وَقَعَ عَلَـيْهِمُ الرّجْزُ ولا نتعدّاه إلاّ بـالبـيان الذي لا تـمانع
فـيه بـين أهل التأويـل, وهو لـما حلّ بهم عذاب الله وسخطه, قالُوا يا مُوسَى
ادْعُ لَنا رَبّكَ بـمَا عَهِدَ عِنْدَكَ يقول: بـما أوصاك وأمرك به, وقد بـينا
معنى العهد فـيـما مضى لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ يقول: لئن رفعت عنا العذاب
الذي نـحن فـيه, لَنُؤْمِنَنّ لَكَ يقول: لنصدقنّ بـما جئت به ودعوت إلـيه
ولنقرّنّ به لك, ولَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ يقول: ولنـخـلـينّ معك
بنـي إسرائيـل فلا نـمنعهم أن يذهبوا حيث شاءوا.



الآية :
135



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَلَماّ كَشَفْنَا
عَنْهُمُ الرّجْزَ إِلَىَ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: فدعا موسى ربه, فأجابه,
فلـما رفع الله عنهم العذاب الذي أنزله بهم إلـى أجَلٍ هُمْ بـالِغُوهُ لـيستوفوا
عذاب أيامهم التـي جعلها الله لهم من الـحياة أجلاً إلـى وقت هلاكهم, إذَا هُمْ
يَنْكُثُونَ يقول: إذا هم ينقضون عهودهم التـي عاهدوا ربهم وموسى, ويقـيـمون علـى
كفرهم وضلالهم.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:49 pm

11755ـ حدثنـي مـحمد بن
عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي
قول الله تعالـى: إلـى أجَلٍ هُمْ بـالِغُوهُ قال: عدد مسمى لهم من أيامهم.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.



11756ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو
بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَلَـمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ إلـى
أجَلٍ هُمْ بـالِغُوهُ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ قال: ما أُعطُوا من العهود, وهو حين
يقول الله: وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بـالسّنِـينَ وهو الـجوع, وَنَقْصٍ
مِنَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ.



الآية :
136



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ
فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمّ بِأَنّهُمْ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ
عَنْهَا غَافِلِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: فلـما نكثوا عهودهم,
انتقمنا منهم, يقول: انتصرنا منهم بإحلال نقمتنا بهم وذلك عذابه فأغرقناهم فـي
الـيـمّ, وهو البحر, كما قال ذو الرّمّة:



داوِيّةٌ وَدُجَى لَـيْـلٍ كأنّهُمايَـمّ
تَراطَنُ فِـي حافـاتِهِ الرّومُ



وكما قال الراجز:


(كبـاذِخِ الْـيَـمّ
سَقاهُ الْـيَـمّ )



بأنّهُمْ كَذّبُوا بآياتِنا يقول: فعلنا ذلك
بهم, بتكذيبهم بحججنا وأعلامنا التـي أريناهموها. وكانُوا عَنْها غافِلِـينَ يقول:
وكانوا عن النقمة التـي أحللناها بهم غافلـين قبل حلولها بهم أنها بهم حالة.
والهاء والألف فـي قوله: «عَنْها» كناية من ذكر النقمة, فلو قال قائل: هي كناية من
ذكر الاَيات, ووجه تأويـل الكلام إلـى: وكانوا عنها معرضين فجعل إعراضهم عنها
غفولاً منهم إذ لـم يقبلوها, كان مذهبـا يقال من الغفلة, غَفَل الرجل عن كذا
يَغْفُل عنه غَفْلة وغُفُولاً وغَفْلاً.



الآية :
137



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ
الّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ الْحُسْنَىَ عَلَىَ بَنِيَ
إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ
وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان
فرعون وقومه يستضعفونهم, فـيذبحون أبناءهم ويستـحيون نساءهم, ويستـخدمونهم تسخيرا
واستعبـادا من بنـي إسرائيـل, مشارق الأرض الشأم, وذلك ما يـلـي الشرق منها,
ومغاربها التـي بـاركنا فـيها, يقول: التـي جعلنا فـيها الـخير ثابتا دائما
لأهلها. وإنـما قال جلّ ثناؤه: وأوْرَثْنا لأنه أورث ذلك بنـي إسرائيـل, بـمهلك من
كان فـيها من العمالقة.



وبـمثل الذي قلنا فـي قوله: مَشارِقَ الأرْضِ
وَمَغارِبَها قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.



11757ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن
يـمان, عن إسرائيـل, عن فُرات القزّاز, عن الـحسن, فـي قوله: وأوْرَثَنا القَوْمَ
الّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها التـي بـاركْنا
فِـيها قال: الشأم.



حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق,
قال: أخبرنا إسرائيـل, عن فُرات القزاز, قال: سمعت الـحسن يقول, فذكر نـحوه.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا قبـيصة, عن
سفـيان, عن فُرات القزاز, عن الـحسن: الأرض التـي بـاركنا فـيها, قال: الشأم.



11758ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن
زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأوْرَثْنا القَوْمَ الّذِينَ كانُوا
يُستَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها التـي بـاركْنا فِـيها هي أرض الشأم.



حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد
بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: مَشارِقَ الأرْضِ وَمَغارِبَها التـي بـاركْنا
فـيها قال: التـي بـارك فَـيها: الشأم.



وكان بعض أهل العربـية يزعم أن مشارق الأرض
ومغاربها نصب علـى الـمـحلّ, يعنـي: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون فـي مشارق
الأرض ومغاربها, وأن قوله: وأوْرَثنا إنـما وقع علـى قوله: التـي بـاركْنا فِـيها
وذلك قول لا معنى له, لأن بنـي إسرائيـل لـم يكن يستضعفهم أيام فرعون غير فرعون
وقومه, ولـم يكن له سلطان إلاّ بـمصر, فغير جائز والأمر كذلك أن يقال: الذين
يستضعفون فـي مشارق الأرض ومغاربها.



فإن قال قائل: فإن معناه: فـي مشارق أرض مصر
ومغاربها فإن ذلك بعيد من الـمفهوم فـي الـخطاب: مع خروجه عن أقوال أهل التأويـل
والعلـماء بـالتفسير.



وأما قوله: وَتـمّتْ كَلِـمَةُ رَبّكَ
الـحُسْنَى فإنه يقول: وفـي وعد الله الذي وعد بنـي إسرائيـل بتـمامه, علـى ما
وعدهم من تـمكينهم فـي الأرض, ونصره إياهم علـى عدوّهم فرعونَ. وكلـمته الـحسنى
قوله جلّ ثناؤه: ونُريدُ أنْ نَـمُنّ علـى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِـي الأرْضِ
وَنَـجْعَلَهُمْ أئمّةً وَنـجْعَلَهُمُ الوَارِثـينَ ونُـمَكّنَ لَهُمْ فِـي
الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا
يَحْذَرُونَ.



وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر
من قال ذلك.



11759ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَتـمّتْ
كَلِـمَةُ رَبّكَ الـحُسْنَى عَلـى بَنِـي إسْرائِيـلَ قال: ظهور قوم موسى علـى
فرعون. و «تـمكين الله لهم فـي الأرض»: وما ورّثهم منها.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه.



وأما قوله: وَدَمّرْنَا ما كانَ يَصْنَعُ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ فإنه يقول: وأهلكنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات
والـمزارع. وما كانُوا يَعْرِشُونَ يقول: وما كانوا يبنون من الأبنـية والقصور,
وأخرجناهم من ذلك كله, وخرّبنا جميع ذلك. وقد بـيّنا معنى التعريش فـيـما مضى
بشواهده.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك.



11760ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَما
كانُوا يَعْرِشُونَ يقول: يبنون.



11761ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يَعْرِشُونَ يبنون البـيوت
والـمساكن ما بلغت, وكان عنبهم غير معروش.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.



واختلفت القرأة فـي قراءة ذلك, فقرأته عامّة
قرّاء الـحجاز والعراق يَعْرِشُونَ بكسر الراء, سوى عاصم بن أبـي النـجود, فإنه
قرأه بضمها. وهما لغتان مشهورتان فـي العرب, يقال: عرَش يعرِش ويعرُش, فإذا كان
ذلك كذلك, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب لاتفـاق معنى ذلك, وأنهما معروفـان من كلام
العرب, وكذلك تفعل العرب فـي فعَل إذا ردّته إلـى الاستقبـال, تضمّ العين منه
أحيانا, وتكسره أحيانا. غير أن أحبّ القراءتـين إلـيّ كسر الراء لشهرتها فـي
العامّة وكثرة القراءة بها وأنها أصحّ اللغتـين.



الآية :
138



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِيَ
إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىَ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىَ أَصْنَامٍ
لّهُمْ قَالُواْ يَمُوسَىَ اجْعَلْ لّنَآ إِلَـَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ
إِنّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: وقطعنا ببنـي إسرائيـل
البحر بعد الاَيات التـي أريناهموها والعبر التـي عاينوها علـى يدي نبـيّ الله
موسى, فلـم تزجرهم تلك الاَيات ولـم تعظهم تلك العبر والبـينات حتـى قالوا مع
معاينتهم من الـحجج ما يحقّ أن يذكر معها البهائم, إذ مرّوا علـى قوم يعكفون علـى
أصنام لهم, يقومون علـى مثل لهم يعبدونها من دون الله, اجعل لنا يا موسى إلها,
يقول: مثالاً نعبده وصنـما نتـخذه إلها, كما لهؤلاء القوم أصنام يعبدونها, ولا
تنبغي العبـادة لشيء سوى الله الواحد القهار. وقال موسى صلوات الله علـيه: إنكم
أيها القوم قوم تـجهلون عظمة الله وواجب حقه علـيكم, ولا تعلـمون أنه لا تـجوز
العبـادة لشيء سوى الله الذي له ملك السموات والأرض.



وذكر عن ابن جريج فـي ذلك ما:


11762ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج: وَجاوَزْنا بِبَنِـي إسْرَائِيـلَ البَحْرَ فأتَوْا علـى قَوْمٍ
يَعْكُفُونَ علـى أصْنامٍ لَهُمْ قال ابن جريج: علـى أصنام لهم, قال: تـماثـيـل
بقر, فلـما كان عجل السامريّ شبه لهم أنه من تلك البقر, فذلك كان أوّل شأن العجل
قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إلَها كمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قال إنّكُمْ قَوْمٌ
تَـجْهَلُونَ.



وقـيـل: إن القوم الذين كانوا عكوفـا علـى
أصنام لهم, الذين ذكرهم الله فـي هذه الاَية, قوم كانوا من لـخم. ذكر من قال ذلك.



11763ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا بشر بن
عمرو, قال: حدثنا العبـاس بن الـمفضل, عن أبـي العوّام, عن قتادة: فَأتَوْا عَلـى
قَوْمٍ يَعْكُفُونَ علـى أصْنامٍ لَهُمْ قال: علـى لـخم, وقـيـل إنهم كانوا من
الكنعانـيـين الذين أُمر موسى علـيه السلام بقتالهم.



11764ـ وقد حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال:
حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الزهري أن أبـا واقد اللـيثـي, قال: خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل حنـين, فمررنا بِسْدرَة, قلت: يا نبـيّ الله
اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفـار ذات أنواط وكان الكفـار ينوطون سلاحهم بسدرة
يعكفون حولها. فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «اللّهُ أكْبَرُ هَذَا كمَا
قالَتْ بَنُو إسْرَائِيـلَ لِـمُوسَى: اجْعَلْ لَنا إلَها كمَا لَهمْ آلهَةٌ,
إنّكُمْ سَترْكَبُونَ سُنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ».



حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد
الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهريّ, عن سنان ابن أبـي سنان, عن واقد اللـيثـي,
قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنـين, فمررنا بسدرة, فقلنا: يا
نبـيّ الله اجعل لنا هذه ذات أنواط, فذكر نـحوه.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال:
حدثنا حماد, عن مـحمد بن إسحاق, عن الزهري, عن سنان ابن أبـي سنان, عن أبـي واقد
اللـيثـي, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, نـحوه.



حدثنا ابن صالـح, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي
عقـيـل, عن ابن شهاب, قال: أخبرنـي سنان بن أبـي سنان الديـلـي, عن أبـي واقد
اللـيثـي: أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى حنـين, قال:
وكان للكفـار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلـحتهم, يقال لها ذات أنواط قال:
فمررنا بسدرة خضراء عظيـمة, قال: فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط قال:
«قُلْتُـمْ وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ ما قالَ قَوْمُ مِوسَى: اجْعَلْ لَنا إلَها
كمَا لَهُمْ آلِهَةٌ, قالَ إنّكُمْ قَوْمٌ تَـجْهَلُونَ أنّها السّنَنُ
لَترْكَبُنّ سُننَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ».



الآية :
139



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {إِنّ هَـَؤُلآءِ
مُتَبّرٌ مّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }..



وهذا خبر من الله تعالـى ذكره عن قـيـل موسى
لقومه من بنـي إسرائيـل, يقول تعالـى ذكره قال لهم موسى: إن هؤلاء العكوف علـى هذه
الأصنام, الله مهلك ما هم فـيه من العمل ومفسده, ومخسرهم فـيه بإثابته إياهم علـيه
العذاب الـمهين, وبـاطل ما كانوا يعملون من عبـادتهم إياها فمضمـحلّ لأنه غير نافع
عند مـجيء أمر الله وحلوله بساحتهم, ولا مدافع عنهم بأس الله إذا نزل بهم, ولا
منقذهم من عذابه إذا عذّبهم فـي القـيامة, فهو فـي معنى ما لـم يكن.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك.



11765ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا
أحمد بن الـمفضل, وحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قالا جميعا:
حدثنا أسبـاط, عن السديّ: إنّ هَؤُلاءِ مُتَبّرٌ ما هُمْ فِـيهِ يقول: مهلك ما هم
فـيه.



11766ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: إنّ
هَؤُلاءِ مُتَبّرٌ ما هُمْ فِـيهِ يقول: خسران.



11767ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فـي قوله: إنّ هَؤُلاءِ مُتَبّرٌ ما هُمْ فِـيهِ وبَـاطِلٌ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ قال: هذا كله واحد, كهيئة «غفور رحيـم», «عفوّ غفور». قال: والعرب
تقول: إنه البـائس الـمتبر, وإنه البـائس الـمخسر.



الآية :
140



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ
أَبْغِيكُمْ إِلَـَهاً وَهُوَ فَضّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: قال موسى لقومه: أسوى الله
ألتـمسكم إلها وأجعل لكم معبودا تعبدونه, والله الذي هو خالقكم, فضّلكم علـى
عالـمي دهركم وزمانكم يقول: أفأبغيكم معبودا لا ينفعكم ولا يضرّكم تعبدونه وتتركون
عبـادة من فضلكم علـى الـخـلق؟ إن هذا منكم لـجهل.



الآية :
141



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ
مّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ
وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلآءٌ مّن رّبّكُمْ عَظِيمٌ }..



يقول تعالـى ذكره للـيهود من بنـي إسرائيـل
الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم: واذكروا مع
قـيـلكم هذا الذي قلتـموه لـموسى بعد رؤيتكم من الاَيات والعبر, وبعد النعم التـي
سلفت منـي إلـيكم, والأيادي التـي تقدمت فعلكم ما فعلتـم. إذْ أنْـجَيْناكُمْ مِنْ
آلِ فِرْعَوْنَ وهم الذين كانوا علـى منهاجه وطريقته فـي الكفر بـالله من قومه. يَسُومُونَكُمْ
سُوءَ العَذَابِ يقول: إذ يحملونكم أقبح العذاب وسيئه. وقد بـينا فـيـما مضى من
كتابنا هذا ما كان العذاب الذي كان يسومهم سيئه. يُقَتّلُونَ أبْناءَكُمْ الذكور
من أولادهم, وَيَسْتَـحْيُونَ نِساءَكُمْ يقول: يستبقون إناثهم. وفِـي ذَلِكُمْ
بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيـمٌ يقول: وفـي سومهم إياكم سوء العذاب, اختبـار من
الله لكم وتعمد عظيـم.



الآية :
142



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَىَ
ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمّ مِيقَاتُ رَبّهِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىَ لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي
وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ }..






يقول تعالـى ذكره: وواعدنا موسى لـمناجاتنا
ثلاثـين لـيـلة وقـيـل: إنها ثلاثون لـيـلة من ذي القعدة. وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ
يقول: وأتـمـمنا الثلاثـين اللـيـلة بعشر لـيال تتـمة أربعين لـيـلة. وقـيـل: إن
العشر التـي أتـمها به أربعين, عشر ذي الـحجة. ذكر من قال ذلك.



11768ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن
سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً
وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: ذو القعدة وعشر ذي الـحجة.



قال: ثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد:
وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: ذو القعدة
وعشر ذي الـحجة, ففـي ذلك اختلفوا.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ
لَـيْـلَةً هو ذو القعدة وعشر من ذي الـحجة, فذلك قوله: فَتَـمّ مِيقاتُ رَبّهِ
أرْبَعِينَ لَـيْـلَةً.



11769ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال:
حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان, عن أبـيه, قال: زعم حضرميّ أن الثلاثـين التـي كان
واعد موسى ربه كانت ذا القعدة والعشر من ذي الـحجة التـي تـمـم الله بها الأربعين.



11770ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً
قال: ذو القعدة. وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: عشر ذي الـحجة. قال ابن جريج: قال
ابن عبـاس, مثله.



حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: وَوَاعَدْنا مِوسَى ثَلاثِـينَ
لَـيْـلَةً وأتْـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: ذو القعدة, والعشر الأوّل من ذي الـحجة.



11771ـ قال: ثنا عبد العزيز, قال: حدثنا
إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن مسروق: وأتـمَـمْناها بِعَشْرٍ قال: عشر الأضحى.



وأما قوله: فَتَـمّ مِيقاتُ رَبّهِ أرْبَعِينَ
لَـيْـلَةً فإنه يعنـي: فكمل الوقت الذي واعد الله موسى أربعين لـيـلة وبلغها.
كما:



11772ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج: فَتَـمّ مِيقاتُ رَبّهِ قال: فبلغ ميقات ربه أربعين
لـيـلة.



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَقالَ مُوسَى
لأَخِيهِ هارُونَ اخْـلُفْنِـي فـي قَوْمي وأصْلِـحْ وَلا تَتّبِعْ سَبِـيـلَ
الـمُفْسِدِينَ.



يقول تعالـى ذكره: لـما مضى لـموعد ربه, قال
لأخيه هارون: اخْـلُفْنِـي فِـي قَوْمي يقول: كن خـلـيفتـي فـيهم إلـى أن أرجع,
يقال منه: خَـلَفه يخـلُفُه خلافة. وأَصْلِـحْ يقول: وأصلـحهم بحملك إياهم علـى
طاعة الله وعبـادته. كما:



11773ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال موسى لأخيه هارون: اخْـلُفْنِـي فِـي قَومي
وأصْلِـحْ وكان من إصلاحه أن لا يدع العجل يُعبد.



وقوله: وَلا تَتّبِعْ سَبِـيـلَ الـمُفْسِدِينَ
يقول: ولا تسلك طريق الذين يفسدون فـي الأرض بـمعصيتهم ربهم, ومعونتهم أهل
الـمعاصي علـى عصيانهم ربهم, ولكن اسلك سبـيـل الـمطيعين ربهم. فكانت مواعدة الله
موسى علـيه السلام بعد أن أهلك فرعون ونـجى من بنـي إسرائيـل فـيـما قال أهل
العلـم, كما:



11774ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي الـحجاج, عن ابن جريج, قوله: وَوَاعَدْنا مُوسَى ثَلاثِـينَ لَـيْـلَةً...
الاَية, قال: يقول: إن ذلك بعد ما فرغ من فرعون, وقبل الطور لـما نـجى الله موسى
علـيه السلام من البحر وغرق آل فرعون وخـلص إلـى الأرض الطيبة, أنزل الله علـيهم
فـيها الـمنّ والسلوى وأمره ربه أن يـلقاه, فلـما أراد لقاء ربه استـخـلف هارون
علـى قومه, وواعدهم أن يأتـيهم إلـى ثلاثـين لـيـلة ميعادا من قِبله من غير أمر
ربه ولا ميعاده فتوجّه لـيـلقـى ربه, فلـما تـمت ثلاثون لـيـلة, قال عدوّ الله
السّامريّ: لـيس يأتـيكم موسى, وما يصلـحكم إلاّ إله تعبدونه فناشدهم هارون وقال:
لا تفعلوا انظروا لـيـلتكم هذه ويومكم هذا, فإن جاء وإلاّ فعلتـم ما بدا لكم
فقالوا: نعم. فلـما أصبحوا من غد ولـم يروا موسى عاد السامريّ لـمثل قوله بـالأمس,
قال: وأحدث الله الأجل بعد الأجل الذي جعله بـينهم عشرا, فتـمّ ميقات ربه أربعين
لـيـلة, فعاد هارون فناشدهم, إلا ما نظروا يومهم ذلك أيضا, فإن جاء وإلاّ فعلتـم
ما بدا لكم. ثم عاد السامريّ الثالثة لـمثل قوله لهم, وعاد هارون فناشدهم أن
ينتظروا. فلـما لـم يروه....



11775ـ قال القاسم: قال الـحسن: حدثنـي حجاج,
قال: ثنـي أبو بكر بن عبد الله الهذلـيّ, قال: قام السامريّ إلـى هارون حين انطلق
موسى, فقال: يا نبـيّ الله إنا استعرنا يوم خرجنا من القبط حلـيّا كثـيرا من
زينتهم, وإن الذين معك قد أسرعوا فـي الـحلـيّ يبـيعونه وينفقونه, وإنـما كان
عاريَة من آل فرعون فلـيسوا بأحياء فنردّها علـيهم, ولا ندري لعلّ أخاك نبـيّ الله
موسى إذا جاء يكون له فـيها رأي, إما يقربها قربـانا فتأكلها النار, وإما يجعلها
للفقراء دون الأغنـياء. فقال له هارون: نعم ما رأيت وما قلت فأمر مناديا فنادى: من
كان عنده شيء من حلـيّ آل فرعون فلـيأتنا به فأتوه به, فقال هارون: يا سامريّ أنت
أحقّ من كانت عنده هذه الـخزانة. فقبضها السامريّ, وكان عدوّ الله الـخبـيث صائغا,
فصاغ منه عجلاً جسدا, ثم قذف فـي جوفه تربة من القبضة التـي قبض من أثر فرس جبريـل
علـيه السلام إذ رآه فـي البحر, فجعل يخور, ولـم يخر إلاّ مرّة واحدة, وقال لبنـي
إسرائيـل: إنـما تـخـلف موسى بعد الثلاثـين لـيـلة يـلتـمس هذا هَذَا إلهُكُم
وإلهُ مُوسَى فنَسِيَ يقول: إن موسى علـيه السلام نسي ربه.



الآية :
143



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَلَمّا جَآءَ مُوسَىَ
لِمِيقَاتِنَا وَكَلّمَهُ رَبّهُ قَالَ رَبّ أَرِنِيَ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن
تَرَانِي وَلَـَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ
تَرَانِي فَلَمّا تَجَلّىَ رَبّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرّ موسَىَ
صَعِقاً فَلَمّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوّلُ
الْمُؤْمِنِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: ولـما جاء موسى للوقت الذي
وعدنا أن يـلقانا فـيه, وكلّـمه ربه وناجاه, قال موسى لربه: أرِنـي أنْظُرْ
إلَـيْكَ قال الله له مـجيبـا: لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ.



وكان سبب مسألة موسى ربه النظر إلـيه, ما:


11776ـ حدثنـي به موسى بن هارون, قال: حدثنا
عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: إن موسى علـيه السلام لـما كلّـمه ربه
أحبّ أن ينظر إلـيه, قالَ رَبّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي
وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ فإنِ اسْتَقَرّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِـي.
فحفّ حول الـجبل, وحفّ حول الـملائكة بنار, وحفّ حول النار بـملائكة, وحفّ حول
الـملائكة بنار, ثم تـجلـى ربه للـجبل.



11777ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, فـي قوله: وَقَرّبْناهُ
نَـجِيّا قال: ثنـي من لقـي أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرّبه الربّ
حتـى سمع صريف القلـم, فقال عند ذلك من الشوق إلـيه: رَبّ أرِنِـي أنْظُرْ
إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَنِـي وَلَكِنِ انْظُرْ إلـى الـجَبَلِ.



11778ـ حدثنا القاسم, قال: ثنـي الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن أبـي بكر الهذلـيّ, قال: لـما تـخـلف موسى علـيه السلام بعد
الثلاثـين, حتـى سمع كلام الله اشتاق إلـى النظر إلـيه, فقال: رَبّ أرِنـي أنْظُرْ
إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي ولـيس لبشر أن يطيق أن ينظر إلـيّ فـي الدنـيا, من
نظر إلـيّ مات. قال: إلهي سمعت منطقك واشتقت إلـى النظر إلـيك, ولأن أنظر إلـيك ثم
أموت أحبّ إلـيّ من أن أعيش ولا أراك قال: فـانظر إلـى الـجبل, فإن استقرّ مكانه
فسوف ترانـي.



11779ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله,
قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قال:
أعطنـي.



11780ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن
ابن إسحاق, قال: استـخـلف موسى هارون علـى بنـي إسرائيـل, وقال: إنـي متعجل إلـى
ربـي, فـاخـلفنـي فـي قومي, ولا تتبع سبـيـل الـمفسدين فخرج موسى إلـى ربه متعجلاً
للقـيّه شوقا إلـيه, وأقام هارون فـي بنـي إسرائيـل, ومعه السامريّ يسير بهم علـى
أثر موسى لـيـلـحقهم به. فلـما كلـم الله موسى, طمع فـي رؤيته, فسأل ربه أن ينظر
إلـيه, فقال الله لـموسى: إنّكَ لَنْ تَرَانِـي ولكن انْظر إلـى الـجَبَلِ فإنِ
اسْتَقَرّ مَكانَهُ فَسَوفَ تَرانِـي... الاَية: قال ابن إسحاق: فهذا ما وصل
إلـينا فـي كتاب الله عن خبر موسى لـما طلب النظر إلـى ربه. وأهل الكتاب يزعمون
وأهل التوراة, أن قد كان لذلك تفسير وقصة وأمور كثـيرة ومراجعة لـم تأتنا فـي كتاب
الله, والله أعلـم. قال ابن إسحاق عن بعض أهل العلـم الأوّل بأحاديث أهل الكتاب:
إنهم يجدون فـي تفسير ما عندهم من خبر موسى حين طلب ذلك إلـى ربه أنه كان من كلامه
إياه حين طمع فـي رؤيته, وطلب ذلك منه, وردّ علـيه ربه منه ما ردّ, أن موسى كان
تطهّر وطهّر ثـيابه وصام للقاء ربه فلـما أتـى طور سينا, ودنا الله له فـي الغمام
فكلـمه, سبحه وحمده وكبره وقدّسه, مع تضرّع وبكاء حزين, ثم أخذ فـي مدحته, فقال:
ربّ ما أعظمك وأعظم شأنك كله, من عظمتك أنه لـم يكن شيء من قبلك, فأنت الواحد
القهار, كان عرشك تـحت عظمتك نار توقد لك, وجعلت سرادق من دونه سرادق من نور, فما
أعظمك ربّ, وأعظم ملكك, جعلت بـينك وبـين ملائكتك مسيرة خمسمائة عام, فما أعظمك
ربّ وأعظم ملكك فـي سلطانك, فإذا أردت شيئا تقضيه فـي جنودك الذين فـي السماء, أو
الذين فـي الأرض, وجنودك الذين فـي البحر, بعثت الريح من عندك لا يراها شيء من
خـلقك إلاّ أنت إن شئت, فدخـلت فـي جوف من شئت من أنبـيائك, فبلغوا لـما أردت من
عبـادك, ولـيس أحد من ملائكتك يستطيع شيئا من عظمتك, ولا من عرشك, ولا يسمع صوتك,
فقد أنعمت علـيّ, وأعظمت علـيّ فـي الفضل, وأحسنت إلـيّ كلّ الإحسان, عظمتنـي فـي
أمـم الأرض, وعظمتنـي عند ملائكتك, وأسمعتنـي صوتك, وبذلت لـي كلامك, وآتـيتنـي
حكمتك, فإن أعدّ نعماك لا أحصيها, وإن أردت شكرك لا أستطيعها. دعوتك ربّ علـى فرعون
بـالاَيات العظام, والعقوبة الشديدة, فضربت بعصاي التـي فـي يدي البحر, فـانفلق
لـي ولـمن معي, ودعوتك حين جزت البحر, فأغرقت عدوّك وعدوّي, وسألتك الـماء لـي
ولأمتـي, فضربت بعصاي التـي فـي يدي الـحجر, فمنه أرويتنـي وأمتـي, وسألتك لأمتـي
طعاما لـم يأكله أحد كان قبلهم, فأمرتنـي أن أدعوك من قِبَل الـمشرق, ومن قِبَل
الـمغرب. فناديتك من شرقـي أمتـي, فأعطيتهم الـمنّ من مشرقـي لنفسي, وآتـيتهم
السلوى من غربـيهم من قِبَل البحر, واشتكيت الـحرّ فناديتك, فظللت علـيهم
بـالغمام, فما أطيق نعماك علـيّ أن أعدّها ولا أحصيها, وإن أردت شكرها لا
أستطيعها. فجئتك الـيوم راغبـا طالبـا سائلاً متضرّعا, لتعطينـي ما منعت غيري,
أطلب إلـيك وأسألك يا ذا العظمة والعزّة والسلطان أن ترينـي أنظر إلـيك, فإنـي قد
أحببت أن أرى وجهك الذي لـم يره شيء من خـلقك. قال له ربّ العزّة: فلا ترى يا ابن
عمر أن ما تقول؟ تكلـمت بكلام هو أعظم من سائر الـخـلق, لا يرانـي أحد فـيحيا,
ألـيس فـي السموات معمري, فإنهن قد ضعفن أن يحملن عظمتـي, ولـيس فـي الأرض معمري,
فإنها قد ضعفت أن تسع بجندي, فلست فـي مكان واحد فأتـجلـى لعين تنظر إلـيّ. قال
موسى: يا ربّ أن أراك وأموت, أحبّ إلـيّ من أن لا أراك ولا أحيا, قال له ربّ
العزّة: يا ابن عمران تكلّـمت بكلام هو أعظم من سائر الـخـلق, لا يرانـي أحد
فـيحيا. قال: ربّ تـمـم علـيّ نعماك, وتـمـم علـيّ فضلك, وتـمـم علـيّ إحسانك هذا
الذي سألتك لـيس لـي أن أراك فأقبض, ولكن أحبّ أن أراك فـيطمئن قلبـي. قال له: يا
ابن عمران لن يرانـي أحد فـيحيا. قال: موسى ربّ تـمـم علـيّ نعماك وفضلك, وتـمـم
علـيّ إحسانك هذا الذي سألتك لـيس لـي أن أراك فأموت علـى أثر ذلك أحبّ إلـيّ من
الـحياة, فقال الرحمن الـمترحم علـى خـلقه: قد طلبت يا موسى, وأعطيتك سؤلك إن استطعت
أن تنظر إلـيّ, فـاذهب فـاتـخذ لوحين, ثم انظر إلـى الـحجر الأكبر فـي رأس الـجبل,
فإن ما وراءه وما دونه مضيق لا يسع إلاّ مـجلسك يا ابن عمران, ثم انظر فإنـي أهبط
إلـيك وجنودي من قلـيـل وكثـير. ففعل موسى كما أمره ربه, نـحت لوحين ثم صعد بهما
إلـى الـجبل, فجلس علـى الـحجر: فلـما استوى علـيه, أمر الله جنوده الذين فـي
السماء الدنـيا, فقال: ضعي أكنافك حول الـجبل, فسمعت ما قال الربّ ففعلت أمره, ثم
أرسل الله الصواعق والظلـمة والضبـاب علـى ما كان يـلـي الـجبل الذي يـلـي موسى
أربعة فراسخ من كل ناحية, ثم أمر الله ملائكة الدنـيا أن يـمرّوا بـموسى,
فـاعترضوا علـيه, فمروا به طيران النعَر تنبع أفواههم بـالتقديس والتسبـيح بأصوات
عظيـمة كصوت الرعد الشديد, فقال موسى بن عمران علـيه السلام: ربّ إنـي كنت عن هذا
غنـيا, ما ترى عيناي شيئا قد ذهب بصرهما من شعاع النور الـمتصفف علـى ملائكة ربـي.
ثم أمر الله ملائكة السماء الثانـية أن اهبطوا علـى موسى, فـاعترضوا علـيه, فهبطوا
أمثال الأسْد, لهم لَـجَبٌ بـالتسبـيح والتقديس, ففزع العبد الضعيف ابن عمران مـما
رأى ومـما سمع, فـاقشعرّت كلّ شعرة فـي رأسه وجلده, ثم قال: ندمت علـى مسئلتـي
إياك, فهل ينـجينـي من مكانـي الذي أنا فـيه شيء؟ فقال له خير الـملائكة ورأسهم:
يا موسى اصبر لـما سألت, فقلـيـل من كثـير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء
الثالثة أن اهبطوا علـى موسى, فـاعترضوا علـيه, فأقبلوا أمثال النسور لهم قصْف
ورجف ولـجب شديد, وأفواههم تنبع بـالتسبـيح والتقديس كلـجب الـجيش العظيـم أو كلهب
النار, ففزع موسى, وأيست نفسه, وأساء ظنه, وأيس من الـحياة, فقال له خير الـملائكة
ورأسهم: مكانك يا ابن عمران, حتـى ترى ما لا تصير علـيه؟ ثم أمر الله ملائكة
السماء الرابعة أن اهبطوا فـاعترِضوا علـى موسى بن عمران. فأقبلوا وهبطوا علـيه لا
يشبههم شيء من الذين مرّوا به قبلهم, ألوانهم كلهب النار, وسائر خـلقهم كالثلـج
الأبـيض, أصواتهم عالـية بـالتسبـيح والتقديس, لا يقاربهم شيء من أصوات الذين
مرّوا به قبلهم. فـاصطكت ركبتاه, وأرعد قلبه, واشتدّ بكاؤه, فقال خير الـملائكة ورأسهم:
يا ابن عمران اصبر لـما سألت, فقلـيـل من كثـير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء
الـخامسة أن اهبطوا فـاعترِضوا علـى موسى, فهبطوا علـيه سبعة ألوان, فلـم يستطع
موسى أن يتبعهم طرفه, ولـم ير مثلهم ولـم يسمع مثل أصواتهم, وامتلأ جوفه خوفـا,
واشتدّ حزنه, وكثر بكاؤه, فقال له خير الـملائكة ورأسهم: يا ابن عمران مكانك حتـى
ترى ما لا تصبر علـيه ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة أن اهبطوا علـى عبدي الذي
طلب أن يرانـي موسى بن عمران واعترِضوا علـيه. فهبطوا علـيه فـي يد كلّ ملك مثل
النـخـلة الطويـلة نارا أشدّ ضوءا من الشمس, ولبـاسهم كلهب النار, إذا سبحوا
وقدّسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السموات كلهم, يقولون بشدة أصواتهم: سبوح
قدّوس ربّ العزّة أبدا لا يـموت, فـي رأس كلّ ملك منهم أربعة أوجه. فلـما رآهم
موسى رفع صوته يسبّح معهم حين سبحوا, وهو يبكي ويقول: ربّ اذكرنـي, ولا تنس عبدك
لا أدري أنقلب مـما أنا فـيه أم لا؟ إن خرجت أحرقت, وإن مكثت متّ. فقال له كبـير
الـملائكة ورئيسهم: قد أوشكت يا ابن عمران أن يـمتلـىء جوفك, وينـخـلع قلبك,
ويشتدّ بكاؤك فـاصبر للذي جلست لتنظر إلـيه يا ابن عمران وكان جبل موسى جبلاً
عظيـما, فأمر الله أن يحمل عرشه, ثم قال: مرّوا بـي علـى عبدي لـيرانـي, فقلـيـل
من كثـير ما رأى فـانفرج الـجبل من عظمة الربّ, وغشي ضوء عرش الرحمن جبل موسى,
ورفعت ملائكة السموات أصواتها جميعا, فـارتـجّ الـجبل فـاندكّ, وكلّ شجرة كانت
فـيه, وخرّ العبد الضعيف موسى بن عمران صعقا علـى وجهه لـيس معه روحه, فأرسل الله
الـحياة برحمته, فتغشاه برحمته وقلب الـحجر الذي كان علـيه وجعله كالـمعدة, كهيئة
القبة لئلا يحترق موسى, فأقامه الروح مثل الأم أقامت جنـينها حين يصرع, قال: فقام
موسى يسبح الله ويقول: آمنت أنك ربـي, وصدّقت أنه لا يراك أحد فـيحيا, ومن نظر
إلـى ملائكتك انـخـلع قلبه, فما أعظمك ربّ وأعظم ملائكتك, أنت ربّ الأربـاب وإله
الاَلهة وملك الـملوك, تأمر الـجنود الذين عندك فـيطيعونك, وتأمر السماء وما فـيها
فتطيعك, لا تستنكف من ذلك, ولا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء, ربّ تبت إلـيك, الـحمد
لله الذي لا شريك له, ما أعظمك وأجلك ربّ العالـمين



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلَـمّا
تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا وَخَرّ مِوسَى صَعِقا.



يقول تعالـى ذكره: فما اطلع الربّ للـجبل جعل
الله الـجبل دكّا: أي مستويا بـالأرض. وخَرّ مُوسَى صَعِقا أي مغشيّا علـيه.



وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر
من قال ذلك.



11781ـ حدثنـي الـحسين بن مـحمد بن عمرو
العنقزي, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس,
فـي قول الله: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال: ما
تـجلـى منه إلا قدر الـخنصر. جَعَلَهُ دَكّا قال: ترابـا. وَخَرّ مُوسَى صَعِقا
قال: مغشيّا علـيه.



11782ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال:
حدثنا أسبـاط, قال: زعم السديّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس أنه قال: تـجلـى منه مثل
الـخنصر, فجعل الـجبل دكّا, وخرّ موسى صعقا, فلـم يزل صعقا ما شاء الله.



11783ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد فـي قوله: وَخَرّ مُوسَى صَعِقا قال: مغشيّا علـيه.



11784ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ
دَكّا قال: انقعر بعضه علـى بعض. وَخَرّ مُوسَى صَعِقا: أي ميتا.



11785ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَخَرّ مُوسَى صَعِقا: أي ميتا.



11786ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, فـي قوله: دَكّا قال: دكّ بَعْضُه بعضا.



11787ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال:
أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: سمعت سفـيان يقول فـي قوله: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ
للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال: ساخ الـجبل فـي الأرض حتـى وقع فـي البحر, فهو يذهب
معه.



11788ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, عن
الـحجاج, عن أبـي بكر الهذلـيّ: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ
دَكّا: انقعر فدخـل تـحت الأرض فلا يظهر إلـى يوم القـيامة.



11789ـ حدثنا أحمد بن سهيـل الواسطي, قال:
حدثنا قرة بن عيسى, قال: حدثنا الأعمش, عن رجل, عن أنس عن النبـيّ صلى الله عليه
وسلم, قال: «لَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ أشارَ بأُصْبُعَيْهِ فَجَعَلَهُ
دَكّا». وأرانا أبو إسماعيـل بأصبعه السبّـابة.



11790ـ حدثنـي الـمثنى, قال: ثنـي الـحجاج بن
الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن ثابت, عن أنس: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قرأ
هذه الاَية: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال: «هكذا»
بأصبعه ووضع النبـيّ صلى الله عليه وسلم الإبهام علـى الـمفصل الأعلـى من الـخنصر,
«فسَاخَ الـجَبَلُ».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:51 pm

11791ـ حدثنـي الـمثنى,
قال: حدثنا هدبة بن خالد, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن ثابت, عن أنس بن مالك,
قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ
جَعَلَهُ دَكّا قال: وضع الإبهام قريبـا من طرف خنصره, قال: «فَساخَ الـجَبَلُ»
فقال حميد لثابت: تقول هذا؟ قال: فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد, وقال: يقوله رسول
الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس وأنا أكتـمه



11792ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع فَلَـمّا تَـجَلّـى رَبّهُ
للْـجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا وَخَرّ مُوسَى صَعِقا وذلك أن الـجبل حين كشف الغطاء
ورأى النور صار مثل دك من الدكات.



11793ـ حدثنا الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا أبو سعد, عن مـجاهد: وَلـمّا جاءَ مُوسَى لِـميقاتِنا وكَلّـمَهُ
رَبّهُ قالَ رَبّ أرِنـي أنْظُرْ إلَـيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِـي وَلَكِنِ انْظُرْ
إلـى الـجَبَلِ فإن اسْتَقَرّ مَكانَهُ فإنه أكبر منك وأشد خـلقا. فَلَـمّا
تَـجَلّـى رَبّهُ للْـجَبَلِ فنظر إلـى الـجبل لا يتـمالك, وأقبل الـجبل يندّك
علـى أوّله فلـما رأى موسى ما يصنع الـجبل خرّ صعقا.



واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: دَكّا. فقرأته
عامّة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة: دَكّا مقصورا بـالتنوين, بـمعنى: دك الله
الـجبل دكّا أي فَتّتَه, واعتبـارا بقول الله: كَلاّ إذَا دُكّتِ الأرْضِ دَكّا
دَكّا, وقوله: وحُمِلَتِ الأرْضُ والـجِبـالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً. واستشهد
بعضهم علـى ذلك بقول حميد:



يَدُكّ أرْكانَ الـجِبـالِ هَزَمُهْتَـخْطِرُ
بـالبِـيضِ الرّقاقُ بُهَمُهْ



وقرأته عامّة قرّاء الكوفـيـين: «جَعَلَهُ
دَكّاءَ» بـالـمدّ وترك الـجرّ والتنوين, مثل حمراء وسوداء. وكان مـمن يقرؤه كذلك
عكرمة, ويقول فـيه ما:



11794ـ حدثنـي به أحمد بن يوسف, قال: حدثنا
القاسم بن سلام, قال: حدثنا عبـاد بن عبـاد, عن يزيد بن حازم, عن عكرمة, قال:
دكّاء من الدكّاوات. وقال: لـما نظر الله تبـارك وتعالـى إلـى الـجبل صار صخره
ترابـا.



واختلف أهل العربـية فـي معناه إذا قرىء كذلك.
فقال بعض نـحويـي البصرة: العرب تقول: ناقة دكاء: لـيس لها سنام, وقال: الـجبل
مذكر, فلا يشبه أن يكون منه إلا أن يكون جعله مثل دكاء حذف مثل وأجراه مـجرى:
واسألِ القَرْيَةِ. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: معنى ذلك: جعل الـجبل أرضا
دكّاء, ثم حذفت الأرض وأقـيـمت الدكاء مقامها إذ أدّت عنها.



وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة
من قرأ: «جعله دكاء» بـالـمدّ, وترك الـجرّ لدلالة الـخبر الذي رويناه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم علـى صحته وذلك أنه رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«فَساخَ الـجَبَلُ» ولـم يقل: فتفتّت, ولا تـحوّل ترابـا. ولا شكّ أنه إذا ساخ
فذهب ظهر وجه الأرض, فصار بـمنزلة الناقة التـي قد ذهب سنامها, وصارت دكاء بلا
سنام. وأما إذا دكّ بعضه فإنـما يكسر بعضه بعضا ويتفتّت ولا يسوخ. وأما الدكاء
فإنها خَـلَفٌ من الأرض, فلذلك أُنثت علـى ما قد بـينت. فمعنى الكلام إذن: فلـما
تـجلـى ربه للـجبل ساخ, فجعل مكانه أرضا دكاء.



وقد بـيّنا معنى الصعِق بشواهده فـيـما مضى
بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلَـمّا أفـاقَ
قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ.



يقول تعالـى ذكره: فلـما ثاب إلـى موسى علـيه
السلام فهمه من غشيته, وذلك هو الإفـاقة من الصعقة التـي خرّ لها موسى صلى الله
عليه وسلم, قال: سُبْحانَكَ تنزيها لك يا ربّ وتبرئة أن يراك أحد فـي الدنـيا ثم
يعيش. تُبْتُ إلَـيْكَ من مسألتـي إياك ما سألتك من الرؤية. وأنا أوّلُ
الـمُؤْمِنِـينَ بك من قومي أن لا يراك فـي الدنـيا أحد إلا هلك.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل
التأويـل. ذكر من قال ذلك:



11795ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله بن
موسى, عن أبـي جعفر الرازي, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, فـي قوله:
تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال: كان قبله مؤمنون, ولكن يقول: أنا
أوّل من آمن بأنه لا يراك أحد من خـلقك إلـى يوم القـيامة.



11796ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, قال: لـما رأى موسى ذلك
وأفـاق, عرف أنه قد سأل أمرا لا ينبغي له, فقال: سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ وأنا
أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال أبو العالـية: عنى أنى أوّل من آمن بك أنه لن يراك أحد
قبل يوم القـيامة.



11797ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم, قال:
حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: قال سفـيان: قال أبو سعد, عن عكرمة عن ابن عبـاس:
وَخَرّ مُوسَى صَعِقا فمرّت به الـملائكة وقد صعق, فقالت: يا ابن النساء الـحيض
لقد سألت ربك أمرا عظيـما. فلـما أفـاق قال: سبحانك لا إله إلا أنت, تبت إلـيك,
وأنا أوّل الـمؤمنـين قال: أنا أوّل من آمن أنه لا يراك أحد من خـلقك, يعنـي فـي الدنـيا.



11798ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ
إلَـيْكَ وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: أنا أوّل من يؤمن أنه لا يراك شيء من
خـلقك.



11799ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن
سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد: سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ قال: من مسألتـي الرؤية.



حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد, عن مـجاهد: قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ أن أسألك الرؤية.



حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو نعيـم, عن
سفـيان, عن عيسى بن ميـمون, عن رجل, عن مـجاهد: سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ أن
أسألك الرؤية.



حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد
الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عيسى بن ميـمون, عن مـجاهد, فـي قوله:
سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَـيْكَ قال: تبت إلـيك من أن أسألك الرؤية.



وقال آخرون: معناه قوله: وأنا أوّلُ
الـمُؤْمِنِـينَ بك من بنـي إسرائيـل. ذكر من قال ذلك:



11800ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو بن مـحمد
العنقزي, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس:
وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال: أوّل من آمن بك من بنـي إسرائيـل.



حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن
حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وأنا أوّلُ
الـمُؤْمِنِـينَ يعنـي: أوّل الـمؤمنـين من بنـي إسرائيـل.



11801ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وأنا أوّلُ
الـمُؤْمِنِـينَ أنا أوّل قومي إيـمانا.



حدثنا ابن وكيع والـمثنى, قالا: حدثنا أبو
نعيـم, عن سفـيان, عن عيسى بن ميـمون, عن رجل, عن مـجاهد: وأنا أوّلُ
الـمُؤْمِنِـينَ يقول: أوّل قومي إيـمانا.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال: أنا
أوّل قومي إيـمانا.



حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ قال:
أوّل قومي آمن.



وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي قوله:
وأنا أوّلُ الـمُؤْمِنِـينَ علـى قول من قال: معناه: أنا أوّل الـمؤمنـين من بنـي
إسرائيـل لأنه قد كان قبله فـي بنـي إسرائيـل مؤمنون وأنبـياء, منهم ولد إسرائيـل
لصلبه, وكانوا مؤمنـين وأنبـياء, فلذلك اخترنا القول الذي قلناه قبل.



الآية :
144



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {قَالَ يَمُوسَىَ إِنّي
اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ
وَكُنْ مّنَ الشّاكِرِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: قال الله لـموسى: يا مُوسَى
إنّـي اصْطَفَـيْتُكَ علـى النّاسِ يقول: اخترتك علـى الناس بِرَسالاتِـي إلـى
خـلقـي, أرسلتك بها إلـيهم. وَبِكَلامي كلـمتك وناجيتك دون غيرك من خـلقـي. فَخُذْ
ما آتَـيْتُكَ يقول: فخذ ما أعطيتك من أمري ونهي وتـمسك به, واعمل به, يريد وكُنْ
مِنَ الشّاكِرِينَ لله علـى ما آتاك من رسالته, وحصل به من النـجوى بطاعته فـي
أمره ونهيه والـمسارعة إلـى رضاه.



الآية :
145



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي
الألْوَاحِ مِن كُلّ شَيْءٍ مّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَيْءٍ فَخُذْهَا
بِقُوّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ
الْفَاسِقِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: وكتبنا لـموسى فـي ألواحه.
وأدخـلت الألف واللام فـي «الألواح» بدلاً من الإضافة, كما قال الشاعر:



(والأحْلامُ غيرُ
عَوَازِبُ )



وكما قال جلّ ثناؤه فإنّ الـجَنّةَ هِيَ الـمَأْوَى
يعنـي: هي مأواه.



وقوله: مِنْ كُلّ شَيْءٍ يقول من التذكير
والتنبـيه علـى عظمة الله وعزّ سلطانه. مَوْعِظَةً لقومه ومن أمر بـالعمل بـما كتب
فـي الألواح. وَتَفْصِيلاً لِكُلّ شَيْءٍ يقول: وتبـيـينا لكلّ شيء من أمر الله
ونهيه.



وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.
ذكر من قال ذلك:



11802ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد أو سعيد بن جبـير وهو فـي
أصل كتابـي, عن سعيد بن جبـير فـي قول الله: وَتَفْصِيلاً لِكُلّ شَيْءٍ قال: ما
أمروا به ونهوا عنه.



11803ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة,
قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.



حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن
الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وكَتَبْنا لَهُ فِـي الألْوَاحِ مِنْ كُلّ
شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلّ شَيْءٍ من الـحلال والـحرام.



حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال:
حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: وَتَفْصِيلاً لِكُلّ شَيْءٍ قال:
ما أمروا به ونُهوا عنه.



11804ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي,
قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وكَتَبْنا لَهُ فِـي
الألْوَاحِ مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلّ شَيْءٍ قال عطية:
أخبرنـي ابن عبـاس أن موسى صلى الله عليه وسلم لـما كربه الـموت قال: هذا من أجل
آدم, قد كان الله جعلنا فـي دار مثوى لا نـموت, فخطأ آدم أنزلنا ههنا فقال الله
لـموسى: أبعث إلـيك آدم فتـخاصمه؟ قال: نعم. فلـما بعث الله آدم, سأله موسى, فقال
أبونا آدم علـيهما السلام: يا موسى سألت الله أن يبعثنـي لك قال موسى: لولا أنت
لـم نكن ههنا. قال له آدم: ألـيس قد أتاك الله من كلّ شيء موعظة وتفصيلاً؟ أفلست
تعلـم أنه ما أصَابَ فـي الأرْضِ من مُصِيَبةٍ ولا فـي أنْفُسِكُمْ إلا فـي
كِتَابٍ مِنْ قَبْل أنْ نَبْرَأَهَا؟ قال موسى: بلـى. فخصمه آدم صلـى الله
علـيهما.



11805ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد
الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن عبد الصمد بن معقل, أنه سمع وهبـا يقول فـي قوله:
وكَتَبْنا لَهُ فِـي الألْوَاحِ مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلّ
شَيْءٍ قال: كتب له لا تشرك بـي شيئا من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإن كلّ ذلك
خـلقـي, ولا تـحلف بـاسمي كاذبـا, فإن من حلف بـاسمي كاذبـا فلا أزكيه, ووقّر
والديك.



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَخُذْهَا
بِقُوّةٍ.



يقول تعالـى ذكره: وقلنا لـموسى إذ كتبنا له
فـي الألواح من كلّ شيء موعظة وتفصيلاً لكلّ شيء: خذ الألواح بقوّة. وأخرج الـخبر
عن الألواح والـمراد ما فـيها.



واختلف أهل التأويـل فـي معنى القوّة فـي هذا
الـموضع, فقال بعضهم: معناها بجدّ. ذكر من قال ذلك:



11806ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا
إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا ابن عيـينة, قال: قال أبو سعد, عن عكرمة عن ابن
عبـاس: فَخُذْهَا بِقُوّةٍ قال: بجدّ.



11807ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو بن حماد,
قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَخُذْهَا بِقُوّةٍ قال: بجدّ واجتهاد.



وقال آخرون: معنى ذلك: فخذها بـالطاعة لله. ذكر
من قال ذلك:



11808ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال:
حدثنا عبد الرحمن بن سعد, قال: أخبرنا أبو جعفر, عن الربـيع بن أنس, فـي قوله:
فَخُذْهَا بِقُوّةٍ قال: بـالطاعة.



وقد بـيّنا معنى ذلك بشواهده واختلاف أهل
التأويـل فـيه فـي سورة البقرة عند قوله: خُذُوا ما آتَـيْناكُمْ بِقُوّةٍ فأغنى
ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأْمُرْ
قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بأحْسَنِها.



يقول تعالـى ذكره: قلنا لـموسى: وأمر قومك بنـي
إسرائيـل يأخذوا بأحسنها. يقول: يعملوا بأحسن ما يجدون فـيها كما:



11809ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال:
حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بأحْسَنِها بأحسن ما يجدون
فـيها.



11810ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا
إبراهيـم, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس:
وأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بأحْسَنِها قال: أمر موسى أن يأخذها بأشدّ مـما أمر
به قومه.



فإن قال قائل: وما معنى قوله: وأْمُرْ قَوْمَكَ
يَأْخُذُوا بأحْسَنِها أكان من خصالهم ترك بعض ما فـيها من الـحسن؟ قـيـل: لا ولكن
كان فـيها أمر ونهي, فأمرهم الله أن يعملوا بـما أمرهم بعمله ويتركوا ما نهاهم
عنه, فـالعمل بـالـمأمور به أحسن من العمل بـالـمَنْهيّ عنه.



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: سأُرِيكُمْ
دَارَ الفـاسِقِـينَ.



يقول تعالـى ذكره لـموسى إذ كتب فـي الألواح من
كلّ شيء: خذها بجدّ فـي العمل بـما فـيها واجتهاد, وأمر قومك يأخذوا بأحسن ما
فـيها, وانههم عن تضيـيعها وتضيـيع العمل بـما فـيها والشرك بـي, فإن من أشرك بـي
منهم ومن غيرهم, فإنـي سأريه فـي الاَخرة عند مصيره إلـيّ دار الفـاسقـين, وهي نار
الله التـي أعدّها لأعدائه. وإنـما قال: سأُرِيكُمْ دَارَ الفـاسِقِـينَ كما يقول
القائل لـمن يخاطبه: سأريك غدا إلام يصير إلـيه حال من خالف أمري علـى وجه التهديد
والوعيد لـمن عصاه وخالف أمره.



وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال
بعضهم بنـحو ما قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:



11811ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: ثنـي عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: سأُرِيكُمْ دَارَ
الفـاسِقِـينَ قال: مصيرهم فـي الاَخرة.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.



11812ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مسلـم, قال:
حدثنا مبـارك, عن الـحسن, فـي قوله: سأُرِيكُمْ دَارَ الفـاسِقِـينَ قال: جهنـم.



وقال آخرون: معنى ذلك: سأدخـلكم أرض الشأم,
فأريكم منازل الكافرين الذين هم سكانها من الـجبـابرة والعمالقة. ذكر من قال ذلك:



11813ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: سأُرِيكُمْ دَارَ الفـاسِقِـينَ: منازلهم.



حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد
بن ثور, عن معمر, عن قتادة: دَارَ الفـاسِقِـينَ قال: منازلهم.



وقال آخرون: معنى ذلك: سأريكم دار قوم فرعون,
وهي مصر. ذكر من قال ذلك:............



وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي تأويـل
ذلك, لأن الذي قبل قوله جلّ ثناؤه: سأُرِيكُمْ دَارَ الفـاسِقِـينَ أمر من الله
لـموسى وقومه بـالعمل بـما فـي التوراة, فأولـى الأمور بحكمة الله تعالـى أن يختـم
ذلك بـالوعيد علـى من ضيعه وفرّط فـي العمل لله وحاد عن سبـيـله, دون الـخبر عما
قد انقطع الـخبر عنه أو عما لـم يجر له ذكر.



الآية :
146



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي
الّذِينَ يَتَكَبّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَإِن يَرَوْاْ كُلّ آيَةٍ
لاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرّشْدِ لاَ يَتّخِذُوهُ سَبِيلاً
وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيّ يَتّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَذّبُواْ
بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ }..



اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم:
معناه: سأنزع عنهم فهم الكتاب. ذكر من قال ذلك:



11814ـ حدثنا أحمد بن منصور الـمروزي, قال:
ثنـي مـحمد بن عبد الله بن بكر, قال: سمعت ابن عيـينة يقول فـي قول الله: سأصْرِفُ
عَنْ آياتِـيَ الّذِينَ يَتَكَبّرُونَ فِـي الأرْضِ بغيرِ الـحَقّ قال: يقول: أنزع
عنهم فهم القرآن, وأصرفهم عن أياتـي.



وتأويـل ابن عيـينة هذا يدلّ علـى أن هذا
الكلام كان عنده من الله وعيدا لأهل الكفر بـالله مـمن بعث إلـيه نبـينا صلى الله
عليه وسلم دون قوم موسى, لأن القرآن إنـما أنزل علـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه
وسلم دون موسى علـيه السلام.



وقال آخرون فـي ذلك: معناه: سأصرفهم عن
الاعتبـار بـالـحجج. ذكر من قال ذلك:



11815ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج: سأصْرِفُ عَنْ أياتِـيَ عن خـلق السموات والأرض والاَيات
فـيها, سأصرفهم عن أن يتفكروا فـيها ويعتبروا.



وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن
الله أخبر أنه سيصرف عن آياته, وهي أدلته وأعلامه علـى حقـية ما أمر به عبـاده
وفرض علـيهم من طاعته فـي توحيده وعدله وغير ذلك من فرائضه, والسموات والأرض, وكلّ
موجود من خـلقه فمن آياته, والقرآن أيضا من آياته. وقد عمّ بـالـخبر أنه يصرف عن
آياته الـمتكبرين فـي الأرض بغير الـحقّ, وهم الذين حقّت علـيهم كلـمة الله أنهم
لا يؤْمنون, فهم عن فهم جميع آياته والاعتبـار والأدّكار بها مصروفون لأنهم لو
وفقوا لفهم بعض ذلك فهدوا للاعتبـار به اتعظوا وأنابوا إلـى الـحقّ, وذلك غير كائن
منهم, لأنه جلّ ثناؤه قال: وَإنْ يَرَوْا كُلّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها فلا
تبديـل لكلـمات الله.



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنْ يَرَوْا
كُلّ آيَةٍ لا يُؤمِنُوا بِها وَإنْ يَرَوْا سَبِـيـلَ الرّشْدِ لا يَتّـخِذُوهُ
سَبِـيلاً وَإنْ يَرَوْا سَبِـيـلَ الغَيّ يَتّـخِذُوهُ سَبِـيلاً ذلكَ بأنّهُمْ
كَذّبُوا بآياتِنا وكانُوا عَنْها غَافِلِـينَ.



يقول تعالـى ذكره: وإن ير هؤلاء يتكبرون فـي
الأرض بغير الـحقّ. وتكبرهم فـيها بغير الـحقّ: تـجبرهم فـيها, واستكبـارهم عن
الإيـمان بـالله ورسوله والإذعان لأمره ونهيه, وهم لله عبـيد يغذوهم بنعمته ويريح
علـيهم رزقه بكرة وعشيا. كلّ آيَةٍ يقول: كلّ حجة لله علـى وحدانـيته وربوبـيته,
وكلّ دلالة علـى أنه لا تنبغي العبـادة إلا له خالصة دون غيره. لا يُؤْمِنُوا بِها
يقول: لا يصدّقوا بتلك الاَية أنها دالة علـى ما هي فـيه حجة, ولكنهم يقولون: هي
سحر وكذب. وَإنْ يَرَوْا سَبِـيـلَ الرّشْدِ لا يَتّـخِذُوهُ سَبِـيلاً يقول: وإن
ير هؤلاء الذين وصف صفتهم طريق الهدى والسداد الذي إن سلكوه نـجوا من الهلكة
والعطب وصاروا إلـى نعيـم الأبد لا يسلكوه ولا يتـخذوه لأنفسهم طريقا, جهلاً منهم
وحيرة. وإنْ يَرَوْا سَبِـيـلَ الغَيّ يقول: وإن يروا طريق الهلاك الذي إن سلكوه
ضلوا وهلكوا. وقد بـيّنا معنى الغيّ فـيـما مضى قبل بِـما أغنى عن إعادته.
يَتّـخِذُوهُ سَبِـيلاً يقول: يسلكوه ويجعلوه لأنفسهم طريقا لصرف الله إياهم عن
آياته وطبعه علـى قلوبهم, فهم لا يفلـحون ولا ينـجحون. ذلكَ بأنّهُمْ كَذّبُوا
بآياتِنا وكانُوا عَنْها غَافِلِـينَ يقول تعالـى ذكره: صرفناهم عن آياتنا أن
يعقلوها ويفهموها, فـيعتبروا بها ويذكروا فـينـيبوا عقوبة منا لهم علـى تكذيبهم
بآياتنا, وكَانُوا عَنْها غَافِلِـينَ يقول: وكانوا عن آياتنا وأدلتنا الشاهدة
علـى حقـية ما أمرناهم به ونهيناهم عنه, غافلـين لا يتفكّرون فـيها, لاهين عنها لا
يعتبرون بها, فحقّ علـيهم حينئذ قول ربنا, فعطبوا.



واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: الرّشْد فقرأ
ذلك عامة قرّاء الـمدينة وبعض الـمكيـين وبعض البصريـين: الرّشْد بضم الراء وتسكين
الشين. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة وبعض الـمكيـين: «الرّشَد» بفتـح الراء
والشين.



ثم اختلف أهل الـمعرفة بكلام العرب فـي معنى
ذلك إذا ضمت راؤه وسكنت شينه, وفـيه إذا فتـحتا جميعا. فذُكر عن أبـي عمرو بن
العلاء أنه كان يقول: معناه إذا ضمت راؤه وسكنت شينه: الصلاح, كما قال الله: فإنْ
آنَسْتُـمْ مِنْهُمْ رُشْدا بـمعنى: صلاحا وكذلك كان يقرؤه هو ومعناه إذا فتـحت
راؤه وشينه: الرّشَد فـي الدين, كما قال جلّ ثناؤه: تُعَلّـمَنِـي مِـمّا
عَلّـمْتَ رَشَدا بـمعنى الاستقامة والصواب فـي الدين. وكان الكسائي يقول: هما
لغتان بـمعنى واحد, مثل: السّقم والسّقَم, والـحُزْن والـحَزَن, وكذلك الرّشْد
والرّشَد.



والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إنهما
قراءتان مستفـيضة القراءة بهما فـي قراءة الأمصار متفقتا الـمعنى, فبأيتهما قرأ
القارىء فمصيب الصواب بها.



الآية :
147



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَالّذِينَ كَذّبُواْ
بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الاَُخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ
مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }..



يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الـمستكبرون فـي
الأرض بغير الـحقّ, وكلّ مكذّب حجج الله ورسله وآياته, وجاحد أنه يوم القـيامة
مبعوث بعد مـماته, ومنكر لقاء الله فـي آخرته, ذهبت أعمالهم فبطلت, وحصلت لهم
أوزارها فثبتت, لأنهم عملوا لغير الله وأتعبوا أنفسهم فـي غير ما يرضى الله, فصارت
أعمالهم علـيهم وبـالاً, يقول الله جلّ ثناؤه: هَلْ يُجْزَوْنَ إلاّ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ يقول: هل ينالون إلا ثواب ما كانوا يعملون, فصار ثواب أعمالهم
الـخـلود فـي نار أحاط بهم سرادقها, إذ كانت أعمالهم فـي طاعة الشيطان دون طاعة
الرحمن نعوذ بـالله من غضبه. وقد بـيّنا معنى الـحبوط والـجزاء والاَخرة فـيـما
مضى بـما أغنى عن إعادته.



الآية :
148



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَاتّخَذَ قَوْمُ
مُوسَىَ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لّهُ خُوَارٌ أَلَمْ
يَرَوْاْ أَنّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتّخَذُوهُ
وَكَانُواْ ظَالِمِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: واتـخذ بنو إسرائيـل قوم
موسى من بعد ما فـارقهم موسى ماضيا إلـى ربه لـمناجاته ووفـاء للوعد الذي كان ربه
وعده من حلـيهم عجلاً, وهو ولد البقرة, فعبدوه. ثم بـين تعالـى ذكره ما ذلك العجل
فقال: جَسَدا لَهُ خُوَارٌ والـخوار: صوت البقر. يخبر جلّ ذكره عنهم أنهم ضلوا
بـما لا يضلّ بـمثله أهل العقل, وذلك أن الربّ جلّ جلاله الذي له ملك السموات
والأرض ومدبّر ذلك, لا يجوز أن يكون جسدا له خوار, لا يكلـم أحدا ولا يرشد إلـى
خير. وقال هؤلاء الذين قصّ الله قصصهم لذلك هذا إلهنا وإله موسى, فعكفوا علـيه
يعبدونه جهلاً منهم وذهابـا عن الله وضلالاً. وقد بـيّنا سبب عبـادتهم إياه وكيف
كان اتـخاذ من اتـخذ منهم العجل فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته.



وفـي الـحُلـيّ لغتان: ضمّ الـحاء وهو الأصل,
وكسرها, وكذلك ذلك فـي كلّ ما شاكله من مثل صلـيّ وجثـيّ وعتـيّ. وبأيتهما قرأ
القارىء فمصيب الصواب, لاستفـاضة القراءة بهما فـي القرأة, لا تفـارق بـين
معنـيـيهما.



وقوله: ألَـمْ يَرَوْا أنّهُ لا يُكَلّـمُهُمْ
وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِـيلاً يقول: ألـم ير الذين عكفوا علـى العجل الذي اتـخذوه من
حلـيهم يعبدونه أن العجل لا يُكَلّـمُهُمْ ولا يَهْدِيهِمْ سَبِـيلاً يقول: ولا
يرشدهم إلـى طريق. ولـيس ذلك من صفة ربهم الذي له العبـادة حقا, بل صفته أنه يكلـم
أنبـياءه ورسله, ويرشد خـلقه إلـى سبـيـل الـخير وينهاهم عن سبـيـل الـمهالك
والردى. يقول الله جلّ ثناؤه: اتّـخَذُوهُ: أي اتـخذوا العجل إلها. وكانُوا
بـاتـخاذهم إياه ربـا معبودا ظالِـمِينَ لأنفسهم, لعبـادتهم غير من له العبـادة,
وإضافتهم الألوهة إلـى غير الذي له الألوهة. وقد بـيّنا معنى الظلـم فـيـما مضى
بـما أغنى عن إعادته.



الآية :
149



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَلَمّا سُقِطَ فَيَ
أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنّهُمْ قَدْ ضَلّواْ قَالُواْ لَئِن لّمْ يَرْحَمْنَا
رَبّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }..



يعنـي تعالـى ذكره بقوله: ولَـمّا سُقِطَ فِـي
أيْدِيهمْ: ولـما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف جلّ ثناؤه صفته عند رجوع موسى
إلـيهم, واستسلـموا لـموسى وحكمه فـيهم. وكذلك تقول العرب لكلّ نادم علـى أمر فـات
منه أو سلف وعاجز عن شيء: «قد سقط فـي يديه» و«أسقط» لغتان فصيحتان, وأصله من
الاستئسار, وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه, فـيرمي به من يديه إلـى الأرض
لـيأسره فـيكتفه, فـالـمرميّ به مسقوط فـي يدي الساقط به, فقـيـل لكلّ عاجز عن شيء
ومصارع لعجزه متندم علـى ما فـاته: سقط فـي يديه وأسقط. وعنى بقوله: وَرَأَوْا
أنّهُمْ قَدْ ضَلّوا ورأوا أنهم قد جاروا عن قصد السبـيـل وذهبوا عن دين الله,
وكفروا بربهم, قالوا تائبـين إلـى الله منـيبـين إلـيه من كفرهم به: لَئِنْ لَـمْ
يَرْحَمْنا رَبّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَنكُونَنّ مِنَ الـخاسِرِينَ.



ثم اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعض
قرّاء أهل الـمدينة ومكة والكوفة والبصرة: لَئِنْ لَـمْ يَرْحَمْنا رَبّنا بـالرفع
علـى وجه الـخبر. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: «لَئِنْ لَـمْ تَرْحَمْنا
رَبّنا» بـالنصب بتأويـل لئن لـم ترحمنا يا ربنا, علـى وجه الـخطاب منهم لربهم.
واعتلّ قارئو ذلك كذلك بأنه فـي إحدى القراءتـين: «قالوا لَئِنْ لَـمْ تَرْحَمْنا
رَبّنا وَتَغْفِرْ لَنا», وذلك دلـيـل علـى الـخطاب.



والذي هو أولـى بـالصواب من القراءة فـي ذلك
القراءة علـى وجه الـخبر بـالـياء فـي «يرحمنا» وبـالرفع فـي قوله «ربّنا», لأنه
لـم يتقدّم ذلك ما يوجب أن يكون موجها إلـى الـخطاب. والقراءة التـي حكيت علـى ما
ذكرنا من قراءتها: «قالوا لَئِنْ لَـمْ تَرْحَمْنا رَبّنا» لا نعرف صحتها من الوجه
الذي يجب التسلـيـم إلـيه. ومعنى قوله: لَئِنْ لَـمْ يَرْحَمْنا رَبّنا وَيَغْفِرْ
لَنا: لئن لـم يتعطف علـينا ربنا بـالتوبة برحمته, ويتغمد بها ذنوبنا, لنكوننّ من
الهالكين الذين حبطت أعمالهم.



الآية :
150



القول فـي تأويـل
قوله تعالـى: {وَلَمّا رَجَعَ مُوسَىَ
إِلَىَ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ
أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ
يَجُرّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمّ إِنّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ
يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ
الظّالِمِينَ }..



يقول تعالـى ذكره: ولـما رجع موسى إلـى قومه
من بنـي إسرائيـل, رجع غضبـان أسفـا, لأن الله كان قد أخبره أنه قد فتن قومُه, وأن
السامريّ قد أضلهم, فكان رجوعه غضبـان أسفـا لذلك. والأسف: شدّة الغضب والتغيظ به
علـى من أغضبه. كما:



11816ـ حدثنـي عمران بن بكار الكُلاعي, قال:
حدثنا عبد السلام بن مـحمد الـحضرمي, قال: ثنـي شريح بن يزيد, قال: سمعت نصر بن
علقمة, يقول: قال أبو الدرداء: قول الله: غَضْبـانَ أسِفـا, قال: الأسف: منزلة
وراء الغضب أشدّ من ذلك, وتفسير ذلك فـي كتاب الله: ذهب إلـى قومه غضبـان, وذهب
أسفـا.



وقال آخرون فـي ذلك ما:


11817ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو,
قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أَسِفـا قال: حزينا.



11818ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي,
قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَلـمّا رَجَعَ مُوسَى
إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـا يقول: أسفـا حزينا. وقال فـي الزخرف فلـمّا
آسفُونَا يقول: أغضبونا. والأسف علـى وجهين: الغضب والـحزن.



11819ـ حدثنا نصر بن علـيّ, قال: حدثنا
سلـيـمان بن سلـيـمان, قال: حدثنا مالك بن دينار, قال: سمعت الـحسن يقول فـي قوله:
وَلـمّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـا قال: غضبـان حزينا.



وقوله قال: بِئْسَما خَـلَفْتُـمُونِـي مِنْ
بَعْدِي يقول: بئس الفعل فعلتـم بعد فراقـي إياكم وأولـيتـمونـي فـيـمن خـلفت من
ورائي من قومي فـيكم ودينـي الذي أمركم به ربكم. يقال منه: خـلفه بخير وخـلفه بشرّ
إذا أولاه فـي أهله أو قومه ومن كان منه بسبـيـل من بعد شخوصه عنهم خيرا أو شرّا.
وقوله: أعَجِلْتُـمْ أمْرَ رَبّكُمْ يقول: أسبقتـم أمر ربكم فـي نفوسكم, وذهبتـم
عنه؟ يقال منه: عجل فلان هذا الأمر: إذا سبقه, وعجل فلانٌ فلانا إذا سبقه, ولا
تعجَلنـي يا فلان: لا تذهب عنـي وتدعنـي, وأعجلته: استـحثثته.



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وألْقَـى
الألْوَاحَ وأخَذَ بِرأسِ أخِيهِ يَجُرّهُ إلَـيْهِ قالَ ابْنَ أُمّ إنّ القَوْمَ
اسْتَضْعَفُونِـي وكادُوا يَقْتُلُونَنِـي.



يقول تعالـى ذكره: وألقـى موسى الألواح. ثم
اختلف أهل العلـم فـي سبب إلقائه إياه, فقال بعضهم: ألقاها غضبـا علـى قومه الذي
عبدوا العجل. ذكر من قال ذلك:



11820ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر, قال: أخبرنا
يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبـي أيوب قال: ثنـي سعيد بن
جبـير, قال: قال ابن عبـاس: وَلـمّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـا
فأخذ برأس أخيه يجرّه إلـيه, وألقـى الألواح من الغضب.



11821ـ وحدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا
إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا ابن عيـينة, قال: قال أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن
عبـاس, قال: لـما رجع موسى إلـى قومه, وكان قريبـا منهم, سمع أصواتهم فقال: إنـي
لأسمع أصوات قوم لاهين. فلـما عاينهم وقد عكفوا علـى العجل ألقـى الألواح فكسرها,
وأخذ برأس أخيه يجرّه إلـيه.



11822ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال:
حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أخذ موسى الألواح ثم رجع موسى إلـى قومه غضبـان
أسفـا, فقال: يا قَوْمِ أَلَـمْ يَعِدْكُمْ رَبّكُمْ وَعْدا حَسَنا. إلـى قوله:
فكذَلكَ ألْقَـى السّامِرِيّ ف ألْقَـى مُوسَى الألْوَاحَ وأخَذَ برأَسِ أخِيهِ يَجُرّهُ
إلَـيْهِ قال يا ابْنَ أُمّ لا تَأْخُذْ بِلِـحْيَتِـي وَلا بِرأسِي.



11823ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن
ابن إسحاق, قال: لـما انتهى موسى إلـى قومه فرأى ما هم علـيه من عبـادة العجل,
ألقـى الألواح من يده, ثم أخذ برأس أخيه ولـحيته يقول: ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ
ضَلّوا ألاّ تَتّبِعَنِ أفَعَصَيْتَ أمْرِي؟.



وقال آخرون: إنـما ألقـى موسى الألواح لفضائل
أصابها فـيها لغير قومه, فـاشتدّ ذلك علـيه. ذكر من قال ذلك:



11824ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيدُ,
قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أخَذَ الألْوَاحَ قال: رَبّ إنـي أجد فـي
الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس, يأمرون بـالـمعروف وينهون عن الـمنكر, فـاجعلهم
أمتـي قال: تلك أمة أحمد. قال: ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة هم الاَخرون
السابقون: أي آخرون فـي الـخـلق, سابقون فـي دخول الـجنة, ربّ اجعلهم أمتـي قال:
تلك أمة أحمد. قال: ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة أناجيـلهم فـي صدورهم يقرءونها,
وكان مَن قبلَهم يقرءون كتابهم نظرا حتـى إذا رفعوها لـم يحفظوا شيئا ولـم يعرفوه
قال قتادة: وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الـحفظ شيئا لـم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:53 pm

يعطه أحدا من الأمـم
قال: ربّ اجعلهم أمتـي قال: تلك أمة أحمد. قال: ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة
يؤمنون بـالكتاب الأوّل وبـالكتاب الاَخِر, ويقاتلون فصول الضلالة حتـى يقاتلوا
الأعور الكذاب, فـاجعلهم أمتـي قال: تلك أمة أحمد. قال: ربّ إنـي أجد فـي الألواح
أمة صدقاتهم يأكلونها فـي بطونهم ثم يؤجرون علـيها, وكان مَن قبلهم من الأمـم إذا
تصدّق بصدقة فقبلت منه, بعث الله علـيهم نارا فأكلتها, وإن ردّت علـيه تركت تأكلها
الطير والسبـاع, قال: وإن الله أخذ صدقاتكم من غنـيكم لفقـيركم, قال: ربّ اجعلهم
أمتـي قال: تلك أمة أحمد. قال: ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة إذا همّ أحدهم بحسنة
ثم لـم يعملها كتبت له حسنة, فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلـى سبعمائة, ربّ
اجعلهم أمتـي قال: تلك أمة أحمد. قال: ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة إذا هم أحدهم
بسيئة لـم تكتب علـيه حتـى يعملها, فإذا عملها كتبت علـيه سيئة واحدة, فـاجعلهم أمتـي
قال: تلك أمة أحمد. قال: ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة هم الـمستـجيبون
والـمستـجاب لهم فـاجعلهم أمتـي قال: تلك أمة أحمد. قال: ربّ إنـي أجد فـي الألواح
أمة هم الـمشفّعون والـمشفوع لهم, فـاجعلهم أمتـي قال: تلك أمة أحمد. قال: وذكر
لنا أن نبـيّ الله موسى علـيه السلام نبذ الألواح وقال: اللهمّ اجعلنـي من أمة
أحمد قال: فأُعطي نبـيّ الله موسى علـيه السلام ثنتـين لـم يعطهما نبـيّ, قال
الله: يا مُوسَى إنّـي اصْطَفَـيْتُكَ عَلـى النّاسِ برِسالاتـي وبِكَلامي قال:
فرضي نبـي الله. ثم أُعطي الثانـية: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمّةٌ يَهْدُونَ
بـالـحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قال: فرضي نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كلّ الرضا.



حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: لـما أخذ موسى الألواح, قال: يا ربّ إنـي
أجد فـي الألواح أمة هم خير الأمـم, يأمرون بـالـمعروف, وينهون عن الـمنكر,
فـاجعلهم أمتـي قال: تلك أمة أحمد. قال: يا ربّ إنـي أجد فـي الألواح أمة هم
الاَخرون السابقون يوم القـيامة, فـاجعلهم أمتـي قال: تلك أمة أحمد, ثم ذكر نـحو
حديث بشر بن معاذ, إلا أنه قال فـي حديثه: فألقـى موسى علـيه السلام الألواح وقال:
اللهمّ اجعلنـي من أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم.



والذي هو أولـى بـالصواب من القول فـي ذلك أن
يكون سبب إلقاء موسى الألواح كان من أجل غضبه علـى قومه لعبـادتهم العجلَ لأن الله
جلّ ثناؤه بذلك أخبر فـي كتابه, فقال: وَلـمّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ
غَضْبـانَ أسِفـا بِئْسَما خَـلَفْتُـمُونِـي مِنْ بَعْدِي أعَجِلْتُـمْ أمْرَ
رَبّكُمْ وألْقَـى الألْوَاحَ وأخَذَ بِرأسِ أخِيهِ يَجُرّهُ إلَـيْهِ وذلك أن
الله لـما كتب لـموسى علـيه السلام فـي الألواح التوراة, أدناه منه حتـى سمع صريف
القلـم. ذكر من قال ذلك:



11825ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز,
قال: حدثنا إسرائيـل, عن السديّ, عن أبـي عمارة, عن علـيّ علـيه السلام قال: كتب
الله الألواح لـموسى علـيه السلام وهو يسمع صريف الأقلام فـي الألواح.



11826ـ قال: ثنا إسرائيـل, عن عطاء بن السائب,
عن سعيد بن جبـير, قال: أدناه حتـى سمع صريف الأقلام.



وقـيـل: إن التوراة كانت سبعة أسبـاع فلـما
ألقـى موسى الألواح تكسرت, فرفع منها ستة أسبـاعها, وكان فـيـما رفع تفصيـل كلّ
شيء الذي قال الله: وكَتَبْنا لَهُ فِـي الألْوَاحِ مِنْ كُلّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً
وتَفْصِيلاً لِكُلّ شَيْءٍ وبقـي الهدى والرحمة فـي السبع البـاقـي, وهو الذي قال
الله: أخذَ الألْواحَ وفـي نُسخِتها هُدًى وَرَحْمَةٌ للّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ
يَرْهَبونَ. وكانت التوراة فـيـما ذكر سبعين وِقر بعير يقرأ منها الـجزء فـي سنة
كما:



11827ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن
خالد الـمكفوف, قال: حدثنا عبد الرحمن, عن أبـي جعفر, عن الربـيع بن أنس, قال:
أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير, يقرأ منها الـجزء فـي سنة, لـم يقرأها إلا
أربعة نفر: موسى بن عمران, وعيسى, وعُزير, ويوشع بن نون صلوات الله علـيهم.



واختلفوا فـي الألواح, فقال بعضهم: كانت من
زمرّد أخضر. وقال بعضهم: كانت من ياقوت. وقال بعضهم: كانت من برَد. ذكر الرواية
بـما ذكرنا من ذلك:



11828ـ حدثنـي أحمد بن إبراهيـم الدورقـي, قال:
حدثنا حجاج بن مـحمد, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي يعلـى بن مسلـم, عن سعيد بن
جبـير, عن ابن عبـاس, قال: ألقـى موسى الألواح فتكسرت, فرفعت إلا سدسها. قال: ابن
جريج: وأخبرنـي أن الألواح من زبرجد وزمرّد من الـجنة.



11829ـ وحدثنـي موسى بن سهل الرملـي وعلـيّ بن
داود وعبد الله بن أحمد بن شبويه وأحمد بن الـحسن الترمذي, قالوا: أخبرنا آدم
العسقلانـي, قال: حدثنا أبو جعفر, عن الربـيع, عن أبـي العالـية, قال: كانت ألواح
موسى علـيه السلام من بَرَد.



11830ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن
أبـي الـجنـيد, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, قال: سألت سعيد بن جبـير عن الألواح من
أيّ شيء كانت؟ قال: كانت من ياقوتة كتابة الذهب كتبها الرحمن بـيده, فسمع أهل
السموات صريف القلـم وهو يكتبها.



11831ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا القاسم, قال:
حدثنا عبد الرحمن, عن مـحمد بن أبـي الوضاح, عن خصِيف, عن مـجاهد أو سعيد بن جبـير
قال: كانت الألواح زمرّدا, فلـما ألقـى موسى الألواح بقـي الهدى والرحمة, وذهب
التفصيـل.



11832ـ قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا الأشجعي,
عن مـحمد بن مسلـم, عن خَصيف, عن مـجاهد, قال: كانت الألواح من زمرّد أخضر.



وزعم بعضهم أن الألواح كانت لوحين, فإن كان
الذي قال كما قال, فإنه قـيـل: وكَتَبْنا لَهُ فِـي الألْوَاحِ وهما لوحان, كما
قـيـل: فإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ وهما أخوان.



وأما قوله: وأخَذَ بِرأسِ أخِيهِ يَجُرّهُ
إلَـيْهِ فإن ذلك من فعل نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان لـموجدته علـى أخيه
هارون فـي تركه اتبـاعه وإقامته مع بنـي إسرائيـل فـي الـموضع الذي تركهم فـيه,
كما قال جلّ ثناؤه مخبرا عن قـيـل موسى علـيه السلام له: ما مَنَعَكَ إذْ
رأيْتَهُمْ ضَلّوا ألاّ تَتّبِعَنِـي أفَعَصَيْتَ أمْرِي؟ حين أخبره هارون بعذره,
فقبل عذره, وذلك قـيـله لـموسى: لا تَأْخُذْ بِلِـحْيَتِـي وَلا بِرأسِي إنّـي
خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرّقْتَ بـينَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ وَلـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي
وقال: يا ابْنَ أُمّ إنّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِـي وكادُوا يَقْتُلُونِنـي فَلا
تُشْمِتْ بِـيَ الأعْدَاء... الاَية.



واختلفت القرّاء فـي قراء ة قوله «يا ابْنَ
أُمّ» فقرأ ذلك عامّة قرّاء الـمدينة وبعض أهل البصرة: «يا ابْنَ أُمّ» بفتـح
الـميـم من الأمّ. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: «يا ابْنَ أُمّ» بكسر الـميـم
من الأم.



واختلف أهل العربـية فـي فتـح ذلك وكسره, مع
إجماع جميعهم علـى أنهما لغتان مستعملتان فـي العرب. فقال بعض نـحويـي البصرة:
قـيـل ذلك بـالفتـح علـى أنهما اسمان جعلا اسما واحدا, كما قـيـل: يا ابن عمّ,
وقال: هذا شاذّ لا يقاس علـيه, وقال: من قرأ ذلك: «يا ابن أمّ», فهو علـى لغة
الذين يقولون: هذا غلام قد جاء, جعله اسما واحدا آخره مكسور, مثل قوله خازِ بـازِ.
وقال بعض نـحويـي الكوفة: قـيـل: يا ابن أمّ ويا ابن عمّ, فنصب كما ينصب الـمعرب
فـي بعض الـحالات, فـيقال: يا حسرتا, يا ويـلتا, قال: فكأنهم قالوا: يا أماه ويا
عماه ولـم يقولوا ذلك فـي أخ, ولو قـيـل ذلك لكان صوابـا. قال: والذين خفضوا ذلك
فإنه كثر فـي كلامهم حتـى حذفوا الـياء. قال: ولا تكاد العرب تـحذف الـياء إلا من
الاسم الـمنادى يضيفه الـمنادِي إلـى نفسه, إلا قولهم: يا ابن أمّ, ويا ابن عمّ
وذلك أنهما يكثر استعمالهما فـي كلامهم, فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا الـياء,
فقالوا: يا ابن أبـي, ويا ابن أختـي وأخي, ويا ابن خالتـي, ويا ابن خالـي.



والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إذا فُتـحت
الـميـم من «ابن أمّ», فمراد به الندبة: يا ابن أماه, وكذلك من ابن عمّ فإذا
كُسرت, فمراد به الإضافة, ثم حذفت الـياء التـي هي كناية اسم الـمخِبر عن نفسه.
وكأن بعض من أنكر نسبته كسر ذلك إذا كسر, ككسر الزاي من خازِ بـازِ, لأن خازِ
بـازِ لا يعرف الثانـي إلا بـالأوّل ولا الأوّل إلا بـالثانـي, فصار كالأصوات.
وحُكي عن يونس النـحوي تأنـيث أمّ وتأنـيث عمّ, وقال: لا يجعل اسما واحدا إلا مع
ابن الـمذكر. قالوا: وأما اللغة الـجيدة والقـياس الصحيح فلغة من قال: «يا ابن
أمي» بإثبـات الـياء, كما قال أبو زَبـيد:



يا بْنَ أُمّي ويا شُقَـيّقَ نَفْسِيأنْتَ
خَـلّفْتَنِـي لِدَهْرٍ شَدِيدِ



وكما قال الاَخر:


يا بْنَ أُمّي وَلَوْ شَهِدْتُكَ إذْ تَدْعُو
تَـمِيـما وأنْتَ غيرُ مُـجَابِ



وإنـما أثبت هؤلاء الـياء فـي الأم لأنها غير
مناداة, وإنـما الـمنادي هو الابن دونها, وإنـما تسقط العرب الـياء من الـمنادى
إذا أضافته إلـى نفسها, لا إذا أضافته إلـى غير نفسها, كما قد بـينا. وقـيـل: إن
هارون إنـما قال لـموسى علـيه السلام: «يا ابن أمّ», ولـم يقل: «يا ابن أبـي»,
وهما لأب واحد وأم واحدة, استعطافـا له علـى نفسه برحِم الأم. وقوله: إنّ القَوْمَ
اسْتَضْعَفُونِـي وكادُوا يَقْتُلُونَنِـي يعنـي بـالقوم الذين عكفوا علـى عبـادة
العجل, وقالوا هذا إلهنا وإله موسى, وخالفوا هارون. وكان استضعافهم إياه, تركهم
طاعته واتبـاع أمره. وكَادُوا يَقْتُلُونَنـي يقول: قاربوا ولـم يفعلوا.



واختلفت القراء فـي قراءة قوله: فَلا تُشْمِتْ
فقرأ قرّاء الأمصار ذلك: فَلاَ تُشْمِتْ بِـيَ الأعْدَاءَ بضمّ التاء من تُشمت
وكسر الـميـم منها, من قولهم: أشمت فلان فلانا بفلان, إذا سرّه فـيه بـما يكرهه
الـمُشمَت به. ورُوي عن مـجاهد أنه قرأ ذلك: «فلا تَشْمُتْ بِـيَ الأعْدَاءُ».



11833ـ حدثنـي بذلك عبد الكريـم, قال: حدثنا
إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: قال حميد بن قـيس قرأ مـجاهد: «فَلا
تَشْمُتْ بِـيَ الأعْدَاءَ».



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا
عبد الله بن الزبـير, عن ابن عيـينة, عن حميد, قال: قرأ مـجاهد: «فَلا تَشْمُتْ
بِـيَ الأعْدَاءُ».



حُدثت عن يحيى بن زياد الفرّاء, قال: حدثنا
سفـيان بن عيـينة, عن رجل, عن مـجاهد أنه قال: لا تَشْمُتْ.



وقال الفرّاء: قال الكسائي: ما أدري, فلعلهم
أرادوا: فَلاَ تُشْمِتْ بِـيَ الأعْدَاءَ فإن تكن صحيحة فلها نظائر. العرب تقول:
فَرِغْتُ وَفَرَغْتُ, فمن قال: فَرِغْتُ قال: أنا أفْرَغُ, ومن قال: فَرَغْتَ قال:
أنا أفْرُغُ, وكذلك رَكِبْت وَرَكَنْتُ وشَمِلَهم أمر وشَمَلَهم, فـي كثـير من
الكلام. قال: «والأعداء» رَفْع لأن الفعل لهم لـمن قال تَشْمَتُ أو تَشْمُت.



والقراءة التـي لا أستـجيز القراءة إلا بها
قراءة من قرأ: فَلا تُشْمِتْ بضم التاء الأولـى وكسر الـميـم من أشمتّ به عدوّه
أشْمِته به, ونصب الأعداء لإجماع الـحجة من قراء الأمصار علـيها وشذوذ ما خالفها
من القراءة, وكفـى بذلك شاهدا علـى ما خالفها. هذا مع إنكار معرفة عامة أهل العلـم
بكلام العرب: شمّتَ فلان فلانا بفلان, وشمَت فلان بفلان يشمُت به, وإنـما الـمعروف
من كلامهم إذا أخبروا عن شماتة الرجل بعدوّه شَمِتَ به بكسر الـميـم يَشْمَتُ به
بفتـحها فـي الاستقبـال.



وأما قوله: وَلا تَـجْعَلْنِـي مَعَ القَوْمِ
الظّالِـمِينَ فإنه قول هارون لأخيه موسى, يقول: لا تـجعلنـي فـي موجدتك علـيّ
وعقوبتك لـي ولـم أخالف أمرك مـحلّ من عصاك فخالف أمرك وعبد العجل بعدك فظلـم نفسه
وعبد غير من له العبـادة, ولـم أشايعهم علـى شيء من ذلك. كما:



11834ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو
عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلا تَـجْعَلْنِـي مَعَ
القَوْمِ الظّالِـمِينَ قال: أصحاب العجل.



حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال:
حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد. بـمثله.



الآية :
151



القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي
وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ }..




يقول تعالـى ذكره: قال موسى لـما تبـين له عذر أخيه, وعلـم أنه لـم يفرّط
فـي الواجب الذي كان علـيه من أمر الله فـي ارتكاب ما فعله الـجهلة من عبدة العجل:
رَبّ اغْفِرْ لـي مستغفرا من فعله بأخيه, ولأخيه من سالف له بـينه وبـين الله,
تغمد ذنوبنا بستر منك تسترها به. وأدْخِـلْنا فِـي رَحْمَتِكَ يقول: وارحمنا
برحمتك الواسعة عبـادك الـمؤمنـين, فإنك أنت أرحم بعبـادك من كلّ من رحم شيئا.



الآية : 152


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ اتّخَذُواْ الْعِجْلَ
سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رّبّهِمْ وَذِلّةٌ فِي الْحَياةِ الدّنْيَا وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ }..




يقول تعالـى ذكره: إنّ الّذِينَ اتّـخَذُوا العِجْلَ إلها, سَيَنالُهُمْ
غَضَبٌ مِنْ رَبّهِمْ بتعجيـل الله لهم ذلك, وَذِلّةٌ وهي الهوان, لعقوبة الله
إياهم علـى كفرهم بربهم فـي الـحَياةِ الدّنْـيا فـي عاجل الدنـيا قبل آجل
الاَخرة. وكان ابن جريج يقول فـي ذلك بـما:




11835ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج,
قوله: إنّ الّذِينَ اتّـخَذُوا العِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبّهِمْ
وَذِلّةٌ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا وكذلكَ نَـجْزِي الـمُفْتَرِينَ قال: هذا لـمن
مات مـمن اتـخذ العجل قبل أن يرجع موسى علـيه السلام, ومن فرّ منهم حين أمرهم موسى
أن يقتل بعضهم بعضا.




وهذا الذي قاله ابن جريج, وإن كان قولاً له وجه, فإن ظاهر كتاب الله مع
تأويـل أكثر أهل التأويـل بخلافه وذلك أن الله عمّ بـالـخبر عمن اتـخذ العجل أنه
سينالهم غضب من ربهم وذلة فـي الـحياة الدنـيا. وتظاهرت الأخبـار عن أهل التأويـل
من الصحابة والتابعين بأن الله, إذ رجع إلـى بنـي إسرائيـل موسى علـيه السلام, تاب
علـى عَبَدة العجل من فعلهم, بـما أخبر به عن قـيـل موسى علـيه السلام فـي كتابه,
وذلك قوله: وَإذْ قالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إنّكُمْ ظَلَـمْتُـمْ
أنْفُسَكُمْ بـاتّـخاذِكُمُ العِجْلَ فَتُوبُوا إلـى بـارِئِكُمْ فـاقْتُلُوا
أنْفُسَكُمْ فَفعلوا ما أمرهم به نبـيهم صلى الله عليه وسلم, فكان أمر الله إياهم
بـما أمرهم به من قتل بعضهم أنفس بعض, عن غضب منه علـيهم بعبـادتهم العجل, فكان
قتل بعضهم بعضا هوانا لهم وذلة أذّلهم الله بها فـي الـحياة الدنـيا, وتوبة منهم
إلـى الله قِبَلها. ولـيس لأحد أن يجعل خبرا جاء الكتاب بعمومه فـي خاصّ مـما عمه
الظاهر بغير برهان من حجة خبر أو عقل, ولا نعلـم خبرا جاء بوجوب نقل ظاهر قوله:
إنّ الّذِينَ اتّـخَذُوا العِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبّهِمْ إلـى بـاطن
خاصّ, ولا من العقل علـيه دلـيـل, فـيجب إحالة ظاهره إلـى بـاطنه.




ويعنـي بقوله: وكذلكَ نَـجْزِي الـمُفْتَرِينَ وكما جزيتُ هؤلاء الذين
اتـخذوا العجل إلها من إحلال الغضب بهم, والإذلال فـي الـحياة الدنـيا علـى كفرهم
ربهم, وردتهم عن دينهم بعد إيـمانهم بـالله, وكذلك نـجزي كلّ من افترى علـى الله
فكذب علـيه وأقرّ بألوهية غيره وعبد شيئا سواه من الأوثان بعد إقراره بوحدانـية
الله, وبعد إيـمانه به وبأنبـيائه ورسله وقِـيـلِ ذلك, إذا لـم يتب من كفره قبل
قتله.




وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:




11836ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن
أيوب, قال: تلا أبو قِلابة: سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبّهِمْ وَذِلّةٌ فِـي
الـحَياةِ الدّنْـيا... الاَية, قال: فهو جزاء كلّ مفتر يكون إلـى يوم القـيامة,
أن يذله الله عزّ وجلّ.




حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو النعمان عارم, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن
أيوب, قال: قرأ أبو قلابة يوما هذه الاَية: إنّ الّذِينَ اتّـخَذُوا العِجْلَ
سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبّهِمْ وَذِلّةٌ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا وكذلكَ
نَـجْزِي الـمُفْتَرِينَ قال: هي والله لكلّ مفتر إلـى يوم القـيامة.




11837ـ قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا حماد, عن ثابت وحميد: أن قـيس بن عبـاد
وجارية بن قدامة دخلا علـى علـيّ بن أبـي طالب رضي الله عنه, فقالا: أرأيت هذا
الأمر الذي أنت فـيه وتدعو إلـيه, أعهد عهده إلـيك رسول الله صلى الله عليه وسلم
أم رأى رأيته؟ قال: مالكما ولهذا؟ أعرضا عن هذا فقالا: والله لا نعرض عنه حتـى
تـخبرنا. فقال: ما عهد إلـيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كتابـا فـي قراب
سيفـي هذا. فـاستلّه فأخرج الكتاب من قراب سيفه, وإذا فـيه: «إنّهُ لَـمْ يَكُنْ
نَبِـيّ إلاّ لَهُ حَرَمٌ, وإنّـي حَرّمْتُ الـمَدِينَةَ كمَا حَرّمَ إبْرَاهِيـمُ
عَلَـيْهِ السّلامُ مَكّةَ, لا يُحْمَلُ فِـيها السّلاحُ لِقِتالٍ, مَنْ أحْدَثَ
حَدَثا أوْ آوَى مُـحْدِثا فعَلَـيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالـمَلائِكَةِ وَالنّاسِ
أجَمعِينَ, لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ» فلـما خرجا قال أحدهما لصاحبه:
أما ترى هذا الكتاب؟ فرجعا وتركاه, وقالا: إنا سمعنا الله يقول: إنّ الّذِينَ
اتّـخَذُوا العِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبّهِمْ... الاَية, وإن القوم قد
افتروا فرية, ولا أدري إلا سينزل بهم ذلة.




11838ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير,
عن ابن عيـينة: فـي قوله: وكذلكَ نَـجْزِي الـمُفْتَرِينَ. قال: كل صاحب بدعة
ذلـيـل.



الآية : 153


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ عَمِلُواْ السّيّئَاتِ ثُمّ
تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوَاْ إِنّ رَبّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رّحِيمٌ
}..




وهذا خبر من الله تعالـى ذكره أنه قابل من كلّ تائب إلـيه من ذنب أتاه
صغيرة كانت معصيته أو كبـيرة, كفرا كانت أو غير كفر, كما قبل من عَبدة العجل
توبتهم بعد كفرهم به بعبـادتهم العجل وارتدادهم عن دينهم. يقول جلّ ثناؤه: والذين
عملوا الأعمال السيئة ثم رجعوا إلـى طلب رضا الله بإنابتهم إلـى ما يحبّ مـما يكره
وإلـى ما يرضى مـما يسخط من بعد سيىء أعمالهم, وصدّقوا بأن الله قابل توبة
الـمذنبـين وتائب علـى الـمنـيبـين بإخلاص قلوبهم ويقـين منهم بذلك, لَغَفُورٌ
لهم, يقول: لساتر علـيهم أعمالهم السيئة, وغير فـاضحهم بها, رحيـم بهم, وبكلّ من
كان مثلهم من التائبـين.



الآية : 154


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَماّ سَكَتَ عَن مّوسَى الْغَضَبُ
أَخَذَ الألْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لّلّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ
يَرْهَبُونَ }..




يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَلـمّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ ولـما كفّ
موسى عن الغضب, وكذلك كلّ كافَ عن شيء ساكت عنه. وإنـما قـيـل للساكت عن الكلام
ساكت: لكفه عنه. وقد ذكر عن يونس النـحويّ أنه قال: يقال سكت عنه الـحزن وكلّ شيء
فـيـما زعم ومنه قول أبـي النـجم:



وَهمّتِ الأفْعَى بِأنْ تَسِيحَاوَسَكَتَ
الـمُكّاءُ أنْ يَصِيحَا




أخَذَا الأَلْوَاحَ يقول: أخذها بعد ما ألقاها, وقد ذهب منها ما ذهب. وفِـي
نُسْخَتِها هُدًى وَرَحْمَةٌ يقول: وفـيـما نسخ فـيها: أي منها هدى بـيان للـحقّ
ورحمة. للّذِينَ هُمْ لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ يقول: للذين يخافون الله, ويخشون
عقابه علـى معاصيه.




واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول اللام فـي قوله: لِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ
مع استقبـاح العرب أن يقال فـي الكلام: رهبت لك: بـمعنى رهبتك, وأكرمت لك: بـمعنى
أكرمتك, فقال بعضهم: ذلك كما قال جلّ ثناؤه: إنْ كُنْتُـمْ للرّؤْيا تَعْبُرُونَ أوصل
الفعل بـاللام. وقال بعضهم: من أجل ربهم يرهبون. وقال بعضهم: إنـما دخـلت عقب
الإضافة الذين هم راهبون لربهم وراهبو ربهم ثم أدخـلت اللام علـى هذا الـمعنى
لأنها عقـيب الإضافة لا علـى التعلـيق. وقال بعضهم: إنـما فعل ذلك لأن الاسم تقدّم
الفعل, فحسن إدخال اللام. وقال آخرون: قد جاء مثله فـي تأخير الاسم فـي قوله:
رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ. وذكر عن عيسى بن عمر أنه قال: سمعت
الفرزدق يقول: نقدت له مائة درهم, يريد نقدته مائة درهم. قال: والكلام واسع.



الآية : 155


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاخْتَارَ مُوسَىَ قَوْمَهُ سَبْعِينَ
رَجُلاً لّمِيقَاتِنَا فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ قَالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ
أَهْلَكْتَهُمْ مّن قَبْلُ وَإِيّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السّفَهَآءُ
مِنّآ إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ
أَنتَ وَلِيّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ }..




يقول تعالـى ذكره: واختار موسى من قومه سبعين رجلاً للوقت والأجل الذي وعده
الله أن يـلقاه فـيه بهم للتوبة مـما كان من فعل سفهائهم فـي أمر العجل. كما:




11839ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط,
عن السديّ, قال: إن الله أمر موسى علـيه السلام أن يأتـيه فـي ناس من بنـي
إسرائيـل يعتذرون إلـيه من عبـادة العجل, ووعدهم موعدا. فـاختار موسى قومه سبعين
رجلاً علـى عينه, ثم ذهب بهم لـيعتذروا, فلـما أتوا ذلك الـمكان, قالوا: لن نؤمن
لك يا موسى حتـى نرى الله جهرة, فإنك قد كلـمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا.
فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: ربّ ماذا أقول لبنـي إسرائيـل إذا أتـيتهم وقد
أهلكت خيارهم, لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي




11840ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: اختار موسى
من بنـي إسرائيـل سبعين رجلاً الـخّير فـالـخير, وقال: انطلقوا إلـى الله فتوبوا
إلـيه مـما صنعتـم, واسألوه التوبة علـى من تركتـم وراءكم من قومكم, صوموا,
وتطهّروا, وطهّروا ثـيابكم فخرج بهم إلـى طور سينا لـميقات وقّته له ربه, وكان لا
يأتـيه إلا بإذن منه وعلـم, فقال السبعون فـيـما ذكر لـي حين صنعوا ما أمرهم به,
وخرجوا معه للقاء ربه لـموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربنا فقال: أفعل. فلـما دنا موسى
من الـجبل, وقع علـيه عمود الغمام حتـى تغشى الـجبل كله, ودنا موسى فدخـل فـيه, وقال
للقوم: ادنوا وكان موسى إذا كلـمه الله, وقع علـى جبهته نور ساطع, لا يستطيع أحد
من بنـي آدم أن ينظر إلـيه. فضُرب دونه بـالـحجاب, ودنا القوم حتـى إذا دخـلوا فـي
الغمام وقعوا سجودا, فسمعوه وهو يكلـم موسى, يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل فلـما
فرغ الله من أمره, وانكشف عن موسى الغمام, أقبل إلـيهم, فقالوا لـموسى: لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حتـى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً, فَأخَذتْهُمُ الرّجْفَةُ وهي الصاعقة,
فـالتقت أرواحهم فماتوا جميعا, وقام موسى علـيه السلام يناشد ربه ويدعوه ويرغب
إلـيه, ويقول: ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي, قد سفهوا أفتهلك من ورائي من بنـي
إسرائيـل؟




11841ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية,
عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ
رَجُلاً لِـمِيقاتِنا قال: كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلاً, فـاختار
سبعين رجلاً, فبرز بهم لـيدعوا ربهم, فكان فـيـما دعوا الله أن قالوا: اللهمّ
أعطنا ما لـم تعط أحدا بعدنا فكره الله ذلك من دعائهم, فأخذتهم الرجفة. قال موسى:
رَبّ لَوْ شِئْتَ أهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وإيّايَ.




11842ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا خالد بن حيان, عن جعفر, عن ميـمون:
وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِـمِيقاتِنا قال: لـموعدهم الذي
وعدهم.




11843ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي
نـجيح, عن مـجاهد: سَبْعِينَ رَجُلاً لِـمِيقاتِنا قال: اختارهم لتـمام الوعد.




وقال آخرون: إنـما أخذتهم الرجفة من أجل دعواهم علـى موسى قتل هارون. ذكر
من قال ذلك:




11844ـ حدثنا ابن بشار وابن وكيع, قالا: حدثنا يحيى بن يـمان, قال: حدثنا
سفـيان, قال: ثنـي أبو إسحاق, عن عمارة بن عبد السلولـي, عن علـيّ رضي الله عنه,
قال: انطلق موسى وهارون وشَبّر وشَبِـير, فـانطلقوا إلـى سفح جبل, فنام هارون علـى
سرير, فتوفـاه الله. فلـما رجع موسى إلـى بنـي إسرائيـل قالوا له: أين هارون؟ قال:
توفـاه الله. قالوا: أنت قتلته, حسدتنا علـى خـلقه ولـينه أو كلـمة نـحوها قال:
فـاختاروا من شئتـم قال: فـاختاروا سبعين رجلاً. قال: فذلك قوله: وَاخْتارَ مُوسَى
قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِـمِيقاتِنا. قال: فلـما انتهوا إلـيه قالوا: يا
هارون من قتلك؟ قال: ما قتلنـي أحد, ولكننـي توفـانـي الله. قالوا: يا موسى لن
نعصيَ بعد الـيوم قال: فأخذتهم الرجفة. قال: فجعل موسى يرجع يـمينا وشمالاً, وقال:
يا رَبّ لَوْ شِئْتَ أهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وإيّايَ أُتهْلِكُنا بِـمَا فَعَلَ
السّفَهاءُ مِنّا إنْ هِيّ إلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتهْدِي مَنْ
تَشاءُ قال: فأحياهم الله وجعلهم أنبـياء كلهم.




11845ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا
شعبة, عن أبـي إسحاق, عن رجل من بنـي سلول, أنه سمع علـيّا رضي الله عنه يقول فـي
هذه الاَية: وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِـمِيقاتِنا قال: كان
هارون حسن الـخـلق مـحببـا فـي بنـي إسرائيـل. قال: فلـما مات دفنه موسى. قال:
فلـما أتـى بنـي إسرائيـل, قالوا له: أين هاون؟ قال: مات. فقالوا: قتلته قال:
فـاختار منهم سبعين رجلاً. قال: فلـما أتوا القبر, قال موسى: أُقتلت أو متّ؟ قال:
متّ. قال: فأصعقوا, فقال موسى: ربّ ما أقول لبنـي إسرائيـل إذا رجعت؟ يقولون: أنت
قتلتهم قال: فأحيوا وجعلوا أنبـياء.




11846ـ حدثنـي عبد الله بن الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا أبـي, قال:
حدثنا الربـيع بن حبـيب, قال: سمعت أبـا سعيد, يعنـي الرقاشيّ, وقرأ هذه الاَية:
وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِـمِيقاتِنا فقال: كانوا أبناء ما
عدا عشرين ولـم يتـجاوزوا الأربعين, وذلك أن ابن عشرين قد ذهب جهله وصبـاه, وأن من
لـم يتـجاوز الأربعين لـم يفقد من عقله شيئا.




وقال آخرون: إنـما أخذت القوم الرجفة لتركهم فراق عبدة العجل, لا لأنهم
كانوا من عبَدته. ذكر من قال ذلك:




11847ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة,
قوله: وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِـمِيقاتِنا فقرأ حتـى بلغ:
السّفَهاءُ مِنا ذكر لنا أن ابن عبـاس كان يقول: إنـما تناولتهم الرجفة لأنهم لـم
يزايـلوا القوم حين نصبوا العجل, وقد كرهوا أن يجامعوهم علـيه.




11848ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج,
قوله: وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِـمِيقاتِنا مـمن لـم يكن قال
ذلك القول علـى أنهم لـم يجامعوهم علـيه, فأخذتهم الرجفة من أجل أنهم لـم يكونوا
بـاينوا قومهم حين اتـخذوا العجل. فلـما خرجوا ودعوا, أماتهم الله ثم أحياهم.
فَلَـمّا أخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ قالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ
وأيّايَ أُتهْلِكُنا بِـمَا فَعَلَ السّفَهاءُ مِنّا.




11849ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال:
قال مـجاهد: وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِـمِيقاتِنا والـميقات:
الـموعد. فلـما أخذتهم الرجفة بعد أن خرج موسى بـالسبعين من قومه يدعون الله
ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء, فلـم يستـجب لهم علـم موسى أنهم قد أصابوا من
الـمعصية ما أصابه قومهم. قال ابن سعد: فحدثنـي مـحمد بن كعب القرظي, قال: لـم
يستـجب لهم من أجل أنهم لـم ينهوهم عن الـمنكر ويأمروهم بـالـمعروف. قال: فأخذتهم
الرجفة فماتوا, ثم أحياهم الله.




11850ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن عون, عن سعيد بن حيان, عن
ابن عبـاس: إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه, إنـما أخذتهم الرجفة أنهم لـم
يرضوا ولـم ينهوا عن العجل.




حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا عون, قال: حدثنا
سعيد بن حيان, عن ابن عبـاس, بنـحوه.




واختلف أهل العربـية فـي وجه نصب قوله: قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً
لِـمِيقاتِنا فقال بعض نـحويـي البصرة: معناه: واختار موسى من قومه سبعين رجلاً,
فلـما نزع «مِن» أعمل الفعل, كما قال الفرزدق:



وَمِنّا الّذِي اخْتِـيرَ الرّجالَ
سمَاحَةوَجُودا إذَا هَبّ الرّياحُ الزّعازِعُ




وكما قال الاَخر:



أمَرْتُكَ الـخَيْرَ فـافْعَلْ ما أُمِرْتَ
بِهفَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مالٍ وَذَا نَشبِ




وقال الراعي:



اخْتَرْتُكَ النّاسَ إذْ غَثّتْ
خَلائِقُهُمْواعْتَلّ مَن كانَ يُرْجَى عندَهُ السّولُ




وقال بعض نـحوّيـي الكوفة: إنـما استـجيز وقوع الفعل علـيهم إذا طرحت مِن,
لأنه مأخوذ من قولك: هؤلاء خير القوم, وخير من القوم, فإذا جازت الإضافة مكان «من»
ولـم يتغير الـمعنى, استـجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلاً, واخترت منكم رجلاً وقد
قال الشاعر:



(لَهُ اخْتَرْها قَلُوصا سَمِينَةً )



وقال الراجز:



(تَـحْتَ التـي اخْتارَ لَهُ اللّهُ
الشّجَرْ )




بـمعنى: اختارها له الله من الشجر.




وهذا القول الثانـي أولـى عندي فـي ذلك بـالصواب لدلالة الاختـيار علـى طلب
«من» التـي بـمعنى التبعيض, ومن شأن العرب أن تـحذف الشيء من حشو الكلام إذا عرف
موضعه, وكان فـيـما أظهرت دلالة علـى ما حذفت, فهذا من ذلك إن شاء الله.




وقد بـيّنا معنى الرجفة فـيـما مضى بشواهدها, وأنها ما رجف بـالقوم وأرعبهم
وحرّكهم وأهلكهم بعد, فأماتهم أو أصعقهم, فسلب أفهامهم. وقد ذكرنا الرواية فـي غير
هذا الـموضع, وقول من قال: إنها كانت صاعقة أماتتهم.




11851ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن
ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَلَـمّا أخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ ماتوا ثم أحياهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:54 pm

11852ـ حدثنـي الـمثنى,
قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: سَبْعِينَ
رَجُلاً لِـمِيقاتِنا اختارهم موسى لتـمام الـموعد. فَلَـمّا أخَذَتْهُمُ
الرّجْفَةُ ماتوا ثم أحياهم الله.




11853ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا إبراهيـم, قال: حدثنا سفـيان, قال:
قال أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: فَلَـمّا أخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ قال: رجف
بهم.




القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أُتهْلِكُنا بِـمَا فَعَلَ السّفَهاءُ مِنّا
إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتهْدِي مَنْ تَشاءُ أنْتَ
وَلِـيّنا فـاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وأنْتَ خَيْرُ الغافِرِينَ.




اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: أتهلك هؤلاء
الذين أهلكتهم بـما فعل السفهاء منا: أي بعبـادة من عبد العجل. قالوا: وكان الله
إنـما أهلكهم لأنهم كانوا مـمن يعبد العجل, وقال موسى ما قال ولا علـم عنده بـما
كان منهم من ذلك. ذكر من قال ذلك:




11854ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن
السديّ: أُتهْلِكُنا بِـمَا فَعَلَ السّفَهاءُ مِنّا فأوحى الله إلـى موسى: إن
هؤلاء السبعين مـمن اتـخذ العجل, فذلك حين يقول موسى: إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ
تُضِلّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتهْدى مَنْ تَشاءُ.




وقال آخرون: معنى ذلك: أن إهلاكك هؤلاء الذين أهلكتهم هلاك لـمن وراءهم من
بنـي إسرائيـل إذا انصرفتُ إلـيهم, ولـيسوا معي, والسفهاء علـى هذا القول كانوا
الـمهلكين الذين سألوا موسى أن يريهم ربهم. ذكر من قال ذلك:




11855ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما أخذت
الرجفة السبعين فماتوا جميعا, قام موسى يناشد ربه ويدعوه, ويرغب إلـيه يقول: ربّ
لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي قد سفهوا أفتهلك من ورائي من بنـي إسرائيـل بـما فعل
السفهاء منا؟ أي إن هذا لهم هلاك, قد اخترت منهم سبعين رجلاً الـخير فـالـخير,
أرجع إلـيهم ولـيس معي رجل واحد؟ فما الذي يصدّقوننـي به أو يأمنوننـي علـيه بعد
هذا؟




وقال آخرون فـي ذلك بـما:




11856ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله:
أُتهْلِكُنا بِـمَا فَعَلَ السّفَهاءُ مِنّا: أتؤاخذنا ولـيس منا رجل واحد ترك
عبـادتك ولا استبدل بك غيرك؟




وأولـى القولـين بتأويـل الاَية, قول من قال: إن موسى إنـما حزن علـى هلاك
السبعين بقوله: أُتهْلِكُنا بِـمَا فَعَلَ السّفَهاءُ مِنّا وأنه إنـما عنى
بـالسفهاء: عبدة العجل وذلك أنه مـحال أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم كان تـخير
من قومه لـمسألة ربه ما أراه أن يسأل لهم إلا الأفضل فـالأفضل منهم, ومـحال أن
يكون الأفضل كان عنده من أشرك فـي عبـادة العجل واتـخذه دون الله إلها.




قال: فإن قال قائل: فجائز أن يكون موسى علـيه السلام كان معتقدا أن الله
سبحانه يعاقب قوما بذنوب غيرهم, فـيقول: أتهلكنا بذنوب من عبد العجل, ونـحن من ذلك
برآء؟ قـيـل: جائز أن يكون معنى الإهلاك: قبض الأرواح علـى غير وجه العقوبة, كما
قال جلّ ثناؤه: إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ يعنـي: مات, فـيقول: أتـميتنا بـما فعل السفهاء
منا.




وأما قوله: إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ فإنه يقول جلّ ثناؤه: ما هذه الفعلة
التـي فعلها قومي من عبـادتهم ما عبدوا دونك, إلا فتنة منك أصابتهم. ويعنـي
بـالفتنة: الابتلاء والاختبـار. يقول: ابتلـيتهم بها لـيتبـين الذي يضلّ عن الـحقّ
بعبـادته إياه والذي يهتدي بترك عبـادته. وأضاف إضلالهم وهدايتهم إلـى الله, إذ
كان ما كان منهم من ذلك عن سبب منه جلّ ثناؤه.




وبنـحو ما قلنا فـي الفتنة قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:




11857ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي جعفر, عن الربـيع, عن
أبـي العالـية: إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ قال: بلـيتك.




11858ـ قال: ثنا حبويه الرازي, عن يعقوب, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن
سعيد بن جبـير: إلاّ فِتْنَتُكَ: إلا بلـيتك.




11859ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد,
قال: أخبرنا ابن جعفر, عن الربـيع بن أنس: إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ قال: بلـيتك.




11860ـ قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـي
بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلّ بِها مَنْ تَشاءُ
إن هو إلا عذابك تصيب به من تشاء, وتصرفه عمن تشاء.




11861ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنْ
هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ أنت فتنتهم.




وقوله: أنْتَ وَلِـيّنا يقول: أنت ناصرنا. فـاغْفِرْ لَنا يقول: فـاستر
علـينا ذنوبنا بتركك عقابنا علـيها. وَارْحَمْنا: تعطّف علـينا برحمتك. وأنْتَ
خَيْرُ الغافِرِينَ يقول: خير من صفح عن جُرم وستر علـى ذنب.



الآية : 156


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـَذِهِ الدّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الاَخِرَةِ إِنّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيَ أُصِيبُ بِهِ
مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ
يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَـاةَ وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }..




يقول تعالـى ذكره مخبرا عن دعاء نبـيه موسى علـيه السلام أنه قال فـيه:
وَاكْتُبْ لَنا: أي اجعلنا مـمن كتبت له فِـي هَذِهِ الدّنْـيا حَسَنَةً وهي
الصالـحات من الأعمال, وَفـي الاَخِرَةِ مـمن كتبت له الـمغفرة لذنوبه. كما:




11862ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج,
قوله: وَاكْتُبْ لَنا فِـي هَذِهِ الدّنْـيا حَسَنَةً قال: مغفرة.




وقوله: إنّا هُدْنا إلَـيْكَ يقول: إنا تبنا إلـيك.




وبنـحو ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:




11863ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير وابن فضيـل وعمران بن عيـينة, عن
عطاء, عن سعيد بن جبـير وقال عمران, عن ابن عبـاس: إنّا هُدْنا إلَـيْكَ قال: إنا
تبنا إلـيك.




11864ـ قال: حدثنا زيد بن حبـاب, عن حماد بن سلـمة, عن عطاء, عن سعيد بن
جبـير, قال: تبنا إلـيك.




11865ـ قال: حدثنا جابر بن نوح, عن أبـي رَوْق عن الضحاك, عن ابن عبـاس قال:
تبنا إلـيك.




قال: حدثنا عبد الله بن بكر, عن حاتـم بن أبـي مغيرة, عن سِماك: أن ابن
عبـاس قال فـي هذه الاَية: إنّا هُدْنا إلَـيْكَ قال: تبنا إلـيك.




حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن عطاء بن السائب,
عن سعيد بن جبـير, قال: أحسبه عن ابن عبـاس: إنّا هُدْنا إلَـيْكَ قال: تبنا
إلـيك.




حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن
أبـيه, عن ابن عبـاس: إنّا هُدْنا إلَـيْكَ يقول: تبنا إلـيك.




حدثنا مـحمد بن بشار, قال: ثنـي يحيى بن سعيد, قال: حدثنا سفـيان, قال:
حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهانـيّ عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: إنّا هُدْنا
إلَـيْكَ قال: تبنا إلـيك.




قال: حدثنا عبد الرحمن ووكيع بن الـجراح, قالا: حدثنا سفـيان عن عبد الرحمن
بن الأصبهانـيّ, عن سعيد بن جبـير بـمثله.




11866ـ حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن الأصبهانـي,
عن سعيد بن جبـير, مثله.




11867ـ قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن إبراهيـم, قال: تبنا إلـيك.




قال: حدثنا مـحمد بن زيد, عن العوام, عن إبراهيـم التـيـميّ, قال: تبنا
إلـيك.




حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن العوّام,
عن إبراهيـم التـيـمي مثله.




11868ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة:
إنّا هُدْنا إلَـيْكَ أي إنا تبنا إلـيك.




حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة,
فـي قوله: هُدْنا إلَـيْكَ قال: تبنا.




11869ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: إنّا
هُدْنا إلَـيْكَ يقول: تبنا إلـيك.




11870ـ قال: حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى,
عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إنّا هُدْنا إلَـيْكَ يقول: تبنا إلـيك.




حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح,
عن مـجاهد, مثله.




11871ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي جعفر الرازي, عن الربـيع
بن أنس, عن أبـي العالـية, قال: هُدْنَا إلَـيْكَ قال: تبنا إلـيك.




قال: ثنا أبـي, عن أبـي جحير, عن الضحاك, قال: تبنا إلـيك.




11872ـ قال: ثنا الـمـحاربـي, عن جويـير, عن الضحاك, قال: تبنا إلـيك.




وحُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن
سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول, فذكر مثله.




قال: ثنا أبـي وعبـيد الله, عن شريك, عن جابر, عن مـجاهد, قال: تبنا إلـيك.




11873ـ قال: ثنا حبوية أبو يزيد, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير,
مثله.




11874ـ قال: ثنا أبـي, عن شريك, عن جابر, عن عبد الله بن يحيى, عن علـيّ
علـيه السلام, قال: إنـما سميت الـيهود لأنهم قالوا هُدْنا إلَـيْكَ.




حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن
علـيّ, عن ابن عبـاس: إنّا هُدْنا إلَـيْكَ يعنـي: تبنا إلـيك.




حدثنا ابن البرقـي, قال: حدثنا عمرو, قال: سمعت رجلاً يسأل سعيدا: إنّا
هُدْنا إلَـيْكَ قال: إنا تبنا إلـيك.




وقد بـيّنا معنى ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته.




القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قالَ عَذَابِـي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أشاءُ
وَرَحْمَتـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسأَكْتُبُها لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ
الزّكاةَ والّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ.




يقول تعالـى ذكره: قالَ الله لـموسى: هذا الذي أصبت به قومك من الرجفة
عَذَابِـي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أشاءُ من خـلقـي, كما أصيب به هؤلاء الذين أصبتهم به
من قومك. وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ يقول: ورحمتـي عمت خـلقـي كلهم.




وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم مخرجه عامّ ومعناه
خاصّ, والـمراد به: ورحمتـي وسعت الـمؤمنـين بـي من أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم.
واستشهد بـالذي بعده من الكلام, وهو قوله: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ...
الاَية. ذكر من قال ذلك.




11875ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو سلـمة الـمنقري, قال: حدثنا حماد بن
سلـمة, قال: أخبرنا عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس أنه قرأ:
وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال: جعلها
الله لهذه الأمة.




11876ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: قال سفـيان,
قال أبو بكر الهذلـيّ: فلـما نزلت: وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ قال إبلـيس:
أنا من الشيء. فنزعها الله من إبلـيس, قال: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ
وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ وَالّذِينَ هُمْ بآياتِنا يُؤْمِنُونَ فقال الـيهود: نـحن
نتقـي ونؤتـي الزكاة, ونؤمن بآيات ربنا. فنزعها الله من الـيهود, فقال: الّذِينَ
يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِـيّ الأُمّيّ... الاَيات كلها. قال: فنزعها الله من
إبلـيس ومن الـيهود وجعلها لهذه الأمة.




11877ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج,
قال: لـما نزلت: وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ قال إبلـيس: أنا من كلّ شيء,
قال الله: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتَونَ الزّكاةَ وَالّذِينَ هُمْ
بآياتِنا يُؤْمِنُونَ... الاَية. فقالت الـيهود: ونـحن نتقـي ونؤتـي الزكاة. فأنزل
الله: الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِـيّ الأُمّيّ قال: نزعها الله عن
إبلـيس وعن الـيهود, وجعلها لأمة مـحمد, سأكتبها للذين يتقون من قومك.




11878ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة,
قوله: عَذَابـي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أشاءُ وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فقال
إبلـيس: أنا من ذلك الشيء, فأنزل الله: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ معاصي
الله, والّذِينَ هُمْ بآياتِنا يُؤْمِنُونَ. فتـمنتها الـيهود والنصارى. فأنزل
الله شرطا وثـيقا بـينا, فقال: الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِـيّ الأُمّيّ
فهو نبـيكم كان أميا لا يكتب, صلى الله عليه وسلم.




11879ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا خالد الـحذّاء, عن
أنـيس بن أبـي العريان, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَاكْتُبْ لَنا فِـي الدّنْـيا
حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ إنّا هُدْنا إلَـيْكَ قال: فلـم يعطها, فقال: عَذَابِـي
أُصِيبُ بِهِ مَنْ أشاءُ وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسأكْتُبُها للّذِينَ
يَتّقُونَ إلـى قوله: الرّسُولَ النّبِـيّ الأُمّيّ.




حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا ابن علـية وعبد الأعلـى, عن خالد, عن أنـيس بن
أبـي العربـان قال عبد الأعلـى: عن أنـيس أبـي العريان وقال: قال ابن عبـاس:
وَاكْتُبْ لَنا فِـي هَذِهِ الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ إنّا هُدْنا
إلَـيْكَ قال: فلـم يعطها موسى. قالَ عَذَابِـي أُصيبُ بِهِ مَنْ أشاءُ
وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسأكْتُبُها... إلـى آخر الاَية.




11880ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية,
عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قال: كان الله كتب فـي الألواح ذكر مـحمد وذكر أمته وما
ادخر لهم عنده وما يسّر علـيهم فـي دينهم وما وسّع علـيهم فـيـما أحلّ لهم, فقال:
عَذَابِـي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أشاءُ وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ
فَسأكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ يعنـي الشرك, الاَية.




وقال آخرون: بل ذلك علـى العموم فـي الدنـيا وعلـى الـخصوص فـي الاَخرة.
ذكر من قال ذلك.




11881ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر,
عن الـحسن وقتادة, فـي قوله: وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ قالا: وسعت فـي
الدنـيا البرّ والفـاجر, وهي يوم القـيامة للذين اتقوا خاصة.




وقال آخرون: هي علـى العموم, وهي التوبة. ذكر من قال ذلك.




11882ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله:
أنْتَ وَلِـيّنا فـاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وأنْتَ خَيْرُ الغافِرِينَ وَاكْتُبْ
لَنا فِـي هَذِهِ الدّنْـيا حَسَنَةً وفِـي الاَخِرَةِ إنّا هُدْنا إلَـيْكَ فقال:
سأل موسى هذا, فقال الله: عَذَابـي أُصِيبُ به مَنْ أَشَاءُ العذاب الذي ذكر
ورَحْمتـي التوبةُ وَسِعَتْ كُلّ شَيءٍ فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ. قال:
فرحمته: التوبة التـي سأل موسى علـيه السلام كتبها الله لنا.




وأما قوله: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ فإنه يقول: فسأكتب رحمتـي
التـي وسعت كلّ شيء. ومعنى «أكتب» فـي هذا الـموضع: أكتب فـي اللوح الذي كتب فـيه
التوراة للّذين يَتّقُونَ يقول: للقوم الذين يخافون الله ويخشون عقابه علـى الكفر
به والـمعصية له فـي أمره ونهيه, فـيؤدون فرائضه, ويجتنبون معاصيه.




وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنهم
يتقونه, فقال بعضهم: هو الشرك. ذكر من قال ذلك.




11883ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية,
عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ يعنـي الشرك.




وقال آخرون: بل هو الـمعاصي كلها. ذكر من قال ذلك.




11884ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة:
فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ معاصي الله.




وأما الزكاة وإيتاؤها, فقد بـيّنا صفتها فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته.



وقد ذُكر عن ابن عبـاس فـي هذا الـموضع
أنه قال فـي ذلك ما:




11885ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال ثنـي معاوية, عن علـيّ,
عن ابن عبـاس: وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ قال: يطيعون الله ورسوله.




فكأن ابن عبـاس تأوّل ذلك بـمعنى أنه العمل بـما يزكي النفس ويطهّرها من
صالـحات الأعمال.




وأما قوله: وَالّذِينَ هُمْ بآياتِنا يُؤْمِنُونَ فإنه يقول: وللقوم الذين
هم بأعلامنا وأدلتنا يصدّقون ويقرّون.



الآية : 157


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ
الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ
الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ
وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ }..




وهذا القول إبـانة من الله جلّ ثناؤه عن أن الذين وعد موسى نبـيه علـيه
السلام أن يكتب لهم الرحمة التـي وصفها جلّ ثناؤه بقوله: وَرَحْمَتِـي وَسِعَتْ
كُلّ شَيْءٍ هم أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم, لأنه لا يعلـم لله رسول وصف بهذه
الصفة أعنـي الأميّ غير نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم, وبذلك جاءت الروايات عن
أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.




11886ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, عن عطاء, عن سعيد بن
جبـير, عن ابن عبـاس: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال: أمة مـحمد صلى الله
عليه وسلم.




قال: ثنا زيد بن حُبـاب, عن حماد بن سلـمة, عن عطاء, عن ابن عبـاس, قال:
أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم.




11887ـ حدثنا أبو كريب وابن وكيع, قالا: حدثنا يحيى بن يـمان, عن أشعث, عن
جعفر, عن سعيد, فـي قوله: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال: أمة مـحمد صلى
الله عليه وسلم, فقال موسى علـيه السلام: لـيتنـي خُـلقت فـي أمة مـحمد




11888ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن عطاء, عن سعيد بن
جبـير: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال: الذين يتبعون مـحمدا صلى الله عليه
وسلم.




11889ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن شهر بن حَوْشَب, عن
نَوْف الـحميريّ, قال: لـما اختار موسى قومه سبعين رجلاً لـميقات ربه قال الله
لـموسى: أجعل لكم الأرض مسجدا وطَهُورا, وأجعل السكينة معكم فـي بـيوتكم, وأجعلكم
تقرءون التوراة عن ظهور قلوبكم, يقرؤها الرجل منكم والـمرأة والـحرّ والعبد
والصغير والكبـير. فقال موسى لقومه: إن الله قد يجعل لكم الأرض طَهُورا ومسجدا.
قالوا: لا نريد أن نصلـي إلاّ فـي الكنائس. قال: ويجعل السكينة معكم فـي بـيوتكم.
قالوا: لا نريد إلاّ أن تكون كما كانت فـي التابوت. قال: ويجعلكم تقرءون التوراة
عن ظهور قلوبكم, ويقرؤها الرجل منكم والـمرأة والـحرَ والعبد الصغير والكبـير.
قالوا: لا نريد أن نقرأها إلاّ نظرا. فقال الله: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ
وَيُؤْتَونَ الزّكاةَ... إلـى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ.




11890ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن
يحيى بن أبـي كثـير, عن نوف البِكالـيّ, قال: لـما انطلق موسى بوفد بنـي إسرائيـل
كلـمه الله, فقال: إنـي قد بسطت لهم الأرض طَهورا ومساجد يصلون فـيها حيث أدركتهم
الصلاة إلاّ عند مرحاض أو قبر أو حمام, وجعلت السكينة فـي قلوبهم, وجعلتهم يقرءون
التوراة عن ظهر ألسنتهم. قال: فذكر ذلك موسى لبنـي إسرائيـل, فقالوا: لا نستطيع
حمل السكينة فـي قلوبنا, فـاجعلها لنا فـي تابوت, ولا نقرأ التوراة إلاّ نظرا, ولا
نصلـي إلاّ فـي الكنـيسة فقال الله: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتَونَ
الزّكاةَ... حتـى بلغ: أُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ. قال: فقال موسى علـيه
السلام: يا رب اجعلنـي نبـيهم قال: نبـيهم منهم. قال: ربّ اجعلنـي منهم قال: لن
تدركهم. قال: يا ربّ أتـيتك بوفد بنـي إسرائيـل, فجعلت وفـادتنا لغيرنا فأنزل
الله: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمّةٌ يُهْدُونَ بـالـحَقّ وبِهِ يَعْدِلُونَ. قال
نوف البِكالـي: فـاحمدوا الله الذي حفظ غيبتكم, وأخذ لكم بسهمكم, وجعل وفـادة بنـي
إسرائيـل لكم.




حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا معاذ بن هشام, قال: ثنـي أبـي, عن يحيى
بن أبـي كثـير, عن نوف البِكالـي بنـحوه, إلاّ أنه قال: فإنـي أنزل علـيكم التوراة
تقرءونها عن ظهر ألسنتكم, رجالكم ونساؤكم وصبـيانكم. قالوا: لا نصلـي إلاّ فـي
كنـيسة, ثم ذكر سائر الـحديث نـحوه.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد
بن جبـير: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال: أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم.




11891ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا
أسبـاط, عن السديّ: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ قال: هؤلاء أمة مـحمد صلى
الله عليه وسلم.




11892ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة,
قال: لـما قـيـل: فَسأَكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتَونَ الزّكاةَ
وَالّذِينَ هُمْ بآياتِنا يُؤْمِنُونَ تـمنتها الـيهود والنصارى, فأنزل الله شرطا
بَـيّنا وثـيقا, فقال: الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِـيّ الأُمّيّ وهو
نبـيكم صلى الله عليه وسلم كان أميّا لا يكتب.




وقد بـيّنا معنى الأميّ فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته.




وأما قوله: الّذِي يَجدُونَهُ مَكْتُوبـا عنْدَهُمْ فِـي التّوْرَاةِ
والإنْـجِيـل فإن الهاء فـي قوله: يَجِدُونَهُ عائدة علـى الرسول, وهو مـحمد صلى
الله عليه وسلم. كالذي:




11893ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا
أسبـاط, عن السديّ, قوله: الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِـيّ الأُمّيّ هذا
مـحمد صلى الله عليه وسلم.




11894ـ حدثنـي ابن الـمثنى, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا فلـيح عن
هلال بن علـيّ, عن عطاء بن يسار, قال: لقـيت عبد الله بن عمرو, فقلت: أخبرنـي عن
صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي التوراة قال: أجل والله إنه لـموصوف فـي
التوراة كصفته فـي القرآن: يا أيّهَا النّبـيّ إنّا أرْسلناكَ شاهِدا ومبشّرا
ونذِيرا وحرزا للأميـين, أنت عبدي ورسولـي, سميتك الـمتوكل, لـيس بفظّ ولا غلـيظ
ولا صخّاب فـي الأسواق, ولا يَجْزِي بـالسيئة السيئة, ولكن يعفو ويصفح ولن نقبضه
حتـى نقـيـم به الـملة العوجاء, بأن يقولوا: لا إله إلاّ الله, فنفتـح به قلوبـا
غُلْفـا وآذانا صُمّا, وأعينا عُمْيا. قال عطاء: ثم لقـيت كعبـا فسألته عن ذلك,
فما اختلفـا حرفـا, إلاّ أن كعبـا قال بلغته: قلوبـا غُلُوفِـيَا. وآذانا صموميا,
وأعينا عموميَا.




حدثنـي أبو كريب, قال: حدثنا موسى بن داود, قال: حدثنا فلـيح بن سلـيـمان,
عن هلال بن علـيّ, قال: ثنـي عطاء, قال: لقـيت عبد الله بن عمرو بن العاص, فذكر
نـحوه. إلاّ أنه قال فـي كلام كعب: أعينا عُمُومَا, وآذانا صُمُومَا, وقلوبـا
غُلُوفَـا.




قال: ثنا موسى, قال: حدثنا عبد العزيز بن سلـمة, عن هلال بن علـيّ, عن عطاء
بن يسار, عن عبد الله بنـحوه, ولـيس فـيه كلام كعب.




11895ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال الله:
الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبـا عِنْدَهُمْ يقول: يجدون نعته وأمره ونبوّته مكتوبـا
عندهم.




القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يَأْمُرُهُمْ بـالـمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ
عَنِ الـمُنْكَرِ ويُحِلّ لَهُمُ الطّيِبـاتِ ويُحَرّمُ عَلَـيْهِمُ الـخَبـائِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأَغْلالَ التـي كانَتْ عَلَـيْهِمْ.




يقول تعالـى ذكره: يأمر هذا النبـيّ الأميّ أتبـاعه بـالـمعروف, وهو
الإيـمان بـالله ولزوم طاعته فـيـما أمر ونهى, فذلك الـمعروف الذي يأمرهم به,
وينهاهم عن الـمنكر وهو الشرك بـالله, والانتهاء عما نهاهم الله عنه.




وقوله: ويُحِلّ لَهُمُ الطّيّبـاتِ وذلك ما كانت الـجاهلـية تـحرّمه من
البحائر والسوائب والوصائل والـحوامي. ويُحَرّمُ عَلَـيهِمُ الـخبَـائِثَ وذلك
لـحم الـخنزير والربـا, وما كانوا يستـحلونه من الـمطاعم والـمشارب التـي حرّمها
الله. كما:




11896ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية,
عن علـيّ, عن ابن عبـاس: ويُحَرّمُ عَلَـيْهِمُ الـخَبـائِثَ وهو لـحم الـخنزير
والربـا, وما كانوا يستـحلونه من الـمـحرّمات من الـمآكل التـي حرّمها الله.




وأما قوله: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ الّتِـي كانَتْ
عَلَـيْهِمْ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله, فقال بعضهم: يعنـي بـالإصر:
العده والـميثاق الذي كان أخذه علـى بنـي إسرائيـل بـالعمل بـما فـي التوراة. ذكر
من قال ذلك.




11897ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن أبـي رَوْق, عن الضحاك,
عن ابن عبـاس: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال: عهدهم.




11898ـ قال: ثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك, قال: عهدهم.




حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن علـيّ, قال: أخبرنا هشيـم, عن جويبر,
عن الضحاك, مثله.




11899ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن مبـارك, عن الـحسن:
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال: العهود التـي أعطوها من أنفسهم.




11900ـ قال: ثنا ابن نـمير, عن موسى بن قـيس, عن مـجاهد: وَيَضَعُ عَنْهُمْ
إصْرَهُمْ قال: عهدهم.




11901ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا
أسبـاط, عن السديّ: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التـي كانَتْ
عَلَـيْهِمْ يقول: يضع عنهم عهودهم ومواثـيقهم التـي أخذت علـيهم فـي التوراة
والإنـجيـل.




11902ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية,
عن علـي, عن ابن عبـاس: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التـي كانَتْ
عَلَـيْهِمْ ما كان الله أخذ علـيهم من الـميثاق فـيـما حرّم علـيهم, يقول: يضع
ذلك عنهم.




وقال بعضهم: عنـي بذلك أنه يضع عمن اتبع نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم
التشديد الذي كان علـى بنـي إسرائيـل فـي دينهم. ذكر من قال ذلك.




11903ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة:
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التـي كانَتْ عَلَـيْهِمْ فجاء مـحمد صلى
الله عليه وسلم بإقالة منه وتـجاوز عنه.




11904ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن سالـم,
عن سعيد: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال: البول ونـحوه مـما غلظ علـى بنـي
إسرائيـل.




11905ـ قال: ثنا الـحِمّانـي, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال:
شدّة العمل.




11906ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج,
قال: قال مـجاهد, قوله: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التـي كانَتْ
عَلَـيْهِمْ قال: من اتبع مـحمدا ودينه من أهل الكتاب, وضع عنهم ما كان علـيهم من
التشديد فـي دينهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:56 pm

11907ـ حدثنا ابن وكيع,
قال: حدثنا ابن فضيـل, عن أشعث, عن ابن سيرين, قال: قال أبو هريرة لابن عبـاس: ما
علـينا فـي الدين من حرج أن نزنـي ونسرق؟ قال: بلـى, ولكن الإصر الذي كان علـى
بنـي إسرائيـل وُضع عنكم.




11908ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله:
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال:, قال: قال أبو هريرة لابن عبـاس: ما علـينا فـي
الدين من حرج أن نزنـي ونسرق؟ قال: بلـى, ولكن الإصر الذي كان علـى بنـي إسرائيـل
وُضع عنكم.




11909ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله:
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ قال: ها من الأعمال الشديدة كقطع الـجلد من البول,
وتـحريـم الغنائم, ونـحو ذلك من الأعمال التـي كانت علـيهم مفروضة, فنسخها حكم
القرآن.




وأما الأغلال التـي كانت علـيهم, فكان ابن زيد يقول بـما:




11910ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب عنه فـي قوله: والأغْلالَ التـي
كانَتْ عَلَـيْهِمْ قال: الأغلال. وقرأ غُلّتْ أيْدِيهِمْ قال: تلك الأغلال, قال:
ودعاهم إلـى أن يؤمنوا بـالنبـيّ, فـيضع ذلك عنهم.




القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـالّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ
وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ
الـمُفْلِـحُونَ.




يقول تعالـى ذكره: فـالذين صدّقوا بـالنبـيّ الأميّ, وأقرّوا بنبوّته,
وعَزّرُوهُ يقول: وَقّروه وعظموه وحموه من الناس. كما:




11911ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية,
عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وعَزّروه يقول: حَموه ووقروه.




11912ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: ثنـي موسى بن قـيس, عن
مـجاهد: وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ قال: عزّروه: سدّدوا أمره, وأعانوا رسوله ونصروه.




وقوله نَصَرُوهُ يقول: وأعانوه علـى أعداء الله وأعدائه بجهادهم ونصب
الـحرب لهم. وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ يعنـي القرآن والإسلام.
أُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ يقول: الذين يفعلون هذه الأفعال التـي وصف بها جلّ
ثناؤه أتبـاع مـحمد صلى الله عليه وسلم هم الـمنـجحون. الـمدركون ما طلبوا ورجوا
بفعلهم ذلك.




11913ـ حدثنـي بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة,
قال: فما نقموا, يعنـي الـيهود إلاّ أن حسدوا نبـيّ الله, فقال الله: الّذِينَ
آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ فأما نصره وتعزيره فقد سُبقتـم به, ولكن
خياركم من آمن بـالله واتبع النور الذي أنزل معه.




يريد قتادة بقوله: «فما نقموا إلاّ أن حسدوا نبـيّ الله» أن الـيهود كان
مـحمد صلى الله عليه وسلم بـما جاء به من عند الله رحمة علـيهم لو اتبعوه, لأنه
جاء بوضع الإصر والأغلال عنهم, فحملهم الـحسد علـى الكفر به وترك قبول التـخفـيف
لغلبة خذلان الله علـيهم.



الآية : 158


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ
اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآ
إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ
الاُمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ
تَهْتَدُونَ }..




يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد للناس
كلهم: إنّـي رَسولُ الله إلـيْكمْ جَمِيعا لا إلـى بعضكم دون بعض, كما كان من
قبلـي من الرسل, مرسلاً إلـى بعض الناس دون بعض, فمن كان منهم أرسل كذلك, فإن
رسالتـي لـيست إلـى بعضكم دون بعض ولكنها إلـى جميعكم. وقوله: الّذِي من نعت اسم
الله. وإنـما معنى الكلام: قا يا أيها الناس, إنـي رسول الله الذي له ملك السموات
والأرض إلـيكم.




ويعنـي جل ثناؤه بقوله: الّذِي لَه مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ: الذي له
سلطان السموات والأرض وما فـيهما, وتدبـير ذلك وتصريفه. لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول:
لا ينبغي أن تكون الألوهة والعبـادة إلاّ له جلّ ثناؤه دون سائر الأشياء غيره من
الأنداد والأوثان, إلاّ لـمن له سلطان كلّ شيء والقادر علـى إنشاء خـلق كل ما شاء
وإحيائه وإفنائه إذا شاء إماتته. فآمِنُوا بـاللّهِ وَرَسُولِهِ يقول جلّ ثناؤه:
قل لهم: فصدّقوا بآيات الله الذي هذه صفته, وأقرّوا بوحدانـيته, وأنه الذي له
الألوهة والعبـادة, وصدّقوا برسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم أنه مبعوث إلـى خـلقه
داع إلـى توحيده وطاعته.




القول فـي تأويـل قوله تعالـى: النّبِـيّ الأمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بـاللّهِ
وكَلِـماتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ.




وأما قوله: النّبِـيّ الأمّيّ فإنه من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم,
وقد بـينت معنى النبـيّ فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. ومعنى قوله: الأمّيّ
الذِي يؤْمنُ بـاللّهِ يقول: الذي يصدّق بـالله وكلـماته. ثم اختلف أهل التأويـل
فـي تأويـل قوله: وكَلِـماتِهِ فقال بعضهم: معناه: وآياته. ذكر من قال ذلك.




11914ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة,
قوله: الّذِي يُؤْمِنُ بـاللّهِ وكَلِـماتِهِ يقول: آياته.




وقال آخرون: بل عنـي بذلك عيسى ابن مريـم علـيه السلام. ذكر من قال ذلك.




11915ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج,
قال: قال مـجاهد, قوله: الّذي يُؤْمِنُ بـاللّهِ وكَلِـماتِهِ قال: عيسى ابن
مريـم.




11916ـ وحدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن
السديّ: الّذِي يُؤْمِنُ بـاللّهِ وكَلِـماتِهِ فهو عيسى ابن مريـم.




قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن الله تعالـى ذكره أمر
عبـاده أن يصدّقوا بنبوّة النبـيّ الأميّ الذي يؤمن بـالله وكلـماته. ولـم يخصص
الـخبر جلّ ثناؤه عن إيـمانه من كلـمات الله ببعض دون بعض, بل أخبرهم عن جميع
الكلـمات, فـالـحقّ فـي ذلك أن يعمّ القول, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يؤمن بكلـمات الله كلها علـى ما جاء به ظاهر كتاب الله.




وأما قوله: وَاتّبعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ فـاهتدوا به أيها الناس,
واعملوا بـما أمركم أن تعملوا به من طاعة الله لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ يقول: لكي
تهتدوا فَتَرشُدوا, وتصيبوا الـحقّ فـي اتبـاعكم إياه.



الآية : 159


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِن قَوْمِ مُوسَىَ أُمّةٌ يَهْدُونَ
بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }..




يقول تعالـى ذكره: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى يعنـي بنـي إسرائيـل, أُمّةٌ يقول:
جماعة, يَهْدُونَ بـالـحَقّ يقول: يهتدون بـالـحقّ: أي يستقـيـمون علـيه ويعملون,
وَبِهِ يَعْدِلونَ: أي وبـالـحقّ يعطون ويأخذون, وينصفون من أنفسهم فلا يجورون.
وقد قال فـي صفة هذه الأمة التـي ذكرها الله فـي الاَية جماعة أقوالاً نـحن ذاكرو
ما حضَرَنا منها:




11917ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير,
عن ابن عيـينة, عن صدقة أبـي الهذيـل, عن السديّ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمّةٌ
يَهْدُونَ بـالـحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قال: قوم بـينكم وبـينهم نهر من شهد.



11918ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال:
ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمّةٌ يَهْدُونَ بـالـحَقّ
وَبِهِ يَعْدِلُونَ قال: بلغنـي أن بنـي إسرائيـل لـما قتلوا أنبـياءهم كفروا,
وكانوا اثنـي عشر سبطا, تبرأ سبط منهم مـما صنعوا, واعتذروا, وسألوا الله أن يفرّق
بـينهم وبـينهم, ففتـح الله لهم نَفَقا فـي الأرض, فساروا فـيه حتـى خرجوا من وراء
الصين, فهم هنالك حنفـاء مسلـمون, يستقبلون قبلتنا. قال ابن جريج: قال ابن عبـاس:
فذلك قوله: وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِـي إسْرَائِيـلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فإذَا
جاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِـيفـا ووعد الاَخرة عيسى ابن مريـم
يخرجون معه. قال ابن جريج: قال ابن عبـاس: ساروا فـي السّرَب سنة ونصفـا.



الآية : 160


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَطّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ
اضْرِب بّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ
عَلِمَ كُلّ أُنَاسٍ مّشْرَبَهُمْ وَظَلّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ
وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنّ وَالسّلْوَىَ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـَكِن كَانُوَاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }..




يقول تعالـى ذكره: فرقناهم, يعنـي قوم موسى من بنـي إسرائيـل, فرّقهم الله
فجعلهم قبـائل شتـى, اثنتـي عشرة قبـيـلة. وقد بـيّنا معنى الأسبـاط فـيـما مضى
ومن هم.




واختلف أهل العربـية فـي وجه تأنـيث الاثنتـي عشرة والأسبـاط جمع مذكر,
فقال بعض نـحويـي البصرة: أراد اثنتـي عشرة فرقة, ثم أخبر أن الفِرَق أسبـاط, ولـم
يجعل العدد علـى أسبـاط. وكان بعضهم يَسْتَـخِـلّ هذا التأويـل ويقول: لا يخرج
العدد علـى عين الثانـي, ولكن الفِرق قبل الاثنتـي عشرة حتـى تكون الاثنتا عشرة
مؤنثة علـى ما قبلها, ويكون الكلام: وقطعناهم فِرَقا اثنتـي عشرة أسبـاطا, فـيصحّ
التأنـيث لـما تقدّم. وقال بعض نـحويـي الكوفة, إنـما قال اثنتـي عشرة بـالتأنـيث
والسبط مذكر, لأن الكلام ذهب إلـى الأمـم فغلّب التأنـيث وإن كان السبط ذكرا, وهو
مثل قول الشاعر:



وَإنّ كِلابـا هَذِهِ عَشْرٌ أبْطُنٍوأنْتَ
بَرِيءٌ مِنْ قَبـائِلِهاالعَشْرِ




ذهب بـالبطن إلـى القبـيـلة والفصيـلة, فلذلك جمع البطن بـالتأنـيث.




وكان آخرون من نـحويـي الكوفة يقولون: إنـما أنثت «الاثنتا عشرة» و «السبط»
ذَكر, لذكر «الأمـم».




والصواب من القول فـي ذلك عندي أن الاثنتـي عشرة أنثت لتأنـيث القطعة.
ومعنى الكلام: وقطعناهم قطعا اثنتـي عشرة, ثم ترجم عن القطع بـالأسبـاط. وغير جائز
أن تكون الأسبـاط مفسرة عن الاثنتـي عشرة وهي جمع, لأن التفسير فـيـما فوق العشر
إلـى العشرين بـالتوحيد لا بـالـجمع, والأسبـاط جمع لا واحد, وذلك كقولهم: عندي
اثنتا عشرة امرأة, ولا يقال: عندي اثنتا عشرة نسوة, ففـي ذلك أن الأسبـاط لـيست
بتفسير للاثنتـي عشرة, وإن القول فـي ذلك علـى ما قلنا. وأما الأمـم فـالـجماعات,
والسبط فـي بنـي إسرائيـل نـحو القرن. وقـيـل: إنـما فرّقوا أسبـاطا لاختلافهم فـي
دينهم.




القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأوْحَيْنا إلـى مُوسَى إذِ اسْتَسْقاهُ
قَوْمُهُ أنِ اضْرِبْ بعَصَاكَ الـحَجَرَ فـانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ
عَيْنا قَدْ عَلِـمَ كُلّ أُناسٍ مَشْرَبهُمْ وَظَلّلْنا عَلَـيْهِمُ الغَمامَ
وأنْزَلْنا عَلَـيْهِمُ الـمَنّ والسّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيّبـاتِ ما رَزَقْناكُمْ
وَما ظَلَـمُونا وَلَكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِـمونَ.




يقول تعالـى ذكره: وأوحينا إلـى موسى إذ فرّقنا بنـي إسرائيـل قومه اثنتـي
عشرة فرقة, وتـيهناهم فـي التـيه فـاستسقوا موسى من العطش وغئور الـماء أنِ
اضْرِبْ بعَصَاكَ الـحَجَرَ وقد بـينا السبب الذي كان قومه استسقوه, وبـيّنا معنى
الوحي بشواهده. فـانْبَجَسَتْ فـانصبت وانفجرت من الـحجر اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنا
من الـماء, قَدْ عَلِـمَ كُلّ أُناسٍ يعنـي: كلّ أناس من الأسبـاط الاثنتـي عشرة
مَشرَبَهُمْ لا يدخـل سبط علـى غيره فـي شربه. وَظَلّلْنا عَلَـيْهِمُ الغَمامَ
يُكِنّهم من حرّ الشمس وأذاها. وقد بـيّنا معنى الغمام فـيـما مضى قبل, وكذلك
الـمنّ والسلوى. وأنْزَلْنا عَلَـيْهِمُ الـمَنّ والسّلْوَى طعاما لهم. كُلُوا
مِنْ طَيّبـاتِ ما رَزَقْناكُمْ يقول: وقلنا لهم: كلوا من حلال ما رزقناكم أيها
الناس وطيّبناه لكم. وَما ظَلَـمُونَا وَلَكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِـمُونَ,
وفـي الكلام مـحذوف ترك ذكره استغناء بـما ظهر عما ترك, وهو: فأجمعوا ذلك وقالوا:
لن نصبر علـى طعام واحد, فـاستبدلوا الذي هو أدنى بـالذي هو خير. وَما ظَلَـمُونا
يقول: وما أدخـلوا علـينا نقصا فـي ملكنا وسلطاننا بـمسألتهم ما سألوا, وفعلهم ما
فعلوا. وَلَكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِـمُونَ: أي ينقصونها حظوظها بـاستبدالهم
الأدنى بـالـخير والأرذل بـالأفضل.



الآية : 161


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَـَذِهِ
الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطّةٌ وَادْخُلُواْ
الْبَابَ سُجّداً نّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيَئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ }..




يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر أيضا يا مـحمد من
خطإ فعل هؤلاء القوم وخلافهم علـى ربهم وعصيانهم نبـيهم موسى علـيه السلام
وتبديـلهم القول الذي أمروا أن يقولوه حين قال الله لهم: اسْكُنُوا هَذِهِ
القَرْيَةَ وهي قرية بـيت الـمقدس, وكُلُوا مِنْها يقول: من ثمارها وحبوبها
ونبـاتها, حَيْثُ شِئْتُـمْ منها يقول: أنى شئتـم منها, وَقُولُوا حِطّةٌ يقول:
وقولوا: هذه الفعلة حطة تـحطّ ذنوبنا, نَغْفِرْ لَكُمْ: يتغمد لكم ربكم ذنوبكم
التـي سلفت منكم, فـيعفو لكم عنها, فلا يؤاخذكم بها. سَنزِيدُ الـمُـحْسِنِـينَ
منكم, وهم الـمطيعون لله, علـى ما وعدتكم من غفران الـخطايا. وقد ذكرنا الروايات
فـي كل ذلك بـاختلاف الـمختلفـين والصحيح من القول لدينا فـيه فـيـما مضى بـما
أغنـي عن إعادته.



الآية : 162


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ
قَوْلاً غَيْرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مّنَ
السّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ }.




يقول تعالـى ذكره: فغير الذين كفروا بـالله منهم ما أمرهم الله به من
القول, فقالوا: وقد قـيـل لهم قولوا هذه حطة: حنطة فـي شعيرة وقولهم ذلك كذلك هو
غير القول الذي قـيـل لهم قولوه. يقول الله تعالـى: فَأرْسَلْنا عَلَـيْهِمْ
رِجْزا مِنَ السّماءِ: بعثنا علـيهم عذابـا أهلكناهم بـما كانوا يغيّرون ما
يُؤمرون به, فـيفعلون خلاف ما أمرهم الله بفعله ويقولون غير الذي أمرهم الله
بقـيـله. وقد بـيّنا معنى الرجز فـيـما مضى.



الآية : 163


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الّتِي
كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ
حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ
كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }..




يقول تعالـى ذكره: واسأل يا مـحمد هؤلاء الـيهود وهم مـجاوروك, عن أمر
القرية التـي كانت حاضرة البحر, يقول: كانت بحضرة البحر أي بقرب البحر وعلـى
شاطئه.




واختلف أهل التأويـل فـيها, فقال بعضهم: هي أيـلة. ذكر من قال ذلك.




11919ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن إدريس, عن مـحمد بن إسحاق, عن داود
بن حصين, عن عكرمة عن ابن عبـاس: وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ
حاضِرَةَ البَحْرِ قال: هي قرية يقال لها أيـلة, بـين مدين والطور.




11920ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن
عبد الله بن كثـير, فـي قوله: وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ
حاضِرَةَ البَحْرِ قال: سمعنا أنها أيـلة.




11921ـ حدثنـي سلام بن سالـم الـخزاعيّ, قال: حدثنا يحيى بن سلـيـم
الطائفـيّ, قال: حدثنا ابن جريج, عن عكرمة, قال: دخـلت علـى ابن عبـاس والـمصحف
فـي حجره, وهو يبكي, فقلت: ما يبكيك جعلنـي الله فداك؟ فقال: ويـلك, وتعرف القرية
التـي كانت حاضرة البحر؟ فقلت: تلك أيـلة.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي بكر الهذلـيّ, عن عكرمة, عن ابن
عبـاس: وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ قال: هي أيـلة.




حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ
بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال: هي قرية علـى شاطىء البحر بـين مصر والـمدينة
يقال لها أيـلة.




11922ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن
السديّ, قال: هم أهل أيـلة, القرية التـي كانت حاضرة البحر.




11923ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا أبو سعد, عن مـجاهد, فـي قوله:
وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ قال أيـلة.




وقال آخرون: معناه: ساحل مدين.




11924ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة:
وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ... الاَية, ذكر لنا
أنها كانت قرية علـى ساحل البحر يقال لها أيـلة.




وقال آخرون: هي مقنا. ذكر من قال ذلك.




11925ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن يزيد, فـي قوله:
وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ قال: هي قرية يقال
لها مقنا بـين مدين وعينونَى.




وقال آخرون: هي مدين. ذكر من قال ذلك.




11926ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق, عن
داود بن الـحصين, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: هي قرية بـين أيـلة والطور يقال
لها مدين.




والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: هي قرية حاضرة البحر, وجائز أن يكون
أيـلة, وجائز أن تكون مدين, وجائز أن تكون مقنا لأن كلّ ذلك حاضرة البحر. ولا خبر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع العذر بأن ذلك من أيّ, والاختلاف فـيه علـى
ما وصفت, ولا يوصل إلـى علـم ما قد كان فمضى مـما لـم نعاينه, إلاّ بخبر يوجب
العلـم ولا خبر كذلك فـي ذلك.




وقوله: إذْ يَعْدُونَ فـي السّبْتِ يعنـي به أهله: إذ يعتدون فـي السبت أمر
الله, ويتـجاوزونه إلـى ما حرّمه الله علـيهم, يقال منه: عدا فلان أمرى واعتدى:
إذا تـجاوزه. وكان اعتداؤهم فـي السبت أن الله كان حرّم علـيهم السبت, فكانوا
يصطادون فـيه السمك. إذْ تَأتِـيهِمْ حيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعا: يقول:
إذ تأتـيهم حيتانهم يوم سبتهم الذي نهوا فـيه عن العمل شرّعا, يقول: شارعة ظاهرة
علـى الـماء من كلّ طريق وناحية كشوارع الطوق. كالذي:




11927ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عثمان بن سعد, عن بشر بن عمارة, عن أبـي
روق, عن الضحاك عن ابن عبـاس: إذْ تأتِـيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ
شُرّعا يقول: ظاهرة علـى الـماء.




11928ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي
أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس شُرّعا يقول: من كلّ مكان.




وقوله: وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ يقول: ويوم لا يعظمونه تعظيـمهم السبت,
وذلك سائر الأيام غير يوم السبت, لا تأتـيهم الـحيتان. كذلكَ نَبْلُوهُمْ بِـمَا
كانُوا يَفْسُقُونَ يقول: كما وصفنا لكم من الاختبـار والابتلاء الذي ذكرنا بإظهار
السمك لهم علـى ظهر الـماء فـي الـيوم الـمـحرّم علـيهم صيده, وإخفـائها عنه فـي
الـيوم الـمـحلل صيده, كذلك نبلوهم ونـختبرهم بـما كَانُوا يَفْسُقُونَ يقول:
بفسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها.




واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ فقُرىء بفتـح
الـياء من «يسبتون» من قول القائل: سَبَتَ فلان يَسْبِتُ سَبْتا وسُبُوتا: إذا
عظّم السبت. وذُكر عن الـحسن البصري أنه كان يقرؤه: «وَيَوْمَ لا يُسْبِتُونَ» بضم
الـياء, من أسْبَتَ القوم يسبتون: إذا دخـلوا فـي السبت, كما يقال: أجمعنا مرّت
بنا جمعة, وأشهرنا مرّ بنا شهر, وأسبتنا مرّ بنا سبت. ونصب «يوم» من قوله:
وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ بقوله: لا تَأتِـيهِمْ, لأن معنى الكلام: لا تأتـيهم يوم
لا يسبتون.



الآية : 164


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قَالَتْ أُمّةٌ مّنْهُمْ لِمَ
تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً
قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىَ رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ }..




يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر أيضا يا مـحمد,
إذ قالت أمة منهم, جماعة منهم لـجماعة كانت تعظ الـمعتدين فـي السبت وتنهاهم عن
معصية الله فـيه: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكهُمْ فـي الدنـيا
بـمعصيتهم إياه, وخلافهم أمره, واستـحلالهم ما حرّم علـيهم. أوْ مُعَذّبُهُمْ
عَذَابـا شَدِيدا فـي الاَخرة, قال الذين كانوا ينهونهم عن معصية الله مـجيبـيهم
عن قولهم: عظتنا إياهم مَعْذِرَةً إلـى رَبّكُمْ نؤدّي فرضه علـينا فـي الأمر
بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر. وَلَعَلّهُمْ يَتّقونَ يقول: ولعلهم أن يتقوا الله
فـيخافوه, فـينـيبوا إلـى طاعته ويتوبوا من معصيتهم إياه وتعدّيه علـى ما حرّم
علـيهم من اعتدائهم فـي السبت. كما:




11929ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن داود بن
الـحصين, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: قالُوا مَعْذِرَةً إلـى رَبّكُمْ لسخطنا
أعمالهم. وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ: أي ينزعون عما هم علـيه.




11930ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله:
وَلَعلّهُمْ يَتّقُونَ قال: يتركون هذا العمل الذي هم علـيه.




واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: قالُوا مَعْذِرَةً فقرأ ذلك عامة قرّاء
الـحجاز والكوفة والبصرة: «مَعْذِرَةٌ» بـالرفع علـى ما وصفت من معناها. وقرأ ذلك
بعض أهل الكوفة: مَعْذِرَةً نصبـا, بـمعنى: إعذارا وعظناهم وفعلنا ذلك.




واختلف أهل العلـم فـي هذه الفرقة التـي قالت: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما
اللّهُ مُهْلِكُهُمْ هل كانت من الناجية, أم من الهالكة؟ فقال بعضهم: كانت من
الناجية, لأنها كانت من الناهية الفرقةَ الهالكة عن الاعتداء فـي السبت. ذكر من
قال ذلك.



11931ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ قالَتْ أُمّةٌ
مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابـا
شَدِيدا هي قرية علـى شاطىء البحر بـين مكة والـمدينة يقال لها أيـلة, فحرّم الله
علـيهم الـحيتان يوم سبتهم, فكانت الـحيتان تأتـيهم يوم سبتهم شرّعا فـي ساحل
البحر, فإذا مضى يوم السبت لـم يقدروا علـيها, فمكثوا بذلك ما شاء الله. ثم إن
طائفة منهم أخذوا الـحيتان يوم سبتهم, فنهتهم طائفة وقالوا: تأخذونها وقد حرّمها
الله علـيكم يوم سبتكم فلـم يزدادوا إلاّ غيّا وعتوّا, وجعلت طائفة أخرى تنهاهم.
فلـما طال ذلك علـيهم قالت طائفة من النهاة: تعلـمون أن هؤلاء قوم قد حقّ علـيهم
العذاب لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكهُمْ؟ وكانوا أشدّ غضبـا لله من
الطائفة الأخرى, فقالوا: معذِرَةً إلـى رَبّكُمْ وَلَعلّهُمْ يَتّقُونَ وكلّ قد
كانوا ينهون. فلـما وقع علـيهم غضب الله, نـجت الطائفتان اللتان قالوا: لِـمَ
تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ, والذين قالوا: مَعْذِرَةً إلـى رَبّكُمْ,
وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الـحيتان, فجعلهم قردة وخنازير.




11932ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال ثنـي عمي, قال: ثنـي
أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ
حاضِرَةَ البَحْرِ... إلـى قوله: وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأتِـيهِم وذلك أن
أهل قرية كانت حاضرة البحر كانت تأتـيهم حيتانهم يوم سبتهم, يقول: إذا كانوا يوم
يسبتون تأتـيهم شرّعا, يعنـي من كلّ مكان, ويَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأتِـيهِمْ.
وأنهم قالوا: لو أنا أخذنا من هذه الـحيتان يوم تـجيء ما يكفـينا فـيـما سوى ذلك
من الأيام. فوعظهم قوم مؤمنون ونهوهم. وقالت طائفة من الـمؤمنـين: إن هؤلاء قوم قد
هموا بأمر لـيسوا بـمنتهين دونه, والله مخزيهم ومعذّبهم عذابـا شديدا. قال
الـمؤمنون بعضهم لبعض: مَعْذِرَةً إلـى رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ إن كان
هلاك فلعلنا ننـجو وإما أن ينتهوا فـيكون لنا أجرا. وقد كان الله جعل علـى بنـي
إسرائيـل يوما يعبدونه ويتفرّغون له فـيه, وهو يوم الاثنـين, فتعدّى الـخبثاء من
الاثنـين إلـى السبت, وقالوا: هو يوم السبت. فنهاهم موسى, فـاختلفوا فـيه, فجعل
علـيهم السبت, ونهاهم أن يعملوا فـيه وأن يعتدوا فـيه. وإن رجلاً منهم ذهب
لـيحتطب, فأخذه موسى علـيه السلام, فسأله: هل أمرك بهذا أحد؟ فلـم يجد أحدا أمره,
فرجمه أصحابه.




11933ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: قال
بعض الذين نهوهم لبعض: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ
مَعَذّبُهُمْ عَذَابـا شَدِيدا؟ يقول: لـم تعظونهم وقد وعظتـموهم فلـم يطيعوكم؟
فقال بعضهم: مَعْذِرَةً إلـى رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ.




11934ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا معاذ بن هانىء, قال: حدثنا
حماد, عن داود, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وَإذْ قالَتْ أُمّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ
تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـا شَدِيدا قال: ما
أدري أنـجا الذين قالوا: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أم لا؟ قال:
فلـم أزل به حتـى عرّفته أنهم قد نـجوا, فكسانـي حُلّة.




حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا حماد, عن داود, عن عكرمة, قال: قرأ ابن عبـاس
هذه الاَية, فذكر نـحوه, إلا أنه قال فـي حديثه: فما زلت أبصّره حتـى عرف أنهم قد
نـجوا.




حدثنـي سلام بن سالـم الـخزاعي, قال: حدثنا يحيى بن سلـيـم الطائفـي, قال:
حدثنا ابن جريج, عن عكرمة, قال: دخـلت علـى ابن عبـاس والـمصحف فـي حجره وهو يبكي,
فقلت: ما يبكيك جعلنـي الله فداءك؟ قال: فقرأ: وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ
التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ... إلـى قوله: بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ قال ابن
عبـاس: لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت نـخاف أن نكون مثلهم. فقلت: أما تسمع الله
يقول: فَلَـمّا عَتَوْا عَمّا نُهوا عَنْه؟ فسرّي عنه وكسانـي حُلّة.




11935ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن
جريج, قال: ثنـي رجل, عن عكرمة, قال: جئت ابن عبـاس يوما وهو يبكي, وإذا الـمصحف
فـي حجره, فأعظمت أن أدنو, ثم لـم أزل علـى ذلك حتـى تقدمت فجلست, فقلت: ما يبكيك
يا ابن عبـاس جعلنـي الله فداءك؟ فقال: هؤلاء الورقات. قال: وإذا هو فـي سورة
الأعراف. قال: تعرف أيـلة؟ قلت: نعم. قال: فإنه كان حيّ من يهود سيقت الـحيتان
إلـيهم يوم السبت ثم غاصت لا يقدرون علـيها حتـى يغوصوا بعد كدّ ومؤنة شديدة, كانت
تأتـيهم يوم السبت شرّعا بـيضا سمانا كأنها الـماخض, تنتطح ظهورها لبطونها
بأفنـيتهم وأبنـيتهم. فكانوا كذلك برهة من الدهر, ثم إن الشيطان أوحى إلـيهم,
فقال: إنـما نهيتـم عن أكلها يوم السبت, فخذوها فـيه وكلوها فـي غيره من الأيام
فقالت ذلك طائفة منهم, وقالت طائفة منهم: بل نهيتـم عن أكلها وأخذها وصيدها فـي
يوم السبت. وكانوا كذلك حتـى جاءت الـجمعة الـمقبلة, فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها
ونسائها, واعتزلت طائفة ذات الـيـمين وتنـحت, واعتزلت طائفة ذات الـيسار وسكتت,
وقال الأيـمنون: الله ينهاكم عن أن تعترضوا لعقوبة الله, وقال الأيسرون: لِـمَ
تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـا شَدِيدا؟ قال
الأيـمنون: مَعْذِرَةً إلـى رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ أي ينتهون, فهو أحبّ
إلـينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا, وإن لـم ينتهوا فمعذرة إلـى ربكم. فمضوا علـى
الـخطيئة, فقال الأيـمنون: قد فعلتـم يا أعداء الله, والله لا نبـايتكم اللـيـلة
فـي مدينتكم, والله ما نراكم تصبحون حتـى يصيبكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده
بـالعذاب فلـما أصبحوا ضربوا علـيهم البـاب ونادوا, فلـم يجابوا, فوضعوا سلـما
وأعلوا سور الـمدينة رجلاً, فـالتفت إلـيهم فقال: أي عبـاد الله قردة والله تعاوى
لها أذناب قال: ففتـحوا فدخـلوا علـيهم, فعرفت القردة أنسابها من الإنس, ولا تعرف
الإنس أنسابها من القردة, فجعلت القرود تأتـي نسيبها من الإنس, فتشمّ ثـيابه
وتبكي, فتقول لهم: ألـم ننهكم عن كذا؟ فتقول برأسها نعم. ثم قرأ ابن عبـاس:
فَلَـمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ أنْـجَيْنا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السّوءِ
وأخَذْنا الّذِينَ ظَلَـمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ قال:
فأرى الـيهود الذين نهوا قد نـجوا, ولا أرى الاَخرين ذكروا, ونـحن نرى أشياء
ننكرها, فلا نقول فـيها, قال: قلت: أي جعلنـي الله فداك, ألا ترى أنهم قد كرهوا ما
هم علـيه وخالفوهم وقالوا: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ
مَعَذّبُهُمْ؟ قال: فأمر بـي فكسيت بردين غلـيظين.




11936ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة:
وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحرِ ذكر لنا أنه إذا كان
يوم السبت أقبلت الـحيتان حتـى تنتطح علـى سواحلهم وأفنـيتهم لـما بلغها من أمر
الله فـي الـماء, فإذا كان فـي غير يوم السبت بعُدت فـي الـماء حتـى يطلبها
طالبهم, فأتاهم الشيطان, فقال: إنـما حرم علـيكم أكلها يوم السبت, فـاصطادوها يوم
السبت وكلوها فـيـما بعد... قوله: وَإذْ قالَتْ أُمّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ
قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـا شَدِيدا قالُوا مَعْذِرَةً
إلـى رَبّكُمْ وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ فصار القوم ثلاثة أصناف: أما صنف, فأمسكوا
عن حرمة الله ونهوا عن معصية الله. وأما صنف فأمسك عن حرمة الله هيبة لله. وأما
صنف فـانتهك الـحرمة ووقع فـي الـخطيئة.




11937ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن
ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس فـي قول الله: حاضِرَةَ البَحْرِ قال:
حرمت علـيهم الـحيتان يوم السبت, وكانت تأتـيهم يوم السبت شرّعا, بلاء ابتلوا به,
ولا تأتـيهم فـي غيره إلا أن يطلبوها, بلاء أيضا بـما كانوا يفسقون. فأخذوها يوم
السبت استـحلالاً ومعصية, فقال الله لهم: كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ إلا طائفة
منهم لـم يعتدوا ونهوهم, فقال بعضهم لبعض: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما.




11938ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله:
وَإذْ قالَتْ أُمّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ... حتـى
بلغ: وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ لعلهم يتركون ما هم علـيه. قال: كانوا قد بلوا بكفّ
الـحيتان عنهم, وكانوا يسبتون فـي يوم السبت, ولا يعملون فـيه شيئا, فإذا كان يوم
السبت أتتهم الـحيتان شرّعا, وإذا كان غير يوم السبت لـم يأت حوت واحد. قال:
وكانوا قوما قد قرنوا بحبّ الـحيتان, ولقوا منه بلاء, فأخذ رجل منهم حوتا, فربط
فـي ذنبه خيطا, ثم ربطه إلـى خَشَفَة, ثم تركه فـي الـماء, حتـى إذا غربت الشمس من
يوم الأحد اجترّه بـالـخيط, ثم شواه. فوجد جار له ريح حوت, فقال: يا فلان إنـي أجد
فـي بـيتك ريح نون فقال: لا. قال: فتطلع فـي تنوره فإذا هو فـيه فأخبره حينئذ
الـخبر, فقال: إنـي أرى الله سيعذّبك. قال: فلـما لـم يره عجل عذابـا, فلـما أتـى
السبت الاَخر أخذ اثنـين فربطهما, ثم اطلع جار له علـيه. فلـما رآه لـم يعجل
عذابـا جعلوا يصيدونه, فـاطلع أهل القرية علـيهم, فنهاهم الذين ينهون عن الـمنكر,
فكانوا فرقتـين: فرقة تنهاهم وتكفّ, وفرقة تنهاهم ولا تكفّ, فقال الذين نهوا وكفوا
للذين ينهون ولا يكفون: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ
مَعَذّبُهُمْ عَذَابـا شَدِيدا فقال الاَخرون: مَعْذِرَةً إلـى رَبّكُمْ
وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ فقال الله: فَلَـمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ أنْـجَيْنا
الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السّوءِ... إلـى قوله: بِـمَا كانُوا يَفْسُقُونَ قال
الله: فَلَـمّا عَتَوْا عَمّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً
خاسِئِينَ وقال لهم أهل تلك القرية: عملتـم بعمل سوّء, من كان يريد يعتزل ويتطهر فلـيعتزل
هؤلاء قال: فـاعتزل هؤلاء وهؤلاء فـي مدينتهم, وضربوا بـينهم سورا, فجعلوا فـي ذلك
السور أبوابـا يخرج بعضهم إلـى بعض. قال: فلـما كان اللـيـل طرقهم الله بعذابه,
فأصبح أولئك الـمؤمنون لا يرون منهم أحدا, فدخـلوا علـيهم, فإذا هم قردة, الرجل
وأزواجه وأولاده. فجعلوا يدخـلون علـى الرجل يعرفونه, فـيقولون: يا فلان ألـم
نـحذّرك سطوات الله؟ ألـم نـحذرك نقِمات الله؟ ونـحذّرك ونـحذرك؟ قال: فلـيس إلا
بكاء. قال: وأنـما عذّب الله الذين ظلـموا الذين أقاموا علـى ذلك. قال: وأما الذين
نهوا فكلهم قد نَهَى, ولكن بعضهم أفضل من بعض فقرأ: أنْـجَيْنا الّذينَ يَنْهَوْنَ
عَنِ السّوءِ وأخَذْنا الّذِين ظَلَـمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِـمَا كانُوا
يَفْسُقُونَ.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن داود, عن عكرمة, قال: قرأ ابن
عبـاس هذه الاَية: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ
عَذَابـا شَدِيدا قال: لا أدري أنـجا القوم أو هلكوا؟ فما زلت أبصّره حتـى عرف
أنهم نـجوا, وكسانـي حُلّة.







11939ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنـي أشهب بن عبد العزيز, عن مالك, قال: زعم
ابن رومان أن قوله: تَأتِـيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرّعا وَيَوْمَ لا
يَسْبِتُونَ لا تَأْتِـيهِمْ قال: كانت تأتـيهم يوم السبت, فإذا كان الـمساء ذهبت
فلا يرى منها شيء إلـى السبت, فـاتـخذ لذلك رجل منهم خيطا ووتدا, فربط حوتا منها
فـي الـماء يوم السبت, حتـى إذا أمسوا لـيـلة الأحد أخذه فـاشتواه, فوجد الناس
ريحه, فأتوه فسألوه عن ذلك, فجحدهم, فلـم يزالوا به حتـى قال لهم: فإنه جلد حوت
وجدناه فلـما كان السبت الاَخر فعل مثل ذلك, ولا أدري لعله قال: ربط حوتـين, فلـما
أمسى من لـيـلة الأحد أخذه فـاشتواه, فوجدوا ريحه, فجاءوا فسألوه, فقال لهم: لو
شئتـم صنعتـم كما أصنع, فقالوا له: وما صنعت؟ فأخبرهم, ففعلوا مثل ما فعل, حتـى
كثر ذلك. وكانت لهم مدينة لها ربَض, فغلّقوها علـيهم, فأصابهم من الـمسخ ما
أصابهم, فغدا إلـيهم جيرانهم مـمن كان يكون حولهم, يطلبون منهم ما يطلب الناس,
فوجدوا الـمدينة مغلقة علـيهم, فنادوا فلـم يجيبوهم, فتسوّروا علـيهم, فإذا هم
قردة, فجعل القرد يدنو يتـمسح بـمن كان يعرف قبل ذلك ويدنو منه ويتـمسح به.




وقال آخرون: بل الفرقة التـي قالت: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ
مُهْلِكُهُمْ كانت من الفرقة الهالكة. ذكر من قال ذلك:




11940ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن إدريس, عن مـحمد بن إسحاق, عن داود
بن حصين, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ
حاضِرَةَ البَحْرِ... إلـى قوله: شُرّعا قال: قال ابن عبـاس: ابتدعوا السبت,
فـابتلوا فـيه, فحرّمت علـيهم فـيه الـحيتان, فكانوا إذا كان يوم السبت شرَعت لهم
الـحيتان ينظرون إلـيها فـي البحر, فإذا انقضى السبت ذهبت, فلـم تر حتـى السبت
الـمقبل, فإذا جاء السبت جاءت شرّعا. فمكثوا ما شاء الله أن يـمكثوا كذلك, ثم إن
رجلاً منهم أخذ حوتا فخزم أنفه, ثم ضرب له وتدا فـي الساحل وربطه وتركه فـي
الـماء, فلـما كان الغد أخذه فشواه فأكله. ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون, ولا
ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه, حتـى ظهر ذلك فـي الأسواق وفعل علانـية, قال:
فقالت طائفة للذين ينهون: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ
مَعَذّبُهُمْ عَذَابـا شَدِيدا قالُوا مَعْذرَةً إلـى رَبّكُمْ فـي سخطنا أعمالهم
وَلَعَلّهُمْ يَتّقُونَ فَلَـمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ... إلـى قوله: قُلْنا
لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ. قال ابن عبـاس: كانوا أثلاثا: ثلث نهوا, وثلث
قالوا: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ, وثلث أصحاب الـخطيئة. فلـما
نـجا إلا الذين نهوا, وهلك سائرهم, فأصبح الذين نهوا عن السوء ذات يوم فـي
مـجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم, فغلقوا علـيهم دورهم, فجعلوا يقولون: إن للناس
لشأنا, فـانظروا ما شأنهم فـاطلعوا فـي دورهم, فإذا القوم قد مسخوا فـي ديارهم
قردة, يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد, ويعرفون الـمرأة بعينها وإنها لقردة, قال
الله: فجَعَلْناها نَكالاً لِـمَا بـينَ يَدَيْها وما خَـلْفَها وَمَوْعِظَةً
للْـمُتّقِـينَ.




11941ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن أبـي بكر الهذلـيّ, عن عكرمة,
عن ابن عبـاس: أنْـجَيْنا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السّوءِ... الاَية, قال ابن
عبـاس: نـجا الناهون, وهلك الفـاعلون, ولا أدري ما صنع بـالساكتـين.




11942ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن
قتادة, عن ابن عبـاس: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ قال: هم ثلاث فرق:
الفرقة التـي وعظت, والـموعوظة التـي وُعِظت, والله أعلـم ما فعلت الفرقة الثالثة,
وهم الذين قالوا: لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ.




وقال الكلبـي: هما فرقتان: الفرقة التـي وعظت, والفرقة التـي قالت: لِـمَ
تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ قال: هي الـموعوظة.




11943ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمران بن عيـينة, عن عطاء بن السائب, عن
سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: لأن أكون علـمتُ مَنْ هؤلاء الذين قالوا: لِـمَ
تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مَعَذّبُهُمْ عَذَابـا شَدِيدا أحبّ
إلـيّ مـما عدل به.




حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, قال: قال ابن عبـاس: وَإذْ
قالَتْ أُمّةٌ مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ قال: أسمع
الله يقول: أنْـجَيْنا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السّوءِ وأخَذْنا الّذِينَ
ظَلَـمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ فلـيت شعري ما فعل بهؤلاء الذين قالوا: لِـمَ
تَعِظُونَ قَوْما اللّهُ مُهْلِكُهُمْ.



11944ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن
جعفر, عن ماهان الـحنفـيّ أبـي صالـح, فـي قوله: تَأتِـيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ
سَبْتِهِمْ شُرّعا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِـيهِمْ قال: كانوا فـي
الـمدينة التـي علـى ساحل البحر, وكانت الأيام ستة, الأحد إلـى الـجمعة, فوضعت
الـيهود يوم السبت, وسَبَتوه علـى أنفسهم, فسبته الله علـيهم, ولـم يكن السبت قبل
ذلك, فوكّده الله علـيهم, وابتلاهم فـيه بـالـحيتان, فجعلت تشرع يوم السبت, فـيتقون
أن يصيبوا منها, حتـى قال رجل منهم: والله ما السبت بـيوم وكّده الله علـينا,
ونـحن وكدناه علـى أنفسنا, فلو تناولت من هذا السمك فتناول حوتا من الـحيتان, فسمع
بذلك جاره, فخاف العقوبة فهرب من منزله. فلـما مكث ما شاء الله ولـم تصبه عقوبة
تناول غيره أيضا فـي يوم السبت. فلـما لـم تصبهم العقوبة كثر من تناول فـي يوم
السبت, واتـخذوا يوم السبت ولـيـلة السبت عيدا يشربون فـيه الـخمور ويـلعبون فـيه
بـالـمعازف, فقال لهم خيارهم وصلـحاؤهم: ويحكم, انتهوا عما تفعلون, إن الله مهلككم
أو معذّبكم عذابـا شديدا أفلا تعقلون؟ ولا تعدوا فـي السبت فأبوا, فقال خيارهم:
نضرب بـيننا وبـينهم حائطا ففعلوا. وكان إذا كان لـيـلة السبت تأذّوا بـما يسمعون
من أصواتهم وأصوات الـمعازف. حتـى إذا كانت اللـيـلة التـي مسخوا فـيها, سكنت
أصواتهم أوّل اللـيـل, فقال خيارهم: ما شأن قومكم قد سكنت أصواتهم اللـيـلة؟ فقال
بعضهم: لعلّ الـخمر غلبتهم فناموا. فلـما أصبحوا لـم يسمعوا لهم حسّا, فقال بعضهم
لبعض: ما لنا لا نسمع من قومكم حسّا؟ فقالوا لرجل: اصعد الـحائط وانظر ما شأنهم
فصعد الـحائط فرآهم يـموج بعضهم فـي بعض, قد مسخوا قردة, فقال لقومه: تعالوا
فـانظروا إلـى قومكم ما لقوا فصعدوا, فجعلوا ينظرون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
el-shab7-tauson
المدير العام

المدير العام
el-shab7-tauson


. : تفسير سورة الاعراف E861fe10
عدد المشاركات : 3017
تاريخ التسجيل : 21/02/2011
الموقع : shbab-star.yoo7.com
العمر : 29

تفسير سورة الاعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة الاعراف   تفسير سورة الاعراف Empty9/1/2012, 8:57 pm

إلـى الرجل, فـيتوسمون فـيه, فـيقولون:
أي فلان أنت فلان؟ فـيومىء بـيده إلـى صدره: أي نعم بـما كسبت يداي.




11945ـ حدثنـي يعقوب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علـية, عن أيوب قال: تلا
الـحسن ذات يوم: وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ
إذْ يَعْدُونَ فِـي السّبْتِ إذْ تَأتِـيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ
شُرّعا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِـيهِمْ كذلكَ نَبْلُوهُمْ بِـمَا كانُوا
يَفْسُقُونَ فقال: كان حوتا حرّمه الله علـيهم فـي يوم وأحله لهم فـيـما سوى ذلك,
فكان يأتـيهم فـي الـيوم الذي حرّمه الله علـيهم كأنه الـمخاض لا يـمتنع من أحد,
وقلّـما رأيت أحدا يكثر الاهتـمام بـالذنب إلا واقعه. قال: فجعلوا يهمون ويـمسكون
حتـى أخذوه, فأكلوا أوخم أكلة أكلها قوم قطّ, أثقله خزيا فـي الدنـيا وأشدّه عقوبة
فـي الاَخرة, وايـمُ الله ما حوت أخذه قوم فأكلوه أعظم عند الله من قتل رجل مؤمن,
وللـمؤمن أعظم حرمة عند الله من حوت, ولكن الله جعل موعد قوم الساعة والسّاعَةُ
أدْهَى وأَمَرّ.




11946ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا سفـيان, عن أبـي موسى, عن الـحسن, قال:
جاءتهم الـحيتان تشرع فـي حياضهم كأنها الـمخاض, فأكلوا والله أوخم أكلة أكلها قوم
قطّ, أسوأه عقوبة فـي الدنـيا وأشدّه عذابـا فـي الاَخرة. وقال الـحسن: وقتل
الـمؤمن والله أعظم من أكل الـحيتان.




11947ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء, قال: كنت جالسا فـي
الـمسجد, فإذا شيخ قد جاء وجلس الناس إلـيه, فقالوا: هذا من أصحاب عبد الله بن
مسعود, فقال: قال ابن مسعود: وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ التـي كانَتْ حاضِرَةَ
البَحْرِ... الاَية, قال: لـما حرّم علـيهم السبت كانت الـحيتان تأتـي يوم السبت,
وتأمن وتـجيء فلا يستطيعون أن يـمسّوها, وكان إذا ذهب السبت ذهبت, فكانوا
يتصيّدُونَ كما يتصيّد الناس. فلـما أرادوا أن يعدوا فـي السبت, اصطادوا, فنهاهم
قوم من صالـحيهم, فأبوا, وكثّرهم الفجار, فأراد الفجار قتالهم, فكان فـيهم من لا
يشتهون قتاله, أبو أحدهم وأخوه أو قريبه. فلـما نهوهم وأبوا, قال الصالـحون: إنا
نبـاينهم, وإنا نـجعل بـيننا وبـينهم حائطا ففعلوا, فلـما فقدوا أصواتهم, قالوا:
لو نظرتـم إلـى إخوانكم ما فعلوا فنظروا فإذا هم قد مسخوا قردة, يعرفون الكبـير
بكبره والصغير بصغره, فجعلوا يبكون إلـيهم. وكان هذا بعد موسى صلى الله عليه وسلم.



الآية : 165


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَماّ نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ
أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ
بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }..




يقول تعالـى ذكره: فلـما تركت الطائفة التـي اعتدت فـي السبت ما أمرها الله
به من ترك الاعتداء فـيه وضيعت ما وعظتها الطائفة الواعظة وذكرتها ما ذكرتها به من
تـحذيرها عقوبة الله علـى معصيتها فتقدمت علـى استـحلال ما حرّم الله علـيها,
أنـجى الله الذين ينهون منهم عن السوء, يعنـي عن معصية الله, واستـحلال حرمه. وأخَذْنا
الّذِينَ ظَلَـمُوا يقول: وأخذ الله الذين اعتدوا فـي السبت فـاستـحلوا فـيه ما
حرّم الله من صيد السمك وأكله, فأحلّ بهم بأسه وأهلكهم. بِعَذَابٍ شديد بِئِيسٍ
بِـمَا كانُوا يَفْسُقونَ يخالفون أمر الله, فـيخرجون من طاعته إلـى معصيته, وذلك
هو الفسق.




وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:




11948ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن
جريج, فـي قوله: فَلـمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ أنْـجَيْنا الّذِينَ يَنْهَوْنَ
عَنِ السّوءِ قال: فلـما نسوا موعظة الـمؤمنـين إياهم, الذين قالوا: لِـمَ
تَعِظُونَ قَوْما.




11949ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا حرميّ, قال: ثنـي شعبة, قال:
أخبرنـي عمارة, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: أنْـجَيْنا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ
السّوءِ قال: يا لـيت شعري ما السوء الذي نهوا عنه.




وأما قوله: بِعَذَابٍ بَئِيسٍ فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته, فقرأته عامة
قرّاء أهل الـمدينة: «بِعَذَابٍ بِـيسٍ» بكسر البـاء وتـخفـيف الـياء بغير همز,
علـى مثال «فِعْل». وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة والبصرة: بِعَذَابِ بَئِيسٍ علـى
مثل «فعيـل» من البؤس, بنصب البـاء وكسر الهمزة ومدّها. وقرأ ذلك كذلك بعض
الـمكيـين, غير أنه كسر بـار: «بِئِيسٍ» علـى مثال «فِعِيـل». وقرأه بعض
الكوفـيـين: «بَـيْئِسٍ» بفتـح البـاء, وتسكين الـياء, وهمزة بعدها مكسورة علـى
مثال «فَـيْعِلٍ». وذلك شاذّ عند أهل العربـية, لأن «فـيعل» إذا لـم يكن من ذوات
الـياء والواو, فـالفتـح فـي عينه الفصيح فـي كلام العرب, وذلك مثل قولهم فـي
نظيره من السالـم: صيقل, ونـيرب, وإنـما تكسر العين من ذلك فـي ذوات الـياء
والواو, كقولهم: سيد, وميت. وقد أنشد بعضهم قول امرىء القـيس بن عابس الكنديّ:



كِلاهُما كانَ رَئِيسا بَـيْئِسَايَضْرِبُ فِـي
يَوْمِ الهِياجِ القَوْنَسا




بكسر العين من «فَـيْعِل», وهي الهمزة من بـيئِس. فلعلّ الذي قرأ ذلك كذلك
قرأه علـى هذه. وذكر عن آخر من الكوفـيـين أيضا أنه قرأه: بَـيْئَس نـحو القراءة
التـي ذكرناها قبل هذه, وذلك بفتـح البـاء وتسكين الـياء وفتـح الهمزة بعد الـياء
علـى مثال «فَـيْعَل» مثل «صَيْقَل». وروي عن بعض البصريـين أنه قرأه: «بَئِس»
بفتـح البـاء وكسر الهمزة علـى مثال «فَعِل», كما قال ابن قـيس الرقـيات:



لَـيْتَنِـي ألْقَـي رُقَـيّةَ فِـيخَـلْوَةٍ
مِنْ غيرِ ما بَئِسِ




وروى عن آخر منهم أنه قرأ: «بِئْسَ» بكسر البـاء وفتـح السين علـى معنى بئس
العذاب.




وأولـى هذه القراءات عندي بـالصواب قراءة من قرأه: بَئِيس بفتـح البـاء
وكسر الهمزة ومدّها علـى مثال فَعِيـل, كما قال ذو الأصبع العدوانـي:



حَنَقا عَلـيّ وَلَنْ تَرَىلـي فِـيهِمُ أثَرا
بَئِيسا




لأن أهل التأويـل أجمعوا علـى أن معناه شديد, فدلّ ذلك علـى صحة ما اخترنا.
ذكر من قال ذلك:




11950ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن
جريج, قال: أخبرنـي رجل عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وأخَذْنا الّذِينَ
ظَلَـمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ: ألـيـم وجيع.




11951ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن
ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: بِعَذَابٍ بَئِيسٍ قال: شديد.




حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح,
عن مـجاهد: بِعَذَابٍ بَئِيسٍ: ألـيـم شديد.



11952ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا
مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: بِعَذَابٍ بَئِيسٍ قال: موجع.




11953ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: بِعَذَابٍ
بَئِيسٍ قال: بعذاب شديد.



الآية : 166


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَماّ عَتَوْاْ عَن مّا نُهُواْ عَنْهُ
قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }..




يقول تعالـى ذكره: فلـما تـمرّدوا فـيـما نهوا عنه من اعتدائهم فـي السبت,
واستـحلالهم ما حرّم الله علـيهم من صيد السمك وأكله وتـمادوا فـيه قُلْنا لَهُمْ
كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ: أي بُعداء من الـخير.




وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:




11954ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة:
فَلَـمّا عَتَوْا عَمّا نُهُوا عَنْهُ يقول: لـما مرد القوم علـى الـمعصية. قُلْنا
لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فصاروا قردة لها أذناب تَعَاوَى بعد ما كانوا
رجالاً ونساء.




11955ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي
أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: فَلَـمّا عَتَوْا عَمّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنا
لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فجعل الله منهم القردة والـخنازير. فزعم أن
شبـاب القوم صاروا قردة, وأن الـمشيخة صاروا خنازير.




11956ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـيّ, قال: حدثنا شريك, عن
السديّ, عن أبـي مالك أو سعيد بن جبـير, قال: رأى موسى علـيه السلام رجلاً يحمل
قصبـا يوم السبت, فضرب عنقه.



الآية : 167


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكَ لَيَبْعَثَنّ
عَلَيْهِمْ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ إِنّ
رَبّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنّهُ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ }..




يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: وَإذْ تَأذّنَ واذكر يا مـحمد إذ آذن ربك فأعلـم.
وهو تفعل من الإيذان, كما قال الأعشى ميـمون بن قـيس:



آذَنَ الـيَوْمَ جِيرَتِـي بِخُفُوفِصَرَمُوا
حَبْلَ آلِفٍ مَأْلُوفِ




يعنـي بقوله آذن: أعلـم, وقد بـينا ذلك بشواهده فـي غير هذا الـموضع.




وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:




11957ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن
ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ قال: أمر ربك.




حدثنا الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز. قال: حدثنا أبو سعد, عن مـجاهد:
وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ قال: أمر ربك.




وقوله: لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ يعنـي: أعلـم ربك لـيبعثنّ علـى الـيهود
من يسومهم سوء العذاب, قـيـل: إن ذلك العرب بعثهم الله علـى الـيهود يقاتلون من
لـم يسلـم منهم ولـم يعط الـجزية, ومن أعطى منهم الـجزية كان ذلك له صَغَارا وذلة.




وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:




11958ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم وعلـيّ بن داود قالا: حدثنا عبد الله بن
صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ
لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ مَنْ يَسُومهُمْ سُوءَ
العَذَابِ قال: هي الـجزية, والذين يسومونهم: مـحمد صلى الله عليه وسلم وأمته إلـى
يوم القـيامة.




11959ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي
أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ لَـيَبْعَثَنّ
عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ فهي
الـمسكنة, وأخذ الـجزية منهم.




حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال
ابن عبـاس: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ
القِـيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ قال: يهود, وما ضرب علـيهم من الذلة
والـمسكنة.




11960ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَإذْ
تَأذّنَ رَبّكَ لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ
سُوءَ العَذَابِ قال: فبعث الله علـيهم هذا الـحيّ من العرب, فهم فـي عذاب منهم
إلـى يوم القـيامة.




11961ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن
قتادة: لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ قال:
بعث علـيهم هذا الـحيّ من العرب, فهم فـي عذاب منهم إلـى يوم القـيامة. وقال عبد
الكريـم الـجزري: يُستـحبّ أن تبعث الأنبـاط فـي الـجزية.




11962ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل, عن يعقوب, عن جعفر,
عن سعيد: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ
مَنْ يَسُومُهُمْ قال: العرب. سُوءَ العَذَابِ قال: الـخراج. وأوّل من وضع الـخراج
موسى علـيه السلام, فجبى الـخراج سبع سنـين.




حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ
لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ قال: العرب.
سُوءَ العَذَابِ قال: الـخراج. قال: وأوّل من وضع الـخراج موسى, فجبى الـخراج سبع
سنـين.




حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ
لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ
العَذَابِ قال: هم أهل الكتاب, بعث الله علـيهم العرب يجبونهم الـخراج إلـى يوم
القـيامة, فهو سوء العذاب, ولـم يجب نبـيّ الـخراج قطّ إلا موسى صلى الله عليه
وسلم ثلاث عشرة سنة ثم أمسك, وإلا النبـيّ صلى الله عليه وسلم.




11963ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر,
عن قتادة, فـي قوله: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ
القِـيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ قال: يبعث علـيهم هذا الـحيّ من
العرب, فهم فـي عذاب منهم إلـى يوم القـيامة.




11964ـ قال: أخبرنا معمر, قال: أخبرنـي عبد الكريـم, عن ابن الـمسيب, قال:
يستـحبّ أن تبعث الأنبـاط فـي الـجزية.




11965ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا
أسبـاط, عن السديّ: وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ
القِـيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ يقول: إن ربك يبعث علـى بنـي
إسرائيـل العرب, فـيسومونهم سوء العذاب: يأخذون منهم الـجزية ويقتلونهم.




11966ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله:
وَإذْ تَأذّنَ رَبّكَ لَـيَبْعَثَنّ عَلَـيْهِمْ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ لـيبعثنّ
علـى يهود.




القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّ رَبّكَ لَسَرَيعُ العِقابِ وَإنّهُ
لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ.




يقول تعالـى ذكره: إن ربك يا مـحمد لسريع عقابه إلـى من استوجب منه العقوبة
علـى كفره به ومعصيته له. وإنّهُ لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: وإنه لذو صفح عن ذنوب
من تاب من ذنوبه فأناب وراجع طاعته, يستر علـيها بعفوه عنها, رحيـم له أن يعاقبه
علـى جرمه بعد توبته منها, لأنه يقبل التوبة ويُقـيـل العثرة.



الآية : 168


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَطّعْنَاهُمْ فِي الأرْضِ أُمَماً
مّنْهُمُ الصّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ
وَالسّيّئَاتِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }..




يقول تعالـى ذكره: وفرّقنا بنـي إسرائيـل فـي الأرض أمـما, يعنـي جماعات
شتـى متفرّقـين. كما:




11967ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل, عن يعقوب, عن جعفر,
عن سعيد بن حبـير, عن ابن عبـاس: وَقَطّعناهُمْ فِـي الأرْضِ أُمَـما قال: فـي كلّ
أرض يدخـلها قوم من الـيهود.




11968ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن
ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَقَطّعناهُمْ فِـي الأرْضِ أُمَـما قال: يهود.




وقوله: مِنْهُمُ الصّالِـحُونَ يقول: من هؤلاء القوم الذين وصفهم الله من
بنـي إسرائيـل الصالـحون, يعنـي: من يؤمن بـالله ورسله. وَمِنْهُمْ دُونَ ذلكَ
يعنـي: دون الصالـح. وإنـما وصفهم الله جلّ ثناؤه بأنهم كانوا كذلك قبل ارتدادهم
عن دينهم وقبل كفرهم بربهم, وذلك قبل أن يُبعث فـيهم عيسى ابن مريـم صلوات الله
علـيه.




وقوله: وَبَلَوْناهُمْ بـالـحَسَناتِ وَالسّيّئاتِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ
يقول: واختبرناهم بـالرخاء فـي العيش, والـخفض فـي الدنـيا, والدعة والسعة فـي
الرزق, وهي الـحسنات التـي ذكرها جلّ ثناؤه. ويعنـي بـالسيئات: الشدّة فـي العيش,
والشظف فـيه, والـمصائب والرزايا فـي الأموال. لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول:
لـيرجعوا إلـى طاعة ربهم, وينـيبوا إلـيها, ويتوبوا من معاصيه.



الآية : 169


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ
الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـَذَا الأدْنَىَ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا
وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ
مّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ وَدَرَسُواْ
مَا فِيهِ وَالدّارُ الاَخِرَةُ خَيْرٌ لّلّذِينَ يَتّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
}..




يقول تعالـى ذكره: فخـلف من بعد هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم خـلْف يعنـي
خـلف سَوْء, يقول: حدث بعدهم وخلافهم, وتبدّل منهم بدل سوء, يقال منه: هو خَـلَفُ
صدق, وخَـلْفُ سَوْءٍ, وأكثر ما جاء فـي الـمدح بفتـح اللام وفـي الذمّ بتسكينها,
وقد تـحرّك فـي الذمّ وتسكن فـي الـمدح, ومن ذلك فـي تسكينها فـي الـمدح قول حسان:



لنا القَدَمُ الأُولـى إلـيكَ
وخَـلْفُنالاِءَوّلِنا فـي طاعَةِ اللّهِ تابِعُ




وأحسب أنه إذا وجه إلـى الفساد مأخوذ من قولهم: خـلف اللبن: إذا حمض من طول
تركه فـي السقاء حتـى يفسد, فكأنّ الرجل الفـاسد مشبّه به, وقد يجوز أن يكون منه
قولهم: خَـلَف فم الصائم: إذا تغيرت ريحه. وأما فـي تسكين اللام فـي الذمّ, فقول
لبـيد:



ذَهَبَ الّذِينَ يُعاشُ فِـي أكْنافِهِمْوَبَقِـيتُ
فِـي خَـلْفِ كَجِلْدِ الأجْرَبِ




وقـيـل: إن الـخـلْف الذي ذكر الله فـي هذه الاَية أنهم خـلَفوا من قبلهم
هم النصارى. ذكر من قال ذلك:




11969ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن
ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: فَخَـلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَـلْفٌ قال:
النصارى.




والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالـى إنـما وصف أنه
خـلَف القوم الذي قصّ قصصهم فـي الاَيات التـي مضت خـلف سوْء رديء, ولـم يذكر لنا
أنهم نصارى فـي كتابه, وقصتهم بقصص الـيهود أشبه منها بقصص النصارى. وبعدُ, فإن ما
قبل ذلك خبر عن بنـي إسرائيـل وما بعده كذلك, فما بـينهما بأن يكون خبرا عنهم
أشبه, إذ لـم يكن فـي الاَية دلـيـل علـى صرف الـخبر عنهم إلـى غيرهم, ولا جاء
بذلك دلـيـل يوجب صحة القول به.




فتأويـل الكلام إذن: فتبدّل من بعدهم بَدَلُ سوْء, ورثوا كتاب الله:
تعلـموه, وضيعوا العمل به فخالفوا حكمه, يُرْشَوْنَ فـي حكم الله, فـيأخذون الرشوة
فـيه من عرض هذا العاجل الأدنى, يعنـي بـالأدنى: الأقرب من الاَجل الأبعد, ويقولون
إذا فعلوا ذلك: إن الله سيغفر لنا ذنوبنا تـمنـيا علـى الله الأبـاطيـل, كما قال
جلّ ثناؤه فـيهم: فَوَيْـلٌ للّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بِأيْدِيهِمْ ثّم
يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِـيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنا قَلِـيلاً
فَوَيْـلٌ لَهُمْ مِـمّا كَتَبَتْ أيْدِيهِمْ وَوَيْـلٌ لَهُمْ مِـمّا يَكْسِبونَ.
وَإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُه يأخُذُوهُ يقول: وإن شرع لهم ذنب حرام مثله من
الرشوة بعد ذلك أخذوه واستـحلوه, ولـم يرتدعوا عنه. يخبر جلّ ثناؤه عنهم أنهم أهل
إصرار علـى ذنوبهم, ولـيسوا بأهل إنابة ولا توبة.




وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل وإن اختلفت عنه عبـاراتهم. ذكر
من قال ذلك:




11970ـ حدثنا أحمد بن الـمقدام, قال: حدثنا فضيـل بن عياض, عن منصور, عن
سعيد بن جبـير, فـي قوله: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ
سَيُغْفَرُ لَنا وَإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُه يأخُذُوهُ. قال: يعملون الذنب ثم
يستغفرون الله, فإن عرض ذلك الذنب أخذوه.




11971ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن
منصور, عن سعيد بن جبـير: وَإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُه يأخُذُوهُ قال: من
الذنوب.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن سعيد بن جبـير: يَأْخُذُونَ
عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا قال: يعملون بـالذنوب. وَإنْ
يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُه يأخُذُوهُ: قال: ذنب آخر يعملون به.




حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن سعيد بن جبـير:
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى قال: الذنوب. وَإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُه
يأخُذُوهُ قال: الذنوب.




11972ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن
ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى قال: ما أشرف لهم
من شيء فـي الـيوم من الدنـيا حلال أو حرام يشتهونه أخذوه, ويبتغون الـمغفرة, فإن
يجدوا الغد مثله يأخذوه.




حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن
مـجاهد, بنـحوه, إلا أنه قال: يتـمنون الـمغفرة.




حدثنا الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, عن مـجاهد:
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى قال: لا يشرف لهم شيء من الدنـيا إلا أخذوه
حلالاً كان أو حراما, ويتـمنون الـمغفرة, وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وإن يجدوا
عرضا مثله يأخذوه.




11973ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة,
قوله: فَخَـلَفَ مِنْ بَعْدهِمْ خَـلْفٌ: أي والله لـخـلْف سَوْء ورثوا الكتاب بعد
أنبـيائهم ورسلهم, ورّثهم الله وعهد إلـيهم, وقال الله فـي آية أخرى: فَخَـلَفَ
مِنْ بَعْدهِمْ خَـلْفٌ أضَاعُوا الصّلاةَ وَاتّبَعُوا الشّهَوَاتِ قال:
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا تـمنوا علـى الله
أمانـي وغرّة يغترّون بها. وَإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُه لا يشغلهم شيء عن شيء
ولا ينهاهم عن ذلك, كلـما أشرف لهم شيء من الدنـيا أكلوه لا يبـالون حلالاً كان أو
حراما.




11974ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن
قتادة: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى قال: يأخذونه إن كان حلالاً وإن كان
حراما. وَإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُه قال: إن جاءهم حلال أو حرام أخذوه.




11975ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا
أسبـاط, عن السديّ, قوله: فَخَـلَفَ مِنْ بَعْدهِمْ خَـلْفٌ... إلـى قوله:
وَدَرَسُوا ما فِـيهِ قال: كانت بنو إسرائيـل لا يستقضون قاضيا إلا ارتشى فـي
الـحكم. وإن خيارهم اجتـمعوا فأخذ بعضهم علـى بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا,
فجعل الرجل منهم إذا استُقْضِي ارتشى, فقال له: ما شأنك ترتشي فـي الـحكم؟ فـيقول:
سيغفر لـي فـيطعن علـيه البقـية الاَخرون من بنـي إسرائيـل فـيـما صنع. فإذا مات
أو نُزِع, وجُعل مكانه رجل مـمن كان يطعن علـيه فـيرتشي, يقول: وإن يأت الاَخرين
عرض الدنـيا يأخذوه. وأما عَرَض الأدنى, فعرض الدنـيا من الـمال.




11976ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي
أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: فَخَـلَفَ مِنْ بَعْدهِمْ خَـلْفٌ وَرِثُوا
الكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا يقول:
يأخذون ما أصابوا, ويتركون ما شاءوا من حلال أو حرام, ويقولون: سيغفر لنا.




11977ـ وحدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله:
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى قال: الكتاب الذي كتبوه, ويقولون: سَيُغْفَرُ
لَنا لا نشرك بـالله شيئا. وَإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُه يأخُذُوهُ يأتهم
الـمـحقّ برشوه, فـيخرجوا له كتاب الله ثم يحكموا له بـالرشوة. وكان الظالـم إذا
جاءهم برشوة أخرجوا له الـمثناة, وهو الكتاب الذي كتبوه, فحكموا له بـما فـي
الـمثناة بـالرشوة, فهو فـيها مـحقّ, وهو فـي التوراة ظالـم, فقال الله: ألَـمْ
يُؤخَذْ عَلَـيْهِمْ مِيثاقُ الكِتابِ ألاّ يَقُولُوا عَلـى اللّهِ إلاّ الـحَقّ
وَدَرَسوا ما فِـيهِ.




حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن سعيد بن جبـير, قوله:
فَخَـلَفَ مِنْ بَعْدهِمْ خَـلْفٌ ورِثُوا الكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا
الأدْنَى قال: يعملون الذنوب.




القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ألَـمْ يُؤخَذْ عَلَـيْهِمْ مِيثاقُ
الكِتابِ ألاّ يَقُولُوا علـى اللّهِ إلاّ الـحَقّ وَدَرَسُوا ما فِـيهِ والدّارُ
الاَخِرَةُ خَيْرٌ للّذِينَ يَتّقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ.




يقول تعالـى ذكره: ألـم يؤخذ علـى هؤلاء الـمرتشين فـي أحكامهم, القائلـين:
سيغفر الله لنا فعلنا هذا, إذا عوتبوا علـى ذلك ميثاقُ الكتاب, وهو أخذ الله
العهود علـى بنـي إسرائيـل بإقامة التوراة والعمل بـما فـيها. فقال جلّ ثناؤه
لهؤلاء الذين قصّ قصتهم فـي هذه الاَية موبخا لهم علـى خلافهم أمره ونقضهم عهده
وميثاقه: ألـم يأخذ الله علـيهم ميثاق كتابه ألاّ يَقُولُوا علـى اللّهِ إلاّ
الـحَقّ ولا يضيفوا إلـيه إلا ما أنزله علـى رسوله موسى صلى الله عليه وسلم فـي
التوراة, وأن لا يكذبوا علـيه؟ كما:




11978ـ حدثنا القاسم,قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج,
قال: قال ابن عبـاس: ألَـمْ يُؤخَذْ عَلَـيْهِمْ مِيثاقُ الكِتابِ ألاّ يَقُولُوا
علـى اللّهِ إلاّ الـحَقّ قال: فـيـما يوجبون علـى الله من غفران ذنوبهم التـي لا
يزالون يعودون فـيها ولا يتوبون منها.




وأما قوله: وَدَرَسُوا ما فِـيهِ فإنه معطوف علـى قوله: وَرِثُوا الكِتابَ
ومعناه: فخـلف من بعدهم خـلف ورثوا الكتاب, ودرسوا ما فـيه. ويعنـي بقوله:
وَدَرَسُوا ما فِـيهِ قرءوا ما فـيه. يقول: ورثوا الكتاب فعلـموا ما فـيه ودرسوه,
فضيعوه وتركوا العمل به, وخالفوا عهد الله إلـيهم فـي ذلك. كما:




11979ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله:
وَدَرَسُوا ما فِـيهِ قال: علـموه وعلـموا ما فـي الكتاب الذي ذكر الله وقرأ:
بِـمَا كُنْتُـمْ تُعَلّـمُونَ الكِتابَ وَبِـمَا كُنْتُـمْ تَدْرُسُونَ.




والدّارُ الاَخِرَةُ خَيْرٌ للّذِينَ يَتّقُونَ يقول جلّ ثناؤه: وما فـي
الدار الاَخرة, وهو ما فـي الـمعاد عند الله مـما أعدّ لأولـيائه والعاملـين بـما
أنزل فـي كتابه الـمـحافظين علـى حدوده, خير للذين يتقون الله ويخافون عقابه,
فـيراقبونه فـي أمره ونهيه, ويطيعونه فـي ذلك كله فـي دنـياهم. أفَلا تَعْقِلونَ
يقول: أفلا يعقل هؤلاء الذين يأخذون عرض هذا الأدنى علـى أحكامهم, ويقولون سيغفر
لنا, أن ما عند الله فـي الدار الاَخرة للـمتقـين العادلـين بـين الناس فـي
أحكامهم, خير من هذا العرض القلـيـل الذي يستعجلونه فـي الدنـيا علـى خلاف أمر
الله والقضاء بـين الناس بـالـجوار؟



الآية : 170


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ يُمَسّكُونَ بِالْكِتَابِ
وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ إِنّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ }..




واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعضهم: «يُـمْسِكُونَ» بتـخفـيف
الـميـم وتسكينها, من أمسك يـمسك. وقرأه آخرون: يُـمَسّكُونَ بفتـح الـميـم وتشديد
السين, من مسّك يـمسّك. ويعنـي بذلك: والذين يعملون بـما فـي كتاب الله, وأقاموا
الصلاة بحدودها, ولـم يضيعوا أوقاتها إنّا لا نُضِيعُ أجْرَ الـمُصْلِـحِينَ يقول
تعالـى ذكره: فمن فعل ذلك من خـلقـي, فإنـي لا أضيع أجر عمله الصالـح. كما:




11980ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وَالّذِينَ
يُـمَسّكُونَ بـالكِتابِ قال: كتاب الله الذي جاء به موسى صلى الله عليه وسلم.




11981ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج,
قال: قال مـجاهد, قوله: والّذِينَ يُـمَسّكُونَ بـالكِتابِ من يهود أو نصارى إنّا
لا نُضِيعُ أجْرَ الـمُصْلِـحِينَ.



الآية : 171


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ
كَأَنّهُ ظُلّةٌ وَظَنّوَاْ أَنّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم
بِقُوّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }..




يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا مـحمد إذ
اقتلعنا الـجبل, فرفعناه فوق بنـي إسرائيـل, كأنه ظلة غمام من الظلام, وقلنا لهم:
خذوا ما آتـيناكم بقوّة من فرائضنا, وألزمناكم من أحكام كتابنا, فـاقبلوه, واعملوا
بـاجتهاد منكم فـي أدائه من غير تقصير ولا توان. واذْكُرُوا ما فِـيهِ يقول ما فـي
كتابنا من العهود والـمواثـيق التـي أخذنا علـيكم بـالعمل بـما فـيه. لَعَلّكُمْ
تَتّقُونَ يقول: كي تتقوا ربكم, فتـخافوا عقابه بترككم العمل به إذا ذكرتـم ما أخذ
علـيكم فـيه من الـمواثـيق.




وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:




11982ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي
أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ نَتَقْنا الـجَبَلَ فَوْقَهُمْ كأنّهُ
ظُلّةٌ فقال لهم موسى: خذوا ما آتـيناكم بقوّة يقول: من العمل بـالكتاب وإلا خرّ
علـيكم الـجبل, فأهلككم فقالوا: بل نأخذ ما آتانا الله بقوّة ثم نكثوا بعد ذلك.




11983ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية,
عن علـيّ عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ نَتَقْنا الـجَبَلَ فَوْقَهُمْ كأنّهُ ظُلّةٌ
فهو قوله: وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطّورَ بِـمِيثاقِهِمْ فقال: خُذُوا مَا
آتَـيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ, وإلا أرسلته علـيكم.




11984ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد بن عبد الله, عن داود, عن
عامر, عن ابن عبـاس, قال: إنـي لأعلـمُ خـلق الله لأيّ شيء سجدت الـيهود علـى حرف
وجوههم, لـما رفع الـجبل فوقهم سجدوا وجعلوا ينظرون إلـى الـجبل مخافة أن يقع
علـيهم, قال: فكانت سجدة رضيها الله, فـاتـخذوها سنة.




حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا داود, عن
عامر, عن ابن عبـاس, مثله.




11985ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة,
قوله: وَإذْ نَتَقْنا الـجَبَلَ فَوْقَهُمْ كأنّهُ ظُلّةٌ وَظَنّوا أنّهُ وَاقِعٌ
بِهِمْ خُذُوا ما آتَـيْناكُمْ بِقُوّةٍ: أي بجدّ. واذْكُرُوا ما فِـيهِ
لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ جبل نزعه الله من أصله ثم جعله فوق رءوسهم, فقال: لتأخذنّ
أمري, أو لأرمينّكم به




11986ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن
جريج, قال مـجاهد: وَإذْ نَتَقْنا الـجَبَلَ قال: كما تنتق الزّبدة. قال ابن جريج:
كانوا أبوا التوراة أن يقبلوها أو يؤمنوا بها. خُذُوا ما آتَـيْناكُمْ بِقُوّةٍ
قال: يقول: لتؤمننّ بـالتوراة ولتقبلنها, أو لـيقعن علـيكم




11987ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن
عبد الله, قال: هذا كتاب الله أتقبلونه بـما فـيه, فإن فـيه بـيان ما أحلّ لكم وما
حرّم علـيكم وما أمركم وما نهاكم. قالوا: انشر علـينا ما فـيها, فإن كانت فرائضها
يسيرة وحدودها خفـيفة قبلناها قال: اقبلوها بـما فـيها قالوا: لا, حتـى نعلـم ما
فـيها كيف حدودها وفرائضها. فراجعوا موسى مرارا, فأوحى الله إلـى الـجبل, فـانقلع
فـارتفع فـي السماء حتـى إذا كان بـين رءوسهم وبـين السماء قال لهم موسى: ألا ترون
ما يقول ربـي؟ لئن لـم تقبلوا التوراة بـما فـيها لأرمينكم بهذا الـجبل قال:
فحدثنـي الـحسن البصري, قال: لـما نظروا إلـى الـجبل خرّ كلّ رجل ساجدا علـى حاجبه
الأيسر, ونظر بعينه الـيـمنى إلـى الـجبل, فرَقا من أن يسقط علـيه فلذلك لـيس فـي
الأرض يهوديّ يسجد إلا علـى حاجبه الأيسر, يقولون: هذه السجدة التـي رفُعت عنا بها
العقوبة. قال أبو بكر: فلـما نشَرَ الألواح فـيها كتاب الله كتبه بـيده, لـم يبق
علـى وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتزّ, فلـيس الـيوم يهوديّ علـى وجه
الأرض صغير ولا كبـير تقرأ علـيه التوراة إلا اهتزّ ونغض لها رأسه.




واختلف أهل العلـم بكلام العرب فـي معنى قوله: نَتَقْنا فقال بعض
البصريـين: معنى نتقنا: رفعنا واستشهد بقول العجّاج:



يَنْتُقُ أقْتادَ الشّلِـيـلِ نَتْقا



وقال: يعنـي بقوله: «ينتق» يرفعها عن ظهره. وبقول الاَخر:



وَنَتَقُوا أحْلامَنا الأثاقِلا



وقد حُكي عن قائل هذه الـمقالة قول آخر, وهو أن أصل النتق والنتوق كلّ شيء
قلعته من موضعه فرميت به, يقال منه: نتقت نتقا. قال: ولهذا قـيـل للـمرأة الكبـيرة
ناتق لأنها ترمي بأولادها رميا, واستشهد ببـيت النابغة:



لَـمْ يُحْرَمُوا حُسْنَ الغِذَاءِ
وأُمّهُمْدَحَقَتْ عَلَـيْكَ بِناتقٍ مِذْكارِ



وقال آخر: معناه فـي هذا الـموضع: رفعناه.
وقال: قالوا: نتقنـي السير: حرّكنـي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shbab-star.yoo7.com
 
تفسير سورة الاعراف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة يس
» تفسير سورة طه
» تفسير سورة ق
» تفسير سورة سبأ
» تفسير سورة عبس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شباب ستار :: عالــــــــ الدين الاسلامي ـــــــم :: القرأن الكريم-
انتقل الى: